بحوث في الملل والنحل ـ جلد السابع ::: 471 ـ 480
(471)
خلاف الحشوية.
    وأوضحه المحقّق في هامش الكتاب وقال مع عدم المنازع فيفوز بذلك أو بأن تحصل له البيعة من الاَكثرية مع وجود المنازع ، وكل ذلك بعد سبق ترشيحه من ذوي الحل والعقد لمعرفة حصوله على الشروط الموَهلة له.
    17 ـ معدن الاِمامة البطنان : الزيدية : على أنّ معدن الاِمامة البطنان ، للاِجماع على صحتهما ولا دليل على غيرهما ، وقالت الاِمامية : بل أولاد الحسين وقالت الاَشعرية بل قريش.
    18 ـ الاِمامان في زمان واحد : أكثر الزيدية لا يصلح إمامان في زمان فقالت الكرامية والزيدية : يصح ، لنا إجماع الصحابة بعد قول الاَنصار : منّا أمير ومنكم أمير وإذا عقد لاِثنين في وقت واحد بطلا ويستأنف كنكاح وليّين.
    19 ـ ومن اعتبر العقد : كفى بيعه واحد برضا أربعة من أهل الحل والعقد وقال أبو القاسم البلخي : يكفي واحد وإن لم يرض غيره ، لنا لم يعقد عمر و أبو عبيدة لاَبي بكر إلاّ برضا سالم وبشير وأُسيد وبايع عبد الرحمن عثمان ، برضا الباقين (1).
    20 ـ الاِمام بعد الرسول عليّ ، ثم الحسن ثم الحسين ( عليهم السلام ) للاَخبار المشهورة.
    21 ـ القضاء في فدك صحيح خلافاً للاِمامية وبعض الزيدية. لنا : لو كان باطلاً لنقضه علي ولو كان ظلماً لاَنكره بنو هاشم والمسلمون. (2).
    22 ـ خطأ المتقدمـين على علـيّ في الخلافة قطعي ، لمخالفتهم ، ولا يقطع
    1 ـ أُنظر كيف يستدل بفعل من ترك وصية الرسول حسب اعترافه على مسألة أُصولية.
    2 ـ ولعله لم يبلغه قول علي ( عليه السلام ) في فدك : « نعم قد كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء ، فشحّت عليها نفوس قوم ، وسخت عليها نفوس قوم آخرين ونعم الحكم اللّه » كما تبلغه خطبة الصديقة الطاهرة حول فدك التي كان بنو هاشم يحفظونها ويعلّمونها أولادهم.


(472)
لفسقهم إذ لم يفعلوه تمرداً بل لشبهة فلا تمنع الترضية عليهم لتقدم القطع بإيمانهم فلا يبطل بالشك فيه.
    23 ـ خطأ طلحة والزبير وعائشة قطعي لبغيهم على إمام الحقّ.
    24 ـ توبة الناكثين : الاَكثر أنّه قد صحت توبتهم ، وقالت الاِمامية وبعض الزيدية : لا.
    25 ـ الاَكثر أنّ معاوية فاسق لبغيه ، لم تثبت توبته فيجب التبرّي منه.
    26 ـ يجب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر : بالقول والسيف مع اجتماع الشروط قالت الحشوية : لا وقالت الاِمامية : بشرط وجود الاِمام لنا : « وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمّة » (آل عمران ـ 104) « فَقاتِلُوا الَّتي تَبْغِي » (الحجرات ـ 10).
    هذه روَوس عقائد الزيدية استخرجناها من كتاب القلائد في تصحيح الاعتقاد ، المطبوع في مقدمة البحر الزخار ص 52 ـ 96 والموَلف ممن يشار إليه بين علماء الزيدية ، وهو موَلف البحر الزخار ، ومن أحد أئمة الفقه والاجتهاد في القرن التاسع.

