بحوث في الملل والنحل ـ جلد السابع ::: 441 ـ 450
(441)
ويعمر أركان الشريعة ، هادماً أعادوا بها معنى « سواع » ومثله وقد هتفوا عند الشدائد باسمها وقد سرّني ما جاءني من طريقة مشاهد ضلّ الناس فيه عن الرشد « يغوث » و « ودٍ » بئس ذلك من ودِّ كما يهتف المضطر بالصمد الفردِ وكنت أرى هذه الطريقة لي وحدي
    ولما أتته الاَنباء عن قائد الحركة بأنّه يسفك الدماء ، وينهب الاَموال ، ويكفّر الاَُمة المحمدية في جميع الاَقطار ، تراجع عن التأييد شكلياً لا من حيث المحتوى ، وقال في قصيدة نقض فيها ، قصيدته الاَُولى ، مستهلها :
رجعتُ عن القول الذي قلتُ في النجدي ظننت به خيراً وقلت عسى عسى فقد خابَ فيه الظنّ لا خاب نصحنا وقد صحّ لي عنه خلاف الذي عندي نجد ناصحاً يهدي الاَنام ويستهدي وما كل ظنٍّ للحقائق لي مهدي
    ثم أخذ في ردّ شكل تطبيق المبدأ ، فقال :
أبن لي أبن لي لماذا سفكتَ دماءهم وقد عصموا هذا وهذا بقول : لا وهذا لعمري غير ما أنت فيه من فمالك في سفك الدماء قطّ حجّة لماذا نهبت المال قصداً على عمد إله سوى اللّه المهيمن ذي المجد تجاريك في قتل لمن كان في نجد
خف اللّه واحذر ما تسرّ وما تبدي



(442)
    لقد عزب عن ابن الاَمير أنّه هو الذي أحلّ سفك دمائهم حيث شبههم في قصيدته الاَُولى عبّاد « سواع » و « ود » وهل يكون دم الوثني ! محترماً مصوناً.
    إنّ الاَمير ندم حين ما لا ينفعه الندم ، وقد أظهر الندامة بعد سفك الدماء الطاهرة ، وقتل النفوس الاَبرياء ، ونهب الاَموال ، وتدمير البيوت والخيام ، بحجّة أنّهم يتوسلون بالنبي ، أو يزورون قبره الشريف ومن قرأ تاريخ الوهابية الاَثيمة يقف على أنّه أُسس على قتل الآف من الرجال والنساء والاَطفال ، الذين كانوا يقولون : لا إله إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه ، يصلّون ، يزكون ، ويحجّون ومانقموا منهم إلاّ أنّهم كانوا يعزّرون النبي الاَكرم ، ويمجّدون نبي التوحيد ، ويتبرّكون بآثاره ، كما كانت الصحابة متبركين بها.
    وعلى كل تقدير فقد تخلّى ابن الوزير عن المذهب الزيدي وتحول إلى سلفي وهابي ، وتسرع في تأييد موقف ابن عبد الوهاب ، فلو كان مذهب السلف ، الاِخافة وسلّ السيف ، وضرب الرقاب ، وتدمير آثار الرسالة ، وإنساء الاَنبياء والاَولياء عن الاَذهان ، وإثبات جهة الفوق والاستواء على العرش الذي هو فوق السموات والاَرض ، والجسمية والغضب والضحك واليد اليمنى والشمال ، والاَصابع والكف للّه سبحانه بمعانيها اللغوية ، فألف سلام اللّه على الخلف مع بدعه المزعومة ، وتوسلاّته المختلقة بزعمهم.


