بحوث في الملل والنحل ـ جلد السابع ::: 451 ـ 460
(451)
وليس المراد حفظه في بطون الصحف والدفاتر ، بل إيجاد من يبيّنه للناس في كل وقت وعند كل حاجة.
    حداني ذلك إلى وضع كتاب يشتمل على تراجم أكابر العلماء من أهل القرن الثامن ومن بعدهم مما بلغني خبره إلى عصرنا هذا ، ليعلم صاحب تلك المقالة أنّ اللّه وله المنّة قد تفضل على الخلف كما تفضل على السلف ، بل ربما كان في أهل العصور المتأخرة من العلماء المحيطين بالمعارف العلمية على اختلاف أنواعها ، من يقلّ نظيره من أهل العصور المتقدمة كما سيقف على ذلك من أمعن النظر في هذا الكتاب وحلّ عن عنقه ، عرى التقليد وقد ضممت إلى العلماء من بلغني خبره من العباد والخلفاء والملوك والروَساء والاَُدباء ولم أذكر منهم إلاّ من له جلالة قدر ونبالة ذكر وفخامة شأن دون من لم يكن كذلك (1).
    وطبع الكتاب في جزئين يشتمل الجزء الاَوّل على 354 ترجمة للشخصيات العلمية والسياسية ، وقد وقع الخطأ في أرقام تراجم الجزء الثاني فالظاهر منه أنّ الجزئين يحتوي على ترجمة 596 شخصية وقد فرغ من تأليف الكتاب عام 1213هـ.
    ثم إنّ النسابة المعروف اليمني محمد بن محمد بن يحيى بن زبارة ، ذيّله بملحق ، أتى فيه بترجمة 440 شخصية من مشاهير اليمن لكن على وجه الاختصار ، وقد ترجم من عثر عليه من تراجم من بعد القرن السابع إلى أثناء القرن الثاني عشر من رجال اليمن الميمون ، ولم يسجّل فيه تراجم الرجال الذين ذكروا في كتاب « نيل الاَوطار من تراجم رجال اليمن في القرن الثالث » ألّفه في القاهرة عام 1348 هـ شكر اللّه مساعيه.
    1 ـ الشوكاني : البدر الطالع : 1/2.

(452)

(453)
الفصل الثامن
فرق الزيدية في كتب تاريخ العقائد
    قد ذكر موَرخو العقائد ، للزيدية فرقاً بين مقتصر على الثلاثة ، وإلى مفيض إلى ستة ، وثمانية ، وإليك نصوصهم حسب التسلسل الزمني في التأليف :
    1 ـ قال الاَشعري : « والزيدية » ست فرق :

فمنهم : الجارودية :
    أصحاب « أبي الجارود » وإنّما سمّوا « جارودية » لاَنّهم قالوا بقول : « أبي الجارود » يزعمون أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نصّ على علي بن أبي طالب بالوصف لا بالتسمية ، فكان هو الاِمام من بعده وأنّ الناس ضلّوا وكفروا بتركهم الاقتداء به بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم « الحسن » من بعد علي هو الاِمام ثم « الحسين » هو الاِمام من بعد الحسن.
    وافترقت الجارودية فرقتين : فرقة زعمت أنّ علياً نصّ على إمامة « الحسن » وأنّ الحسن نص على إمامة « الحسين » ثم هي شورى في ولد الحسن وولد الحسين فمن خرج منهم يدعو إلى سبيل ربّه وكان عالماً فاضلاً فهو الاِمام ، وفرقة زعمت أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نص على « الحسن » بعد علي وعلى « الحسين » بعد الحسن ليقوم واحد بعد واحد.
    وافترقت الجارودية في نوع آخر ثلاث فرق : فزعمت فرقة أنّ « محمد بن عبد اللّه بن الحسن » لم يمت وأنّه يخرج ويغلب ، وفرقة أُخرى زعمت أنّ « محمد


(454)
بن القاسم » صاحب الطالقان حي لم يمت وأنّه يخرج ويغلب ، وفرقة قالت مثل ذلك « يحيى بن عمر » صاحب الكوفة.

