بحوث في الملل والنحل ـ جلد السابع ::: 101 ـ 110
(101)
مهلاً بني عمنا ظلامتن لمثلكم نحمل السيوف ولا إنّي لاَنمي إذا انتميت إلى بيض بساط كان أعينهم إنّ بنا سورة من الفلق تغمز أحسابنا من الدقق عز عزيز ومفتر صدق تكحل يوم الهياج بالعلق (1)
    لما خرج زيد بن علي كتب للكميت : اخرج عنّا يا أعيمش ألست القائل :
ما أُبالي إذا حفظت أبا القا سم فيكم ملامة اللوام
    فكتب إليه الكميت :
تجود لكم نفسي بما دون وثبة تظل بها الغربان حولي تحجل (2)
     هذا زيد ، وهذه كلمه وخطبه ، وحججه ومناظراته ، وشعره وقريضه وعند ذاك تقف على صدق ما رواه الخوارزمي في مقتله عن خالد بن صفوان قال : انتهت الفصاحة والخطابة والزهادة والعبادة في بني هاشم إلى زيد بن علي ـ رضي اللّه عنه ـ (3).
    أمّا الفصاحة والخطابة فقد عرفت نماذج من كلامه ، وأمّا العبادة ، فيكفي في
    1 ـ الاَغاني : 19/191.
    2 ـ الاَغاني : 17/34.
    3 ـ الخوارزمي : المقتل : 2/119.


(102)
تهالكه فيها : ما رواه فرات بن إبراهيم عن رجل : قال صحبت زيداً ما بين مكّة والمدينة وكان يصلّـي الفريضة ثم يصلّي ما بين الصلاة إلى الصلاة ويصلّـي الليل كلّه ويكثر التسبيح ويكرر هذه الآية : « وجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيد » ، فصلّـى ليلة معي وقرأ هذه الآية إلى قريب نصف الليل فانتبهت من نومي فإذا أنا به مادّ يديه نحو السماء وهو يقول :
    إلهي عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة ، ثم انتحب ، فقمت إليه وقلت : يا بن رسول اللّه لقد جزعت في ليلتك هذه جزعاً ما كنت أعرفه ، فقال : ويحك يا نازلي أنّي نمت هذه الليلة وأنا ساجد فرأيت جماعة عليهم لباس لم أر أحسن منه فجلسوا حولي وأنا ساجد فقال رئيسهم : هل هو هذا ؟ فقالوا : نعم. فقال : أبشر يا زيد فإنّك مقتول في اللّه ومصلوب ومحروق بالنار ولا تمسّك النار بعدها أبداً ، فانتبهت وأنا فزع (1).
    روى الخزاز عن يحيى بن زيد أنّه قال له في حديث : يا أبا عبد اللّه إنّي أُخبرك عن أبي ( عليه السلام ) وزهده وعبادته إنّه كان يصلّـي في نهاره ما شاء اللّه ، فإذا جنّ الليل عليه نام نومة خفيفة ثم يقوم فيصلي في جوف الليل ما شاء اللّه ، ثم يقوم قائماً على قدميه يدعو اللّه تبارك وتعالى ويتضرع له ويبكي بدموع جارية حتى يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر سجد سجدة ثم يصلّـي الفجر ثم يجلس للتعقيب حتى يرتفع النهار ، ثم يذهب لقضاء حوائجه ، فإذا كان قريب الزوال أتى وجلس في مصلاّه واشتغل بالتسبيح والتمجيد للرب المجيد ، فإذا صار الزوال صلى الظهر وجلس ، ثم يصلي العصر ثم يشتغل بالتعقيب ساعة ثم يسجد سجدة ، فإذا غربت الشمس صلّى المغرب والعشاء ، فقلت : هل كان يصوم دائماً؟ قال : لا
    1 ـ فرات بن إبراهيم : التفسير : 435. والآية 19 من سورة ق.

