بحوث في الملل والنحل ـ جلد السابع ::: 71 ـ 80
(71)
    وما كان من المعقول أن يجمع الاِمام زيد وهو في سن الرابعة عشرة كل علم آل البيت فلابد أن يكمل أشطراً من أخيه الذي تلقى علم أبيه كاملاً ، وقد كان الباقر ( عليه السلام ) إماماً في الفضل والعلم ، وأخذ عنه كثيرون من العلماء ورووا عنه ومن هوَلاء أبو حنيفة شيخ فقهاء العراق ، وقد نال الباقر ( عليه السلام ) فضل الاِمامة العلمية ، حتى أنّه كان يحاسب العلماء على أقوالهم وما فيها من خطأ وصواب (1).
    كان الاِمام الباقر ( عليه السلام ) ينظر إليه نظر أخٍ عطوف ويثني عليه أحياناً ويطريه ، ويأمر بعض أصحابه بإنشاء طرائف تمثل شخصية زيد ونفسيته وإليك بعض ما وقفنا عليه :
    5 ـ روى الصدوق في الاَمالي عن أبي الجارود قال : إنّي لجالس عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر ( عليهما السلام ) إذ أقبل زيد فلما نظر إليه وهو مقبل ، قال : « هذا سيد أهل بيته والطالب بأوتارهم لقد أنجبت أُمٌّ ، ولدتك يازيد » (2).
    6 ـ وعن جابر الجعفي قال سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) وقد نظر إلى أخيه زيد بن علي فتلا هذه الآية : « فالّذِينَ هَاجَرُوا وأُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وأُوذُوا فِي سَبِيلي وقاتَلُوا وقُتِلُوا ... » الآية ، وقال : هذا واللّه من أهل ذلك » (3).
    7 ـ وعنه أيضاً سألت محمد بن علي ( عليهما السلام ) عن أخيه زيد فقال : « سألتني عن رجل ملىء إيماناً وعلماً من أطراف شعره وقدمه وهو سيد أهل بيته » (4).
    دخل زيد على الاِمام الباقر ( عليه السلام ) فلما رآه تلا : « يا أيُّها الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوامينَ للّهِ شُهداءَ بالقِسطِ » ثم قال : « أنت واللّه يا زيد من أهل ذلك » (5).
    1 ـ محمد أبو زهرة ، تاريخ المذاهب الاِسلامية : 2/ 465.
    2 ـ الصدوق : الاَمالي : 335 ، الحديث 11.
    3 ـ السياغي : الروض النضير : 4/104.والآيتان من سورة آل عمران : 195 وسورة المائدة : 8.
    4 ـ السياغي : الروض النضير : 4/104.والآيتان من سورة آل عمران : 195 وسورة المائدة : 8.
    5 ـ السياغي : الروض النضير : 4/104.والآيتان من سورة آل عمران : 195 وسورة المائدة : 8.


(72)
    8 ـ روى الصدوق عن جابر الجعفي ، قال : دخلت على الباقر ( عليه السلام ) وعنده زيد أخوه ، فدخل عليه معروف بن خربوذ المكي ، قال له أبو جعفر ( عليه السلام ) : « يامعروف أنشدني من طرائف ما عندك » ، فأنشد :
لعمرك ! ما إن أبو مالك ولا بألدّ « لدى قوله » (1) ولكنه سيد بارع إذا سُدته ، سُدتَ مِطواعة بوان ، ولا بضعيف قواه يعادي الحكيم إذا ما نهاه كريم الطبايع حلو نثاه (2) ومهما وكلت إليه كفاه
    قال : فوضع أبو جعفر ( عليه السلام ) يده على كتفي زيد ، وقال : هذه صفتك يا أبا الحسين! (3).
    9 ـ روى أبو الفرج عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أنّه قال له بعد التمثل بالاَبيات السابقة : « ولقد أنجبت أُمّ ولدتك يا زيد. اللّهم أشدد أُزري بزيد » (4).
    1 ـ ورواه في الاَغاني بالنحو التالي :
ولا بالاَلدَّ ، لــه فــــارغ يعادي أخاه إذا ما نهـاه (الاَغاني : 24/106)
    2 ـ بتقديم النون على الثاء المثلثة لاحظ تعليقة المحقّق على البحار : 46/169.
    3 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1/251 ح5 الباب 25 ، أبو الفرج : الاَغاني : 24/106 ، ورواه في الاَغاني بالنحو التالي :
ولـكـنّـه هيِّـــن ليّـــنٌ كعاليـة الرمـح عَردٌ نَساه
    قال المعلّق : عرد نساه شديد ساقه. (الاَغاني : 24/106)
    4 ـ أبو الفرج : الاَغاني : 24/107 ومر صدره في حديث الصدوق.


