بحوث في الملل والنحل ـ جلد السابع ::: 361 ـ 370
(361)
وقدّسه ، فذلك عمك عيسى فقم إليه فسلّم عليه ، قال محمد بن محمد بن زيد فذهبت إلى الكوفة فلمّا وصلتها جلستُ حيث أمرني أبي فلم ألبث أن جاء الرجل الذي وصفه لي أبي وبين يديه جمل عليه راوية فقمت إليه وأكببت على يديه أُقبّلهما فذعر مني فقلت : أنا محمد بن زيد (1) فسكن ثم أناخ جمله وجلس إليَّ في ظل حائط هناك وحدثني ساعة ، وسألني عن أهلي وأصحابه ثم ودّعني وقال لي : يابني لاتعد إليّ بعد هذا فإنّي أخشى الشهرة (2).
    وقال صاحب المجدي : وكان من أصحاب محمد بن عبد اللّه قتيل « أحجار الزيت » فاختفى عيسى من يد المهدي ومات في الاستتار على أيام الرشيد وكان شيخنا أبو الحسن يقول : كان ابن دينار يزعم أنّه قتل زيد ولابنه الحسين أربع سنين ولابنه عيسى سنة ولابنه محمد أربعون يوماً (3) وعلى ذلك فقد توفي عيسى حوالي عام 167 للهجرة.
    1 ـ كذا في النسخة المطبوعة والصحيح محمد بن محمد بن زيد ولعل الحذف للسهولة.
    2 ـ ابن عنبة : عمدة الطالب ، في أنساب آل أبي طالب : 286 ـ 287.
    3 ـ أبو الحسن العلوي العمري : المجدي في أنساب الطالبيين : 186 ـ 187.


(362)
أصحاب الانتفاضة
6
الحسين بن علي الفخيّ
( ... ـ 169 هـ)
    هو الحسين بن علي بن الحسن المثلث أي الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال صاحب المجدي : ومن ولد علي زين العابدين الحسن المثلث ، الحسين بن علي وهو الشهيد صاحب فخ ، خرج ومعه جماعة من العلويين زمن الهادي موسى بن المهدي بن المنصور بمكة ، وجاء موسى بن عيسى ابن على ومحمد بن سليمان بن المنصور فقتلاهم بفخ يوم التروية سنة تسع وستين ومائة. وقيل : سنة سبعين ، وحملا رأسه إلى الهادي ، فأنكر الهادي فعلهما وأمضاءهما حكم السيف فيهم دون رأيه ، ونقل أبو نصر البخاري عن محمد الجواد ابن علي الرضا ( عليهما السلام ) أنّه قال : لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ (1)
    1 ـ النسابة ابن عنبة : عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : 182 ـ 183.

(363)
أصحاب الانتفاضة
7
محمد بن إبراهيم طباطبا
(173 ـ 199 هـ)
    هو محمد بن إبراهيم (طباطبا) بن إسماعيل بن علي الغمر بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (1).
    قال صاحب المجدي : أمّا إبراهيم بن إسماعيل بن الغمر فهو طباطبا ولقب بذلك لاَنّه أراد أن يقول قبا فقال طبا ، لردّة في لسانه ، وكان له خطر وتقدم وأبرزَ صفحتَه ودعا إلى الرضا من آل محمد. فولد إبراهيم بن إسماعيل بن الغمر ثلاثة عشر ولداً ، منهم : بنتان وهما : لبابة وفاطمة ، والذكور : جعفر ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، وموسى ، وهارون ، وعلي ، وعبداللّه ، ومحمد.
    هذا هو الوالد وأمّا الولد أي محمد ، يقول في حقّه : « إنّه صاحب أبي السرايا يكنّى أبا عبد اللّه ، خرج بالكوفة فجأة وانقرض ولده غير انّ رجلاً منهم يقال له محمد بن الحسين بن جعفر بن محمد هذا ، صاحب أبي السرايا خرج إلى بلاد الحبشة فما نعرف له خبراً (2)
    1 ـ سيوافيك في الفصل القادم أنّ الاِمام يحيى موَسس الدولة الزيدية في اليمن عام 284 من أحفاد إبراهيم إذ نسبه : يحيى بن الحسين ، بن القاسم بن إبراهيم طبا طبا.
    2 ـ النسابة العلوي العمري : المجدي : 72.


