الرذيلة بالقياس إلى النفوس الضعيفة العاجزة عنِ ضبط قواها عن الإِفراط و التفريط و عن سوقها إلى مسلك الطاعة الذي تناط به السعادة الباقية. و كذلك الآلام و الأوجاع والغموم و الهموم فهي من حيث كونها إدراكات ، و من حيث وجودها أو صدورها من العلل الفاعلة لها ، خيرات كمالية ، و إِنما هي شرور بالقياس إلى متعلقاتها. و أمَّا من جانب توصيفه سبحانه بالحكمة و الإِتقان في الفعل و العمل ، فليس في خلق هذه الحوادث و الموجودات شيء يخالف الحكمة ، فإنه سبحانه خلق العقارب والحيّات و الضواري و السباع بأحسن الخلقة و أعطاها ما يكفيها في الحياة ( الذِي أَعْطَى كُلَّ شَيء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) (1). و إِنما تتسم هذه الحوادث و الموجودات بالشر ويتراءى أنها خلاف الحكمة من حيث المقايسة ، و هو أمر ذهني لا خارجي. إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة و هي أَنَّ هناك عاملين دفعا الإِنسان إلى تصور أَنَّ الشَّر ، أَمرٌ عيني خارجي يعد إيجاده على خلاف الحكمة والعدل و أَنَّه عصيان عن النظم و هما : 1 ـ النَّظرة إلى الأَشياء من منظر الأنانية و تناسي سائر الموجودات. 2 ـ تصور أنَّ الشر له عينية خارجية كالموصوف ، و الغفلة عن أَنَّه أمرٌ عدمي يتوجه إليه الذهن عند المقايسة. و قد حان وقت البحث عن التحليل التربوي للشرور الذي يسهّل التصديق بعدم كون إيجادها على فرض كونها أموراً عينية في الخارج ـ لأجل هذه الآثار التربوية ـ مخالفاً للحكمة والعدل.
إزاحة الغرور و الغفلة عن الضمائر والعقول ثانياً. و لأَجل هذه الفوائد صحّ إيجادها ، سواء قلنا بأنّ الشرّ موجود بالذات ، كما عليه المعترض ، أو موجود بالعَرَض ، كما حققناه. و إليك فيما يلي توضيح هذه الآثار واحدة بعد الأخرى.
أ ـ المصائب وسيلة لتفجير الطَّاقات إِنَّ البلايا و المصائب خير وسيلة لتفجير الطاقات و تقدّم العلوم ورقي الحياة البشرية ، فها هم علماء الحضارة يصرّحون بأن أكثر الحضارات لم تزدهر إلا في أَجواء الحروب و الصراعات و المنافسات حيث كان الناس يلجأون فيها إلى استحداث وسائل الدفاع في مواجهة الأعداء المهاجمين ، أو إصلاح ما خرّبته الحروب من دمار و خراب. ففي مثل هذه الظروف تتحرك القابليات بجبران ما فات ، و تتميم ما نقص ، و تهيئة ما يلزم. و في المثل السائر : « الحاجة أُمّ الإِختراع ». و بعبارة واضحة : إِذا لم يتعرض الإِنسان للمشاكل في حياته فإن طاقاته ستبقى جامدة هامدة لا تنمو و لا تتفتح ، بل نمو تلك المواهب و خروج الطاقات من القوة إلى الفعلية ، رهن وقوع الإِنسان في مهب المصائب و الشدائد. نعم ، لا ندَّعي بأنَّ جميع النتائج الكبيرة توجد في الكوارث و إنّما ندَّعي أَنَّ عروضها يُهيء أَرضية صالحة للإِنسان للخروج عن الكسل. و لأجل ذلك ، نرى أنَّ الوالدين الذين يعمدان إلى إِبعاد أَولادهما عن الصعوبات و الشدائد لا يدفعان إلى المجتمع إلاّ أَطفالا يهتزون لكل ريح كالنبتة الغضّة أَمام كل نسيم. و أما اللذان يُنشئان أولادهما في أجواء الحياة المحفوفة بالمشاكل
(283)
و المصائب فيدفعان إلى المجتمع أَولاداً أَرسخ من الجبال في مهب العواصف. قال الإِمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) : « ألا إِنَّ الشَّجرَةَ البَرّيّة أَصْلَبُ عُوداً ، و الرَّوائِعَ الخَضِرَةَ أرَقُّ جُلوداً ، و النباتاتِ البَدَويَّة أَقوى وَقُوداً و أَبطَأُ خُموداً » (1). و إلى هذه الحقيقة يشير قوله سبحانه : ( فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) (2). و قوله تعالى : ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) (3). و قوله تعالى : ( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب ) (4) أي تَعَرَّض للنَّصَب و التعب بالإِقدام على العمل و السعي و الجهد بعدما فرغت من العبادة ، و كأنَّ النصر والمحنة حليفان لا ينفصلان و أَخوان لايفترقان.
