بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: 301 ـ 310
(301)
    المسألة الثالثة :
الإمام المنتظر
    إنّ الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر عقيدة مشتركة بين جميع المسلمين ، إلا من أصمّه اللّه ، فكل من كان له إلمام بالحديث يقف على تواتر البشارة عن النبي وآله وأصحابه ، بظهور المهدي في آخر الزمان لازالة الجهل والظلم ، ونشر اعلام العلم والعدل ، واعلاء كلمة الحق واظهار الدين كلّه ، ولو كره المشركون ، وهو باذن اللّه ينجي العالم من ذُلِّ العبودية لغير اللّه ، ويبطل القوانين الكافرة التي سنّتها الأهواء ، ويقطع أوامر التعصبات القومية والعنصرية ، ويميت أسباب العداء والبغضاء التي سارت سبباً لاختلاف الاُمّة واضظراب الكلمة ، واشتعال نيران الفتن والمنازعات ، ويحقق اللّه بظهوره وعده الذي وعد به المؤمنين بقوله :
    ( وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَما اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكَّنّنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ


(302)
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ اَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَاُلئِكَ هُمُ الفَاسِقُون ) (1).
    وقال سبحانه : ( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ) (2) هذا ما اتّفق عليه المسلمون في الصدر الأوّل والأزمنة اللاحقة ، وقد تضافر مضمون قول الرسول الأكرم : « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد ، لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي ، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجورا ».
    ولو وجد هناك خلاف بين أكثر السنّة والشيعة ، فالاختلاف في ولادته ، فانّ الأكثرية من أهل السنّة يقولون بأنّه سيولد في آخر الزمان ، والشيعة بفضل هذه الروايات ، تذهب إلى أنّه ولد في « سرّمن رأى » عام 255 ، وغاب بأمر اللّه سبحانه سنة وفاة والده ، عام 260 ، وهو يحيى حياة طبيعية كسائر الناس ، غير أنّ الناس يرونه ولا يعرفونه ، وسوف يظهره اللّه سبحانه ليحقق عدله.
    و هذا المقدار من الاختلاف لا يجعل العقيدة بالمهدي عقيدة خلافية ، ومن أراد أن يقف على عقيدة السنّة والشيعة في مسألة المهدي فعليه أن يرجع إلى الكتب التالية لمحقّقي السنّة ومحدّيثهم :
    1 ـ « صفة المهدي » للحافظ أبي نعيم الاصفهاني.
    2 ـ « البيان في أخبار صاحب الزمان » للكنجي الشافعي.
    3 ـ « البرهان في علامات مهدي آخر الزمان » لملّا علي المتقي.
    4 ـ « العرف الوردي في أخبار المهدي » للحافظ السيوطي.
1 ـ النور / 55.
2 ـ الأنبياء / 105.

(303)
    5 ـ « القول المختصر في علامات المهدي المنتظر » لابن حجر.
    6 ـ « عقد الدرر في أخبار الامام المنتظر » للشيخ جمال الدين الدمشقي.
    ومن أراد التفصيل فليرجع إلى « منتخب الأثر في الامام الثاني عشر » للعلّامة الصافي ـ دام ظلّه ـ.
    ولم ير أحد الضعف في أخبار الامام المهدي ، إلا ابن خلدون في مقدّمته ، وقد فنّد مقالته محمّد صديق برسالة أسماها « إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون » وقد كتب أخيراً الدكتور عبد الباقي كتاباً قيّماً في الموضوع أسماه « بين يدي الساعة » فيقول في تضافر الأخبار الواردة في حق المهدي :
    « إنّ المشكلة ليست في حديث أو حديثين أو راو أو راويين ، انّها مجموعة من الأحاديث والأخبار تبلغ الثمانين تقريباً ، اجتمع على تناقلها مئات الرواة ، وأكثر من صاحب كتاب صحيح.
    فلماذا نرد كل هذه الكمّية ؟ أكلّها فاسدة ؟ لو صحّ هذا الحكم لانهار الدين ـ والعياذ باللّه ـ تنيجة تطرق الشك والظن الفاسد إلى ما عداها من سنّة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ).
    ثمّ إنّي لا أجد خلافاً حول ظهور المهدي ، أو حول حاجة العالم إليه ، وانّما الخلاف حول من هو ، حسني أو حسيني ؟ سيكون في آخر الزمان ، أو موجود الآن ، خفي وسيظهر ؟ ظهر أو سيظهر ؟ ولا عبرة بالمدّعين الكاذبين ، فليس لهم اعتبار.
    ثمّ إنّي لا أجد مناقشة موضوعية في متن الأحاديث ، والذي أجده ، إنّما هو مناقشة وخلاف حول السند ، واتّصاله وعدم اتّصاله ، ودرجة رواته ، ومن خرّجوه ، ومن قالوا فيه.
    و إذا نظرنا إلى ظهور المهدي ، نظرة مجرّدة ، فإنّنا لا نجد حرجاً من قبولها


