المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 61 ـ 75
(61)
لي عيناً لا تخفي عني شيئاً من أمورهم.
    ثم دعا الحسين ( عليه السلام ) بدواة وبياض وكتب هذه الوصية لأخيه محمد :
    بسم الله الرّحمن الرّحيم  ، هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية  ، أن الحسين يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله  ، جاء بالحق من عند الحق  ، وأن الجنة والنار حق  ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها  ، وأن الله يبعث من في القبور  ، وأني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً  ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ( صلى الله عليه وآله )   ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر  ، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب ( عليه السلام )   ، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق  ، ومن ردَّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين  ، وهذه وصيتي يا أخي إليك  ، وما توفيقي إلاَّ بالله عليه توكَّلت وإليه أنيب.
    قال : ثمَّ طوى الحسين ( عليه السلام ) الكتاب وختمه بخاتمه  ، ودفعه إلى أخيه محمد  ، ثم ودَّعه وخرج في جوف الليل (1).
    وقال محمد بن أبي طالب : روى محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل بسنده عن حمزة بن حمران  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : ذكرنا خروج الحسين ( عليه السلام ) وتخلُّف ابن الحنفية فقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : يا حمزة  ، إني سأخبرك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك هذا  ، إن الحسين لما فصل متوجِّهاً  ، دعا بقرطاس وكتب فيه :
    بسم الله الرّحمن الرّحيم  ، من الحسين بن علي بن أبي طالب إلى بني هاشم  ، أمَّا بعد فإنه من لحق بي منكم استشهد  ، ومن تخلَّف لم يبلغ مبلغ الفتح  ، والسلام.
    قال : وقال شيخنا المفيد بإسناده إلى أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : لما سار أبو عبدالله ( عليه السلام ) من المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسوّمة  ، في أيديهم الحراب  ، على
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/327 ـ 331.

(62)
نجب من نجب الجنة  ، فسلَّموا عليه  ، وقالوا : يا حجة الله على خلقه بعد جدّه وأبيه وأخيه  ، إن الله سبحانه أمدَّ جدَّك بنا في مواطن كثيرة  ، وإن الله أمدَّك بنا  ، فقال لهم : الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها وهي كربلا  ، فإذا وردتها فأتوني  ، فقالوا : يا حجَّة الله! مرنا نسمع ونطع  ، فهل تخشى من عدوّ يلقاك فنكون معك ؟ فقال : لا سبيل لهم عليَّ  ، ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي.
    وأتته أفواج مسلمي الجن فقالوا : يا سيِّدنا  ، نحن شيعتك وأنصارك  ، فمرنا بأمرك وما تشاء  ، فلو أمرتنا بقتل كل عدوّ لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك  ، فجزاهم الحسين خيراً وقال لهم : أو ما قرأتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « أَيْنََما تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوج مُشَيَّدَة » وقال سبحانه : « لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ » وإذا أقمت بمكاني فبماذا يبتلى هذا الخلق المتعوس ؟ وبماذا يختبرون ؟ ومن ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء ؟ وقد اختارها الله يوم دحا الأرض  ، وجعلها معقلا لشيعتنا  ، ويكون لهم أماناً في الدنيا والآخرة  ، ولكن تحضرون يوم السبت  ، وهو يوم عاشوراء الذي في آخره أقتل  ، ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخوتي وأهل بيتي  ، ويسار برأسي إلى يزيد لعنه الله.
    فقالت الجن : نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه  ، لولا أن أمرك طاعة وأنه لا يجوز لنا مخالفتك قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك  ، فقال صلوات الله عليه لهم : نحن والله أقدر عليهم منكم  ، ولكن ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيَّ عن بينة (1).
    قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : ووجدت في بعض الكتب أنه ( عليه السلام ) لما عزم على الخروج من المدينة أتته أم سلمة رضي الله عنها فقالت : يا بنيَّ  ، لا تحزنّي
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/330 ـ 331.

