بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: 471 ـ 480
(471)
وكان لا يخاف أحداً كخوفه من الامام السجاد ، ولكن الامام أوصى أهله وأصحابه أن لا يسيئوا إليه ، وذهب إليه بنفسه ، وقال له : لا بأس عليك منّا ، وأية حاجة تعرض لك فعلينا قضاؤها (1).
1 ـ محمّد جواد مغنيه : الشيعة والتشيّع 244.

(472)

(473)
    الامام الخامس :
أبوجعفر محمّد بن علي بن الحسين ( عليهم السلام )
الباقر
    هو خامس أئمّة أهل البيت ، الطاهر ، المعروف بالباقر ، وقد اشتهر به لبقره العلم وتفجيره له. قال ابن منظور في لسان العرب : لقّب به لأنّه بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه وتوسّع فيه (1) وقال ابن حجر : سمّي بذلك لأنّه من بقر الأرض أي شقّها ، وإثارة مخبآتها ، ومكامنها. فكذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام ، والحكم واللطائف ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية والسريرة. ومن ثمّ قيل فيه هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه (2)
1 ـ لسان العرب 4 / 74.
2 ـ الصواعق المحرقة 201.


(474)
    قال ابن خلكان : أبو جعفر محمّد بن زين العابدين ، الملقّب بالباقر أحد الأئمّة الاثني عشر في اعتقاد الامامية وهو والد جعفر الصادق. كان الباقر عالماً سيّداً كبيراً وانّما قيل له الباقر لأنّه تبقّر في العلم أي توسّع وفيه يقول الشاعر :
يا باقر العلم لأهل التُّقى وخير من لبّى على الأجبل (1)
    ولد بالمدينة غرة رجب سنة 57 وقيل 56 وتوفّي في السابع من ذي الحجّة سنة 114 وعمره الشريف 57 سنة. عاش مع جدّه الحسين ( عليه السلام ) 4 سنين ومع أبيه ( عليه السلام ) بعد جدّه ( عليه السلام ) تسعاً وثلاثين سنة وكانت مدة إمامته ( عليه السلام ) 18 سنة (2).
    وأمّا النصوص الدالّة على إمامته من أبيه وأجداده التي ذكرها المحدّثون والمحقّقون من علمائنا الأعلام فهي مستفيضة نقلها الكليني وغيره (3).
    قال ابن سعد : محمّد الباقر من الطبقة الثالثة من المدينة كان عالماً عابداً ثقة وروى عنه الأئمّة أبو حنيفة وغيره.
    قال أبو يوسف : قلت لأبي حنيفة : لقيت محمّد بن علي الباقر ؟ فقال : نعم وسألته يوماً فقلت له : أراد اللّه المعاصي ؟ فقال : أفيعصى قهراً ؟ قال أبو حنيفة : فما رأيت جوابا أفحم منه.
    وقال عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر ، لقد رأيت الحكم عنده كأنّه مغلوب ويعني الحكم بن عيينة ، وكان عالماً نبيلاً جليلاً في زمانه.
    وذكر المدائني : عن جابر بن عبداللّه انّه أتى أبا جعفر محمّد بن علي إلى
1 ـ وفيات الأعيان 4 / 1074.
2 ـ إعلام الورى بأعلام الهدى 264 ـ 265.
3 ـ الكافي 1 / 305 ـ 306 ، اثبات الهداة 3 / 33 ـ 35.


