المحسن السبط ::: 541 ـ 550
(541)
     لا ريب أنّ مَن غَلَبَ عقله على هواه حصلت لديه قناعة كافية ، بأنّ ظلماً قد جرى فأسقط جنيناً على الثرى ، وبقيت فعال الظالمين السالفين وصمة عار على الخالفين ، وهذا ما أدركه علماء التبرير ، ولابدّ لهم ما داموا وهم من أنصار الخلافة ، أن يغالطوا أنفسهم ليتمكنوا من مغالطة الآخرين ، وهذا ما حدث كما أراه في أقوالهم ، فقد نفوا أن يكون أيّ ظلم لحق بأهل البيت ، ونفوا ذلك جملةً وتفصيلاً من دون حجة مقبولة ، وأنّى لهم إقامة الحجة على ذلك ، وحجتهم دعم الحاكمين ، فهم أقوى سند ، ومنهم المَدد وعليهم المعتمد ، ويكفيهم زرع الشك فيما يرويه أنصار الإمامة ، لأنّهم أقوى منهم شكيمة وأهدى سبيلاً وأقوم قيلاً ، ولو كان ذلك دفعاً بالصدور.
     وإلى القارئ نماذج مما قاله بعض علماء التبرير :
     1 ـ أبو بكر الباقلاني ( ت 403 هـ ) متكلم على مذهب الأشعري ، له نشاط في الرد على المعتزلة والشيعة والخوارج والجهمية وغيرهم ، وكتابه ( التمهيد ) دليل ذلك ما عليه من مزيد. قال في كتابه ( نكت الانتصار لنقل القرآن ) :
     وأمّا طعن الرافضة على الصحابة فلا يلتفت إليه ، لأنّهم جروا على عادتهم في سب السلف ورميهم بالكفر ، وقولهم : إنّ علياً جرّ إلى بيعة أبي بكر بحبل أسود ... وإنّ عمر ( رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن ) (1).
     وعلى نهج هذا الأشعري في تحامله على الرافضة ، كان نهج المعتزلي كما سيأتي ، فجرى التالون على ما أسّس الأولون ، وما أدري لماذا كل هذا الحقد على الشيعة؟ فما هو ذنبهم في روايتهم ذلك؟ فهم لم يبهتوا الصحابة بما لم يكن فيهم ومنهم ، وعلى تقدير ذكرهم يوجب الإدانة ، فليكن الأشعري أو المعتزلي منصفاً
1 ـ نكت الانتصار لنقل القرآن : 36.

(542)
في نقده ، وعادلاً في توزيع حقده ، فيصبّ ثمالة جام غضبه على الذين ذكروا ذلك من أصحاب مذهبه ، فإن يك ما ذكروه كذباً فعليهم وزر ما رووه ، وإن يك صدقاً ، فوزر ذلك على الذين اقترفوه.
     ألم يذكر عبد القادر البغدادي الأشعري في كتابه ( الفرق بين الفرق ) (1) عن النظام المعتزلي ذلك؟ وليسا هما من الرافضة؟
     ألم يذكر ذلك المقريزي ـ وهو سنّي ـ في كتابه الخطط (2) ، فهل هو من الرافضة؟
     ألم يذكر ذلك الشهرستاني ـ وهو سنّي متعصب على الشيعة ـ في كتابه الملل والنحل ، كما تقدم في النصوص؟ فهل هو من الرافضة؟
     ألم يذكر ذلك الصفدي ـ وهو من مؤرخي السنّة ـ في كتابه الوافي بالوفيات كما تقدم في النصوص ، فهل هو من الرافضة؟
     أليس هؤلاء جميعاً نقلوا ما قاله إبراهيم النظام المعتزلي البغدادي ، تلميذ الجاحظ المعتزلي البصري ، فقال : انّ عمر ضرب بطن فاطمة ابنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى ألقت المحسن من بطنها ، وكان يصيح أحرقوا الدار بمن فيها ، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين ... راجع نص الشهرستاني فيما تقدم من النصوص.
