بحوث في الملل والنحل ـ جلد السابع ::: 241 ـ 250
(241)
ثورة أهل المدينة
وإخراج عامل يزيد
    لما ولي الوليد الحجاز أقام يريد غِرّة عبد اللّه بن الزبير فلا يجده إلاّ محترزاً ممتنعاً ، وثار نجدة بن عامر النخعي باليمامة حين قتل الحسين ، وثار ابن الزبير بالحجاز ... فعزل يزيد الوليد ، وولى عثمان بن محمد بن أبي سفيان فبعث إلى يزيد وفداً من أهل المدينة ، فيهم : عبد اللّه بن حنظلة ، غسيل الملائكة وعبد اللّه ابن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي ، والمنذر بن الزبير ورجالاً كثيراً من أشراف أهل المدينة ، فقدموا على يزيد فأكرمهم وأحسن إليهم ، وأعظم جوائزهم فأعطى عبد اللّه بن حنظلة ، وكان شريفاً فاضلاً عابداً سيداً ، مائة ألف درهم ، وكان معه ثمانية بنين ، فأعطى كل ولد عشرة آلاف.
    فلمّا رجعوا قدموا المدينة كلهم إلاّ المنذر بن الزبير فإنّه قدم العراق على ابن زياد وكان يزيد قد أجازه بمائة ألف دينار ، فلمّا قدم أُولئك النفر الوفد ، المدينة قاموا فيهم فأظهروا شتم يزيد وعيبه وقالوا : قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ، ويضرب بالطنابير ، ويعزف عنده القيان ، ويلعب بالكلاب ، ويسمر عنده الحراب وهم اللصوص وإنّا نشهدكم إنّا قد خلعناه.
    وقام عبد اللّه بن حنظلة الغسيل فقال : جئتكم من عند رجل لو لم أجد إلاّ


(242)
بنيّ هوَلاء لجاهدته بهم ، وقد أعطاني وأكرمني وما قبلت منه عطاءه إلاّ لاَتقوّى به فخلعه الناس ، وبايعوا عبد اللّه بن حنظلة الغسيل على خلع يزيد وولّوه عليهم (1).
    ولما دخل عام 63هـ أخرج أهل المدينة عثمان بن محمد بن أبي سفيان عامل يزيد ، وحصروا بني أُمية بعد بيعتهم عبد اللّه بن حنظلة ، فاجتمع بنو أُمية ومواليهم ومن يرى رأيهم في ألف رجل حتى نزلوا دار مروان بن الحكم فكتبوا إلى يزيد يستغيثون به فبعث إلى عمرو بن سعيد فأقرأه الكتاب وأمره أن يسير إليهم فردّ وقال : لا أُحب أن أتولّى ذلك.
    وبعث إلى عبيد اللّه بن زياد يأمره بالمسير إلى المدينة ومحاصرة ابن الزبير بمكة فقال : واللّه لا جمعتهما للفاسق ، قتل ابن رسول اللّه وغزو الكعبة. ثم أرسل إليه يعتذر.
    فبعث إلى مسلم بن عقبة المري ، وهو الذي سمّي مسرفاً ، وهو شيخ كبير فاستجاب ، فنادى في الناس بالتجهز إلى الحجاز ، وأن يأخذوا عطاءهم ومعونة مائة دينار ، فانتدب لذلك اثنا عشر ألفاً ، وخرج يزيد يعرضهم ، فأقبل مسلم إلى المدينة ودخل من ناحية الحرّة وضرب فسطاطه بين الصفين واقتتل الصفان قتالاً شديداً وانتهى الاَمر ، إلى غلبة قوات الشام على أهل المدينة بعدما قتل من الطرفين أُناس كثير ، ولم يقتصر المسرف بذلك بل أباح المدينة ثلاثاً يقتلون الناس ويأخذون المتاع والاَموال ... (2)
    1 ـ ابن الاَثير الجزري : الكامل : 4/103.
    2 ـ المصدر نفسه : 4 / 111 ـ 117 ، الطبري : التاريخ : 4/372 ـ 380 ، موَسسة الاَعلمي ـ بيروت.


