الالهيّات ::: 321 ـ 330
(321)
     1 ـ التجسيم والتشبيه ـ لو أجريت هذه الصفات على الله سبحانه بمعانيها المعهودة في الأذهان و مع حفظ حقيقتها.
    2 ـ التعقيد والغموض ـ لو أجريت على الله سبحانه بمعانيها المتبادرة من دون تفسير و توضيح. فالقوم بين مُشَبّه و مُعَقّد ، بين مجسم و مُلَقْلِق باللسان.
    و في الختام نقول إِنَّ نظرية « الإِثبات بلا تكييف » و إنْ كانت رائجة في عصر الأشعري و قبله و بعده ، ولكنها هُجرت بعد ذلك إلى أنْ جاء ابن تيميَّة الحرّاني فجددها و أثارها و أسماها مذهب السلف ، و جعل مذهبهم بين التعطيل و التشبيه. قال في جملة كلام له : « فلا يمثلون صفات الله تعالى بصفات خلقه و لا ينفون عنه ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله فيعطلوا أسماءه الحسنى و صفاته العليا ـ إلى أنْ قال : و لم يقل أحد من سلف الأمة و لا من الصحابة و التابعين إنَّ الله ليس في السماء ، ولا إنَّه ليس على العرش ، ولا إنَّه في كل مكان ، ولا أَنَّ جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء ، و لا إنَّه داخل العالم و لا خارجه ، و لا متصل و لا منفصل ، و لا إنَّه لا تجوز الإِشارة الحسيّة إليه بالأصابع و نحوها » (1).
    و على ذلك قال أبوزهرة : « يقرر ابن تيمية أنَّ مذهب السلف هو إثبات كل ما جاء في القرآن من فوقية و تحتية ، و استواء على العرش ، و وجه ، و يد ، و محبة و بغض ، و ما جاء في السنة من ذلك أيضاً من غير تأويل ، و بالظاهر الحرفي. فهل هذا هو مذهب السلف حقاً؟ و نقول في الإِجابة عن ذلك : لقد سبقه بهذا الحنابلة في القرن الرابع الهجري كما بيّناه ، و ادّعوا أَنَّ ذلك مذهب السلف ، و ناقشهم العلماء في ذلك الوقت و أَثبتوا أَنَّه يؤدي إلى التشبيه و الجسمية لا محالة ، فكيف لا يؤدي إليهما و الإِشارة الحسية إليه جائزة.
     1 ـ المجموعة الكبرى في مجموعة الرسائل الكبرى ، ص 489.

(322)
     و لذا تصدّى لهم الإِمام الفقيه الحنبلي الخطيب إبن الجوزي ، و نفى أن يكون ذلك مذهب السلف » (1).
    إِنَّ لابن الجوزي كلاماً مبسوطاً في نقد هذه النظرية و قد هاجم أحد الحنابلة المروجين لها أعني القاضي أَبا يَعْلَى الفقيه الحنبلي المشهور المتوفي سنة 457 هـ ، حيث قال : « لقد شَأَنَ أبو يَعْلَى الحنابلة شيئاً لا يغسله ماء البحار ». و لأجل ذلك استتر هذا المذهب حتى أعلنه ابن تيميَّة بجرأة خاصة له.
    ثم إنَّ أبا زهرة المعاصر انتقل إلى ما ذكرناه في نقد تلك النظرية و قال :
    « ولنا أن ننظر نظرة أخرى و هي من الناحية اللغوية. لقد قال سبحانه : ( يد الله فوق أيديهم ). و قال : ( كل شيء هالك إلاّ وجهه ). أهذه العبارات يفهم منها تلك المعاني الحسية؟ أم أنها تفهم منها أمور أخرى تليق بذات الله تعالى؟ فيصح أَن تفسر اليد بالقوة (كناية أو استعارة عنها) و يصح أن يفسر الوجه ، بالذات.
    و يصح أن يفسّر النزول إلى السماء الدنيا بمعنى قرب حسابه ، و قربه سبحانه و تعالى من العباد. و إن اللغة تتسع لهذه التفسيرات ، و الألفاظ تقبل هذه المعاني. و هو أولى بلا شك من تفسيرها بمعانيها الظاهرة الحرفية ، والجهل بكيفياتها. كقولهم : « إنّ لله يداً ولكن لا نعرفها » ، « ولله نزولا لكن ليس كنزولنا » الخ ... فإن هذه إحالات على مجهولات ، لا نفهم مؤداها ، و لا غاياتها. بينما لو فسّرناها بمعان تقبلها اللغة و ليست غريبة عنها لوصلنا إلى أمور قريبة فيها تنزيه و ليس فيها تجهيل » (2).
    ثم إنَّ للغزالي كلاماً متيناً في نقد هذه النظرية نأتي بخلاصته. يقول :
     1 ـ تاريخ المذاهب الإِسلامية ، ج 1 ، ص 218.
    2 ـ المصدر نفسه ، ص 219 ـ 220.