     ألم يذكر الذهبي السنّي العتيد العنيد في ميزان الاعتدال (3) ، في ترجمة أبي دارم عنه ... أنّ عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن. فهل على الرافضة من وزر لو قالوا ما رواه هؤلاء؟
1 ـ الفرق بين الفرق : 140 _ 141.
2 ـ الخطط للمقريزي 2 : 346.
3 ـ ميزان الاعتدال 1 : 139.


(543)
     2 ـ قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد الهمذاني ( ت 415 هـ ) من شيوخ المعتزلة ومتكلميهم ، فقد قال في كتابه ( تثبيت دلائل النبوة ) متحاملاً بظلم على الرافضة : ومن عجيب اُمورهم قولهم ... والذي عرفنا بالخبر أن يزيد بن معاوية قتل الحسين وأشخص ذريته إلى الشام ، هو الذي عرفنا بعقولنا انّ أبا بكر ما ضرب فاطمة ، ولا قتل المحسن ، وهذا في القياس كمن قال : إذا كان يزيد بن معاوية قد غزى ـ كذا والصواب غزا _ المدينة ومكة واستباحهما أن يكون أبو بكر قد فعل مثل ذلك (1).
     وقال : وقيل أيضاً للرافضة : إذا كان أبو بكر قد ضرب فاطمة وقتل المحسن ، فقد كان ينبغي أن يحصل العلم بذلك عند كل من سمع الأخبار ، وأن يكون العلم بذلك مثل العلم بقتل يزيد الحسين ، ومثل قتل معاوية حجر بن عدي ، وعبيد الله بن زياد مسلم بن عقيل ، بل كان ينبغي أن يكون العلم بما ادعيتم أقوى من العلم بهؤلاء القتلى ، لأنّ هذه الحادثة التي ادعيتموها على أبي بكر كانت بالمدينة ، وقد شهدها العباس وولده ، وعلي بن أبي طالب وولده ، وعقيل وولده ، وجميع بني هاشم ومواليهم ونسائهم ، وجميع المهاجرين والأنصار وأولادهم ونسائهم ، وقد كان بالمدينة حين توفى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أكثر من مائة ألف إنسان ، وكان يكون العلم بهذا أقوى مما كان بكربلا.
     ولكن دعاوى الرافضة على ضرب فاطمة ( عليها السلام ) وقتل ولدها ، وأمر أبي بكر خالد بن الوليد بقتل علي بن أبي طالب كدعواهم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) النصوص التي يدّعونها ، وكل من تأمّل أمرهم تبيّن له بطلان ذلك ، ووضح له وضوح الشمس (2).
1 ـ تثبيت دلائل النبوة : 239.
2 ـ نفس المصدر : 240.


(544)
     وقال : وفي هذا الزمان منهم ـ يعني من الشيعة الفاطميين ـ مثل أبي جبلة إبراهيم بن غسان ، ومثل جابر المتوفي ، وأبي الفوارس الحسن بن محمد الميمدي ، وأبي الحسين أحمد بن محمد بن الكميت ، وأبي محمد الطبري ، وأبي الحسن الحلبي ، وأبي يتيم الرلباي ، وأبي القاسم البخاري ، وأبي الوفا الديلمي ، وابن أبي الديس ، وخزيمة وأبي خزيمة وأبي عبد الله محمد بن النعمان ، فهؤلاء بمصر وبالرملة وبصور وبعكا وبعسقلان وبدمشق وببغداد وبجبل البسماق ، وكل هؤلاء بهذه النواحي يدّعون التشيع ومحبّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ، فيبكون على فاطمة وعلى ابنها المحسن الذي زعموا أنّ عمر قتله ... (1).
