بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: 611 ـ 620
(611)
    التشيّع عراقيّ النشوء والنموّ :
    قد عرفت أنّه لمّا غادر الامام المدينة المنوّرة متوجّهاً إلى العراق واستوطن الكوفة هاجر كثير من شيعته معه واستوطنوا العراق ، فصار ذلك أقوى سبب لنشوء التشيّع ونموّه ، في العراق ولا سيما في الكوفة ، فصارت معقل الشيعة ، ولمّا قضى الامام نحبه حاولت السلطة الاموية وعمّالها استئصال التشيّع منها بأبشع صورة مذكورة في التاريخ.
    بالرغم من أنّ العراق وأخص منه الكوفة كان علوي النزعة هاشمي الولاء ، إلاّ أنّ الحسين ، ابن الإمام قتل بسيف الكوفيين ، وسقط عطشاناً وحوله أجساد أبنائه وأبناء أخيه وأصحابه ولكن ذلك لا يدل على انسلاخهم عن التشيّع لأنّ الشيعة يوم ذاك كانوا بين مسجون في زنزانات الامويين ، ومرعوب فاقد للتصميم والحميّة وخاذل ، ومنتظر لما تؤول إليه الاُمور ، وناصر التحق بالحسين في اُحلك الظروف.
    هؤلاء هم الشيعة.
    وأمّا الذين شاركوا في قتل الحسين فلم يكونوا من الشيعة أبداً بل كانوا أتباع الامويين والمنضوين تحت راياتهم. ولمّا قتل الحسين أثار قتله أعمق الأشجان وأعنف العواطف في الشيعة وبعد اطلاق سراح المسجونين قاموا بجد وحماس بأخذ الثأر بقيادة المختار ، باكين ليلاً ونهاراً على ما أصاب الحسين من مصيبة.
    وقد حاول الامويون جعل العراق أموياً ، وبذلوا جهودهم ، لكن عادت الجهود فاشلة فهي إلى اليوم هاشمي وعلوي وحتّى أنّ دعوة العباسيين نجحت في بداية الأمر في العراق فى ظل طلب ثأر الحسين وأهل بيته وكانت الدعوة للرضا من آل محمّد.
    تبلور التشيّع بعد حادثة الطف بقليل واتّسع نطاقه وصار العراق مركزه ، وكانت القوافل من أنحاء العراق وغيرها تؤمّ قبر الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه ،


(612)
فصارت مشاهد أهل البيت فيها معمورة بالزائرين والمجاورين ، وكانت المآتم تقام في حواضرها واتّخذت الشيعة مشاهد أئمّتهم ، حوزات علمية ومعاهد فكرية ، فازدهر العراق بعمالقة الفكر ، وأساتذة الفقه وأساطين الكلام ، وأعان على نشر التشيّع ونموّه في العراق نشوء دول وإمارات للشيعة في القرن الرابع وما بعده.
    يقول الشيخ المظفر : وساعد على نمو التشيّع وانتشاره في العراق ، أن تكوّنت من الشيعة فيه سلطنات دول وإمارات كسلطنة آل بويه ، وامارة بني مزيد في الحلّة والنيل ، وبني شاهين في البطائح ، وبني حمدان وآل المسيّب في الموصل ، ونصيبين ، وكدولة بعض المغول أمثال محمّد خدابنده وابنه أبي سعيد ، وأمّا محمود غازان فقد قيل بتشيّعه وهناك امارات عليه إلاّ أنّه لم يصارح به ، وكدولة الجلائرية التي أسّسها الشيخ حسن الجلائري أحد قواد المغول وابن اُخت محمود غازان ومحمّد خدابنده ، وكانت بغداد عاصمة ملكه ، وكالدولة الصفوية التي ناصرت التشيّع ونشرته في البلاد بشتّى الطرق ، فكانّما هي دولة دينية تأسّست لنشر مذهب أهل البيت.
    وأيّد مذهب التشيّع أيضاً أن انعقدت عدّة وزارات من رجاله فقد استوزر السفاح أوّل ملوك بني العباس : ابا سلمة الخلال الكوفي الهمداني داعية أهل البيت وقتله على التشيّع. واستوزر المنصور : محمّد بن الأشعث الخزاعي. واستوزر المهدي : أبا عبداللّه يعقوب بن داود وحبسه لتشيّعه. واستوزر الرشيد : علي بن يقطين ، وجعفر بن الأشعث الخزاعي. والمأمون : الفضل بن سهل ذا الرياستين لجمعه بين القلم والسيف وقتله عند ما أحسّ بميله إلى الرضا ( عليه السلام ). واستوزر من بعده أخاه الحسن بن سهل. واستوزر المعتزّ والمهتدي : أبا الفضل جعفر بن محمود الاسكافي. واستوزر المقتدى : أبا شجاع ظهر الدين محمّد بن الحسين الهمداني وعزله لتشيّعه. واستوزر المستظهر : أبا المعالي هبة الدين بن محمّد بن المطلب