(103)
ولكنّه يصوم في كل سنة ثلاثة أشهر ، وفي كل شهر ثلاثة أيام ثم أخرج إليّ صحيفة كاملة فيها أدعية علي بن الحسين ـ عليه السلامـ (1).
    روى أبو الفرج بسند عن محمد بن الفرات : رأيت زيد بن علي وقد أثر السجود بوجهه أثّراً خفيفاً وكان في خاتمه « اصبر تُوَجر وتوقّ تنج » (2).
    1 ـ الخزاز القمي : كفاية الاَثر : 304 ـ 305.
    2 ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : 87 و 89.


(104)

(105)
الفصل الرابع
مشايخه وتلاميذه
في الحديث والتفسير
    إنّ أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) كانوا في غنى عن الحضور لدى الغير ، والرجوع إليهم في مجال العقائد والاَُصول ، والاَحكام والفروع ، والاَخلاق والسلوك وكل ما يمتّ إلى الدين بصلة ، وتحتاج إليه الاَُمّة. وذلك لا للمبالغة في مقامهم ، أو الغلو في علومهم. بل لاَجل تنصيص النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليهم ، حيث إنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تارة يصوّرهم بأنّهم أعدال القرآن وقرناوَه ، من تمسك بهما لن يضل أبداً (1) ، وأُخرى بأنّ مثلهم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق (2) ، وثالثة بأنّهم كالنجوم ، فكما أنّ الكواكب أمان لاَهل الاَرض من الغرق ، فكذلك أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) أمان للاَُمّة من الاختلاف (3) ، إلى غير ذلك من الاَحاديث المتواترة أو المتضافرة الدالة على أنّ أئمة أهل البيت مراجع الاَُمّة ، ومصادر الاَحكام ، وهم عن
    1 ـ حديث الثقلين : اتفق الفريقان على نقله وتصحيحه لايشك فيه إلاّ العدو الغاشم.
    2 ـ تلويح إلى قول النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ».
    3 ـ قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « النجوم أمان لاَهل الاَرض من الغرق وأهل بيتي أمان لاَُمّتي من الاختلاف في الدين » لاحظ في الوقوف على مصادرها المراجعات للسيد شرف الدين العاملي المراجعة الثانية : 40 ـ 46 طبعة الاَعلمي ، لبنان.


(106)
علومهم ومعارفهم يصدرون ، وإلى أقوالهم وأفعالهم يسكنون. ومن كان هذا وصفه ومقامه فيحتلّ من مخروط الاَُمّة مكان الرأس والقمة ، ونعم ما قال القائل :
فَوال أُناساً قولهم وكلامهم روى جدنا عن جبرئيل عن الباري
    وما ربّما يرى من أنّ أحد الاَئمة ، يروي حديثاً عن صحابي أو تابعي كالاِمام الباقر ( عليه السلام ) إذا روى مثلاً عن جابر ، فإنّما هو لاَجل إقناع السائل الذي اعتاد بقبول الرواية إذا أُسند إلى النبي الاَكرم وإلاّ فالاِمام الباقر ( عليه السلام ) في غنى عن الاِسناد إليه وهو معدن علم النبي وموئله وهكذا أبناوَه المعصومون.
    هذا هو حال أئمة أهل البيت وأمّا العلماء المنتمون إليهم بالنسب كالحسنيّين والحسينيّين فيصدرون عن معارفهم ويحتجون بأقوالهم وأفعالهم أيضاً وربّما ينقلون عن الغير ويسكنون إليهم وذلك لا للاِعراض عن أئمتهم ، بل اقتداء بقول نبيهم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « الحكمة ضالة الموَمن أين وجدها أخذها » ولاَجل ذلك نرى أنّ زيد الثائر أخذ الحديث عن غيرهم ، كما أخذ عنه الكثيرون من المحدّثين والفقهاء. وإليك بيان هذا الفصل من فصول حياته.

