كتاب بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: 21 ـ 30
(21)
الفصل الثاني
الاِسماعيلية
في
معاجم الملل والنحل


(22)

(23)
إنّ للاِسماعيلية ذكراً في كتب الملل والنحل لا يتجاوز عن ذكر تاريخ إمامهم الاَوّل ، إسماعيل بن جعفر الصادق ، وشيء يسير عن عقيدتهم فيه ، دون تبيين عقائدهم وأُصولهم التي يعتقدون بها ، والاَحكام والفروع التي يصدرون عنها ، وكلّ أخذ عن الآخر ، وربما زاد شيئاً ، لا يُسمن ولا يغني من جوع ، وإليك نصوصهم :

    1 ـ قال النوبختي : فلمّا توفي أبو عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السّلام) افترقت شيعته بعده إلى ست فرق ـ إلى أن قال : ـ وفرقة زعمت أنّ الاِمام بعد جعفر بن محمد ، ابنه إسماعيل بن جعفر ، وأنكرت موت إسماعيل في حياة أبيه ، وقالوا كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس ، لاَنّه خاف فغيّبه عنهم ، وزعموا أنّ إسماعيل لا يموت حتى يملك الاَرض ، ويقوم بأمر الناس ، وأنّه هو القائم ، لاَنّ أباه أشار إليه بالاِمامة بعده ، وقلّدهم ذلك له ، وأخبرهم أنّه صاحبه؛ والاِمام لا يقول إلاّ الحقّ ، فلما ظهر موته علمنا انّه قد صدَق ، وانّه القائم ، وانّه لم يمت ، وهذه الفرقة هي « الاِسماعيلية » الخالصة. وأُمّ إسماعيل وعبد اللّه ابني جعفر بن محمد (عليه السّلام) فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) و أُمّها أُمُّ حبيب بنت عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، وأُمّها أسماء بنت عقيل بن أبي طالب (عليهم السّلام).
    وفرقة ثالثة زعمت أنّ الاِمام بعد جعفر بن محمد ، محمد بن إسماعيل بن جعفر ، وأُمّه أُمّ ولد ، وقالوا : إنّ الاَمر كان لاِسماعيل في حياة أبيه فلمّا توفي قبل أبيه جعل جعفر بن محمد الاَمرَ لمحمد بن إسماعيل ، وكان الحقّ له ، ولا يجوز غير ذلك لاَنّها لا تنتقل من أخ إلى أخ بعد الحسن والحسين عليمها السّلام ، ولا تكون


(24)
إلاّ في الاَعقاب ، ولم يكن لاَخوي إسماعيل عبد اللّه وموسى في الاِمامة حق ، كما لم يكن لمحمد بن الحنفية حقّمع علي بن الحسين؛ وأصحاب هذا القول يسمّون « المباركية » برئيس لهم كان يسمى (المبارك) مولى إسماعيل بن جعفر. (1)

    2 ـ قال الاَشعري : والصنف السابع عشر من الرافضة يزعمون أنّ جعفر بن محمد مات وأنّ الاِمام بعد جعفر ، ابنه (إسماعيل) ، وأنكروا أن يكون إسماعيل ماتَ في حياة أبيه ، وقالوا : لا يموت حتى يملك ، لاَنّ أباه قدكان يخبر أنّه وصيّه والاِمام بعده.
    والصنف الثامن عشر من الرافضة وهم « القرامطة » يزعمون أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نص على علي بن أبي طالب ، وأنّعلياً نصّعلى إمامة ابنه (الحسن) ، وانّالحسنَ ابن علي نصَّ على إمامة أخيه الحسين بن علي ، وأنّالحسين بن علي نصّعلى إمامة ابنه علي بن الحسين ، وأنّ علي بن الحسين نصّعلى إمامة ابنه محمد بن علي ، ونصَّ محمد بن علي ، على إمامة ابنه جعفر ، ونصّجعفر على إمامة ابن ابنه « محمد بن إسماعيل » ، وزعموا أنّ « محمد بن إسماعيل » حيّ إلى اليوم لم يمت ولا يموت حتى يملك الاَرض ، وأنّه هو المهدي الذي تقدمت البشارة به ، واحتجوا في ذلك بأخبار رووها عن أسلافهم ، يخبرون فيها أنّ سابع الاَئمّة قائمهم.
    والصنف التاسع عشر من الرافضة يسوقون الاِمامة من علي بن أبي طالب على سبيل ما حكينا عن « القرامطة » حتى ينتهوا (بها) إلى جعفر بن محمد ، ويزعمون أنّجعفر بن محمد جعلها لاِسماعيل ابنه ، دون سائر ولده ، فلما مات إسماعيل في حياة أبيه صارت في ابنه محمد بن إسماعيل ، وهذا الصنف يُدعون ، « المباركية » نُسِبوا إلى رئيس لهم يقال له (المبارك) وزعموا أنّمحمد بن إسماعيل
    1 ـ النوبختي : فرق الشيعة : 66 ـ 69 ، ولكلام النوبختي صلة سيوافيك عند التعرض لجذور المذهب الاِسماعيلي.