(613)
وعزله لتشيّعه ثم أعاده على أن لا يخرج من مذهب أهل السنّة ثم تغيّر عليه وعزله ، واستوزر الناصر والظاهر والمستنصر : مؤيد الدين محمّد بن عبدالكريم القمي من ذرية المقداد ـ رضوان اللّه عليه ـ واستوزر المستعصم آخر ملوك بني العباس : أبا طالب محمّد بن أحمد العلقمي الأسدي وأقرّه هولاكو على الوزارة ، ولمّا مات ( رحمه اللّه ) استوزر : ولده أبا الفضل عز الدين ، إلى ما سوى هؤلاء.
    وأمّا الإمارات ، والقيادات ، والكتابة ، والخزانة ، فما أكثرها ، أمثال امارة آل قشتمر ، وآل أبي فراس الشيباني ، وآل دبيس كما أشرنا إليهم ، وقيادة طاهر ابن الحسين الخزاعي وقيادة أولاده كابنه عبد اللّه ، ومحمّد بن عبداللّه وغيرهما ، وتولّيهم امارة هرات ، وكان عبداللّه بن سنان خازناً للمنصور والمهدي والهادي والرشيد ، وكان من ثقاة الرواة لأبي عبداللّه الصادق ( عليه السلام ) ، إلى ما يعسر استقصاؤه.
    وكفاك برهاناً على أنّ التشيّع كان ضارباً أطنابه على بسيطة العراق ، ما كان من نقابة الطالبيين في بغداد ، فما أكثر ما كان يتولاّها الشيعة ، أمثال الشريف الرضي وأبيه وابنه وأخيه المرتضى ، وقد تولّوا المظلم أيضاً ، وتولّى الشريف الرضي وأبوه أيضاً امارة الحاج ، كما تولاّها ثلاث عشرة حجة حسام الدين أبو فراس جعفر بن أبي فراس الشيباني.
    وتولّى آل طاووس نقابة الطالبيين في العراق عامة ، تولاها منهم السيدان العلمان رضي الدين وغياث الدين عبدالكريم (1) كما تولّى الأوقاف في العراق
1 ـ اُنظر ـ الحوادث الجامعة ـ في حوادث عام 661 وما ذكره فيها من تولّي السيد رضي الدين بن طاووس نقابة الطالبيين بالعراق ، وذكر أنّ وفاته عام 664 ، وفي حوادث عام 693 قال : وفيها توفّي النقيب غياث الدين عبدالكريم بن طاووس.

(614)
وغيرها ممّا كان تحت حكم المغول الخواجا نصير الدين الطوسي ـ طاب ثراه ـ ، وعندما قبض عليها ، أقام ببغداد وتصفّح الأوقاف وأدار أخبار الفقهاء والمدرسين وقرر القواعد في الوقف وأصلحها بعد اختلالها (1) ومن بعده تولاّها ابنه أحمد فخر الدين ، ولمّا وليها حذف الحصة الديوانية في الوقوف ، ووفرت على أربابها (2).
    ثمّ إنّ شيخنا المظفر ـ وهو عراقي المحتد والمنشأ ـ عارف بخصوصيات بلده وما جرى على الشيعة فيها طيلة القرون خصوصاً بعد ما نشبت فيها مخالب آل عثمان ، خرج بالنتيجة التالية :
    « انّ جنوب العراق شيعة خالصة ولو وجد فيه غيرهم فهو نادر وأمّا البلاد الشمالية ، فسكّانها على العموم من أهل السنّة إلاّ أنّ الشيعة فيها ليسوا بالقليل ، ولو أمنوا الغوائل من اظهار هم لولاء أهل البيت ، كما يأمن العدد القليل من أهل السنّة في الجنوب ، لعجبت من كثرتهم في تلك البلاد لا سيما في لواء الموصل وكركوك.
    وأمّا البلاد الوسطى كالحلّة فهي شيعية خالصة سوى أفراد معدودين في نفس القصبة ، ولواء بغداد فأكثريته من الشيعة ، ومثله لواء ديالى ، بعكس لواء الديلم ففيه من الشيعة عدد قليل. وعليه ، فالعراق اليوم سبعة من ألويته شيعة وفيها شوب من غيرهم ، وخمسة سنّة وفيها خليط من الشيعة ولواءان مختلطان يغلب التشيع عليهما ، هذا ما يعرفه المستقرئ ، لبلاد العراق.
    ومن ثمّ لا نحتاج إلى استقراء لجميع بلاد الجنوب أمثال الكوت والعمارة والغرّاف وما سواها من بلاد دجلة ، والسماوة والديوانية والناصرية وماسواها من
1 ـ اُنظر تاريخ ـ مختصر الدول ـ للعبرى 500 و ـ الحوادث الجامعة ـ في حوادث عام 272.
2 ـ اُنظر ـ الحوادث الجامعة ـ في حوادث عام 683.


