بتلك الواجبات وهو فرع كونه معصوماً عن الخطأ والعصيان (1).
الثاني : قوله سبحانه ( أطِيعُوا اللّهَ وأطِيعُوا الرَّسولَ واُولِى الأمْر مِنْكُمْ ) (2).
و الاستدلال مبني على عامتين :
1 ـ إنّ اللّه سبحانه أمر بطاعة اُولي الأمر على وجه الاطلاق ، إي في جميع الأزمنة والأمكنة ، وفي جميع الحالات والخصوصيات ، ولم يقيّد وجوب امتثال أوامرهم ونواهيهم بشيء كما ومقتضى الآية.
2 ـ إنّ من البديهي أنّه سبحانه لا يرضى لعباده الكفر والعصيان ( ولا يَرْضى لِعِبادِهِ الكُفْر ) (3) من غير فرق بين أن يقوم به العباد ابتداءً من دون تدخّل أمر آمر أو نهي ناهٍ ، أو يقومون به بعد صدور أمر ونهي من اُولي الأمر.
فمقتضى الجمع بين هذين الأمرين ( وجوب اطاعة اُولي الأمر على وجه الاطلاق ، وحرمة طاعتهم إذا أمروا بالعصيان ) أن يتّصف اُولي الأمر الذين وجبت اطاعتهم على وجه الاطلاق ، بخصوصية ذاتية وعناية إلهية ربّانية ، تصدّهم عن الأمر بالمعصية والنهي عن الطاعة. وليس هذا إلا عبارة اُخرى عن كونهم معصومين ، وإلا فلو كانوا غير واقعين تحت تلك العناية ، لما صحّ الأمر باطاعتهم على وجه الاطلاق ولما صحَّ الأمر بالطاعة بلا قيد وشرط. فتستكشف من إطلاق الأمر بالطاعة ، اشتمال المتعلّق على خصوصية تصدّه عن الأمر بغير الطاعة.
وممّن صرّح الآية على العصمة الامام الرازي في تفسيره ، ويطلب لي
1 ـ هذا اجمال ما أوضحناه في بحوثنا الكلامية فلاحظ الإلهيات 2 / 528 ـ 539.
2 ـ النساء / 59.
3 ـ الزمر / 7.
(292)
أن أذكر نصَّه حتى يمعن فيه أبناء جلدته وأتباع طريقته قال :
أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة اُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم والقطع ، لابد وأن يكون معصوماً عن الخطأ إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ ، كان بتقدير أقدامه على الخطأ يكون قد أمر اللّه بمتابعته ، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ ، والخطأ لكونه خطأ منهى عنه ، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد ، وأنّه محال ، فثبت أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة اُولي الأمر على سبيل الجزم ، وثبت أنّ كل من أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ ، فثبت قطعاً أنّ اُولي الأمر المذكور في هذه الآية لابد وأن يكون معصوماً (1).
و لمّا وقف الرازي على تمايمة دلالة الآية على عصمة اُولي الأمر ، وهي لا توافق مذهبه في الامامة حاول أن يؤول الآية بما يوافقه مع أنّ الواجب على أمثاله.
أن يتعرّف على « اُولي الأمر » الذي استظهر من الآية كونهم معصومين ، ولكنّه زلّت قدمه ، ولم يستغل هذه الفكرة ، ولم يستثمرها ، فأخذ يتهرّب من تنائج الفكرة بالقول بأنّا عاجزون عن معرفة الامام المعصوم ، عاجزون عن الوصول إليه ، عاجزون عن استفاده الدين والعلم منه ، فاذا كان الأمر كذلك ، فالمراد ليس بعضاً من أبعاض الاُمّة ، بل المراد هو أهل الحل والعقد من الاُمّة.
يلاحظ عليه : بأنّه إذا دلّت الآية على عصمة اُولي الأمر فيجب علينا التعرّف عليهم ، وادّعاء العجز ، هروب من الحقيقة فهل العجز يختص بزمانه أو كان يشمل زمان نزول الآية ، لا أظن أن يقول الرازي بالثاني فعليه أن يتعرّف على المعصوم في زمان النبيّ وعصر نزول الآية ، فبالتعرّف عليهم ، يعرف معصوم زمانه ، حلقة بعد
1 ـ مفاتيح الغيب 10 / 144.
(293)
اُخرى ، ولا يعقل أن يأمر الوحي الإلهي باطاعة المعصوم ثم لا يقوم بتعريفه حين النزول ، فلو آمن الرازي بدلالة الآية على عصمة اُولي الأمر ، لكان عليه أن يؤمن بقيام الوحي الإلهي على تعريفهم بلسان النبي الأكرم.
إذ لا معنى أن يأمر اللّه سبحانه باطاعة المعصوم ، ولا يقوم بتعريفه.