(73)
حياته في عصر الاِمام الصادق ( عليه السلام ) :
    1 ـ لم يذكر التاريخ شيئاً من حياته في عصر الاِمام الصادق ( عليه السلام ) ، غير تجواله في البلاد ، لدعم الخروج ، وجمع العُدّة والعِدِّة ، الذي سيمر عليك في الفصول الآتية غير أنّه لو صحّ ما يرويه أبو الفرج الاصفهاني عن عبد اللّه بن جرير أنّه رأى أنّ جعفر بن محمد ( عليه السلام ) « يمسك لزيد بن علي بالركاب ويسوي ثيابه على السرج » (1) لدل على أنّ الاِمام ( عليه السلام ) كان يكرمه لكونه عمـه ـ وهو بمنزلة الاَب ـ ولاَنّه أكبر منه سناً ، خصوصاً على ما حقّقنا من أنّه من مواليد عام 67 أو 68 ، فيدل على تواضعه وكمال أدبه ، وقد كان ذلك رائجاً بين بني هاشم.
    وقد كان بين زيد ، وعبد اللّه بن الحسن المثنى مناظرة في صدقات علي ( عليه السلام ) فكانا يتحاكمان إلى قاض ، فإذا قاما من عنده أسرع عبد اللّه إلى دابة زيد فأمسك له بالركاب (2).
    وقد كانت أواصر الحب والود بين الاِمام وعمه متبقية إلى يوم حمامه ، ولما بلغ نعيه إلى المدينة أخذ الناس يفدون إلى الاِمام ويعزّونه.
    2 ـ روى أبو الفرج عن فضيل بن رسام : دخلت علي جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) أُعزّيه عن عمّه ثم قلت له : ألا أُنشدك شعر السيد (الحميري) فقال : « أنشد » فأنشدته قصيدته (العينية المعروفة) التي يقول فيها :
الناس يوم البعث راياتهم خمس فمنها هــالك أربـع (3)

    1 ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : 87.
    2 ـ سيوافيك شرح المحاكمة بينهما.
    3 ـ أبو الفرج : الاَغاني : 7/251 ، وللقصة صلة ، فمن أراد فليرجع إلى مصدرها.


(74)
    3 ـ لمّا توفي الاِمام أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) أنشد زيد قصيدة ـ سنوافيك بها في فصل خطبه وأشعاره ـ عزّى فيها الاِمام الصادق ( عليه السلام ) وقال :
أبا جعفر الخير أنت الاِمام وأنت المرجي لبلوى غدي (1)
    ويظهر من بعض الروايات أنّه استشار الاِمام الصادق ( عليه السلام ) في خروجه فقال له : « يا عم إن رضيت أن تكون المقتول (المصلوب) بالكناسة فشأنَك » فلمّا ولّى ، قال جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) : « ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه » (2) .
    روى الصدوق عن معمر بن خيثم : كنت جالساً عند الصادق ( عليه السلام ) فجاء زيد بن علي بن الحسين فأخذ بعضادتي الباب ، فقال له الصادق ( عليه السلام ) : « أُعيذك أن تكون المصلوب بالكناسة » (3).
    كل ذلك يدلّ على ودٍّ عميق للعمّ ، وأدب لائق بأهل البيت.
    1 ـ ابن شهر آشوب : المناقب : 4/197 ، طبعة دار الاَضواء ، بيروت.
    2 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1/248 ح1 ، عنه البحار : 46/174 ح27.
    3 ـ الصدوق : العيون : 1 ، الباب 25 ، الحديث : 4 ، طبعة قم. وسنوافيك ببقية الرواية.


