المحسن السبط ::: 81 ـ 90
(81)
ولادة ( المحسن ) الوليد الثالث من أولاد علي الذكور على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وبهذا بدت غياهب الظُلمة من الظَلَمة ، وبدأت نسائج الأفاكين تلفّ حقائق الواقع المرير عن أنظار الأمة ، لتختفي معالم الجريمة ، ويلفّها الغموض ولا أقل من الشك في مأساة ولادة المحسن السبط ، هل هو مولود أم سقط؟
     وهذه هي الغاية في تلبيس إبليس من أصحاب التدليس ، لغرض التشويه والتمويه ، فوضعوا حديث الإكتناء بأبي حرب ، ولو لم يحصل لهم إلا الطعن في شخصية الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) طعناً لا هوادة فيه ، إذ طعنوه في دينه ، وطعنوه في سلوكه ، وطعنوه في فهمه وعلمه ، كل ذلك ما يوحي به حديثهم المزعوم ، والذي رواه الخصوم ، وتسرب إلى غيرهم ممّن أحسن ظناً بهم ، دون الالتفات إلى ما يقتضيه لو التفت إليه.
     ولا أود أن أستبق النتائج السيّئة لهذا التعتيم المتعمد ، بل علينا أن نقرأ عن ( المحسن ) شيئاً نستجلي به حقائق الأمور ، وأقولها بكل صراحة ومرارة ، إنّ هذا الوليد لئن ظلم عن عمد من أعداء أبيه وأمه ، فقد ظلم عن غير عمد من شيعة أبيه وأمه أيضاً ، حيث نجد مصادرهم المعنية بذكره تمر على ذكره مروراً عابراً ، ولم يخص ـ ولو بشيء يسير _ كما خص أخواه الحسن والحسين ( عليهما السلام ).
     ولا أعني بتآليف خاصة ، لأنّه لم ير نور الحياة الدنيا حتى يكون له دور فيها ، بل أسقط جنيناً ولما تكتمل مدة حمله.
     ولهذا فإنّي ليس عندي من جديد عنه سوى ما أسجله مما وصلت إليه يدي من مختلف المصادر السنيّة حول موته ، عسى أن أكون قد أديت بعض حقه في نصرته مظلوماً ضاع حقه في الحياة كما ضاع قبره بعد الممات ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.


(82)
جاء في معجم الطبراني الكبير (1) ما رواه عبد الله بن عمر قال : بينما أنا مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في ظل بالمدينة وهو يطلب علياً ( رضي الله عنه ) ، إذ انتهينا إلى حائط ، فنظرنا فيه ، فنظر إلى علي وهو نائم في الأرض وقد اغبرّ فقال : ( لا ألوم الناس يكنونك أبا تراب ) فلقد رأيت علياً تغيّر وجهه واشتد ذلك عليه فقال : ( ألا أرضيك يا علي؟ ) قال : بلى يا رسول الله قال : ( أنت أخي ووزيري تقضي ديني وتنجز موعدي وتبرئ ذمتي ، فمن أحبّك في حياة مني فقد قضى نحبه ، ومن أحبك في حياة منك بعدي ختم الله له بالأمن والإيمان ، ومن أحبك بعدي ولم يرك ختم الله له بالأمن والإيمان وآمنه يوم الفزع الأكبر ، ومن مات وهو يبغضك يا علي مات ميتتة جاهلية يحاسبه الله بما عمل في الإسلام ).
     أقول : لقد علّق السلفي محقق الكتاب فقال : قال في المجمع ( 9/ 121 ) وفيه من لم أعرفه ، قلت : ـ والقائل هو السلفي ـ يقصد عبد الله بن محمد الطهوي ، ومع هذا فيه ليث بن أبي سليم وعرفت حاله ، ومحمد بن يزيد أبو هشام الرفاعي وهو ضعيف.
     أقول : إنّ الخدش في اسناد هذا الحديث بضعف وجهالة بعض رجاله تهرباً مما جاء في آخر متنه مما ينطبق على السلفي وأضرابه ، مع أنّهم يقولون كما قال إمامهم وشيخ حديثهم الإمام أحمد بن حنبل : فهذه الرواية ذكرت ما يجري قبل وقوعه ، وقائلها النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى » (2).
     وقد صدّق الخبرُ الخَبر ، وجاءت الأخبار بحدوث ما جرى يوم الاسقاط ، وليس هو عند من رواه كان كشهاب برز فجأة من المجهول ، وتوهج ساعته في
1 ـ المعجم الكبير للطبراني 12 : 321.
2 ـ النجم : 3 ـ 5.