(443)
زيدي تسنّن وتوهّب
3
محمد بن علي بن محمد بن عبد اللّه الشوكاني الصنعاني
(1172 ـ 1250هـ)
    أحد الشخصيات البارزة في اليمن الخضراء قد ترجم لنفسه في كتابه البدر الطالع وقال :
    نشأ بصنعاء فقرأ القرآن على جماعة من المعلمين ، وختمه على الفقيه حسن ابن عبد اللّه الهبل ، وجوّده على جماعة من مشايخ القرآن ، بصنعاء ثم حفظ الاَزهار للاِمام المهدي ، ومختصر الفرائض للعصيفري ، والملحة للحريري ، والكافية والشافية لابن الحاجب ، والتهذيب للتفتازاني ، والتلخيص للقزويني ، والغاية لابن الاِمام ، وبعض مختصر المنتهى لابن الحاجب ، ومنظومة الجزريّ ، ومنظومة الجزاز في العروض وآداب البحث للعضدي ورسالة الوضع له أيضاً. وكان حفظه لهذه المختصرات قبل الشروع في الطلب ، وبعضها بعد ذلك ، ثم قبل شروعه في الطلب كان كثير الاشتغال بمطالعة كتب التواريخ ومجاميع الاَدب من أيام كونه في المكتب فطالع كتباً عدّة ، ومجاميع كثيرة ، ثم شرع في الطلب وقرأ على والده رحمه اللّه شرح الاَزهار ، إلى آخر ما ذكره من الكتب التي قرأها على مشايخه أو سمعها من أساتذته و ـ ذكر ـ أنّه سمع البخاري من أوّله إلى آخره على السيّد العلامة علي بن إبراهيم ، وسمع صحيح مسلم جميعاً وسنن الترمذي جميعاً وبعض موطأ مالك وبعض شفاء القاضي عياض على السيد العلامة عبد القادر بن أحمد ، وكذلك سمع منه بعض جامع الاَُصول ، وبعض سنن النسائي وبعض سنن


(444)
ابن ماجة ، وسمع جميع سنن أبي داود وتخريجها للمنذري ، وبعض المعالم للخطابي ـ إلى أن قال : ـ وكذلك بعض المنتقى لابن تيميّة على السيد القادر بن أحمد وكذلك سمع شرح بلوغ المرام (1).
    لقد ترك الشوكاني آثاراً في التفسير والفقه والحديث والكلام وهنا نذكر من آثاره ما يلي :
    1 ـ فتح القدير في التفسير ، وقد طبع في خمسة أجزاء جمع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير.
    2 ـ نيل الاَوطار شرح منتقى الاَخبار في الحديث ، والمنتقى تأليف الشيخ أبو البركات شيخ الحنابلة مجد الدين عبد السلام بن عبد اللّه الحرّاني (542 ـ 621 هـ) جد ابن تيمية.
    3 ـ القول المفيد في أدلّة الاجتهاد والتقليد.
    4 ـ إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والميعاد والنبوات ، ردّ به على موسى بن ميمون الاَندلسي اليهودي.
    إنّ الاِلمام بحياة الشوكاني دراسة وقراءة ، أُستاذاً وشيخاً ، تعرب عن أنّه كان سلفيّ المذهب ، متحرّراً عن التقيّد بمذهب أحد الاَئمة ، وكتابه « نيل الاَوطار » يشهد على ذلك. وقد أوجد هزّة في الاَوساط اليمنية ، وهو وإن أخذ من السلفية ، بهذا الجانب ، الجميل ، ولكنّه تورّط في مغبّة لوازم التجسيم والتشبيه ، وتتلخص عقائده في الاَُمور التالية :
    أوّلاً : يرى حمل صفات اللّه تعالى الواردة في القرآن والسنّة على ظاهرها من غير تأويل ، وقد ألّف رسالة في ذلك سمّـاها : « التحف بمذهب السلف » ويذكر في تفسير قوله سبحانه : « وَسِعَ كُرسيّهُ السَّمواتِ والاَرض » (البقرة ـ 255) أنّ
    1 ـ الشوكاني : البدر الطالع : 2/214 ـ 217.

(445)
الكرسي جسم وردت به الآثار بصفته. ثم ذكر الاَقوال الاَُخر.
    وقال : والحقّ هو الاَوّل ، ولا وجه للعدول عن المعنى الحقيقي إلى مجرد خيالات وضلالات (1).
    والمتتبع في تفسيره يجد أنّه يقوي مذهب السلف في غالب المواضع حتى روَية اللّه في الآخرة لو سلم كونها مذهب السلف.
    ثانياً : لا يرى للمجتهد تقليد أئمة المذاهب الفقهية ، وهو في تلك الفكرة مصيب مشكور ، لكنّه أفرط في تطبيق الآيات الذامة للمشركين في تقليدهم الآباء ، على مقلدي أئمة المذاهب (2).
    نحن نقدر كسر قيد الالتزام بالمذاهب الفقهية للمستطيع استخراج الاَحكام عن أدلتها الشرعية ، لكن المجتهد المطلق عبارة عمن استوعب الاَدلّة واستقصاها ومنها الاَحاديث المروية عن أئمة أهل البيت التي رواها شيعتهم من زيدية وإسماعيلية وإمامية ، لكن الاَسف أنّ المتخرجين في حقول الفقه إمّا مقلد لاَئمة الفقه أو خارج عن هذا الاِطار ، ولكنّه ضارب عن أحاديث العترة ، مع أنّها أحد الثقلين.
    ثالثاً : إنّ الرجل جمع بين القولين المتضادين ، فمن جانب يرى أنّ الشهداء أحياء حقيقة لا مجازاً.
    قال في تفسير قوله تعالى : « وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أمواتاً بَل أحياءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزقُون » (آل عمران ـ 154) :
    1 ـ الشوكاني : فتح القدير : 1/277 ـ 373 ، ط ، دار المعرفة بالاَُفست بيروت ، لبنان وكل ما ننقله فهو من هذه الطبعة.
    2 ـ لاحظ فتح القدير ، سورة الاَعراف ، تفسير قوله سبحانه : (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا آباءنا عليها ... ) (الآية 28).


