بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: 291 ـ 300
(291)
بتلك الواجبات وهو فرع كونه معصوماً عن الخطأ والعصيان (1).
    الثاني : قوله سبحانه ( أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرَّسولَ واُولِى الأمْر مِنْكُمْ ) (2).
    و الاستدلال مبني على عامتين :
    1 ـ إنّ اللّه سبحانه أمر بطاعة اُولي الأمر على وجه الاطلاق ، إي في جميع الأزمنة والأمكنة ، وفي جميع الحالات والخصوصيات ، ولم يقيّد وجوب امتثال أوامرهم ونواهيهم بشيء كما ومقتضى الآية.
    2 ـ إنّ من البديهي أنّه سبحانه لا يرضى لعباده الكفر والعصيان ( ولا يَرْضى لِعِبادِهِ الكُفْر ) (3) من غير فرق بين أن يقوم به العباد ابتداءً من دون تدخّل أمر آمر أو نهي ناهٍ ، أو يقومون به بعد صدور أمر ونهي من اُولي الأمر.
    فمقتضى الجمع بين هذين الأمرين ( وجوب اطاعة اُولي الأمر على وجه الاطلاق ، وحرمة طاعتهم إذا أمروا بالعصيان ) أن يتّصف اُولي الأمر الذين وجبت اطاعتهم على وجه الاطلاق ، بخصوصية ذاتية وعناية إلهية ربّانية ، تصدّهم عن الأمر بالمعصية والنهي عن الطاعة. وليس هذا إلا عبارة اُخرى عن كونهم معصومين ، وإلا فلو كانوا غير واقعين تحت تلك العناية ، لما صحّ الأمر باطاعتهم على وجه الاطلاق ولما صحَّ الأمر بالطاعة بلا قيد وشرط. فتستكشف من إطلاق الأمر بالطاعة ، اشتمال المتعلّق على خصوصية تصدّه عن الأمر بغير الطاعة.
    وممّن صرّح الآية على العصمة الامام الرازي في تفسيره ، ويطلب لي
1 ـ هذا اجمال ما أوضحناه في بحوثنا الكلامية فلاحظ الإلهيات 2 / 528 ـ 539.
2 ـ النساء / 59.
3 ـ الزمر / 7.

