بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: 271 ـ 280
(271)
فاللطف هو نصب الأدلّة ، واكمال العقل ، وارسال الرسل في زمانهم ، وبعد انقطاعهم ابقاء الإمام ، لئلّا ينقطع خيط غرضه.
    « المسألة 28 » نبيّنا « محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف » رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) حقأ صدقاً. بدليل أنّه ادّعى النبوّة ، وأظهر المعجزات على يده ، فثبت أنّه رسول حقّاً ، وأكبر المعجزات « القرآن الحميد » والفرقان المجيد الفارق بين الحق والباطل ، باق إلى يوم القيامة ، حجّة على كافّة النسمة.
    ووجه كونه معجزاً : فرط فصاحته وبلاغته ، بحيث ما تمكّن أحد من أهل الفصاحة والبلاغة حيث تحدّوا به ، أنّ يأتوا ولو بسورة صغيرة ، أو آية تامّة مثله.
    « المسألة 29 » كان نبيّنا نبياً على نفسه قبل البعثة ، وبعده رسولاً إلى كافّة النسمة لأنّه قال « كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين » وإلا لزم تفضيل المفضول ، وهو قبيح.
    « المسألة 30 » جميع الأنبياء كانوا معصومين ، مطهّرين عن العيوب والذنوب كلّها ، وعن السهو والنسيان في الأفعال والأقوال ، من أوّل الأعمار إلى اللحد ، بدليل انّهم لو فعلوا المعصية أو يطرأ عليهم السهو لسقط محلّهم من القلوب ، فارتفع الوثوق والاعتماد على أقوالهم وأفعالهم ، فتبطل فائدة النبوّة ، فما ورد في الكتاب ( القرآن ) فيهم فهو واجب التأويل.
    « المسألة 31 » يجب أن يكون الأنبياء أعلم و أفضل أهل زمانهم ، و لأنّ تفضيل المفضول قبيح.
    « المسألة 32 » نبيّنا خاتم النبيين والمرسلين ، بمعنى أنّه لا نبي بعده إلى يوم القيامة ، يقول تعالى : ( ما كَانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِن رِجَالِكُمْ وَلَكِن رَسُولَ اللّهِ


(272)
وخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) (1).
    « المسألة 33 » نبيّنا أشرف الأنبياء والمرسلين ، لأنّه ثبتت نبوّته ، وأخبر بأفضليته فهو أفضل ، لمّا قال لفاطمة ( عليه السلام ) : « أبوك خير الأنبياء ، وبعلك خير الأوصياء ، وأنت سيدة نساء العالمين ، وولدك الحسن والحسين ( عليهما السلام ) سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما خير منهما » (2).
    « المسألة 34 » معراج الرسول بالجسم العنصري علانية ، غير منام ، حق ، والأخبار عليه بالتواتر ناطقة ، صريحة ، فمنكره خارج عن الاسلام ، وأنّه مر بالأفلاك من أبوابها من دون حاجة إلى الخرق والالتيام ، وهذه الشبهة الواهية مدفوعة مسطورة بمحالها.
    « المسألة 35 » دين نبيّنا ناسخ للأديان السابقة ، لأنّ المصالح تتبدل حسب الزمان والأشخاص كما تتبدّل المعالجات لمريض بحسب تبدل المزاج والمرض.
    « المسألة 36 » الإمام بعد نبيّنا علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بدليل قوله ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) : « يا علي أنت أخي ووارث علمي وأنت الخليفة من بعدي ، وأنت قاضي ديني ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبي بعدي » (3) وقوله : « سلّموا على علي بإمرة المؤمنين ، واسمعوا له وأطيعوا له ، وتَعَلّموا منه ولا تُعَلّموه » (4) ، وقوله : « من كنت مولا فهذا علي مولاه اللّهمّ وال من والاه وعاد من
1 ـ الأحزاب / 40.
2 ـ راجع ينابيع المودّة 434 ـ 436.
3 ـ راجع صحيح مسلم 7 / 120 ـ 121 ، باب فضائل علي ( عليه السلام ) ، وصحيح البخاري 5 / 19 باب مناقب علي ( عليه السلام ) و6 / 3 باب غزوة تبوك ، ومسند أحمد 1 / 174 ـ 177 و3 / 32 و6 / 369.
4 ـ راجع البحار 37 / 290 ـ 340.

