|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(46)
جاء في الزيارة الناحية الشريفة مخاطبا لسيد الشهداء ( عليه السلام ) : كُنتَ للرسولِ ( صلى الله عليه وآله ) ولداً ، وللقرآن مُنقِذاً ، وللأُمّةِ عَضُداً ، وفي الطاعةِ مجتهداً ، حافظاً للعهدِ والميثاقِ ، ناكباً عن سُبُل الفُسَّاقِ ، باذلاً للمجهودِ ، طويلَ الركوعِ والسجودِ ، 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/257. (47)
زاهداً في الدنيا زُهدَ الراحِلِ عنها ، ناظراً إليها بعينِ المستوحشين منها ، آمالُك عنها مكفوفةٌ ، وهِمَّتُك عن زينتِها مصروفةٌ ، وألحاظُكَ عن بَهجَتِها مطروفةٌ ، ورغبتُكَ في الآخرةِ معروفةٌ ، حتى إذا الجور مَدَّ بَاعَهُ ، وأسفر الظُّلْمُ قِنَاعَهُ ، وَدَعا الغيُّ أَتباعَهُ ، وأنت في حَرَم جَدِّك قاطنٌ ، وللظالمين مُبَاينٌ ، جليسُ البيتِ والمحرابِ ، معتزلٌ عن اللذاتِ والشهواتِ ، تُنكِرُ المنكرَ بِقَلْبِك ولِسَانِك ، على قَدْرِ طَاقَتِكَ وإمكانِك.
ثم اقتضاك العلمُ للإنكارِ ، ولَزِمَك أن تُجاهدَ الفجَّارَ ، فَسِرْتَ في أولادِك وأهاليك ، وشيعتِك ومَوَاليك ، وصَدَعْتَ بالحقِّ والبيَّنةِ ، ودعوتَ إلى اللهِ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ ، وأمرتَ بإقامةِ الحدودِ ، والطاعةِ للمعبودِ ، ونهيتَ عن الخبائثِ والطُّغْيَانِ ، وواجهوك بالظُّلم والعُدوان. (1) روي عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) قال : إن المحرم شهر كان أهلُ الجاهلية يُحرِّمون فيه القتال ، فاستحلّت فيه دماؤنا ، وهُتكت فيه حُرمتنا ، وسُبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأُضرمت النيران في مضاربنا ، وانتُهب ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حرمة في أمرنا ، إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء ، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإن البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام (2). قال الشيخ المفيد عليه الرحمة في الإرشاد : روى الكلبي والمدائني وغيرهما من أصحاب السيرة ، قالوا : لما مات الحسن ( عليه السلام ) تحرَّكت الشيعة بالعراق ، وكتبوا إلى الحسين ( عليه السلام ) في خلع معاوية والبيعة له ، فامتنع عليهم ، وذكر أن بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لا يجوز له نقضه ، حتى تمضي المدة ، فإذا مات معاوية نظر في 1 ـ المزار ، المشهدي : 502 ـ 503. 2 ـ الأمالي ، الصدوق : 190 ـ 191 ح 2. (48)
ذلك.
فلما مات معاوية ـ وذلك للنصف من شهر رجب سنة ستين من الهجرة ـ كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ـ وكان على المدينة من قبل معاوية ـ أن يأخذ الحسين ( عليه السلام ) بالبيعة له ، ولا يرخِّص له في التأخير عن ذلك ، فأنفذ الوليد إلى الحسين في الليل فاستدعاه ، فعرف الحسين ( عليه السلام ) الذي أراد ، فدعا جماعة من مواليه وأمرهم بحمل السلاح ، وقال لهم : إن الوليد قد استدعاني في هذا الوقت ، ولست آمن أن يكلِّفني فيه أمراً لا أجيبه إليه ، وهو غير مأمون ، فكونوا معي ، فإذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب ، فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه عني. فصار الحسين ( عليه السلام ) إلى الوليد بن عتبة فوجد عنده مروان بن الحكم ، فنعى إليه الوليد معاوية ، فاسترجع الحسين ، ثمَّ قرأ عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه له ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرّاً حتى أبايعه جهراً فيعرف ذلك الناس ، فقال له الوليد : أجل ، فقال الحسين : فتصبح وترى رأيك في ذلك ، فقال له الوليد : انصرف على اسم الله تعالى حتى تأتينا مع جماعة الناس. فقال له مروان : والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم وبينه ، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه ، فوثب الحسين ( عليه السلام ) عند ذلك وقال : أنت يا ابن الزرقاء تقتلني أم هو ؟ كذبت والله وأثمت ، وخرج يمشي ومعه مواليه حتى أتى منزله (1). وفي رواية السيد ابن طاووس عليه الرحمة قال : كتب يزيد إلى الوليد يأمره بأخذ البيعة على أهلها وخاصة على الحسين ( عليه السلام ) ويقول : إن أبى عليك فاضرب عنقه ، وابعث إليَّ برأسه ، فأحضر الوليد مروان واستشاره في أمر الحسين ( عليه السلام ) ، 1 ـ الإرشاد ، المفيد : 2/32 ـ 33 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44/324 ح 2. (49)
فقال : إنه لا يقبل ، ولو كنت مكانك ضربت عنقه ، فقال الوليد : ليتني لم أك شيئاً مذكوراً.
