ب ـ قبح التكليف بما لا يطاق من نتائج حكم العقل بعدله تعالى ، حكمه بلزوم وجود التمكّن و القدرة في العبد للإِتيان بما يُكَلَّفون به ، و أنَّ تكليفهم و إلزامهم بما هو فوق طاقتهم ظلم و هو قبيح لا يصدر عن الحكيم ، و لأجل أهمية هذا البحث نفرده أيضاً ببحث مستقل بعد عرض هذه النتائج.
ج ـ مدى تأثير القضاء و القدر في مصير الإِنسان من جملة المسائل المترتبة على عدله تعالى ، تأثير القضاء و القدر في مصير الإِنسان ، و هذه المسألة مع كونها من المسائل الأصولية في العقيدة الإِسلامية ، مما وقع فيه الجدل و النقاش إلى درجة التكفير و إراقة الدماء بين المسلمين في العصور الأولى. و يتفرع عليها مسألة البَداء أو تغيير المصير بالأعمال الصالحة أو الطالحة. و حيث إِنَّ الوقوف عليهما يتوقف على الإِسهاب والتفصيل في مباحثهما ، خصصنا كلاًّ منهما بفصل خاص من فصول الكتاب.
د ـ إختيار الإِنسان من جملة المسائل المترتبة على عدله تعالى ، اختيار الإِنسان في أفعال نفسه ، و ذلك أنَّ كونه مجبوراً مُسَيِّراًفيما يقوم به ، ظلم و جور. و حيث إِنَّ هذه المسألة أيضاً من المسائل التي كثر فيها الجدال و تعددت فيها الآراء بين إفراط و تفريط ، أفردناها بالبحث في فصل مستقلّ من الكتاب ، مع ما يتفرع عليها من البحوث حول الحسنة و السيئة ، و الهداية و الضلالة و غير ذلك.
هـ ـ المصحح للعقاب الأخروي من جملة التساؤلات التي طرحت حول عدله سبحانه ، ما هو المصحح للعقاب الأُخروي؟ و ذلك من جهتين :
(262)
الأولى ـ لماذا العقاب الأخروي؟ هل هو للتّشفي أو الإِنتقام و كلاهما نقص تعالى الله عنه. الثانية ـ إِنَّ مقتضى القانون العقلي أن تكون العقوبة على مقدار الجرم ، و التخلف عن ذلك ظلم و جور تنزَّه الله عنه ، فَلِمَ يُخَلّد الكافرون و المجرمون في النار أبداً؟. و سنجيب عنهما بعد التعرّض للبحث عن عدله تعالى (1).
1. و هناك جملةٌ آخرى من التساؤلات حول حكمته و عدله تعالى ، أجاب عنها الأستاذ دام ظله في موسوعته « الله خالق الكون » ، فلاحظ ص 97 ـ 99. و ص 269 ـ 281.
ذهبت الأشاعرة إلى أن أفعاله سبحانه ليست معللة بالأغراض و أنه لا يجب عليه شيء و لا يقبح منه شيء و استدلوا على ذلك بوجوه :
الوجه الأول لو كان فعله تعالى لغرض لكان ناقصاً لذاته مستكملا بتحصيل ذلك الغرض لأنه لا يصلح غرضاً للفاعل إلا ما هو أصلح له من عدمه و هو معنى الكمال (1). و أجابت العدلية بأنّ أفعاله تعالى معللة بالمصالح و الحِكَمْ تفضلا على العباد فلا يلزم الاستكمال و لا وجوب الأصلح. و اختاره صاحب المقاصد و تبعته الماتريدية (2). توضيح الجواب :
هل الغاية ، غاية للفاعل أو للفعل؟ إِنَّ الأشعري خلط بين الغرض الراجع إلى الفاعل ، و الغرض الراجع إلى فعله ، فالاستكمال موجود في الأول دون الثاني ، و القائل بكون أفعاله 1 ـ المواقف ص 231. 2 ـ إشارات المرام ص 54.
