كتاب بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: 31 ـ 40
(31)
الفصل الثالث
الحركات الباطنية
في
عصر الاِمام الصادق (عليه السّلام)


(32)

(33)
من المشاكل التي واجهت أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) هي الحركات الباطنية التي تزعّمها الموالي والعناصر المستسلمة ، المندسَّة بين أصحاب أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) في عصر الصادقين عليمها السّلام.
    فقد سنحت الظروف للاِمام الباقر والصادقعليمها السّلام أن يوَسّسا جامعة إسلامية كبيرة دامت نصف قرن كان لها صدى كبير في العالم الاِسلامي ، فقاما بتربية نخبة من الفقهاء والمحدّثين والمفسّرين البارزين ، وحفظا بذلك السنّة النبوية من الاندثار بعدما كان التحدّث بها وكتابتها أمراً محظوراً أو مكروهاً إلى عهد الخليفة العباسي المنصور الدوانيقي.
    فأضحت تلك الجامعة شوكة في أعين خصومها ، فقامت ثلة من العناصر الدخيلة بالانخراط في صفوف أصحاب الاَئمّة بغية التخريب والتضليل ، وتشويه سمعة أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) أوّلاً ، وهدم كيان الاِسلام ثانياً. وقد شكَّلت تلك العناصر فيما بعد اللبنة الاَُولى للحركات الباطنية التي جرّت الويلات على الاِسلام والمسلمين ، فاتخذ الاِمام الصادق (عليه السّلام) موقفاً حازماً أمامها تجنباً لاَخطارها ، فأعلن للملاَ الاِسلامي براءته من تلك الفئات المنحرفة عن الدين والاِسلام وتكفيرها وانّ عاقبتها النار.
    و من جملة الذين أبدعوا الحركات الباطنية وأغروا جماعة من شيعة أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) هو محمد بن مقلاص المعروف بأبي الخطاب الاَسدي ، وزملاوَه ، نظير : المغيرة بن سعيد ، وبشار الشعيري وغيرهم ، فقد تبرّأ منهم الاِمام (عليه السّلام) على روَوس الاَشهاد. ونركز البحث هنا على رئيس الفرقة الباطنية ، أعني : أبا زينب محمد بن مقلاص الاَسدي.


(34)
    ولعرض صورة صحيحة عن عقائد الخطابية ، نأتي بنصوص علماء الفريقين ليتبين من خلالها جذور الدعوة الاِسماعيلية ، وانّها ليست سوى استمراراً لتلك الحركة الباطنية التي تزعّمها أبو زينب :

1 ـ الكشي والخطابية
    إنّ الكشي أحد الرجاليين الذي عاش في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع ، ووضع كتابه في الرجال على أساس الروايات المروية عن أئمة أهل البيت في حقّ الرواة ، فقال ما هذا نصّه :
    1 ـ روى أبو أُسامة قال : قال رجل لاَبي عبد اللّه (عليه السّلام) : أُوَخر المغرب حتى تستبين النجوم؟ فقال : « خطابية؟! انّ جبرئيل أنزلها على رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين سقط القرص ».
    2 ـ كتب أبو عبد اللّه إلى أبي الخطاب : « بلغني أنّك تزعم أنّالزنا رجل ، وأنّ الخمر رجل ، وأنّ الصلاة رجل ، والصيام رجل ، والفواحش رجل ، وليس هو كما تقول ، أنا أصل الحقّ وفروع الحقّ طاعة اللّه ، وعدونا أصل الشر وفروعهم الفواحش ، وكيف يطاع من لا يعرف وكيف يعرف من لا يطاع؟ »
    3 ـ قيل للاِمام الصادق (عليه السّلام) روي عنكم أنّ الخمر والميسر والاَنصاب والاَزلام رجال ، فقال : « ما كان اللّه عزّ وجلّ ليخاطب خلقه بمالا يعلمون ».
    4 ـ روى أبو بصير قال : قال لي أبو عبد اللّه (عليه السّلام) : « يا أبا محمد : أبرأ ممّن يزعم انّا أرباب » قلت : برىَ اللّه منه ، فقال : « أبرأ ممّن زعم أنّا أنبياء » قلت : برىَ اللّه منه.
    5 ـ روى عبد الصمد بن بشير عن مصادف قال : ما لبّى القوم الذين لبّوا بالكوفة ـ أي قالوا : لبيك جعفر ، وهوَلاء هم الغلاة في هـ دخلت علي أبي عبد اللّه (عليه السّلام) فأخبرته بذلك ، فخرّ ساجداً ودق جوَجوَه بالاَرض وبكى ـ إلى أن قال : ـ فندمت على إخباري إيّاه ، فقلت : جعلت فداك وما عليك أنت من ذا ، فقال :