(323)
    « إِنَّ هذه الألفاظ التي تجري في العبارات القرآنية و الأحاديث النبوية لها معان ظاهرة ، و هي الحسّية التي نراها. و هي محالة على الله تعالى و معان أخرى مجازية مشهورة يعرفها العربي من غير تأويل و لا محاولة تفسير.
    فإذا سمع اليد في قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ـ « إِنَّ الله خمَّر آدم بيده » و « إِنَّ قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن » ، فينبغي أنْ يعلم أَنَّ هذه الأَلفاظ تطلق على معنيين : أحدهما ـ و هو الوضع الأصلي ـ و هو عضو مركب من لحم و عظم و عصب. و قد يستعار هذا اللفظ أعني اليد لمعنى آخر ليس هذا المعنى بجسم أصلا ، كما يقال : « البلدة في يد الأمير » ، فإِنَّ ذلك مفهوم و إِنْ كان الأَمير مقطوع اليد. فعلى العامي و غير العامي أنْ يتحقق قطعاً و يقيناً أَنَّ الرسول لم يرد بذلك جسماً و أَنَّ ذلك في حق الله محال. فإنْ خطر بباله أَنَّ الله جسم مركب من أعضاء ، فهو عابِدُ صَنَم. فإِنَّ كل جسم مخلوق ، و عبادة المخلوق كُفْر ، و عبادة الصنم كانت كفراً ، لأَنه مخلوق » (1).
    و لقد أحسن الغزالي حيث جعل تفسير اليد في مثل قوله سبحانه : ( يَدُ اللهَ فَوْقَ أيْديِهم )بالقدرة ، معنى للآية من غير تأويل ، و توضيحاً لها من دون محاولة تفسيرها. و هذا ما سنركز عليه بعد البحث عن عقيدة المؤوِّلة و نقول إِنَّ الواجب اتباع ظاهر الآية و السنة بلا انحراف عنه سواء أكان موافقاً لمعانيها الحرفية و الإِفرادية أم لا ، و هذه هي المزلقة الكبرى للحنابلة و نفس الإِمام الأشعري ، فزعموا أنَّ الواجب اتباع معانيها الحرفية سواءٌ أكانت موافقة للظاهر أم لا.

الثالث ـ التفويض
    و قد ذهب جمع من الأشاعرة و غيرهم إلى إجراء هذه الصفات على الله سبحانه مع تفويض المراد منها إليه.
     1 ـ الجاء العوام.

