المحسن السبط ::: 481 ـ 490
(481)
قسم قسمه أبو بكر للنساء ، فقالت : أتراشوني عن ديني؟ فقالوا : لا ، فقالت : أتخافون أن أدع ما أنا عليه؟ فقالوا : لا ، فقالت : والله لا آخذ منه شيئاً أبداً ، فرجع زيد إلى أبي بكر فأخبره بما قالت ، فقال أبو بكر : ونحن لانأخذ مما أعطيناها شيئاً أبداً ( ابن سعد وابن جرير ).
     أقول : وهذا الخبر صريح في استعمال الرشوة لتثبت أمر الحكم ، فمن قول أبي بكر : نحن الأمراء وأنتم الوزراء ، وهذا الأمر بيننا وبينكم نصفين كقدّ الأبلمة ، ومن أمر القسمة بين الناس حتى النساء ، ورفض العجوز النجارية أن تقبل ما جاء به زيد بن ثابت إليها من قسمها ، وقولها : أتراشوني عن ديني ، يبدوا أمر اعطاء الرشى كان من جملة وسائل تثبيت الحكم.
     وهذا ما نقرؤه في صنع أبي بكر مع معاذ بن جبل وأبي سفيان ممن ترك لهم ما في أيديهم من مال المسلمين.
     أما خبر معاذ وقد بعثه النبي ( صلى الله عليه وآله ) على طائفة من اليمن أميراً ليجبره ، فمكث معاذ باليمن أميراً ، وكان أول من اتجر في مال الله هو ، ومكث حتى أصاب وحتى قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما قدم قال عمر لأبي بكر : أرسل إلى هذا الرجل فدع له ما يعيشه وخذ سائره ، فقال أبو بكر : إنّما بعثه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليجبره ، ولست بآخذ منه شيئاً إلا أن يعطيني.
     فانطلق عمر إلى معاذ إذ لم يطعه أبو بكر ، فذكر ذلك عمر لمعاذ ، فقال : انّما أرسلني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليجبرني ولست بفاعل ، ثم لقي معاذ عمر فقال : قد أطعتك وأنا فاعل ما أمرتني به ، إنّي رأيت في المنام أنّي في حومة ماء قد خشيت الغرق فخلصتني منه يا عمر ، فأتى معاذ أبا بكر فذكر ذلك له ، وحلف له أنه لم يكتمه شيئاً حتى بيّن له سوطه ، فقال أبو بكر : والله لا آخذه منك قد وهبته لك ... (1).
1 ـ أخرجه المتقي الهندي في كنز العمّال 5 : 342 ـ 343 ، نقلاً عن عبد الرزاق وابن راهويه.

(482)
     ثم ولاّه الشام وبقى إلى عهد عمر ، ونحيل القارئ الى كتاب ( علي إمام البررة ) (1) لمعرفة المزيد من حال معاذ أيام حكومة أبي بكر وعمر ، ومدى ما وصلت إليه مكانته عندهما حتى تمنّى عمر عند موته لو كان حياً لاستخلفه ، مع علمه بأنه من الأنصار ، وكان تمنّيه في غير موقعه بعد أن احتج هو وصاحبه أنّ الأمر في قريش ، وأنّ العرب لا ترضى أن تولي من غير قريش عليها.
     وكذلك كان أمر أبي بكر مع أبي سفيان الذي كان أرسله النبي ( صلى الله عليه وآله ) جابياً للصدقات ، ولما عاد بعد موت النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسمع بتولي أبي بكر الخلافة قال : إنّي لأرى عجاجة لا يطفئها إلا الدم ، قال : فكلم عمر أبا بكر فقال : إنّ أبا سفيان قد قدم ، وإنّا لا نأمن شرّه ، فدفع له ما في يده فتركه فرضي (2).
     النص الخامس (3) : عن عروة أن أبا بكر خطب يوماً فجاء الحسن فصعد إليه المنبر فقال : إنزل عن منبر أبي ، فقال علي : إنّ هذا شيء من غير ملأ منّا ( ابن سعد ).
     النص السادس (4) : عن عبد الرحمن بن الأصبهاني قال : جاء الحسن بن علي إلى أبي بكر وهو على منبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : انزل عن مجلس أبي ، قال : صدقت إنّه مجلس أبيك ، وأجلسه في حجره وبكى ، فقال علي : والله ما هذا عن أمري ، فقال : صدقت والله ما اتهمتك ( أبو نعيم والجابري في جزئه ).
     أقول : وهذا الخبر وإن اختلف رواته وتفاوتت ألفاظه ، غير أنه يكشف للقارئ ثمة شعور بالسخط لتولي أبي بكر الخلافة لدى أهل البيت صغيرهم وكبيرهم.
1 ـ علي إمام البررة 3 : 253 ـ 259.
2 ـ شرح النهج لابن أبي الحديد 2 : 44.
3 ـ كنز العمّال 5 : 359 ، برقم : 2301.
4 ـ كنز العمّال 5 : 359 ، برقم : 2302.