(273)
عاداه » (1).
    « المسألة 37 » الأئمّة بعد علي ( عليهم السلام ) أحد عشر من ذرّيته ، الأوّل منهم ولده الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ جعفر بن محمّد الصادق ، ثمّ موسى بن جعفر ثمّ علي بن موسى ، ثمّ محمّد ابن علي ، ثمّ علي بن محمّد ، ثمّ الحسين بن علي ، ثمّ الخلف الحجّة القائم المهدي الهادي بن الحسن صاحب الزمان فكلّهم أئمّة الناس واحد بعد واحد ، حقّاً ، بدليل أنّ كل إمام منهم نصّ على من بعده نصّاً متواتراً بالخلافة ، وقوله : « الحسين إمام ، ابن إمام ، أخو الامام ، أبو الأئمّة التسعة ، تاسعهم قائمهم ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ».
    « المسألة 38 » يجب أن يكون الأئمّة معصومين مطهّرين من الذنوب كلّها ، صغيرة وكبيرة ، عمداً وسهواً ، ومن السهو في الأفعال والأقوال ، بدليل أنّهم لو فعلوا المعصية لسقط محلهم من القلوب ، وارتفع الوثوق ، وكيف يهدون بالضالّين المضلّين ، ولا معصوم غير الأئمّة الاثني عشر اجماعاً ، فثبت إمامتهم.
    « المسألة 39 » يجب أن يكون الأئمّة أفضل وأعلم ، ولو لم يكونوا كذلك للزم تفضيل المفضول ، أو الترجيح بلا مرجح ، ولا يحصل الانقياد به ، وذلك قبيح عقلاً ونقلاً ، وفضل أئمّتنا وعلمهم مشهور ، بل أفضليتهم أظهر من الشمس وأبين من الأمس.
    « المسألة 40 » يجب أن نعتقد أنّ آباء نبيّنا وأئمّتنا مسلمون أبدا ، بل أكثرهم كانوا أوصياء ، فالأخبار عند أهل البيت على إسلام أبي طالب مقطوعة
1 ـ راجع مسند أحمد 1 / 84 ـ 152 و4 / 281 و370 و372 و5 / 366 ـ 419 ، سنن الترمذي 5 / 633.
(274)
و سيرته أدلّة عليه ، ومثله مثل مؤمن آل فرعون.
    « المسألة 41 » الإمام المهدي المنتظر محمّد بن الحسن قد تولّد في زمان أبيه ، وهو غائب حي باق إلى بقاء الدنيا ، لأنّ كل زمان لابد فيه من إمام معصوم ، لما انعقد عليه اجماع الاُمّة على أنّه لا يخلو زمان من حجّة ظاهرة مشهورة ، أو خافية مستورة ، ولأنّ اللطف في كل زمان واجب ، والإمام لطف ، فوجوده واجب.
    « المسألة 42 » لا استبعاد في طول عمره ، لأنّ غيره من الاُمم السابقة قد عاش ثلاثة آلاف سنة فصاعداً ، كشعيب ونوح ولقمان وخضر وعيسى ( عليهم السلام ) وابليس والدجّال ، ولأنّ الأمر ممكن ، واللّه قادر على جميع الممكنات.
    « المسألة 43 » غيبة المهدي لا تكون من قبل نفسه ، لأنّه معصوم ، فلا يخل بواجب ، ولا من قبل اللّه تعالى ، لأنّه عدل حكيم فلا يفعل القبيح ، لأنّ الإخفاء عن الأنظار وحرمان العباد عن الافادات قبيحان. فغيبته لكثرة العدو والكافر ، ولقلّة الناصر.
    « المسألة 44 » لابد من ظهور المهدي ، بدليل قول النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) : « لو لم يبق من الدنيا إلا ساعة واحدة لطوّل اللّه تلك الساعة حتى يخرج من ذرّيتي ، اسمه اسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » (1). ويجب على كل مخلوق متابعته.
    « المسألة 45 » في غيبة الامام فائدة ، كما تنير الشمس تحت السحاب ، والمشكاة من وراء الحجاب.
1 ـ راجع سنن أبي داود 4 / 106 ـ 107 ، كنز العمال 14 / 264 ـ 267.
(275)
    « المسألة 46 » يرجع نبيّنا وأئمّتنا المعصومون في زمان المهدي مع جماعة من الاُمم السابقة واللاحقة ، لاظهار دولتهم وحقهم ، وبه قطعت المتواترات من الروايات والآيات لقوله تعالى : ( وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ اُمَّةٍ فَوْجاً ) (1) فالاعتقاد به واجب.
    « المسألة 47 » إنّ اللّه يعيد الأجسام الفانية كما هي في الدنيا ، ليوصل كل حق إلى المستحق ، وذلك أمر ممكن ، والأنبياء أخبروا به ، لا سيّما القرآن المجيد مشحون به ولا مجال للتأويل ، فالاعتقاد بالمعاد الجسماني واجب.
    « المسألة 48 » كل ما أخبر به النبي أو الإمام فاعقاده واجب ، كاخبارهم عن نبوّة الأنبياء السابقين ، والكتب المنزلة ، ووجود الملائكة ، وأحوال القبر وعذابه ، وثوابه وسؤال منكر ونكير ، والاحياء فيه ، وأحوال القيامة وأهوالها ، والنشور ، والحساب والميزان ، والصراط ، وانطاق الجوارح ، ووجود الجنّة والنار والحوض الذي يسقي منه أمير المؤمنين العطاشي يوم القيامة ، وشفاعة النبي والأئمّة لأهل الكبائر من محبيه إلى غير ذلك ، بدليل أنّه أخبر بذلك المعصومون.
    « المسألة 49 » التوبة ـ وهي الندم على القبيح في الماضي ، والترك في الحال ، والعزم على عدم المعاودة إليه في الاستقبال ـ واجبة ، لدلالة السمع على وجوبها ، ولأنّ دفع الضرر واجب عقلاً.
    « المسألة 50 » الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، واجبان ، بشرط تجويز التأثير والأمن من الضرر (2).
1 ـ النمل / 83. أصل الرجعة اجماعيّ والكيفية الواردة في المتن ليست كذلك.
2 ـ طبعت الرسالة مع جواهر الفقه للقاضي ابن البراج وفي ضمن الرسائل العشر للشيخ الطوسي ـ قدس سرّه ـ.