(304)
و تصديقها ، أو على الأقل عدم رفضها. فإذا ما تؤيّد ذلك بالأدلّة الكثيرة ، والأحاديث المتعددة ، ورواتها مسلمون مؤتمنون ، والكتب التي نقلتها إلينا كتب قيمة ، والترمذي من رجال التخريج والحكم ، بالاضافة إلى أنّ أحاديث المهدي لها ، ما يصح أن يكون سنداً لها في البخاري ومسلم ، كحديث جابر في مسلم الذي فيه : « فيقول أميرهم ( أي لعيسى ) : تعال صلّ بنا » (1) ، وحديث أبي هريرة في البخاري ، وفيه : « كيف بكم إذا نزل فيكم المسيح ابن مريم وأمامكم منكم » (2) ، فلا مانع من أن يكون هذا الأمير ، وهذا الامام هو المهدي.
    يضاف إلى هذا انّ كثيراً من السلف رضي اللّه عنهم ، لم يعارضوا هذا القول ، بل حاءت شروحهم وتقريراتهم موافقة لاثبات هذه العقيدة عند المسلمين » (3).
1 ـ صحيح مسلم 1 ( باب نزول عيسى ) 59.
2 ـ صحيح البخاري 14 / 334.
3 ـ بين يدي الساعة للدكتور عبد الباقي 123 ـ 125.

(305)
    المسألة الرابعة :
القول بالبداء
    إنّ من العقائد الثابتة عند الشيعة الامامية ، هو القول بالبداء ، ومن الكلمات الدارجة بين علمائهم انّ النسخ والبداء صنوان ، غير أنّ الأوّل في التشريع والثاني في التكوين ، وقد اشتهرت بالقول به ، كاشتهارها بالقول بالتقية وجواز متعة النساء وصار القول بهذه الاُمور الثلاثة من خصائصهم وقد أنكرت عليهم السنّة أشد الانكار خصوصاً في مسألة البداء ولكنّهم لو كانوا واقفين على مراد الشيعة من تجويز البداء على اللّه لتوقّفوا عن الاستنكار ، ولأعلنوا الوفاق ، وأقول عن جد : لو اُتيحت الفرصة لعلماء الفريقين للبحث عن النقاط الخلافية بعيداً عن التعصب والأنحياز لتجلّى الحق بأجلى مظاهره ، ولاعترفوا بصحة مقالة الشيعة ، غير أنّ تلك اُمنية لا تتحقق إلاّ في فترات خاصة ، وقد سألني أحد علماء أهل السنّة عن حقيقة البداء ، فأجبته باجمال ما أُفصّله في هذا المقام ، فتعجّب عن اتقان معناه ، غير أنّه زعم أنّ ما


(306)
ذكرته نظرية شخصية لا صلة لها بنظرية الامامية في البداء فطلب منّي كتاباً لقدماء علماء الشيعة ، فدفعت إليه أوائل المقالات ، وشرح عقائد الصدوق لشيخ الاُمّة محمّد بن النعمان المفيد ( 336 ـ 413 ) فقرأهما بدقة ، وجاء بالكتاب بعد أيام وقال : لو كان معنى البداء هو الذي يذكره صاحب الكتاب فهو من صميم عقيدة أهل السنّة ولا يخالفون الشيعة في هذا المبدأ أبداً.
    ولتوضيح حقيقة البداء نأتي بمقدمات :
    الأولى : اتفقت الشيعة على أنّه سبحانه عالم بالحوادث كلّها غابرها وحاضرها ، ومستقبلها لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فلا يتصوّر فيه الظهور بعد الخفاء ، ولا العلم بعد الجهل ، بل الأشياء دقيقها وجليلها ، حاضرة لديه ويدل عليه الكتاب والسنّة المروية عن طريق أئمّة أهل البيت ـ مضافاً إلى البراهين الفلسفية المقرّرة في محلها ـ أمّا الكتاب :
    فقوله سبحانه : ( اِنَّ اللّهَ لا يَخْفى عَلَيهِ شَىءٌ فِى الاَرْضِ وَلا فِى السَّماءِ ) (1).
    وقوله تعالى ( وَمَا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْ شَىء فِى الاَرْضِ وَلا فِى السَّماءِ ) (2).
    وقوله سبحانه : ( إنْ تُبْدُوا شيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَاِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىء عَلِيماً ) (3) كيف وهو محيط بالعالم صغيره وكبيره ، ماديّه ومجرّده ، والأشياء كلها قائمة به قياماً قيّومياً كقيام المعنى الحرفي بالاسمي والرابطي بالطرفين ويكفي في ذلك قوله سبحانه : ( مَا اَصابَ مِنْ مُصيبَةٍ فِى الاَرْضِ وَلا فِى اَنْفُسِكُمْ اِلاّ فِى كِتاب مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا اِنَّ ذلِكَ عَلَى اللّه يَسيرٌ ) (4).
1 ـ آل عمران / 5.
2 ـ إبراهيم / 38.
3 ـ الأحزاب / 54.
4 ـ الحديد / 22 ـ