(264)
معلّلة بالأغراض و الغايات و الدواعي و المصالح ، إنما يعني بها الثاني دون الأول ، والغرض بالمعنى الأول ينافي كونه غنياً بالذات و غنياً في الصفات و غنياً في الأفعال ، و الغرض بالمعنى الثاني يوجب خروج فعله عن كونه عبثاً و لغواً ، و كونه سبحانه عابثاً و لاغياً فالجمع بين كونه غنياً غير محتاج إلى شيء ، و كونه حكيماً منزهاً عن العبث و اللغو ، بالقول باشتمال أفعاله على مصالح و حِكَم ترجع إلى العباد و النظام لا إلى وجوده و ذاته ، كما لا يخفى.
تفسير العلة الغائية العلة الغائية التي هي إحدى أجزاء العلة التامة ، يراد منها في مصطلح الحكماء ، ما تُخرج الفاعل من القوة إلى الفعل ، و من الإمكان إلى الوجوب ، و تكون متقدمة صورة و ذهناً و متأخرة وجوداً و تحققاً ، فهي السبب لخروج الفاعل عن كونه فاعلا بالقوة إلى كونه فاعلا بالفعل. مثلا : النجار لا يقوم بصنع الكرسي إلا لغاية مطلوبة مترتبة عليه ، و لو لا تصور تلك الغاية لما خرج عن كونه فاعلا بالقوة ، إلى ساحة كونه فاعلا بالفعل. و على هذا فللعلة الغائية دور في تحقق المعلول و خروجه من الإِمكان إلى الفعلية ، لأجل تحريك الفاعل نحو الفعل ، وسوقه إلى العمل. و لا نتصور العلة الغائية بهذا المعنى في ساحته ، لغناه المطلق في مقام الذات و الوصف و الفعل ، فكما أنه تام في مقام الوجود ، تام في مقام الفعل ، فلا يحتاج في الإِيجاد إلى شيء وراء ذاته. و إلا فلو كانت فاعلية الحق ، كفاعلية الإنسان ، فلا يقوم بالإيجاد و الخلق إلا لأجل الغاية المترتبة عليه ، فيكون ناقصاً في مقام الفاعلية مستكملا بشيء وراء ذاته ، و هو لا يجتمع مع غناه المطلق.. هذا ما ذكره الحكماء ، و هو حق لا غبار عليه. و قد استغلته الأشاعرة في غير موضعه و اتخذوه حجة لتوصيف فعله عارياً عن أية غاية و غرض ، وجعلوا فعله كفعل العابثين و اللاعبين ، يفعل (العياذ بالله) بلا غاية ، و يعمل بلا غرض ولكن الاحتجاج بما ذكره الحكماء لإثبات ما قالته ، واضح البطلان ، لأن
(265)
إنكار العلة الغائية بهذا المعنى ، لا يلازم أن لا يترتب على فعله مصالح و حكم ينتفع بها العباد و ينتظم بها النظام ، و إن لم تكن مؤثرة في فاعلية الحق و عليَّته ، و ذلك لأنه سبحانه فاعل حكيم ، والفاعل الحكيم لا يختار من الأفعال الممكنة إلا ما يناسب ذلك ، و لا يصدر منه ما يضاده و يخالفه. و بعبارة ثانية : لا يُعْنى من ذلك أنه قادر على أحد الفعلين دون الآخر ، و أنَّه في مقام الفاعلية يستكمل بالغاية ، فيقوم بهذا دون ذاك ، بل هو سبحانه قادر على كلا الأمرين ، و لا يختار منهما إلا ما يوافق شأنه ، و يناسب حكمته ، و هذا كالقول بأنه سبحانه يعدل و لا يجورُ ، فلسنا نعني من ذلك أنه تام الفاعلية بالنسبة إلى العدل دون الجور ، بل نعني أنه تام القادرية لكلا العملين. لكن عدله و حكمته ، و رأفته و رحتهِ ، تقتضي أن يختار هذا دون ذلك مع سعة قدرته لكليهما. هذه هي حقيقة القول بأن أفعال الله لا تعلل بالأغراض و الغايات و المصالح ، مع كون أفعاله غير خالية من المصالح و الحكم من دون أن يكون هناك استكمال.