والفرقة الثانية من الزيدية ، « السليمانية » :
    أصحاب « سليمان بن جرير الزيدي » يزعمون أنّ الاِمامة شورى وانّها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين ، وانّها قد تصلح في المفضول وإن كان الفاضل أفضل في كل حال ، ويثبتون إمامة الشيخين أبي بكر وعمر.
    وحكى « زرقان » عن سليمان بن جرير أنّه كان يزعم أنّ بيعة أبي بكر وعمر خطأ لا يستحقان عليها اسم الفسق من قبل التأويل ، وانّ الاَُمّة قد تركت الاَصلح في بيعتهم أياهما ، وكان سليمان بن جرير يقدم على عثمان ويكفره عند الاَحداث التي نقمت عليه ، ويزعم أنّه قد ثبت عنده أنّ علي بن أبي طالب لايضل ولاتقوم عليه شهادة عادلة بضلالة ، ولايوجب علم هذه النكتة على العامة إذ كان إنّما تجب هذه النكتة من طريق الروايات الصحيحة عنده.

والفرقة الثالثة :
    من الزيدية : « البترية » : أصحاب « الحسن بن صالح بن حي » وأصحاب « كثير النواء » وإنّما سمّوا « بترية » لاَنّ « كثيراً » كان يلقب بالاَبتر ، يزعمون أنّ علياً أفضل الناس بعد رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأولاهم بالاِمامة ، وأنّ بيعة أبي بكر وعمر ليست بخطأ ، لاَنّ علياً ترك ذلك لهما ، ويقفون في عثمان وفي قتلته ولايقدمون عليه بإكفار ، وينكرون رجعة الاَموات إلى الدنيا ، ولايرون لعلي إمامة إلاّ حين بويع ، وقد حكي أنّ « الحسن بن صالح بن حي » كان يتبرّأ من عثمان رضوان اللّه عليه بعد الاَحداث التي نقمت عليه.

والفرقة الرابعة من الزيدية :
    « النعيمية » : أصحاب « نعيم بن اليمان » يزعمون أنّ علياً كان مستحقاً للاِمامة وأنّه أفضل الناس بعد رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأنّ الاَُمّة ليست بمخطئة خطأ أثم في أن ولّت أبا بكر وعمر رضوان اللّه


(455)
تعالى عليهما ، ولكنها مخطئة خطأ بيّناً في ترك الاَفضل وتبرّأوا من عثمان ومن محارب علي وشهدوا عليه بالكفر.
    والفرقة الخامسة من الزيدية : يتبرّأون من أبي بكر وعمر ولا ينكرون رجعة الاَموات قبل يوم القيامة.
    والفرقة السادسة من الزيدية : يتولّون أبا بكر وعمر ، ولايتبرّأون ممن برىء منهما ، وينكرون رجعة الاَموات ويتبرّأون ممن دان بها وهم « اليعقوبية » أصحاب رجل يدعى « يعقوب » (1).
     2 ـ قال المسعودي : إنّ الزيدية كانت في عصرهم ثمانية فرق : أوّلها الفرقة المعروفة بـ « الجارودية » وهم أصحاب أبي الجارود زياد بن المنذر العبدي ، وذهبوا إلى أنّ الاِمامة مقصورة في ولد الحسن والحسين دون غيرهما ، ثم الفرقة الثانية المعروفة بـ « المرئية » ، ثم الفرقة الثالثة المعروفة بـ « الاَبرقية » ، ثم الفرقة الرابعة المعروفة بـ « اليعقوبية » وهم أصحاب يعقوب بن علي الكوفي. ثم الفرقة الخامسة المعروفة بـ « العقبية » ثم الفرقة السادسة المعروفة بـ « الاَبترية » وهم أصحاب كثير الاَبتر والحسن بن صالح بن حي. ثم الفرقة السابعة المعروفة بـ « الجريرية » وهم أصحاب سليمان بن جرير. ثم الفرقة الثامنة المعروفة بـ « اليمانية » وهم أصحاب محمد بن يمان الكوفي ، وقد زاد هوَلاء في المذاهب وفرّعوا مذاهب على ما سلف من أُصولهم (2).
    3 ـ قال نشوان الحميري : افترقت الزيدية ثلاث فرق : بترية وجريرية
    1 ـ الاَشعري : مذاهب الاِسلاميين : 66 ـ 69.
    2 ـ المسعودي : مروج الذهب : 2/183.