النص بالجلي أو الخفي على إمامة علي ( عليه السلام ) :
    إنّ كتب تاريخ العقائد طفحت بهذا العنوان ، فمثلاً نقلوا بأنّ الجارودية ذهبت إلى أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نصّ على إمامة عليّ بالوصف دون النص (1) ومعنى هذا أنّ النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد بيّن الملامح العامة للاِمام ، وكان علي ( عليه السلام ) هو المصداق الوحيد لهذه الملامح.
    1 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 67 ، البغدادي : الفرق بين الفرق : 30.

(473)
وقال النوبختي عن الجارودية : إنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نصّ على عليّ ( عليه السلام ) بالوصف دون التسمية ، والناس مقصرون إذا لم يتعرفوا الوصف ولم يطلبوا الموصوف (1).
    وربما يعبرون بأنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نصّّ على ولاية الاِمام نصاً خفياً غير جلي.
    هذه الكلمات ونظائرها توجد ، في التعبير عن المذهب الجارودي في مقام الاِمامة.
    وأمّا السليمانية أو الجريرية فأظهروا المرونة أكثر من الجارودية ، فقد قالوا : إنّ الاِمامة شورى وأنّها تنعقد بعقد رجلين من خيار الاَُمّة ، وأجازوا إجازة المفضول وأثبتوا إمامة أبي بكر وعمر ، وزعموا أنّ الاَُمّة تركت الاَصل في البيعة لها ، لاَنّ علياً كان أولى بالاِمامة منهما ، إلاّ أنّ الخطأ في بيعتهما لم يوجب كفراً ولافسقاً (2).
    والذي أظن ـ وظنّ الاَلمعي صـواب ـ أنّ النظرتين قد صدرتا تقية وصيانة لوجودهم بين أهل السنّة. ومع أنّ الزيدية يرفضون التقية كما سيوافيك ، ولكنّهم عملوا بها حيث لا يشاوَون ، فإنّهم قد عاشروا أهل السنّة في بيئة واحدة ومجتمع واحد تربطهم أحكام واحدة ، حيث رأوا أنّ التعبير عن واقع المذهب أي وجود النصّ على الاسم وإن شئت قلت : وجود النصّ الصريح يستلزم تفسيق الصحابة ، وهذا لا يتلائم وطبيعة حياتهم ، فلذلك جعلوا من هذا التعبير واجهة لعقيدتهم الواقعية فجمعوا ـ حسب زعمهم ـ بين العقيدة والهدف في الحياة. كيف وأئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) عن بكرة أبيهم يرون النصّ على خلافة علي ( عليه السلام ) وهذا المميز لشيعة أئمة أهل البيت عن غيرهم. والذي يميز الشيعة عن غيرهم من الفرق هو هذا العنصر فقط ، وما سوى ذلك عقائد كلامية مستخرجة
    1 ـ النوبختي : فرق الشيعة : 74.
    2 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 68 ، البغدادي : الفرق بين الفرق : 32.


(474)
من الكتاب والسنّة.
    فإن كان ما ذكرناه مقبولاً لدى القارىَ وإلاّ فإنّ هذا النوع من التفكير تطرّق إلى المذهب الزيدي في العصور السابقة عن طريق معاشرتهم مع معتزلة بغداد ، الذين قالوا بأفضلية الاِمام علي ( عليه السلام ) وجواز تقديم المفضول على الفاضل.وقد مرّ تحقيق القول في ترجمة حمزة بن عبد اللّه فلاحظ.


