 |
الالهيّات ::: 181 ـ 190 |
 |
(181)
المادة ترسم الزمان و تولده.
و إن أراد لزوم تقديم بعض أجزائه على البعض الآخر أو على مجموع العالم فقد عرفت استحالته ، فإِنَّ إخراج كل جزء عن إطاره أمرٌ مستحيل مستلزم لا نعدامه.
ثم إِنَّ لصدر المتألهين في هذا المقام كلاماً عميقاً فمن أراد الإِطلاع فليرجع إليه (1).
1 ـ الأسفار ، ج 6 ، ص 368.
(182)
(183)
الصّفات الثبوتية الذاتية |
(8) |
إِنَّ الأزليَّة و الأبديّة من صفاته سبحانه ، كما أنَّ الأزليّ و الأبديّ من أسمائه. و قد يطلق. مكانهما القديم الباقي ، فالقِدَم على الإِطلاق ، والبقاء كذلك من صفاته ، و عليه فهو سبحانه قديم أزلي ، باق أبدي. و يطلق عليه الأولان لأجل أنَّه المصاحب لمجموع الأزمنة المحققة أو المقدرة في الماضي ، كما يطلق عليه الآخران لأجل أنَّه الموجود المستمر الوجود في الأزمنة الآتية محققة كانت أم مقدرة. و ربما يطلق عليه السَّرمدي بمعنى الموجود المجامع لجميع الأزمنة السابقة و اللاَّحقة.
و باختصار إِنَّ توصيفه بالقديم الأزلي بالنسبة إلى الماضي ، و بالباقي الأبدي بالنسبة إلى المستقبل. هذا ما عليه المتكلمون في تفسير هذه الأسماء و الصفات.
ولكن هذا التفسير يناسب شأن الموجود الزماني الذي يصاحب الأزمنة المحققة أو المقدرة ، الماضية أو اللاحقة ، والله سبحانه منزّه عن الزمان و المصاحبة له ، بل هو خالق للزمان سابقه و لا حقِه ، فهو فوق الزمان والمكان ، لا يحيطه زمان و لا يحويه مكان. و على ذلك فالصحيح في التفسير أن يقال إنَّ الموجود الإِمكاني ما يكون وجوده غير نابع من ذاته ، بل يكون مسبوقاً بالعدم و يطرأ عليه الوجود من قِبَل عِلّته ، و يقابله واجب الوجود
(184)
و هو ما يكون وجوده نابعاً من ذاته ، وواجباً بذاته ، يمتنع عليه تطرق العدم و لا يلابسه أبداً. و مثل ذلك لا يسبق وجوده العدم ، فيكون قديماً أزلياً. كما يمتنع أن يطرأ عليه العدم ، فيكون أبدياً باقياً.
و باختصار ، ضرورة الوجود و حتميته طاردةٌ للعدم أزلا و أبداً و إلاَّ لا يكون واجب الوجود بل ممكنه ، و هو خلف
الفرض.
و أما برهان هذه الصفات الأربع التابعة لوجوب وجوده فقد مضى بيانه عند البحث عن لزوم انتهاء الموجودات الاِمكانية إلى واجب ضروري قائم بنفسه و بذاته ، و إلاّ يمتنع ظهور الموجودات الامكانية و تحققها.
و أمَّا عدّ الأَزلي و الأبدي و القديم و الباقي من أسمائه سبحانه ، فعلى القول بأنَّ أسماءه سبحانه توقيفية ، لا يصح تسميته تعالى إلاّ بما ورد في الكتاب و السنَّة. و الذي ورد منها في الروايات المروية عن الرسول الكريم و الأئمة ( عليهم السَّلام ) هو الأخيران أعني « القديم » و « الباقي » ، دون الأَوَّلَيْن ، كما سيوافيك في آخر الفصل عند التعرض لأسمائه تعالى في الكتاب و السنَّة.
إلى هنا تم البحث عن الصفات الثبوتية الذاتية و هي لا تنحصر في الثمانية التي تعرضنا لها ، فكل كمال يعد كمالا مطلقاً فهو تعالى متصف به ، كما أنَّ كل نقص فهو منزه عنه. و كلُّ أسمائه التي وردت في الكتاب و السنَّة تشير إلى كماله تعالى و تدفع الحاجة و النقص عن ساحة قدسه ، فلو أردنا توصيفه سبحانه بوصف واحد جَمْعيّ ، فهو الكمال المُطلق أو الغِنى المحض. و إذا أردنا تفسير ذلك الكمال و الوصف الواحد الجامع لجميع الصفات ، فيكفي جعل الصفات الثمان الثبوتية التي بحثنا عنها شرحاً له. و من هنا يجعل الإِسم الواحد من أسمائه سبحانه و هو « الله » رمزاً للذات المستجمعة لجميع الصفات الكمالية.
هذا كله حول صفاته الثبوتيَّة الذاتيَّة ، و يقع البحث في الباب الثاني التالي حول صفاتِهِ الثبوتيَّة الفعليّة ، و قد تقدم الفرق بينهما و تأتي الإِشارة إليه مجدَّداً.
(185)
1 ـ التَّكلُّم.
2 ـ الصِّدق.
3 ـ الحِكْمة.