(63)
بخروجك إلى العراق  ، فإني سمعت جدَّك ( صلى الله عليه وآله ) يقول : يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء  ، فقال لها : يا أُمَّاه  ، وأنا والله أعلم ذلك  ، وإني مقتول لا محالة  ، وليس لي من هذا بدّ  ، وإني والله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه  ، وأعرف من يقتلني  ، وأعرف البقعة التي أدفن فيها  ، وإني أعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي  ، وإن أردت يا أمَّاه أريك حفرتي ومضجعي.
    ثم أشار ( عليه السلام ) إلى جهة كربلاء فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره  ، وموقفه ومشهده  ، فعند ذلك بكت أم سلمة بكاء شديداً  ، وسلَّمت أمره إلى الله  ، فقال لها : يا أمّاه  ، قد شاء الله عزَّ وجلَّ أن يراني مقتولا مذبوحاً ظلماً وعدواناً  ، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشرَّدين  ، وأطفالي مذبوحين مظلومين  ، مأسورين مقيَّدين  ، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا معيناً. ولله درّ الحجة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة إذ يقول :
وأقبلت زوجةُ الهادي التي حفظت بُنيَّ يُحزنُني منك الخروجُ إلى بنيَّ تُقْتَلُ إِمَّا جئتَها فأَقِمْ هو العليمُ بما يجري عليه وهل لكنْ شريعةُ طه إذ به التجأت أَلاَ ترى حين جاء النصر منتصراً قد أصدر النصرَ والبتَّارَ أغمده فعاد نَهْبَ الظبا للسُّمْرِ مُشْتَجَراً فيه الوصايا وأدَّت حقَّ هاديها أرض العراقِ فلا تأمَنْ أهاليها عسى أُقضِّي لبانات أُرجِّيها يخفى عليه من الأقدارِ جاريها أجاب منتصراً للحقِّ داعيها في كربلا والعدى سدَّت نواحيها وباع في الحقِّ نفساً جلَّ شاريها والنبلُ كالقطرِ يهمي من أعاديها (1)
    وفي رواية أخرى : قالت أم سلمة : وعندي تربة دفعها إليَّ جدّك في قارورة  ، فقال : والله إني مقتول كذلك  ، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضاً  ، ثم أخذ تربة
1 ـ الشواهد المنبرية  ، الشيخ علي الجشي : 42.

(64)
فجعلها في قارورة وأعطاها إياها وقال : اجعليها مع قارورة جدّي  ، فإذا فاضتا دماً فاعلمي أني قد قتلت.
    ثم قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : فسار الحسين ( عليه السلام ) إلى مكة وهو يقرأ : « فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » (1) ولزم الطريق الأعظم  ، فقال له أهل بيته : لو تنكَّبت عن الطريق كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب  ، فقال : لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض (2).
    وروي عن سكينة بنت الحسين ( عليه السلام ) قالت : خرجنا من المدينة في ليلة مظلمة  ، ذات رعد وبرق  ، حتى خلنا أنَّ السماء أُطبقت على الأرض (3).
    وفي رواية عن المنتخب قالت ( عليها السلام ) لما خرجنا من المدينة ما كان أحد أشدّ خوفاً منا أهل البيت (4).
    وفي رواية أخرى قالت سكينة ( عليها السلام ) : حين خرجنا من المدينة وما أهل بيت أشد غماً ولا خوفاً من أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ).
