كتاب بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: 41 ـ 50
(41)
    1 ـ قال النوبختي : ثمّخرج ـ بعد قتل أبي الخطاب ـ من قال بمقالته من أهل الكوفةو غيرهم إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر بعد قتل أبي الخطاب ، فقالوا بإمامته وأقاموا عليها.
    و صنوف الغالية افترقوا بعده على مقالات كثيرة ، إلى أن قال : فقالت فرقة منهم إنّ روح جعفر بن محمد جعلت في أبي الخطاب ، ثمّ تحوّلت بعد غيبة أبي الخطاب في محمد بن إسماعيل بن جعفر وتشعبت منهم فرقة من المباركية ممّن قال بهذه المقالة تسمّى القرامطة. (1)
    2 ـ إنّ تقسيم الاِمام إلى صامت وناطق من صميم عقائد الاِسماعيلية ، ونرى نفس ذلك التقسيم لدى الخطابية ، وقد مر تصريح الاَشعري بذلك حينما قال :
    منهم رسولان : واحد ناطق ، والآخر صامت؛ فالناطق محمد ، والصامت علي ابن أبي طالب. (2)
    و يذكر ذلك التقسيم أيضاً البغدادي عند ذكره للخطابية حيث قال :
    وأتباعه كانوا يقولون ينبغي أن يكون في كلّ وقت إمام ناطق وآخر ساكت ، والاَئمّة يكونون آلهة ، ويعرفون الغيب ، ويقولون انّ علياً في وقت النبي صامتاً ، وكان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ناطقاً ، ثمّ صار علي بعده ناطقاً. وهكذا يقولون في الاَئمة بعد أن انتهى الاَمر إلى جعفر ، وكان أبو الخطاب في وقته إماماً صامتاً وصار بعده ناطقاً. (3)
    3 ـ قال المقريزي : إنّ أتباع أبي الخطاب متفقون على أنّ الاَئمّة مثل علي وأولاده كلّهم أنبياء ، وإنّه لابدّ من رسولين لكلّ أُمّة أحدهما ناطق والآخر صامت ،
    1 ـ النوبختي : فرق الشيعة : 71.
    2 ـ مقالات الاِسلاميين : 10.
    3 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 247 ـ 248.


(42)
فكان محمد ناطقاً وعلي صامتاً ، وإنّ جعفر بن محمد الصادق (عليه السّلام) كان نبياً ، ثمّ انتقلت النبوة إلى أبي الخطاب. (1)
    4 ـ قد وقفت على ما نقلناه عن الكشي من أنّ الخطابية كانت توَوّل الآيات إلى مفاهيم غير مفهومة من ظواهر الآيات ، حتى أنّه أوّل الخمر والميسر والاَنصاب والاَزلام بأنّها رجال ، فلما بلغ التأويل إلى الاِمام الصادق (عليه السّلام) فقال رداً عليه : « ما كان اللّه عزّوجلّ ليخاطب خلقه بمالا يعلمون ». (2)
    ومن الواضح أنّ الاِسماعيلية وضعت لكلّ ظاهر باطناً ، واتخذت من التأويل ركناً أساسياً لها.
    كما وذكر الشهرستاني والمقريزي شيئاً من تأويلات الخطابية. (3)
    قال الشهرستاني : زعم أبو الخطاب أنّ الاَئمّة أنبياء ثمّ آلهة ، وقال بإلهية جعفر بن محمد وإلهية آبائه وهم أبناء اللّه وأحباوَه. وا لاِلهية نور في النبوة ، والنبوة نور في الاِمامة ، ولا يخلو العالم من هذه الآثار والاَنوار. وزعم أنّ جعفراً هو الاِله في زمانه ، وليس هو المحسوس الذي يرونه ، ولكن لما نزل إلى هذا العالم لبس تلك الصورة فرآه الناس فيها ، ولما وقف عيسى بن موسى صاحب المنصور على خبث دعوته ، قتله بسبخة الكوفة. (4)
    وقد عرفت أيضاً شيئاً من تأويلاتهم في كلام الكشي.
    و من خلال استعراض تلك النصوص نخرج بهذه النتيجة انّ حقيقة التطرّف المشاهد في المذهب الاِسماعيلي طرأت عليه من قبل أصحاب أبي الخطاب الذين استغلوا إمامة محمد بن إسماعيل لبث آرائهم.
    1 ـ المقريزي : الخطط : 2/352.
    2 ـ الكشي : ترجمة ابن الخطاب ، برقم 135.
    3 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 1/159؛ المقريزي : الخطط : 2/252.
    4 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 1/159؛ المقريزي : الخطط : 2/252.