(35)
« إنّ عيسى لو سكت عمّا قالت النصارى فيه لكان حقاً على اللّه أن يصم سمعه ويعمي بصره ، ولو سكت عمّا قال فيّ أبو الخطاب لكان حقاً على اللّه أن يصم سمعي ويعمي بصري ».
    6 ـ روى علي بن حسان عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد اللّه ، قال : ذكر عنده جعفر بن واقد ونفر من أصحاب أبي الخطاب فقيل انّه صار إلى ببروذ ، وقال فيهم وهو الذي في السماء إله وفي الاَرض إله قال هو الاِمام ، فقال أبو عبد اللّه (عليه السّلام) : « لا واللّه لا يأويني وإياه سقف بيت أبداً ، هم شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ، واللّه ما صغر عظمة اللّه تصغيرهم شيئاً قط ، وانّ عزيراً جال في صدره ما قالت اليهود فمحا اللّه اسمه من النبوة ».
    7 ـ روى الحسن الوشاء عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : « من قال بأنّنا أنبياء اللّه ، فعليه لعنة اللّه ».
    8 ـ روى ابن مسكان عمّن حدّثه عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : سمعته يقول : « لعن اللّه من قال فينا مالا نقوله في أنفسنا ، ولعن اللّه من أزالنا عن العبودية للّه الذي خلقنا وإليه مآبنا ومعادنا ».
    9 ـ عن حنان بن سدير ، عن أبيه قال : قلت لاَبي عبد اللّه : إنّ قوماً يزعمون انّكم آلهة يتلون علينا بذلك قرآناً : يا أيّها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إنّي بما تعملون عليم ، قال : « يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هوَلاء براء ، برىَ اللّه منهم ورسوله ما هوَلاء على ديني ودين آبائي ». (1)
    فلما نهض أبو الخطاب بدعوته الفاسدة ، ووصلت إلى مسامع عامل الخليفة دعا عيسى بن موسى للقضاء عليها واجتثاث جذورها.
    1 ـ الروايات مأخوذة من رجال الكشي : 246 ـ 260 ، موَسسة الاَعلمي ، بيروت. ولاحظ الوسائل ، الجزء 3 الباب 18 من أبواب المواقيت ، فقد جاءت فيه روايات تذم عمل أبي الخطاب وتحذر الشيعة من اتباعه.

