كتاب بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: 151 ـ 160
(151)
جناية التاريخ على الفاطميين
    إنّ لكلّ دول ةأجلاً مسمّى ، كما أنّ لطلوعها ونشوئها عللاً ، كذلك لزوالها وإبادتها أسباباً سنّة اللّه سبحانه الذي قد كتب على كلّأُمّة أمرَ زوالها وفنائها قال سبحانه : « كُلّ مَنْ عَلَيْها فانٍ * وَ يَبْقى وَجْهُ رَبّكَ ذُو الجَلالِ وَ الاِِكْرام » (1) وقال سبحانه : « ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلد أفَإن متّ فَهُمُ الْخاِلدُون » . (2)
    لا شكّ أنّكلَّ دولة يرأسها غيرُ معصوم لا تخلو من أخطاء وهفوات ، بل من جرائم وآثام ، وربّما تنتابها بين آونة وأُخرى حوادث وفتن ، تضعضع كيانها وتشرفها على الانهيار.
    ومع ذلك فالدولة الفاطميّة غير مستثناة عن هذا الخط السائد ، فقد كانت لديهم زلاّت وعثرات ومآثم وجرائم كسائر الدول.
    إلاّ أنّهم قاموا بأعمال ومشاريع كبيرة لا تقوم بها إلاّالدولة الموَمنة باللّه سبحانه وشريعته ، كالجامع الاَزهر ، ـ الذي ظل عبر الدهور يُنير الدرب لاَكثر من ألف سنة ـ ، كما أنّهم أنشأوا جوامع كبيرة ، ومدارس عظيمة مذكورة في تاريخهم ، وبذلك رفعوا الثقافة الاِسلامية إلى مرتبة عالية ، وتلك الاَعمال جعلت لهم في قلوب الناس مكانة عالية.
    وممّا يدلّ على أنّ حكمهم لم يكن حكماً استبدادياً ، ولم تكن سيرتهم على سفك الدماء ، أنّ البعضَ منهم تسلموا الخلافة وهم بين خمس سنين إلى عشر سنين ، فلوكانت حكومتهم حكومة ظالمة ومالكة للرقاب بالتعسف والظلم ، لانهار ملكهم منذ أوائل خلافتهم ، ولم يدم ثلاثة قرون ، وسط عدوّين شرسين ، الخلافة العباسيّة من جانب ، والافرنج من جانب آخر.
    غير أنّا نرى أنّ أكثر الموَرّخين يصوّرونهم كالفراعنة ، وأنّهم فراعنة الاَعصار
    1 ـ الرحمن : 26 ـ 27.
    2 ـ الاَنبياء : 34.


(152)
الاِسلامية ، كالقبطيين الذي كانوا فراعنة أعصارهم ، لا لم يكونوا بهذه المثابة ، كما لم يكونوا نزيهين عن الآثام ، خلطوا المحاسن بالمساوىَ ، شأن كلّ ملك يحكم ، وإن كانت محاسنهم أكثر من مساوئهم ، فأظن أنّ ما كتبته أقلام السير والتاريخ كلّها حدسيّات وتخمينات أخذوها من رماة القول على عواهنه ، فيجب على القارىَ دراسة سيرة الفاطميين من رأس وأخذها من معين صاف غير مشوب بالعداء.
    والذي يدل على ذلك أنّ الفقيه عمارة اليمني كتب إلى صلاح الدين قصيدة متضمنة شرح حاله وضرورته وسماها « شكاية المتظلم ونكاية المتألم » وهي بديعة ورثى أصحاب القصر عند زوال ملكهم ، بقصيدة لاميّة أجاد فيها. (1)
    وعلى كلّ تقدير ، فبعد وفاة الطيّب بن الآمر وخلافة الاَئمّة الاَربعة المتأخرة ، الحافظ ، الظافر ، الفائز ثمّ العاضد ، دخلت الدعوة المستعلية بالستر وتوقفت عن السير وراء الركب الاِمامي واتبعت نظام الدعاة مكان الاَئمّة.
    إلى هنا تم بيان أئمة المستعلية ، التي افترقت بعد المستنصر باللّه ، وصارت فرقة عظيمة معروفة بالبهرة ، ولهم اليوم في الهند نشاطات ، ومدارس ودعايات ، وهم يمسكون بكتبهم عن الغير ويبخلون بها.
    إنّ الاِسماعيلية المستعلية انقسمت سنة 999 هـ إلى فرقتين : داودية ، وسليمانية ، وذلك بعد وفاة الداعي المطلق ، داود بن عجب شاه ، انتخبت مستعلية كجرات داود بن قطب شاه خلفاً له ، ولكن اليمانيين عارضوا ذلك وانتخبوا داعياً آخراً ، يدعى سليمان بن الحسن ، ويقولون : إنّ داود قد أوصى له بموجب وثيقة ما تزال محفوظة.
    إنّ الداعي المطلق ، للفرقة الاِسماعيلية المستعلية الداودية اليوم ، هو طاهر سيف الدين ، ويقيم في بومباي ـ الهند ـ أمّا الداعي المطلق للفرقة المستعلية السليمانية ، فهو علي بن الحسين ، ويقيم في مقاطعة نجران بالحجاز. (2)
    1 ـ ابن خلكان : وفيات الاَعيان : 434.
    2 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 162.