(307)
    وقوله سبحانه : ( وَمَا مِنْ دَابَّة فِى الاَرْضِ اِلاّ عَلَى اللّهِ رِزْقُها و يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتابٍ مُبينٍ ) (1).
    وأمّا الأخبار فنكتفي بالقليل منها :
    قال الامام موسى الكاظم ( عليه السلام ) : « لم يزل اللّه عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء » (2).
    وقال الامام علي ( عليه السلام ) : « كل سر عندك علانية ، وكل غيب عندك شهادة » (3).
    وقال ( عليه السلام ) : « لا يعزب عنه عدد قطر الماء ، ولا نجوم السماء ، ولا سوافي الريح في الهواء ، ولا دبيب النمل على الصفا ، ولا مقيل الذّرّ في الليلة الظلماء ، يعلم مساقط الأوراق ، وخفىّ طرف الأحداق » (4).
    إلى غير ذلك من الروايات (5) التي تدل على احاطة علمه بكل شيء قبل خلقه وحينه وبعده ، وانّه لا يخفى عليه شيء ابداً.
    وقال الصادق ( عليه السلام ) في تفسير قوله : ( يمحوا اللّهُ ما يشاءُ ويثبتُ وعندَهُ اُمّ الكتاب ) :
    « فكل أمر يريده اللّه ، فهو في علمه قبل أن يصنعه ، ليس شيء يبدو له إلاّ وقد كان في علمه ، إنّ اللّه لا يبدو له من جهل. وقال : من زعم أنّ اللّه عزّوجلّ يبدو له من
1 ـ هود / 6.
2 ـ الكافي ج 1 ، باب صفات الذات ، الحديث 4.
3 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 105.
4 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 173 ، طبعة عبده.
5 ـ لاحظ في العثور على الروايات حول علمه سبحانه ، البحار 4 / 121 والكافي 1 / 111.


(308)
شيء لم يعلمه أمس ، فابرأ وامنه » (1) إلى غير ذلك من الروايات التي تدل على إحاطة علمه بكل شيء قبل خلقه وحينه وبعده وانّه لا يخفى عليه شيء أبداً.
    وأمّا العقل فقد دلّ على تنزّهه من وصمة الحدوث والتغيير ، وانّه تقدّست أسماؤه ، أعلى من أن يقع معرضاً للحوادث والتغييرات ، ولأجل ذلك ذهبوا إلى امتناع البداء عليه بمعنى الظهور بعد الخفاء والعلم بعد الجهل ، لاستلزامه كون ذاته محلاّ للتغير والتبدل ، المستلزم للتركيب والحدوث ، إلى غير ذلك ممّا يستحيل عليه سبحانه.
    فالآيات وكذلك الأحاديث المروية عن أئمّة الشيعة ( عليهم السلام ) تشهد على علمه الذي لا يشوبه جهل ، وعلى سعته لكل شيء قبل الخلق وبعده ، وأنّه يستحيل عليه الظهور بعد الخفاء ، والعلم بعد الجهل.
    وعليه فمن نسب إلى الشيعة الإمامية ما يستشم منه خلاف ما دلّت عليه الآيات والأحاديث فقد افترى كذباً ينشأ من الجهل بعقائد الشيعة ، أو التزلّف إلى حكّام الوقت الحاقدين لهم أو التعصّب المقيت.
    وبذلك يعلم بطلان ما قاله الرازي في تفسيره عند البحث عن آية المحو والاثبات حيث يقول : قالت الرافضة : البداء جائز على اللّه تعالى وهو أن يعتقد شيئاً ثم يظهر له أنّ الأمر بخلاف ما اعتقده ، وتمسّكوا فيه بقوله ( يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت ) : ثمّ قال : إنّ هذا باطل لأنّ علم اللّه من لوازم ذاته المخصوصة وما كان كذلك ، كان دخول التغيّر والتبدّل فيه باطلاً (2).
    وما حكاه الرازي عن « الرافضة » كاشف عن جهله بعقيدة الشيعة وإنّما سمعه
1 ـ البحار 4 / 111 باب البداء ، الحديث 30 ، والبرهان 2 / 300 حديث 21.
2 ـ تفسير الرازي 4 / 216 تفسير سورة الرعد.