(446)
    أي لاتقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه هم أموات بل هم أحياء ، ولكن لا تشعرون بهذه الحياة عند مشاهدتكم لاَبدانهم بعد سلب أرواحهم ، لاَنكم تحكمون عليها بالموت في ظاهر الاَمر بحسب ما يبلغ إليه علمكم ، الذي هو بالنسبة إلى علم اللّه كما يأخذ الطائر في منقاره من ماء البحر وليسوا كذلك في الواقع بل هم أحياء في البرزخ (1).
    ومن جانب آخر يرى التوسل بالاَنبياء مخالفاً للذكر الحكيم وقد أفاض الكلام في الاِنكار على التوسل عند تفسير قوله سبحانه : « قُل لا أَملِكُ لِنَفسي ضَرَّاً وَ لا نَفعاً إلاّ ما شاءَ اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةً أجَلٌ إذا جاءَ أَجَلُهُم فلا يَسْتَأخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُون » (يونس ـ 49) فقد ذكر في تفسير الآية نفس ما ورثه من ابن تيمية ولاعق قصعته محمد بن عبد الوهاب (2) ولولا خوف الاِطالة لاَتيت بنص كلامه ليقف القارىَ على وحدة النسج ، وبما أنّنا أفضنا في الجزء الرابع من هذه الموسوعة الكلام في التوسل ، نطوي الكلام غير أنّا نذكر هنا نكته وهي :
    إنّ المتوسل لايدّعي أنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يملك نفعه أو ضرّه ، حتى يقال : إنّه لا يملك نفع نفسه ولا ضره ، فكيف بغيره ، وإنّما يقول : إنّ الاَنبياء والصديقين والشهداء أحياء حسب ما قرره الشوكاني ، والصلة بيننا وبينه موجودة ، فنطلب منهم الدعاء كما نطلبه منهم في حال الحياة ، وربّما توسل بذواتهم ومقاماتهم ، وذلك لاستمطار رحمته سبحانه ، وجلب رضوانه ، والمخاطب الحقيقي لقضاء الحاجة هو اللّه سبحانه والركائب مناخة على أبوابه سبحانه.
    رابعاً : إنّ الشوكاني وإن كسر قيد الالتزام بمذهب الزيدية ، ولكنّه لم يتخلّ عنه تماماً في بعض الموارد من تفسيره فربما يذكر بعض الروايات الدالّة على
    1 ـ فتح القدير : 1/159.
    2 ـ فتح القدير : 2/446 ـ 450.