(43)
    إنّ للمذهب الاِسماعيلي دعائم ثلاث :
    الاَوّل : التمسك بالتأويل ، والقول بأنّ لكلّ ظاهر باطناً.
    الثاني : أخذ الفلسفة اليونانية ، بأبعادها المختلفة في الاِلهيات والطبيعيات والفلكيات سناداً وعماداً للمذهب كما سيظهر.
    الثالث : الغلو في حقّ أئمّتهم وتزويدهم بصلاحيات واختصاصات واسعة لا دليل عليها من العقل ولا الشرع. (1)
    فخرجنا بهذه النتيجة : انّ الاِسماعيلية كانت فرقة واحدة ، فانشقت إلى : قرامطة ودروز ، وبهرة ، ونزارية وسيوافيك تفصيلها في الفصول الآتية.
    1 ـ تقدّم الكلام في ذلك تفصيلاً في الفصل الاَوّل.

(44)

(45)
الفصل الرابع
عبد اللّه بن ميمون القداح
إسماعيلي أو اثنا عشري ؟


(46)

(47)
إنّ عبد اللّه بن ميمون القدّاح (190 ـ 270 هـ) من أقطاب الدعوة الاِسماعيلية ، و سيوافيك نصوص الرجاليين في حقّه ، غير انّا نركز في هذا المقام على أنّ عبد اللّه بن ميمون الاِسماعيلي غير عبد اللّه بن ميمون الاثني عشري ، فهما شخصان ، لا شخص واحد ، فنقول :
    إنّ عبد اللّه بن ميمون القداح أحد رواة الشيعة ، المعروفين بالوثاقة ، وقد روى زهاء ستين رواية عن أئمة أهل البيت في مختلف الاَبواب الفقهية ، فتارة عن الصادق (عليه السّلام) مباشرة ، وأُخرى عن الباقر وعلي بن أبي طالب بالواسطة ، ولم نر في كتب الرجال الشيعية أي غموض في سيرته إلاّالشيء اليسير من اتهامه بالتزيّد.
    وأمّا أبوه فقد صحب أئمّة ثلاثة هم : زين العابدين علي بن الحسين عليمها السّلام و الاِمام الباقر محمد بن علي عليمها السّلام والاِمام الصادق جعفر بن محمد عليمها السّلام ، ولم يذكر له توثيق.
    هذا من جانب ومن جانب آخر يحدّثنا كتّاب المقالات انّ عبد اللّه بن ميمون القداح وأبوه قد انضما إلى الحركة الباطنية وتحرّكا في رقعة كبيرة من العالم الاِسلامي بين الكوفة والمغرب.
    كلُّ ذلك ممّا يجعل الباحث في حيرة من أمرهما ، ولكن الحقّ انّما ذكرته كتب الرجال عن شخصية عبد اللّه بن ميمون وأبيه تختلف ماهويَّة عمّا ذكره أصحاب المقالات له ولاَبيه ، وإنّما حصل الخلط للاشتراك في التسمية ، ولا يتجلّى ذلك بوضوح إلاّبعد الوقوف على نصوص كلّ منها.
    إنّ مقارنة النصوص لدليل واضح على تعدد المسمّيين ولنذكر نصوص الرجاليين من الشيعة أوّلاً.


(48)
عبد اللّه بن ميمون الاِمامي في كتب الرجال
    قال البرقي في فصل أصحاب الاِمام الصادق (عليه السّلام) : عبد اللّه بن ميمون القداح ، مولى بني مخزوم ، كان يبري القداح. (1)
    وقال الكشي : عبد اللّه بن ميمون القداح المكي ، قال حدثني حمدويه ، عن أيّوب بن نوح ، عن جعفر بن يحيى ، عن أبي خالد ، عن عبد اللّه بن ميمون ، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال : « يا ابن ميمون كم أنتم بمكة؟ » قلت : نحن أربعة ، قال : « أما إنّكم نور في ظلمات الاَرض ». (2)
    وقال النجاشي : عبد اللّه بن ميمون بن الاَسود القداح مولى بني مخزوم يبري القداح ، روى أبوه عن : أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليمها السّلام ، وروى هو عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) ، وكان ثقة. له كتب ، منها : كتاب « مبعث النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأخباره » ، وكتاب « صفة الجنة والنار » ثمّ ذكر سنده إلى كتبه. (3)
    وقال الشيخ الطوسي : عبد اللّه بن ميمون القداح له كتاب ، ثمّ ذكر سنده إلى كتابه. (4)
    وقال الشيخ أيضاً : عبد اللّه بن ميمون القداح المكي ، كان يبري القداح ، مولى بني مخزوم. (5)
    وذكر أباه في أصحاب علي بن الحسين عليمها السّلام (6) وذكره أيضاً في
    1 ـ رجال البرقي : 22 ، طبعة جامعة طهران.
    2 ـ الكشي : الرجال : برقم 124 ، وقد أتى بنفس النص تحت رقم 247.
    3 ـ النجاشي : الرجال : برقم555.
    4 ـ الطوسي : الفهرست : 129برقم 443.
    5 ـ الفهرست : أصحاب الاِمام الصادق ، باب العين برقم 40.
    6 ـ الرجال : أصحاب علي بن الحسين ، باب الميم ، برقم 10.