    سبحان الله خرجن بنات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من المدينة خائفات ومعهن حماتهن ورجالهن  ، ليت شعري فما حالهن يوم سيروهن من كربلاء إلى الكوفة  ، ومن الكوفة إلى الشام  ، وليس معهن من رجالهن ولي  ، ولا من حُماتهن حمي  ، وكأني بزينب الكبرى ( عليها السلام ) تنادي بلسان الحال :
لا والدٌ لي ولا عمٌ ألوذ به أخي ذبيح ورحلي قد اُبيح وبي ولا أخٌ لي بقي أرجوه ذو رحمِ ضاق الفسيح وأطفالي بغير حمي (5)
    وروى عبدالله بن سنان الكوفي  ، عن أبيه  ، عن جده أنه قال في كيفية خروج الإمام الحسين ( عليه السلام ) من المدينة قال : خرجت بكتاب من أهل الكوفة إلى الحسين ( عليه السلام ) وهو يومئذ بالمدينة  ، فأتيته فقرأه فعرف معناه فقال : أنظرني إلى ثلاثة
1 ـ سورة القصص  ، الآية : 21.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/331 ـ 332.
3 ـ سعادة الدارين فيما يتعلق بالإمام الحسين ( عليه السلام )   ، الشيخ حسين القديحي : 93.
4 ـ المنتخب  ، الطريحي : 411.
5 ـ معالي السبطين  ، الحائري : 1/227 ـ 228.


(65)
أيام  ، فبقيت في المدينة ثم تبعته إلى أن صار عزمه بالتوجّه إلى العراق  ، فقلت في نفسي : أمضي وأنظر إلى ملك الحجاز كيف يركب  ، وكيف جلالته وشأنه  ، فأتيت إلى باب داره فرأيت الخيل مسرجة  ، والرجال واقفين  ، والحسين ( عليه السلام ) جالس على كرسي  ، وبنو هاشم حافّون به  ، وهو بينهم كأنه البدر ليلة تمامه وكماله.
    ورأيت نحواً من أربعين محملا وقد زيِّنت المحامل بملابس الحرير والديباج  ، قال : فعند ذلك أمر الحسين ( عليه السلام ) بني هاشم بأن يُركِّبوا محارمهن على المحامل  ، فبينما أنا أنظر وإذا بشاب قد خرج من دار الحسين ( عليه السلام ) وهو طويل القامة  ، وعلى خدّه علامة  ، ووجهه كالقمر الطالع وهو يقول : تنحّوا يا بني هاشم  ، وإذا بامرأتين قد خرجتا من الدار وهما تجران أذيالهما على الأرض حياء من الناس  ، وقد حفَّت بهما إماؤهما  ، فتقدَّم ذلك الشاب إلى محمل من المحامل وجثا على ركبتيه  ، وأخذ بعضديهما وأركبهما المحمل  ، فسألت بعض الناس عنهما فقيل : أما إحداهما فزينب  ، والأخرى أم كلثوم بنتا أمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، فقلت : ومن هذا الشاب ؟ فقيل لي : هو قمر بني هاشم العباس ابن أمير المؤمنين  ، ثم رأيت بنتين صغيرتين كأن الله تعالى لم يخلق مثلهما  ، فجعل واحدة مع زينب والأخرى مع أم كلثوم  ، فسألت عنهما فقيل لي : هما سكينة وفاطمة بنتا الحسين ( عليه السلام )   ، ثم خرج غلام آخر كأنه البدر الطالع ومعه امرأة  ، وقد حفَّت بها إماؤها  ، فأركبها ذلك الغلام المحمل  ، فسألت عنها وعن الغلام فقيل لي : أمَّا الغلام فهو علي الأكبر بن الحسين ( عليه السلام )   ، والإمرأة أمه ليلى زوجة الحسين ( عليه السلام )   ، ثم خرج غلام ووجهه كفلقة القمر  ، ومعه امرأة  ، فسألت عنها فقيل لي : أمَّا الغلام فهو القاسم بن الحسن المجتبى ( عليه السلام ) والإمرأة أمه.