(447)
إمامة علي عليه الصلاة والسلام ، لكن بشكل هادىَ ، حيث ذكر في تفسير قوله سبحانه : « إنّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُوَتُونَ الزّكاةَ وَهُمْ راكعُونَ » (المائدة ـ 55) قولين :
    أحدهما : إنّها نزلت في حقّ عبادة بن الصامت ، وثانيهما : أنّها نزلت في حقّ علي ، وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عباس ، قال : تصدّق عليّ بخاتم وهو راكع. فقال : النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للسائل : « من أعطاك هذا الخاتم؟ » قال : هذا الراكع ، فأنزل اللّه فيه : « إِنّما وَلِيُّكُم اللّهُ وَرَسُولهُ » وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس ، قال : نزلت في علي بن أبي طالب إلى آخر ما ذكره (1).
    ويذكر في تفسير قوله سبحانه : « إِنّما يُريدُ اللّه لِيُذهِبَ عَنْكُمْ الرِّجسَ أهلَ البَيتِ وَيُطَّهِّرَكُم تَطهيرا » (الاَحزاب ـ 23) قولين :
    الاَوّل : أنّها نزلت في زوجات النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثم قال : قال أبو سعيد الخدري ومجاهد ، وقتادة إنّ أهل البيت المذكورين في الآية علي وفاطمة والحسن والحسين خاصة ، ومن حججهم الخطاب في الآية بما يصلح للذكور لا للاِناث ، وهو قوله : « عنكم ، وليطهركم » ولو كان للنساء خاصة لقال : عنكنّ ، يطهركنّ. وأجاب الاَوّلون عن هذا التذكير باعتبار لفظ الاَهل كما قال سبحانه : « أتعجبينَ مِنْ أمرِ اللّهِ رحمةُ اللّهِ وبركاتُهُ عَليكُمْ أهلَ البَيتِ » وكما يقول الرجل لصاحبه : كيف أهلك؟ يريد زوجته أو زوجاته ، فيقول : هم بخير. ثم إنّه ذكر أدلّة القولين وخرج بأنّ الحقّ شموله للطائفتين (2).
    ولعلّ هذا الجمع الذي لجأ إليه ، كان مقتضى ظروفه ، وإلاّ فكيف يمكن
    1 ـ فتح القدير : 2/350.
    2 ـ فتح القدير : 4/279 ـ 280.


(448)
القول بالجمع ، وهو خرق للاِجماع المركب أوّلاً ، ومخالف للروايات المتضافرة من أنّ النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جمع علياً وابنيه وزوجته تحت الكساء وقال : هوَلاء أهل بيت ، ولم يجز لاَُمّ سلمة أن تدخل تحت الكساء.
    لكنه قد قصر في بعض المواضع ، حيث لم يذكر نزول قوله سبحانه : « اليومَ أكمَلتُ لَكُمْ دينَكُمْ وأتممتُ عليكُمْ نِعمَتي ورضِيتُ لكمُ الاِسلامَ دِيناً » (المائدة ـ 3) في حقّ علي مع تضافر الروايات. وفسر إكمال الدين بإكمال ظهوره على الاَديان كلها ، وغلبته لها (1).
    نعم ، ذكر في تفسير قوله سبحانه : « يا أيُّها الرَّسولُ بلِّغْ ما أُنزِلَ إليكَ مِنْ ربِّكَ وإنْ لَمْ تَفعَلْ فَما بلَّغْتَ رسالَتَهُ واللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ » (المائدة ـ 67) قال : أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري ، قال : نزلت هذه الآية على رسول اللّه يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ، وقال : وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود ، قال : كنّا نقرأ على عهد رسول اللّه : ( ياأيـّها الرسول بلِّغ ما أُنزل إليك من ربك » أنّ علياً مولى الموَمنين « وإنْ لَـمْ تَفعلْ فَما بلَّغتَ رِسالَتَهُ واللّهُ يَعصِمُكَ منَ النّاس » (2).
    وعلى كل تقدير فما يذكره في حقّ أئمة أهل البيت أثر من آثار نشأته بين الزيدية ، ولكنّه في مجال العقيدة سلفيّ ، يتمسك بحرفية القرآن ويجوّز الروَية في الآخرة (3). ويذهب في مجال الفقه إلى حجّية كل صحابي من غير فرق بين المعلوم والمجهول ، حتى ألّف كتاباً باسم « القول المقبول في ردّ خبر المجهول من غير صحابة الرسول » (4) ويصدر عن الصحاح والمسانيد ويخالف مذهب الزيدية
    1 ـ فتح القدير : 2/11.
    2 ـ فتح القدير : 2/60.
    3 ـ فتح القدير : 1/86 في تفسير قوله سبحانه : (وإذ قلتم ياموسى لن نوَمن لك حتى نرى اللّه جهرة).
    4 ـ نيل الاَوطار : المقدمة (و).


(449)
كثيراً. وكتابه المعروف « السيل الجرار المتدفق على حدائق الاَزهار » يعد ثورة عارمة على الزيدية في المجالات الفقهية. وإليك الكلام في هذا الكتاب.

