بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: 311 ـ 320
(311)
يُغَيِّرُوا مَا بِأنْفُسِهِم ). (1)
    وقوله سبحانه : ( وَلَوْ أَنَّ أهْلَ القُرى آمَنُوا وَاتَّقُوا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكات مِنَ السَّماءِ والأرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأخَذْناهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ). (2)
    وقوله سبحانه : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ). (3)
    وقوله تعالى : ( وَإذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ). (4)
    وقوله سبحانه : ( وَنُوحاً إِذْ نَادى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكَرْبِ العَظيمِ ). (5)
    وقال تعالى : ( وَأَيُّوبَ إذْ نَادَى رَبَّهُ أَنَّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَاَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مَن ضُرٍّ ). (6)
    وقال سبحانه : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ). (7)
    وقال تعالى : ( فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ اِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأنبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرةً مِن يَقْطِين ). (8)
    وقال تعالى : ( فَاستَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيناهُ مِنَ الغَمِّ وَكذلِكَ نُنْجِى المُؤْمِنِينَ ). (9)
    وقال سبحانه : ( فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمّا
1 ـ الأنفال 53.
2 ـ الأعراف 96.
3 ـ الطلاق 2 ـ 3.
4 ـ إبراهيم 7.
5 و 6 ـ الأنبياء 76 و 83 ـ 84.
7 ـ الأنفال 33.
8 ـ الصافات 143 ـ 146.
9 ـ الأنبياء 88.


(312)
آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْىِ فِى الحَيوةِ الدُّنْيا وَمتَّعْناهُمْ إِلى حِين ) (1).
    وهذه الآيات بالاضافة إلى كثير من الأحاديث التي سيوافيك بيان نزر منها تعرب عن أنّ الأعمال الصالحة مؤثّرة في مصير الإنسان وانّه يقدر بعمله الصالح على تغيير القدر ، وتبديل القضاء وليس هناك مقدر محتوم فيما يرجع إلى أفعاله الاختيارية حتّى يكون العبد في مقابله مكتوف الأيدي والأرجل.
    وأمّا الأحاديث التي تدل على هذا المطلب فكثيرة جدّاً ، مبعثرة في كتب الحديث تحت عناوين مختلفة من قبيل الصدقة ، والاستغفار ، والدعاء ، وصلة الرحم ، وما أشبه ذلك ، وسنذكر فيما يلي نموذجاً من الأحاديث لكل من الاُمور الآنفة.

    الف ـ الصدقة وأثرها في دفع البلاء :
    روى الصدوق في الخصال عن أنس : قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) : « أكثر من صدقة السر ، فإنّها تطفئ غضب الرب جلّ جلاله ».
    وروى في عيون الأخبار عن الرضا عن آبائه ، قال : قال رسول اللّه : « باكروا بالصدقة فمن باكر بها لم يتخطاها البلاء ».
    وروى الشيخ الطوسي في أماليه عن الباقر ( عليه السلام ) قال : قال أميرالمؤمنين : « أفضل ما توسّل به المتوسّلون الإيمان باللّه ... وصدقة السر ، فإنّها تذهب الخطيئة وتطفئ غضب الرب ، وصنائع المعروف فإنّها تدفع ميتة السوء وتقي مصارع الهوان ».
    وروى الصدوق في ثواب الأعمال عن الصادق ( عليه السلام ) : قال : « الصدقة
1 ـ يونس / 98 ، وقد استشهد الامام أمير المؤمنين ببعض هذه الآيات عند الاستسقاء ، فقال : « إنّ اللّه يَبتلي عبادَهُ عند الأعمال السيّئة بنقص الثمرات ... » نهج البلاغة ، الخطبة 143.

(313)
باليد تدفع ميتة السوء ، وتدفع سبعين نوعاً من أنواع البلاء ».
    إلى غير ذلك من الروايات التي جمعها العلاّمة المجلسي في كتاب الزكاة والصدقة (1).