(324)
     قال الشهرستاني :
    « إن جماعة كثيرة من السلف يثبتون صفات خبرية مثل اليدين و الوجه ولا يؤولون ذلك ، إِلاّ أنهم يقولون إنا لا نعرف معنى اللفظ الوارد فيه ، مثل قوله : ( الرَّحمنُ عَلى العَرشِ اسْتَوىَ ) ، و مثل قوله : ( لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ ).ولسنا مكلفين بمعرفة تفسير هذه الآيات ، بل التكليف قد ورد بالإِعتقاد بأنه لا شريك له ، و ذلك قد أثبتناه » (1).
    و إليه جنح الرازي و قال :
    « هذه المتشابهات يجب القطع بأنَّ مراد الله منها شيء غير ظواهرها ، كما يجب تفويض معناها إلى الله تعالى و لا يجوز الخوض في تفسيرها » (2).

تحليل نظرية التفويض
    إِنَّ التفويض شعار من لا يريد أن يقتحم الأبحاث الخطيرة ، و يرى أنه يكفيه في النجاة قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « بُنِيَ الإِسلام على خمس : شهادة أنْ لا إله إلاّ الله و أنَّ محمداً رسول الله ، و إقام الصلاة ، و إيتاء الزكاة و الحج وصوم رمضان » (3).
    ولأنه يرى أنَّ التفويض أسلم من الإِثبات الذي ربما ينتهي به إمّا إلى التشبيه و التجسيم الباطلين أو إلى التعقيد و الإِبهام اللَّذين لا يجتمعان مع سِمَة سهولة العقيدة.
    ولكنَّ أهل الإِثبات ـ أعني اصحاب النظريتين السابقتين ـ عابوا على نظرية التفويض بأنَّ غاية تلك النظرية مجرد الإِيمان بألفاظ القرآن و الحديث
     1 ـ الملل و النحل ، ج 1 ، ص 92 ـ 93 بتلخيص.
    2 ـ أساس التقديس ، ص 223.
    3 ـ صحيح البخاري ، ج 1 ، كتاب الإِيمان ، ص 7.


(325)
     من غير فقه و لا فهم لمراد الله و رسوله منها. فإنَّ الإِيمان بالألفاظ و تفويض معانيها إلى الله سبحانه بمنزلة القول بأنَّ الله تعالى خاطبنا عبثاً ، لأنه خاطبنا بما لا نفهم ، والله يقول : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُول إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) (1).
أقول : إِنَّ لأهل التفويض عذراً واضحاً في هذا المجال ، فإنهم يتصورن أنَّ الآيات المشتملة على الصفات الخبرية ، من الآيات المتشابهة ، و قد نهى سبحانه عن ابتغاء تأويلها و أمر عباده بالإِيمان بها. فقال سبحانه : ( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الاَْلْبَابِ ) (2). فلا عتب عليهم إذا أعرضوا عن تفسيرها وفوضوا معانيها إليه سبحانه. نعم ، الإِشكال في عدم كون هذه الآيات من الآيات المتشابهة ، فإِنَّ المفاد فيها غير متشابه إذا أمعن فيها الإِنسان المتجرد عن كل رأي سابق ، كما سيوافيك بيانه.
    والعجب أنَّ ما عابوا به أصحاب التفويض وارد عليهم أيضاً ، فإِنَّ إثبات الصفات الخبرية بمعانيها الحرفية التي تتبادر عند إيرادها مفردة ، مع حفظ التنزيه ، تجعلها ألفاظاً بلا معان واضحة. لأنَّ الكيفية المتبادرة من هذه الصفات هي المقومة لمَعَانيها فإِثبات مفاهيمها الحرفية مع سَلْب كيفيّاتها أشبه بإِثبات الشيء في عين سلبه. فعندئذ تنقلب الآيات البيّنات الدّالة على أشرف المعاني و أجلِّها إلى آيات غير مفهومة و لا معقولة. و كأنَّ الله تعالى خَاطَبهم و هم أميون لا يعلمون من الكتاب إِلاَّ أماني.
     1 ـ سورة ابراهيم : الآية 4. الفتوحات المكية ، ج 4 ، ص 928. و تبعه ابن تيمية في هذا النقد كما نقله في علاقة الإثبات و التفويض ، ص 60.
    2 ـ سورة آل عمران : الآية 7.