(25)
قد مات ، وأنّها في ولده من بعده. (1)

    3 ـ وقال البغدادي : الاِسماعيلية وهوَلاء ساقوا الاِمامة إلى جعفر ، وزعموا أنّ الاِمام بعده ابنه إسماعيل ، وافترق هوَلاء فرقتين :
    فرقة : منتظرة لاِسماعيل بن جعفر؛ مع اتّفاق أصحاب التواريخ على موت إسماعيل في حياة أبيه.
    وفرقة قالت : كان الاِمام بعد جعفر ، سبطه محمد بن إسماعيل بن جعفر ، حيث إنّ جعفراً نصب ابنه إسماعيل للاِمامة بعده ، فلما مات إسماعيل في حياة أبيه ، علمنا أنّه إنّما نصبَ ابنه إسماعيل للدلالة على إمامة ابنه محمد بن إسماعيل. (2)

    4 ـ وقال الاسفرائيني : وهم يزعمون أنّ الاِمامة صارت من جعفر إلى ابنه إسماعيل ، وكذّبهم في هذه المقالة جميعُ أهل التواريخ ، لِما صح عندهم من موت إسماعيل قبل أبيه جعفر؛ وقوم من هذه الطائفة يقولون بإمامة محمد بن إسماعيل. وهذا مذهب الاِسماعيلية من الباطنية. (3)

    5 ـ وقال الشهرستاني : الاِسماعيلية الواقفية قالوا : إنّ الاِمام بعد جعفر إسماعيل ، نصّاً عليه باتّفاق من أولاده ، إلاّ أنّهم اختلفوا في موته في حال حياة أبيه. فمنهم من قال : لم يمت ، إلاّ أنّه أظهر موته تقية من خلفاء بني العباس ، وعقد محضراً وأشهد عليه عامل المنصور بالمدينة.
    ومنهم من قال : الموت صحيح ، والنصّ لا يَرجعُ قهقرى ، والفائدة في النص بقاء الاِمامة في أولاد المنصوص عليه دون غيره. فالاِمام بعد إسماعيل ، محمد بن إسماعيل؛ وهوَلاء يقال لهم « المباركيّة ». ثمّ منهم من وقف على محمد بن
    1 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 22 ـ 27 ، ولكلام الاَشعري صلة سيوافيك بيانها في محلّه.
    2 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 62.
    3 ـ الاسفراييني : التبصير : 38.