(153)
الفصل الثامن
في
أئمة النزارية
الموَمنية والآغاخانية


(154)

(155)
قد عرفت أنّ الاِسماعيلية افترقت فرقتين ، بين مستعلية تأتم بعد المستنصر باللّه ، بأحمد المستعلي ، ثمّ الآمر بأحكام اللّه؛ ونزارية تقول : بإمامة نزار بن معد بعد المستنصر ، ولا تأتم بالمستعلي أبداً ، وقد تعرّفت على أئمّة المستعلية ، وهذا بيان لاَئمّة النزارية المشتركة بين الفرقتين « الموَمنية » و « الآغاخانية » ، فإنّ الفرقتين تتفقان على إمامة الاَئمة الخمسة التالية :
    1 ـ المصطفى باللّه نزار بن معد المستنصر.
    2 ـ الاِمام جلال الدين حسن بن أعلى محمد.
    3 ـ الاِمام علاء الدين بن الاِمام جلال الدين.
    4 ـ الاِمام ركن الدين خورشاه بن الاِمام علاء الدين.
    5 ـ الاِمام شمس الدين بن ركن الدين.
    وقد اتّفقت الفرقتان على إمامة الاَئمّة الخمسة في مسلسل أئمّتهما ، واختلفتا في غيرهم ، فإليك قائمة بأسماء أئمّة النزارية الموَمنية أوّلاً ، ثمّ قائمة بأسماء أئمّة النزارية « الآغاخانية » أو « القاسمية » ثانياً ، وترى أسماء الاَئمّة المتفق عليهم في كلتا القائمتين.


(156)
قائمة الاَئمّة النزارية الموَمنية :
    1 ـ نزار بن معد.
    2 ـ حسن بن نزار.
    3 ـ محمد بن الحسن.
    4 ـ حسن بن محمد « جلال الدين ».
    5 ـ محمد بن الحسن « علاء الدين ».
    6 ـ محمود بن محمد « ركن الدين ».
    7 ـ محمد بن محمود « شمس الدين ».
    8 ـ موَمن بن محمد.
    9 ـ محمد بن موَمن.
    10 ـ رضي الدين بن محمد.
    11 ـ طاهر بن رضي الدين.
    12 ـ رضي الدين الثاني بن طاهر.
    13 ـ طاهر بن رضي الدين الثاني.
    14 ـ حيدر بن طاهر.
    15 ـ صدر الدين بن حيدر.
    16 ـ معين الدين بن صدر الدين.
    17 ـ عطية اللّه بن معين الدين.
    18 ـ عزيز بن عطية اللّه.
    19 ـ معين الدين الثاني بن عزيز.
    20 ـ محمد بن معين الدين الثاني.
    21 ـ حيدر بن محمد.
    22 ـ محمد بن حيدر (الاَمير الباقر). (1)
    ولد هذا الاِمام الاَخير في أورنك آباد عام 1179 هـ ، لقبه محمد الباقر (وتوفي سنة 1210 هـ) ، كلّ ما عرف عنه حتى الآن ، هو أنّه آخر إمام من أسرة موَمن ، يحتفظ الاِسماعيليون في سوريا بفرمان مرسل منه ، من بلدة أورنك آباد بالهند ، إلى الاِسماعيليين في سوريا ، وفي عهده توقف الفرع الموَمني النزاري عن الركب الاِمام ـ ي ، ولم يبق بين فرق الاِسماعيليين سوى القاسمية ـ الآغاخانية ـ سائرة على المنهج دون توقف. (2)
    1 ـ الاِمامة في الاِسلام : 178.
    2 ـ الاِمامة في الاِسلام : 214.