(475)
العقد الثمين في معرفة ربّ العالمين
تأليف الاَمير الحسين بن بدر الدين محمد
(582 ـ 662)
    بعد أن أخرجت عقائد الزيدية من كتاب البحر الزخار ، وقفت على رسالة مختصرة باسم العقد الثمين في معرفة ربّ العالمين لموَلّفه العلامة الاَمير الحسين بن بدر الدين محمد المطبوع باليمن ، نشرته دار التراث اليمني صنعاء ، و مكتبة التراث الاِسلامي بصعده وهي من أوائل الكتب الدراسية في حقل أُصول الدين والموَلّف من أجلّ علماء الزيدية ، وأكثرهم تأليفاً وتعد كتبه من أهم الاَُصول التي يعتمد عليها علماء الزيدية ويدرسونها كمناهج (1) وإليك نصها :
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه المختصّ بصفات الاِلهية والقدم ، المتعالي عن الحدوث والعدم ، الذي لم يسبقه وقت ولا زمان ، ولاتحويه جهة ولا مكان ، جلّ سبحانه. دلّ على ذاته بما ابتدعه من غرائب مصنوعاته ، وعجائب مخلوقاته ، حتى نطق صامتها بالاِقرار بربوبيته بغير مَذْوَد ، وبرز مجادلاً لكل من عطّل وألحد.
    وصلواته وسلامه على سيدنا محمد الذي هو بالمعجزات موَيد ، وفي المرسلين مرَجّب ومسوّد ، وعلى آله الغرّ الهداة ، والولاة على جميع الولاة ، وعلى
    1 ـ إقرأ ترجمته في : تاريخ اليمن الفكري : 3/289 و 308 ، والاعلام : 2/255 ، التحف شرح الرلف : 178.

(476)
صحابته المكرّمين الموَيدين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
    أما بعد :
التوحيد
[الدلالة على أن اللّه تعالى خالق العالم]
أيّها الطالب للرشاد ، والهارب بنفسه عن هُوّة الاِلحاد.
    فإذا قيل لك : من ربك؟
    فقل : ربي اللّه.
    فإن قيل لك : بم عرفت ذلك؟
    فقل : لاَنّه خلقني ، ومن خلق شيئاً فهو ربّه.
    فإن قيل لك : بمَ عرفت أنّه خلقك؟
    قل : لاَنّي لم أكن شيئاً ثم صرتُ شيئاً ، ولم أكن قادراً ثم صرت قادراً ، و [كنت] صغيراً ثم صرت كبيراً ، ولم أكن عاقلاً ثم صرت عاقلاً ، وشاهدت الاَشياء تحدث بعد أن لم تكن؛ فرأيت الولد يخرج ولا يعلم شيئاً ، ثم يصير رضيعاً ، ثم طفلاً ، ثم غُلاماً ، ثم بالغاً ، ثم شاباً ، ثم كهلاً ، ثم شيخاً. ثم رأيت نحو ذلك من هبوب الرياح بعد أن لم تكن ، وسكونها بعد هبوبها ، وطلوع الكواكب بعد أُفولها ، وأفولها بعد طلوعها ، وظهور السحاب وزواله ، وكذلك المطر والنبات والثمار المختلفات. وكل ذلك دلائل الحدوث.
    وإذا كانت محدَثة فلا بد لها من محدِث ، لاَنّها قد اشتركت في الجسميّة ، ثم افترقت هيئاتها وصورها؛ فننظر سماءً ، وأرضاً ، وثماراً ، وأشجاراً ، وآباراً ، وبحوراً ، وأنهاراً ، وإناثاً ، وذكوراً ، وأحياءً ، وأمواتاً ، وجمعاً ، وأشتاتاً.


