الالهيّات ::: 271 ـ 280
(271)
     و يقولون : ليس الغرض شيئاًخارجاً عن الذات و إنما الغرض نفس ذاته ، لئلا يكون ناقص الفاعلية لأن الحاجة إلى شيء خارج عن ذاته في القيام بالفعل ، آية كونه ناقصاً في الفاعليته ، و المفروض أنه سبحانه تام في فاعلية ، غني في ذاته و فعله عن كل شيء سوى ذاته (1).
    ثم إِنَّ لهم بياناً فلسفياً ممزوجاً بالدليل العرفاني يهدف إلى كون الغرض من الخلق هو ذاته سبحانه و به فسروا قوله سبحانه :
    ( وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) و قوله في الحديث القدسي : « كنت كنزاً مخفياً فأحببتُ أن أُعْرَفَ فخلقت الخلقَ لكي أُعرف » والله سبحانه هو غاية الغايات. و من أراد الوقوف على برهانهم فليرجع إلى أسفارهم (2).
     1 ـ الأسفار ، ج 2 ، ص 263.
    2 ـ لا حظ الأسفار ، ج 2 ، ص 263.


(272)

(273)
ثمرات التحسين و التقبيح العقليين
(2)


البلايا و المصائب والشرور
     وكونه حكيما
ً
    إِنَّ مسألةالبلايا و المصائب والشرور ، من المسائل المشهورة الذائعة الصيت في الحكمة الإِلهية ، و لها صلة بالمباحث التالية :
    1 ـ إذا كان الدليل على وجود الخالق المدبر هو النظام السائد في الكون. فكيف يفسّر وجود بعض الظواهر غير المتوازنة العاصية عن النظام كالزلازل والسيول و الطوفانات ، فإنها من أبرز الأدلة على عدم النظام.
    2 ـ لو كان الصانع تعالى حكيماً في فعله ، متقناً في عمله ، واضعاً كل شيء في محله ، منزّهاً فعله عمّا لا ينبغي ، فكيف تفسَّر هذه الحوادث التي لا تنطبق مع الحكمة سواء أفسرت بمن يصنع الأشياء المتقَنة أو من يكون فعله منزهاً عمّا لا ينبغي.
    3 ـ إذا كان الخالق عادلاً و قائماً بالقسط فكيف يجتمع عدله سبحانه مع هذه الحوادث التي تبتلع النفوس البريئة في آن واحد ، و تخرّب الديار و تدمرها. إلى غير ذلك.
    و على ذلك فالبحث عن المصائب و البلايا و الشرور يرتبط بالمسائل المتقدمة ، و نحن نطرح هذه المسألة بعد أن أقمنا الدليل على كونه حكيماً.


(274)
     إِنَّ البحث عن الشرور ، ليس مسألة جديدة كشف عنها فلاسفة الغرب و منهم الفيلسوف « هيوم » الإِنكليزي ، كما ربما يتخيله بعض من لا خبرة له بالفلسفة الإِسلامية ، بل والإِغريقية ، فإن هذه المسألة قد طرحت بين القدامى من فلاسفة الإِغريق ، و المتأخرين من فلاسفة الإِسلام.
    فقد اشتهر قول أرسطو : « إِنَّ الموجودات الممكنة بالقسمة العقلية في بادئ الإِحتمال تنقسم إلى خمسة أقسام :
    1 ـ ما هو خير كله لا شرّ فيه أصلا.
    2 ـ ما فيه خير كثير مع شرّ قليل.
    3 ـ ما فيه شرّ كثير مع خير قليل.
    4 ـ ما يتساوى فيه الخير و الشرّ.
    5 ـ ما هو شر مطلق لا خير فيه أصلا ».
    ثم صرّحوا بأنَّ الأقسام الثلاثة الأخيرة غير موجودة في العالم ، و إنما الموجود من الخمسة المذكورة هو قسمان (1).
    و قد بحث الفيلسوف الإسلامي صدر الدين الشيرازي (ت 979 هـ ، م 1050 هـ ) عن مسألة الخير و الشر و المصائب و البلايا في كتابه القيّم « الأسفار الأربعة » في ثمانية فصول بحثاً علمياً ، كما بحث عنها الحكيم السبزواري في قسم الفلسفة من شرح المنظومة بحثاً متوسطاً. و قد سبقهما عدة من الأجلاّء كما تبعهما ثلة أُخرى من المفكرين الإسلاميين. و نحن نقتبس فيما يلي ما ذكره هؤلاء المحققون بتحليل و تشريح خاص فنقول :
    إِنَّ مسألة الشرور و البلايا دفعت بعض الطوائف في التاريخ و حتى اليوم إلى الاعتقاد بالتعدد في الخالق ، و هو الاتجاه المسمى بالثَّنويّة ، حيث تصوّر أنَّ إله الخير هو غير إله الشَّر ، هروباً من الإِشكال المذكور ، و لأجل ذلك عرفوا بالثَّنوية. و بما أنَّهم يعتقدون بأنَّ الإِلهين مخلوقان للإِله الواجب
     1 ـ الأسفار ، ج 7 ، ص 68.