(36)
    10 ـ كان سالم من أصحاب أبي الخطاب ، وكان في المسجد يوم بعث عيسى ابن موسى بن علي بن عبد اللّه بن العباس ـ وكان عامل المنصور على الكوفة ـ إلى أبي الخطاب لمّا بلغه انّهم أظهروا الاِباحات ، ودعوا الناس إلى نبوة أبي الخطاب ، وانّهم يجتمعون في المسجد ولزموا الاَساطين يرون الناس انّهم قد لزموها للعبادة ، وبعث إليهم رجلاً فقتلهم جميعاً لم يفلت منهم إلاّ رجل واحد أصابته جراحات فسقط بين القتلى يعدّ فيهم ، فلمّا جنّه الليل خرج من بينهم فتخلص ، وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمال الملقب بأبي خديجة. (1)
    هذه نصوص عشرة توقفك على جلية الحال ، وانّ الحركة الباطنية أُسست بيد الخطابية ، وسيظهر انّ أتباع أبي زينب تحولوا فيما بعد إلى جانب محمد بن إسماعيل ووجدوه مرتعاً خصباً ، عندها تألّق نجم ابن إسماعيل بعد انتمائهم له.
    هذه الروايات التي رواها الكشي تعرب عن وجود القول بالاِلوهية والمقامات الغيبية للاَئمّة حتى انّ الحلول في الاَئمّة كان من نتاج أفكار أبي زينب وأصحابه في أواسط القرن الثاني ، حتّى طردهم الاِمام الصادق ولعنهم وتبرّأ منهم ، ونهى أصحابه عن مخالطتهم.

2 ـ الاَشعري والخطابية
    وليس الكشي ممّن انفرد في نقل تلك العقائد ، فقد نسبها إليهم الاَشعري أيضاً في « مقالات الاِسلاميين » وذكر ما هذا نصه :
    الخطابية على خمس فرق : كلّهم يزعمون انّ الاَئمة أنبياء محدَّثون ، ورسل اللّه وحججه على خلقه لا يزال منهم رسولان : واحد ناطق والآخر صامت ، فالناطق محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، والصامت علي بن أبي طالب ، فهم في الاَرض اليوم طاعتهم مفترضة على جميع الخلق ، يعلمون ما كان ، و ما هو كائن ، وزعموا أنّ أبا الخطاب
    1 ـ رجال الكشي : 301.وقد اقتصرنا من الكثير بالقليل ، ومن أراد التفصيل فليرجع إليه.

(37)
نبي ، وانّ أُولئك الرسل فرضوا عليهم طاعة أبي الخطاب ، وقالوا : الاَئمة آلهة ، وقالوا في أنفسهم مثل ذلك ، وقالوا : ولد الحسين أبناء اللّه وأحباوَه ، ثمّ قالوا ذلك في أنفسهم ، وتأوّلوا قول اللّه تعالى : « فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدينَ » (1) قالوا : فهو آدم ونحن ولده ، وعبدوا أبا الخطاب وزعموا أنّه إله ، وزعموا أنّ جعفر بن محمد إلههم أيضاً إلاّ أنّ أبا الخطاب أعظم منه ، وأعظم من عليّ ، وخرج أبو الخطاب على أبي جعفر فقتله عيسى بن موسى في سبخة الكوفة ، وهم يتديّنون بشهادة الزور لموافقيهم.
    والفرقة الثانية من « الخطابية » : وهي الفرقة السابعة من الغالية يزعمون أنّ الاِمام بعد أبي الخطاب رجل يقال له « معمر » وعبدوه كما عبدوا أبا الخطاب ، وزعموا أنّ الدنيا لا تفنى ، وانّ الجنّة ما يصيب الناس من الخير والنعمة والعافية ، وانّ النار ما يصيب الناس من خلاف ذلك ، وقالوا بالتناسخ ، وانّهم لا يموتون ، ولكن يرفعون بأبدانهم إلى الملكوت ، وتوضع للناس أجساد شبه أجسادهم ، واستحلوا الخمر والزنا واستحلوا سائر المحرمات ، ودانوا بترك الصلاة ، وهم يُسمّون « المعمرية » ويقال انّهم يسمّون « العمومية ».
    والفرقة الثالثة من « الخطابية » : وهي الثامنة من الغالية يقال لهم « البزيغية » أصحاب « بزيغ بن موسى » يزعمون أنّ جعفر بن محمد هو اللّه ، وأنّه ليس بالذي يرون ، وأنّه تشبّه للناس بهذه الصورة ، وزعموا أنّ كلّ ما يحدث في قلوبهم وحي ، وأنّ كلّ موَمن يوحى إليه وتأوّلوا في ذلك قوله تعالى : « وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّبِإِذْنِ اللّهِ » (2) أي بوحي من اللّه ، وقوله : « وَ أَوحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ » . (3) « إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحَوارِيّين » (4) وزعموا أنّ منهم من هو خير من جبريل وميكائيل
    1 ـ ص : 72.
    2 ـ آل عمران : 145.
    3 ـ النحل : 68.
    4 ـ المائدة : 111.