(483)
الخاتمة
نقرأ فيها :
     1 ـ خلاصة ما مرّ في سطور.
     2 ـ موقف الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يومئذٍ.
     3 ـ رثاء المحسن السبط السِقط بدمعة ساخنة.


(484)
    1 ـ خلاصة ما مرّ في سطور :
     خلاصة ما قرأناه في النصوص الثابتة كان ما يلي :
     أ ـ قرأنا أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) أوصى إلى علي ، كما في حديث ابن عباس وأم سلمة ، فقد قال ابن عباس للذي جاءه فأخبره : انّ عائشة قالت : مات بين سحري ونحري ولم يوص إلى أحد ، فمتى أوصى إليه ، قال ابن عباس : أتعقل! والله مات وإنه لمستند إلى صدر علي.
     وأم سلمة قالت : كان ـ علي ـ أقرب الناس به عهداً ، ومات ( صلى الله عليه وآله ) وهو مستند إلى صدر علي.
     غير أنّ عائشة أنكرت ذلك ، وكان انشطار عند المسلمين في ذلك ، وكل فريق يؤيد وجهة نظره ، حتى استنكر بعضهم كيف أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يأمر أمّته بالوصية ثم هو لا يوصي؟ وقرأنا الجواب في حديث طلحة بن مصرف ، وقد سمع الهذيل بن شرحبيل : أكان أبو بكر يتأمر على وصي رسول الله؟
     كما قرأنا عن عائشة أنّ علياً كان قد أدخله النبي ( صلى الله عليه وآله ) معه في الثوب الذي كان عليه ، فلم يزل يحتضنه حتى قبض ويده عليه ، كما في الرياض النضرة (1).
     ب ـ وقرأنا أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) جهز جيش أسامة ، وأدخل فيه أبا بكر ، وعمر ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وعثمان ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ،
1 ـ الرياض النضرة 2 : 180.

(485)
وطلحة ، والزبير ، وهؤلاء هم الذين جعل لهم حديث العشرة المبشرة ، ومع ما ذكر لهم وفيهم فقد أمرهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يخرجوا في جيش أسامة ، ولعن من تخلف عن جيش أسامة ، ومع ذلك فقد تخلفوا حتى مات النبي ( صلى الله عليه وآله ).
     ج ـ وقرأنا انّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما رأى تقاعس القوم عن الخروج في الجيش ، أراد أن يكتب لامته بمحضر من المهاجرين والأنصار في حجرته ، كتاباً لن يضلّوا من بعده ، فاستدعى بدواة وكتف ، فبادره عمر بكلمته النابية ، انّه يهجر ، حسبنا كتاب الله فكانت الرزية كل الرزية ـ كما قال ابن عباس ـ ما حال بين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبين ذلك الكتاب.
     د ـ وقرأنا أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما مات ، اشتغل أهل بيته علي ومن معه بغسله وتجهيزه ، وذهب سراعاً أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح إلى سقيفة بن ساعدة ، ولم يحضروا الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا دفنه.
     ه ـ وقرأنا بأنه بايع عمر وأبو عبيدة أبا بكر بالخلافة ، وتابعه بعض الأنصار على ذلك ، ثم اتوا إلى المسجد يطلبون مبايعة الناس لأبي بكر.
     و ـ وقرأنا أنّ علياً ( عليه السلام ) وجميع بني هاشم ومعهم الزبير وجماعة من الصحابة ممن يوالون علياً ( عليه السلام ) أبوا أن يبايعوا ، فكانوا يجتمعون عند الإمام في بيته ، كما عن الطبري وغيره.
     ز ـ وقرأنا أنّ أبا بكر أمر عمر بأن يأتيه بالإمام ومن معه بأعنف العنف ـ كما في رواية البلاذري ـ ليبايع ، فأتاه عمر ومعه لفيف من الأعوان ومعهم الحطب ، فهدد عمر باحراق البيت على من فيه إن لم يخرجوا ، فقيل له : إن في الدار فاطمة ، قال : وإن ـ كما عن ابن قتيبة ـ ثم هجموا على البتولة دارها ، وهي تمانعهم عند الباب ، فزحموها حتى أسقطت جنينها المحسن ، وهي تصيح : يا أبتاه ماذا لقينا بعدك من ابن أبي قحافة وابن الخطاب.