     وقال أيضاً وهو يخاطب الفاطميين بمصر : وأنتم تدّعون ما هو في الظهور أعظم من هذا ، من انّ فاطمة ( عليها السلام ) ضُربت وقُتل جنينها في بطنها جهاراً بمشهد من العباس وعلي وجميع بني هاشم ، وبمشهد من المهاجرين والأنصار ، وهم أكثر ما كانوا وأوفر ، وهذه وقعة أعظم من وقعة كربلاء ومن شهدها أكثر (2).
     أقول : من حقنا أن نسأله وجميع المدافعين عن أبي بكر عن معنى ندمه على كشف بيت فاطمة ، فماذا جرى يومئذٍ حتى كان شبحه يطارد مخيلة أبا بكر ولم يبارحه حتى مرض موته ، فباح بما قال نادماً؟
     فإذا لم يكن قد جرى يومئذٍ ما جرى كما يقوله الشيعة ويرويه بعض السنّة فعلام الندم؟
     ثم من حقنا أن نسأل قاضي القضاة بماذا كان يقضي لو كانت دعوى فاطمة ( عليها السلام ) رفعت إليه ، أكان يسمع دعواها في النحلة وفي الميراث وفي سهم
1 ـ المصدر نفسه : 594 ـ 595.
2 ـ المصدر نفسه : 652 ـ 653.


(545)
ذوي القربى؟ أم يردّها كما فعل أبو بكر؟ ثم نفسّر ندمه عند موته على كشف بيت فاطمة ( عليها السلام ) بذلك؟ كيف يقبل ذو مسكة من عقل ودين أن يقول ذلك؟
     ونسأله أيضاً عن حديث رواه أبو بكر نفسه ، وذلك حديث الخيمة التي جمع فيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علياً وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) وقال : معاشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل هذه الخيمة ، وحرب لمن حاربهم ، ووليّ لمن والاهم ، لا يحبهم إلاّ سعيد الجدّ طيب المولد ، ولا يبغضهم إلاّ شقي الجدّ ردي المولد (1).
     فهل كلام قاضي القضاة في دفاعه عما جرى على فاطمة وبعلها وبنيها مما يدل على مسالمتهم؟ أو على محاربتهم؟ وهو لا شك عرف حديث الكساء الذي رواه أهل التاريخ والحديث ، ورواه من الصحابة أكثر من عشرة كما في كتاب ( علي إمام البررة ) (2) ، وأطال فيه ابن حجر الكلام في اثباته سنداً ودلالةً (3).
     وكلا الحديثين حديث الخيمة الذي رواه أبو بكر ، وحديث الكساء ومن رواته عائشة ابنة أبي بكر ، دلاّ على ما لأهل البيت من الفضل ما ليس لأحد مثله ، ولبيتهم حرمة لا توازيها حرمة أيّ بيت آخر.
     وهذا ما سمعه أبو بكر من النبي ( صلى الله عليه وآله ) أيضاً ، فقد روى أنس بن مالك وبريدة بن الحصيب وغيرهما : انّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قرأ : « فِي بُيُوت أذِنَ اللّهُ أنْ تُرْفَعَ » (4) ، فقام إليه رجل فقال : أيّ بيوت هذه يا رسول الله؟ قال : بيوت الأنبياء.
     فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها؟ لبيت علي وفاطمة ، قال : نعم من أفاضلها (5).
1 ـ الرياض النضرة للمحب الطبري.
2 ـ علي إمام البررة 1 : 371 ـ 408.
3 ـ الصواعق المحرقة : 86 ـ 87.
4 ـ النور : 36.
5 ـ الدر المنثور للسيوطي 5 : 50.


(546)
     قال الألوسي بعد ذكر الحديث : وهذا إن صح لا ينبغي العدول عنه (1).
     وبعد هذا نعود إلى دفع القاضي وتعنته في دفعه وقضائه ، حيث يريد أن يكون ما جرى على أهل البيت ( عليهم السلام ) بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) من أعمال عنف في شياع مثل ما شاع ممّا ضرب به الأمثال من قتل الحسين ( عليه السلام ) ، وهذا منه بمنتهى الغرابة.