(276)
    ماهو الهدف من نقل هذه الرسائل :
    1 ـ إنّ هذه الرسائل لدليل واضح على أنّ جلّ عقائد الشيعة ، مأخوذة من الكتاب والسنّة وكلمات أئمّتهم ، وأنّ الشيعة كانت في أواخر القرن الثاني ذات عقائد منتظمة ومستوعبة لجميع ما يرتبط بالمعارف الإلهية فترى أنّ ما كتبه الإمام الرضا ، وما عرضه السيد عبدالعظيم الحسني على الإمام الهادي ، هو السائد في هذه الرسائل.
    2 ـ يوجد في ثنايا هذه الرسائل آراء خاصّة لمؤلّفيها ، ربّما يقع فيها النقاش والجدال والخلاف مع غيرهم من علماء الشيعة ، فليس كل ما جاء فيها عقيدة لجميع علماء الشيعة ومؤلّفيهم ولكن المجموع من حيث المجموع تمثّل عقائد الشيعة في مجال صفاته سبحانه وأفعاله ، وما يرجع إلى النبوّة والإمامة ، والحياة الأخروية ، خصوصاً فيما يرجع إلى الاعتقاد بمقامات الأئمّة وصفاتهم. فمن يريد أن يتعرّف على عقائد الشيعة فليرجع إليها بدل الرجوع إلى الكتب المؤلّفة من قبل أعدائهم وخصمائهم.
    3 ـ إنّ الإمعان في الاُصول التي جاءت في هذه الكتب والرسائل يعرب عن موافقة الشيعة في أكثر المسائل العقائدية لعامّة المسلمين. وربّما يختلفون عنهم في اُصول تختص بمجال الإمامة والقيادة بعد الرسول. وبما أنّ الأشاعرة والمعتزلة كانتا تمثّلان جمهور المسلمين في العصور المتقدّمة. نذكر في المقام الفوارق الجوهرية بين الشيعة والمعتزلة أوّلا ، وبين الشيعة والأشاعرة ثانياً ، ثمّ نكمل البحث عن الفوارق الموجودة بينهم وبين سائر الفرق الإسلامية.