ثم بعث إلى الحسين ( عليه السلام ) فجاءه في ثلاثين من أهل بيته ومواليه ـ وساق الكلام إلى أن قال ـ : فغضب الحسين ( عليه السلام ) ثم قال : ويلي عليك يا ابن الزرقاء ، أنت تأمر بضرب عنقي ؟ كذبت والله وأثمت. ثم أقبل على الوليد فقال : أيها الأمير! إنّا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وبنا فتح الله ، وبنا ختم الله ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس المحرَّمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون ، وننظر وتنظرون ، أيّنا أحق بالبيعة والخلافة ، ثم خرج ( عليه السلام ) فقال مروان للوليد : عصيّتني ! فقال : ويحك إنك أشرت إليَّ بذهاب ديني ودنياي والله ما أظن أحداً يلقى الله بدم الحسين ( عليه السلام ) إلا وهو خفيف الميزان لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذابٌ أليم (1). وفي رواية ابن شهر آشوب عليه الرحمة لما امتنع الإمام الحسين ( عليه السلام ) من البيعة ، قال : فأغلظ الوليد في كلامه وارتفعت الأصوات فهجم تسعة عشر رجلاً قد انتضوا خناجرهم وأخرجو الحسين ( عليه السلام ) إلى منزله قهراً (2). ولله درّ الحجة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ اللهوف ، ابن طاووس : 16 ـ 17. 2 ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/240. (50)
فوجَّه في طلبهم وكانوا عند التربة ، فقال عبدالرحمن وعبدالله : ندخل دورنا ونغلق أبوابنا ، وقال ابن الزبير : والله ما أبايع يزيد أبداً ، وقال الحسين ( عليه السلام ) : أنا لابد لي من الدخول على الوليد ، وذكر قريباً مما مرَّ (2). قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : فقال مروان للوليد : عصيتني ، لا والله لا يمكنك مثلها من نفسه أبداً ، فقال الوليد : ويح غيرك يا مروان ، إنك اخترت لي التي فيها هلاك ديني ودنياي ، والله ما أحبُّ أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وأني قتلت حسيناً ، سبحان الله! أقتل حسيناً أن قال لا أبايع ، والله إني لأظنّ أن امرءاً يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله يوم القيامة. فقال له مروان : فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت ، يقول هذا وهو غير الحامد له على رأيه (3). وقال محمد بن أبي طالب الموسوي رحمه الله تعالى : لما ورد الكتاب على الوليد بقتل الحسين ( عليه السلام ) عظم ذلك عليه ، ثمَّ قال : والله لا يراني الله أقتل ابن نبيه ولو جعل يزيد لي الدنيا بما فيها (4). 1 ـ الشواهد المنبرية ، الشيخ علي الجشي : 41 ـ 42. 2 ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 4/88. 3 ـ الإرشاد ، المفيد : 2/33 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44/324 ح 2. 4 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/327. (51)
قال السيد عليه الرحمة : فلمَّا أصبح الحسين ( عليه السلام ) خرج من منزله يستمع الأخبار فلقيه مروان بن الحكم فقال له : يا أبا عبدالله ، إني لك ناصح ، فأطعني ترشد ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : وما ذاك ؟ قل حتى أسمع ، فقال مروان : إني آمرك ببيعة يزيد أمير المؤمنين ، فإنه خير لك في دينك ودنياك ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وعلى الإسلام السلام ، إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ، ولقد سمعت جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : الخلافة محرَّمة على آل أبي سفيان ، وطال الحديث بينه وبين مروان حتى انصرف مروان وهو غضبان.