(75)
الفصل الثالث
في خطبه ، وكلماته
وأشعاره ، ومناظراته وعبادته
    كان زيد الشهيد فصيحاً ، بليغاً يأخذ بجوامع الكلم ويستعملها في مواردها وقد شهد به الصديق والعدو ، قال الواقدي : وبلغ هشام بن عبد الملك مقامُ زيد بالكوفة ، فكتب إلى يوسف بن عمر : أشخِصْ زيداً إلى المدينة فإنّي أخاف أن يخرجه أهل الكوفة لاَنّه حلو الكلام ، شديد البيان ، خليق بتمويه الكلام (1) وإليك بعض ما أثر عنه من المواعظ والحكم والاَدب ونحوها :
    1 ـ روى أبو الموَيد موفق بن أحمد المدعو بـ « أخطب خوارزم » : « قيل لزيد ابن علي : الصمت خير أم الكلام؟ فقال : قبح اللّه المساكتة ، ما أفسدها للبيان ، وأجلبها للعيّ والحصر ، واللّه للمماراة أسرع في هدم الفتى من النار في يبس العرفج ، ومن السيل إلى الحدور (2) (3).
    1 ـ سبط ابن الجوزي : تذكرة الخواص : 300 ، اليعقوبي : التاريخ : 2/325 الخوارزمي : مقتل الحسين : 2/119.
    2 ـ الحدور على وزن رسول هو المكان ينحدر منه. (لسان العرب : 4/172 ، مادة « حدر) ».
    3 ـ محسن الاَمين : أعيان الشيعة : 7/123 ، نقلاً عن مقتل الحسين للخوارزمي.


(76)
    فقد فضل الكلام على السكوت ، وذم المماراة ، فالكلام أفضل بشرط أن لا يكون مماراة.
    2 ـ إذا تلا زيد بن علي قوله سبحانه : « وإن تَتَولَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُم ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أمْثَالَكُم » (محمد ـ 38).
    يقول : « إنّ كلام اللّه هذا تهديد وتخويف ، ثم يقول : اللّهم لا تجعلنا ممّن تولّى عنك فاستبدلت به بدلاً » (1).
    3 ـ قال زيد بن علي لاَصحابه : « أُوصيكم بتقوى اللّه ، فإنّ الموصي بها لم يدَّخر نصيحة ، ولم يقصِّـر في الاِبلاغ ، فاتقوا اللّه في الاَمر الذي لا يفوتكم منه شيء وإن جهلتموه وأجملوا في الطلب ، ولاتستعينوا بنعم اللّه على معاصيه ، وتفكّروا ، وأبصروا هل لكم قبل خالقكم من عمل صالح قدمتموه فَشَكَرَه لكم ، فبذلك جعلكم اللّه تعالى من أهل الكتاب والسنّة ، وفضّلكم على أديان أبائكم ، ألم يستخرجكم نطفاً من أصلاب قوم ، كانوا كافرين ، حتى بثّكم في حجور أهل التوحيد ، وبث من سواكم في حجور أهل الشرك ، فبأي سوابق أعمالكم طهركم إلاّ بمنّه وفضله الذي يوَتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم » (2).
    4 ـ وقال مبيّناً لما هو الغاية من الخروج : « وإنّما خرجت على بني أُمية الذين قتلوا جدي الحسين ، وأغاروا على المدينة يوم الحرة ، ثم رموا بيت اللّه بحجر المنجنيق والنار » (3).
    5 ـ روى عبد اللّه بن مسلم بن بابك قال : خرجنا مع زيد بن علي إلى مكة ، كان نصف الليل واستوت الثريا فقال : « يا بابكيّ ، ما ترى هذه الثريا أترى أن
    1 ـ محسن الاَمين : أعيان الشيعة : 7/123.
    2 ـ الاَمير أُسامة بن مرشد ، لباب الآداب نقلاً عن المدائن كما في زيد الشهيد للسيد الاَمين العاملي : 92.
    3 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 35 ـ 36.


(77)
أحداً ينالها؟ » قلت : لا ، قال : « واللّه لوددت أن يدي ملصقة بها فأقع إلى الاَرض أو حيث أقع ، فأتقطَّع قطعة قطعة وإنّ اللّه أصلح بين أمة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) » (1).
    6ـ إنّ زيداً كتَّب كتائبه ، فلمّـا خفقت راياته رفع يده إلى السماء فقال : « الحمد للّه الذي أكمل لي ديني ، واللّه ما يسرني إنّي لقيت محمّداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم آمر أُمّته بمعروف ولم أنههم عن منكر ».
    وفي رواية أُخرى : « واللّه إنّي لاَستحيي من رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا لقيته ولم آمر أُمته بالمعروف ولم أنههم عن المنكر واللّه ما أُبالي إذا أقمت كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه إن أُجّجت لي نار وقذفتُ فيها ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة اللّه عزّ وجلّ ، واللّه لا ينصرني أحد إلاّ كان في الرفيق الاَعلى مع محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ـ صلوات اللّه عليهم ـ ويحكم أما ترون هذا القرآن بين أظهركم جاء به محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونحن بنوه ، يا معشر الفقهاء وأهل الحجى أنا حجة اللّه عليكم هذه يدي مع أيديكم ، على أن نقيم حدود اللّه ونعمل بكتابه ... » (2).
    7ـ كانت بيعته التي يبايع عليها الناس هي : « إنّا ندعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيه ، وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين ، وإعطاء المحرومين وقسم هذا الفيء بين أهله بالسوية ورد الظالمين ، وإقفال المجمر ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا ، وجهل حقنا. أتبايعون على ذلك؟ » فإذا قالوا نعم ، وضع يده على يده ثم يقول : « عليك عهد اللّه وميثاقه وذمته أو ذمة رسول اللّه لتفينّ ببيعتي ، ولتقاتلنّ عدوي ، ولتنصحنّ لي في السر والعلانية » فإذا قال نعم مسح يده على يده ، ثم قال : « اللهم اشهد » (3).
    1 ـ المجلسي : البحار : 44/329.
    2 ـ أخطب خوارزم : مقتل الحسين : 2/108.
    3 ـ الطبري : التاريخ : 5/492 ، ابن الاَثير : الكامل : 4/233 ، باختلاف يسير في الكلمات.