(83)
الظلام على غير انتظار وانتظام ، ثم ذاب وانتهى الأمر وضاع في غياهب الكون الفسيح ، لا ليس كذلك ، ولا ينبغي أن يتخيل بأنّه حدث بافتعال ، نتيجة تشنّج وانفعال ، لا وليس كذلك.
     ( فلا شيء في التاريخ يحدث على هذا النحو ، لأنّ التاريخ سياق متصل ، وإذا ظهرت أمامنا في سياقه فجوات ، فهذه الفجوات في الحقيقة حلقات ناقصة في علمنا بما جرى ويجري ) (1).
     والآن إلى الباب الثاني فيما يخص المحسن السبط ( عليه السلام ).
1 ـ محمد حسنين هيكل / حديث المبادرة : 45.

(84)

(85)
الباب الثاني
المحسن السبط مولود أم سقط؟
     وفيه ثلاثة فصول :
الفصل الأول :
فيمن ذكر المحسن ولم يذكر شيئاً عن ولادته ولا عن سقوطه.
الفصل الثاني :
فيمن ذكر المحسن السبط وانّه مات صغيراً.
الفصل الثالث :
فيمن ذكر المحسن السبط وانّه سقط.


(86)

(87)
    تمهيد :
     والبحث فيه عن المحسن السبط هل مولود أم سقط؟ وذلك من خلال ثلاثة فصول نستعرض فيها ما قاله المؤرخون والنسابون من أهل السنة خاصة.
     الفصل الأول : فيمن ذكر المحسن السبط ولم يذكر شيئاً عن ولادته ولا عن سقوطه.
     الفصل الثاني : فيمن ذكر المحسن السبط وانّه مات صغيراً.
     الفصل الثالث : فيمن ذكر المحسن السبط وأنّه سقطٌ.
     وفي خلال هذا الفصل قد نمرّ ببعض المصادر الشيعية ، لأنّها تسلّط الضوء على ما أبهم ذكره ، واستبهم ـ عن عمد ـ أمره.
     ولابد لنا من المرور بالمصادر التاريخية التي ذكرت المحسن كحقيقة ثابتة ، لها وجود خارجي وليس وجوداً ذهنياً أو خيالاً وهمياً.
     وليكن البحث في المصادر السنية المعتبرة لدى الباحثين ، لنرى من هم من أصحابها الذين ذكروا المحسن ، سواء ذكروه مولوداً ، أم قالوا عنه مات صغيراً ، أم قالوا عنه مات سقطاً (1).
1 ـ وتمادى الغي ببعضهم فقالوا : إنّ محسناً ولدته فاطمة في زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) سقطاً ، وقد أشار اليهم الحافظ ابن شهرآشوب السروي في مقدمة كتابه مناقب آل أبي طالب 1 : 5. بقوله : وجماعة من السفساف_ الرديّ _ حملهم العناد على أن قالوا : كان أبو بكر أشجع من علي ، وأن مرحباً قتله محمد بن مسلمة ، وأن ذا الثدية قتل بمصر ، وأن في أداء سورة براءة كان أبو بكر أميراً على علي ، وربما؛ قالوا : قرأها أنس بن مالك ، وأنّ محسناً ولدته فاطمة في زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) سقطاً ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنونني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم, وان صدقة النبي كانت بيد علي والعباس فمنعها علي عبّاساً فغلبه عليها ، ومن ركب الباطل زلت قدمه وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وما كانوا مستبصرين ، انتهى.
    ولعل مراد الحافظ بما أراد جعل موت المحسن سقطاً في أيام النبي ( صلى الله عليه وآله ) ما سيأتي تعقيباً على الفصل الأول.


(88)
ومن المجازفات الخطيرة إنكار وجوده بعد أن نجد ما يناهز المائة مصدر من المصادر تذكره ، ولا يختص الشيعة بذكره ، والإنكار ليس يغني المنكر شيئاً ، ولئن قال عمر أبو النصر : ( واختلف المؤرّخون في وجوده كما قدمنا ، وإن كان اليعقوبي والمسعودي وغيرهما يؤكدون وجوده ) (1) ، وقال أيضاً نحو ذلك وذكر المسعودي ، وأبا الفداء (2) ، فإنّا سنذكر المصادر التي نيّفت على المائة وليس بينها المسعودي واليعقوبي ، لئلاّ يقال أنّهما من الشيعة.
     ثم من الطبيعي أن نقرأ أولاً كتب الأنساب؛ لأنّها تعد من المصادر التاريخية التي يرجع إليها في مثل المقام ، ولأنّها تعنى بذكر الأعقاب ، غير أنّا نرى بعضها أهملت ذكر المحسن ، فلا نقف عندها طويلاً في الحساب ، فلعلّ بعضها إنّما لم تذكره سداً لباب السؤال والجواب ، فمتى ولد وكم عاش؟ وكيف انتهى أمره؟ وفي الجواب على ذلك يعني كشف ما لا يريدون البوح به ، إما تقية ، أو ستراً على بعض الرموز.
     ومهما كان السبب فلنا في المصادر التي ذكرته كفاية ، وأصحابها كلّهم من أعلام المؤرخين والنسابين ، وهم من أهل السنة ، وإنّما اخترناهم من بين سائر الفرق؛ لأنّهم أحرى بالقبول عند الخصم المنكر للمحسن ، وأبعد عن تطرق الريب فيما يروون مما فيه إدانة السلف ، وألزم للمعاند من الخلف ، على أنّ
1 ـ فاطمة بنت رسول الله محمد ( صلى الله عليه وآله ) : 44.
2 ـ المصدر نفسه : 93 ، في الهامش.