(49)
أصحاب الاِمام الباقر ، وقال : ميمون القداح مولى بني مخزوم مكي. (1)
    هذا ما في كتب الشيعة ، وأمّا الكتب الرجالية لاَهل السنة ، فقد ذكره ابن حجر في « تهذيب التهذيب » وقال : عبد اللّه بن ميمون بن داود القداح المخزومي ، مولاهم المكي.
    روى عن : جعفر بن محمد ، وإسماعيل بن أُميّة ، ويحيى بن الاَنصاري ، وعثمان بن الاَسود وغيرهم. (2)
    وقال في « تقريب التهذيب » : عبد اللّه بن ميمون بن داود القداح المخزومي ، المكي ، متروك من الثامنة. (3)
    و تتلخّص مواصفاته التي ذكرت في الكتب الرجالية بالاَُمور التالية :
    الاَوّل : اسمه ونسبه : وهو عبد اللّه بن ميمون بن الاَسود أو ابن داود.
    الثاني : الوطن : فهو مكي من بني مخزوم ، وقد عرفت عن الكشي انّأبا جعفر الباقر (عليه السّلام) قال له : يابن ميمون كم أنتم بمكة؟
    الثالث : الولاء : انّه مخزومي ولاءً كما قال النجاشي : مولى بني مخزوم.و مثله الشيخ في الفهرست.
    الرابع : العصر : فقد عاصر والده الاَئمّة الثلاثة : زين العابدين ، ومحمد الباقر ، وجعفر الصادق (عليهم السّلام).
    وأمّا الولد فقد عاصر الاِمامين : الباقر والصادق عليمها السّلام و روى عنهما ، كما في رواية الكشي انّأبا جعفر ، قال : « يابن ميمون كم أنتم بمكة؟ ».
    1 ـ المصدر السابق : أصحاب الاِمام الباقر ، باب الجيم ، برقم 13.
    2 ـ ابن حجر : تهذيب التهذيب : 6/49 ، وقد سمّى جدّه « داود » ، خلافاً للنجاشي حيث سمّاه « الاَسود ».
    3 ـ ابن حجر : تقريب التهذيب : 1/455 ، برقم 679.


(50)
    وما في رجال النجاشي من أنّه روى عن أبي عبد اللّه محمول على كثرة رواياته عن أبي عبد اللّه وقلّته عن أبي جعفر ، وإلاّ فقد عرفت نقل الكشي روايته عن أبي جعفر مباشرة إلاّ أن يقال بسقوط الواسطة عن قلم الكشي.
    وبما أنّالوالد صحب الاَئمة الثلاثة :
    1 ـ الاِمام زين العابدين (عليه السّلام) (م 94).
    2 ـ الاِمام الباقر (عليه السّلام) (م 114).
    3 ـ الاِمام الصادق (عليه السّلام) (م 148).
    و الولد صحب الاِمام الباقر والصادق عليمها السّلام فقط ، ولم يرو شيئاً عن الاِمام الكاظم (عليه السّلام) ، وطبيعة الحال تقتضي أنّالوالد توفي في حياة الاِمام الصادق (عليه السّلام) وتوفي الولد أواخر إمامته أو بعدها بقليل.
    و يوَيد ذلك : انّ أبا عبد اللّه البرقي والد صاحب المحاسن ، وأحمد بن محمد بن عيسى الاَشعري كلاهما (1) ممّن لقيا الرضا (عليه السّلام) مع أنّهما يرويان عن عبداللّه بن ميمون بواسطة جعفر بن محمد بن عبيد اللّه ، فيكون عبد اللّه ، متأخراً عن جعفر ومعاصراً لتلامذة الاِمام الصادق.
    الخامس : وجه التلقيب : فقدلقّب بـ « القداح » ، لاَنّه كان يبري القداح.

عبد اللّه بن ميمون الاِسماعيلي
    و إليك بيان ما يذكره أصحاب المقالات والموَرّخون حوله :
    1 ـ قال البغدادي في « الفرق بين الفرق » :
    قال أصحاب المقالات إنّ الذين أسّسوا دعوة الباطنية جماعة : منهم
    1 ـ لاحظ رجال النجاشي : برقم 555 ، وفهرست الشيخ ، أصحاب الاِمام الصادق ، باب العين ، برقم 40.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: فهرس