(38)
ومحمد ، وزعموا أنّه لا يموتُ منهم أحد ، وأنّ أحدهم إذا بلغت عبادَته رُفع إلى الملكوت ، وادّعوا معاينة أمواتهم ، وزعموا أنّهم يرونَهم بكرة وعشية.
    والفرقة الرابعة من « الخطابية » : وهي التاسعة من الغالية يقال لهم « العميرية » أصحاب « عمير بن بيان العجلي » وهذه الفرقة تكذِّب من قال منهم انّهم لا يموتون ، ويزعمون أنّهم يموتون ، ولا يزال خلف منهم في الاَرض أئمّة أنبياء ، وعبدوا جعفراً كما عبده « اليعمريون » ، وزعموا أنّه ربهم ، وقد كانوا ضربوا خيمة في كناسة الكوفة ، ثم اجتمعوا إلى عبادة جعفر ، فأخذ يزيد بن عمر ابن هبيرة ، « عمير بن البيان » فقتله في الكناسة ، وحبس بعضهم.
    والفرقة الخامسة من « الخطابية » : وهي العاشرة من الغالية يقال لهم « المفضلية » لاَنّ رئيسهم كان صيرفياً يقال له « المفضّل » يقولون بربوبية جعفر ، كما قال غيرهم من أصناف الخطابية ، وانتحلوا النبوة والرسالة وإنّما خالفوا في البراءة من « أبي الخطاب » لاَنّ جعفراً أظهر البراءة منه. (1)

3 ـ النوبختي والخطابية
    وقد ذكر النوبختي فرقهم ، وأضاف : إنّ الخطابية هم الذين خرجوا في حياة أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليمها السّلام فحاربوا عيسى بن موسى بن محمد بن عبد اللّه بن العباس ، وكان عاملاً على الكوفة ، فبلغه عنهم أنّهم أظهروا الاِباحات ، ودعوا إلى نبوة أبي الخطاب ، وأنّهم مجتمعون في مسجد الكوفة ، فبعث إليه فحاربوه وامتنعوا عليه ، وكانوا سبعين رجلاً ، فقتلهم جميعاً ، فلم يفلت منهم إلاّ رجل واحد أصابته جراحات فعدّ في القتلى ، فتخلّص ، وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمال الملقّب بأبي خديجة وكان يزعم أنّه مات فرجع ، فحاربوا عيسى محاربة شديدة بالحجارة والقصب والسكاكين ، لاَنّهم جعلوا القصب مكان الرماح.
    1 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 10 ـ 13.

(39)
    وقد كان أبو الخطاب قال لهم : قاتلوهم فإنّ قصبكم يعمل فيهم عمل الرماح والسيوف ، ورماحهم وسيوفهم وسلاحهم لا تضرّكم ولا تخلّ فيكم ، فقدّمهم عشرة عشرة للمحاربة ، فلمّا قتل منهم نحو ثلاثين رجلاً ، قالوا له : ما ترى ما يحل بنا من القوم وما نرى قصبنا يعمل فيهم ولا يُوَثر ، وقد عمل سلاحهم فينا وقُتل من ترى منهم ، فذكر لهم ما رواه العامة أنّه قال لهم : إن كان قد بدا للّه فيكم فما ذنبي ، وقال لهم ما رواه الشيعة : يا قوم قد بُليتم وامتحنتم وأُذن في قتلكم ، فقاتلوا على دينكم وأحسابكم ، ولا تعطوا بلدتكم ، فتذلّوا مع أنّكم لا تتخلصون من القتل فموتوا كراماً ، فقاتلوا حتى قُتلوا عن آخرهم ، وأُسر أبوالخطاب فأُتي به عيسى بن موسى فقتله في دار الرزق على شاطىَ الفرات ، وصلب مع جماعة منهم ، ثمّ أمر بإحراقه فأُحرقوا ، وبعث بروَوسهم إلى المنصور فصلبها على باب مدينة بغداد ثلاثة أيام ، ثمّ أُحرقت. (1)