(89)
المصادر الشيعية هي أوثق نقلاً في المقام ، وأقوى حجة عند الخصام ، ولكن لا تقطع ألسنة المعاندين من السلفيين ، لذلك لا نذكر منها إلا ما ألقى ضوءاً على ما رواه الغير وفيه تعتيم وإبهام ، والآن إلى معرفة تلك المصادر ، والبحث في ثلاثة فصول :
     الفصل الأول : فيمن ذكرت المحسن فقط ، وطوت ذكر شيء عن موته.
     الفصل الثاني : فيمن ذكرته ، وفيها أنّه مات صغيراً.
     الفصل الثالث : فيمن ذكرته وقال أصحابها : مات سقطاً.
     وهؤلاء أقوى جناناً وأفصح بياناً ، ومع ذلك فلا يخلو بعضهم من تأثير الرواسب الموروثة عليه ، كما سنقرأ ماذا قال أصحاب المصادر في الغابر والحاضر ، وحسبنا في المقام أن نسوق للقارئ شاهداً على ذلك ما قاله بعض الكتاب المصريين ممّن زعم له نسباً كما جاء لقبا ، وهو علي جلال الحسيني ، فقد قال في كتابه ( الحسين ( عليه السلام ) ) (1) :
     قال محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : إنّ أقوال الناس اختلفت في عدد أولاد علي ( عليه السلام ) ، فمنهم من أكثر فعدّ السقط ، ومنهم من أسقطه ولم ير أن يحتسب به ، فجاء قول كل واحد بمقتضى ما اعتمده في ذلك ....
     ( ثم ذكر الأولاد نقلاً عن صفوة الصفوة وغيره من تآليف الأئمة المعتبرين ... ).
     ثم قال : وذكر قوم آخرون زيادة على ذلك ، وذكروا فيهم محسناً شقيقاً للحسن والحسين كان سقطاً ، وروى نور الدين علي بن محمد بن الصباغ في الفصول المهمة مثل ذلك وقال : وذكروا أنّ فيهم محسناً شقيقاً للحسن والحسين ، ذكرته الشيعة وأنّه كان سقطاً.
1 ـ مقتل الحسين وما يتعلق به ونساؤه وأولاده : 115 ـ 117 ، في كلامه في ( أخوة الحسين ).

(90)
ثم قال علي جلال في الكتاب الثاني ( محسّن ) : قال الزرقاني في شرح المواهب ، والصبان في إسعاف الراغبين : مُحَسِّنْ _ بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين مشددة ـ وقد روينا في أوّل هذا الكتاب انّه لما وُلد سماه جدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) محسّناً وهو الصحيح ، وقال بعضهم : إنّه كان سقطاً ، قال الصبان في اسعاف الراغبين (1) : محسن أدرج سقطاً.
     وقال أحمد بن محمد القسطلاني في المواهب اللدنية (2) : مات محسّن صغيراً ، وكذلك قال ابن الأثير في اُسد الغابة (3) : توفى المحسّن صغيراً ، أخرجه أبو موسى.
     وقال السيد محمود الآلوسي في شرح القصيدة العينية (4) عند ذكر أولاد فاطمة ( رضي الله عنها ) : ومن الناس من يذكر من أولادها الذكور محسّناً ، وقد مات صغير جداً ، وزعم الشيعة أنّه كان سقطاً لقصة يكذبونها مما لا أصل له.
     وقال المفيد في الارشاد (5) : وفي الشيعة من ذكر أنّ فاطمة صلوات الله عليها أسقطت بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذكراً ، كان سماه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو حمل محسناً.
     وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (6) : من الأمور الشنيعة المستهجنة التي ذكرها الشيعة أنّ عمر أضغط فاطمة ( عليها السلام ) بين الباب والجدار ، فصاحت يا أبتاه يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وألقت جنينها ميتاً.
     ثم قال علي جلال الحسيني المصري تعقيباً على جميع ما مرّ :
1 ـ اسعاف الراغبين : 63.
2 ـ المواهب اللدنية 1 : 258.
3 ـ اُسد الغابة 4 : 308.
4 ـ شرح القصيدة العينية : 71.
5 ـ الارشاد للمفيد 1 : 190.
6 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 135.
المحسن السبط ::: فهرس