(456)
وجارودية. فقالت البترية : إنّ علياً ( عليه السلام ) كان أفضل الناس بعد رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأولاهم بالاِمامة ، وأنّ بيعة أبي بكر وعمر ليست بخطأ ، لاَنّ علياً ( عليه السلام ) سلم لهما ذلك ، بمنزلة رجل كان له حقّ على رجل فتركه له ، ووقفت في أمر عثمان ، وشهدت بالكفر على من حارب علياً ، وسمّوا البترية ، لاَنّهم نسبوا إلى كثير النواء ، وكان المغيرة بن سعيد يلقب كثيراً بـ « الاَبتر ».
    وقالت الجريرية : إنّ علياً كان الاِمام بعد رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأنّ بيعة أبي بكر وعمر كانت خطأ لا يستحق عليه اسم الكفر ، ولا اسم الفسوق ، وأنّ الاَُمّة قد تركت الاَصلح ، وبرئت من عثمان سبب أحداثه ، وشهدت عليه وعلى من حارب علياً بالكفر.
    وقالت الجارودية : إنّ رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نصّ على علي ( عليه السلام ) بالاِشارة والوصف دون التسمية والتعيين ، وإنّه أشار إليه ووصفه بالصفات التي لم توجد إلاّ فيه ، وإنّ الاَُمّة ضلت وكفرت بصرفها الاَمر إلى غيره ، وإنّ رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نصّ على الحسن والحسين ( عليهما السلام ) بمثل نصّه على علي ، ثم إنّ الاِمام بعد هوَلاء الثلاثة ليس بمنصوص عليه ، ولكن الاِمامة شورى بين الاَفاضل من ولد الحسن والحسين ، فمن شهر منهم سيفه ودعا إلى سبيل ربّه وباين الظالمين ، وكان صحيح النسب من هذين البطنين ، وكان عالماً زاهداً شجاعاً ، فهو الاِمام.
    وافترقت الجارودية في نوع آخر ثلاث فرق :
    أ ـ فرقة زعمت أنّ محمد بن عبد اللّه النفس الزكية بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب لم يمت ولا يموت ، حتى يملاَ الاَرض عدلاً ، وأنّه القائم المهدي المنتظر عندهم ، وكان محمد بن عبد اللّه خرج على المنصور فقتل بالمدينة.
    ب ـ وفرقة زعمت أنّ محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن


(457)
الحسين ابن علي بن أبي طالب ، حي لم يمت ولا يموت ، حتى يملاَ الاَرض عدلاً ، وأنّه المهدي المنتظر عندهم ، وكان محمد بن القاسم هذا خرج على المعتصم بالطالقان فأسره المعتصم ، فلم يدر بعد ذلك كيف خبره.
    وفرقة زعمت أنّ يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حي لم يمت ، وأنّه القائم المنتظر عندهم ، ولايموت حتى يملاَ الاَرض عدلاً ، وكان يحيى بن عمر هذا خرج على المستعين ، فقتل بالكوفة. هذه رواية أبي القاسم البلخي عن الزيدية ، وليس باليمن من فرق الزيدية غير الجارودية ، وهم بصنعاء وصعدة وما يليهما (1).