(275)
     الواحد ، فهم من أهل التثليث على هذا الإِعتبار.
    و على كل تقدير فالإِجابة عن مشكلة الشرور تتحقق بوجهين :
اولا ـ تحليلها تحليلافلسفياً كلياً.
الثاني ـ تحليلها تحليلا تربوياً مؤثراً في تكامل النفوس.
    فعلى من يريد الإسهاب في البحث أنْ يلج البابين ، و هاك البيان :

البحث الأول ـ التحليل الفلسفي لمسألة الشرور.
    حاصل هذا التحليل أنَّ ما يظنه بعض الناس من أنَّ هناك حوادث غير منتظمة ، أوْ ضارّة مدمّرة ، فإنما هو ناشيء من نظراتهم الضّيقة المحدودة إلى هذه الأمور. و لو نظروا إلى هذه الحوادث في إطار « النظام الكوني العام » لأذعنوا بأنها خير برمتها ، و يكون موقف المسألة كما قاله الحكيم السَبْزَواري :
ما ليس مَوْزوناً لِبَعْض مِنْ نَغَم فَفي نِظامِ الكُلِّ كُلٌّ مُنْتَظَم
هذا إجمال الجواب ، و أَما تفصيله فيتوقف على بيان أمرين :

الأَمر الأَول ـ النَّظرة الضيّقة إلى الظواهر
    إِنَّ وصف الظواهر المذكورة بأنَّها شاذّة عن النظام ، و أَنَّها شرور لا تجتمع مع النظام السائد على العالم أولا ، و حكمته سبحانهـ بالمعنى الأعم ـ ثانياً ، و عدله و قسطه ثالثاً ، ينبع من نظرة الإِنسان إلى الكون من خلال نفسه ، و مصالحها ، و جعلها محوراً و مِلاكاً لتقييم هذه الأمور. فعندما ينظر إلى الحوادث و يرى أنَّها تعود على شخصه و ذويه بالإِضرار ، ينبري من فوره إلى وصفها بالشرور و الآفات. و ما هذا إلاّ لأَنه يتوجه إلى هذه الظواهر من منظار خاص و يتجاهل غير نفسه في العالم ، من غير فرق بين من مضى


