الالهيّات ::: 251 ـ 260
(251)
     يصدر منه القبيح ، و لا الإِخلال بما هو حسن.
و بعبارة أخرى : إِنَّ العقل يكشف عن أنَّ المُتَّصفَ بكل الكمال ، و الغنى عن كل شيء ، يمتنع أن يصدر منه الفعل القبيح ، لتحقّق الصَّارف عنه و عدم الداعي إليه ، و هذا الإمتناع ليس امتناعاً ذاتياً حتى لا يقدر على الخلاف ، و لا ينافي كونه تعالى قادراً عليه بالذات ، و لا ينافي اختياره في فعل الحسن و ترك القبيح ، فإن الفعل بالإِختيار ، و الترك به أيضاً. و هذا معنى ما ذهبت إليه العدلية من أنَّه يمتنع عليه القبائح. و لا يهدف به إلى تحديد فعله من جانب العقل ، بل الله بحكم أنَّه حكيم ، التزم و كتب على نفسه أن لا يخل بالحسن و لا يفعل القبيح. و ليس دور العقل هنا إلاّ دور الكشف و التبيين بالنظر إلى صفاته و حكمته.
    و باختصار : إِنَّ فعله سبحانهـ مع كون قدرته عامة ـ ليس فوضوياً و متحرراً عن كل سلب و إيجاب ، و ليس التحديد مفروضاً عليه سبحانه من ناحية العقل ، و إنما هو واقعية و حقيقة كشف عنه العقل ، كما كشف عن القوانين السائدة على الطبيعة والكون. فتَصوُّر أنَّ فعله سبحانه متحرر عن كل قيد وحَدّ ، بحجة حفظ شأن الله سبحانه ، وسعة قدرته ، أشبه بالمُغالَطة ، فإنَّ حفظ شأنه سبحانه غير فرض انحلال فعلِه عن كل قيد و شرط.
    و بالتأمل فيما ذكرنا يظهر ضعف سائر ما استَدلَّ به القائلون بنفي التحسين و التقبيح العقليين. و لا بأس بالإِشارة إلى بعض أدلتهم التي أقامها المتأخرون عن أبي الحسن الأشعري.

الدليل الثاني : لو كان التحسين و التقبيح ضرورياً لما وقع الإِختلاف
    قالو : لو كان العلم بحسن الإِحسان و قبح العُدوان ضرورياً لما وقع


(252)
     التَّفاوت بينه و بين العِلْم بأنَّ الواحد نصف الإِثنين ، لكنَّ التالي باطل بالوجدان.
    و أجاب عنه المحقق الطّوسي بقوله : « يجوز التفاوت في العلوم لتفاوت التصور » (1).
توضيحه : إنَّه قد تتفاوت العلوم الضرورية بسبب التفاوت في تصور أطرافها. و قد قرر في صناعة المنطق أنَّ للبديهيات مراتب : فالأَوليّات أبدَه من المشاهَدات بمراتب. والثانية أبده من التجريبيات و الثالثة أبده من الحَدْسيات ، و الرابعة أبده من المتواترات ، و الخامسة أبده من الفطريَّات. و الضابط في ذلك أنَّ ما لا يتوقف التصديق به على واسطة سوى تصور الطرفين فهو أبده من غيره ، و ذلك مثل الأوليات (2) ، و هكذا.
    فلو صحّ ما ذكره الأشاعرة من الملازمة ، لزم أنْ لا تكون الحدسيات من اليقينيات.
    و باختصار ، إنَّ العلوم اليقينية ، مع كثرتها ليست على نمط واحد ، بل لها مراتب و درجات ، و هذا شيء يلمسه الإِنسان إذا مارس علومه و يقينياته و على ذلك فلا مانع من أن يقع الاختلاف في بعض العلوم الضرورية لدوافع خاصة ، و هي في المقام تصوّر أنَّ الحكم بالحُسن والقُبح تحديد لسلطته
     1 ـ كشف المراد ، ص 186.
    2 ـ وجه الضبط أنَّ القضايا البديهية إمَّا أن يكون تصور طرفيها مع النسبة كافياً في الحكم والجزم ، أو لا يكون.
    والأول هو الأوليات ، والثاني إمَّا أن يتوقف على واسطة غير الحس الظاهر و الباطن أو لا.
    والثاني المشاهدات ، و تنقسم إلى مشاهدات بالحس الظاهر و مشاهَدات بالحسّ الباطن.
    والإَول إمَّا أن تكون تلك الواسطة بحيث لا تغيب عن الذهن عند تصور الأطراف أو لا تكون كذلك ، فالأول هي الفطريات ، و تسمى بالقضايا التي قياساتها معها. و الثاني إمَّا أن يستعمل فيه الحدس ، وهو انتقال الذهن الدفعي من المبادي إلى المطالب أو لا يستعمل فيه ، فالأول هو الحَدْسيات ، والثاني إن كان الحكم فيه حاصلا بإخبار جماعة يمتنع عند العقل تواطؤهم على الكذب فهو المتواترات ، و إن لم يكن كذلك بل حاصلا من كثرة التجارب فهي التجربيات و قد علم بذلك حدّ كل واحد منها.