مشايخه :
    كان لزيد الثائر تنقلات وسفرات كثيرة بين المدن الاِسلامية بين المدينة ومكّة ، والحجاز والشام والعراق ، ففي هذه الرحلات أخذ العلم والحديث عن لفيف ، وإليك أسماء مشايخه أوّلاً ، ثم تلامذته.
    روى عن : أبان بن عثمان بن عفان ، وعبيد اللّه بن أبي رافع ، وعروة بن الزبير ، وأبيه علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) ، وأخيه أبي جعفر محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) (1).
    1 ـ المزي : تهذيـب الكمال : 10/96 ، الذهبي : سير أعلام النبلاء : 5/389 ، تاريخ الاسلام القسم المختص بحوادث (سنة 121ـ 141)ص105 ، ابن حجر العسقلاني : تهذيب التهذيب : 3/419.

(107)
تلامذته :
    روى عنه : الاَجلح بن عبد اللّه الكندي ، وآدم بن عبد اللّه الخثعمي ، وإسحاق بن سالم ، وإسماعيل بن عبد الرحمان السدي ، وبسام الصيرفي ، وأبو حمزة ثابت بن أبي صفية الثمالي ، وابن أخيه جعفر بن محمد بن علي الصادق ، وابنه حسين بن زيد بن علي ، وخالد بن صفوان ، وأبو سلمة راشد بن سعد الصائغ الكوفي ، وزبيد اليامي ، وزكريا بن أبي زائدة ، وزياد بن علاقة ، أبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني ، وسعيد بن خثيم الهلالي ، وسعيد بن متصور المِشرفي الكوفي ، وسليمان الاَعمش ، وشعبة بن الحجاج ، وعباد بن كثير ، وعبد اللّه بن عمر بن معاوية ، وعبد اللّه بن عيسى بن عبد الرحمان بن أبي ليلى ، وعبد الرحمان بن الحارث ابن عياش بن أبي ربيعة المخزومي ، وعبد الرحمان بن أبي الزناد ، وعبيد اللّه بن محمد ابن عمر بن علي بن أبي طالب ، وعبيد بن اصطفى ، وأبو هريرة عُريف بن درهم ، وعمر بن موسى ، وأبو خالد عمرو بن خالد الواسطي ، وابنه عيسى بن زيد بن علي ، وفضيل بن مرزوق ، وكثير النواء ، وكيسان أبو عمر القصار الكوفي ، ومحمد ابن سالم ، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، والمطّلب بن زياد ، وأبو الزناد موح ابن علي الكوفي ، وهارون بن سعد العجلي ، وهاشم بن البريد (1).
    ثم إنّ علاّمة صنعاء السياغي فصل من يروي عنه من أولاده عمّن ليس منهم ، فقال :
    تلامذته : أولاده السادة الاَبرار :
    عيسى بن زيد ، ومحمد بن زيد ، وحسين بن زيد ، ويحيى بن زيد.
    1 ـ جمال الدين المزي : تهذيب الكمال : 10/96. هذا ما ذكره جمال الدين ، ونذكر المشهورين منهم في قائمة خاصة.

(108)
    فعيسى بن زيد الاَوحد الذي أخذ عنه سفيان الثوري ، وكان زاهد أهل زمانه وهو جد العراقيين.
    ومحمد بن زيد ، جد الذين ببلاد العجم.
    وحسين بن زيد ، جد المشهورين من ذرية زيد بن علي.
    ويحيى بن زيد هو القائم بالاِمامة بعده.