(186)
(187)
قد عرفت عند تقسيم صفاته سبحانه أنّها على نوعين : صفات الذات ، و صفات الفعل ، و قلنا بأن الفرق بين النوعين هو أنَّ الصفات التي يكفي في توصيفه سبحانه بها فرض ذاته فهي صفات الذات ، كالقدرة والحياة و العِلْم.
و أما الصفات التي يتوقف توصيفه سبحانه بها على صدور فعل منه و فرض شيء غير الذات فهي صفات الفعل المنتزعة من فعله سبحانه. و إلى هذا الفرق يرجع ما اشتهر في الكتب الكلامية من أنَّ كل وصف لا يقبل النفي و الإِثبات و يكون أحاديّ التعلّق فهو صفة الذات ، و ما لا يكون كذلك و يقع في إطار النفي تارة و الإِثبات أخرى فهو صفة الفعل. فلا يقال إنه سبحانه يعلم و لا يعلم ، ولكن يقال إنه سبحانه يغفر و لا يغفر. و الهدف في هذا المقام هو البحث عن بعض صفات فعله سبحانه كالتكلّم و الصّدق ، فهو سبحانه متكلم و صادق. فإنَّ له سبحانه حسب أسمائه و صفاته مجالي في عالم الإِيجاد ، و مظاهر في عالم الخَلْق ، فهو مُحيي و مُميت ، ورازق و مُنعم ، و رحيم و غفور إلى غير ذلك من أسمائه و صفاته التي ستوافيك في آخر الفصل بإذنه تعالى.
(188)
(189)
أجمع المسلمون تبعاً للكتاب و السنَّة على كونه سبحانه متكلماً و يبدو أنَّ البحث في هذا الوصف هو أوّل مسألة طرحت على بساط المناقشات في تاريخ علم الكلام و إن لم يكن أمراً قطعياً. و قد شغلت مسألة الكلام الإِلهي ، و أنه ما هو ، و هل هو حادث أو قديم ، بال العلماء و المفكّرين الإِسلاميين في عصر الخلفاء ، و حدثت بسببه مشاجرات بل صدامات دامية ذكرها التاريخ و سجل تفاصيلها و عرفت ب ـ « محنة خلق القرآن » ويمكننا أن نلاحظ لذلك عاملين رئيسيين :
الأول : الفتوحات الإِسلامية التي أوجبت اختلاط المسلمين بغيرهم و صارت مبدأً لاحتكاك الثقافتين الإِسلامية و الأجنبية. و في ذلك الخضمّ المشحون بتضارب الأفكار طرحت مسألة تكلمه سبحانه في الأوساط الإِسلامية.
الثاني : ترويج الخلفاءالبحث عن هذه المسألة و نظائرها حتى ينصرف المفكرون عن نقد أفعالهم و انحرافاتهم.
و لا بدّ من التنبيه على مصدر بث هذه الفكرة بالخصوص فنقول : إِنَّ البحث في حقيقة كلامه سبحانه أولا ، و كونه مخلوقاً أو غير مخلوق ، حادثاً
(190)
أو قديماً ثانياً ، مما أثاره النصارى الذين كانوا في حاشية البيت الأموي و على رأسهم يوحنا الدمشقي الذي كان يشكّك المسلمين في دينهم. فبما أن القرآن نصّ على أنَّ عيسى بن مريم كلمة الله ألقاها إلى مريم ، صار ذلك وسيلة لأن يبث هذا الرجل بين المسلمين قِدَم كلمة الله عن طريق خاص ، و هو أنه كان يسألهم : أكلمة الله قديمة أو لا؟.
فإنْ قالوا : قديمة.
قال : ثبت دعوى النصارى بأنَّ عيسى قديم.
و إن قالوا : لا.
قال : زعمتم أنَّ كلامه مخلوق.
فلأجل ذلك قامت المعتزلة لحسم مادة النزاع ، فقالوا : إِنَّ القرآن حادث لا قديم ، مخلوق لله سبحانه.
ولمَّا لم تكن هذه المسألة مطروحة في العصور السابقة بين المسلمين تشعبت فيها الآراء و تضاربت الأقوال ، حتى لقد صدرت بعض النظريات الموهونة جداً كما سيأتي. لكن نظرية المعتزلة لاقت القبول في عصر الخليفة المأمون إلى عصر المتوكل ، إلاّ أنَّ الأمر انقلب من عصر المتوكل إلى زمن انقضاء المعتزلة لصالح أهل الحديث و الحنابلة.
و في الفترتين وقعت حوادث مؤسفة و أريقت دماء بريئة ، شغلت بال المسلمين عن التفكر فيما يهمهم من أمر الدّين و الدّنيا ، و كم لهذه المسألة من نظير في تاريخ المسلمين!!.
و قبل الخوض في المقصود نقدم أُموراً :
الأول ـ إِنَّ وصف الكلام عند الأشاعرة و الكلابيّة ـ الذين أثبتوا لله كلاماً قديماً ـ من صفات الذات ، بخلاف المعتزلة و الإِمامية فهو عندهم من صفات فعله و سيوافيك الحق في ذلك. و قد حدث ذلك الاختلاف من ملاحظة قياسين متعارضين ، فالأشاعرة تبعوا القياس التالي :