فلما كان الغداة توجَّه الحسين ( عليه السلام ) إلى مكة لثلاث مضين من شعبان سنة ستين ، فأقام بها باقي شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة (1). قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : فأقام الحسين ( عليه السلام ) في منزله تلك الليلة ، وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين من الهجرة ، واشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد ، وامتناعه عليهم ، وخرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجِّهاً إلى مكة ، فلمَّا أصبح الوليد سرَّح في أثره الرجال فبعث راكباً من موالي بني أمية في ثمانين راكباً فطلبوه فلم يدركوه ، فرجعوا. فلما كان آخر نهار السبت بعث الرجال إلى الحسين ( عليه السلام ) ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية ، فقال لهم الحسين ( عليه السلام ) : أصبحوا ثم ترون ونرى ، فكفوا تلك الليلة عنه ، ولم يلحّوا عليه ، فخرج ( عليه السلام ) من تحت ليلته ـ وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب ـ متوجّهاً نحو مكه ، ومعه بنوه وإخوته وبنو أخيه ، وجلُّ أهل بيته إلاّ محمد بن الحنفيّة رحمه الله ، فإنه لما علم عزمه على الخروج عن المدينة لم يدر أين يتوجَّه ، فقال له : يا أخي ، أنت أحبُّ الناس إليَّ وأعزُّهم عليَّ ، ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق إلاّ لك ، وأنت أحقُّ بها ، تنحَّ ببيعتك عن يزيد بن 1 ـ اللهوف ، ابن طاووس : 18 و 21 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44/326. (52)
معاوية ، وعن الأمصار ما استطعت ، ثم ابعث رسلك إلى الناس ، ثم ادعهم إلى نفسك ، فإن تابعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك ، وإن اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ، ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك ، إني أخاف عليك أن تدخل مصراً من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم ، فمنهم طائفة معك وأخرى عليك ، فيقتتلون فتكون أنت لأوَّل الأسنَّة غرضاً ، فإذا خيرُ هذه الأمة كلها نفساً وأباً وأماً أضيعها دماً وأذلّها أهلا.
فقال له الحسين ( عليه السلام ) : فأين أنزل يا أخي ؟ قال : انزل مكة ، فإن اطمأنَّت بك الدار بها فسبيل ذلك ، وإن نبتْ بك لحقت بالرمال وشعف الجبال ، وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس ، فإنك أصوب ما تكون رأياً حين تستقبل الأمر استقبالا ، فقال ( عليه السلام ) : يا أخي ، قد نصحت وأشفقت ، وأرجو أن يكون رأيك سديداً موفَّقاً (1). وعن حمزة بن حمران ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : ذكرنا خروج الحسين ( عليه السلام ) وتخلّف ابن الحنفية ، فقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : يا حمزة ، إني سأخبرك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك هذا ، إن الحسين ( عليه السلام ) لما فصل متوجّهاً ، دعا بقرطاس وكتب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي بن أبي طالب إلى بني هاشم ، أما بعد ، فإن من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلّف لم يبلغ مبلغ الفتح والسلام (2). وروى السيد ابن طاووس عليه الرحمة من كتاب الشافي في النسب بإسناده إلى جده محمد بن عمر قال : سمعت أبي عمر بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) يحدث أخوالي آل عقيل قال : لما امتنع أخي الحسين ( عليه السلام ) عن البيعة ليزيد بالمدينة ، دخلت عليه فوجدته خاليا فقلت له : جُعلت فداك يا أبا عبدالله ، حدثني أخوك 1 ـ الإرشاد ، المفيد : 2/34 ـ 35. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/330. (53)
أبو محمد الحسن عن أبيه ( عليهما السلام ) ثم سبقتني الدمعة وعلا شهيقي فضمني إليه وقال : حدثك أني مقتول ؟ فقلت : حوشيت يابن رسول الله ، فقال : سألتك بحق أبيك ، بقتلي خبرك ؟ فقلت : نعم ، فلو لا تأولت وبايعت ؟ فقال : حدثني أبي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخبره بقتله وقتلي ، وأن تربتي تكون بقرب تربته ، فتظن إنك علمت ما لم أعلمه ، وإنه لا أعطي الدنية عن نفسي أبدا ، ولتلقين فاطمة أباها شاكية ما لقيت ذريتها من أمته ، ولا يدخل الجنة أحدٌ آذاها في ذريتها (1).