(157)
قائمة الاَئمّة النزارية القاسمية ـ الآغاخانية :
    1 ـ نزار بن معد.
    2 ـ هادي.
    3 ـ مهتدي.
    4 ـ قاهر.
    5 ـ حسن على ذكره السلام.
    6 ـ أعلى محمد.
    7 ـ جلال الدين حسن.
    8 ـ علاء الدين محمد.
    9 ـ ركن الدين خورشاه.
    10 ـ شمس الدين محمد.
    11 ـ قاسم شاه.
    12 ـ اسلام شاه.
    13 ـ محمد بن اسلام.
    14 ـ المستنصر باللّه الثاني.
    15 ـ عبد السلام.
    16 ـ غريب ميرزا.
    17 ـ أبو الذر علي.
    18 ـ مراد ميرزا.
    19 ـ ذو الفقار علي.
    20 ـ نور الدين علي.
    21 ـ خليل اللّه علي.
    22 ـ نزار علي.
    23 ـ السيد علي.
    24 ـ حسن علي.
    25 ـ قاسم علي.
    26 ـ أبو الحسن علي.
    27 ـ خليل اللّه علي.
    28 ـ حسن علي.
    29 ـ علي شاه.
    30 ـ سلطان محمد شاه
    31 ـ كريم خان. (1)
    فعدد الاَئمّة عند النزارية الموَمنية بعد المستنصر يبلغ 22 إماماً ، وعند الآغاخانية يبلغ 31 إماماً.
    1 ـ الاِمامة في الاِسلام : 178.

(158)
    إنّ الاختلاف بدأ يدبُ بعد الاِمام نزار ابن المستنصر ، ففي الشجرة الموَمنية نرى إمامين بعد نزار ، هما : حسن ، ومحمد ، ثمّ حسن جلال الدين ، وفي الشجرة القاسميّة نرى خمسة أئمّة بعد نزار ، هم : هادي ، ومهتدي ، وقاهر ، وحسن على ذكره السلام ، وأعلى محمد ، ثم يأتي جلال الدين حسن ، هذا ويلاحظ أنّه بعد هذا الالتقاء عند حسن جلال الدين ، تعود الشجرتان إلى السير جنباً إلى جنب حتى محمد شمس الدّين ، فبعد وفاة هذا الاَخير ظهر اختلاف من نوع جديد ، فالمعلوم أنّه كان للاِمام محمد شمس الدين ثلاثة أولاد ، هم : موَمن شاه ، وقاسم شاه ، وكياشاه.
    فالموَمنيّة اعترفت بإمامة موَمن شاه ، وسارت وراءه ، ووراء ولده من بعده حتى آخرهم أمير محمد باقر سنة 1210 هـ ، والقاسميّة سارت وراء قاسم شاه ، وولده الذين هم أسرة آغاخان. (1)
    ثمّ إنّ بسط الكلام في ترجمة هوَلاء الاَئمّة يحوجنا إلى تأليف كتاب مفرد ، ولنقتصر على ترجمة الاَئمّة الذين حكموا قلعة آلموت من قلاع قزوين ، التي دمّرها هولاكو سنة 654 هـ . وكان آخر الاَئمّة في تلك القلاع الاِمام ركن الدين ، الذي ولد عام 625 هـ وأُسّر بيد جيوش التتر ، وقتل سنة 654 هـ عند ما كانت الجيوش التترية تعبر نهر جيحون لتسليم الاِمام والاَسرى إلى هولاكو.
    وأمّا الباقي فسنترك ذكر سيرتهم ، ومن أراد المزيد فليرجع إلى المصادر التالية :
    1 ـ الاِمامة في الاِسلام تأليف عارف تامر ، 2 ـ تاريخ الدعوة الاِسماعيلية لمصطفى غالب.
    1 ـ الاِمامة في الاِسلام : 171.