ب ـ المصائب و البلايا جرس إِنذار إِنَّ التمتع بالمواهب الماديَّة و الإِستغراق في اللذائذ و الشهوات يوجب غفلة كبرى عن القيم الأخلاقية ، و كلما ازداد الإِنسان توغّلا في اللذائذ و النعم ، ازداد ابتعاداً عن الجوانب المعنوية. و هذه حقيقة يلمسها كل إِنسان في حياته و حياة غيره ، و يقف عليها في صفحات التاريخ. فإذن لا بد لأنتباه الإِنسان من هذه الغفلة من هزّة و جرس إِنذار يذكّره و يوقظ فطرته و ينبهه من غفلته. و ليس هناك ما هو أَنفع في هذا المجال من بعض الحوادث التي تقطع نظام الحياة الناعمة بشيء من المزعجات حتى يدرك عجزه و يتخلى عن غروره و يخفف من طغيانه. و نحن نجد في الكتاب العزيز التصريح بصلة 1 ـ نهج البلاغة ـ خطبة 45. 2 ـ سورة النساء : الآية 19. 3 ـ سورة الانشراح : الآيتان 5 و 6. 4 ـ سورة الانشراح : الآيتان 7 و 8.
(284)
الطغيان بإحساس الغِنى ، إذْ يقول عزوجل : ( كَلاَّ إِنَّ الاِْنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى ) (1). و لأجل هذا يعلل القرآن الكريم بعض النوازل والمصائب بأَنها تنزل لأَجل الذكرى و الرجوع إلى الله ، يقول سبحانه : ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَة مِّن نَّبِيّ إِلآَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ) (2). و يقول ايضاً : ( وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْص مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) (3). هكذا تكون البلايا و المصائب سبباً ليقظة الإِنسان و تذكرة له ، ، فهي بمثابة صفع الطبيب وجه المريض المبنّج لإِيقاظه ، الذي لولا صفعته لانقطعت حياة المريض. فقد خرجنا بهذه النتيجة و هي أَنَّ التكامل الأَخلاقي رهن المحن والمصائب ، كما أنَّ التفتح العقلي رهن البلايا و النوازل. والإِنسان الواعي يتخذها وسيلة للتخلي عن الغرور ، كما يتخذها سلماً للرقي إلى مدارج الكمال العلمي ، و قد لا يستفيد منها شيئاً فيعدّها مصيبة وكارثة في الحياة.
ج ـ البلايا سبب للعودة الى الحق إِنَّ للكون هدفاً ، كما أنَّ لخلق الإِنسان هدفاً كذلك ، و ليس الهدف من خلقة الإِنسان إلاّ أَنْ يتكامل و يصل إلى ما يمكن الوصول إِليه. و ليس الهدف من بعث الأَنبياء و إِنزال الكتب إِلاّ تحقيق هذه الغاية السامية. و لما كانت المعاصي والذنوب من أَكبر الأَسباب التي توجب بعد الإِنسان عن الهدف الذي خُلق من أَجله ، و تعرقل مسيرة تكامله ، كانت البلايا 1 ـ سورة العَلَق : الآيتان 6 و 7. 2 ـ سورة الاعراف : الآية 94. 3 ـ سورة الاعراف : الآية 130.
(285)
والمصائب خير وسيلة لإِيقاف الإِنسان العاصي على نتائج عتوه و عصيانه حتى يعود إِلى الحق و يرجع إِلى الطريق الوسطى. و إِلى هذه النكتة يشير قوله سبحانه : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (1). و يقول سبحانه في آية الأخرى : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَات مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) (2).
د ـ البلايا سبب لمعرفة النّعم و تقديرها إِنَّ بقاء الحياة على نمط واحد يوجب أنْ لا تتجلى الحياة لذيذة محبوبة ، و هذا بخلاف ما إذا تراوحت بين المُرّ و الحُلو و الجميل و القبيح ، فلا يمكن معرفة السلامة إِلاّ بالوقوف على العيب. و لا الصّحة إلاّ بلمس المرض ، و لا العافية إِلاّ عند نزول البلاء. و لا تدرك لذة الحلاوة إِلاّ بتذوق المرارة. فجمال الحياة و قيمة الطبيعة ينشئان من التنوع و الإِنتقال من حال الى حال و من وضع إلى آخر. و لأجل ذلك نلمس أَنَّ خالق الطبيعة جعل الوديان إلى جانب الجبال ، و الأَشواك جانب الورود ، و الثّمار المرّة جَنْب الحلوة ، والماء الأَجاج جَنْب العَذْب الفُرات ، إلى غير ذلك من مظاهر التضاد و التباين التي تضفي على الطبيعة بهاءً وجمالا ، و كمالا و جلالا. هذه هي الآثار التربوية للمصائب والبلايا ، و تكفي في تسويغ نزولها ، و تبرير تحقيقها في الحياة البشرية.