(276)
     من غابر الزمان و من يعيش في الحاضر في مناطق العالم أو سوف يأتي و يعيش فيها. ففي النَّظرة الأَولى تتجلى تلك الحوادث شراً وبليّة. ولكن هذه الحوادث في الوقت نفسه و بنظرة ثانية تنقلب إلى الخير و الصلاح و تكتسي خلق الحكمة والعدل و النَّظْم. و لبيان ذلك نحلل بعض الحوادث التي تعد في ظاهرها من الشرور فنقول :
    إِنَّ الإِنسان يرى أنّ الطوفان الجارف يكتسح مزرعته ، و السَيْل العارم يهدم منزله ، والزلزلة الشديدة تُزَعْزِعُ بُنيانه ، ولكنه لا يرى ما تنطوي عليه هذه الحوادث و الظواهر من نتائج إيجابية في مجالات أُخرى من الحياة البشرية.
    و ما أَشبه الإِنسان في مثل هذه الرؤية المحدودة بعابر سبيل يرى جرّافة تحفر الأرض ، أو تهدم بناءً مُحْدِثَةً ضوضاءَ شديداً و مُثيرة الغبار والتراب في الهواء ، فيقضي من فوره بأنه عمل ضار و سيء و هو لا يدري بأَنَّ ذلك يتم تمهيداً لبناء مستشفى كبير يستقبل المرضى و يعالج المصابين و يهيء للمحتاجين إلى العلاج وسائل المعالجة والتمريض.
    ولو وقف على تلك الأَهداف النبيلة لقضى بغير ما قضى ، ولَوَصَفَ ذلك التهديم بأنه خير ، و أَنّه لا ضير فيما حصل من الضوضاء ، و تصاعد من الأَغبرة.
    إِنَّ مَثَلَ هذا الإِنسان المحدود النظر في تقييمه ، مَثَل الخفاش الذي يؤذيه النور لأنه يَقبض بصره ، بينما يبسط هذا النور ملايين العيون على آفاق الكون و يسهل للإِنسان مجالات السعي والحياة. أَفهل يكون قضاء الخفاش على النور بأنه شرٌ مِلاكاً لتقييم هذه الظواهر الطبيعية المفيدة؟ كلا ، لا.

الأمر الثَّاني ـ الظواهر حلقات في سلسلة طويلة
    إنَّ النظر إلى ظاهرة من الظواهر ، منعزلة عن غيرها ، نظرة ناقصة


(277)
     و مبتورة. لأنَّ الحوادث حلقات مترابطة متسلسلة في سلسلة ممتدة ، فما يقع الآن منها يرتبط بما وقع في أعماق الماضي و بما سيقع في المستقبل ، في سلسلة من العلل و المعاليل و الأسباب و المسبَّبات.
    و من هنا لا يصحّ القضاء على ظاهرة من الظواهر بحكم مع غض النظر عما سَبَقَها ، و ما يلحقها ، بل القضاء الصحيح يتحقق بتقييمها جُملة واحدة والنظر اليها نظراً كلياً لا جزئياً. فإِنَّ كل حادثة على البسيطة أو في الجو ترتبط ارتباطاً وثيقاً بما سبقها أَوْ يلحقها من الحوادث. حتى أنَّ ما يهب من النسيم و يعبث بأوراق المنضدة التي أَمامك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما حدث أو سيحدث في بقاع العالم. فلا بد للمحقق أن يلاحظ جميع الحوادث بلون الإِرتباط و التَّشكل. فعند ذاك يتغير حكمه ويتبدل قضاؤه ولن يصف شيئاً بالشذوذ ، ولن يَسِمَ شيئاً بأَنَّه من الشرور.
    إذا عرفت هذين الأمرين فلنأْتِ ببعض الأَمثلة التي لها صلة بهما :
    1 ـ إذا وقعت عاصفة على السواحل فإنها تقطع الأشجار و تدمر الأَكواخ و تقلب الأثاث ، فتوصف عند ساكني الساحل بالشر و البلية ، ولكنها في الوقت نفسه تنطوي على آثار حيويّة لمنطقة أُخرى.
    فهي مثلا توجب حركة السُفُن الشِّراعيَّة المتوقفة في عرض البحر بسبب سكون الريح. و بهذا تنقذ حياة المئات من ركّابها اليائسين من نجاتهم ، و توصلهم إلى شواطئ النجاة ، فهي موصوفة عند ركّاب السفينة بالخير.
    2 ـ إِنَّ الرياح و إِنْ كانت ربما تهدم بعض المساكن إلاّ أَنها في نفس الوقت تعتبر وسيلة فعالة في عملية التلقيح بين الإَزهار و تحريك السحب المولدة للمطر و تبديد الأدخنة المتصاعدة من فوهات المصانع والمعامل التي لو بقيت و تكاثفت لتعذرت أَوْ تعسّرت عملية التنفس لسكان المدن و القاطنين حول تلك المصانع. إلى غير ذلك من الآثار الطيبة لهبوب الرياح ، التي تتضاءل عندها بعض الآثار السيئة أو تكاد تنعدم نهائياً.