(253)
     سبحانه ، فلأجل ذلك رفضت الأشاعرة هذا العلم الضروري للحفاظ على عموم سلطته تعالى.

الدليل الثالث : لو كان الحُسن والقُبح عقليين لما تغيرا
    إِنَّ الحُسنَ والقُبحَ لو كانا عقليين لما اختلفا ، أي لما حَسُن القبيح و لما قَبُح الحسن ، و التَّالي باطل ، فإنَّ الكذب قد يحسن والصدق قد يقبح و ذلك فيما إذ تضمن الكذب إنقاذ نبي من الهلاك ، و الصدق إهلاكه.
    فلو كان الكذب قبيحاً لذاته لما كان واجباً و لا حسناً عندما استفيد به عصمة دم نبي عن ظالم يقصد قتله (1).
    و أجاب عنه المحقق الطّوسي بقوله : « و ارتكاب أقل القبيحين مع إمكان التخلّص » (2).
    و توضيحه : إِنَّ الكذب في هذه الصّورة على قبحه إلاّ أنَّ ترك انقاذ النبي أقبح من الكذب ، فيحكم العقل بارتكاب أقلّ القبيحين تخلّصاً من ارتكاب الأقبح. على أنَّه يمكن التخلص عن الكذب بالتعريض (أي التورية).
و باختصار : إِنَّ تخليص النبي أرجح من حسن الصدق فيكون تركه أقبح من الكذب فيرجح ارتكاب أدنى القبيحين و هو الكذب لا شتماله على المصلحة العظيمة ، على الصدق.
    أضف إلى ذلك ، أنَّ الإِستدلال مبني على كون قُبح الكذب و حُسن الصدق ، كقُبح الظّلم و حُسن العدل ، ذاتيين لا يتغيران. و أَمَّا على ما مرّ من أنَّ الأفعال بالنسبة إلى الحسن و القُبح على أقسام منها ما يكون الفعل علة تامة لأحدهما ، فلا يتغير حُسنه و لا قُبحه بعروض العوارض كحُسن الإِحسان
     1 ـ الإِحكام ، للآمدي ، ج 1 ، ص 121.
    2 ـ كشف المراد ، ص 187.