ثمّ إنّ تفسير « اُولي الأمر » بأهل الحل والعقد ، تفسير للغامض ـ حسب نظر الرازي ـ بالأغمض إذ هو ليس بأوضح من الأول ، فهل المراد منهم : العساكر والضباط ، أو العلماء والمحدّثون ، أو الحكام والسياسيون أو الكل. وهل اتّفق اجماعهم على شيء ، ولم يخالفهم لفيف من المسلمين.
إذا كانت العصمة ثابتة للاُمّة عند الرازي كما علمت ، فهناك من يرى العصمة لجماعة من الاُمّة كالقراء والفقهاء والمحدّثين ، هذا هو ابن تيمية يقول ي ردّه على الشيعة عند قولهم : انّ وجود الامام المعصوم لابدّ منه بعد موت النبي يكون حافظاً للشريعة ومبيّناً أحكامها خصوصاً أحكام الموضوعات المتجدّدة ، يقول : إنّ أهل السنّة لا يسلمون أن يكون الامام حافظاً للشرع بعد انقطاع الوحي ، وذلك لأنّ ذلك حاصل للمجموع ، والشرع إذا نقله أهل التواتر كان ذلك خيراً من نقل الواحد ، فالقرّاء معصومون في حفظ القرآن وتبليغه ، والمحدّثون معصومون في حفظ الأحاديث وتبليغها ، والفقهاء معصومون في الكلام والاستدلال (1).
يلاحظ عليه : كيف يدّعي العصمة لهذه الطوائف مع أنّهم غارقين في الاختلاف في القراءة والتفسير ، والحديث والأثر ، والحكم والفتوى ، والعقيدة والنظر. ولو أغمضنا عن ذلك فما الدليل على عصمة تلكم الطوائف خصوصاً على قول القائل بأنّ القول بالعصمة تسرّب من اليهود إلى الأوساط الاسلامية.
1 ـ ابن تيمية : منهاج السنّة كما في نظرية الامامية 120.
(294)
الثالث : قوله سبحانه : ( وإذِ ابْتَلى إبراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأتَمَّهُنَّ قالَ إنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إماماً قالَ وَ مَنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (1).
والاستدلال بالآية على عصمة الامام ، يتوقّف على تحديد مفهوم الامامة الواردة في الآية والمقصود منها غير النبوّة وغير الرسالة ، فأمّا الأولّ فهو عبارة عن منصب تحمّل الوحي ، والثاني عبارة عن منصب ابلاغه إلى الناس. والإمامة المعطاة للخليل في اُخريات عمره غير هذه وتلك ، لأنّه كان نبيّاً ورسولاً وقائماً بوظائفهما طيلة سنين حتى خوطب بهذه الآية ، فالمراد من الإمامة في المقام هو منصب القيادة ، وتنفيذ الشريعة في المجتمع بقوة وقدرة. ويعرب عن كون المراد من الامامة في المقام هو المعنى الثالث ، قوله سبحانه : ( أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إبْراهيمَ الكِتابَ والحِكْمَةَ وآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظيماً ) (2).
فالإمامة التي أنعم بها اللّه سبحانه على الخليل وبعض ذريّته ، هي الملك العظيم الوارد في هذه الآية. وعلينا الفحص عن المراد بالملك العظيم ، إذ عند ذلك يتّضح أنّ مقام الامامة ، وراء النبوّة والرسالة ، وانّما هو قيادة حكيمة ، وحكومة إلهية ، يبلغ المجتمع بها إلى السعادة. واللّه سبحانه يوضح حقيقة هذا الملك في الآيات التالية :
1 ـ يقول سبحانه ـ حاكياً قول يوسف ( عليه السلام ) : ( رَبَّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأويلِ الأحاديثِ ) (3) ومن المعلوم أنّ الملك الذي منّ به
1 ـ البقرة / 124.
2 ـ النساء / 54.
3 ـ يوسف / 101.
(295)
سبحانه على عبده يوسف ، ليس النبوّة ، بل الحاكمية حيث صار أميناً مكيناً في الأرض. فقوله : ( وعلمتني من تأويل الأحاديث ) اشارة إلى نبوّته ، والملك اشارة إلى سلطته وقدرته.
2 ـ ويقول سبحانه في داود ( عليه السلام ) : ( وَآتاهُ اللّهُ المُلْكَ وَالحِكْمَةَ وَ عَلَّمَهُ مِمّا يَشآءُ ) (1) ويقول سبحانه ( وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وآتَيْنَاهُ الحِكْمَةَ وَفَصْلَ الخِطَابِ ) (2).
3 ـ ويحكي اللّه تعالى عن سليمان أنّه قال : ( وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إنَّكَ أنْتَ الوَهَّابُ ) (3).
