|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(31)
وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة ، عن محمّد بن عبدالرّحمن ، عن أبيه ، عن عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذ التفت إلينا فبكى ، فقلت : ما يبكيك يا رسول الله ؟ فقال : أبكي ممّا يُصنع بكم بعدي ، فقلت : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : أبكي من ضربتك على القرن ، ولطم فاطمة خدّها ، وطعنة الحسن في الفخذ ، والسمّ الّذي يُسقى ، وقتل الحسين ، قال : فبكى أهل البيت جميعاً ، فقلت : يا رسول الله! ما خلقنا ربّنا إلاّ للبلاء ؟ قال : أبشر يا عليُّ ، فإنّ الله عزّ وجلّ قد عهد إليّ أنّه لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق (1) ولله درّ الشريف الرضي عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ الأمالي ، للصدوق : 197 ح 2 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 28/51 ح 20 و44/149 ح 17. 2 ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/267. (32)
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : شهدت قتل الحسين آنفاً (1).
وروى عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيما يرى النائم بنصف النهار أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ما هذا ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) : دم الحسين وأصحابه ، لم أزل ألتقطه منذ اليوم ، فأحصى ذلك اليوم فوجد قد قُتل يومئذ (2). وروي عن عامر بن سعد البجلي ، قال : لما قتل الحسين بن علي ( عليه السلام ) رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المنام فقال : إن رأيت البراء بن عازب فأقرئه مني السلام وأخبره أن قتلة الحسين بن علي في النار ، وإن كان الله أن يسحت أهل الأرض منه بعذاب أليم ، قال : فأتيت البراء فأخبرته ، فقال : صدق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، قال رسول الله : من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتصوَّر بي (3). وروي أن ابن الهبارية الشاعر اجتاز بكربلا فجعل يبكي على الحسين وأهله ( عليهم السلام ) وأنشد شعراً :
ولله درّ الشيخ صالح الكواز عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ سنن الترمذي : 5/657 ورواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين : 4/20. 2 ـ المعجم الكبير ، الطبراني : 3/110 ح 2822 و12/185 ح 12837. 3 ـ مسند الروياني : 1/291 ح 435 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 14/258 ، ينابيع المودة القندوزي : 3/44ـ 45. 4 ـ ينابيع المودة ، القندوزي : 3/48 ، تذكرة الخواص ، ابن الجوزي : 245. (33)
المجلس الرابع ، من اليوم الأول
جاء في بعض زيارات الأئمة ( عليهم السلام ) : يا مواليَّ ، فلو عاينكم المصطفى وسهام الأمّة معرقة في أكبادكم ، ورماحهم مشرعة في نحوركم ، وسيوفها مولغة في دمائكم ، يشفي أبناء العواهر غليل الفسق من ورعكم ، وغيظ الكفر من إيمانكم ، وأنتم بين صريع في محراب قد فلق السيف هامته ، وشهيد فوق الجنازة قد شُكَّت بالسهام أكفانه ، وقتيل بالعراء قد رفع فوق القناة رأسه ، ومكبَّل في السجن رُضَّت بالحديد أعضاؤه ، ومسموم قد قطِّعت بجرع السمّ أمعاؤه (2) فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم.
بكاء الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) وحزنه على أبيه الإمام الحسين ( عليه السلام ) روي عن بشر بن حذلم أن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) لما جاء من الأسر وأراد دخول المدينة وجَّهه إليهم فنعى الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، قال : فلم يبق في المدينة 1 ـ رياض المدح والرثاء ، القديحي : 161. 2 ـ المزار ، المشهدي : 298. (34)
مخدَّرة ولا محجَّبة إلاَّ برزن من خدورهن وهن بين باكية ونائحة ولاطمة ، فلم ير يوم أمرّ على أهل المدينة منه ، وسألوه : من أنت ؟ قال : فقلت : أنا بشر بن حذلم ، وجَّهني علي بن الحسين ، وهو نازل في موضع كذا وكذا مع عيال أبي عبدالله ونسائه ، قال : فتركوني مكاني وبادروني ، فضربت فرسي حتى رجعت إليهم ، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع ، فنزلت عن فرسي وتخطَّيت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط ، وكان علي بن الحسين داخلا فخرج وبيده خرقة يمسح بها دموعه ، وخادم معه كرسي ، فوضعه وجلس وهو مغلوب على لوعته ، فعزَّاه الناس ، فأومأ إليهم أن اسكتوا ، فسكنت فورتهم فقال ( عليه السلام ) : الحمد لله ربّ العالمين ، مالك يوم الدّين ، بارىء الخلائق أجمعين ، الذي بُعد فارتفع في السموات العلى ، وقرُب فشهد النجوى ، نحمده على عظائم الأمور ، وفجائع الدهور ، وجليل الرزء ، وعظيم المصائب.