الوجه الثَّاني ثم إنَّ أئمة الأشاعرة لما وقفوا على منطق العدلية في المقام و أنَّ المصالح و الحكم ليست غايات للفاعل بل غايات للفعل ، و أنَّها غير راجعة إلى الفاعل ، بل إلى العباد و النظام ، طرحوه على بساط البحث فأجابوا عنه. و إليك نص كلامهم : فإن قيل : لا نسلم الملازمة ، و إِنَّ الغرض قد يكون عائداً إلى غيره. قيل له : نفع غيره و الإِحسان إليه إن كان أولى بالنسبة إليه تعالى من عدمه ، جاء الإِلزام لأنه تعالى يستفيد حينئذ بذلك النفع و الإِحسان ، ما هو أولى به و أصلح ، و إن لم يكن أولى بل كان مساوياً أو مرجوحاً لم يصلح أن
(266)
يكون غرضاً له (1). و قد جاء بنفس هذا البيان « الفضل بن روزبهان » في رده على « نهج الحق » للعلامة الحلي و قال : إِنَّه لا يصلح غرضاً للفاعل إلا ما هو أصلح له من عدمه و ذلك لأن ما يستوي وجوده و عدمه بالنظر إلى الفاعل أو كان وجوده مرجوحاً بالقياس إليه لا يكون باعثاً على الفعل و سبباً لإقدامه عليه بالضرورة فكل ما يكون غرضاً وجب أن يكون وجوده أصلح للفاعل و أليق به من عدمه فهو معنى الكمال فإذن يكون الفاعل مستكملا بوجوده ناقصاً
بدونه (2). يلاحظ عليه : أن المراد من الأصلح والأولى به ، ما يناسب شؤونه فالحكيم لا يقوم إلا بما يناسب شأنه كما أن كل فاعل غيره يقوم بما يناسب المبادي الموجودة فيه. فتفسير الأصلح و الأولى بما يفيده و يكمله ، تفسير في غير موضعه. و معنى أنه لا يختار إلا الأصلح و الأولى ليس بمعنى أن هناك عاملا خارجياً عن ذاته ، يحدد قدرته و مشيئته و يفرض عليه إيجاد الأصلح و الأولى ، بل مقتضى كماله و حكمته ، هو أن لا يخلق إلا الأصلح ، و الأولى و يترك اللغو و العبث فهو سبحانه لما كان جامعاً للصفات الكمالية و من أبرزها كونه حكيماً ، صار مقتضى ذلك الوصف ، إيجاد ما يناسبه و ترك ما يضاده ، فأين هو من حديث الاستكمال و الاستفادة و الإلزام و الفرض؟ كل ذلك يعرب عن أن المسائل الكلامية طرحت في جو غير هادئ و أن الخصم لم يقف على منطق الطرف الآخر. والحاصل : إِنَّ ذاته سبحانه تامّة الفاعلية بالنسبة إلى كلا الفعلين : الفعل المقترن بالحكمة ، والخالي عنها ، و ذلك لعموم قدرته سبحانه للحسن 1 ـ المواقف ، ص 333. و شرحه ، ج 8 ، ص 204. 2 ـ دلائل الصدق ، ج 1 ، ص 233.
(267)
و القبيح. ولكن كونه حكيماً يصده عن إيجاد الثاني و يخص فعله بالأول ، و هذا صادق في كل فعل له قسمان : حسن و قبيح. مثلا : الله قادر على إنعام المؤمن و تعذيبه ، و تام الفاعلية بالنسبة إلى الكل ولكن لا يصدر منه إلا القسم الحسن منهما لا القبيح ، فكما لا يستلزم القول بصدور خصوص الحسن دون القبيح (على القول بهما) كونه ناقصاً في الفاعلية ، فهكذا القول بصدور الفعل المقترن بالمصلحة دون المجرد عنها ، و إنعام المؤمن ليس مرجوحاً و لا مساوياً لتعذيبه بل أولى به وأصلح لكن معنى صلاحه و أولويته لا يهدف إلى استكماله أو استفادته منه ، بل يهدف إلى أنه المناسب لذاته الجامعة للصفات الكمالية ، المنزهة عن خلافها. فجماله و كماله ، و ترفعه عن ارتكاب القبيح ، يطلب الفعل المناسب لهـ و هو المقارن للحكمة ـ والتجنب عن مخالفه.
