بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: 261 ـ 270
(261)
والأوصياء ، والحجج ، وإن كانوا في الحقيقة اُمراء المؤمنين ، فإنّهم لم يمنعوا من هذا الاسم لأجل معناه ، لأنّه حاصل لهم على الاستحقاق ، وإنّما منعوا من لفظه ، حشمة لأمير المؤمنين ( عليه السلام ).
    وأنّ أفضل الأئمّة بعد أميرالمؤمنين ، ولده الحسن ، ثمّ الحسين ، وأفضل الباقين بعد الحسين ، إمام الزمان المهدي ( صلوات اللّه عليه ) ثمّ بقية الأئمّة بعده على ما جاء به الأثر وثبت في النظر.
    وأنّ المهدي ( عليه السلام ) هو الذي قال فيه رسول اللّه :
    « لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد ، لطوّل اللّه تعالى ذلك اليوم ، حتّى يظهر فيه رجل من ولدي يواطئ اسمه اسمي ، يملأها عدلا ، وقسطاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً » (1).
    فاسمه يواطئ اسم رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) وكنيته تواطئ كنيته ، غير أنّ النهي قد ورد عن اللفظ ، فلا يجوز أن يتجاوز في القول أنّه المهدي ، والمنتظر ، والقائم بالحق ، والخلف الصالح ، وإمام الزمان ، وحجة اللّه على الخلق.
    ويجب أن يعتقد أنّ اللّه فرض معرفة الأئمّة ( عليهم السلام ) بأجمعهم ، وطاعتهم ، وموالاتهم والاقتداء بهم ، والبراءة من أعدائهم وظالميهم ... وأنّه لا يتم الايمان إلاّ بموالاة أولياء اللّه ، ومعاداة أعدائه ، وأنّ أعداء الأئمّة
1 ـ روى هذا الحديث وأمثاله ابن خلدون في المقدّمة في الفصل الثاني والخمسين عن الترمذي ، وأبي داود باختلاف بعض ألفاظه ، وروى حوالي اثنين وثلاثين حديثاً ، وقال في ص 311 من المقدّمة :
« إنّ جماعة من الأئمّة خرّجوا أحاديث المهدي ، منهم : الترمذي ، وأبوداود ، والبزار ، وابن ماجة ، والحاكم ، والطبراني ، وأبو يعلى الموصلي ، واسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل علي ، وابن عباس ، وابن عمر ، وطلحة ، وابن مسعود ، وأبي هريرة ، وأنس ، وأبي سعيد الخدري ، واُمّ حبيبة ، واُمّ سلمة ، وثوبان ، وقرّة بن اياس ، وعلي الهلالي ».

(262)
( عليهم السلام ) كفّار ملحدون في النار ، وإن أظهروا الإسلام ، فمن عرف اللّه ورسوله والأئمّة الاثني عشر وتولاّهم وتبرّأ من أعدائهم فهو مؤمن ، ومن أنكرهم أو تولّى أعداءهم فهو ضال هالك لا ينفعه عمل ولا اجتهاد ، ولا تقبل له طاعة ولا تصحّ له حسنات ... (1).

    في التوبة والحشر والنشر :
    ويعتقد أنّ اللّه يزيد وينقص إذا شاء في الأرزاق والآجال.
    وأنّه لم يرزق العبد إلاّ ما كان حلالا طيّباً.
    ويعتقد أنّ باب التوبة مفتوح لمن طلبها ، وهي الندم على ما مضى من المعصية ، والعزم على ترك المعاودة إلى مثلها.
    وأنّ التوبة ماحية لما قبلها من المعصية التي تاب العبد منها.
    وتجوز التوبة من زلّة ، إذا كان التائب منها مقيماً على زلّة غيرها لا تشبهها ، ويكون له الأجر على التوبة ، وعليه وزر ما هو مقيم عليه من الزلّة.
    وأنّ اللّه يقبل التوبة بفضله وكرمه ، وليس ذلك لوجوب قبولها في العقل قبل الوعد ، وانّما علم بالسمع دون غيره.
    ويجب أن يعتقد أنّ اللّه سبحانه ، يميت العباد ويحييهم بعد الممات ليوم المعاد.
    وأنّ المحاسبة حق والقصاص ، وكذلك الجنّة والنار والعقاب.
    وأنّ مرتكبي المعاصي من العارفين باللّه ورسوله ، والأئمّة الطاهرين ، المعتقدين لتحريمها مع ارتكابها ، المسوّفين التوبة منها ، عصاة فسّاق ، وأنّ ذلك
1 ـ مكان النقاط كلمات غير واضحة.