(477)
وكذلك ننظر إلى الاَعراض الضروريات المعلومات ، فإنّها اشتركت في كونها أعراضاً ، ثم افترقت وانقسمت بين شهوةٍ ونفرةٍ ، وحياةٍ وقدرةٍ ، ويبوسةٍ ورطوبة ، وطُعومٍ مكروهة ومحبوبة ، وروائح شتى ، وحرّ وبرد ، ووجاء وفناء ، وألوان متضادّة على المحل ، وموت يقطع الرزق والاَمل.
    فنعرف أنّه لابد من مخالف خالف بينها ، وأحدث ماشاهدنا حدوثه منها ، وأنّه غيرٌ لها ، لاَنّها لاتُحدِث نفسها ، إذ الشيء لايُحدثُ نفسه ، لاَنّه يُوَدّي إلى أن يكون قَبلَ نفسه ، وغيراً لها ، وكذلك لاتصوّر أنفسها ، ولاتخالف بين هيئتها ، ولايقع ذلك بشيء مما يقوله الجاهلون ، من طبع أو مادّة ، أو فلك ، أو نجم ، أو علّة ، أو عقل ، أو روح ، أو نفس ، أو غير ذلك مما يقولونه؛ لاَنّ ذلك إن كان من قبيل الموجبات لم تخلُ : أن تكون موجودة ، أو معدومة. والموجودة لا تخل : أن تكون قديمة ، أو محدثة. ولايجوز ثبوت ذلك لعلّة قديمة ولامعدومة ، لاَنّه لو كان كما زعموا لكان يلزم وجود العالم بما فيه في الاَزل ، واستغناوَه عن تلك العلل.
    ولا يجوز أن يكون ثبوت ذلك لعلّة محدثة ، لاَنّها لاتخلو : إمّا أن تكون مماثلة لما تقدم [منها] ، أو مخالفة [له] ، إن كانت مماثلة وجب أن يكون معلولها متماثلاً ، وفي علمنا باختلاف ذلك العالم دلالة على بطلان القول بأنّه عن علة مماثلة أو علل متماثلات.
    ولا يجوز أن يكون لعلة مخالفة ، ولا علل مخالفة ، لاَنّها حينئذ تكون قد شاركت العالم في الاختلاف؛ الذي لاَجله احتاج إليها ، فيدور الكلام إلى ما لا يعقل ولا ينحصر من العلل.
    فيجب الاقتصار على المحقّق المعلوم ، والقضاء بأنّ الذي أحدثها وصوّرها ، وخالف بينها هو الفاعل المختار ، وهو الحيّ القيوم.


(478)
فصل [في أنّ اللّه تعالى قادر]
    فإن قيل : ربّك قادر ، أم غير قادر؟
    فقل : بل هو قادر؛ لاَنّه أوجد هذه الاَفعال التي هي العالم ، والفعل لا يصح إلاّ من قادر.
    أوجده تعالى لا بمماسّة ، ولا بآلة : « إنَّما أَمْرُهُ إِذَا أَرادَ شَيْئاً أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون » [يس : 82].
    فصل [في أنّ اللّه تعالى عالم]
    فإنّ قيل : أربك عالم ، أم غير عالم؟
    فقل : بل هو عالم ، وبرهان ذلك ما نشاهده فيما خلقه من بدائع الحكمة ، وغرائب الصنعة؛ فإنّ فيها من الاِحكام والترتيب ، ما يعجز عن وصفه اللبيب ، [وكل ذلك لا يصح إلاّ من عالم ، كما أنّ الكتابة المحكمة لا تصح إلاّ من عالم بها ، وهو تعالى لا يختص بمعلوم دون معلوم ، فيجب أن يعلم جميع المعلومات ، على كل الوجوه التي يصح أن تعلم عليها.
    وهو سبحانه يعلم ما أجنّه الليل ، وأضاء عليه النهار ، ويعلم عدد قطر الاَمطار ، ومثاقيل البحار ، ويعلم السرّ ـ وهو ما بين اثنين ـ وما هو أخفى ـ وهو ما لم يخرج من بين شفتين ـ « مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إلاّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أكْثَرَ إلاّ هُوَ مَعَهُمْ » [المجادلة : 7] بعلمه لايلاصقهم ، وهو شاخص عنهم ولايفارقهم].