أيها القوم ، إن الله ـ وله الحمد ـ ابتلانا بمصيبة جليلة ، وثلمة في الإسلام عظيمة ، قتل أبو عبدالله وعترته ، وسبي نساؤه وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان ، من فوق عالي السنان. أيها الناس ، فأيُّ رجالات منكم يُسرُّون بعد قتله ؟ أم أية عين منكم تحبس دمعها وتضنّ عن انهمالها ؟ فلقد بكت السبع الشداد لقتله ، وبكت البحار والسموات والأرض والأشجار والحيتان والملائكة المقرّبون ، وأهل السموات أجمعون. أيها الناس ، أيُّ قلب لا ينصدع لقتله ؟ أم أيُّ فؤاد لا يحنّ إليه ؟ أم أيُّ سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام ؟ أيّها الناس أصبحنا مطرودين مشرَّدين مذودين شاسعين عن الأمصار ، كأنّا أولاد ترك أو كابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ما سمعنا (35)
بهذا في آبائنا الأولين ، إن هذا إلاَّ اختلاق ، والله لو أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) تقدَّم إليهم في قتالنا كما تقدَّم إليهم في الوصاة بنا لما زادوا على ما فعلوه ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون (1).
وروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : بكى علي بن الحسين ( عليه السلام ) عشرين سنة ، وما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى ، حتى قال له مولى له : جعلت فداك يا ابن رسول الله ، إني أخاف أن تكون من الهالكين ، قال : إنما أشكو بثّي وحزني إلى الله ، وأعلم من الله ما لا تعلمون ، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاَّ خنقتني العبرة. وقيل : إنه بكى حتى خيف على عينيه وكان ( عليه السلام ) إذا أخذ إناء يشرب ماء بكى حتى يملأها دمعاً ، فقيل له في ذلك فقال : وكيف لا أبكي وقد مُنع أبي من الماء الذي كان مطلقاً للسباع والوحوش ؟ وقيل له : إنك لتبكي دهرك ، فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا ، فقال : نفسي قتلتها وعليها أبكي (3). 1 ـ مثير الأحزان ، ابن نما : 90 ـ 91. 2 ـ بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : 46/63. 3 ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/303 ، عنه بحار الأنوار : 46/108 ح 1. (36)
وعن محمد بن سهل البحراني رفعه إلى أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : البكاؤن خمسة : آدم ، ويعقوب ، ويوسف ، وفاطمة بنت محمد ، وعلي بن الحسين ( عليهم السلام ) فأمّا آدم : فبكى على الجنَّة حتى صار في خدّيه أمثال الأودية ، وأمّا يعقوب : فبكى على يوسف حتى ذهب بصره ، وحتى قيل له : « تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ » (1) وأمَّا يوسف : فبكى على يعقوب حتى تأذَّى به أهل السجن فقالوا : إمّا أن تبكي بالنهار وتسكت بالليل ، وإمّا أن تبكي بالليل وتسكت بالنهار ، فصالحهم على واحد منهما ، وأمَّا فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ) : فكبت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى تأذَّى بها أهل المدينة ، وقالوا لها : قد آذيتنا بكثرة بكائك ، فكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف ، وأمَّا علي بن الحسين ( عليهما السلام ) فبكى على الحسين عشرين سنة أو أربعين سنة ، وما وضع بين يديه طعام إلاَّ بكى ، حتى قال له مولى له : جعلت فداك يا ابن رسول الله ، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين ، قال : إنما أشكو بثّي وحزني إلى الله ، وأعلم من الله ما لا تعلمون ، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاَّ خنقتني لذلك عبرة (2).
وروى ابن قولويه عليه الرحمة عن إسماعيل بن منصور ، عن بعض الأصحاب ، قال : أشرف مولى لعلي بن الحسين ( عليهما السلام ) وهو في سقيفة له ساجد يبكي ، فقال له : يا علي بن الحسين ، أما آن لحزنك أن ينقضي ؟ فرفع رأسه إليه فقال : ويلك أو ثكلتك أمك ، والله لقد شكا يعقوب إلى ربه في أقل مما رأيتُ حين قال : « يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ » ، وإنه فقد ابناً واحداً ، وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبحون حولي. 1 ـ سورة يوسف ، الآية : 85. 2 ـ الخصال ، الصدوق : 272 ، الأمالي ، الصدوق : 240 ، بحار الأنوار : 46/108 ح 2. (37)
قال : وكان علي بن الحسين ( عليه السلام ) يميل إلى ولد عقيل ، فقيل له : ما بالك تميل إلى بني عمّك هؤلاء دون آل جعفر ؟ فقال : إني أذكر يومهم مع أبي عبدالله الحسين بن علي ( عليه السلام ) فأرقّ لهم (1).