(26)
إسماعيل وقال برجعته بعد غيبته.
    و منهم من ساق الاِمامة في المستورين منهم ، ثمّ في الظاهرين القائمين من بعدهم ، وهم « الباطنية ».
    وسنذكر مذاهبهم على الانفراد. وإنّما مذهب هذه الفرقة الوقف على إسماعيل بن جعفر ، ومحمد بن إسماعيل. والاِسماعيلية المشهورة في الفرق منهم هم « الباطنية التعليمية » الذين لهم مقالة مفردة. (1)

    6 ـ وقال المفيد : ولما مات إسماعيلرحمه الله انصرف القول عن إمامته من كان يظن ذلك ، فيعتقده من أصحاب أبيه ، وأقام على حياته شرذمة لم تكن من خاصة أبيه ، ولا من الرواة عنه ، وكانوا من الاَباعد والاَطراف.
    فلما مات الصادق (عليه السّلام) انتقل فريق منهم إلى القولِ بإمامة موسى بن جعفر عليمها السّلام ، وافترق الباقون فريقين ، فريق منهم رجعوا عن حياة إسماعيل ، وقالوا : بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل ، لظنهم أنّ الاِمامة كانت في أبيه ، وأنّ الابن أحقّ بمقام الاِمامة من الاَخ.
    وفريق ثبتوا على حياة إسماعيل ، وهم اليوم شُذّاذ لا يعرف منهم أحد يومى إليه ، وهذان الفريقان يسميان بالاِسماعيلية ، والمعروف منهم الآن مَنْ يزعم أنّ الاِمامة بعد إسماعيل في ولده وولد ولده إلى آخر الزمان. (2)
    7 ـ وقال صاحب الاَعيان : الاِسماعيلية هم القائلون بإمامة إسماعيل هذا ، ويدل كلام المفيد (الماضي) على أنّ هذا القول كان موجوداً من عصر الصادق (عليه السّلام) ، وأنّ شِرذمة اعتقدوا حياته ، أو بعد موت أبيه بقى بعضهم على القول بحياة إسماعيل ، وبعضهم قال : بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل ، ولقب الاِسماعيلية يعم الفريقين ، وأنّ الموجود منهم في عصر المفيد من يزعم أنّ الاِمامة بعد إسماعيل
    1 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 1/167 ـ 168.
    2 ـ المفيد : الاِرشاد : 285.


(27)
في ولده وولد ولده إلى آخر الزمان.
    و يقال الاِسماعيلية « السبعية » أيضاً باعتبار مخالفتهم للاثني عشرية في الاِمام السابع. وفرقة من الاِسماعيلية تدعى الباطنية وكان لها ذكر مستفيض في التاريخ وصارت لها قوة ، وشدّة ، ووقائع عدّة مع الملوك والاَُمراء ، كما فصلته كتب التاريخ.
    وفي أنساب السمعاني : « الفرقة الاِسماعيلية جماعة من الباطنية ينتسبون إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، لانتساب زعيمهم المغربي إلى محمد بن إسماعيل. وفي كتاب الشجرة انّه لم يعقب (انتهى).
    و « الاِسماعيلية » اليوم فرقتان : إحداهما :
الآغاخانية
    يسوقون الاِمامة في ذرية إسماعيل ، ويعدّون فيهم جملة من خلفاء مصر ، حتى ينتهوا إلى محمد شاه (الآغاخان الثالث) الموجود اليوم في بمبيَ ، ويبعثون إليه بخمس أموالهم ، ومنهم الذين بسلْمية من بلاد حَماة.
والفرقة الثانية : البُهْرَة
    بضم الباء وسكون الهاء وفتح الراء ، لفظ هندي ، معناه الجدّ والعمل ، وهم يسوقون الاِمامة في ولد إسماعيل ، حتى ينتهوا إلى شخص يقولون : إنّه المهدي المنتظر ، وإنّه غائب. (1)
    1 ـ الاَولى أن يقال : هم يسوقون الاِمامة بعد المستنصر ، إلى المستعلي ، فالآمر بأحكام اللّه ، فالحافظ لدين اللّه ، فالظافر لدين اللّه ، فالظاهر بأمر اللّه ، فالفائز ، فالعاضد ، عند ذلك دخلت الدعوة المستعلية في كهف الاستتار بل دخلت بعد وفاة الآمر بأحكام اللّه ، وهوَلاء الاَئمة الاَربعة كانت دعاة ، لاَنّ الاَمر بأحكام اللّه مات بلا عقب وربما يقال ولد له باسم الطيب ، و ثالثة بأنّ المولود كان أُنثى.