الوجه الثالث : و هناك دليل ثالث للأشاعرة حاصله أن غرض الفعل خارج عنه ، يحصل تبعاً له و بتوسطه. و بما أنه تعالى فاعل لجميع الأشياء ابتداء ، فلا يكون شيء من الكائنات إلاّ فعلا له ، لا غرضاً لفعل آخر لا يحصل إلاّ به ، ليصلح غرضاً لذلك الفعل. و ليس جعل البعض غرضاً أولى من البعض (1). و كان عليه أن يقرر الدليل بصورة كاملة و يقول : لو كان البعض غاية للبعض فإما أن ينتهي إلى فعل لا غاية له ، فقد ثبت المطلوب. أو لا ، فيتسلسل ، و هو محال.يلاحظ عليه : لا يشك من أطلَّ بنظره إلى الكون ، بأنَّ بعض الأشياء بما فيها من الآثار ، خُلِقَ لأشياء أُخر. فالغاية من إيجاد الموجودات الدانية كونها في خدمة العالية منها و أما الغاية من خلق العالية فهي إبلاغها إلى حد تكون مظاهر 1 ـ المواقف ، ص 332. و شرحه ، ج 8 ، ص 204.
(268)
و مجالي لصفات ربّها و كمال بارئها. إذا نظرنا إلى الكون بالنظر التجزيئي ، نرى هناك أوائل الأفعال وثوانيها وثوالثها و ... فيقع الداني في خدمة العالي ويكون الغرض من إيجاد العالي إيصاله إلى كماله الممكن الّذي هو أمر جميل بالذات. ولا يتطلّب إيجاد الجميل بالذات غايةً سوى وجوده ، لأن الغاية منطوية في وجوده. هذا إذا نظرنا إلى الكون بالنظر التجزيئي. و أما إذا نظرنا إلى الكون بالنظر العامّ فالغاية للنظام الجملي ليست أمراً خارجاً عن وجود النظام حتى يسأل عنها بالنحو الوارد في الدليل ، بل هي عبارة عن الخصوصيات الموجودة فيه و هي بلوغ النظام بأبعاضه و أجزائه إلى الكمال الممكن ، والكمال الممكن المتوخى من الإِيجاد ، خصوصية موجودة في نفس النظام و يعدّ صورة فعلية له ، فالله سبحانه خلق النظام و أوجد فعله المطلق ، حتى يبلغ ما يصدق عليه فعله ، كلا أو بعضاً ، إلى الكمال الذي يمكن أن يصل إليه ، فليست الغاية شيئاً مفصولا عن النظام ، حتى يقال : ما هي الغاية لهذه الغاية حتى يتسلسل أو يصل إلى موجود لا غاية له. و بما أن إيصال كل ممكن إلى كماله ، غاية ذاتية لأنه عمل جميل بالذات ، فيسقط السؤال عن أنه لماذا قام بهذا ، لأنه حين أوصل كل موجود إلى كماله الممكن فالسؤال يسقط إذا انتهى إلى السؤال عن الأمر الجميل بالذات. فلو سئلنا عن الغاية لأصل الإيجاد و إبداع النظام ، لقلنا بأن الغرض من الإيجاد عبارة عن إيصال كل ممكن إلى كماله الممكن. ثم إذا طرح السؤال عن الهدف من إيصال كل ممكن إلى كماله الممكن ، لكان السؤال جزافياً ساقطاً لأن العمل الحسن بالذات ، يليق أن يفعل ، و الفعل و الغاية نفس وجوده. فالإيجاد فيض من الواجب إلى الممكن ، و إبلاغه إلى كماله فيض آخر ، يتم به الفيض الأول ، فالمجموع فيض من الفياض تعالى إلى الفقير المحتاج و لا ينقص من خزائنه شيء فأي كمال أحسن و أبدع من هذا ، و أي غاية أظهر من
(269)
ذلك ، حتى تحتاج إلى غاية أخرى و هذا بمثابة أن يسأل لماذا يفعل الله الأفعال الحسنة بالذات ، فإن الجواب مستتر في نفس السؤال و هو أنه فعلها لأنّها حسنة بالذات و ما هو حسن بالذات ، نفسه الغاية و لا يحتاج إلى غاية أخرى. و لأجل تقريب الأمر إلى الذهن نمثل بمثال : إذا سألنا الشاب الساعي في التحصيل و قلنا له لماذا تبذل الجهود في طريق تحصيلك؟ فيجيب : لنيل الشهادة العلمية ، فإذا أعدنا السؤال عليه و قلنا : ما هي الغاية من تحصيلها؟ يجيبنا : للاشتغال في إحدى المراكز الصناعية أو العلمية ، أوالإِدارية. فإِذا أعدنا عليه السؤال و قلنا ما هي الغاية من الاشتغال فيها؟ يقول : لتأمين وسائل العيش مع الأهل و العيال. فلو سألناه بعدها عن الغاية من طلب الرفاه و تأمين سبل العيش ، لوجدنا السؤال جزافياً لأن ما تقدم من الغايات و أجاب عنها غايات عرضية لهذه الغاية المطلوبة بالذات ، فإذا وصل الكلام إلى الأخيرة يسقط السؤال.