1 ـ سورة الروم : الآية 41. 2 ـ سورة الاعراف : الآية 96.
(286)
البلايا المصطنعة للأَنظمة الطاغوتية إِنَّ هناك من المِحَن ما ينسبه الإِنسان الجاهل إلى خالق الكون ، والحال أنَّها من كسب نفسه و نتيجة منهجه. بل الأَنظمة الطاغوتية هي التي سببت تلك المحن و أوجدت تلك الكوارث ، و لو كانت هناك أنظمة قائمة على قيم إلهية لما تعرض البشر لتلك المحن. فالتقسيم الظالم للثروات هو الذي صار سبباً لتجمع الثروة عند ثلّة قليلة ، و انحسارها عن جماعات كثيرة ، كما صار سبباً لتمتع الطائفة الأولى بكل وسائل الوقاية والحماية من الأَمراض والحوادث و حرمان الطائفة الثانية منها. فهذه البلايا المصطنعة خارجة عن إطار البحث ، فلا تكون موقظة للفكر و لا مزكيّة للنفوس ، بل تهيء أَرضية صالحة للإِنتفاضات و الثورات. إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة و هي أَنَّ الظواهر غير المتوازنة بحسب النظرة السطحية متوازنة بالقياس إلى مجمل النّظام و لها آثار اجتماعيَّة و تربويَّة ولا مناص في الحياة البشريَّة منها فلا تعد مناقضة للنَّظْم السائد و لا لحكمة الخالق و لا لعدله و قسطه سبحانه و تعالى.
إِنَّ مقتضى التَّحسين و التّقبيح العقليين ـ على ما عرفت ـ هو أَنَّ العقل ـ بما هو هو ـ يدرك أَنَّ هذا الشيء ـ بما هو هو ـ حسن أو قبيح ، و أَن أحد هذين الوصفين ثابت للشيء ـ بما هو هو ـ من دون دخالة ظرف من الظروف أَو قيد من القيود ، و من دون دخالة دَرْكِ مدرك خاص. و على ذلك فالعقل في تحسينه و تقبيحه يدرك واقعية عامة ، متساوية بالنسبة إلى جميع المدركين و الفاعلين ، من غير فرق بين الممكن والواجب. فالعدل حَسَن و يُمْدَح فاعله عند الجميع ، والظلم قبيح يُذَمّ فاعلهُ عند الجميع. و على هذا الأساس فالله سبحانه ، المدرك للفعل ووصفهـ أعني استحقاق الفاعل للمدح أو الذم ـ من غير خصوصية للفاعل ، كيف يقوم بفعل ما يحكم بأَنَّ فاعله مستحق للذم ، أَو يقوم بفعل ما يحكم بأَنّه يجب التنزه عنه؟ و على ذلك فالله سبحانه عادل ، لأَن الظلم قبيح و مما يجب التنزّه عنه ، و لا يصدر القبيح من الحكيم ، والعدل حسن و مما ينبغي الإِتصاف به ، فيكون الإِتصاف بالعدل من شؤون كونه حكيماً منزهاً عما لا ينبغي. و إنْ شئت قلت : إِنَّ الإِنسان يدرك أنَّ القيام بالعدل كمال لكل احد.
(288)
و ارتكاب الظلم نقص لكل أحد. و هو كذلك ـ حسب إِدراك العقل ـ عنده سبحانه. و معه كيف يجوّز أَنْ يرتكب الواجب خلاف الكمال ، و يقوم بما يجرّ النقص إليه (1).