(254)
     و قُبح الإِساءة. و منها ما يكون مقتضياً لأحدهما ، فهو موجب للحسن لو لم يعرض عليه عنوان آخر ، و هكذا في جانب القبح. و قد تقدم أنَّ حُسْن الصّدق و قُبح الكذب من هذا القبيل. و منها ما لا يكون علة و لا مقتضياً لأحدهما كالضرب ، جزاء أو ايذاءً.     
    إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة و هي أنَّ هناك أفعالا يستقل العقل بحسنها و قبحها ، و يقضي بهما من دون أن يستعين بالشرع ، ويرى حسنها و قبحها مطّرداً في جميع الفاعلين ، من غير اختصاص بالخالق أو المخلوق. و قد ذكرنا مِلاك قضائه و هو ملاءمة الفعل أو منافرته للشخصية العلوية المثالية التي خلق الإِنسان عليها.
    ثم إنَّ القول بالتحسين والتقبيح العقليين إنما يتم على القول بأنَّ الإِنسان فاعل مختار ، و أمَّا على القول بأنَّه مجبور فى أفعاله ، فالبحث عنهما منفي بانتفاء موضوعه ، لأن شيئاً من أفعال المجبور لا يتصف بالحسن و لا بالقُبح عقلا. و بما أنَّ الأشاعرة يصوّرون الإِنسان فاعلا مجبوراً ، فلازم مقالتهم نفي التحسين و التقبيح العقليين ، و سيوافيك كون الإِنسان فاعلا مختاراً غير مجبور ، كما سيوافيك نقد ما استدل به الأشاعرة على مقالة الجبر (1).

التَّحسين و التقبيح في الكتاب العزيز
    إِنَّ التدبّر في آيات الذكر الحكيم يعطي أنَّه يُسَلّم استقلال العقل بالتحسين و التقبيح خارج إطار الوحي ، ثم يأمر بالحَسَن و ينهي عن القبيح.
     1 ـ لا حظ شرح تجريد الاعتقاد للفاضل القوشجي ، ص 329 ، حول قولهم بكون الإِنسان مجبوراً في فعله. و سيوافيك مفصّلا البحث في الجبر الأشعرى عند البحث في « العدل الإِلهى و أفعال الإِنسان ».

(255)
     1 ـ قال سبحانه : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاِْحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (1).
    2 ـ ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ ) (2).
    3 ـ ( يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ ) (3).
    4 ـ ( وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَآءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ) (4).
    فهذه الآيات تعرب بوضوح عن أنَّ هناك أموراً توصف بالإحسان والفحشاء و المنكر و البغي و المعروف قبل تعلّق الأمر أو النهي بها ، و أنَّ الإِنسان يجد اتصاف الأفعال بأحدها ناشئاً من صميم ذاته ، كما يعرف سائر الموضوعات كالماء و التراب. و ليس عرفان الإِنسان بها موقوفاً على تعلّق الشرع و إنما دور الشرع هو تأكيد إدراك العقل بالأمر بالحسن و النهي عن القبيح.
    أضف إلى ذلك أنَّه سبحانه يتخذ وجدان الإِنسان سنداً لفضائه فيما تستقل به عقليّته :
    5 ـ يقول تعالى : ( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الاَْرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) (5).
    6 ـ و يقول سبحانه : ( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ* مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (6).
    7 ـ و يقول سبحانه : ( هَلْ جَزَآءُ الاِْحْسَانِ إِلاَّ الاِْحْسَانُ ) (7).
     1 ـ سورة النحل : الآية 90.
    2 ـ سورة الاعراف : الآية 33.
    3 ـ سورة الاعراف : الآية 157.
    4 ـ سورة الاعراف : الآية 28.
    5 ـ سورة ص : الآية 28.
    6 ـ سورة القلم : الآيتان : 35 ـ 36.
    7 ـ سورة الرحمن : الآية 60.


(256)
     فالتدبّر في هذه الآيات لا يَدَعُ مجالا لتشكيك المشكّكين في كون التحسين و التقبيح من الأمور العقلية التي يُدركها الإِنسان بالحجة الباطنيّة من دون حاجة إلى حجة ظاهرية.


(257)
ثمرات التحسين و التقبيح العقليين
     تحتل مسألة التحسين و التقبيح العقليين مكانة مرموقة في الأبحاث الكلامية و ذلك أن أجلَّ ما تثبته هذه المسألة حكمة الباري تعالى و أنَّه منزَّه عن فعل ما لا ينبغي ، و به تنحل الكثير من المشاكل الكلامية و غيرها. و إليك فيما يلي بيان بعض منها.