(292)
أن أذكر نصَّه حتى يمعن فيه أبناء جلدته وأتباع طريقته قال :
    أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة اُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم والقطع ، لابد وأن يكون معصوماً عن الخطأ إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ ، كان بتقدير أقدامه على الخطأ يكون قد أمر اللّه بمتابعته ، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ ، والخطأ لكونه خطأ منهى عنه ، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد ، وأنّه محال ، فثبت أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة اُولي الأمر على سبيل الجزم ، وثبت أنّ كل من أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ ، فثبت قطعاً أنّ اُولي الأمر المذكور في هذه الآية لابد وأن يكون معصوماً (1).
    و لمّا وقف الرازي على تمايمة دلالة الآية على عصمة اُولي الأمر ، وهي لا توافق مذهبه في الامامة حاول أن يؤول الآية بما يوافقه مع أنّ الواجب على أمثاله.
    أن يتعرّف على « اُولي الأمر » الذي استظهر من الآية كونهم معصومين ، ولكنّه زلّت قدمه ، ولم يستغل هذه الفكرة ، ولم يستثمرها ، فأخذ يتهرّب من تنائج الفكرة بالقول بأنّا عاجزون عن معرفة الامام المعصوم ، عاجزون عن الوصول إليه ، عاجزون عن استفاده الدين والعلم منه ، فاذا كان الأمر كذلك ، فالمراد ليس بعضاً من أبعاض الاُمّة ، بل المراد هو أهل الحل والعقد من الاُمّة.
    يلاحظ عليه : بأنّه إذا دلّت الآية على عصمة اُولي الأمر فيجب علينا التعرّف عليهم ، وادّعاء العجز ، هروب من الحقيقة فهل العجز يختص بزمانه أو كان يشمل زمان نزول الآية ، لا أظن أن يقول الرازي بالثاني فعليه أن يتعرّف على المعصوم في زمان النبيّ وعصر نزول الآية ، فبالتعرّف عليهم ، يعرف معصوم زمانه ، حلقة بعد
1 ـ مفاتيح الغيب 10 / 144.
(293)
اُخرى ، ولا يعقل أن يأمر الوحي الإلهي باطاعة المعصوم ثم لا يقوم بتعريفه حين النزول ، فلو آمن الرازي بدلالة الآية على عصمة اُولي الأمر ، لكان عليه أن يؤمن بقيام الوحي الإلهي على تعريفهم بلسان النبي الأكرم.
    إذ لا معنى أن يأمر اللّه سبحانه باطاعة المعصوم ، ولا يقوم بتعريفه.
    ثمّ إنّ تفسير « اُولي الأمر » بأهل الحل والعقد ، تفسير للغامض ـ حسب نظر الرازي ـ بالأغمض إذ هو ليس بأوضح من الأول ، فهل المراد منهم : العساكر والضباط ، أو العلماء والمحدّثون ، أو الحكام والسياسيون أو الكل. وهل اتّفق اجماعهم على شيء ، ولم يخالفهم لفيف من المسلمين.
    إذا كانت العصمة ثابتة للاُمّة عند الرازي كما علمت ، فهناك من يرى العصمة لجماعة من الاُمّة كالقراء والفقهاء والمحدّثين ، هذا هو ابن تيمية يقول ي ردّه على الشيعة عند قولهم : انّ وجود الامام المعصوم لابدّ منه بعد موت النبي يكون حافظاً للشريعة ومبيّناً أحكامها خصوصاً أحكام الموضوعات المتجدّدة ، يقول : إنّ أهل السنّة لا يسلمون أن يكون الامام حافظاً للشرع بعد انقطاع الوحي ، وذلك لأنّ ذلك حاصل للمجموع ، والشرع إذا نقله أهل التواتر كان ذلك خيراً من نقل الواحد ، فالقرّاء معصومون في حفظ القرآن وتبليغه ، والمحدّثون معصومون في حفظ الأحاديث وتبليغها ، والفقهاء معصومون في الكلام والاستدلال (1).
    يلاحظ عليه : كيف يدّعي العصمة لهذه الطوائف مع أنّهم غارقين في الاختلاف في القراءة والتفسير ، والحديث والأثر ، والحكم والفتوى ، والعقيدة والنظر. ولو أغمضنا عن ذلك فما الدليل على عصمة تلكم الطوائف خصوصاً على قول القائل بأنّ القول بالعصمة تسرّب من اليهود إلى الأوساط الاسلامية.
1 ـ ابن تيمية : منهاج السنّة كما في نظرية الامامية 120.
(294)
    الثالث : قوله سبحانه : ( وإذِ ابْتَلى إبراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأتَمَّهُنَّ قالَ إنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إماماً قالَ وَ مَنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (1).
    والاستدلال بالآية على عصمة الامام ، يتوقّف على تحديد مفهوم الامامة الواردة في الآية والمقصود منها غير النبوّة وغير الرسالة ، فأمّا الأولّ فهو عبارة عن منصب تحمّل الوحي ، والثاني عبارة عن منصب ابلاغه إلى الناس. والإمامة المعطاة للخليل في اُخريات عمره غير هذه وتلك ، لأنّه كان نبيّاً ورسولاً وقائماً بوظائفهما طيلة سنين حتى خوطب بهذه الآية ، فالمراد من الإمامة في المقام هو منصب القيادة ، وتنفيذ الشريعة في المجتمع بقوة وقدرة. ويعرب عن كون المراد من الامامة في المقام هو المعنى الثالث ، قوله سبحانه : ( أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إبْراهيمَ الكِتابَ والحِكْمَةَ وآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظيماً ) (2).
    فالإمامة التي أنعم بها اللّه سبحانه على الخليل وبعض ذريّته ، هي الملك العظيم الوارد في هذه الآية. وعلينا الفحص عن المراد بالملك العظيم ، إذ عند ذلك يتّضح أنّ مقام الامامة ، وراء النبوّة والرسالة ، وانّما هو قيادة حكيمة ، وحكومة إلهية ، يبلغ المجتمع بها إلى السعادة. واللّه سبحانه يوضح حقيقة هذا الملك في الآيات التالية :
    1 ـ يقول سبحانه ـ حاكياً قول يوسف ( عليه السلام ) : ( رَبَّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأويلِ الأحاديثِ ) (3) ومن المعلوم أنّ الملك الذي منّ به
1 ـ البقرة / 124.
2 ـ النساء / 54.
3 ـ يوسف / 101.