    ب ـ أثر الاستغفار في الرزق :
    روى الصدوق في الخصال عن أميرالمؤمنين قال : « الاستغفار يزيد في الرزق ». وروى أيضاً فيها عن أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) : « أكثروا الاستغفار ، تجلبوا الرزق » (2).

    ج ـ الدعاء وآثاره :
    روى الحميري في قرب الاسناد عن الصادق ( عليه السلام ) : « انّ الدعاء يرد القضاء وانّ المؤمن ليذنب فيحرم بذنبه الرزق ».
    وروى أيضاً عنه ( عليه السلام ) : قال رسول اللّه : « داووا مرضاكم بالصدقة ، وادفعوا أبواب البلاء بالدعاء ».
    وروى الصدوق عن أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) : « ادفعوا أمواج البلاء عنكم بالدعاء قبل ورود البلاء » (3).
1 ـ بحارالأنوار : الجزء 93 الباب 21 ، الأحاديث 4 ـ 7 ـ 9 ـ 26 ( وروى هناك أحاديث اُخرى ).
2 ـ المصدر نفسه كتاب الذكر والدعاء باب الاستغفار وفضله وأنواعه ، الحديث 4 ـ 17 ( وروى أحاديث حول الاستغفار من الفريقين ).
3 ـ البحار الجزء 93 كتاب الذكر والدعاء ، أبواب الدعاء. الباب 16 ـ الحديث 2 ـ 3 ـ 5 ( وروى أحاديث من الفريقين ).


(314)
    وقد عقد الكليني في الكافي باباً أسماه « انّ الدعاء يرد البلاء والقضاء » ومن جملة أحاديث هذا الباب عن حماد بن عثمان قال : سمعته يقول : « انّ الدعاء يردّ القضاء ينقضه كما ينقض السلك وقد اُبرم إبراماً » (1).
    وروى عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) : « عليكم بالدعاء فإنّ الدعاء للّه والطلب إلى اللّه يرد البلاء وقد قدر وقضى ولم يبق إلاّ امضاؤه فإذا دعى اللّه عزّوجلّ وسئل ، صرف البلاء صرفة » (2).
    وأخرج الحاكم عن ابن عباس ـ رضي اللّه عنه ـ ، قال : لا ينفع الحذر عن القدر ولكن اللّه يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر.
    قال : وأخرج ابن أبي شيبة في المصنّف وابن أبي الدنيا في الدعاء عن ابن مسعود ـ رضي اللّه عنه ـ قال : ما دعا عبد بهذه الدعوات إلاّ وسع اللّه له في معيشته : « يا ذا المنّ ولا يمنّ عليه ، يا ذا الجلال والاكرام يا ذا الطول ، لا إله إلاّ أنت ظهر اللاجين وجار المستجيرين ، ومأمن الخائفين إن كنت كتبتني عندك في اُمّ الكتاب شقياً فامح عنّي اسم الشقاء واثبتني عندك سعيداً ، وإن كنت كتبتني عندك في اُمّ الكتاب محروماً مقتراً على رزقي ، فامح حرماني ويسّر رزقي واثبتني عندك سعيداً موفقاً للخير فإنّك تقول في كتابك الّذي أنزلت : ( يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت وعنده اُم الكتاب ) (3).
    وروى أيضاً في الدر المنثور في تفسير قوله تعالى : ( يسأله من في
1 ـ الكافي ج 2 باب انّ الدعاء يرد القضاء ص 469 الحديث 1.
2 ـ المصدر نفسه ص 470 الحديث 8.
3 ـ السيوطي ، الدر المنثور 4 / 66.


(315)
السموات ) ما يقرب من هذا ، فلاحظ (1).