(78)
    8 ـ ومن كلامه : « إنّا ندعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيه وإلى السنن أنّ تحيى ، وإلى البدع أن تدفع ، فإن أنتم أجبتمونا سعدتم ، وإن أنتم أبيتم فلست عليكم بوكيل » (1).
    9 ـ ومن كلامه المعروف قاله لهشام أنّه : « لم يكره قوم قطُّ حدّ السيف إلاّ ذلّوا » (2).
    10 ـ وروى ابن عساكر أنّه قال : « واللّه ما كره قوم الجهاد في سبيل اللّه إلاّ ضربهم اللّه تعالى بالذل » (3).
    11 ـ وقال أيضاً لهشام : « أنّه ليس أحد يكبر عن تقوى اللّه ، ولا يصغر دون تقوى اللّه » (4).
    إلى غير ذلك من الكلمات التي سيمرّ بعضها عليك في المستقبل. غير أنّ كل ذلك حكم قصيرة يباري فيها ، ما ورثه عن مطلع الفصاحة والبلاغة جدّه الاِمام أمير الموَمنين.
    ثم لزيد خطب ، ورسائل ، نكتفي من كل منهما بواحد ، والاِمعان فيهما يعرف مقدرته على إنشاء الكلام البليغ ، وإبداعه المعاني السامية ، في جمل قصيرة وإليك الخطبة ثم الرسالة :
    12 ـ خطبته التي ، يعرّف فيها موقفه من الخروج وأنّه ليس إلاّ الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإنهاض المسلمين لاِزالة المروانيّين عن منصة الحكومة الاِسلامية ورد الاَمر إلى أهل بيت النبي وإليك نصها :
    « يا أيّها الناس إنّ اللّه قد بعث في كل زمان خيرة ، ومن كل خيرة منتجباً
    1 ـ الطبري : التاريخ : 5/ 498؛ ابن الاَثير : الكامل : 5/243.
    2 ـ المفيد : الاِرشاد : 269.
    3 ـ مختصر تاريخ دمشق : 9/151.
    4 ـ المسعودي : مروج الذهب : 3/206 ، طبعة دار الاَندلس ، بيروت.