(295)
سبحانه على عبده يوسف ، ليس النبوّة ، بل الحاكمية حيث صار أميناً مكيناً في الأرض. فقوله : ( وعلمتني من تأويل الأحاديث ) اشارة إلى نبوّته ، والملك اشارة إلى سلطته وقدرته.
    2 ـ ويقول سبحانه في داود ( عليه السلام ) : ( وَآتاهُ اللّهُ المُلْكَ وَالحِكْمَةَ وَ عَلَّمَهُ مِمّا يَشآءُ ) (1) ويقول سبحانه ( وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وآتَيْنَاهُ الحِكْمَةَ وَفَصْلَ الخِطَابِ ) (2).
    3 ـ ويحكي اللّه تعالى عن سليمان أنّه قال : ( وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إنَّكَ أنْتَ الوَهَّابُ ) (3).
    فملاحظة هذه الآية يفسر لنا حقيقة الامامة ، وذلك بفصل الاُمور التالية :
    أ ـ إنّ إبراهيم طلب الامامة لذريتة ، وقد أجاب سبحانه دعوته في بعضهم.
    ب ـ إنّ مجموعة من ذرّيته ، كيوسف وداود وسليمان ، نالوا ـ وراء النبوّة والرسالة ـ منصب الحكومة والقيادة.
    ج ـ إنّه سبحانه أعطى آل ابراهيم الكتاب ، والحكمة ، والملك العظيم.
    فمن ضم هذه الاُمور بعضها إلى بعض ، يخرج بهذه النتيجة : انّ ملاك الإمامة في ذرّية إبراهيم ، هو قيادتهم وحكمهم في المجتمع ، وهذه هي حقيقة الامامة ، غير أنّها ربّما تجتمع ما المقامين الاُخريين ، كما في الخليل ، ويوسف ، وداود ، وسليمان ، وغيرهم ، وربّما تنفصل عنهما كما في قوله سبحانه : ( وَ قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أحَقُّ
1 ـ البقرة / 251.
2 ـ ص / 20.
3 ـ ص / 35.

(296)
بِالمُلكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المَالِ قَالَ إنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَاللّهُُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشآءُ وَاللّهُ واسِعُ عَليمٌ ) (1).
    والامامة التي يتبنّاها المسلمون بعد رحلة النبي الأكرم ، تتّحد واقعيتها مع هذه الامامة.

    ما هو مراد من الظالم :
    قد تعرّفت على المقصود من جعل الخليل إماماً للناس ، وانّ المراد هو القيادة الإلهية ، وسوق الناس إلى السعادة بقوّة وقدرة ومنعة. بقي الكلام في تفسير الظالم الذي ليس له من الإمامة سهم ، فنقول :
    لمّا خلع سبحانه ثوب الامامة على خليله ، ونصبه إماماً للناس ، ودعا إبراهيم أن يجعل من ذرّيته إماماً ، اُجيب بأنّ الامامة منصب إلهي ، لا يناله الظالمون ، لأنّ الإمام هو المطاع بين الناس ، المتصرّف في الأموال والنفوس ، فيجب أن يكون على الصراط السويّ ، والظالم المتجاوز عن الحد لا يصلح لهذا المنصب.
    إنّ الظالم الناكث لعهد اللّه ، والناقض لقوانينه وحدوده ، على شفا جرف هار ، لا يؤتمن عليه ولا تلقى إليه مقاليد الخلافة ، لأنّه على مقربة من الخيانة والتعدي ، وعلى استعداد لأن يقع أداة للجائرين ، فكيف يصح في منطق العقل أن يكون إماماً مطاعاً ، نافذ القول ، مشروع التصرّف. وعلى ذلك ، فكل من ارتكب ظلماً وتجاوز حداً في يوم من أيام عمره ، أو عبد صنماً ، أو لاذ إلى وثن ، وبالجملة ارتكب ما هو حرام فضلاً عمّا هو شرك وكفر ، ينادى من فوق العرش في حقه : ( لا ينال عهدي الظالمين ) من غير فرق بين صلاح حالهم بعد تلك الفترة ، أو البقاء على ما كانوا عليه.
1 ـ البقرة / 247.

(297)
    نعم اعترض « الجصاص » على هذا الاستدلال وقال : « إنّ الآية إنّما تشمل من كام مقيماً على الظلم وأمّا التائب منه فلا يتعلّق به الحكم ، لأنّ الحكم إذا كان معلّقاً على صفة ، وزالت تلك الصفة ، زال الحكم. ألاترى أنّ قوله : ( وَلا تَرْكَنُوا إلى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (1) إنّما ينهى عن الركون إليهم ما أقاموا على الظلم ، فقوله تعالى : ( وَلا يَنال عَهدِى الظّالِمينَ ) لم ينف به العهد عمّن تاب عن ظلمه ، لأنّه في هذه الحاله لا يسمّى ظالماً ، كما لا يسمّى من تاب من الكفر كافراً » (2).
    يلاحظ عليه : أنّ قوله « الحكم يدور مدار وجود الموضوع » ليس ضابطاً كلياً ، بل الأحكام على قسمين ، قسم كذلك ، وآخر يكفي فيه اتّصاف الموضوع بالوصف والعنوان آناً ما ، ولحظة خاصة ، وإن انتفى بعد الاتّصاف ، فقوله : « الخمر حرام » ، أو : « في سائمة الغنم زكاة » من قبيل القسم الأوّل ، وأمّا قوله : « الزاني يحد » ، و« السارق يقطع » فالمراد منه انّ الإنسان المتلبّس بالزنا أو السرقة يكون محكوماً بهما وإن زال العنوان ، وتاب السارق والزاني ، ومثله : « المستطيع يجب عليه الحج » فالحكم ثابت ، وإن زالت عنه الاستطاعة عن تقصير لا عن قصور.
    وعلى ذلك فالمدعى أنّ « الظالمين » في الآية المباركة كالسارق والسارقة والزاني والزانية والمستطيع واُمّهات نسائكم في الآيات الراجعة إليهم.
    نعم المهم في المقام ، اثبات أنّ الموضوع في الآية من قبيل الثاني ، وأنّ التلبّس بالظلم ولو آناً ما ، يسلب عن الإنسان صلاحية الامامة ، وإن تاب من ذنبه ، فإنّ الناس بالنسبة إلى الظلم على أقسام أربعة :
    1 ـ من كان طيلة عمره ظالماً.
1 ـ هود / 113.
2 ـ تفسير آيات الأحكام 1 / 72.