    ثم خرج شاب آخر وهو يقول : تنحّوا عني يا بني هاشم  ، تنحّوا عن حرم أبي عبدالله  ، فتنحَّى عنه بنو هاشم  ، وإذا قد خرجت امرأة من الدار وعليها آثار الملوك  ، وهي تمشي على سكينة ووقار  ، وقد حفَّت بها إماؤها  ، فسألت عنها فقيل


(66)
لي : أمّا الشاب فهو زين العابدين ابن الإمام  ، ثم أركبوا بقية الحرم والأطفال على المحامل  ، فلمَّا تكاملوا نادى الإمام ( عليه السلام ) : أين أخي ؟ أين كبش كتيبتي ؟ أين قمر بني هاشم ؟ فأجابه العباس : لبيك لبيك يا سيّدي  ، فقال له الإمام ( عليه السلام ) : قدِّم لي يا أخي جوادي  ، فأتى العباس بالجواد إليه وقد حفَّت به بنو هاشم  ، فأخذ العباس بركاب الفرس حتى ركب الإمام  ، ثم ركب بنو هاشم  ، وركب العباس وحمل الراية أمام الإمام ( عليه السلام ) (1).
    ولله درّ السيد محمد حسين القزويني عليه الرحمة إذ يقول :
وحفَّت به من آلِهِ خيرُ فتية إذا هي سارت في دجى الليلِ أزهرت بكلِّ كميٍّ فوق أجردَ سابح إذا خَفَّ في الهيجاءِ وَقَّرَ مَتْنَهُ هُمُ القومُ من عليا لؤيٍّ وغالب إذا اسودَّ يومُ النقعِ أشرقن بالبها وما وَقَفوا في الحربِ إلاَّ ليعبروا يكرُّون والأبطالُ نُكْصاً تقاعست إلى أن ثووا تحت العجاج بمعرك وماتوا كراماً تشهدُ الحربُ أَنَّهم لها ينتمي المجدُ المؤثَّلُ والفخرُ وباهت سواري النجم أوجهُها الزهرُ يتيهُ به في مشيِهِ الدِّلُّ والكبرُ بنجدةِ بأس فاطمأنَّ له ظَهْرُ بهم تُكشفُ الجُلَّى ويُستدفعُ الضرُّ لهم أوجهٌ والشوسُ ألوانُها صُفْرُ إلى الموت والخطيُّ من دونِهِ جسرُ من الخوفِ والآسادُ شيمتُها الكرُّ هو الحشرُ لا بل دون موقفِهِ الحشرُ أُبَاةٌ إذا ألوى بهم حادثٌ نكرُ (2)

1 ـ معالي السبطين  ، الحائري : 1/220  ، أسرار الشهادة  ، الدربندي : 367.
2 ـ مثير الأحزان  ، الجواهري : 115.


(67)
    جاء في بعض زيارات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) : فهل المحن يا ساداتي إلاَّ التي لزمتكم  ، والمصائب إلاَّ التي عمَّتكم  ، والفجايع إلاَّ التي خصَّتكم  ، والقوارع إلاّ التي طرقتكم  ، صلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وأجسادكم  ، ورحمة الله وبركاته  ، بأبي وأمي يا آل المصطفى  ، إنّا لا نملك إلاَّ أن نطوف حول مشاهدكم  ، ونعزّي فيها أرواحكم  ، على هذه المصائب العظيمة الحالّة بفنائكم  ، والرزايا الجليلة النازلة بساحتكم  ، التي أثبتت في قلوب شيعتكم القروح  ، وأورثت أكبادهم الجروح  ، وزرعت في صدروهم الغصص  ، فنحن نشهد الله أنّا قد شاركنا أولياءكم وأنصاركم المتقدِّمين  ، في إراقة دماء الناكثين والقاسطين والمارقين  ، وقتلة أبي عبدالله سيِّد شباب أهل الجنة يوم كربلاء  ، بالنيَّات والقلوب  ، والتأسُّف على فوت تلك المواقف  ، التي حضروا لنصرتكم  ، والله وليي يبلغكم مني السلام (1).