(79)
خيرة منه قال : « اللّهُ أعلَمُ حَيْثُ يَجعَلُ رِسالَتَه » (الاَنعام ـ 124) فلم يزل اللّه يتناسخ خيرته حتى خرج محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أفضل تربة وأطهر عترة أُخرجت للناس ، فلمّا قبض اللّه محمّداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا عارف أمخركم (1) بعد زخورها وحصّن حصونك على سائر الاَحياء بأنّ محمداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان قريشياً ، ودانت العجم للعرب بأنّ محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان عربياً حتى ظهرت الكلمة وتمت النعمة فاتّقوا اللّه عباد اللّه وأجيبوا إلى الحقّ وكونوا أعواناً لمن دعاكم إليه ، ولاتأخذوا سنّة بني إسرائيل ، كذَّبوا أنبياءهم ، وقتلوا أهل بيت نبيهم.
    ثم أنا أُذكركم أيّـها السامعون لدعوتنا ، المتفهّمون لمقالتنا ، باللّه العظيم الذي لم يذكر المذكورون بمثله ، إذا ذكروه وجلت قلوبكم واقشعرَّت لذلك جلودكم ، ألستم تعلمون أنّا ولد نبيكم المظلومون المقهورون ، فلا سهمُ وُفينا ، ولا تراث أُعطينا ، وما زالت بيوتاً تهدم وحرمتنا تنتهك وقائلنا يعرف ، يولد مولودنا في الخوف ، وينشأ ناشئنا بالقهر ويموت ميّتنا بالذل؟
    ويحكم إنّ اللّه قد فرض عليكم جهاد أهل البغي والعدوان من أُمتكم على بغيهم ، وفرض نصرة أوليائه الداعين إلى اللّه وإلى كتابه قال : « ولَيَنصُرَنَّ اللّهُ مَن يَنصُـرُهُ إنَّ اللّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز » (الحجّ ـ40).
    ويحكم إنّا قوم غَضِبْنا للّه ربّنا ، ونقمنا الجور المعمول به في أهل ملتنا ، ووضعنا من توارث الاِمامة والخلافة ، وحكم بالهوى ونقض العهد ، وصلّـى الصلاة لغير وقتها ، وأخذ الزكاة من غير وجهها ودفعها إلى غير أهلها ، ونسك المناسك بغير هديها ، وأزال الاَفياء والاَخماس والغنائم ومنعها الفقراء والمساكين وابن السبيل ، وعطّل الحدود وأخذ منه الجزيل ، وحكم بالرشا والشفاعات والمنازل ، وقرب الفاسقين ومثل بالصالحين ، واستعمل الخيانة وخوّن أهل الاَمانة ،
    1 ـ وفي نسخة : أنجزكم.

(80)
وسلّط المجوس وجهز الجيوش ، وخلد في المحابس وجلد المبين وقتل الوالد ، وأمر بالمنكر ونهى عن المعروف بغير مأخوذ من كتاب اللّه وسنّة نبيه.
    ثم يزعم زاعمكم الهزاز على قلبه ، يطمع خطيئته إنّ اللّه استخلفه يحكم بخلافته ، ويصد عن سبيله وينتهك محارمه ويقتل من دعا إلى أمره ، فمن أشرّ عند اللّه منزلة ممّن افترى على اللّه كذباً أو صد عن سبيله أو بغاه عوجاً ، ومن أعظم عند اللّه أجراً ممّن أطاعه وأدان بأمره وجاهد في سبيله وسارع في الجهاد ، ومن أشرّ عند اللّه منزلة ممّن يزعم أن بغير ذلك يحقّ عليه ثم يترك ذلك استخفافاً بحقّه وتهاوناً في أمر اللّه وإيثاراً لدنياه ، « ومَنْ أحْسَنُ قَوْلاً ممّن دَعا إلى اللّهِ وعَمِلَ صالِحاً وقالَ إنّني مِنَ المُسْلِمين » (فصلت ـ 33) (1).
    13 ـ روى حميد بن أحمد المحلي (582 ـ 652هـ) بالاِسناد المنتهي إلى أبي الجارود أن زيداً لمّا ظهر ، خطب وقال : « الحمد للّه الذي منّ علينا بالبصيرة وجعل لنا قلوباً عاقلة ، وأسماعاً واعية ، وقد أفلح من جعل الخير شعاره ، والحقّ دثاره ـ إلى أن قال : ـ فمن سمع دعوتنا هذه الجامعة غير المفرِّقة ، العادلة غير الجائرة ، فأجاب دعوتنا وأناب إلى سبيلنا وجاهد بنفسه نفسه ومن يليه من أهل الباطل ، ودعائم النفاق ، فله ما لنا وعليه ما علينا ، ومن ردّ علينا دعوتنا وأبى إجابتنا واختار الدنيا الزائلة الآفلة ، على الآخرة الباقية ، فاللّه من أُولئك برىء ، وهو يحكم بيننا وبينكم.
    إذا لقيتم القوم فادعوهم إلى أمركم ، فلاَن يستجيب لكم رجل واحد خير ممّا طلعت عليه الشمس من ذهب وفضة ، وعليكم بسيرة أمير الموَمنين علي بن طالب ( عليه السلام ) بالبصرة والشام : لا تتبعوا مُدبِراً ولا تُجهِزوا على جريح ولا تفتحوا باباً مغلقاً ، واللّه على ما أقول وكيل.
    1 ـ فرات بن إبراهيم الكوفي : التفسير : 136 ـ 137 ، ط 1 ، تحقيق محمد الكاظم ، موَسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الاِرشاد ، طهران (1410 هـ ـ 1990م).
بحوث في الملل والنحل ـ جلد السابع ::: فهرس