(298)
    2 ـ من كان طاهراً ونقياً في جميع فترات عمره.
    3 ـ من كان ظالماً في بداية عمره ، وتائباً في آخره.
    4 ـ من كان طاهراً في بداية عمره ، وظالماً في آخره.
    عند ذلك يجب أن نقف على أنّ إبراهيم ( عليه السلام ) ، الذي سأل الإمامة لبعض ذريته أىّ قسم منها أراد ؟
    حاشا إبراهيم أن يسأل الإمامة للقسم الأوّل ، والرابع من ذريته ، لوضوح انّ الغارق في الظلم من بداية عمره إلى آخره ، أو المتّصف به أيام تصدّيه للإمامة ، لا يصلح لأن يؤتمن عليها.
    بقي القسمان الآخران ، الثاني والثالث ، وقد نص سبحانه على أنّه لا ينال عهده الظالم ، والظالم في هذه العبارة لا ينطبق إلاّ على القسم الثالث ، أعني من كان ظالماً في بداية عمره ، وكان تائباً حين التصدي.
    فإذا خرج هذا القسم ، بقي القسم الثاني ، وهو من كان نقي الصحيفة طيلة عمره ، ولم ير منه لا قبل التصدّي ولا بعده أي انحراف عن جادة الحق ، ومجاوزة للصراط السوي. وهو يساوي المعصوم.

    العصمة في القول والراي :
    إنّ الأئمة معصومون عن العصيان والمخالفة أوّلاً ، وعن الخطأ والزلة في القول ثانياً وما ذلك إلاّ لأنّ كلّ إمام من الأوّل إلى الثاني عشر ، قد أحاط إحاطة شاملة كاملة بكل ما في هذين الأصلين بحيث لا يشذ عن علمهم معنى آية من آي الذكر الحكيم تنزيلاً وتأويلاً ، ولا شيء من سنّة رسول اللّه قولا وفعلا وتقريراً وكفى بمن أحاط بعلوم الكتاب والسنّة فضلاً وعلما. ومن هنا كانوا قدوة الناس جميعاً بعد جدّهم الرسول ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ).


(299)
    وقد أخذ أهل البيت علوم الكتاب والسنّة وفهموها عن رسول اللّه تماماً (1) كما أخذها ووعاها رسول اللّه عن جبرائيل ، وكما وعاها جبرائيل عن اللّه ، ولا فرق أبداً في شيء إلاّ بالواسطة ، وقال الشاعر الإمامي في هذا المعنى :
إذا شئت أن تبغي لنفسك مذهبا فدع عنك قول الشافعي ومالك و وال اُناساً نقلهم وحديثهم ينجيك يوم البعث من لهب النار وأحمد والمروى عن كعب أحبار روى جدّنا عن جبرئيل عن الباري
    أخذ علىّ عن النبيّ ، وأخذ الحسنان عن أبيهما ، وأخذ علي بن الحسين عن أبيه ، وهكذا كل إمام يأخذ العلم عن إمام ، ولم ترو أصحاب السير والتواريخ أنّ أحداً من الأئمّة الإثنا عشر أخذ عن صحابي أو تابعي ، فقد أخذ الناس العلم عنهم ، ولم يأخذوه عن أحد ، وقال الامام الباقر ( عليه السلام ) : لو كنّا نحدّث الناس برأينا وهوانا لهلكنا ولكن نحدّثهم بأحاديث نكنزها عن رسول اللّه كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم (2).
1 ـ أو الهاماً غيبياً لأنّهم محدّثون ، كما أنّ مريم كانت محدّثة ، وفي صحيح البخاري : عن أبي هريرة قال : قال النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) : لقد كان فيمن قبلكم من بني إسرائيل رجال يُكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فان كان من اُمتي منهم أحد فعمر. صحيح البخاري 2 / 194 باب مناقب عمر بن الخطاب.
2 ـ محمّد جواد مغنية : الشيعة والتشيّع 44.

(300)
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: فهرس