(243)
ثورة عبد اللّه بن الزبير
    عبد اللّه بن الزبير بن العوام ولد بعد الهجرة بعشرين شهراً ، وكان أبوه ابن عمة علي ( عليه السلام ) وهو ابن خاله ، وهو ممن سلّ سيفه يوم السقيفة لصالح علي وقال : لا أغمد سيفي حتى يبايع علي ، ولكن ـ و للاَسف ـ كان ولده على الطرف النقيض من ذلك فهو كما قال علي ( عليه السلام ) : ما زال الزبير منّا أهل البيت حتى نشأ عبد اللّه فأفسده (1) وهو الذي دفع أباه إلى محاربة الاِمام في وقعة الجمل بعد ما ندم وأراد التصالح والتراجع.
    ومع هذا هو ممن اتخذ ثورة الاِمام حجّة على خروجه في وجه الحاكم الاَموي وروى الطبري بسنده إلى عبد الملك بن نوفل قال : حدثني أبي : قال لما قتل الحسين ( عليه السلام ) قام ابن الزبير في أهل مكة وعظّم مقتله ، وعاب أهل الكوفة خاصة ولام أهل العراق عامة فقال بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه وصلّـى على محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إنّ أهل العراق غدر فجر إلاّ قليلاً ، وإنّ أهل الكوفة شرار أهل العراق وأنّهم دعوا حسيناً لينصروه ويولوه عليهم ، فلمّا قدم عليهم صاروا إليه ، فقالوا له : إمّا أن تضع يدك في أيدينا فنبعث بك إلى ابن زياد بن سمية ، فيمضي فيك حكمه وإمّا أن تحارب فرأى واللّه أنّه هو مقتول ولكنّه اختار
    1 ـ تنقيح المقال : 2/184 ، مادة « عبد اللّه بن الزبير ».

(244)
الميتة الكريمة على الحياة الذميمة فرحم اللّه حسيناً ، وأخزى قاتل حسين ـ إلى أن قال : ـ أفبعد الحسين نطمئن إلى هوَلاء القوم ونصدق قولهم ونقبل لهم عهداً لا ولا نراهم لذلك أهلاً. أما واللّه لقد قتلوه ، طويلاً بالليل قيامه ، كثيراً في النهار صيامه ، أحقّ بما هم فيه منهم وأولى به في الدين والفضل.
    أما واللّه ما كان يبدل بالقرآن ، الغناء ، ولا بالبكاء من خشية اللّه الحداء ، ولا بالصيام شرب الحرام ، ولا بالمجالس في حلَق الذِّكر الركض في تطلاب الصيد (يعرض بذلك يزيد) فسوف يلقون غياً.
    فثار إليه أصحابه فقالوا له : أيها الرجل أظهر بيعتك فإنّه لم يبق أحد (إذ هلك حسين) ينازعك هذا الاَمر وقد كان يبايع الناس سراً ويظهر أنّه عائذ بالبيت (1).
    لما فرغ مسلم من قتال أهل المدينة ونهبها شخص بمن معه نحو مكة يريد ابن الزبير ومن معه ، واستخلف على المدينة رَوْح بن زِنباع الجُذاميّ ، وقيل : استخلف عمرو بن مخرمة الاَشجعي ، فلمّا انتهى إلى المشلَّل نزل به الموت ، وقيل : مات بثنيّة هَرْشَى ، فلمّا مات سار الحصين بالناس فقدم مكة لاَربع بقين من المحرم سنة أربع وستين وقد بايع أهلها وأهل الحجاز عبد اللّه بن الزبير واجتمعوا عليه ، ولحق به المنهزمون من أهل المدينة فحمل أهل الشام عليهم حملةً انكشف منها أصحاب عبد اللّه ، ثم نزل فصاح بأصحابه ، وصابرهم ابن الزبير إلى الليل ثم انصرفوا عنه.
    هذا في الحصر الاَوّل ثم أقاموا يقاتلونه بقية المحرم وصفر كلّه حتى مضت ثلاثة أيام من شهر ربيع الاَوّل سنة أربع وستين ، ولاَجل القضاء على ابن الزبير
    1 ـ الطبري : التاريخ : 4/364 ، ابن الاَثير : الكامل : 4/98 ـ 99.