(479)
فصل [في أنّ اللّه تعالى حي]
    فإن قيل : أربك حيّ ، أم لا ؟
    فقل : بل حيٌّ ، لاَنّه تعالى لو لم يكن حيّاً لم يكن قادراً ، ولا عالماً ، لاَن الميّت والجماد لا يفعلان فعلاً ، ولايحدثان صنعاً.
    فصل [في أنّ اللّه تعالى قديم]
    فإن قيل : أربّك قديم ، أم غير قديم؟
    فقل : هو موجود لا أوّل لِوجوده؛ لاَنّه لو كان لوجوده أوّلٌ لكان محدَثاً ، ولو كان محدثاً لاحتاج إلى محدِث ، إلى ما لا يتناهى ، وذلك محالٌ ، فهو قديم ، قادر ، حيٌّ ، عليم ، لم يزل ولا يزال ، ولايخرج عن ذلك في حال من الاَحوال ، لاَنّه لو لم يكن كذلك لم يكن له بدٌّ من فاعل فعله ، وجاعلٍ ـ على صفات الكمال ـ جعله ، أو يكون لعلّة ، وقد ثبت أنّه تعالى قديم؛ فلايصح القول بشيء من ذلك.
    فصل [في أنّ اللّه تعالى سميع بصير]
    فإن قيل : أربك سميع بصير؟
    فقل : أجل لاَنّه حيٌّ كما تقدم ، ولايعتريه شيء من الآفات ، لاَنّ الآفات لاتجوز إلاّ على الاَجسام ، وهو تعالى ليس بجسم ، لاَنّ الاَجسام محدَثة كما تقدم ، وهو تعالى قديم أيضاً.


(480)
فصل [في أنّ اللّه تعالى لايشبه الاَشياء]
    فإن قيل : أربّك مشبه الاَشياء؟
    فقل : ربّي لايشبه الاَشياء؛ لاَنّ الاَشياء سواه : جوهرٌ ، وعرَضٌ ، وجسم. ولايجوز أن يكون جوهراً ، ولا عرضاً؛ لاَنّهما غير حيّين ولاقادرين ، وهو تعالى حيّ قادر ، ولاَنّهما محدَثان وهو قديم ولا يجوز أن يكون جسماً ، لاَنّا قد بيّنا أنّه خالق الاَجسام ، والشيء لايخلق مثله ، ولاَنّ الجسم موَلّف مصنوع ، يفترق ويجتمع ، ويسكن ويتحرّك ، ويكون في الجهات ، وتسبقه الاَوقات ، وكل ذلك شواهد الحدوث ، وقد ثبت أنّه تعالى قديم ، فلا يجوز أن يكون محدَثاً بل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
    وإذا لم يكن جوهراً ولاجسماً ولاعرضاً لم يوصف بالكيف ، ولا الاَين ، ولا الحيث ، ولا البين ، ولا الوجه ، ولا الجنب ، ولا اليدين ، لم يقطعه بعد ، ولم يسبقه قبل ، ولم يجزّئه بعضٌ ، ولا جمعه كلٌّ ، ليس في الاَرض ولا في السماء ، ولا حلّ في متحيّز أصلاً ، ولا حدّه فوقٌ ولاتحت ، ولايمين ، ولا شمال ، ولا خلفٌ ، ولا أمام ، ولا يجوز عليه المجيء ولا الذهاب ، ولا الهبوط ولا الصعود.
    كان قبل خلق العالم ولا مكان ، ويكون بعد فناء العالم ولا مكان ، وهو خالق المكان مستغن عن المكان ، وخالق الزمان فلم يتقدمه زمان ، ليس بنور ولا ظلام ، لاَنّ جميع ما ذكر فان في القدم.
    ولاَجل ذلك نقول : إنّه لا يجوز أن يقال : هو طويل ، ولا قصير ، ولا عريض ولا عميق ، ولا شويه ولامليح ، ولا أن يقال : هو يسترّ أو يغتمّ ، أو يظنّ أو يهتمّ ، أو يعزمُ ، أو يوَلّم ، أو يلتذّ أو يشتهي ، أو ينفرُ ، لاَنّ ذلك كلّه شواهد الوجود بعد العدم ، ومنافٍ لما هو عليه من صفات الكمال والعظمة والجلال.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد السابع ::: فهرس