فملاحظة هذه الآية يفسر لنا حقيقة الامامة ، وذلك بفصل الاُمور التالية :
أ ـ إنّ إبراهيم طلب الامامة لذريتة ، وقد أجاب سبحانه دعوته في بعضهم.
ب ـ إنّ مجموعة من ذرّيته ، كيوسف وداود وسليمان ، نالوا ـ وراء النبوّة والرسالة ـ منصب الحكومة والقيادة.
ج ـ إنّه سبحانه أعطى آل ابراهيم الكتاب ، والحكمة ، والملك العظيم.
فمن ضم هذه الاُمور بعضها إلى بعض ، يخرج بهذه النتيجة : انّ ملاك الإمامة في ذرّية إبراهيم ، هو قيادتهم وحكمهم في المجتمع ، وهذه هي حقيقة الامامة ، غير أنّها ربّما تجتمع ما المقامين الاُخريين ، كما في الخليل ، ويوسف ، وداود ، وسليمان ، وغيرهم ، وربّما تنفصل عنهما كما في قوله سبحانه : ( وَ قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أحَقُّ 1 ـ البقرة / 251.
2 ـ ص / 20.
3 ـ ص / 35.
(296)
بِالمُلكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المَالِ قَالَ إنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَاللّهُُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشآءُ وَاللّهُ واسِعُ عَليمٌ ) (1).
والامامة التي يتبنّاها المسلمون بعد رحلة النبي الأكرم ، تتّحد واقعيتها مع هذه الامامة.
ما هو مراد من الظالم : قد تعرّفت على المقصود من جعل الخليل إماماً للناس ، وانّ المراد هو القيادة الإلهية ، وسوق الناس إلى السعادة بقوّة وقدرة ومنعة. بقي الكلام في تفسير الظالم الذي ليس له من الإمامة سهم ، فنقول :
لمّا خلع سبحانه ثوب الامامة على خليله ، ونصبه إماماً للناس ، ودعا إبراهيم أن يجعل من ذرّيته إماماً ، اُجيب بأنّ الامامة منصب إلهي ، لا يناله الظالمون ، لأنّ الإمام هو المطاع بين الناس ، المتصرّف في الأموال والنفوس ، فيجب أن يكون على الصراط السويّ ، والظالم المتجاوز عن الحد لا يصلح لهذا المنصب.
إنّ الظالم الناكث لعهد اللّه ، والناقض لقوانينه وحدوده ، على شفا جرف هار ، لا يؤتمن عليه ولا تلقى إليه مقاليد الخلافة ، لأنّه على مقربة من الخيانة والتعدي ، وعلى استعداد لأن يقع أداة للجائرين ، فكيف يصح في منطق العقل أن يكون إماماً مطاعاً ، نافذ القول ، مشروع التصرّف. وعلى ذلك ، فكل من ارتكب ظلماً وتجاوز حداً في يوم من أيام عمره ، أو عبد صنماً ، أو لاذ إلى وثن ، وبالجملة ارتكب ما هو حرام فضلاً عمّا هو شرك وكفر ، ينادى من فوق العرش في حقه : ( لا ينال عهدي الظالمين ) من غير فرق بين صلاح حالهم بعد تلك الفترة ، أو البقاء على ما كانوا عليه.
1 ـ البقرة / 247.
(297)
نعم اعترض « الجصاص » على هذا الاستدلال وقال : « إنّ الآية إنّما تشمل من كام مقيماً على الظلم وأمّا التائب منه فلا يتعلّق به الحكم ، لأنّ الحكم إذا كان معلّقاً على صفة ، وزالت تلك الصفة ، زال الحكم. ألاترى أنّ قوله : ( وَلا تَرْكَنُوا إلى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (1) إنّما ينهى عن الركون إليهم ما أقاموا على الظلم ، فقوله تعالى : ( وَلا يَنال عَهدِى الظّالِمينَ ) لم ينف به العهد عمّن تاب عن ظلمه ، لأنّه في هذه الحاله لا يسمّى ظالماً ، كما لا يسمّى من تاب من الكفر كافراً » (2).
يلاحظ عليه : أنّ قوله « الحكم يدور مدار وجود الموضوع » ليس ضابطاً كلياً ، بل الأحكام على قسمين ، قسم كذلك ، وآخر يكفي فيه اتّصاف الموضوع بالوصف والعنوان آناً ما ، ولحظة خاصة ، وإن انتفى بعد الاتّصاف ، فقوله : « الخمر حرام » ، أو : « في سائمة الغنم زكاة » من قبيل القسم الأوّل ، وأمّا قوله : « الزاني يحد » ، و« السارق يقطع » فالمراد منه انّ الإنسان المتلبّس بالزنا أو السرقة يكون محكوماً بهما وإن زال العنوان ، وتاب السارق والزاني ، ومثله : « المستطيع يجب عليه الحج » فالحكم ثابت ، وإن زالت عنه الاستطاعة عن تقصير لا عن قصور.