القرآن و أفعاله سبحانه الحكيمة والعجب من غفلة الأشاعرة عن النصوص الصريحة في هذا المجال يقول سبحانه : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ) (1). و قال عز من قائل ( وَ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ ) (2). و قال سبحانه : ( وَ مَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَ الأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) (3). و قال سبحانه : ( وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (4) إلى غير ذلك من الآيات التي تنفي العبث عن فعله و تصرح بإقترانه بالحكمة والغرض. 1 ـ سورة المؤمنون : الآية 115. 2 ـ سورة الدخان : الآية 38. 3 ـ سورة ص : الآية 27. 4 ـ سور الذاريات : الآية 56.
(270)
و أهل الحديث و بعدهم الأشاعرة الذين اشتهروا بالتعبد بظواهر النصوص تعبداً حرفياً غير مفوضين معانيها إلى الله سبحانه و لا مؤوّليها ، لا مناص لهم إلا تناس الآيات الماضية أو تأويلها و هم يفرون منه و ينسبونه إلى مخالفيهم.
عطف مذهب الحكماء على مذهب الأشاعرة و من الخطأ الواضح ، عطف مذهب الحكماء على مذهب الأشاعرة و تصوير أن الطائفتين تقولان بأن أفعال الله سبحانه غير معللة بالأغراض ، و هو خطأ محض كيف و هذا صدر المتألهين يخطِّئ الأشاعرة و يقول : إنَّ من المعطلة قوماً جعلوا فعل الله تعالى خالياً عن الحكمة والمصلحة ، و مع أنك قد علمت أن للطبيعة غايات (1). و قال أيضاً : إِنَّ الحكماء ما نفوا الغاية و الغرض عن شيء من أفعاله مطلقاً بل إنما نفوا في فعله المطلق إذا لوحظ الوجود الإمكاني جملة واحدة ، غرضاً زائداً على ذاته تعالى و أما ثواني الأفعال و الأفعال المخصوصة و المقيدة فاثبتوا لكل منها غاية مخصوصة كيف و كتبهم مشحونة بالبحث عن غايات الموجودات و منافعها كما يعلم من مباحث الفلكيات و مباحث الأمزجة والمركبات و علم التشريح و علم الأدوية و غيرها (2). و على ذلك فنظرية الحكماء تتلخص في أمرين : 1 ـ أن أفعاله غير متصفة بالعبث واللغو و أن هنا مصالح و حكماً تترتب على فعله ، يستفيد بها العباد ، و يقوم بها النظام. 2 ـ إذا لوحظ الوجود الإمكاني على وجه الإطلاق فليس لفعله غرض خارج عن ذاته ، لأن المفروض ملاحظة الوجود الإمكاني جملة واحدة و الغرض الخارج عن الذات لو كان أمراً موجوداً فهو داخل في الوجود الإمكاني و ليس شيئاً وراءه. 1 ـ الأسفار ، ج 2 ، ص 280. 2 ـ الأسفار ، ج 7 ، ص 84.