قصة « السيل الجرار المتدفق » :
    ألّف أحمد بن يحيى بن المرتضى (775 ـ 845هـ) كتاباً باسم « الاَزهار في فقه الاَئمة الاَطهار ».
    ثم شرحه باسم « الغيث المدرار ». ألّفه على مذهب الاِمام الهادي الزيدي في الفروع ، يقول المقدِّم لكتاب البحر الزخار في مقدمته : « والكتاب لشموله وتحقيقه ، وبلاغة أُسلوبه ، وحسن تبويبه يعدّ من آيات الاِمام (أحمد بن يحيى بن المرتضى) التي اختصه اللّه بها ومنحه إياه لنفع الموَمنين وانتشال الجاهلين من ظلام الحيرة إلى نور المعرفة والهدى » (1).
    وقد ألّفه الاِمام في السجن بين عام « 794 ـ 801هـ » وبما أنّ الكتاب باقة أزهار من الفقه الهادوي فيظن أنّه راجع إليه بعد الخروج من السجن إلاّ إذا كانت المصادر فيه متوفّرة وقد كان العمل عليه في المحاكم والاَوساط العلمية.
    ومن المعلوم أنّ فكرة التحرير من الفقه الهادوي ، الذي غرس بذرتها ابن الوزير ، وسقاها ابن الاَمير ، على طرف النقيض من محتويات الكتاب واشتهاره بين العلماء ولاَجل ذلك قام الشوكاني بنقده بكتاب أسماه « السيل الجرار ، المتدفق على حدائق الاَزهار » فأثار بكتابه هذا ، والاسم الذي سمّـاه به حفيظة كثير من الزيديين قال في مقدمة الكتاب :
    فإنّ مختصر الاَزهار لما كان مدرس طلبة هذه الديار في هذه الاَعصار ومعتمدهم الذي عليه في عباداتهم ومعاملاتهم المدار ، وكان قد وقع في كثير من
    1 ـ مقدمة البحر الزخار : 18.

(450)
مسائله الاختلاف بين المختلفين من علماء الدين والمحققين من المجتهدين : أحببت أن أكون حكماً بينه وبينهم ثم بينهم أنفسهم عند اختلافهم في ذات بينهم ، فمن كان أهلاً للترجيح ومتأهلاً للتقسيم والتصحيح فهو إن شاء اللّه سيعرف لهذا التعليق قدره ويجعله لنفسه مرجعاً ولما ينوبه ذخراً ، وأمّا من لم يكن بهذا المكان ولا بلغ مبالغ أهل هذا الشأن ولا جرى مع فرسان هذا الميدان فهو حقيق بأن يقال له : « ماذا يغشّك ياحمامة فادرجي » وقد طبع الكتاب في مجلدات أربعة قام بطبعه المجلس الاَعلى للشوَون الاِسلامية بعد قيام الجمهورية العربية في اليمن. وذلك أيضاً في طريق أهدافه من هدم آثار الاِمامة في اليمن ولو بيد علمائها.
    وفي الختام نذكر تأليفه المفيد وهو « البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع » ، ألّفه لغاية خاصة وهو أنّ الخلف ليس بأقل من السلف ، ولامسوغ للتقليد لاَئمة الفقه بل يجب التحرر عن الالتزام بفقه إمام خاص ، قال في مقدمته : فإنّه لما شاع على ألسن جماعة من الرعاع ، اختصاص سلف هذه الاَُمّة بإحراز فضيلة السبق في العلوم دون خلفها. حتى اشتهر عن جماعة من أهل المذاهب الاَربعة تعذّر وجود مجتهد بعد المائة السادسة كما نقل عن البعض ، أو بعد المائة السابعة كما زعمه آخرون. وكانت هذه المقالة بمكان من الجهالة لا يخفى على من له أدنى حظّ من علم ، وأنزر نصيب من عرفان ، وأحقر حصة من فهم ، لاَنّها قصر للتفضّل الاِلهي ، والفيض الرباني على بعض العباد دون البعض ، وعلى أهل عصر دون عصر ، وأبناء دهر دون دهر بدون برهان ولا قرآن على أنّ هذه المقالة المخذولة والحكاية المرذولة تستلزم خلو هذه الاَعصار المتأخرة عن قائم بحجج اللّه ، ومترجم عن كتابه وسنّة رسوله ، ومبيّن لما شرعه لعباده ، وذلك هو ضياع الشريعة بلا مرية ، وذهاب الدين بلا شك وهو تعالى قد تكفّل بحفظ دينه
بحوث في الملل والنحل ـ جلد السابع ::: فهرس