وروى ابن قولويه عليه الرحمة ، عن جابر ، عن محمد بن علي ( عليهما السلام ) ، قال : لما همَّ الحسين ( عليه السلام ) بالشخوص عن المدينة أقبلت نساء بني عبدالمطلب فاجتمعن للنياحة حتى مشى فيهنَّ الحسين ( عليه السلام ) ، فقال : أنشدكنَّ الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقالت له نساء بني عبد المطلب : فلمن نستبقي النياحة والبكاء ، فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعلي وفاطمة ورقية وزينب وأم كلثوم ، فننشدك الله ، جعلنا الله فداك من الموت يا حبيب الأبرار من أهل القبور ، وأقلبت بعض عمَّاته تبكي وتقول : أشهد يا حسين لقد سمعت الجن ناحت بنوحك ، وهم يقولون :
1 ـ اللهوف في قتلى الطفوف ، السيد ابن طاووس : 19 ـ 20. (54)
1 ـ كامل الزيارات ، ابن قولويه : 195 ـ 196 ح 8. (55)
أقول : ليت شعري ما حال أم هاني وبنات عبدالمطلب يوم ورد الناعي بقتل الحسين ( عليه السلام ) ، قال الرواي : ولما ورد نعي الحسين ( عليه السلام ) المدينة فلم أسمع والله واعية مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على الحسين ( عليه السلام ) (1).
وخرجت أسماء ـ وفي رواية أم لقمان بنت عقيل بن أبي طالب ـ في جماعة من نساء بني هاشم وهي حاسرة تلوي بثوبها حتى انتهت إلى قبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلاذت به وشهقت عنده ، ثم التفتت إلى المهاجرين والأنصار وهي تقول :
ولله درّ الحجة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ معالي السبطين ، الحائري : 1/214 ـ 215. 2 ـ روضة الواعظين ، الفتال النيسابوري : 192 ـ 193 ، تاريخ الطبري : 4/357 ، معالي السبطين ، الحائري : 1/215. 3 ـ كتاب الفتوح ، ابن أعثم الكوفي : 5/21 ، مقتل الحسين ( عليه السلام ) ، الخوارزمي : 1/187. 4 ـ الشواهد المنبرية ، الشيخ علي الجشي : 43. (56)
رثي به الحسين بن علي ( عليهما السلام ) قول عقبة بن عمرو السهمي من بني سهم بن عوف بن غالب :
جاء في زيارات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) : يا مواليَّ ، فلو عاينكم المصطفى ، وسهام الأئمة معرقة في أكبادكم ، ورماحهم مشرعة في نحوركم ، وسيوفها مولغة في دمائكم ، يشفي أبناء العواهر غليل الفسق من ورعكم ، وغيظ الكفر من إيمانكم ، 1 ـ الأمالى ، الشيخ المفيد : 324. 2 ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/268. (57)
وأنتم بين صريع في المحراب قد فَلق السيفُ هامتَه ، وشهيد فوق الجنازة قد شُكَّت بالسهام أكفانُه ، وقتيل بالعراء قد رُفع فوق القناة رأسُه ، ومكبَّل في السجن رُضَّت بالحديد أعضاؤه ، ومسموم قد قُطِّعت بجُرع السمِّ أمعاؤه (1) ، فإنّا لله إنّا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العلي العظيم ، ولله درّ السيد صالح القزويني عليه الرحمة إذ يقول :
وقال ابن عباس في كتابه إلى يزيد بن معاوية لعنه الله تعالى : وما أنسى من الأشياء ، فلستُ بناس إطرادك الحسين بن علي ( عليه السلام ) من حَرم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى 1 ـ المزار ، محمد بن المشهدي : 298. 2 ـ مثير الأحزان ، الجواهري : 155. 3 ـ الأمالي ، الصدوق : 177 ح2. (58)
حَرم الله ، ودسك إليه الرجال تغتاله ، فأشخصته من حرم الله إلى الكوفة ، فخرج منها خائفاً يترقب ، وقد كان أعزَّ أهلِ البطحاء بالبطحاء قديماً ، وأعزَّ أهلها بها حديثاً ، وأطوعَ أهل الحرمين بالحرمين لو تبوأ بها مقاماً ، واستحل بها قتالاً ، ولكن كَره أن يكون هو الذي يستحل حرمة البيت ، وحرمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأكبر من ذلك ما لم تكبر حيث دسست إليه الرجال فيها ليقاتل في الحرم ، وما لم يكبر ابن الزبير حيث ألحد بالبيت الحرام وعرضه للعائر وأراقل العالم ، وأنت ؟ لأنت المستحل فيما أُظن بل لا شك فيه أنك للمحرف العريف ، فإنك حلف نسوة ، صاحب ملاه ، فلما رأى سوء رأيك شخص إلى العراق ، ولم يبتغك ضراباً ، وكان أمر الله قدرا مقدورا (1).