(475)
الكتاب وهو صغير فقال له : رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) يسلّم عليك ، فقيل لجابر : وكيف هذا ؟ فقال : كنت جالساً عند رسول اللّه والحسين في حجره وهو يداعبه فقال : يا جابر يولد مولود اسمه عليّ ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ليقم سيد العابدين فيقوم ولده ، ثمّ يولد له ولد ، اسمه محمّد ، فإن أدركته يا جابر فاقرأه منّي السلام.
    وذكر ابن الصبّاغ المالكي بعد نقل القصّة قوله : انّ النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) قال لجابر : وإن لاقيته فاعلم انّ بقاءك في الدنيا قليل فلم يعش جابر بعد ذلك إلاّ ثلاثة أيّام. ثمّ قال : هذه منقبة من مناقبه باقية على ممر الأيّام وفضيلة شهد له بها الخاص والعام (1).
    وقال عبداللّه بن عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر لقد رايت الحكم عنده كأنّه متعلّم (2).
    وقال المفيد : لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين ( عليهما السلام ) في علم الدين والآثار والسنّة وعلم القرآن والسيرة وفنون الآداب ما ظهر من أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) (3).
    وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين وفقهاء المسلمين وسارت بذكر كلامه الأخبار واُنشدت في مدائحه الأشعار ... (4).
    قال ابن حجر : صفا قلبه ، وزكاه علمه وعمله ، وطهرت نفسه ، وشرف خلقه ، وعمرت أوقاته بطاعة اللّه وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة
1 ـ تذكرة الخواص لابن الجوزي 302 ـ 303 ، الفصول المهمّة 215 ـ 216.
2 ـ كشف الغمة 2 / 329.
3 ـ الارشاد 261.
4 ـ الفصول المهمّة 210 نقله عن ارشاد الشيخ المفيد : 261 ـ 262.


(476)
الواصفين وله كلمات كثرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة (1).
    وأمّا مناظراته مع المخالفين فحدّث عنها ولا حرج فقد جمعها العلاّمة الطبرسي في كتاب الاحتجاج (2).
    قال الشيخ المفيد في الارشاد : وجاءت الأخبار : انّ نافع بن الأزرق (3) جاء إلى محمّد بن علي فجلس بين يديه يسأله عن مسائل الحلال والحرام. فقال له أبو جعفر في عرض كلامه : قل لهذه المارقة بم استحللتم فراق أميرالمؤمنين ، وقد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته والقربة إلى اللّه بنصرته ، فسيقولون له أنّه حكم في دين اللّه فقل لهم قد حكّم اللّه تعالى في شريعة نبيّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) رجلين من خلقه فقال : ( فَابَعثوا حَكَماً مِن أهلِهِ وحَكَماً مِن أهلِها إن يُرِيدا إصْلاحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَينَهُما ) (4). وحكّم رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) سعد بن معاذ في بني قريظة فحكم فيهم بما أمضاه اللّه. أو ما علمتم انّ أميرالمؤمنين انّما أمر الحكمين أن يحكما بالقرآن ولا يتعدّياه ، واشترط رد ما خالف القرآن في أحكام الرجال وقال حين قالوا له حكّمت على نفسك من حكم عليك ، فقال : ما حكّمت مخلوقاً وانّما حكّمت كتاب اللّه فأين تجد المارقة تضليل من أمر بالحكم بالقرآن ، واشترط رد ما خالفه لولا ارتكابهم في بدعتهم البهتان ؟ فقال : نافع بن الأزرق هذا واللّه كلام ما مرّ بسمعي قط ولا خطر منّي ببال وهو الحق إن شاء اللّه (5).
1 ـ الصواعق المحرقة 301.
2 ـ الاحتجاج 2 / 54 ـ 69 طبع النجف.
3 ـ ولعلّ المناظر هو عبداللّه بن نافع بن الأزرق ، لأنّ نافع قتل عام 65 من الهجرة وللإمام عندئذ من العمر دون العشرة وقد نقل ابن شهر آشوب بعض مناظرات الإمام مع عبداللّه بن نافع فلاحظ المناقب 4 / 201.
4 ـ النساء / 35.
5 ـ الارشاد : 265.