(615)
بلاد الفرات (1).

    الشيعة في اليمن :
    دخل التشيّع في اليمن منذ أن أسلموا بيد علي ( عليه السلام ) يحدثنا التاريخ انّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) بعث خالد بن الوليد إلى اليمن ليدعوهم إلى الإسلام فأقام هناك ستة أشهر فلم يجيبوه إلى شيء. فبعث النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) علي بن أبي طالب( عليه السلام ) وأمره أن يرجع خالد بن الوليد ومن معه. قال البراء : فلمّأ انتهينا إلى أوائل اليمن بلغ القوم الخبر فجمعوا له فصلّى بنا عليّ الفجر ، فلمّا فرغ صفّنا صفّاً واحداً ثمّ تقدّم بين أيدينا فحمداللّه واثنى عليه ثمّ قرأ عليهم كتاب رسول اللّه فأسلمت همدان كلّها في يوم واحد وكتب بذلك إلى رسول اللّه ، فلمّا قرأ كتابه خرّ ساجداً ثمّ جلس فقال : السلام على همدان ، السلام على همدان ثمّ تتابع أهل اليمن على الاسلام (2) فكان تمسّكهم بعرى الإسلام على يد علي وصار هذا أكبر العوامل لصيرورتهم علويين مذهباً ونزعة. وفي ظل هذه النزعة ضحّوا بأنفسهم ونفيسهم بين يدي علي في حروبه.
    أضف إليه أنّهم سمعوا من المصطفى ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) فضائل إمامهم ومناقبه غير مرّة وهذا ممّا زادهم شوقاً وملأ قلوبهم حبّاً وولاءً له ، روى المحدثون : انّ اليمانيين طلبوا من النبي أن يبعث إليهم رجلاً يفقّههم في الدين ويعلّمهم السنن ويحكم بينهم بكتاب اللّه ، فبعث النبي علياً وضرب على صدره وقال : « اللّهمّ اهد قلبه ، وثبّت لسانه ». قال الامام ( عليه السلام ) : فما شككت في قضاء بين اثنين حتى
1 ـ محمّد حسين المظفر : تاريخ الشيعة 69 ـ 71 و 110 ـ 111.
2 ـ ابن الأثير : الكامل 2 / 300 في حوادث السنة العاشرة. دار صادر.


(616)
الساعة (1).
    بقى بينهم مدّة يفقّههم في الدين ، ويقضي بكتاب اللّه ، ويحلّ المشاكل القضائية ، بما يبهر العقول.
    انّ هذا وذاك ، والقتل الذريع الذي ارتكبه عمّال معاوية كبسر بن أرطاة ، سبّب اتّجاه اليمانيين نحو صاحب الولاية من يومهم إلى يومنا هذا وقد خامر التشيّع قلوبهم وعقولهم ولأجل وجود أواصر الحبّ والولاء بين اليمانيين والامام علي ( عليه السلام ) ذكرهم علي في شعره وقال :
فلو كنت بوّاباً على باب جنّة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
    وممّا يدل على فرط حبّهم وولائهم لعلي ( عليه السلام ) ما قاله سيدهم سعيد بن قيس الهمداني ـ رضوان اللّه عليه ـ في وقعة الجمل :
قل للوصي أقبلتْ قَحْطانُها فادع بها تكفيكها هَمْدانُها
همُ بنوها وهمُ اخوانها (2)
    نعم رحل يحيى بن الحسين الرسي العلوي من العراق إلى اليمن في القرن الثالث ودعا إلى المذهب الزيدي في ظل ولاء أهل البيت وأخذ بمجامع القلوب وانتشرت دعوته فانتموا إلى زيد ، فالشيعة إلى اليوم في اليمن زيديّو المذهب يهتفون في الأذان بـ « حيّ على خير العمل ».
    ويوجد هناك شيعة إماميون قليلون.
    كانت الحكومة منذ دعوة الرسي العلوي بيد الزيدية وكان آخر حاكم مقتدر زيدي يحكم البلاد هو حميد الدين يحيى المتوكّل على اللّه ، ولمّا اغتيل هو وولداه
1 ـ كنز العمال 6 / 158 و 392 باب فضائل علي.
2 ـ ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة 1 / 144 ـ 145.