(486)
     ح ـ وقرأنا أن عمر وقنفذ وآخرين هم الذين دخلو الدار فأخرجوا الزبير تلاً بعد أن ثار بسيفه فأخذوه وحطموه على صخرة هناك ، وسلّموه إلى خالد بن الوليد وهو واقف لهم خارج الدار ، وأخرجوا علياً وهو ملبب يقاد كالفحل المخشوش ، كما عن معاوية بن أبي سفيان.
     ط ـ وأوقفوه بين يدي أبي بكر ، وجرى له معهم من الاحتجاج ما مر ذكره ، فلم يتركه القوم وهددوه بالقتل ، فقال : تقتلون عبداً لله وأخاً لرسوله ، فقالوا : أما عبد الله فنعم وأما أخاً لرسوله فلا ، وهذا من أقبح المكابرة والإنكار.
     ي ـ وقرأنا أنّ فاطمة ( عليها السلام ) هي التي أنقذت حياة الإمام بخروجها خلفه ، فكان لخروجها أثر كبير في الناس ، فخشي أبو بكر أن ينفلت الأمر ، والمدينة بعد تغلي كالمرجل ، فقال : لا أكرهه على البيعة ما دامت فاطمة إلى جانبه.
     ك ـ وقرأنا انّه كان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عنه عند ذلك ، وأنه لم يبايع هو ولا أحد من بني هاشم حتى ماتت فاطمة ( عليها السلام ) ، كما عند البخاري ، ومسلم ، وعبد الرزاق وغيرهم.
     ل ـ وقرأنا أن فاطمة ( عليها السلام ) طالبت أبا بكر بميراثها ، وبحقها من الفيء ، ونحلتها في فَدَك ، فأبى أبو بكر عليها ذلك ، فغضبت وهجرته ( فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر ) كما عند البخاري ومسلم وغيرهما.
     م ـ وقرأنا أمور تقشعر لها الجلود ، صدرت من زمرة أضفى عليها المخالفون أبراد القداسة ، بينما هي خالفت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حياته وبعد مماته ، وكتاب الله تعالى شاهد واعد بقوله : « فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ أنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ » (1).
1 ـ النور : 63.