1 ـ وجوب المعرفة
    إتفق المتكلمون ـ ما عدا الأشاعرة ـ على لزوم معرفة الله سبحانه على كل إنسان لزوماً عقلياً ، بمعنى أنَّ العقل يحكم بحُسْن المعرفة وقُبح تركها ، لِمَا في المعرفة من أداء شكر المنعِم ، وهو حسن ، و في تركها من الوقوع في الضَّرر المحتمل ، و هو قبيح. هذا إذا قلنا باستقلال العقل ، و إِلاّ لَمَا ثبت وجوب المعرفة ، لا عقلا ـ لأنه حسب الفرض معزول عن الحكم ـ و لا شرعاً ، لأنه لم يثبت الشرع بعد.

2 ـ وجوب تنزيه فعله سبحانه عن العبث
    ممّا يترتب على هذه المسألة تنزيه أفعاله سبحانه عن العبث و لزوم اقترانها بالغايات و الأغراض و هذه المسألة من المسائل التي تشاجرت فيها


(258)
     العدلية و الأشاعرة فالأولى على الإيجاب والثانية على السلب. و للحكماء فيها رأي خاص أيضاً ، و لذلك فإِنَّا نفردها بالبحث بعد عرض هذه النتائج.

3 ـ لزوم تكليف العباد
    إذا كان فعله سبحانه منزّهاً عن العبث ، يستقل العقل بالحكم بلزوم إيصال كل مكلف إلى الغايات التي خلق لها ، و ذلك بتكليفهم بما يوصلهم إلى الكمال ، و زجرهم عمّا يمنعهم عنه ، حتى لا يتركوا سدى ، و تتفتح في ضوء التكليف طاقاتهم الروحية. و عِلْم الإِنسان بالحُسن و القُبح لا يكفي في استكماله ، إذ هناك أمور تصده عن بلوغ الغاية أو توصله إليها و هي مجهولة له ، و لا تعلم إلاّ من طريق الوحي و الشرع.

4 ـ لزوم بعث الأنبياء
    إِنَّ مسألة لزوم إرسال الرسل أيضاً ، تبتني على هذه المسألة ، فالعقل الذي يدرك بأنَّ الإِنسان لم يخلق سدى بل خلق لغاية ، يدرك بأنه لا يصل إليها إلاّ بالهداية التشريعية الإِلهية ، فيستقل بلزوم بعث الدعاة من الله تعالى لهداية البشر (1).

5 ـ لزوم النظر في برهان مدّعي النبوّة
    لا شك أنَّ الانبياء الحقيقيين يبعثون بمعاجز و بيّنات ، فإذا ادّعى إنسان السَّفارة من الله تعالى إلى النَّاس ، فهل يجب على الناس ، النظر في دعواه و برهانه؟ على استقلال العقل في مجال التحسين و التقبيح ، يجب النظر و الإِصغاء دفعاً للضرر المحتمل. و أمَّا على القول بعدمه ، فلا يجب ذلك عقلا ـ لأنه حسب الفرض معزول ـ و لا شرعاً ، لعدم ثبوته بعد. و نتيجة ذلك أنَّ التارك للنظر معذور ، لأنه لم يهتد إلى حقيقة الأمر!.

6 ـ العِلْم بصدق دعوى النبوّة
    إِذا اقترنت دعوة المتَنّبئ بالمعاجز و البيّنات الواضحة ، فلو قلنا
     1 ـ سنبحث مفصلا في لزوم بعثة الأنبياء في مباحث النبّوة العامّة.

(259)
     باستقلال العقل في مجال الحُسن و القُبح ، حكمنا بصدقه ، لقبح إعطاء البيّنات للمدعي الكذّاب ، لما فيه من إضلال النَّاس. و أمَّا إذا عزلنا العقل عن الحكم في المقام ، فلا دليل على كونه نبيّاً صادقاً ، والشرع بعد لم يثبت حتى يحكم بصدقه.