(263)
لا يسلبهم اسم الايمان كما لم يسلبهم اسم الاسلام (1).
    وأنّهم يستحقّون العقاب على معاصيهم ، والثواب على معرفتهم باللّه تعالى ، ورسوله ، والأئمّة من بعده ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ).
    وما بعد ذلك من طاعتهم ، وأمرهم مردود إلى خالقهم ، وإن عفا عنهم فبفضله ورحمته ، وإن عاقبهم فبعدله وحكمته ، قال اللّه سبحانه :
    ( وَآخَرُون مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللّهِ إِمّا يُعَذِّبَهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ) (2).
    وأنّ عقوبة هؤلاء العصاة إذا شاءها اللّه تعالى ، لا تكون مؤبّدة ، ولها آخِر ، يكون بعده دخولهم الجنّة وليسوا من جملة من توجه إليهم الوعيد بالتخليد. والعفو من اللّه تعالى يرجى للعصاة المؤمنين.
    وقد غلطت المعتزلة فسمّت من يرجو العفو مرجئاً ، وانّما يجب أن يسمّى راجياً ، ولا طريق إلى القطع على العفو ، وانّما هو الرجاء فقط.
    ويعتقد أنّ لرسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) والأئمّة من بعده ( عليهم السلام ) شفاعة مقبولة يوم القيامة ، ترجى للمؤمنين من مرتكبي الآثام.
    ولا يجوز أن يقطع الإنسان على أنّه مشفوع فيه على كل حال ، ولا سبيل له إلى العلم بحقيقة هذه الحال ، وانّما يجب أن يكون المؤمن واقفاً بين الخوف والرجاء.
    ويعتقد أنّ المؤمنين الذين مضوا من الدنيا وهم غير عاصين ، يؤمر بهم يوم
1 ـ صرّح بهذا المفيد اُستاذ المؤلّف في كتابه أوائل المقالات ص 48 ونسبه إلى اتّفاق الإمامية ، أمّا الخوارج فتسمّي مرتكب الكبيرة مشركاً وكافراً ، والحسن البصري اُستاذ واصل ابن عطاء وعمرو بن عبيد ، سمّاهم منافقين ، وأمّا واصل بن عطاء فوضعهم في منزلة بين منزلتين ، وقال إنّهم فسّاق ليسوا بمؤمنين ، ولا كفّار ، ولا منافقين.
2 ـ التوبة / 106.

(264)
القيامة إلى الجنّة بغير حساب.
    وأنّ جميع الكفار والمشركين ، ومن لم تصح له الاُصول من المؤمنين يؤمر بهم يوم القيامة إلى الجحيم بغير حساب ، وانّما يحاسب من خلط عملاً صالحاً وآخر سيّئاً ، وهم العارفون العصاة.
    وأنّ أنبياء اللّه تعالى وحججه ( عليهم السلام ) هم في القيامة المسؤولون للحساب باذن اللّه تعالى ، وأنّ حجّة أهل كل زمان يتولّى أمر رعيته الذين كانوا في وقته.
    وأنّ سيّدنا رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) والأئمّة الاثنا عشر من بعده ( عليهم السلام ) هم أصحاب الأعراف وهم الذين لا يدخل الجنّة إلا من عرفهم وعرفوه ، ويدخل النار من أنكرهم وأنكروه.
    وأن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) يحاسب أهل وقته وعصره ، وكذلك كل إمام بعده.
    وأنّ المهدي ( عليه السلام ) هو المواقف لأهل زمانه ، والمسائل للذين في وقته.
    وأنّ الموازين ( التي ) توضع في القيامة ، هي اقامة العدل في الحساب ، والانصاف في الحكم والمجازاة ، وليست في الحقيقة موازين بكفات وخيوط كما يظن العوام.
    وأن الصراط المستقيم في الدينا دين محمّد وآل محمّد ( عليه و عليهم السلام ) ، وهو في الآخرة طريق الجنان.
    وأنّ الأطفال والمجانين والبله من الناس ، يتفضّل عليهم في القيامة ، بأن تكمل عقولهم ، ويدخلون الجنان.
    وأنّ نعيم أهل الجنّة متصل أبداً بغير نفاد ، وأنّ عذاب المشركين والكفّار