4 ـ الطبري والحركات الباطنية
    يظهر ممّا رواه الطبري في تاريخه وابن الجوزي في منتظمه تفشّي هذا النوع من الاِلحاد عند غير الخطابية أيضاً ، وإليك نص ابن الجوزي في هذا المقام :
    خروج الراوندية ، وهم قوم من أهل خراسان كانوا على رأي أبي مسلم ، إلاّ أنّهم يقولون بتناسخ الاَرواح ، ويدّعون أنّ روح آدم (عليه السّلام) في عثمان بن نهيك ، وأنّ ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم هو أبو جعفر المنصور ، وأنّالهيثم بن معاوية جبرائيل.
    وهوَلاء طائفة من الباطنية يسمّون السبعية يقولون : الاَرضون سبع ، والسماوات سبع ، والاَُسبوع سبعة يدل على أنّ دور الاَئمّة يتم بسبعة. فعدوا : العباس ، ثمّ ابنه عبد اللّه ، ثمّابنه علي ، ثمّمحمد بن علي ، ثمّإبراهيم ، ثمّالسفاح ،
    1 ـ النوبختي : فرق الشيعة : 69 ـ 70.

(40)
ثمّالمنصور ، فقالوا : هو السابع. وكانوا يطوفون حول قصر المنصور ويقولون : هذا قصر ربنا.
    فأرسل المنصور ، فحبس منهم مائتين ـ وكانوا ستمائة ـ فغضب أصحابهم الباقون ودخلوا السجن ، فأخرجوهم وقصدوا نحو المنصور ، فتنادى الناس ، وغلقت أبواب المدينة ، وخرج المنصور ماشياً ولم يكن عنده دابة ، فمن ذلك الوقت ارتبط فرساً ، فسمى : فرس النوبة ، يكون معه في قصره ، فأتى بدابة فركبها وجاء معن بن زائدة فرمى بنفسه وقال : أُنشدك اللّه يا أمير الموَمنين إلاّ رجعت ، فإنّي أخاف عليك. فلم يقبل وخرج ، فاجتمع إليه الناس ، وجاء عثمان بن نهيك فكلّمهم ، فرموه بنشابة وكانت سبب هلاكه ، ثمّ حمل الناس عليهم فقتلوهم ، وكان ذلك في المدينة الهاشمية بالكوفة في سنة إحدى وأربعين. (1)

تحول الخطابية إلى الاِسماعيلية
    إنّ الخطابية بعد قتل زعيمهم توجهوا إلى محمد بن إسماعيل ، وقد كان بعض الضالين يوَم والده إسماعيل بن جعفر ، ولكن الاِمام الصادق (عليه السّلام) آيسه من إضلاله.
    روى الكشي عن حماد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد اللّه يقول للمفضل بن عمر الجعفي : « يا كافر ، يا مشرك مالك ولاِبني » ـ يعني : إسماعيل بن جعفر ـ وكان منقطعاً إليه يقول فيه مع الخطابية ، ثمّ رجع عنه. (2)
    والذي يدل على أنّ المذهب الاِسماعيلي نشأ وترعرع في أحضان الخطابية ، وإن لم يتبنى كل ما تبنّته الخطابية ، هي النصوص التاريخية التي سنتلوها عليك واحداً تلو الآخر :
    1 ـ ابن الجوزي : المنتظم : 8/29 ـ 30 ، تاريخ الطبري : 6/147 ـ 148.
    2 ـ الكشي : الرجال : 321 برقم 581 ، في ترجمة المفضل بن عمر.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: فهرس