    الفوارق بين الشيعة والمعتزلة :
    إنّ هناك فوارق بين الطائفتين ربّما أشبعنا الكلام فيها في الجزء الرابع من هذه


(277)
الموسوعة ، وذكرنا بأنّ من يتّهم الشيعة بأنّهم أخذوا عقائدهم من المعتزلة فهو خاطئ ، فنشير في المقام إلى هذه الفوارق على وجه الاجمال ، وإن كانت بين الطائفتين اُصول مشتركة ربّما تقف عليها عند بيان الفوارق بين الشيعة والأشاعرة.
    1 ـ الشفاعة : أجمع المسلمون كافّة على ثبوت أصل الشفاعة وأنّها تقبل من الرسول الأكرم واختلفوا في تعيين المشفَّع ، فقالت الإمامية والأشاعرة : إنّ النبي يشفع لأهل الكبائر باسقاط العقاب عنهم أو باخراجهم من النار ، وقالت المعتزلة ، لا يشفع إلاّ للمطيعين ، المستحقّين للثواب وتكون نتيجة الشفاعة ترفيع الدرجة.
    2 ـ مرتكب الكبيرة : عند الامامية والأشاعرة مؤمن فاسق ، وقالت المعتزلة : بل منزلة بين المنزلتين.
    3 ـ الجنّة والنار : قالت الإمامية والأشاعرة انّهما مخلوقتان الآن بدلالة الشرع على ذلك ، وأكثر المعتزلة على أنّهما غير موجودتين.
    4 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : اتّفق المسلمون على وجوبهما ، فقالت الإمامية والأشاعرة : يجبان سمعاً ، ولولا النص لم يكن دليل على الوجوب ، خلافاً للمعتزلة الذين قالوا بوجوبهما عقلاً.
    5 ـ الأحباط : اتّفقت الإمامية والأشاعرة على بطلان الاحباط ، وقالوا : لكل عمل حسابه الخاص ، ولا ترتبط الطاعات بالمعاصي ولا المعاصي بالطاعات ، والاحباط يختص بذنوب خاصة كالشرك وما يتلوه ، بخلاف المعتزلة حيث قالوا : إنّ المعصية المتأخّرة تسقط الثواب المتقدم ، فمن عبَدَ اللّه طول عمره ثمّ كذب فهو كمن لم يعبد اللّه أبداً.
    6 ـ الشرع والعقل : غالت المعتزلة في تمسّكهم بالعقل وغال أهل الظاهر في جمودهم على ظاهر النص وخالفهما الإمامية والأشاعرة ، فأعطوا للعقل سهماً فيما


(278)
له مجال القضاء ، نعم أعطت الإمامية للعقل مجالاً أوسع ممّا أعطته الأشاعرة. وسيوافيك تفصيله عند ذكر اختلاف الإمامية مع الأشاعرة.
    7 ـ اتفقت الإمامية والأشاعرة على أنّ قبول التوبة بفضل من اللّه ولا يجب عقلاً اسقاطها للعقاب. وقالت المعتزلة : إنّ التوبة مسقطة للعقاب على وجه الوجوب.
    8 ـ اتفقت الإمامية على أنّ الأنبياء افضل من الملائكة ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.
    9 ـ اتفقت الإمامية على أنّ الإنسان غير مسيّر ولا مفوّض إليه ، بل هو في ذلك المجال بين أمرين ، بين الجبر والتفويض ، وأجمعت المعتزلة على التفويض.
    10 ـ اتفقت الامامية والأشاعرة على أنّه لابد في أوّل التكليف وابتدائه من رسول ، وخالفت المعتزلة وزعموا أنّ العقول تعمل بمجردها عن السمع (1).
    هذه هي الاُصول التي خالفت الإمامية فيها المعتزلة ووافقت الأشاعرة ، وهناك اُصول اُخرى تجد فيها موافقة الإمامية للمعتزلة ومخالفتها للأشاعرة ، وإليك بعضها :

    الفوارق بين الإمامية والأشاعرة :
    هناك اُصول خالفت الإمامية فيها ، الأشاعرة ، مخالفة بالدليل والبرهان وتبعاً لأئمّتهم ، ونذكر المهم منها :
    1 ـ اتّحاد الصفات الذاتية مع الذات : إنّ للّه سبحانه صفاتاً ذاتية كالعلم
1 ـ لاحظ للوقوف على هذه الاُصول التي خالفت الامامية والأشاعرة فيها المعتزلة الجزء الرابع من هذه الموسوعة ص 180 تجد فيه الفوارق الاُخر لم نذكرها اختصاراً.