(309)
عن بعض الكذّابين الأفّاكين الذين يفتعلون الكذب لغايات فاسدة ، وقد قبله من دون امعان ودقّة ، مع أنّ موطنه ومسقط رأسه ( بلدة ري ) كانت مزدحم الشيعة ومركزهم وكان الشيخ محمود بن علي بن الحسن سديد الدين الحمصي الرازي ، علاّمة زمانه في الاُصولين معاصراً ومواطناً للرازي وهو مؤلّف كتاب « المنقذ من التقليد والمرشد إلى التوحيد » (1) ولو كان الفخر الرازي رجلاً منصفاً لرجع إليه في تبيين عقائد الشيعة ، ولما تهاجم عليهم بسباب مقذع ، وربّما ينقل عنه بعض الكلمات في تفسيره.
    وليس الرازي فريداً في التقوّل في هذا المجال بل سبقه البلخي ( ت 319 ) في هذه النسبة (2) ، ونقله الشيخ الأشعري ( 260 ـ 324 ) في مقالات الاسلاميين (3) ونقله أبو الحسن النوبختي في فرق الشيعة عن بعض فرق الزيدية (4).
    الثانية : كما دلّت الآيات و الأحاديث (5) على أنّه سبحانه لم يفرغ من أمر الخلق و الايجاد ، و التدبير و التربية ، دلّت على أنّ مصير العباد يتغيّر ، بحسن أفعالهم و صلاح أعمالهم من الصدقة و الاحسان و صلة الأرحام و برّ الوالدين ، و الاستغفار و التوبة و شكر النعمة و اداء حقّها إلى غير ذلك من الاُمور التي تغيّر المصير و تبدّل القضاء و تفرّج الهموم و الغموم و تزيد في الأرزاق ، و الأمطار ، و الأعمار
1 ـ الطهراني آغا بزرگ : الثقات العيون في سادس القرون 295 و طبع الكتاب أخيراً.
2 ـ الطوسي : التبيان 1 / 13.
3 ـ مقالات الاسلاميين 107.
4 ـ فرق الشيعة 76 نقله عن سليمان بن جرير الذي كفّره أهل السنّة أيضاً لتكفيره عثمان فهل يصحّ الاعتماد على قول مثله.
5 ـ البحار 4 / 104 الحديث 17 و غيره.


(310)
والآجال كما أنّ لمحرّم الأعمال وسيّئها من قبيل البخل والتقصير ، وسوء الخلق ، وقطيعة الرحم ، وعقوق الوالدين ، والطيش ، وعدم الانابة ، وكفران النعمة وماشابهها تأثيراً في تغيير مصيرهم بعكس ذلك من اكثار الهموم ، والقلق ، ونقصان الأرزاق ، والأمطار ، والأعمار ، والآجال ، وما شاكلها.
    فليس للانسان مصير واحد ، ومقدر فارد ، يصيبه على وجه القطع والبت ، ويناله ، شاء أو لم يشأ ، بل المصير أو المقدر يتغيّر ويتبدّل بالأعمال الصالحة والطالحة وشكر النعمة وكفرانها ، وبالايمان والتقوى ، والكفر والفسوق. وهذا ممّا لا يمكن ( لمن له أدنى علاقة بالكتاب والسنّة ) انكاره إلاّ من كان مؤمناً بالقلب ، ومنكراً باللسان.
    ونحن نأتي في المقام بقليل من كثير ممّا يدل على ذلك من الآيات والروايات. منها :
    قوله سبحانه حاكياً عن شيخ الأنبياء : ( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ اِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِاَمْوال وَبَنينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّات وَيَجْعَلْ لَكُم اَنْهاراً ) (1).
    ترى أنّه ( عليه السلام ) ، يجعل الاستغفار ، علّة مؤثرة ، في نزول المطر ، وكثرة الأموال والبنين ، وجريان الأنهار إلى غير ذلك. وأمّا بيان كيفية تأثير عمل العبد في الكائنات الطبيعية ، فيطلب عن محلّه.
    وقوله سبحانه : ( اِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْم حَتّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنْفُسِهِمْ ) (2).
    وقوله تعالى : ( ذلِكَ بِاَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أنْعَمَها عَلى قَوْم حَتّى
1 ـ نوح / 10 ـ 12.
2 ـ الرعد / 11.
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: فهرس