دفع إِشكال ربما يقال إنّ كون الشيء حسناً أو قبيحاً عند الإِنسان ، لا يدل على كونه كذلك عند الله سبحانه ، فكيف يمكن استكشاف أنه لا يترك الواجب و لا يرتكب القبيح؟. والإِجابة عنه واضحة ، و ذلك أنَّ مَغْزى القاعدة السالفة هو أنَّ الإِنسان يدرك حسن العدل و قبح الظلم لكلّ مُدْرِك شاعر ، ولكلّ عاقل حكيم ، من غير فرق بين الظروف و الفواعل. و هذا نظير درك الزوجية للأربعة ، فالعقل يدرك كونها زوجاً عند الجميع ، لا عند خصوص الممكن ، فليس المقام من باب إسراء حكم الإِنسان الممكن إلى الواجب تعالى ، بل المقام من قبيل استكشاف قاعدة عامة ضرورية بديهية عند جميع المدركين من غير فرق بين خالقهم و مخلوقهم. و لا يختص هذا الأمر بهذه القاعدة ، بل جميع القواعد العامة في الحكمة النظرية كذلك. و على هذا يثبت تنزهه سبحانه عن كل قبيح ، واتصافه بكل كمال في 1 ـ و ربما يقرر وجه عدم صدور عدم القبيح عنه تعالى بأنَّ الدَّاعي إلى صدوره إما داعي الحاجة ، أو داعي الحكمة ، أو داعي الجهل. والكل منتف في حقه سبحانه. أمَّا الأَول فلغناه المطلق ، و أَمَّا الثَّاني فلكون الحكمة في خلافه ، و أَما الثالث فلكونه عالماً على الإِطلاق. و بما أنَّ هذا الدليل مبنى على كون فاعلية الواجب بالداعى الزائد على ذاته ، و هو خلاف التحقيق ، لكونه تاماً في الفاعلية فلا يحتاج فيها إلى شيء وراء الذات ، أَتينا به في الهامش. و قد اعمد عليه العلاَّمة في شرح التجريد ص 187 ـ 188. و الفاضل المقداد في شرح نهج المسترشدين ص 260 و غير ذلك من الكتب الكلامية.
(289)
مقام الفعل ، فيثبت كونه تعالى حكيماً لا يرتكب اللغو و ما يجب التنزه عنه ، و بالتالي فهو عادل لا يجور و لا يظلم و لا يعتدي.
العدل في الذّكر الحكيم تضافرت الآيات الكريمة مركزة على قيامه سبحانه بالقسط ، نورد فيما يلي بعضاً منها : قال سبحانه : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمَا بِالْقِسْطِ ) (1). و كما شهد على ذاته بالقيام بالقسط ، عرّف الغاية من بعثة الأنبياء بإِقامة القسط بين الناس. قال سبحانه : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) (2). كما صرّح بأن القسط هو الركن الأساس في محاسبة العباد يوم القيامة ، إذ يقول سبحانه : ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْ ـ لَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ) (3). و ما في هذه الآيات و غيرها إرشادات إلى ما يدركه العقل من صميم ذاته ، بأنَّ العدل كمالٌ لكل موجود حيّ مدرك مختار ، و أَنَّه يجب أَنْ يتصف اللهُ تعالى به في أفعاله في الدنيا و الآخرة ، و يجب أنْ يقوم سفراؤه به. 1 ـ سورة آل عمران : الآية 18. 2 ـ سورة الحديد : الآية 25. 3 ـ سورة الأنبياء : الآية 47.
(290)
العدل في التشريع الإِسلامي و هذه المكانة التي يحتلها العدل ـ التي عرفت أنه لولاه لارتفع الوثوق بوعده و وعيده و انخرم الكثير من العقائد الإِسلامية ـ هي التي جعلته سبحانه يعرّف أحكامَه و يصف تشريعاتِهِ بالعدل ، و أنه لا يشرّع إلاّ ما كان مطابقاً له. يقول سبحانه : ( وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) (1). فالجزء الأول من الآية ناظر إلى عدله سبحانه بين العباد في تشريع الأحكام ، كما أنَّ الجزء الثاني ناظرٌ إلى عدله يوم الجزاء في مكافاته ، هذا. و إن شعار الذكر الحكيم هو : ( فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (2). و هو يكشف عن عدالته سبحانه في التشريع و الجزاء.
العدل في روايات أئمة أَهل البيت إشتهر عليٌّ ( عليه السَّلام )وأولادُه بالعدل ، و عنه أخذت المعتزلة ، حتى قيل : « التوحيد و العدل علويان و التشبيه و الجبر أمويان ». و إليك بعض ما أثِرَ عنهم ( عليهم السَّلام ) . 1 ـ سئل عليّ ( عليه السَّلام )عن التوحيد والعدل ، فقال : « التَوْحِيدُ أنْ لا تَتَوَهَّمَهُ و العَدْلُ أنْ لا تَتَّهِمَهُ » (3) و قد فُرض كونه سبحانه عادلا فطلب معناه. 1 ـ سورة المؤمنون : الآية 62. 2 ـ سورة الروم : الآية 9. 3 ـ نهج البلاغة ـ قسم الحكم ـ رقم 470.