(279)
والقدرة فهي عند الأشاعرة صفات قديمة مغايرة للذات زائدة عليها ، وهي عند الإمامية والمعتزلة متّحدة مع الذات. وقد ذكرنا مضاعفات القول بالزيادة في الجزء الثاني من هذه الموسوعة.
    2 ـ الصفات الخبرية الواردة في الكتاب والسنّة ، كالوجه والأيدي والاستواء وأمثالها ، فالشيعة الإمامية يؤوّلونها تأويلا مقبولا ، لاتأويلا مرفوضاً ، أي تأخذ بالمفهوم التصديقي للجملة ، لا بالمفهوم التصوّري للمفردات ، فيقولون إنّ معنى ( بَل يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاء ) (1) معناه : أنّه بريء من البخل ، بل هو باذل وسخي ، وقادر على البذل. وأمّا الاشاعرة فهم يفسّرونها بالمفهوم التصوّري ويقولون إنّ للّه سبحانه يدين غير أنّهم يتهرّبون عن التجسيم والتشبيه بقولهم : بلا كيف ، وقد أوضحنا مضاعفات هذا القول عند البحث عن عقائدهم في الجزء الثاني.
    3 ـ أفعال العباد عند الامامية صادرة من نفس العباد ، صدوراً حقيقياً بلا مجاز أو توسّع ، فالإنسان هو الضارب ، هو الآكل ، هو القاتل ، هو المصلّي ، هو القارئ وهكذا ، وقد قلنا : إنّ استعمال كلمة « الخلق » في أفعال الإنسان ، استعمال غير صحيح فلا يقال : خلقت الأكل والضرب والصوم والصلاوة ، وإنّما يقال : فعلتها فالصحيح أن يقال : إنّ الإنسان هو الفاعل لأفعاله بقدرة مكتسبة من اللّه ، وانّ قدرته المكتسبة هي المؤثّرة باذن من اللّه سبحانه.
    وأمّا الأشاعرة فذهبوا إلى أنّ أفعال العباد مخلوقة للّه سبحانه ، فليس للإنسان فيها صنع ولا دور ، وليس لقدرته أي تأثير في تحقّق الفعل ، وأقصى ما عندهم أنّ إرادة الإنسان للعقل تقارن ايجاد اللّه سبحانه فعله في عالم التكوين والوجود.
1 ـ المائدة / 64.

(280)
و لمّا رأى الشيخ الأشعري وأتباعه أنّ ذلك عبارة عن نفس القول بالجبر ، واقصاء الإنسان عن أفعاله ، وبالتالي براءته من مسؤوليتها ، ابتدعوا نظرية الكسب المعقدة فقالوا : إنّ اللّه هو الخالق والإنسان هو الكاسب ، وقد ذكرنا أنّ نظرية الكسب من الألغاز التي لم يفهمها مخترعوها.
    4 ـ إنّ الاستطاعة في الإنسان على فعل من الأفعال تقارنه تارة ، وتتقدّم عليه اُخرى. فلو اُريد من القدرة العلّة التامّة فهي مقارنة ، ولو اُريد العلّة الناقصة فهي متقدّمة خلافاً للأشاعرة ، فقد قالوا بالتقارن مطلقاً.
    5 ـ رؤية اللّه بالأبصار في الآخرة ، فهي مستحيلة عند الامامية المعتزلة ، ممكنة عند الاشاعرة.
    6 ـ كلامه سبحانه عند الامامية هو فعله ، فهو حادث لا قديم ، وهذا خلافاً للأشاعرة : فكلامه عبارة عن الكلام النفسي القائم بذاته ، فهو قديم كقدم الذات.
    7 ـ التحسين والتقبيح العقليان ، ذهبت الامامية إلى أنّ العقل يدرك حسن بعض الأفعال أو قبحها ، بمعنى أنّ نفس الفعل من أي فاعل صدر ، سواء أكان الفاعل قديماً أو حادثاً ، واجباً أو ممكناً ، يتّصف بأحدهما فيرى مقابلة الإحسان بالإحسان أمراً حسناً ، ومقابلة بالاساءة أمراً قبيحاً ، ويتلقّاه حكماً مطلقاً سائداً على مرّ الحقب والأزمان ، لا يغيّره شيء ، وهذا خلافاً للأشاعرة ، فقد عزلوا العقل عن إدراك الحسن والقبيح وبذلك خالفوا الامامية والمعتزلة في الفروع المترتّبة عليه (1).
    هذه هي الاُصول التي تخالف الامامية فيها الأشاعرة وربّما توافقهم المعتزلة في جميعها أو أكثرها. كل ذلك يثبت أنّ للشيعة الامامية منهجاً كلامياً خاصّاً نابعاً من
1 ـ لاحظ للوقوف على هذه الاُصول المترتّبة على القول بالتحسين والتقبيح العقليين الجزء الثاني من هذه الموسوعة 289ـ292.
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: فهرس