(617)
الحسن والمحسن ، وحفيده الحسين بن الحسن بيد بعض وزرائه عام 1367 هـ ق في ظل مؤامرة أجنبية ، قام مكانه ولده الامام بدر الدين ولم يكن له نصيب من الحكم إلاّ مدّة قليلة حتّى اُزيل عن الحكم عن طريق انقلاب عسكري ، وبذلك انتهى الحكم الزيدي في اليمن ولكن اليمنيين بقوا على انتمائهم إلى التشيّع. نعم إنّ السلطة الوهابية في هذه الآونة بصدد تصدير التوهّب وفرضها عليها في ظل تزويد الدولة بامكانيات مالية.
    واللّه من وراء القصد ...

    الشيعة في سوريا ولبنان :
    ظلّ التشيّع سائداً في الشام وحلب وبعلبك وجبل عامل منذ القرن الأوّل إلى يومنا هذا ، ومن المعروف انّ أباذر هو الذي بذر بذرته ، أو غرس شجرته عندما نفاه عثمان من المدينة إلى الشام ، وكان يجول في الشام وضواحيه وهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، من دون أن يخاف قوّة أو سطوة ، أو إهانة أو قسوة ، وطبع الحال يقتضي أن يبوح بما انطوت عليه جوانحه من الولاء لعلي وأهل بيته ، يدعو له على القدر المستطاع ، وقد نمت البذرة في ظل التستّر والتقيّة وأمّا اليوم فالشيعة مجاهرون ولهم شأن عند الدولة ولهم مظاهر في الشام وضواحيه ، ترى اسم علي والحسين مكتوبين تحت قبّة المسجد الأموي ، وفي الجانب الشرقي مسجد خاص باسم رأس الحسين وفي نفس البلد قباب مشيّدة لأهل البيت وفي الوقت نفسه لاتجد أثراً لمعاوية (1) ويزيد والحكام الأمويين. إنّ في ذلك لعبرة لاُولي الألباب.
1 ـ نعم في داخل البلد بيت يقال فيه قبر معاوية لا يزوره أحد إلاّ للعبرة ، والاطّلاع على ما آل إليه أعمال الامويين من مصير بائس بعد مماتهم.

(618)
    قويت شوكة التشيّع في سوريا حين ما قامت دولة الحمدانيين في الشام والجزيرة فلسيف الدولة أيدي بيضاء في رفع منارة التشيع ، كيف وأبو فراس صاحب القصيدة الميمية هو ابن عمّه الذي يقول :
الحق مهتضم والدين مخترم وفيء آل رسول اللّه مقتسم
    وأمّا جبل عامل فقد انتشر فيه التشيّع منذ دخل إلى الشام ، وقد خرج منها علماء طبقوا البلاد شهرة وصيتاً أخص منهم بالذكر :
    1 ـ محمّد بن مكي المعروف بالشهيد الأوّل ( 734 ـ 786 ) وكان إماماً في الفقه ولكنّه صلب بيد الجور ، ثمّ رجم ، ثمّ اُحرق ، بذنب أنّه شيعيّ موال لأهل البيت ولا يفتي بفتوى أئمّة المذاهب الأربعة.
    وله كتب فقهية أشهرها اللمعة الدمشقية ألّفها في السجن خلال اسبوع ولم يكن عنده من الكتب الفقهية سوى المختصر النافع للمحقّق الحلّي ( 600 ـ 676 ).
    2 ـ زين الدين بن علي الجبعي ( 911 ـ 966 ) صاحب الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية والمسالك في شرح الشرائع الذي يتضمّن مجموع الكتب الفقهية مع ذكر المستند والدليل. وهو قدس اللّه سرّه استشهد قرب شاطئ البحر وفصل رأسه عن جسده واُرسل إلى السلطان. ولا ذنب له إلاّ كذنب الشهيد الأوّل.
    ولعمري الحق أنّ هذه المواقف من الحكومات السنّية عبر القرون ، تقشعرّ منها الجلود ، ويندى منها جبين الإنسانية ويرفضها الدين والعقل فأين الكرامة والحرّية ؟ أين السماحة ، والرأفة ؟
    أقول : إذا كان هذا مصير الشيعة مع كونهم سائرين خلف حُجب التقية ، فما ظنّك لو لم يتّخذوا من التقيّة ستارا ؟
    ولقد خرج من جبل عامل وراء هذين الشخصين علماء كبار ، فقهاء عظام ولم يزل منار التشيّع مرتفعاً ولواؤه خفّاقاً بهم ، ولقد تحمّلوا عبر القرون وخصوصاً في