(265)
متّصل في النار بغير نفاد.
    و يجب أن يؤخذ معالم الدين في الغيبة من أدلّة العقل ، وكتاب اللّه عزّو جل ، والأخبار المتواترة عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) وعن الأئمّة ( عليه السلام ) (1) وما أجمعت عليه الطائفة الإمامية ، واجماعها حجّة.
    فأمّا عند ظهور الإمام ( عليه السلام ) فإنّه المفزع عند المشكلات ، وهو المنبّه على العقليات ، والمعرّف بالسمعيات ، كما كان النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ).
    و لا يجوز استخراج اأحكام في السمعيات بقياس ولا اجتهاد (2).
    فامّا العقليات فيدخلها القياس والاجتهاد ، ويجب على العاقل مع هذا كلّه ألّا يقنع بالتقليد في الاعتقاد وأن يسلك طريق التأمّل والاعتبار ، ولا يكون نظره لنفسه في دينه أقل من نظره لنفسه في دنياه ، فإنّه في اُمور الدينا يحتاط ويحترز ويفكّر ويتأمّل ، ويعتبر بذهنه ، ويستدل بعقله ، فيجب أن يكون في أمر دينه على أضعاف هذه الحال ، فالغرر في أمر الدين أعظم من الغرر في أمر الدنيا.
1 ـ ما ذكره هو رأي جماعة من علماء الإمامية ، كالشريف المرتضى ، وابن زهرة ، وابن البراج ، والطبرسي ، وابن ادريس وغيرهم ، فقد ذهب هؤلاء إلى عدم اعتبار الخبر الواحد إذا لم يكن مقطوع الصدور عن المعصوم وخصّوا اعتباره بما إذا كان قطعي الصدور ، سواء أكان محتفّاً بقرينة عقلية أو نقلية اُخرى ، فالمهم لدى هؤلاء في اعتبار الخبر أن يفضي إلى العلم ، ولو كان ذلك لاجماع أو شاعد عقلي ، بل صرّح المفيد في أوائل المقالات بأنّه لا يجب العمل بخبر الواحد.
    أمّا المشهور بين الإمامية بل المجمع عليه بين المتأخرين منهم فاعتبار الخبر الواحد لقيام الدليل على حجّيته ، ولكل من الفريقين أدلّة على دعواه مذكورة في كتب الاُصول.
2 ـ المراد بالاجتهاد هنا ليس هو استنباط الأحكام الشرعية من أدلّتها التفصيلية ، وانّما المراد به الاعتماد على الرأي والاستحسان والقياس ، من دون الرجوع إلى القواعد والاُصول التي ثبتت حجّيتها شرعاً.

(266)
    فيجب أن لا يعتقد في العقليات إلا ما صحّ عنده حقّه ، ولا يسلم في السمعيات إلا لمن ثبت له صدقه.
    نسأل اللّه حسن التوفيق برحمته ، وألّا يحرمنا ثواب المجتهدين في طاعته.
    قد أثبتّ لك يا أخي ـ أيّدك اللّه ـ ما سألت ، اقتصرت وما أطلت.
    و الذي ذكرت أصل لما تركت ، والحمد للّه وصلواته على سيّدنا محمّد وآله وسلّم (1).