(364)
    وقال ابن عنبة : ومن ولد إبراهيم طباطبا أيضاً محمد بن إبراهيم ويكنى أبا عبد اللّه أحد أئمة الزيدية ، خرج بالكوفة داعياً إلى الرضا من آل محمد ، وخرج معه أبو السرايا (السري بن منصور) الشيباني في أيام المنصور ، فغلب على الكوفة ودعا بالآفاق ولقّب بأمير الموَمنين وعظم أمره ثم مات فجأة ، وانقرض عقبه ، وكان من ولده محمد بن الحسين بن جعفر بن محمد هذا ، خرج إلى الحبشة فما يعرف له خبر. وفي بعض النسخ مات 199هـ وقيل : سمّاه أبو السرايا سماً ومات منه واللّه أعلم (1).
    وقال الطبري في حوادث سنة 199هـ : وفيها خرج بالكوفة محمد بن إبراهيم ابن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب يوم الخميس لعشر خلون من جمادي الآخرة يدعو إلى الرضا من آل محمد والعمل بالكتاب والسنّة وهو الذي يقال له ابن طباطبا وكان القيم بأمره في الحرب وتدبيرها وقيادة جيوشه أبا السرايا واسمه السري بن منصور (2).
    وبما أنّ أبا السرايا جاء اسمه في ذكر لفيف من الثائرين ، نذكر عنه شيئاً.
    يقول خير الدين الزركليّ : السري بن منصور الشيباني ثائر شجاع من الاَُمراء العصاميين فجمع عصابة كان يقطع بها الطريق ، ثم لحق بيزيد بن مزيد الشيباني بأرمينيا ومعه ثلاثون فارساً فجعله في القواد فاشتهرت شجاعته ، ولما نشبت فتنة الاَمين والمأمون انتقل إلى عسكر هرثمة بن أعين وسار معه نحو ألفي مقاتل وخوطب بالاَمير ، ولما قتل الاَمين نقص هرثمة من أرزاقه وأرزاق أصحابه فخرج في نحو مائتي فارس فحصر عامل عين التمر وأخذ ما معه من المال ففرّقه في أصحابه ، ثم استولى على الاَنبار وذهب إلى الرقة وقد كثر جمعه فلقيه بهما ابن
    1 ـ ابن عنبة : عمدة الطالب : 172.
    2 ـ الطبري : التاريخ : 7/117.


(365)
طباطبا العلوي (محمد بن إبراهيم) وكان قد خرج على بني العباس ، فبايعه أبو السرايا وتولّـى قيادة جنده ، واستوليا على الكوفة ، فضرب بها أبو السرايا الدرهم ، وسيّر الجيوش إلى البصرة ونواحيها ، وعمل على ضبط بغداد ، وامتلك المدائن وواسطاً ، واستفحل أمره ، وأرسل العمال والاَُمراء إلى اليمن والحجاز وواسط والاَهواز ، وتوالت عليه جيوش العباسيين فلم تضعضعه إلى أن قتله الحسن بن سهل وبعث برأسه إلى المأمون ونصبت جثته على جسر بغداد (1).
    وقد فصل أبو الفرج الكلام حول خروج أبو السرايا ولقائه مع محمد بن إبراهيم يرجع ملخصه إلى ما ذكره خير الدين ، ولذلك اقتصرنا عليه (2).
    و ليعلم أنّ القاسم الرسّي الذي يعتبر الاِمام الثاني للزيدية من فريق الاَئمة المجتهدين هو أخو محمد بن إبراهيم ، كما أنّ الاِمام الهادي الذي أسس دولة فيها هو حفيد القاسم الرسّي ، فالكل من أغصان الشجرة الطيبة العلوية.
    1 ـ خير الدين الزركلــي : الاَعلام : 3/82 نقلاً عن البداية والنهاية : 10/244 ومقاتل الطالبيين : 338 ، والطبري : التاريخ : 10/227.
    2 ـ انظر : أبو الفرج الاَصفهاني ، مقاتل الطالبيين : 518 ـ 536.تحقيق سيد أحمد صقر.