دراسة حول فرق الزيدية :
    قد تعرفت على كلمات الموَرّخين في فرق الزيدية ، فهي بين ما يحصرهم في ثلاث ، إلى آخر يعدهم ست فرق ، إلى ثالث يحسبهم ثماني فرق ، وهذا الاختلاف يكشف عن وجود غيوم تُلبّد سماء الواقع ، ولكن الذي يهمنا هنا ، مسألة أُخرى ، أنّ هذه الفرق ، كلها قد بادت وذهبت أدراج الرياح مع بقاء الزيدية في اليمن ، والذي يميز الزيدية عن سائر الفرق الاِسلامية ليس شيء مما ورد في عقائد هذه الفرق وإنّما هو عبارة عن القول بإمامة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ووجوب الخروج ـ الثورة ـ على الظلمة ، واستحقاق الاِمامة بالفضل والطلب لا بالوراثة مع القول بتفضيل علي كرم اللّه وجهه وأولويته بالاِمامة وقصرها من بعده في البطنين الحسن والحسين (2)
    1 ـ نشوان الحميري : الحور العين : 155.
    2 ـ علي بن عبد الكريم الفضيل شرف الدين : الزيدية نظرية وتطبيق : 11 المطبوع عام 1405 هـ ط. عمان.


(458)
    ولايوجد اليوم في اليمن بين الزيدية من المفاهيم الكلامية المنسوبة إلى الفرق كالجارودية ، أو السليمانية ، أو البترية أو الصالحية ، إلاّ مفهوم واحد ، وهو المفهوم العام الذي تعرفت عليه وهو القول بإمامة زيد والخروج على وجه الظلمة واستمرار الاِمامة في بطن الحسنين ، وأنـّها بالطلب والفضل وأمّا أسماء تلك الفرق والعقائد المنسوب إليهم فلا توجد اليوم إلاّ في بطون الكتب والموَلّفات في الفرق الاِسلامية كالملل والنحل ونحوها.
    فإذا كانت الحال في اليمن كما ذكره الفضيل شرف الدين فالبحث عن هذه الفرق من ناحية إيجابياتها وسلبياتها ليس مهماً بعد ما أبادهم الدهر ، وإنّما اللازم دراسة المفهوم الجامع بين فرقهم ، نعم هناك أمرين هامين يجب التنبيه عليهما :

1 ـ في تسميتهم بالزيدية :
    إنّ موَرخي العقائد يسمّونهم بالزيدية شأنهم شأن سائر الفرق التابعة لاِمامها من غير فرق بين كونه إماماً في الاَُصول والعقائد كالشيخ الاَشعري ، أو إماماً في الفقه والاَحكام كالحنفي والشافعي ، فتصور لنا هذه التسمية (الزيدية) أنّ هذه الفرق تلقّت أُصولها وفروعها من إمامهم زيد الشهيد ، كما أخذت الاَشاعرة أُصولها من الشيخ الاَشعري ، والحنفية من إمامها أبي حنيفة.
    ولكن هذه التسمية بهذا المفاد خاطئة جداً ، لاَنّه لم تكن لزيد عقيدة خاصة في المسائل الكلامية حتى يكون أتباعه عيالاً له في هذا المجال ، كما أنّه لم يكن له كتاب فقهي استدلالي حتى يرجع المقلِّدون ، إليه في الفروع.
    نعم إنّ الثابت عن زيد الشهيد ، أنّه كان يقول بالتوحيد والعدل شأن كل علوي يقتفي أثر الاِمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ). فليس القول بهذين الاَصلين دليلاً على أنّهم اقتفوا زيداً في هذين الاَصلين.