(245)
المتحصن في المسجد الحرام رموا البيت بالمجانيق وحرقوه بالنار ، وكانت الحرب طاحنة إذ بلغهم نعي يزيد بن معاوية لهلال ربيع الآخر ولم يكن أمامهم إلاّ طريق واحد وهو الرجوع إلى الشام واختار الرجوع إليها (1).
    كان ابن الزبير يسوس الحجاز والعراق وفيهما عماله إلى أن استولى عبد الملك على العراق عام إحدى وسبعين من الهجرة وانحصرت إمارة ابن الزبير بالحجاز وعند ذاك وجّه عبد الملك ، الحجاج بن يوسف الثقفي في ألفين وقيل في ثلاثة آلاف من أهل الشام لقتال عبد اللّه بن الزبير ، وقدم مكة وحصر ابن الزبير والتجأ هو وأصحابه إلى المسجد الحرام ، ونصب الحجاج المنجنيق على أبي قبيس ورمى به الكعبة إلى أن خرج أصحابه إلى الحجاج بالآمان ، و قتل ابن الزبير يوم الثلاثاء من جمادي الآخرة عام ثلاث وسبعين من الهجرة (2)
    1 ـ ابن الاَثير : الكامل : 4/123 ـ 124 ، الطبري : التاريخ : 4/381 ـ 384.
    2 ـ الطبري : التاريخ : 5/24 ، ابن الاَثير : الكامل : 4/349 ـ 356.


(246)
ثورة التوابين في الكوفة
    إنّ ثورة أهل المدينة على عامل يزيد وإخراجه من المدينة ، وحركة ابن الزبير واستيلاوَه على الحجاز والعراق ، لم يكن ردّ فعل مباشر لقتل الحسين ( عليه السلام ) وإن كانا متأثرين من ثورته وحركته ، وهذا بخلاف حركة التوابين فقد كانت ردّ فعل مباشر لقتله ، حيث أحسّوا أنّهم قصّروا في حقّ إمامهم ، إذ دعاهم فلم يجيبوا ، وذلك عار عليهم. يتبعهم عذاب أليم ، وأنّه لا يغسل العار والاَثم عنهم إلاّ بالثورة على قاتليه وعلى رأسهم ، النظام الحاكم.
    يقول الطبري : « لما قتل الحسين بن علي ورجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة فدخل الكوفة ، تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندّم ، ورأت أنّها قد أخطأت خطأ كبيراً ، بدعائهم الحسين إلى النصرة ، وتركهم إجابته ومقتله إلى جانبهم ، لم ينصروه ، ورأوا أنّه لا يُغسل عارهم والاِثم عنهم في مقتله إلاّ بقتل من قتله أو القتل فيه ففزعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من روَوس الشيعة :
    1 ـ سليمان بن صرد الخزاعي ، وكانت له صحبة مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    2 ـ المسيب بن نَجَبة الفزاري ، وكان من أصحاب علي ( عليه السلام ) وخيارهم.
    3 ـ عبد اللّه بن سعد بن نفيل الاَزدي.
    4 ـ عبد اللّه بن وال التيميّ.
    5 ـ رفاعة بن شدّاد البجلي.
    إنّ هوَلاء النفر الخمسة اجتمعوا في منزل سليمان بن صرد وكانوا من خيار


(247)
أصحاب علي ومعهم أُناس من الشيعة وخيارهم ووجوههم قال : فلمّا اجتمعوا إلى منزل سليمان بن صرد بدأ المسيب بن نجبة القوم بالكلام وقال :
    1 ـ قـد ابتلينا بطول العمر والتعرض لاَنواع الفتن ، فنرغب إلى ربّنا ألاّ يجعلنا ممن يقول له غداً : « أوَلَم نُعَمِّركُم ما يَتَذَكَّرُ فِيه مَن تَذَكَّر وجاءَكُمُ النَّذِير » (1).
    فإنّ أمير الموَمنين ( عليه السلام ) قال :
    العمر الذي أعذر اللّه فيه إلى ابن آدم ستون سنة ، وليس فينا رجل إلاّ وقد بلغه وقد كنّا مغرمين بتزكية أنفسنا ، وتفريط شيعتنا حتى بلا اللّه أخيارنا فوجدنا كاذبين ، في موطنين من مواطن ابن ابنة نبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد بلغتنا قبل ذلك كتبه وقدمت علينا رسله ، وأعذر إلينا ، يسألنا نصره عوداً وبدءاً ، وعلانية وسرّاً فبخلنا عنه بأنفسنا حتى قُتِل إلى جانبنا ، لا نحن نصرناه بأيدينا ، ولا جادلنا عنه بألستنا ولا قوّيناه بأموالنا ، ولا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا ، فما عذرنا إلى ربّنا وعند لقاء نبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد قُتِلَ فينا ولده وحبيبه وذريته ونسله ، لا واللّه لا عذر دون أن تقتلوا قاتله ، والموالين عليه ، أو تقتلوا في طلب ذلك فعسى ربّنا أن يرضى عنّا ذلك ، وما أنا بعد لقائه ، لعقوبته بآمن.
    أيّها القوم ولّوا عليكم رجلاً منكم فإنّه لابد لكم من أمير تفزعون إليه ، وراية تحفون بها أقول قولي وأستغفر اللّه لي ولكم.
    2 ـ وتكلّم رفاعة بن شداد وقال : إنّ اللّه قد هداك لاَصوب القول ودعوت إلى أرشد الاَُمور ، ودعوت إلى جهاد الفاسقين ، وإلى التوبة من الذنب العظيم ، فمسموع منك ، مستجاب لك ، مقبول قولك قلت : ولّوا أمركم رجلاً منكم ، تفزعون إليه ، وتحفون برايته وذلك رأي قد رأينا مثل الذي رأيت ، فإن تكن أنت
    1 ـ فاطر : 37.