(366)
أصحاب الانتفاضة
8
محمد بن محمد بن زيد بن علي
(182 ـ 202 هـ)
    يحدّث صاحب المجدي عن أبيه فيقول : محمد بن زيد الشهيد بن علي بن الحسين ( عليه السلام ) وكان بليغاً ، وله أحد عشر ولداً ، منهم : محمداً الاَكبر وكان على عهد المأمون وهو صاحب أبي السرايا بعد ابن طباطبا قبره بمرو ، وكان سقي سماً (1).
    وقال ابن عنبة : وكان لمحمد بن زيد الشهيد عدّة بنين ، منهم محمد بن محمد ابن زيد. ولما خرج أبو السرايا وأخذ البيعة لمحمد بن إبراهيم بن إسماعيل (المذكور آنفاً) وتوفي « محمد » فجأة نصب أبو السرايا مكانه محمد بن محمد بن زيد هذا ، ولقبه « الموَيد » فندب الحسن بن سهل إليه هرثمة بن أعين ، فحاربه وأسره وحمله إلى الحسن بن سهل فحمله الحسن إلى المأمون ، فتعجب المأمون من صغر سنه وقال : كيف رأيت اللّه في الصنع بابن عمك؟ فقال محمد بن محمد بن زيد :
رأيت أمين اللّه في العفو والحلم فأعرض عن جهلي وداوي سقامه وكان يسيراً عنده أعظم الجرم بعفو جرى عن جلده هبوه السقم
    وتوفي محمد بن محمد بن زيد بمرو وسقاه المأمون السم 202 هـ وهو ابن عشرين سنة ، فيقال : إنّه كان ينظر كبده يخرج من حلقه قطعاً فيلقيه في طشت ويقلبه بخلال في يده (2)
    1 ـ النسابة العلوي العمري : المجدي : 184.
    2 ـ ابن عنبة : عمدة الطالب : 300 ، لاحظ أيضاً مقاتل الطالبيين : 343 و 517 من الطبعة الاَُخرى.


(367)
أصحاب الانتفاضة
9
محمد بن القاسم بن علي بن عمر
ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
( ... ـ بعد 319 هـ)
قال صاحب المجدي : أمّا الوالد أي القاسم بن علي بن عمر فهو يكنى بـ « أبي علي » وكان شاعراً وقد اختفى ببغداد ، وأمّا الولد فقد أشخصه الرشيد من الحجاز وحبسه وأفلت من الحبس (1).
    وقال ابو الفرج : محمد بن القاسم يكنى أبا جعفر ، وكانت العامة تلقّبه الصوفي ، لاِنّه كان يُدْمِن لبس ثياب من الصوف الاَبيض ، وكان من أهل العلم والفقه والدين والزهد وحسن المذهب ، وكان يذهب إلى القول بالعدل والتوحيد ويرى رأي الزيدية الجارودية ، خرج في أيام المعتصم بالطالقان ، فأخذه عبد اللّه بن طاهر ووجّه به الى المعتصم (2).
    يقول المسعودي : وفي هذه السنة أي 219 هـ أخاف المعتصم ، محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رحمهم اللّه ، وكان بالكوفة من العبادة والزهد والورع في نهاية الوصف ، فلمّا خاف على نفسه هرب فصار إلى خراسان ، فتنقل في مواضع كثيرة من كورها كمرو ، وسرخس والطالقان ونسا ، فكانت له هناك حروب وكوائن وانقاد إليه وإلى إمامته خلق كثير
    1 ـ النسابة العلوي : المجدي : 149.
    2 ـ أبو الفرج الاَصفهاني : مقاتل الطالبيين : 382.