(459)
    كما أنّ الثابت عنه في مجال الفقه يعود إلى المسند الذي تعرفت عليه ، وهو لا يتجاوز عن نقل أحاديث فقهية ، ولا يعلم منه مدى فقاهته واستطاعته في استخراج الفروع من الاَُصول ، وعلى فرض التسليم بذلك فالفقهاء المعروفون بالزيدية ابتداء من الاِمام أحمد بن عيسى ، إلى الاِمام القاسم الرسّـي ، إلى الاِمام يحيى الهادي ، إلى الناصر الاَطروش ، حتى تصل النوبة إلى الاِمام المجتهد يحيى بن حمزة والاِمام المهدي بن المرتضى موَلّف « البحر الزخار » إلى غيرهم من فقهاء كبار ، فهوَلاء لم يعلم من أحوالهم أنّهم اعتمدوا في فتاواهم على فتوى إمام مذهبهم زيد ، بل المعلوم خلافه ، فإنّ الفقه المعروف بالفقه الزيدي إنّما وصل إلى ما وصل من السعة نتيجة جهد هوَلاء الفقهاء الكبار ، فهذا الفقه عطاء بحوثهم الشخصية التي ليس لها صلة بزيد.
    ويوَيد ذلك : إنّ المذهب الزيدي يحرم التقليد على كل متمكن من أخذ الحكم من كتاب اللّه وسنة رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو غيرهما من الاَدلّة الشرعية ، ولايبيحه في الفروع إلاّ لغير المتمكن من الاجتهاد ، لقوله تعالى : « فَاسألُوا أهلَ الذِّكْرِ إنْ كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُون » (النحل ـ 43) (1).
    فإذا كان الاَمر كذلك فالعطاء الموجود في الفقه الزيدي وأُصوله يرجع إلى رجال المذهب الزيدي على اختلاف طبقاتهم ، وهم بين إمام في المذهب كالاِمام القاسم بن إبراهيم المتوفى عام 242 هـ وحفيده الاِمام الهادي يحيى بن الحسين المتوفى عام 298هـ والاِمام الناصر الاَطروش الحسن بن علي المتوفى عام 304هـ.
    1 ـ علي بن عبد الكريم الفضيل شرف الدين : الزيدية نظرية وتطبيق : 11.

(460)
إلى مخرّج للمذهب وهم الذين استخرجوا من كلام الاَئمة أو احتجاجاتهم أحكاماً لاتتعارض مع الكتاب والسنة ومن رجال هذه الطبقة :
    1 ـ العلاّمة محمد بن منصور المردي المتوفى حوالي عام 290هـ.
    2 ـ العلاّمة أبو العباس أحمد بن إبراهيم المتوفى سنة 353هـ.
    3 ـ العلاّمة أحمد بن الحسين بن هارون الحسني المتوفى عام 416هـ.
    4 ـ العلامـة أبو طالـب يحيى بـن الحسين بن هرون الحسني المتوفى سنة 424هـ.
    إلى محصّل ، وهم الذين اهتموا بتحصيل أقوال الاَئمة وما استخرج منها ، ونقلوها إلى تلامذتهم بطريق الرواية أو المناولة لموَلفاتهم ، منهم :
    العلاّمة القاضي زيد بن محمد الكلاوي الجيلي الملقب بحافظ أقوال العترة.
    وسيأتي تفصيل طبقات رجال المذهب الزيدي في خاتمة المطاف ضمن الاَمر الثامن (1).
    فإذا كان المذهب الزيدي قد نضج في هذه الاَعصار وتبلور في ظل جهود هوَلاء الفطاحل الاَعلام ، فهو عطاء علمائهم ومفكّريهم في الكتاب والسنّة وسائر القواعد الاجتهادية ، ولا يمت إلى إمامهم زيد بصلة.
    فعلى ذلك ، فإنّ هوَلاء في فقههم قبل كونهم زيديين ، رسّيون ، انتساباً إلى الاِمام الاَوّل القاسم بن إبراهيم ، وهادويون انتساباً إلى الاِمام الثاني يحيى بن الحسين ، أو ناصريّون انتساباً إلى الاِمام الناصر الاَطروش الحسن بن علي.
    وممن يدعم تلك الفكرة عالم اليمن الحالي السيد مجد الدين الموَيدي في تقديمه على كتاب « الزيدية نظرية وتطبيق » يقول : فأمّا المذهب الفقهي المعروف المتداول بين أهل الفقه في اليمن فليس المراد به المذهب الزيدي كما يتوهم ولا مذهب جملة أهل البيت ، بل المراد به في الاَصل كما نص عليه الاَعلام المحقّقون قواعد وأُصول أخذوها من أقوال الاِمام القاسم بن إبراهيم وأولاده وحفيده الهادي
    1 ـ لاحظ ص 524.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد السابع ::: فهرس