(159)
الاِمام الاَوّل
المصطفى باللّه
نزار بن معد المستنصر
(437 ـ 490 هـ)
    قد تعرفت على أنّالمستنصر عهد بالولاية لابنه نزار إلاّ أنّ الاَفضل رئيس الوزراء ، سعى لخلعه ، وبايع أخاه الاَصغر أحمد المستعلي ، وقد ذكرنا سبب هذا الخلاف ، فغادر الاِمام نزار القاهرة بصحبة عدّة من رجال دعوته ، ونزل الاسكندرية بدعوة من حاكمها ، فسار إليه الاَفضل على رأس جيش وحاصر الاسكندرية ، وعندما اشتدَّ الحصار عليها غادرها الاِمام نزار مع أهل بيته متخفّياً بزي التجار ، نحو « سجلماسة » حيث مكث عند عمّته هناك بضعة أشهر ، حتى عادت إليه الرسل التي أوفدها لاِبلاغ الحسن بن الصباح عن محل إقامته ، فسار إلى جبال الطالقان مع أهل بيته ومن بقي معه من دعاته وخدمه ، حيث استقر بقلعة « آلموت » بين رجال دعوته المخلصين ، وعمل مع الحسن بن الصباح على تأسيس الدولة النزارية ، وبعد أن تمّ له ذلك أصابه مرض شديدٌ استدعى على أثره دعاته ونص على إمامة ابنه (علي) وذلك سنة 490 هـ ، وتوفي في اليوم الثاني ودفن في قلعة الموت. (1)
    هذا ما يذكره ذلك الموَرخ ، ولكنَّ غيره من الموَرخين يذكرون شيئاً آخر ، وهو أنّالاَفضل لحق به ونشبت بينهم معارك ضارية انتهت بمقتل نزار ، وقد انتقم
    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 255.

(160)
النزاريون بمقتله فيما بعد بأن قتلوا الخليفة الفاطمي الآمر بن المستعلي ، ورئيس الوزراء الاَفضل نفسه. وعلى كلّتقدير فقد توفي عام 490 هـ إمّا في الاسكندرية مقتولاً ، أو في قلعة آلموت. (1)
    وتجدر الاِشارة إلى أنّ الحسن بن الصباح شيخ الجبل(428 ـ 518 هـ) هو الموَسس الواقعي للاِمامة النزارية ، ولولا بيعته لابن المستنصر لما كان للنزارية دولة.
    إنّ ابن الصباح قصد المستنصر باللّه في زياراته واجتمع به ، وخاطبه في إقامة الدعوة له فأجاب الدعوة له في بلاد العجم ، فعاد ودعا الناس إليه سراً ، ثمّ أظهرها وملك قلاع آلموت.
    يقول الجزري : وكان الحسن بن الصباح رجلاً شهماً ، كافياً ، عالماً بالهندسة ، والحساب ، والنجوم والسحر وغير ذلك؛ وكان رئيس الري إنسان يقال له أبو مسلم ، وهو صهر نظام الملك ، فاتهم الحسن بن الصباح بدخول جماعة من دعاة المصريين عليه ، فخافه ابن الصباح ، وكان نظام الملك يكرمه ، وقال له يوماً من طريق الفراسة : عن قريب يضل هذا الرجل ضعفاء العوام ، فلمّا هرب الحسن من أبي مسلم طلبه فلم يدركه ، فطاف البلاد ، ووصل إلى مصر ودخل على المستنصر صاحبها فأكرمه وأعطاه مالاً ، وأمره أن يدعو الناس إلى إمامته ، فقال له الحسن : فمن الاِمام بعدك؟ فأشار إلى ابنه نزار ، وعاد من مصر إلى موطنه ، فلمّا رأى قلعة آلموت واختبر أهل تلك النواحي ، أقام عندهم وطمع في إغوائهم ودعاهم في السر ، وأظهر الزهد ، ولبس المسح ، فتبعه أكثرهم ، والعلوي صاحب القلعة حسن الظن فيه ، يجلس إليه يتبرك به.
    فلمّا أحكم الحسن أمره ، دخل يوماً على العلوي بالقلعة ، فقال له ابن الصباح : اخرج من هذه القلعة ، فتبسم العلوي وظنّه يمزح ، فأمر ابن الصباح
    1 ـ وليعلم أنّنزار بن معد المذكور في المقام غير نزار بن معد العزيز باللّه الاِمام العاشر للاِسماعيلية.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: فهرس