(368)
من الناس ، ثم حمله عبد اللّه بن طاهر إلى المعتصم ، فحبسه في أزج اتخذه في بستان بسر من رأى. وقد تنوزع في محمد بن القاسم ، فمن قائل يقول : إنّه قتل بالسم ، ومنهم من يقول : إنّ ناساً من شيعته من الطالقان أتوا ذلك البستان فتأتوا للخدمة فيه من غرس وزراعة ، واتخذوا سلالم من الجبال واللبود والطالقانية ونقبوا الاَزج وأخرجوه ، فذهبوا به فلم يعرف له خبر إلى اليوم ، وقد انقاد إلى إمامته خلق كثير من الزيدية إلى هذا الوقت وهو سنة 333هـ (1)
    1 ـ المسعودي : مروج الذهب : 3/464 ـ 465.

(369)
الفصل الثالث
    أئمة الزيدية ودولتهم في اليمن
    قد تعرفت على أسماء وحياة الثائرين بعد زيد الشهيد إجمالاً ، وهوَلاء الاَماثل قاموا في وجه الظلم في مناطق مختلفة ، بصورة انتفاضات ناجحة وغير ناجحة.
    ويأتي الآن دور الثائرين الاَفاضل ، الموَسسين دولاً في قطر كبير من الاَقطار الثلاثة وهوَلاء عبارة عن :
    أئمة الزيدية وتأسيس الدولة في اليمن.
    أئمة الزيدية وتأسيس الدولة في طبرستان.
    أئمة الزيدية وتأسيس الدولة في المغرب.
    وإليك البيان ابتداء من أئمتهم في اليمن وأوّل ثائرهم وفي الحقيقة موَسس دولتهم هو :

1
يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا
    قال صاحب المجدي في حقّ والده : الحسين بن القاسم الرسّي كان سيداً كريماً ولد له يحيى ، وهو أبو الحسين الهادي ، الجليل ، الفارس ، الديّن ، إمام الزيدية وكان مصنفاً ، شاعراً ، ظهر باليمن مات سنة 298هـ وكان يتولى الجهاد بنفسه


(370)
ويلبس جبة صوف وكان قشفاً رحمه اللّه (1).
    وقال ابن عنبة : أمّا أبو عبد اللّه الحسين بن القاسم الرسي وكان سيداً كريماً ، فأعقب من رجلين :
    1 ـ أبو الحسين يحيى الهادي.
    2 ـ أبو محمد عبد اللّه السيد العالم.
    أمّا يحيى الهادي بن الحسين بن القاسم الرسّي يكنى أبا عبد اللّه ، كان إماماً من أئمة الزيدية ، جليلاً فارساً ، ورعاً ، مصنفاً ، شاعراً ، ظهر باليمن ويلقب بالهادي إلى الحقّ ، وكان يتولى الجهاد بنفسه ويلبس جبة صوف ، له تصانيف كبار في الفقه قريبة من مذهب أبي حنيفة ، وكان ظهوره باليمن أيام المعتضد سنة 280 هـ وتوفي هناك عام 298 هـ وخُطِبَ له بمكـة سبع سنين ، وأولاده أئمة الزيدية وملوك اليمن وقد ولي الحكومة بعد رحيل الهادي ولداه :
    1 ـ أبو القاسم محمد المرتضى ، قام بالاَمر بعد أبيه.
    2 ـ أحمد الناصر قام بالاَمر بعد تنازل أخيه.
    وسيوافيك ترجمة الوالد والولدين في الفصل السادس المختص ببيان أعلامهم المجتهدين ، وإليك أسماء الاَئمة الذين كان لهم الحكم إلى قيام الجمهورية عام 1382هـ.
    وقد توالت الاِمامة من عقب الاِمام يحيى بعد الولدين إلى قيام الجمهورية العربية في أرض اليمن إلاّ في فترات قليلة ، فلاَجل إيقاف القارىَ على أسمائهم نأتي بالقائمة التالية ومن أراد التفصيل فليرجع إلى الكتب المعدّة لذلك.
    1 ـ النسابة العلوي العمري : المجدي : 78.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد السابع ::: فهرس