7 ـ الخاتمية و استمرار أحكام الإِسلام
    إِنَّ استقلال العقل بالتحسين و التقبيح ، بالمعنى الذي عرفت من الملاءَمة للفطرة العلوية و المنافرة لها ، أساس الخاتميَّة و بقاء أحكام الإِسلام و خلودها إلى يوم القيامة. و ذلك أنَّ الفطرة مشتركة بين جميع أفراد البشر و لا تتبدل بتبدل الحضارات و تطّور المدنيّات ، فإِنَّ تبدلها لا يمسّ فطرة الإِنسان و لا يغيّر جبلّته ، فيصبح ما تستحسنه الفطرة أو تستقبحه خالداً إلى يوم القيامة ، و لا يتطرق التبدل و التغيّر إليه (1).

8 ـ ثبات الأخلاق
    إِنَّ مسألة ثبات الأخلاق في جميع العصور و الحضارات أو تبدلها تبعاً لاختلافها ، مما طرح مؤخراً عند الغربيين ودارت حوله المناقشات و أبديت فيه الآراء ، فمن قائل بثبات أصولها ، و من قائل بتبدلها و تغيّرها حسب تغيّر الأنظمةو الحضارات. ولكن المسألة لا تنحل إلاّفي ضوء التحسين و التقبيح العقليين الناشئين من قضاء الجِبِلَّة الإِنسانية العالية و الفطرة الثابتة ، فعند ذاك تتّسم أصول الأخلاق بسمة الثبات و الخلود. و أما ما يتغير بتغير الحضارات فإنما هو العادات و التقاليد العرفية.
    خذ على ذلك مثلا « إكرام المحسن » ، فإنه أمر يستحسنه العقل ، و لا يتغير حكم العقل هذا أبداً ، و إنما الذي يتغير بمرور الزمان ، وسائل الإِكرام و كيفياته. فإذاً ، الأصول ثابتة ، و العادات و التقاليد ـ التي ليست إلاّ لباساً للأصول ـ هي المتغيّرة.
     1 ـ سنبحث عن خاتمية الإِسلام في مباحث النبوّة الخاصّة.

(260)
9 ـ الحكمة في البلايا و المصائب و الشرور
    من المسائل المشهورة في الحكمة الإِلهية مسأله البلايا و الشرور ، فإِنَّ وجود هذه الحوادث أوجد إشكالات على حكمته بل عِلْمه تعالى ، فهي بظاهرها تدل على انعدام النّظام في الكون من جهة ، و تنافي حكمته بمعنى إتقان أفعاله من جهة ثانية ، و تنافي حكمتهـ على نحو الإِطلاق ـ أعني كون فعله منزهاً عمّا لا ينبغي من جهة ثالثة ، و تنافي حكمتهـ على نحو الخصوص ـ أعني عدله تعالى و قيامه بالقسط من جهة رابعة. و حيث إنها من المسائل الطويلة الذيل ، التي وقع فيها البحث و النقاش سواء في علم الكلام أو الفلسفة و الحكمة الإِلهية ، فإنَّا نفردها بالبحث بعد العرض الإِجمالي لهذه النتائج.

10 ـ الله عادل لا يجور
    من أبرز مصاديق حكمته تعالى ـ الثابتة بفضل القول بالتحسين و التقبيح العقليين ـ عدله ، بمعنى قيامه بالقسط و أنَّه لا يجور و لا يظلم و سنفرده بالبحث مع بيان مكانته في التشريع الإِسلامي. و يترتب عليه بعض النتائج منها :

أ ـ قبح العقاب بلا بيان
    إذا كان الله تعالى عادلا ، فإنه لا يعاقب عباده من دون أن يبين لهم تكاليفهم ، فإنَّ ذلك ظلم يحكم العقل بقبحه و لزوم تنزّه الواجب عنه. من دون فرق بين أن لا يقع البيان أصلا ، أو يقع و لا يصل إليهم لأسباب و عوامل معينة. و هذا الأصل مما اتفق عليه الأصوليون و بنوا عليه أصالة البراءة في الشبهات غير المقترنة بالعلم الإِجمالي.
    نعم ، المسألة تبتنى على التحسين و التقبيح العقليين إذا لم تثبت البراءة من الشرع بواسطة الكتاب و السنة ، و المفروض أنَّ البحث فيها بعده.
الالهيّات ::: الفهرس