(278)
     3 ـ الزلازل و إِنْ كانت تسبب بعض الخسائر الجزئية أو الكلية في الأَموال و النفوس ، إِلاّ أَنَّها توصف بالخير إذا وقفنا على أَنَّ علّتها ـ على بعض الفروض ـ جاذبية القمر التي تجذب قشرة الأرض نحو نفسها ، فيرتفع قاع البحر و يوجب ذلك الزلازل في مناطق مختلفة من اليابسة. فإنَّ هذا في نفس الوقت يوجب أَنْ تصعد مياه البحار و الأَنهار فتفيض على الأراضي المحيطة بها و تسقي المزارع و السهول فتجدد فيها الحياة و تجود بخير العطاء.
    و يترتب على الزلازل آثار نافعة أُخرى يقف عليها الإِنسان المتفحص في تلك المجالات ، فهل يبقى مجال مع ملاحظة هذين الأَمرين للقضاء العاجل بأنَّ تلك الحوادث شرور و بلايا لا يترتب عليها أيّة فائدة؟.
    إِنَّ عِلْمَ الإِنسان المحدود هو الذي يدفعه إلى أَنْ يقضي في الحوادث بتلك الأقضية الشاذة ، ولو وقف على علمه الضئيل و نسبة علمه إلى ما لا يعلمه لرجع القَهْقَرى قائلا : ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ ) (1). و لأذعن بقوله تعالى : ( وَ مَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) (2). و قوله سبحانه : ( يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) (3).
    و لهذا السبب نَجِدُ أنَّ العلماء الموضوعيين الذين لم تبهرهم منجزات العلوم ولم يغرّهم ما حصل لهم من التقدم ، يعترفون بقصور العلم البشري و يَحْذَرُون من التسرع في القضاء والحكم على الأشياء. كيف و هذا العالم الإِنكليزي الأستاذ (وليم كروكش) مكتشف إشعاع المادة ، والمخترع لكثير من أدوات التجارب الكيميائية قال : « من بين جميع الصفات التي عاونتني في مباحثي النفسية ، و ذلّلت لي طرق اكتشافاتي الطبيعية ، و كانت تلك الإِكتشافات أحياناً غير منتظرة ، هو اعتقادي الراسخ بجهلي » (4). إلى غير
     1 ـ سورة آل عمران : الآية 191.
    2 ـ سورة الإِسراء : الآية 85.
    3 ـ سورة الروم : الآية 7.
    4 ـ على أطلال المذهب المادي ، ج 1 ، ص 136.


(279)
     ذلك من الكلمات المأثورة عن كبار المفكرين و أعاظم الفلاسفة والمعنيين بتحليل الظواهر الطبيعية ، فإنك تراهم يعترفون بجهلهم و عجزهم عن الوقوف على أسرار الطبيعة. و هذا هو المخ الكبير في عالم البشرية الشيخ الرئيس يقول : « بلغ علمي إلى حدّ علمت أني لست بعالم ».