قال السيّد ابن طاووس عليه الرحمة : روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : إن زين العابدين ( عليه السلام ) بكى على أبيه أربعين سنة صائماً نهاره قائماً ليله ، فإذا حضر الإفطار جاءه غلامه بطعامه وشرابه ، فيضعه بين يديه فيقول : كل يا مولاي ، فيقول : قتل ابن رسول الله جائعاً ، قتل ابن رسول الله عطشاناً ، فلا يزال يكرِّر ذلك ويبكي حتى يبلَّ طعامه من دموعه ، ثمَّ يمزج شرابه بدموعه ، فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل (2). ويروى عن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) أنه
1 ـ كامل الزيارات ، ابن قولويه : 213 ـ 214 عنه بحار الأنوار : 46/109 ح 4. 2 ـ بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : 45/149. 3 ـ بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : 46/92. 4 ـ الكافي ، الكليني : 4/170 ح 2. (38)
واتفق الرواة أن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) كان من أكثر أهل البيت ( عليهم السلام ) بكاء وحزناً على الحسين ( عليه السلام ) ، لأنه رأى واقعة الطف بعينه وشاهد ما جرى على عمَّاته وأخواته من الضرب والسبي.
وقال بعضهم : وكان ( عليه السلام ) كلما اجتمع إليه جماعة ، أو وفد من وفود الأقطار يردد عليهم تلك المأساة ويقص عليهم من أخبارها ، ويخرج إلى السوق أحيانا ، فإذا رأى جزاراً يُريد أن يذبح شاةً أو غيرها يدنو منه ، ويقول : هل سقيتها الماء ؟ فيقول له : نعم يا بن رسول الله إنا لا نذبح حيواناً حتى نسقيها ولو قليلاً من الماء فيبكي عند ذلك ، ويقول ( عليه السلام ) : لقد ذُبح أبو عبدالله عطشانا (1). ويقول الشاعر الحاج محمد علي آل كمونة عليه الرحمة في ذلك :
1 ـ كتاب الأئمة الإثني عشر ، السيد هاشم معروف الحسني : 2/115. 2 ـ رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 649. (39)
خباء ، والمنادي ينادي أحرقوا بيوت الظالمين (1).
ولله درّ السيد حيدر الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ إرشاد الخطيب ، السيد جاسم السيد حسن شبر : 33. 2 ـ رياض المدح والرثاء : 81. 3 ـ كتاب دموع وآلام في مجالس العزاء ، السيد أحمد شكر الحسيني : 2/339 ، كتاب الأئمة الإثني عشر ، السيد هاشم معروف الحسني : 2/115. 4 ـ رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 658. (40)
وفي رواية قال الباقر ( عليه السلام ) : سألت أبي علي بن الحسين ( عليه السلام ) عن كيفية دخولهم على يزيد لعنه الله ، فقال : أوقفونا أولا على باب من أبواب القصر ثلاث ساعات في طلب الإذن من يزيد ، ثم أدخلونا عليه ونحن مربَّطون بحبل واحد مثل الأغنام ، وكان الحبل في عنقي وعنق عمتي زينب وأم كلثوم وباقي النساء والبُنيّات ، وكلَّما قصرنا عن المشي ضربونا حتى أدخلونا على يزيد لعنه الله (4) ولله درّ ابن العرندس عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ الدر النضيد ، السيد الأميني : 175. 2 ـ قال العلامة المجلسي عليه الرحمه في بحار الأنوار 45/154 : « قوله : فأكف أي أميل وأشرف على السقوط ، والأظهر « واكفة » أي كانت البغال بإكاف أي برذعة من غير سرج ». 3 ـ إقبال الأعمال. السيد ابن طاووس الحسني : 3/89. 4 ـ وفيات الأئمة ( عليهم السلام ) ، مجموعة من علماء البحرين والقطيف : 166. (41)
المجلس الخامس ، من اليوم الأول
روي عن عبدالسلام بن صالح الهروي قال : دخل دعبل بن علي الخزاعي على علي بن موسى الرضا ( عليهما السلام ) بمرو فقال له : يا بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إني قد قلت فيك قصيدة ، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك ، فقال ( عليه السلام ) : هاتها فأنشده :
دخول دعبل الخزاعي على الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) في أيام عاشوراء
1 ـ الغدير ، الأميني : 7/16 ـ 17. (42)
جعل أبو الحسن ( عليه السلام ) يقلِّب كفيه ويقول : أجل والله منقبضات ، فلمّا بلغ إلى قوله :