وعلى ذلك فالمدعى أنّ « الظالمين » في الآية المباركة كالسارق والسارقة والزاني والزانية والمستطيع واُمّهات نسائكم في الآيات الراجعة إليهم.
نعم المهم في المقام ، اثبات أنّ الموضوع في الآية من قبيل الثاني ، وأنّ التلبّس بالظلم ولو آناً ما ، يسلب عن الإنسان صلاحية الامامة ، وإن تاب من ذنبه ، فإنّ الناس بالنسبة إلى الظلم على أقسام أربعة :
1 ـ من كان طيلة عمره ظالماً.
1 ـ هود / 113.
2 ـ تفسير آيات الأحكام 1 / 72.
(298)
2 ـ من كان طاهراً ونقياً في جميع فترات عمره.
3 ـ من كان ظالماً في بداية عمره ، وتائباً في آخره.
4 ـ من كان طاهراً في بداية عمره ، وظالماً في آخره.
عند ذلك يجب أن نقف على أنّ إبراهيم ( عليه السلام ) ، الذي سأل الإمامة لبعض ذريته أىّ قسم منها أراد ؟
حاشا إبراهيم أن يسأل الإمامة للقسم الأوّل ، والرابع من ذريته ، لوضوح انّ الغارق في الظلم من بداية عمره إلى آخره ، أو المتّصف به أيام تصدّيه للإمامة ، لا يصلح لأن يؤتمن عليها.
بقي القسمان الآخران ، الثاني والثالث ، وقد نص سبحانه على أنّه لا ينال عهده الظالم ، والظالم في هذه العبارة لا ينطبق إلاّ على القسم الثالث ، أعني من كان ظالماً في بداية عمره ، وكان تائباً حين التصدي.
فإذا خرج هذا القسم ، بقي القسم الثاني ، وهو من كان نقي الصحيفة طيلة عمره ، ولم ير منه لا قبل التصدّي ولا بعده أي انحراف عن جادة الحق ، ومجاوزة للصراط السوي. وهو يساوي المعصوم.
العصمة في القول والراي : إنّ الأئمة معصومون عن العصيان والمخالفة أوّلاً ، وعن الخطأ والزلة في القول ثانياً وما ذلك إلاّ لأنّ كلّ إمام من الأوّل إلى الثاني عشر ، قد أحاط إحاطة شاملة كاملة بكل ما في هذين الأصلين بحيث لا يشذ عن علمهم معنى آية من آي الذكر الحكيم تنزيلاً وتأويلاً ، ولا شيء من سنّة رسول اللّه قولا وفعلا وتقريراً وكفى بمن أحاط بعلوم الكتاب والسنّة فضلاً وعلما. ومن هنا كانوا قدوة الناس جميعاً بعد جدّهم الرسول ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ).
(299)
وقد أخذ أهل البيت علوم الكتاب والسنّة وفهموها عن رسول اللّه تماماً (1) كما أخذها ووعاها رسول اللّه عن جبرائيل ، وكما وعاها جبرائيل عن اللّه ، ولا فرق أبداً في شيء إلاّ بالواسطة ، وقال الشاعر الإمامي في هذا المعنى :
إذا شئت أن تبغي لنفسك مذهبافدع عنك قول الشافعي ومالكو وال اُناساً نقلهم وحديثهم
ينجيك يوم البعث من لهب الناروأحمد والمروى عن كعب أحبارروى جدّنا عن جبرئيل عن الباري
أخذ علىّ عن النبيّ ، وأخذ الحسنان عن أبيهما ، وأخذ علي بن الحسين عن أبيه ، وهكذا كل إمام يأخذ العلم عن إمام ، ولم ترو أصحاب السير والتواريخ أنّ أحداً من الأئمّة الإثنا عشر أخذ عن صحابي أو تابعي ، فقد أخذ الناس العلم عنهم ، ولم يأخذوه عن أحد ، وقال الامام الباقر ( عليه السلام ) : لو كنّا نحدّث الناس برأينا وهوانا لهلكنا ولكن نحدّثهم بأحاديث نكنزها عن رسول اللّه كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم (2).
1 ـ أو الهاماً غيبياً لأنّهم محدّثون ، كما أنّ مريم كانت محدّثة ، وفي صحيح البخاري : عن أبي هريرة قال : قال النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) : لقد كان فيمن قبلكم من بني إسرائيل رجال يُكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فان كان من اُمتي منهم أحد فعمر. صحيح البخاري 2 / 194 باب مناقب عمر بن الخطاب.
2 ـ محمّد جواد مغنية : الشيعة والتشيّع 44.