تحليل فلسفي آخر للشرور
    قد وقفت على التحليل الفلسفي الماضي ، و هناك تحليل فلسفي آخر لمشكلة البلايا و المصائب و لعله أدق من سابقه ، و حاصله :
    إِنَّ الشر أمر قياسي ليس له وجود نفسي و إِنما يتجلى عند النفس إذا قيس بعض الحوادث إلى بعض آخر ، و إليك بيانه :
    إِنَّ القائلين بالثَّنوية يقولون إِنَّ الله سبحانه خير محض ، فكيف خلق العقارب السّامة والحيَّات القاتلة و الحيوانات المفترسة و السباع الضواري.
    ولكنهم غفلوا عن أنَّ اتصاف هذه الظواهر بالشرور اتصاف قياسي وليس باتصاف نفسي ، فالعقرب بما هو ليس فيه أي شر ، و إنما يتصف به إذا قيس إلى الإِنسان الذي يتأذَّى من لسعته ، فليس للشرّ واقعية في صفحة الوجود ، بل هو أمرُ انتزاعي تنتقل إليه النفس من حديث المقايسة ، ولولاها لما كان للشرّ مفهوم و حقيقة. و إليك توضيح هذا الجواب.
    إِنَّ الصفات على قسمين : منها ما يكون له واقعية كموصوفه ، مثل كون الإِنسان موجوداً ، أو أَنَّ كل متر يساوي مائة سنتيمتر. فاتصاف الإِنسان بالوجود والمتر بالعدد المذكور ، أَمران واقعيان ثابتان للموجود ، توجه إليه الذهن أَم لا. حتى لو لم يكن على وجه البسيطة إِلاّ إنسان واحد أو متر كذلك فالوصفات ثابتان لهما.
    ومنه ما لا يكون له واقعية إلاّ أَنَّ الإِنسان ينتقل إلى ذلك الوصف ، أَو بعبارة صحيحة ينتزعه الذهن بالمقايسة ، كالكبر و الصغر ، فإِنَّ الكبر ليس


(280)
     شيئاً ذا واقعية للموصوف و إنما يُدْرَك بالقياس إلى ما هو أصغر منه.
    مثلا : الأرض توصف بالصِغَر تارة إذا قيست إلى الشمس ، و بالكِبَر أخرى إذا قيست إلى القمر. و لأجل ذلك لا يدخلان في حقيقة الموصوف ، و إِلا لما صح وصف الأرض بوصفين متعارضين.
    إذا عرفت انقسام الأَوصاف إلى القسمين ، فعليك تحليل مفهوم الشر على ضوء هذا البيان فنقول : إِنَّ كون العقرب موجوداً و ذا سمَّ ، من الأمور الحقيقية. و أما كونه شرّاً ، فليس جزءاً من وجوده ، و إِنمايتصف به سمّ العقرب إذا قيس إلى الإِنسان و تضرره به أو فقدانه لحياته بسببه ، و إِلاّ فانه يعدّ كمالا للعقرب و موجباً لبقائه. فإذا كان كذلك سهل عليك حلّ عقدة الشرور من جوانبها المختلفة.
    أَما من جانب التوحيد في الخالقية و أنَّه ليس من خالق في صفحة الوجود إلاّ الله سبحانه و هو خير محض ليس للشر إليه سبيل ، فكيف خَلَقَ هذه الموجودات المتسمة بالشر ، فالجواب أنَّ المخلوق هو ذوات هذه الأشياء و ما لها من الصفات الحقيقية ، و أَما اتصافها بالشر فليس أمراً حقيقياً محتاجاً إِلى تعلق العلّة ، بل هو أَمرٌ قياسي يتوجه إليه الإِنسان ، عند المقايسة.
    و إلى هذا المعنى تؤول كلمات الفلاسفة القدامى إذ قالوا :
    « 1 ـ الشر أمرٌ عدمي ، و ليس أَمراً موجوداً محتاجاً إلى العلّة.
    2 ـ الشَّر ليس مجعولا بالذات بل مجعول بالعَرَض.
    3 ـ إذا تصفحت جميع الأشياء الموجودة في هذا العالم المسمَّاة عند الجمهور شروراً ، لم تجدها في أَنفسها شروراً ، بل هي شرور بالعَرَض خيْرات بالذات » (1).
    و نحو ذلك الأخلاق الذميمة فإنها كلها كمالات للنفوس السَّبُعِيّة و البهيمية و ليست بشرور للقوى الغضبية و الشَّهَوِيَّة. و إِنما شِرِّيَّة هذه الأَخلاق
     1 ـ الأسفار الاربعة ، ج 7 ، ص 62.
الالهيّات ::: الفهرس