(248)
ذلك الرجل تكن عندنا مرضياً ، وفينا متنصّحاً وفي جماعتنا محباً ، وإن رأيت ورأى أصحابنا ذلك ولّينا هذا الاَمر شيخ الشيعة صاحب رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وذا السابقة والقدم ، سليمان بن صرد المحمود في بأسه ودينه ، الموثوق بحزمه.
    ثم تكلّم كل من عبد اللّه بن وال ، وعبد اللّه بن سعد وتكلّما بنحو من كلام رفاعة بن شداد فذكرا المسيب بن نجبة بفضله ، وذكرا سليمان بن صرد بسابقته ورضاهما بتوليته.
    3 ـ تكلّم سليمان بن صرد وقال : فإنّي واللّه لخائف ألاّ يكون آخرنا إلى هذا الدهر الذي نكدت فيه المعيشة ، وعظمت فيه الرزية وشمل فيه الجور أُولي الفضل من هذه الشيعة لما هو خير ، إنّا كنّا نمد أعناقنا إلى قدوم آل نبينا ، ونمنِّيهم النصر ونحثهم على القدوم ، فلما قدموا ونَينا وعجزنا ، وأدهنّا وتربصنا وانتظرنا ما يكون ، حتى قتل فينا ، ولدينا ولد نبينا وسلالته وعصارته وبضعة من لحمه ودمه ، إذ جعل يستصرخ ويسأل النصف فلا يُعطاه ، إتخذه الفاسقون غرضاً للنبل ، ودريئة للرماح حتى أقصدوه ، وعدوا عليه فسلبوه. ألا انهضوا فقد سخط عليكم ربّكم ، ولا ترجعوا إلى الحلائل والاَبناء حتى يرضى اللّه ، واللّه ما أظنه راضياً دون أن تناجزوا مَنْ قتله أو تبيروا ، ألا لا تهابوا الموت فواللّه ما هابه امروَ قطّ إلاّ ذلّ ، كونوا كالاولى من بني إسرائيل إذ قال لهم نبيهم « إنَّكُمْ ظَلَمتُمْ أنْفُسَكُمْ باتّخاذِكُمُ العِجْلَ فَتُوبُوا إلى بارِئِكُمْ فَاقتُلوا أنْفُسَكُمْ ذلكُمْ خَيرٌ لَكُمْ عِندَ بارِئِكُمْ » فما فعل القوم جثوا على الركب واللّه ومدّوا الاَعناق ورضوا بالقضاء حتى حين علموا أنّه لا ينجيهم من عظيم الذنب إلاّ الصبر على القتل ، فكيف بكم لو قد دعيتم إلى مثل ما دعي القوم إليه ، أشحذوا السيوف وركّبوا الاَسنة وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل حتى تدعوا حين تدعوا وتستنفروا :
    4 ـ فقام خالد بن سعد بن نفيل فقال : أمّا أنا فواللّه لو أعلم أنّ قتلي نفسي