(487)
     وأخيراً ـ ولا نطيل الكلام ـ فإنّ الصحابة الذين كانوا يوم السقيفة يتنازعون فيما بينهم أمر الخلافة ، لم يكونوا يجهلون من هو الأحق بالخلافة ، ومن هو الذي عيّنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خليفة له من بعده من يوم بدء الدعوة ، كما في تفسير قوله تعالى : « وَأنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ » (1).
     وإنّما كانوا يتنازعون في الحكم والإمارة إذ لم تكن كلمة ( خليفة ) من الألفاظ التي وقعت في خواطر المسلمين ، أو جرت على ألسنتهم في اجتماعهم يوم السقيفة (2).
     يقول الاستاذ علي عبد الرزاق : ( كانوا يومئذٍ _ يوم السقيفة ـ إنّما يتشاورون في أمر مملكة تقام ، ودولة تشاد ، وحكومة تنشأ إنشاء ، ولذلك جرى على لسانهم يومئذٍ ذكر الإمارة والامراء ، والوزارة والوزراء ... وتذاكروا قوة السيف والعزة والثروة ، والعدد ، والمنعة ، والبأس والنجدة ، وما كان ذلك إلا خوضاً في الملك ، وقياماً بالدولة ، وكان من أثر ذلك ما كان من تنافس المهاجرين والأنصار وكبار الصحابة ، بعضهم مع بعض ، حتى تمت البيعة لأبي بكر ... فكان أول مَلكٍ في الإسلام ) (3).
     ولم يتجن الرجل على أحد من الصحابة الذين يتنازعون في اقتناص السلطة ، ألم يقل الحباب بن المنذر الأنصاري : منّا أمير ومنكم أمير؟ ألم يقل أبو بكر للأنصار : نحن الأمراء وأنتم الوزراء؟ ألم يقل عمر يخاطب الأنصار : انّه والله لا
1 ـ الشعراء : 214 ، راجع كتاب ( علي إمام البررة ) 1 : 72 ـ 92 تجد صور الحديث وهي عشر ، منها التصريح بالخلافة لمن بعده لمن يؤازره في دعوته ، وفي ثمان منها بالوصاية من بعده ، وفي خمس منها بالوزارة ، وفي ثلاث منها بالوراثة ، وفي ثلاث منها بالولاية ، ومع هذا التظافر في النقل يزعم من لا حريجة له في الدين بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) مات ولم يوص ، ولم يستخلف ، ولم يول ، ولم يورث ....
2 ـ عبد الكريم الخطيب : الخلافة والإمامة ، ديانة وسياسة : ص337.
3 ـ الإسلام وأصول الحكم : 92.


(488)
ترضى العرب أن تؤمركم ونبيّها من غيركم ... من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل ، أو متجانف لإثم ، أو متورط في هلكة (1).
     والآن فهل من حق القارئ أن يسأل بعد ما قرأ كل الذي مرّ به ، أين هو الإجماع المزعوم على انتخاب أبي بكر للخلافة؟ وقد تخلف عن الإجماع علي ( عليه السلام ) وجميع بني هاشم ومن تابعهم وشايعهم ، كسلمان ، وأبي ذر ، والمقداد ، وعمّار ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وحذيفة ، واُبي بن كعب صاحب المقولة الشهيرة ( هلك أصحاب العقدة ) وبريدة الأسلمي ، وأبوالهيثم بن التيهان ، وأبو أيوب الأنصاري ، وسهل بن حنيف ، وعثمان أخوه ، وهؤلاء هم الذين حاجّوا أبا بكر في المسجد وقد ورد احتجاجهم في كتاب الاحتجاج للطبرسي (2).
     فأي انتخاب واختيار يزعم على صحة خلافة أبي بكر؟
     وسؤال ثان ، ومن حق القارئ أن يسأل : كيف ساغ لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة الحضور في السقيفة لتعيين الخليفة ، والثلاثة كلهم جنود محاربون سمّاهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في جيش أسامة (3) ، وأمرهم بالخروج معه وتحت إمرته ، وقد لعن من تخلف عن المسير في ذلك الجيش فقال : لعن الله من تخلف عن جيش أسامة (4).
     فهاتان مخالفتان واضحتان ، ومعهما كيف يسوغ للثلاثة أن يتولّوا زمام الأمور ، مع أنّهم جنود مأمورون وتحت إمرة أسامة ، حتى روى اليعقوبي استنكار أسامة لذلك (5).
1 ـ راجع بشأن هذه الأقوال الإمامة والسياسة 1 : 7.
2 ـ الاحتجاج للطبرسي : 47.
3 ـ طبقات ابن سعد 4 : 46 و136 ، وتاريخ اليعقوبي 2 : 93 ، وفتح الباري 9 : 218 ـ 219 ، وغير ذلك.
4 ـ الملل والنحل للشهرستاني 1 : 23.
5 ـ جاء في تاريخ اليعقوبي 2/ 106 : وأمر _ أبو بكر _ أسامة بن زيد أن ينفذ في جيشه وسأله أن يترك له عمر يستعين به على أمره, فقال : فما تقول في نفسك؟ فقال : يابن أخي فعل الناس ما ترى, فدع لي عمر وانفذ لوجهك.