قال الراوي : وخرج الحسين ( عليه السلام ) من منزله ذات ليلة ، وأقبل إلى قبر جدّه ( صلى الله عليه وآله ) فقال : السلام عليك يا رسول الله ، أنا الحسين بن فاطمة ، فرخك وابن فرختك ، وسبطك الذي خلَّفتني في أمتك ، فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم قد خذلوني ، وضيَّعوني ، ولم يحفظوني ، وهذه شكواي إليك حتى ألقاك ، قال : ثم قام فصفَّ قدميه فلم يزل راكعاً ساجداً. قال : وأرسل الوليد إلى منزل الحسين ( عليه السلام ) لينظر أخرج من المدينة أم لا ؟ فلم يصبه في منزله ، فقال : الحمد لله الذي خرج ولم يبتلني بدمه ، قال : ورجع الحسين ( عليه السلام ) إلى منزله عند الصبح فلمَّا كانت الليلة الثانية خرج إلى القبر أيضاً وصلَّى ركعات ، فلمَّا فرغ من صلاته جعل يقول : اللهم هذا قبر نبيك محمد ، وأنا ابن بنت نبيك ، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت ، اللهم إني أحبُّ المعروف ، وأنكر المنكر ، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق القبر ومن فيه إلاَّ اخترت لي ما هو لك رضى ، ولرسولك رضى. 1 ـ تأريخ اليعقوبي : 2/249. (59)
قال : ثم جعل يبكي عند القبر حتى إذا كان قريباً من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى ، فإذا هو برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين يديه حتى ضمَّ الحسين إلى صدره ، وقبَّل بين عينيه وقال : حبيبي يا حسين ، كأني أراك عن قريب مرمَّلا بدمائك ، مذبوحاً بأرض كرب وبلاء ، بين عصابة من أمتي ، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى ، وظمآن لا تروى ، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ، حبيبي يا حسين ، إن أباك وأمَّك وأخاك قدموا عليَّ وهم مشتاقون إليك ، وإن لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلاَّ بالشهادة.
قال : فجعل الحسين ( عليه السلام ) في منامه ينظر إلى جدِّه ويقول : يا جدَّاه ، لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا ، فخذني إليك وأدخلني معك في قبرك ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لابدَّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتى ترزق الشهادة ، وما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم ، فإنك وأباك وأخاك وعمَّك وعمَّ أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة ، حتى تدخلوا الجنة. ولله درّ المرحوم الشيخ عبدالمنعم الفرطوسي عليه الرحمة إذ يقول :
(60)
قال : وتهيَّأ الحسين ( عليه السلام ) للخروج عن المدينة ، ومضى في جوف الليل إلى قبر أمِّه فودَّعها ، ثم مضى إلى قبر أخيه الحسن ففعل كذلك ، ثم رجع إلى منزله وقت الصبح ، فأقبل إليه أخوه محمد بن الحنفيَّة وقال : يا أخي ، أنت أحبُّ الخلق إليَّ ، وأعزُّهم عليَّ ، ولست والله أدّخر النصيحة لأحد من الخلق ، وليس أحد أحقُّ بها منك; لأنك مزاج مائي ونفسي وروحي وبصري وكبير أهل بيتي ، ومن وجبت طاعته في عنقي ، لأن الله قد شرَّفك عليَّ ، وجعلك من سادات أهل الجنة. وساق الحديث إلى أن قال : تخرج إلى مكة فإن اطمأنّت بك الدار بها فذاك ، وإن تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن ، فإنهم أنصار جدِّك وأبيك ، وهم أرأف الناس وأرقّهم قلوباً ، وأوسع الناس بلاداً ، فإن اطمأنّت بك الدار ، وإلاَّ لحقت بالرمال وشعوب الجبال ، وجزت من بلد إلى بلد ، حتى تنظر ما يؤول إليه أمر الناس ، ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين. قال : فقال الحسين ( عليه السلام ) : يا أخي ، والله لو لم يكن ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ، فقطع محمد بن الحنفية الكلام وبكى ، فبكى الحسين ( عليه السلام ) معه ساعة ثم قال : يا أخي ، جزاك الله خيراً ، فقد نصحت وأشرت بالصواب ، وأنا عازم على الخروج إلى مكة ، وقد تهيَّأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي ، وأمرهم أمري ورأيهم رأيي ، وأما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة ، فتكون 1 ـ ديوان الفرطوسي : 1/93. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|