    7 ـ العقائد الجعفرية تأليف الشيخ الطوسي 385 ـ 460 :
    الشيخ الطوسي ، هو شيخ الطائفة على الاطلاق تلميذ المفيد والمرتضى وقد ورد بغداد عام 408 وحضر في أندية دروس اُستاذه المفيد ، فلمّا لبّى الاُستاذ دعوة ربّه حضر لدى المرتضى إلى أن اشتغل بالتدريس والافتاء في عصره وبعده ، وله رسائل وكتب كلامية مفعمة بالتحقيق ، نأتي في المقام بموجز ما دوّنه في عقائد الشيعة في خمسين مسألة.
بسم اللّه الرحمن الرحيم
    الحمد للّه ربّ العالمين.
    و الصلواة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، وآله المعصومين الذين اذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وجعل كل واحد منهم على الخلق بعد الرسول أميراً.
    قال الإمام شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد الطوسي :
1 ـ أدرج المصنف الرسالة في كتابه القيم : كنز الفوائد لاحظ 240 ـ 252.
(267)
    « المسألة 1 » معرفة اللّه واجبة على كل مكلّف ، بدليل أنّه منعم ، فيجب معرفته.
    « المسألة 2 » اللّه تعالى موجود ، بدليل أنّه صنع العالم ، وأعطاه الوجود ، وكل من كان كذلك فهو موجود.
    « المسألة 3 » اللّه تعالى واجب الوجود لذاته ، بمعنى أنّه لا يفتقر في وجوده إلى غيره ، ولا يجوز عليه العدم ، بدليل أنّه لو كان ممكناً لافتقر إلى صانع ، كافتقار هذا العالم ، وذلك محال على المنعم المعبود.
    « المسألة 4 » اللّه تعالى قديم أزلي ، بمعنى أنّ وجوده لم يسبقه العدم. باق أبدي ، بمعنى أنّ وجوده لن يلحقه العدم.
    « المسألة 5 » اللّه تعالى قادر مختار ، بمعنى أنّه إن شاء أن يفعل فعل ، وإن شاء أن يترك ترك ، بدليل انّه صنع العالم في وقت دون آخر.
    « المسألة 6 » اللّه تعالى قادر على كل مقدور ، وعالم بكل معلوم ، بدليل أنّ نسبة جميع المقدورات والمعلومات إلى ذاته المقدّسة المنزّهة على السوية ،فاختصاص قدرته تعالى وعلمه ببعض دون بعض ترجيح بلا مرجّح ، وهو محال.
    « المسألة 7 » اللّه تعالى عالم ، بمعنى أنّ الأشياء منكشفة واضحة له ، حاضرة عنده غير غائبة عنه ، بدليل أنّه تعالى فعل الأفعال المحكمة المتقنة ، وكل من فعل ذلك فهو عالم بالضرورة.
    « المسألة 8 » اللّه تعالى يدرك لا بجارحة ، بل بمعنى أنّه يعلم ما يدرك بالحواس ، لأنّه منزّه عن الجسم ولوازمه ، بدليل قوله تعالى : ( لا تَدْرِكُهُ


(268)
الأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبيرُ ) (1) فمعنى قوله تعالى : ( إنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصير ) (2) انّه عالم بالمسموعات لا باُذن ، وبالمبصرات لابعين.
    « المسألة 9 » اللّه تعالى حي ، بمعنى أنّه يصح منه أن يقدر ويعلم. بدليل أنّه ثبتت له القدرة والعلم وكل من ثبتت له ذلك فهو حي بالضرورة.
    « المسألة 10 » اللّه تعالى متكلّم لابجارحة ، بل بمعنى أنّه أوجد الكلام في جرم من الأجرام ، أو جسم من الأجسام ، لإيصال عظمته إلى الخلق ، بدليل قوله تعالى : ( وَ كَلَّمَ اللّهُ مَوسى تَكْلِيماً ) (3) ولأنّه قادل ، فالكلام ممكن.
    « المسألة 11 » اللّه تعالى صادق ، بمعنى انّه لا يقول إلا الحق الواقع ، بدليل أنّ كل كذب قبيح ، واللّه تعالى منزّه عن القبيح.
    « المسألة 12 » اللّه تعالى مريد ، بمعنى أنّه رجّح الفعل إذا علم المصلحة ( يعني أنّه غير مضطر وأنّ ارادته غير واقعة تحت ارادة اُخرى ، بل هي الارادة العليا التي إن رأى صلاحاً فعل ، وإن رأى فساداً لم يفعل ، باختيار منه تعالى ) بدليل أنّه ترك ايجاد بعض الموجودات في وقت دون وقت ، مع علمه وقدرته ـ على كل حال ـ بالسوية. ولأنّه نهى وهو يدل على الكراهة.
    « المسألة 13 » انّه تعالى واحد ، بمعنى أنّه لا شريك له في الالوهية ، بدليل قوله ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَد ) (4) ولأنّه لو كان له شريك لوقع التمانع ، ففسد النظام ، كما قال : ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلّا اللّه لَفَسَدَتَا ) (5).
1 ـ الأنعام / 103.
2 ـ الإسراء / 1 ، غافر / 56.
3 ـ النساء / 164.
4 ـ الإخلاص / 1.
5 ـ الأنبياء / 22.