(28)
    أمّا الذي يطلقون عليه اسم سلطان البهرة فالظاهر أنّه من قبيل النائب عن الاِمام الغائب ، ويبلغ عدد البهرة في الهند واليمن وغيرها نحو أربعمائة ألف ، وهم أهل جدّ وكسب ، ولا يوجد بينهم فقير ، والفقير منهم يُوجِدون له عملاً من تجارة أو غيرها يكتفي به ، ولهم ملاجىَ وتكايا عامة في البلاد التي يقصدونها للحج والزيارة ، في مكّة ، والمدينة ، والنجف ، وكربلاء ، وغيرها.وهي مبانٍ تامة المرافق يَنزلونها ولا يحتاجون إلى النزول في فندق أو خلافه ، وهم متمسكون بشرائع الدين. وكان خلفاء مصر الفاطميون على مذهب الاِسماعيلية ، القائلين بانتقال الاِمامة من الصادق (عليه السّلام) إلى ولده إسماعيل ، ثمّ في أولاده ، وكانوا يقيمون شعائر الاِسلام ، ويحافظون على أحكامه ، وما كان يذمهم أو بعضهم بعض الموَرّخين إلاّ للعداوة المذهبية ، ولا يمكن التصديق بما ينسبه بعض الموَرّخين إلى بعضهم ، بعد تأصّل العداوة المذهبية في النفوس ، كما أنّ جماعة من أهل هذا العصر يخلطون بين الفريقين جهلاً أو تجاهلاً. (1)
    هذه الاَقوال والآراء فيهم ، توقفنا على أنّالقومَ لم يكن لهم موقف واحد تجاه سوق الاِمامة بعد وفاة الاِمام الصادق (عليه السّلام).
    فمنهم من أنكر الواضحات ، وقال : بأنّ إسماعيل لم يمت ، وإنّه القائم ، وهذه هي الاِسماعيلية الخالصة. (2)
    وأمّا اشهاد الاِمام على موته فلم يكن إلاّ إظهاراً لموته تقيةً من خلفاء بني العباس ، وأنّه عقد محضراً ، وأشهدَعليه عامل المنصور بالمدينة. (3)
    وهذه الطائفة لا تسوق الاِمامة بعد إسماعيل إلى غيره ، وإنّما تنتظر خروج
    1 ـ السيد الاَمين : أعيان الشيعة : 3/316.
    2 ـ النوبختي : فرق الشيعة : 60.
    3 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 1/167.


(29)
قائمهم.
    ومنهم من قال : إنّ موته صحيح ، وإنّ الاِمام الصادق لَمّا نصّ على إمامته ، والنص لا يرجع قهقرى ، ففائدة النص بقاء الاِمامة في أولاد المنصوص عليه دون غيرهم ، فالاِمام بعد إسماعيل ، محمد بن إسماعيل ، ثمّ إنّ هذه الطائفة على رأيين :
    فمنهم : من وقف على محمد بن إسماعيل ، وقال : برجعته بعد غيبته؛ وهوَلاء القرامطة.
    ومنهم : من ساق الاِمامة في المستورين منهم ، ثمّ في الظاهرين القائمين من بعدهم.
    وقد سبقت الاِشارة إلى نص الشيخ المفيد ، و أنّه لا يعرف من الواقفين على إسماعيل ، أو ابنه محمد المنتظرين لرجعته أحداً؛ والمعروف هو سوق الاِمامة في ولد إسماعيل إلى آخر الزمان.
    و سيوافيك الكلام في الاَئمة المستورين والظاهرين إن شاء اللّه.
    هذا ما وقفنا عليه في معاجم الملل والنحل وهو ـ كما ترى ـ لا يغني الباحث ، فليس فيها شيء من أُصولهم وعقائدهم ، ولا من فروعهم ، وثوراتهم ، ودولهم ، وحضارتهم ، وكتبهم وآثارهم العلمية.
    والمهم في المقام هو دراسة جذور المذهب وانّه كيف نشأ وهذا ما سنبحث عنه في الفصل القادم إن شاء اللّه.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: فهرس