(619)
عهد السلطة العثمانية ، المصاعب الجسام والتي ذكرها التاريخ واقرأ في هذا المجال جرائم أحمد باشا الجزّار ، ممثّل الدولة العثمانية في بلاد الشام من ( 1195 ـ 1198 ). ولقد ألّف الشيخ الحرّ العاملي كتاباً أسماه أمل الآمل في علماء جبل عامل طبع في جزأين واستدرك عليه السيد الجليل حسن الصدر.
    بعلبك : إنّ بعلبك تعد من المدن الشيعية العريقة ولقد ظهر بها التشيّع منذ دخل بلاد الشام وراج في ظلّ الدولة الحمدانية. والعيشة فيها كالعراق ، عيشة قبليّة وأهلها معروفون بالبسالة والبطولة والجود والكرم.

    الشيعة في مصر :
    دخل التشيّع مصر في اليوم الذي دخل فيه الإسلام ولقد شهد جماعة من شيعة عليّ فتح مصر منهم المقداد بن الأسود الكندي ، وأبو ذر الغفاري ، وأبو رافع ، وأبو أيوب الأنصاري ، وزارها عمّار بن ياسر في خلافة عثمان (1) وهؤلاء ما كانوا يبطنون فكرة التشيّع التي كانوا يؤمنون بها منذ عهد رسول اللّه.
    ولأجل ذلك حين قتل عثمان باجهاز المصريين عليه ، بايعوا عليّاً كما بايع أهلها طوعاً ورغبة.
    لمّا بعث علي قيس بن سعد أميراً على مصر بايع أهلها طوعاً إلاّ قرية يقال لها خربتاء (2).
    كان هذا نواة لمذهب التشيّع في تلك البلاد وإن تغلّب عليها الأمويون بعد علي ، وقتل عمرو بن العاص والي علي محمّد بن أبي بكر. وجعلوا جثّته في جيفة
1 ـ الخطط المقريزية 2 / 74.
2 ـ الخطط المقريزية 4 / 149 ، الجزري : الكامل 3 / 61 حوادث عام 36.


(620)
حمار وأحرقوه بالنار ولكن للحق دولة وللباطل جوله ، فهذه الأعمال الاجرامية وما ارتكبه العباسيون من الجرائم صارت سبباً لابتعاد الناس عن السلطات وتعاطفهم مع العلويين ، خصوصاً عندما ذهب إليها بعض السادة الحسنيين ، إلى أن قامت دولة الفاطميين وبثّوا الدعاة في أفريقيا فاعتنق المصريون التشيّع برغبة وجهروا بحيّ على خير العمل. وتفضيل عليّ على غيره ، وكما جهروا بالصلاة على النبي وآله.
    لقد قامت في عهد الفاطميين مراسم عاشوراء وعيد الغدير ، ولم تزل هذه المراسم إلى يومنا هذا. وكان التشيّع مخيّماً على مصر في عهد الفاطميين وضارباً أطنابه في القرى والبلدان لولا أنّ صلاح الدين يوسف الأيوبي أزال سلطتهم ومذهبهم من مصر بقوّة السيف والنار.
    وهذه الصفحة في تاريخ مصر صفحة مليئة بالأسى والحزن ومع ذلك تتواجد في هذه الأيام الشيعة ، وأمّا السنّة فهم علويون روحاً وعاطفة يتفاخرون بالحب والميل لأهل البيت ويعبّرون عن ذلك بزيارتهم للمشاهد المعروفة برأس الحسين ومرقد السيدة زينب والسيدة سكينة.
    وبذلك يعلم حال التشيّع بأفريقيا الشمالية فانّ حكومة الفاطميين امتدّت إلى الجزائر ومراكش وتونس وليبيا والسودان ، أضف إلى ذلك انّ كثيراً من العلويين ارتحلوا إلى تلك البلاد وأسّسوا دويلات وكان ذلك سبباً لانتشار التشيّع.

    الشيعة في إيران :
    إنّ التشيّع هو المذهب الساحق في إيران من أوائل القرن العاشر ( 905 ) إلى يومنا هذا انّ الدولة الصفوية هم الذين أشاعوا التشيّع في إيران ، بعد ملوك المغول فلو كان نجاح الثاني قليلاً ، كان نجاح الصفويين كبيراً ، فلو بلغ عدد النفوس في إيران الإسلامية قرابة ستين مليوناً ، فالأكثرية هم الشيعة ، ولا تتجاوز سائر الطوائف عن
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: فهرس