(326)
الرابع ـ التأويل
    إِنَّ المعتزلة هم المشهورون بهذه النظرية حيث يفسرون اليد بالنعمة و القدرة ، و الإِستواء بالإِستيلاء و إظهار القدرة. و سيظهر حقيقة التأويل في هذه الآية عندما نورد عبارات تفسير (الكتشاف) الذي أَلف على نمط اعتزالي.
و يلاحظ عليهم : إِنَّ تأويل نصوص الآيات و ظواهرها مع قطع النظر عن مورد الصفات الخبرية ، ليس بأقل خطراً من نظرية الإِثبات ، إذ ربما ينتهي التأويل إلى الإِلحاد و إنكار الشريعة (1).
    و ما أقبح قول من يقول : « إنَّ ظاهر القرآن يخالف العقل الصحيح ، فيجب ترك النَّقل لأجل صريح العقل ».
    أو يقول : « التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب و السنَّة من غير بصيرة ، هو أصل الضلالة ، فقالوا بالتشبيه و التجسيم و الجهة عملا بظاهر قوله : ( الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ استَوىَ ) (2).
    وذلك لأنه لا توجد آية في الكتاب العزيز يخالف ظاهرها صريح العقل ، فإنَّ ما يتخيلونه ظاهراً ليس بظاهر ، بل الآية ظاهرة في غير ما تصوروه ، وإنما خلطوا الظاهر الحرفي بالظاهر الجُمَلي. فإنَّ اليد مفردة ظاهرة في العضو الخاص وليست كذلك فيما إذا حفّت بها القرائن وجعلتها ظاهرة في معنى آخر. فإنَّ قول القائل في مدح إنسان : إنَّه « باسط اليد » ، أو في ذمه بأنه « قابض اليد » ، ليس ظاهراً في اليد العضوية الّتي أسميناها بالمعنى الحرفي بل ظاهر في البذل والعطاء أو في البخل والإِقتار وربما يكون مقطوع اليد. وحمل الجملة على غير ذلك المعنى ، حمل على غيرظاهرها.
     1 ـ قد استوفى الشيخ الأستاذ دام ظله الكلام في أقسام التأويل في مقدمة الجزء الخامس من موسوعته القرآنية « مفاهيم القرآن » ص 12 ـ 16.
    2 ـ شرح أم البراهين ، ص 82 ـ كما في علاقة الإِثبات و التفويض ، ص 67.


(327)
    
    و على ذلك يجب ملاحظة كلام المؤولة ، فإن كان تأْويلُهم على غرار ما تقدّم منا ، (تمييز الظاهر الجُمَلي عن الظاهر الإِفرادي) ، فهؤلاء ليسوا بمؤوِّلة ، بل هم مقتفون لظاهر الكتاب و السنَّة ، و لا يصحّ تسمية تفسير الكتاب العزيز ـ على ضوء القرائن الموجودة فيهـ تأويلا ، و إنما هو اتباع للنصوص و الظواهر. و إنْ كان تأويلهم باختراع معان للآيات من دون أن تكون في الآيات قرائن متصلة دالة عليها ، فهم المؤوِّلة حقاً ، و ليس التأويل بأقل خطراً من الإِثبات المنتهي إما إلى التجسيم أو إلى التعقيد و الإِبهام.
    و باختصار ، إِنَّ الذي يجب التركيز عليه هو أَنَّ الكلية ( لزوم الأخذ بالكتاب و السنَّة ) ، أمرٌ مسلَّم فيجب على الكل اتباع الذّكر الحكيم من دون أي تحوير أو تحريف ، و من دون أي تصرف و تأويل. إِنما الكلام في الصغرى ، أي تشخيص الظاهر عن غيره إذْ به ترتفع جميع التوالي الفاسدة.
    ولو أنَّ قادة الطوائف الإِسلامية و أصحاب الفكر منهم نبذوا الآراء المسبقة و الأَفكار الموروثة ، وركَّزوا البحث على تشخيص الظاهر من غيره ، حسب المقاييس الصحيحة ، لارتفع جدالُ النَّاسِ و نقاشُهم حَوْل الصّفات ، الذي دار عبر مِئَات السنين ، و الذي لم يكُن نابعاً إلاّ من إيثَار الهَوَى على الحق.