     ونقول له : انّ خبر ندم أبي بكر عند موته وذكره مثلثات منها كشف بيت فاطمة ، خبر ثابت وقد تقدم ذكره بمصادره السنّية ، وليس فيه ذكر ضرب ولا رفس ولا إسقاط جنين ، ومع ذلك فقد مرّ بنا تحاشي مَن كنى عن كشف بيت فاطمة ( عليها السلام ) بقوله : كذا وكذا. فهو يتقي أن يذكر الخبر كما هو ، فهل يتوقع قاضي القضاة أن يشاع ويذاع أنباء ما جرى في ذلك اليوم من أحداث مروعة ومفزعة؟ بعد شدة رقابة الحاكمين على الشيعة ومرويّاتهم ، ممّا لا يخفى على من هو دون القاضي فضلاً عنه.
     وجرى ابن أبي الحديد المعتزلي وتبع القاضي المعتزلي في دفعه بالصدر ما رواه الشيعة وآخرون من غيرهم من خبر الرفسة والضرب فقال : فأمّا الاُمور الشنيعة المستهجنة التي تذكرها الشيعة من ارسال قنفذ إلى بيت فاطمة ( عليها السلام ) ، وأنّه ضربها بالعصا فصار في عضدها كالدملج وبقي أثره إلى أن ماتت ، وانّ عمر ضغطها بين الباب والجدار ... وألقت جنيناً ميتاً ، وجعل في عنق علي ( عليه السلام ) حبل يقاد به ... فكلّه لا أصل له عند أصحابنا ... (2).
     أقول : وهذان المعتزليان نفيا الاُمور التي جرت على أهل البيت ( عليهم السلام ) في تلك الفترة من بعد موت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وكأنّهما يتوقعان أن يرويها لهما أمثال الطبري من المؤرخين ، مع انّ التاريخ فيه تزوير وتحوير وتطوير ، فمن كان من المؤرخين من
1 ـ روح المعاني 18 : 174.
2 ـ شرح النهج 6 : 6.


(547)
يملك الشجاعة والجرأة فيكتب الحدث كما هو؟ فهذا الطبري وهو شيخ المؤرخين ألم يقل في أحداث سنة / 30 : وفي هذه السنة كان ما ذكر من أمر أبي ذر ومعاوية واشخاص معاوية إيّاه من الشام إلى المدينة ، وقد ذكر في سبب اشخاصه إيّاه منها اُمور كثيرة كرهت ذكر أكثرها ، فأمّا العاذرون معاوية ... ثم ذكر عن سيف ـ الوضاع الزنديق _ ما ذكره ولم يخش من ذكرها ، لكنه قال بعد ذلك : وأمّا الآخرون فإنّهم رووا في سبب ذلك أشياء كثيرة واُموراً شنيعة كرهت ذكرها.
     بالله لماذا الازدواجية في المعايير يا شيخ المؤرخين؟
     وأيضاً نجد الطبري يجبن عن ذكر الحقائق كما هي ، فقد قال في خبر مقتل عثمان : قد ذكرنا كثيراً من الأسباب التي ذكر قاتلوه أنّهم جعلوها ذريعة إلى قتله ، فأعرضنا عن ذكر كثير منها لعلل دعت إلى الإعراض عنها.
     وثالثاً نجده في خبر وقعة الجمل من رواية اُخرى ، عن غير سيف قال : فوقف عليّ عليها _ أي على عائشة ـ فقال : استفززت الناس وقد فزوا ، فألّبت بينهم حتى قتل بعضهم بعضاً ... في كلام كثير ماذا كان ذلك الكلام الكثير؟ لماذا الاحجام عن ذكر بعض الكلام؟
     ورابعاً قال في مكاتبة محمد بن أبي بكر مع معاوية : فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهت ذكرها لما فيه مما لا يحتمل سماعها العامة.