(477)
    الراوون عنه :
    وقد روى بعض الصحابة وأكثر التابعين عنه ( عليه السلام ) وقد نهلوا من معين علمه ، وقدجمع الشيخ الطوسي أسماء من روى عنه من العلماء والحفّاظ مبتدئاً بإبراهيم بن مناف الأسدي ومنتهيا بحبابة الوالبية بلغ عددهم 466 شخصاً.
    وقال ابن شهر آشوب بعد نقل كلام المفيد : فمن الصحابة نحو جابر بن عبداللّه الأنصاري ومن التابعين جابر بن يزيد الجعفي ، وكيسان السختياني صاحب العوفية. ومن الفقهاء نحو ابن مبارك ، والزهري ، والأوزاعي وأبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وزياد ابن منذر النهري. ومن المصنّفين نحو الطبري والبلاذري ... (1).
    ثمّ إنّ الشيعة الامامية أخذت كثيراً من الأحكام الشرعية عنه وعن ولده البار جعفر الصادق وحسب الترتيب المتداول في الكتب الفقهية وأمّا ما روي عنه في الحكم والمواعظ فقد نقلها أبو نعيم الاصفهاني في حلية الأولياء والحسن بن شعبة الحرّاني في تحفه (2).
    ثمّ إنّ الامام محمّد الباقر توفّي عام 114 ودفن في جنب قبر أبيه في البقيع ومن أراد البحث عن فصول حياته في شتى المجالات فليراجع الموسوعات.
1 ـ المناقب 4 / 195 ومن المعلوم أنّ المقصود هو الأعم ممّن روى عن الإمام مباشرة أو مع الواسطة ولاحظ حلية الأولياء 3 / 198.
2 ـ حلية الأولياء 3 / 180 ـ 235 وفي بعض ما نقل عنه تأمّل ونظر. والحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول 284 ـ 300.


(478)

(479)
    الامام السادس :
جعفر بن محمّد ( عليهما السلام )
الصادق
    هو الإمام السادس من أئمّة أهل البيت الطاهر ـ رضي اللّه عنه ـ أجمعين ولقّب بالصادق لصدقه في مقاله ، وفضله أشهر من أن يذكر. ولد عام 80 وتوفّي عام 148 ودفن في البقيع جنب قبر أبيه محمّد الباقر وجدّه علىّ زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بن عليّ ـ رضي اللّه عنهم أجمعين ـ فللّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه (1).
    وقال محمّد بن طلحة : هو من عظماء أهل البيت وساداتهم وذو علوم جمّة ، وعبادة موفورة ، وزهادة بيّنة ، وتلاوة كثيرة ، يتبع معاني القران الكريم ،
1 ـ وفيات الأعيان 1 / 327 رقم الترجمة 31.

(480)
ويستخرج من بحره ، جواهره ، ويستنتج عجائبه ، ويقسم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليه نفسه ، رؤيته تذكّر الآخرة ، واستماع كلامه يزهّد في الدنيا ، والاقتداء بهداه يورث الجنّة ، نور قسماته شاهد أنّه من سلالة النبوّة ، وطهارة أفعاله تصدع أنّه من ذرّية الرسالة. نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من أعيان الأئمّة وأعلامهم. مثل يحيى بن سعيد الأنصاري وابن جريج ، ومالك بن أنس ، والثوري ، وابن عيينة ، وأبي حنيفة ، وشعبة وأبو أيّوب السجستاني (1) وغيرهم وعدّوا أخذهم عنه منقبه شرّفوا بها وفضيلة اكتسبوها.
    وأمّا مناقبه وصفاته فتكاد تفوق عدد الحاصر ، ويُحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر حتّى انّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى ، صارت الأحكام التي لا تدرك عللها ، والعلوم التي تقصر الأفهام عن الاحاطة بحكمها ، تضاف إليها وتروى عنه (2).
    وقال ابن الصباغ المالكي : كان جعفر الصادق ( عليه السلام ) من بين اخوته ، خليفة أبيه ، ووصيّه والقائم بالامامة من بعده ، برزعلى جماعة بالفضل ، وكان أنبههم ذكراً ، وأجلّهم قدراً ، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر صيته وذكره في البلدان ، ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقلوا عنه من الحديث.
    وروى عنه جماعة. من أعيان الأمّة مثل يحيى بن سعيد ، وابن جريج ، ومالك بن أنس ، والثوري ، وأبو عيينة ، وأبو حنيفة ، وشعبة وأبو أيّوب السجستاني وغيرهم (3).
1 ـ وفي الأصل أيّوب السختياني والصحيح ما ذكرناه.
2 ـ كشف الغمة 2 / 368.
3 ـ الفصول المهمة 222.
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: فهرس