(489)
     وسؤال ثالث ـ ومن حق القارئ أن يسأل ـ : هل كان من حق أبي بكر وعمر وأباعبيدة أن يطالبوا الإمام علي بن أبي طالب بمبايعته لأبي بكر ، وهم بالأمس القريب كانوا قد بايعوا له في غدير خم (1).
بايعوه وبعدها طلبوا البيعة منه لله ريب الدهور
     وسؤال رابع ـ ومن حق القارئ أن يسأل ـ : هل من حق أبي بكر أن يجبر أحداً على مبايعته ، وليس معه أي حجة شرعية تسوّغ له ذلك؟ فلا هو خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بل هو خالفة ـ كما اعترف بذلك لمن سأله (2) ـ فليس من حقه ذلك وهو غاصب للمقام.
     وسؤال خامس ـ ومن حق القارئ أن يسأل ـ : هل كان من حق غاصب المقام أن يأمر بجلب الممتنع بأقسى الوسائل وأعنف العنف ، كما مرّ عن البلاذري وغيره؟
     وسؤال سادس ـ ومن حق القارئ أن يسأل ـ : هل إنّ لأبي بكر أن يحضر الممتنع وإن كان في بيت من بيوت أذن الله بأن ترفع ، وهو نفسه وعمر مثله يعلمون بأنّ بيت علي ( عليه السلام ) من أفاضلها ، وقد روى هو ذلك (3).
1 ـ مبايعة الشيخين مع باقي الصحابة في غدير خم ذكرها الشيخ الأميني ( رحمه الله ) في الغدير بتوثيق, فراجع الجزء الأول.
2 ـ راجع النهاية لابن الأثير ، والفائق للزمخشري ، ولسان العرب لابن منظور جميعاً في مادة ( خلف ) وكنز العمال 14 : 173 ، تجد أنّ أعرابياً سأل أبا بكر : أنت خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : لا ، قال : فما أنت؟ قال : أنا الخالفة بعده ، أي القاعدة بعده.
3 ـ أخرج الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل 1 : 410 ، بسنده عن أنس بن مالك ، وعن بريدة قال : قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هذه الآية : »فِي بُيُوت أذِنَ اللّهُ« إلى قوله : »وَالأبْصَارُ« [النور : 36 ـ37] ، فقام إليه رجل فقال : يارسول الله أيّ بيوت هذه؟ قال : ( بيوت الأنبياء ) ، فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها _ لبيت علي وفاطمة ـ قال : ( نعم ، من أفاضلها ) ، قال الحاكم : لفظ أبي القاسم ما أصلحت ، وكتبته من أصل سماعه بخط أبي حاتم.


(490)
     وسؤال سابع ـ ومن حق القارئ أن يسأل ـ : ألم يكن علي ومن معه في بيت فاطمة ( عليها السلام ) ، ولما داهم البيت عمر ومن معه من عصابته ، وخرجت اليهم فاطمة ( عليها السلام ) تمانعهم وتقول لعمر : أتراك محرقاً عليّ بيتي ـ داري ـ فيقول لها : نعم ، وذلك أقوى مما جاء به أبوك؟ ألم يروا ولم يسمعوا بأنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان إذا أتى ذلك البيت يقف ويقرأ : « إنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » (1).
     ألم يروا ولم يسمعوا بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يقول : فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني ، ومن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله (2) وفي نور الأبصار (3) : خرج النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو آخذ بيد فاطمة فقال : من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد ، وهي بضعة منّي وهي قلبي ، وهي روحي التي بين جنبيّ ، من آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله.
     وأخرج الدارقطني عن عمر أنه سمع رجلاً يقع في علي فقال : ويحك أتعرف علياً؟ هذا ابن عمه ـ وأشار إلى قبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) _ والله ما آذيت إلا هذا في قبره (4).
     وروى الإمام أحمد في زوائد المسند بلفظ : إنّك إن انتقصته فقد آذيت هذا في قبره. وأخرج السيوطي في الجامع الصغير نقلاً عن أحمد ، وتاريخ البخاري ، ومستدرك الحاكم في فضائل الصحابة عن عمرو بن شاس مرفوعاً : ( من آذى علياً فقد آذاني ) قال الحاكم : صحيح ، وأقرّه الذهبي ، قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح (5).
1 ـ الأحزاب : 33.
2 ـ صحيح البخاري 2 : 308 ، باب : مناقب فاطمة.
3 ـ نور الأبصار للشبلنجي : 52.
4 ـ فيض القدير 6 : 18.
5 ـ المصدر نفسه 6 : 18.
المحسن السبط ::: فهرس