     إلى غير ذلك من الشواهد مما طواه هو وغيره بحجة وبغير حجة ، فهل يتوقع القاضي عبد الجبار وابن أبي الحديد المعتزليان ومن هو على شاكلتهما ، أن يجدوا عند الطبري أو غيره من شيوخ المؤرخين ما ذكراه من اُمور تنفرد الشيعة بنقلها من خبر الضرب والرفسة والإسقاط ، مع انّه روى ذلك من غير الشيعة ، منهم على استحياء ، ومنهم على استخذاء.


(548)
     3 ـ ابن تيمية الحراني ( ت 728 هـ ).
     وهذا ثالث القوم جاء بما يضحك الثكلى ، وكأنّه يسخر بعقول الناس حين يقول في كتابه منهاج السنّة (1) : ( ونحن نعلم يقيناً انّ أبا بكر لم يقدم على علي والزبير بشيء من الأذى ، بل ولا على سعد بن عبادة المتخلف عن بيعته أولاً وآخراً ، وغاية ما يقال انّه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه وأن يعطيه لمستحقه ، ثم رأى انّه لو تركهم لجاز.
     فإنّه يجوز أن يعطيهم من مال الفيء ، وأمّا إقدامه عليهم أنفسهم بأذى ، فهذا ما وقع فيه قط باتفاق أهل العلم والدين ، وإنّما ينقل مثل هذا جهّال الكذّابين ، ويصدّقه حمقى العالمين الذين يقولون : انّ الصحابة هدموا بيت فاطمة ، وضربوا بطنها حتى أسقطت ، وهذا كله دعوى مختلق ، وإفك مفترى باتفاق أهل الإسلام ، ولا يروج إلا على من هو من جنس الأنعام ... ).
     أقول : سبحانك اللّهمّ إن هذا إلاّ بهتان عظيم ، لقد مرت النصوص التي قدّمناها من مصادر تاريخ المسلمين ، وذكرنا توثيق أصحابها وكلهم من السنّة ، فهل كل أولئك ما كانوا من أهل العلم والدين ، وكانوا من جهّال الكذّابين؟ ( إنّ هذا لهو البلاء المبين ).
     ولم يكتف ابن تيمية بوصف من روى ذلك بما تقدم ، حتى جعلهم من جنس الأنعام؛ لأنّهم راجت عليهم تلك المرويات فرووها ، ألا مسائل ذلك الأحمق المائق المائن ، كيف استساغ لنفسه أن يستغفل العقول بقوله : وغاية ما يقال انّه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه وأن يعطيه لمستحقه؟
     أيّ مال ذلك؟ متى جُمع؟ ومتى وضع في بيت علي؟ ولماذا وضع هناك؟ مسائل يجب الإجابة عليها من لدن أتباع ابن تيمية ، وإلاّ فهو وهم من جنس الأنعام ، الوصف الذي نبز به غيره.
1 ـ منهاج السنّة 4 : 220.

(549)
     ولو سلّمنا جدلاً انّ في بيت علي شيء من المال ، فهو لا يخلو إمّا أن يكون هو مال علي ، فليس من حق أبي بكر أو غيره أخذ أموال الناس منهم بالباطل ، وإمّا أن يكون من مال غيره وعنده وديعة ، فلا يصح بوجه لأبي بكر أو غيره التعدي عليه وأخذه ، أو هو مال المسلمين وضعه النبي ( صلى الله عليه وآله ) عنده ، فما بال النبي ( صلى الله عليه وآله ) يختزن في بيت علي مال المسلمين؟ ولم يرد في التاريخ انّه فعل ذلك ولو مرة واحدة ، بل الذي باتفاق أهل السيرة انّه كان لا يبقي عنده قليلاً ولا كثيراً ، بل كان يعجّل إنفاقه ولا يبيت عنده شيء منه.