    د ـ أثر صلة الرحم :
    روى الكليني عن أبي الحسن الرضا قال : « يكون الرجل يصل رحمه فيكون قد بقى من عمره ثلاث سنين فيصيّرها اللّه ثلاثين سنة ويفعل اللّه ما يشاء » (2).
    روى أيضاً عن أبي جعفر قال : « صلة الأرحام تزكي الأعمال وتنمي الأموال وتدفع البلوى وتيسّر الحساب وتنسئ في الآجال » (3).
    وروى أهل السنة نظير هذه الروايات فنكتفي بما رواه السيوطي في الدر المنثور عن علي ـ رضي اللّه عنه ـ : انّه سأل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) عن هذه الآية ( يَمْحُوا اللّه ) ؟ فقال له : « لأقرّن عينيك بتفسيرها ولأقرّن عين اُمّتي بعدي بتفسيرها : الصدقة على وجهها وبرّ الوالدين ، واصطناع المعروف يحوّل الشقاء سعادة ، ويزيد في العمر ، وتقي مصارع السوء ».
    وكما أنّ للأعمال الصالحة أثراً في المصير وحسن العاقبة ، وشمول الرحمة وزيادة العمر وسعة الرزق ، كذلك الأعمال الطالحة والسيئات في الأفعال فإنّ لها تأثيراً ضد اثر الأعمال الحسنة.
    ويدل على ذلك من الآيات قوله سبحانه :
( وضَرَبَ اللّهُ مَثَلا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِن كُلِّ مَكَان فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَها اللّهُ لِباسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كانُوا
1 ـ الدر المنثور 6 / 143.
2 ـ الكافي ج 2 ، باب صلة الرحم ، الحديث 3.
3 ـ المصدر نفسه ، الحديث 4 ولاحظ البحار ج 4 باب البداء ، الحديث 66.


(316)
يَصْنَعُونَ ) (1).
    وقال سبحانه : ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلَى قَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (2).
    وقال سبحانه : ( وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنينَ وَنَقْص مِنَ الَّثمَراتِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرُونَ ) (3).
    وأمّا الروايات في ذلك فحدّث عنها ولا حرج فنكتفي بما عن أميرالمؤمنين أنّه قال في خطبة : « أعوذ باللّه من الذنوب التي تعجّل الفناء » فقام إليه عبداللّه بن الكواء اليشكرى ، فقال : يا أميرالمؤمنين أو تكون ذنوب تعجّل الفناء ؟ فقال : « نعم ، ويلك قطيعة الرحم ». وقال أيضا : « إذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار » (4).
    وقد وردت في الآثار الوضعية للأعمال ، روايات يطول الكلام بنقلها. فلاحظ ما ورد في الزنا من أنّ فيها ست خصال ثلاث منها في الدنيا وثلاث منها في الآخرة أمّا التي في الدنيا فيذهب بالبهاء ويعجّل الفناء ويقطع الرزق (5).
    أيضاً ما ورد في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل ما روي عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) انّه قال : « لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو لتستعملن عليكم شراركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم » (6) وعن أمير المؤمنين
1 ـ النحل / 112.
2 ـ الأنفال / 53.
3 ـ الأعراف / 130.
4 ـ الكافي ج 2 كتاب الايمان والكفر ، باب قطيعة الرحم ، الحديث 7 ـ 8.
5 ـ سفينة البحار 1 / 560 مادة ( زنا ).
6 ـ الوسائل ج 11 كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الباب 1 الحديث 4.


(317)
( عليه السلام ) : « إنّهم لمّا تمادوا في المعاصي ولم ينههم الربّانيون والأحبار نزلت بهم العقوبات » (1) وورد : « لا تزال اُمّتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلّط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء » (2) إلى غير ذلك من درر الكلمات التي نقلت عن معادنها.
    فقد تحصل ممّا ذكرنا :
    أوّلا : إنّ علمه سبحانه يعم كل الأشياء ماضيها وحاضرها ومستقبلها.
    وثانياً : إنّه سبحانه كل يوم هو في شأن.
    وثالثاً : إنّ لأفعال العباد ، تأثيراً في حسن العاقبة وسوئها ، ونزول الرحمة والبركة ، أو العقاب والنقمة.
    إذا وقفت على هذه المقدّمات الثلاث فاعلم أنّه يقع الكلام في البداء في مقامين :
    1 ـ البداء في مقام الثبوت : أي تغيير المصير بالأعمال الصالحة أو الطالحة.
    2 ـ البداء في مقام الاثبات : أي الاخبار عن تحقق الشيء علماً بالمقتضى مع خفاء المانع.
1 ـ الوسائل ج 11 كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الباب 1 الحديث 7.
2 ـ المصدر نفسه ، الحديث 18.