يا أمةً باعت بضائعَ دينِها خانت عُهُودَ محمَّد في آلِهِ يومَ الطفوفِ بخيبة وشَقَاءِ من بعده وجزته شَرَّ جَزَاءِ
    قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : رأيت في بعض تأليفات بعض الثقات من المعاصرين : روي أنه لما أخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين وما يجري عليه من المحن بكت فاطمة بكاء شديداً  ، وقالت : يا أبتِ  ، متى يكون ذلك ؟ قال : في زمان خال مني ومنك ومن علي  ، فاشتدَّ بكاؤها وقالت : يا أبتِ  ، فمن يبكي عليه ؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا فاطمة  ، إن نساء أمتي
1 ـ المزار  ، محمد بن المشهدي : 299.

(68)
يبكون على نساء أهل بيتي  ، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي  ، ويجدِّدون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة  ، فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء  ، وأنا أشفع للرجال  ، وكل من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنة  ، يا فاطمة! كل عين باكية يوم القيامة إلاَّ عين بكت على مصاب الحسين فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة (1).
    وعن أبي بصير قال : كنت عند أبي عبدالله ( عليه السلام ) وأحدثه  ، فدخل عليه ابنه فقال له : مرحباً  ، وضمَّه وقبَّله وقال : حقَّر الله من حقَّركم  ، وانتقم ممن وتركم  ، وخذل الله من خذلكم  ، ولعن الله من قتلكم  ، وكان الله لكم ولياً وحافظاً وناصراً  ، فقد طال بكاء النساء  ، وبكاء الأنبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء  ، ثمَّ بكى وقال : يا أبا بصير  ، إذا نظرتُ إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أُتي إلى أبيهم وإليهم  ، يا أبا بصير  ، إن فاطمة لتبكيه وتشهق  ، فتزفر جهنم زفرة لولا أن الخزنة يسمعون بكاءها وقد استعدّوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق أو يشرد دخانها  ، فيحرق أهل الأرض  ، فيكبحونها ما دامت باكية  ، ويزجرونها ويوثقون من أبوابها مخافة على أهل الأرض  ، فلا تسكن حتى يسكن صوت فاطمة  ، وإن البحار تكاد أن تنفتق فيدخل بعضها على بعض  ، وما منها قطرة إلاَّ بها ملك موكل  ، فإذا سمع الملك صوتها أطفأ نأرها بأجنحته  ، وحبس بعضها على بعض  ، مخافة على الدنيا ومن فيها ومن على الأرض  ، فلا تزال الملائكة مشفقين  ، يبكون لبكائها ويدعون الله ويتضرَّعون إليه  ، ويتضرَّع أهل العرش ومن حوله  ، وترتفع أصوات من الملائكة بالتقديس لله مخافة على أهل الأرض  ، ولو أن صوتاً من أصواتهم يصل إلى الأرض لصعق أهل الأرض وتقلَّعت الجبال  ، وزلزلت الأرض بأهلها. قلت : جعلت فداك  ، إن هذا الأمر عظيم  ، قال : غيره أعظم منه ما لم تسمعه  ، ثمَّ
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/292.

(69)
قال : يا أبا بصير  ، أما تحبُّ أن تكون فيمن يُسعد فاطمة ؟ فبكيت حين قالها  ، فما قدرت على المنطق  ، وما قدرت على كلامي من البكاء  ، ثم قام إلى المصلَّى يدعو وخرجت من عنده على تلك الحال  ، فما انتفعت بطعام  ، وما جاءني النوم  ، وأصبحت صائماً وجلا حتى أتيته  ، فلمَّا رأيته قد سكن سكنت  ، وحمدت الله حيث لم تنزل بي عقوبة (1).