     أخرج البسوي في كتاب المعرفة والتاريخ (1) ، باسناده عن علي انّ عمر استشار الناس فقال : ما تقولون في فضل عندنا من هذا المال؟
     قالوا : يا أميرالمؤمنين قد شغلتك ـ أو شغلناك ـ عن أهلك وضيعتك وتجارتك فهو لك.
     قال لي : ما تقول أنت؟ فقلت : قد أشاروا عليك ، قال : قل.
     قلت : يا أمير المؤمنين لم تجعل يقينك ظناً وعملك جهلاً؟.
     قال : لتخرجن ما قلت أو لأعاقبنك.
     قلت : أجل إذاً والله لأخرجن منه ، أما تذكر إذ بعثك رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ساعياً ، فأتيت العباس فمنعك صدقته ، فكان بينكما ، فأتيتني فقلت : انطلق معي إلى النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم حتى أخبره بما صنع العباس ، فأتيناه فوجدناه خاثراً (2) فرجعنا ، ثم أتيناه من الغد فوجدناه طيّب النفس ، فذكرت له الذي صنع العباس فقال : أما علمت يا عمر انّ عم الرجل صنو أبيه ، وقال : إنّا كنا احتجنا فاستسلفنا العباس صدقة عامين.
1 ـ المعرفة والتاريخ 1 : 500.
2 ـ خاثر : ثقيل غير نشيط.


(550)
     قال : وذكرنا الذي رأينا من خثوره في اليوم ( الأول ) والذي رأيناه من طيب نفسه في اليوم ( الثاني ) ، فقال : إنّكما أتيتماني في اليوم الأول وقد بقي عندي من الصدقة ديناران ، فكان الذي رأيتماني من خثوري لذلك ، ثم أتيتماني اليوم وقد وجهتها وكان الذي رأيتما من طيب نفسي لذلك.
     قال عمر : صدقت والله ، أما والله لأشكرنّ لك الاُولى والآخرة.
     قلت : يا أمير المؤمنين فلم تعجل العقوبة وتؤخر الشكر.
     أقول : فإذا كانت هكذا حال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لدينارين بقيا عنده ، فهل يعقل أن يكون قد أحرز مالاً في بيت علي ( عليه السلام ) فكان كبس أبي بكر _ فيما يراه ابن تيمية ـ لأخذ ذلك المال لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه؟
     وكأنّ ابن تيمية لم يعلم كيف كانت سيرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيما يأتيه من المال؟
     ألم يقرأ قصة المال الذي بعث به ابن الحضرمي من البحرين ، وكان ثمانين ألفاً وما أتى النبي ( صلى الله عليه وآله ) مالاً أكثر منه لا قبلُ ولا بعدُ ، فنثرت على حصير ونودي الصلاة ، وجاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فشدّ قائماً على المال ، وجاء أهل المسجد ، فما كان يومئذٍ عدد ولا وزن ، ما كان إلاّ قبضاً ... فما زال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ماثلاً على ذلك المال حتى ما بقي منه درهم ، وما بعث إلى أهله بدرهم ، ثم أتى الصلاة فصلى (1).
     ومن السخرية أيضاً بعقول الناس حين يقول : ( إنّما ينقل مثل هذا جهال الكذابين ، ويصدقه حمقى العالمين الذين يقولون انّ الصحابة هدموا بيت فاطمة ( عليها السلام ) وضربوا بطنها حتى أسقطت ). وقد مرت بنا نصوص تثبت الإدانة عن جهابذة الحديث والتاريخ ، فإذا كانوا كلهم من جهال الكذابين ، فممن كان يأخذ ابن تيمية علمه؟
1 ـ طبقات ابن سعد 4 ، ق 1 : 9 ، والمعرفة والتاريخ للبسوي 1 : 503.
المحسن السبط ::: فهرس