(269)
    « المسألة 14 » اللّه تعالى غير مركّب من شيء ، بدليل أنّه لو كان مركّباً لكان مفتقراً إلى الأجزاء ، والمفتقر ممكن.
    « المسألة 15 » اللّه تعالى ليس بجسم ، ولا عرض ، ولا جوهر ، بدليل أنّه لو كان أحد هذه الأشياء لكان ممكناً مفتقراً إلى صانع ، وهو محال.
    « المسألة 16 » اللّه تعالى ليس بمرئي بحاسة البصر في الدنيا والآخرة ، بدليل أنّه تعالى مجرّد ، ولأنّ كل مرئي لابد أن يكون له الجسم والجهة ، واللّه تعالى منزّه عنهما ولأنّه تعالى قال : ( لَنْ تَرَانِي ) (1) وقال : ( لا تُدْرِكُهُ الأَبصارُ ) (2).
    « المسألة 17 » اللّه تعالى ليس محلّاً للحوادث ، وإلا لكان حادثاً ، وحدوثه محال.
    « المسألة 18 » اللّه تعالى لا يتّصف بالحلول ، بدليل أنّه يلزم قيام الواجب بالممكن وذلك محال.
    « المسالة 19 » اللّه تعالى لا يتّحد بغيره ، لأنّ الاتّحاد صيرورة الشيء واحداً من غير زيادة ونقصان ، وذلك محال ، واللّه لا يتّصف بالمحال.
    « المسألة 20 » اللّه تعالى منفي عنه المعاني والصفات الزائدة ، بمعنى أنّه ليس عالماً بالعلم ، ولا قادراً بالقدرة ( بل علم كلّه ، وقدرة كلّها ) ، بدليل أنّه لو كان كذلك بزم كونه محلّاً للحوادث لو كانت حادثة ، وتعدّد القدماء لو كانت قديمة ، وهما محالان ، وأيضاً لزم افتقار الواجب إلى صفاته المغايرة له ، فيصير ممكناً وهو ممتنع.
    « المسألة 21 » اللّه تعالى غني ، بمعنى أنّه غير محتاج إلى ما عداه ،
1 ـ الأعراف / 143.
2 ـ الأنعام / 103.

(270)
والدليل عليه أنّه واجب الوجود لذاته ، فلا يكون مفتقراً.
    « المسألة 22 » اللّه تعالى ليس في جهة ، ولا مكان ، بدليل أنّ كل ما في الجهة والمكان مفتقر إليهما ، وأيضاً قد ثبت أنّه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ، فلا يكون في المكان والجهة.
    « المسألة 23 » اللّه تعالى ليس له ولد ، ولا صاحبة ، بدليل أنّه قد ثبت عدم افتقاره إلى غيره ، ولأنّ كل ما سواه تعالى ممكن ، فكيف يصير الممكن واجباً بالذات ، ولقوله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (1) و ( مَثَلَ عِيسى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ) (2).
    « المسالة 24 » اللّه تعالى عدل حكيم ، بمعنى أنّه لا يفعل قبيحاً ولا يخل بالواجب بدليل أنّ فعل القبيح قبيج ، والاخلال بالواجب نقص عليه ، فاللّه تعالى منزّه عن كل قبيح واخلال بالواجب.
    « المسألة 25 » الرضا بالقضاء والقدر واجب ، وكل ما كان أو يكون فهو بالقضاء والقدر ولا يلزم بهما الجبر والظلم ، لأنّ القدر والقضاء هاهنا بمعنى العلم والبيان ، والمعنى أنّه تعالى يعلم كل ما هو ( كائن أو يكون ) (3).
    « المسألة 26 » كل ما فعله اللّه تعالى فهو أصلح ، وإلا لزم العبث ، وليس تعالى بعابث ، لقوله : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً ) (4).
    « المسألة 27 » اللّطف على اللّه واجب ، لأنّه خلق الخلق ، وجعل فيهم الشهوة ، فلو لم يفعل اللطف لزم الاغراء ، وذلك قبيح ، ( واللّه لا يفعل القبيح )
1 ـ الشورى / 11.
2 ـ آل عمران / 59.
3 ـ الاضافة منّا لإكمال العبارة.
4 ـ المؤمنون / 115.
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: فهرس