الخامس ـ الإِجراء بالمفهوم التصديقي
    و حقيقة هذه النظرية أَنَّه يجب الإِمعان في مفهوم الآية و مرماها و مفادها التصديقي (لا التَصَوّري) ثم توصيفه سبحانه بالمعنى الجُمَلي المفهوم منها من دون إِثبات المعنى الحرفي للصفات و لا تأْويلها.
توضيحه : إِنَّ للمفردات حكماً و ظهوراً عند الإِفراد ، وللجمل المركبة من


(328)
     المفردات ظهوراً آخر. و قد يتحد الظهوران و قد يتخالفان. فلا شك أَنك إذا قلت « أسدٌ » ، فإِنَّه يتبادر منه الحيوان المفترس. كما أنَّك إذا قلت « رأيْتُ أسداً في الغابة » يتبادر من الجملة نفس ما تبادر من المفرد.
    و أما إذا قلت « رأيت أسداً يرمي » فإِنَّ المتبادر من الأسد في كلامك غير المتبادر منه حرفياً و انفراداً و هو الحيوان المفترس بل يكون حمله عليه ، حملا على خلاف الظاهر. و أما حمله و تفسيره بالبطل الرامي عند القتال فهو تفسير للجملة بظاهرها من دون تصرف و تأويل.
    ولو سمع عربي صميم قول الشاعر :
لَدَى أسَد شَاكِ السَّلاحِ مُجَرّب لَهُ لُبَدٌ ، أَظْفَارُهُ لَمْ تُقَلَّمِ
    فلا يشك في أَنَّ المراد من الأسد هو البطل المقدام المقتحم لجبهات القتال لا الحيوان المفترس. و كذا لو سمع قول القائل :
أَسَدٌ عَلَيَّ وَ في الحُروبِ نَعَامَة فَتخاءُ تَنْفِرُ مِنْ صَفِيرِ الصَّافِرِ
لا يتردد في نفسه بأنّ المراد هو الإِنسان المتظاهر بالشجاعة أمام الضعفاء ، الخائف المُدْبِر عند لقاء الأبطال. فلا يصح لنا أن نتّهم من يفسر البيتين بالإِنسان الشجاع أو المتظاهر به ، بأنه من المؤوِّلة. بل هو من المثبتين للمعنى من دون تأويل و لا تحوير.
    فالواجب علينا هو الوقوف على المفاد التَّصديقي و إثباته لله سبحانه لا الجمود على المعنى الحرفي التصوري ، و إثباته أو نفيه عن الله سبحانه. و لو أَنَّ القوم بحثوا عن مفاد الآيات ، مجرّدين عن الآراء المسبقة ، لوقفوا على الظّاهر التصديقي و أَثبتوه لله سبحانه من دون أن يكون هناك و صمة تأويل و تصرف أو مغبَّة تجسيم و تشبيه.
    و لأجل إراءة نموذج من هذا النَّمط من البحث نركز على موارد مما وقع


(329)
     في مجال النقاش بين المثبتين و المؤوِّلين ، حتى يتّضح أنَّ الإِثبات بالمعنى الذي يتبناه المثبتون ، و التأويل و التصرف على النحو الذي ارتكبه المؤوِّلون ، غير صحيح و لا تام ، بل هناك إثبات مجرد عن التجسيم و الإِبهام و التأويل.
الالهيّات ::: الفهرس