مشاهير أصحابه الذين أخذوا عنه العلم :
    ما نقلناه عن جمال الدين المزّي يهدف إلى مطلق من أخذ عنه العلم ، سواء اشتهر بالاَخذ عنه أم لا وفي هذه القائمة نخص المشهورين وبين المذكورين في القائمتين من النسب الاَربع عموم وخصوص من وجه.
    1 ـ منصور بن المعتمر بن عبد اللّه السلمي الكوفي مات سنة 132 هـ احتج به البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
    2 ـ هارون بن سعد العجلي أو الجعفي الكوفي وهو من شيوخ مسلم.
    3 ـ معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الاَنصاري استشهد مع الاِمام زيد وصلب معه.
    4 ـ أبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني وهو الذي تنسب إليه الجارودية الزيدية.
    5 ـ الحسن بن صالح وأخوه.
    6 ـ علي بن صالح وكلاهما بتريان ، لاحظ رجال الكشي برقم 108.
    7 ـ هاشم صاحب البريد وقد جاء في سند الكافي في باب معرفة الاَئمة يروي عن الصادق ( عليه السلام ) لاحظ تنقيح المقال : 3/288.


(109)
    8 ـ محمد بن عبد الرحمان بن أبي ليلى من أصحاب الاِمام الصادق ( عليه السلام ) لاحظ تنقيح المقال : 3/136.
    9 ـ سلمة بن كهيل أحد المبايعين لزيد له ترجمة في رجال الكشي برقم : 205.
    10 ـ عمرو بن خالد الواسطي راوي مسنده وستوافيك ترجمته عند البحث عن آثار زيد العلمية.
    11 ـ إسماعيل بن عبد الرحمان السدّي من كبار علماء الكوفة مات سنة 127هـ.
    12 ـ أبو الزناد : موح بن علي الكوفي. له ترجمة في تهذيب الكمال : 1/456.
    13 ـ سليمان بن مهران الاَعمش من كبار علماء الكوفة ولد سنة ستين وتوفي عام 148هـ.
    14 ـ الاَجلح بن عبد اللّه الكندي. لاحظ تنقيح المقال : 1/266.
    15 ـ معمر بن خثيم الهلالي له ترجمة في تنقيح المقال : 3/234.
    16 ـ سعيد بن خثيم الهلالي له ترجمة في تنقيح المقال : 2/26.
    17 ـ شعبة بن الحجاج بن ورد (83 ـ 160هـ) من العلماء كان ينتقل بين الكوفة والبصرة وواسط.
    18 ـ قيس بن الربيع من أصحاب الصادقين ( عليهما السلام ). تنقيح المقال : 3/31.
    19ـ سفيان بن أبي السمط ، اقـرأ ترجمتـه في تنقيح المقال : 2/38 ، بسقوط « أبي » من العبارة.
    20 ـ محمد بن الفرات الجرمي. له ترجمة في رجال الكشي ، برقم : 428.


(110)
    21 ـ فضيل بن الزبير الرسان له ترجمة في تنقيح المقال : 2/13.
    22 ـ عبد اللّه بن الزبير : أخو فضيل بن الزبير لاحظ رجال الكشي برقم : 287.
    23 ـ سالم بن أبي حفصة ترجمه الكشي برقم 109.
    24 ـ عبد اللّه بن عتيبة.
    25 ـ زبيد اليامي (1) وهو من صغار التابعين توفي عام 221أو 421هـ.
    هوَلاء مشاهير تلامذته ، وأمّا غيره فقد أتى بأسمائهم العلاّمة السياغي في كتابه ، فمن أراد فليرجع إليه ، وقد تعرفت على ما ذكره جمال الدين المزّي في ذلك المجال (2).
    ثم إنّ أولاد عبد اللّه بن الحسن بن الحسن المثنى الذين أخذوا من زيد عبارة عن :
    1 ـ محمد بن عبد اللّه : النفس الزكية.
    2 ـ إبراهيم بن عبد اللّه : النفس الرضية.
    3 ـ إدريس بن عبد اللّه.
    4 ـ يحيى بن عبد اللّه.
    5 ـ السيد موسى بن عبد اللّه.
    فهوَلاء أخذوا العلم عن أبيهم وعن زيد وبعض أصحابه أيضاً (3).
    1 ـ السياغي : الروض النضير : 1/114 ـ 115.
    2 ـ جمال الدين المزّي : تهذيب الكمال : 10/96.
    3 ـ السياغي : الروض النضير : 1/115.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد السابع ::: فهرس