(249)
يخرجني من ذنبي ويرضي عنّي ربّي لقتلتها ، ولكن هذا أُمر به قوم كانوا قبلنا ، ونُهينا عنه فأُشهد اللّه ومن حضر من المسلمين أنّ كلّ ما أصبحت أملكه سوى سلاحي الذي أُقاتل به عدوّي ، صدقة على المسلمين أُقوّيهم به على قتال القاسطين.
    5 ـ وقام أبو المعتمر حنش بن ربيعة الكناني فقال : وأنا أُشهدكم على مثل ذلك ، فقال سليمان بن صرد : حسبكم من أراد من هذا شيئاً ، فليأت بماله عبد اللّه ابن وال التيمي تيم بكر بن وائل ، فإذا اجتمع عنده كلّ ما تريدون إخراجه من أموالكم ، جهزنا به ذوي الخُلَّة والمسكنة من أشياعكم (1).
    6 ـ ثم أخذ سليمان بن صرد يكاتب وجوه الشيعة في الاَطراف وكتب سليمان بن صرد : إلى سعد بن حذيفة اليمان (2) يعلمه بما عزموا عليه ، ويدعوه إلى مساعدتهم ، ومن معه من الشيعة بالمدائن ، فقرأ سعد بن حذيفة الكتاب على من بالمدائن من الشيعة فأجابوا إلى ذلك فكتبوا إلى سليمان بن صرد يعلمونه أنّهم على الحركة إليه والمساعدة له.
    وكتب سليمان أيضاً كتاباً إلى المثنّى بن مخربة العبدي بالبصرة مثل ما كتب إلى سعد بن حذيفة فأجابه المثنى : إننّا معشر الشيعة حمدنا اللّه على ما عزمتم عليه ، ونحن موافوك إن شاء اللّه للاَجل الذي ضربت وكتب في أسفله أبياتاً (3).
    لم يزل القوم في جمع آلة الحرب والاستعداد للقتال ودعاء الناس ـ في السر ـ إلى الطلب بدم الحسين فكان يجيبهم القوم بعد القوم ، والنفر بعد النفر ولم يزالوا على ذلك إلى أن هلك يزيد بن معاوية سنة أربع وستين.
    فلمّـا مات يزيد جاء إلى سليمان أصحابه فقالوا : قد هلك هذا الطاغية ،
    1 ـ الطبري : التاريخ : 4/426 ـ 428.
    2 ـ لاحظ نصّ الكتاب : تاريخ الطبري : 4/429 ـ 430.
    3 ـ ابن الاَثير : الكامل : 4/158 ـ 162 ، الطبري : التاريخ : 431.


(250)
والاَمر ضعيف فإن شئت وثبنا على عمرو بن حريث ، وكان خليفة ابن زياد على الكوفة ثم أظهرنا الطلب بدم الحسين وتتبّعنا قتلته ودعونا الناس إلى أهل هذا البيت المستأثر عليهم ، المدفوعين عن حقهم.
    فقال سليمان بن صرد : لاتعجلوا ، إنّي قد نظرت فيما ذكرتم فرأيت أنّ قتلة الحسين هم أشراف الكوفة وفرسان العرب وهم المطالبون بدمه ، ومتى علموا ما تريدون كانوا أشدّ الناس عليكم ، ونظرت فيمن تبعني منكم فعلمت أنّهم لو خرجوا لم يدركوا ثأرهم ، ولم يشفوا نفوسهم ، وكانوا جَزَرَاً لعدوهم ولكن بثّوا دعاتكم وادعوا إلى أمركم هذا ، شيعتكم وغير شيعتكم فإنّي أرجو أن يكون الناس اليوم حيث هلك هذا الطاغية أسرع إلى أمركم استجابة منهم قبل هلاكه ، ففعلوا واستجاب لهم ناس كثير بعد هلاك يزيد ، وهم يريدون قتال أهل الشام الذين أقاموا دعائم عرش يزيد ، وعدم التعرض بمن في الكوفة من قتلة الحسين ( عليه السلام ) على جانب الخلاف من ثورة المختار.

مسير التوابين :
    لما أراد سليمان بن صرد الخزاعي الشخوص سنة خمس وستين بعث إلى روَوس أصحابه فأتوه ، فلمّا أهلّ ربيع الآخر خرج في وجوه أصحابه وكانوا تواعدوا للخروج في تلك الليلة ، فلمّا أتى النخيلة دار في الناس فلم يعجبه عددهم فأرسل حكيم بن منقذ الكندي ، والوليد بن عصير الكناني في الكوفة فناديا : يالثارات الحسين فكانا أوّل (1) خلق اللّه دعوا يالثارات الحسين.
    فأصبح من الغد وقد أتاه نحو مما في عسكره ، ثم نظر في ديوانه فوجدهم ستة عشر ألفاً ممن بايعه فقال : سبحان اللّه ما وافانا من ستة عشر ألفاً إلاّ أربعة
    1 ـ لقد سبق أنّه أوّل من دعا به ، هو امرأة من بني بكر بن وائل يوم عاشورا عند إضرام النار في الخيام.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد السابع ::: فهرس