(318)

(319)
البداء في مقام الثبوت والاثبات
    حقيقة البداء هو انّه سبحانه ( على خلاف ما اعتقده اليهود والنصارى في حقّه من فراغه عن أمر الخلق والتدبير ، والاحياء والاماتة ، والتوسيع والتقدير في الرزق ، والتعمير والتنقيص إلى غير ذلك ممّا يرجع إلى الكون والإنسان ) هو القائم دائماً بالأمر ، والتدبير ، وهو القيوم على كل شيء ، وكل يوم في شأن وليست يداه مغلولتان ، بل يداه مبسوطتان ( في كل شيء ) يمحو ويثبت حسب مشيئته الحكيمة وارادته النافذة فهو المتجلّي في كل زمان بأسمائه الحسنى وصفاته العليا كالخالقية والرازقية والاحياء والاماتة إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى.
    ومن شعب هذا الأمر ، هو أنّه سبحانه : يزيد في الرزق والعمر وينقص منهما ، وينزل الرحمة والبركة ، كما ينزل البلاء والنقمة ، حسب مشيئته الحكيمة ، النافذة ، ولا تصدر عنه الاُمور جزافاً واعتباطاً بل حسب ما تقتضيها حال العباد من حسن الأفعال وقبحها وصالح الأعمال وطالحها. فربّما يكون الإنسان مكتوباً في الأشقياء ، ثمّ يُمحى فيكتب من السعداء أو على العكس بسبب ما يقوم به من أعمال.


(320)
    وبالجملة : فالبداء في عالم الثبوت يضاد مزعمة اليهود والنصارى المشار إليها في قوله سبحانه : ( وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثيراً مِنْهُم مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً ) (1) ، وقد رد سبحانه تلك العقيدة اليهودية الباطلة في هذه الآية كما هو واضح.
    ولأجل أنّ يديه سبحانه مبسوطتان ، يزيد في الخلق ما يشاء ، وفي العمر ، وينقص منه ، حسب مشيئته الحكيمة قال سبحانه : ( الحَمْدُ لِلّهِ فَاطِرِ السَّماواتِ والأَرْضِ ... يَزِيدُ فِي الخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلٍّ شَيء قَدِيرٌ ) (2) وقال سبحانه : ( وَمَا تُحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إلاّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمِّرُ مِن مُعَمِّر وَ لا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاّ فِي كِتاب إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ ) (3).
    وبناء على ذلك فالبداء بهذا المعنى ، ممّا يشترك فيه كل المسلمين ، على مذاهبهم المختلفة من دون اختصاص بالشيعة ، فليس أحد من المسلمين ينكر أنّه سبحانه كل يوم هو في شأن ، وانّه جلّ وعلا. يبدئ ويعيد ، ويحيي ويميت ، كما أنّه سبحانه يزيد في الرزق والعمر وينقص إلى غير ذلك حسب المشيئة الحكيمة والمصالح الكامنة في أفعاله.
    وكما أنّه سبحانه : يداه مبسوطتان ، كذلك العبد مختار ، في أفعاله لا مسيّر ، وحر في تصرفاته (4) لا مجبور ، له أن يغيّر مصيره ومقدّره بحسن فعله ، وجودة عمله ،
1 ـ المائدة / 64.
2 ـ فاطر / 1.
3 ـ فاطر / 11.
4 ـ لا يخفى أنّ المقصود من أفعال الإنسان التي نثبت اختياره فيها هي الأفعال التي تتعلق بها التكاليف لا الأفعال القهرية التي تصدر من جهازه الهضمي مثلا.
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: فهرس