فقال الرضا ( عليه السلام ) : قبري ، ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزوّاري ، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له. ثمَّ نهض الرضا ( عليه السلام ) بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة ، وأمره أن لا يبرح من موضعه ، فدخل الدار فلمَّا كان بعد ساعة خرج الخادم إليه بمائة دينار رضوية فقال له : يقول لك مولاي : اجعلها في نفقتك ، فقال دعبل : والله ما لهذا جئت ، ولا قلت هذه القصيدة طمعاً في شيء يصل إليَّ ، وردَّ الصرَّة وسأل ثوباً من ثياب الرضا ( عليه السلام ) ليتبرَّك ويتشرَّف به ، فأنفذ إليه الرضا ( عليه السلام ) جبَّة خزّ مع الصرّة ، وقال للخادم : قل له : خذ هذه الصرّة فإنك ستحتاج إليها ، ولا تراجعني فيها ، فأخذ دعبل الصرّة والجبّة وانصرف ، وسار من مرو في قافلة ، فلمَّا بلغ ميان قوهان وقع عليهم اللصوص ، فأخذوا القافلة بأسرها وكتّفوا أهلها ، وكان دعبل فيمن كتِّف ، وملك اللصوص القافلة ، وجعلوا يقسمونها بينهم ، فقال رجل من القوم متمثِّلا (43)
بقول دعبل في قصيدته :
فرجع دعبل إلى قم وسألهم ردَّ الجبّة ، فامتنع الأحداث من ذلك وعصوا المشايخ في أمرها ، فقالوا لدعبل : لا سبيل لك إلى الجبَّة فخذ ثمنها ألف دينار ، فأبى عليهم ، فلمّا يئس من ردِّهم الجبَّة سألهم أن يدفعوا إليه شيئاً منها ، فأجابوه إلى ذلك وأعطوه بعضها ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار. وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله ، فباع المائة الدينار التي كان الرضا ( عليه السلام ) وصله بها ، فباع من الشيعة كل دينار بمائة درهم ، فحصل في يده عشرة آلاف درهم ، فذكر قول الرضا ( عليه السلام ) : إنك ستحتاج إلى الدنانير ، وكانت له جارية لها من قلبه محل ، فرمدت عينها رمداً عظيماً ، فأدخل أهل الطب عليها ، فنظروا إليها فقالوا : أمّا العين اليمنى فليس لنا فيها حيلة (44)
وقد ذهبت ، وأمّا اليسرى فنحن نعالجها ونجتهد ونرجو أن تسلم.
فاغتمَّ لذلك دعبل غماً شديداً وجزع عليها جزعاً عظيماً ، ثمَّ إنه ذكر ما كان معه من وصلة الجبّة ، فمسحها على عيني الجارية وعصَّبها بعصابة منها أول الليل ، فأصبحت وعيناها أصحّ مما كانتا قبل ، ببركة أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) (1). وفي رواية عن عبدالسلام بن صالح الهروي قال : سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول : لما أنشدت مولاي الرضا ( عليه السلام ) قصيدتي التي أولها :
1 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ، الشيخ الصدوق : 1/294. 2 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ، الشيخ الصدوق : 1/296. (45)
قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : رأيت في بعض مؤلَّفات المتأخِّرين أنه قال : حكى دعبل الخزاعي ، قال : دخلت على سيدي ومولاي علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) في مثل هذه الأيام ، فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب ، وأصحابه من حوله ، فلمّا رآني مقبلا قال لي : مرحباً بك يا دعبل ، مرحباً بناصرنا بيده ولسانه ، ثم إنه وسَّع لي في مجلسه ، وأجلسني إلى جانبه ، ثم قال لي : يا دعبل ، أحبّ أن تنشدني شعراً ، فإن هذه الأيام أيام حزن كانت علينا أهل البيت ، وأيام سرور كانت على أعدائنا خصوصاً بني أمية ، يا دعبل ، من بكى وأبكى على مصابنا ولو واحداً كان أجره على الله ، يا دعبل ، من ذرفت عيناه على مصابنا ، وبكى لما أصابنا من أعدائنا حشره الله معنا في زمرتنا ، يا دعبل ، من بكى على مصاب جدّي الحسين غفر الله له ذنوبه البتة ، ثم إنه ( عليه السلام ) نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه ، وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدِّهم الحسين ( عليه السلام ) ، ثم التفت إليَّ وقال لي : يا دعبل ، ارثِ الحسين فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حياً ، فلا تقصِّر عن نصرنا ما استطعت ، قال دعبل : فاستعبرت وسالت عبرتي وأنشأت أقول :
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|