    وعن عبدالملك بن مقرن عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إذا زرتم أبا عبدالله ( عليه السلام ) فالزموا الصمت إلاَّ من خير  ، وإن ملائكة الليل والنهار من الحفظة تحضر الملائكة الذين بالحائر فتصافحهم  ، فلا يجيبونها من شدّة البكاء  ، فينتظرونهم حتى تزول الشمس وحتى ينور الفجر  ، ثم يكلِّمونهم ويسألونهم عن أشياء من أمر السماء  ، فأمَّا ما بين هذين الوقتين فإنهم لا ينطقون ولا يفترون عن البكاء والدعاء  ، ولا يشغلونهم في هذين الوقتين عن أصحابهم  ، فإنهم شغلهم بكم إذا نطقتم  ، قلت : جعلت فداك  ، وما الذي يسألونهم عنه ؟ وأيهم يسأل صاحبه : الحفظة أو أهل الحائر ؟ قال : أهل الحائر يسألون الحفظة لأن أهل الحائر من الملائكة لا يبرحون  ، والحفظة تنزل وتصعد  ، قلت : فما ترى يسألونهم عنه ؟ قال : إنهم يمرّون إذا عرجوا بإسماعيل صاحب الهواء  ، فربما وافقوا النبيَّ ( صلى الله عليه وآله ) عنده وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من مضى منهم فيسألونهم عن أشياء  ، وعمَّن حضر منكم الحائر  ، ويقولون : بشِّروهم بدعائكم  ، فتقول الحفظة : كيف نبشِّرهم وهم لا يسمعون كلامنا ؟ فيقولون لهم : باركوا عليهم وادعوا لهم عنّا فهي البشارة منا  ، وإذا انصرفوا فحفّوهم بأجنحتكم حتى يحسّوا مكانكم  ، وإنا نستودعهم الذي لا تضيع ودائعه  ، ولو يعلموا ما في زيارته من الخير  ، ويعلم ذلك الناس لاقتتلوا على زيارته بالسيوف  ، ولباعوا أموالهم في إتيانه  ، وإن فاطمة ( عليها السلام ) إذا نظرت إليهم ومعها ألف
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/208 ح 14 عن كامل الزيارات.

(70)
نبيّ وألف صدّيق  ، وألف شهيد ومن الكرّوبيين ألف ألف يسعدونها على البكاء  ، وإنها لتشهق شهقة فلا يبقى في السماوات ملك إلاَّ بكى رحمة لصوتها  ، وما تسكن حتى يأتيها النبي فيقول : يا بنيَّة  ، قد أبكيت أهل السماوات  ، وشغلتهم عن التقديس والتسبيح  ، فكفّي حتى يقدِّسوا  ، فإن الله بالغ أمره  ، وإنها لتنظر إلى من حضر منكم  ، فتسأل الله لهم من كل خير  ، ولا تزهدوا في إتيانه فإن الخير في إتيانه أكثر من أن يُحصى (1).
    وقال ابن نما : ورأت سكينة في منامها وهي بدمشق كأن خمسة نجب من نور قد أقبلت  ، وعلى كل نجيب شيخ  ، والملائكة محدقة بهم  ، ومعهم وصيف يمشي  ، فمضى النجب وأقبل الوصيف إليَّ وقرب مني وقال : يا سكينة  ، إن جدَّكِ يسلِّم عليك  ، فقلت : وعلى رسول الله السلام  ، يا رسول! من أنت ؟ قال : وصيف من وصائف الجنة  ، فقلت : من هؤلاء المشيخة الذين جاؤوا على النجب ؟ قال : الأول آدم صفوة الله  ، والثاني إبراهيم خليل الله  ، والثالث موسى كليم الله  ، والرابع عيسى روح الله  ، فقلت : من هذا القابض على لحيته يسقط مرة ويقوم أخرى ؟ فقال : جدّك رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فقلت : وأين هم قاصدون ؟ قال : إلى أبيك الحسين  ، فأقبلت أسعى في طلبه لأعرِّفه ما صنع بنا الظالمون بعده  ، فبينما أنا كذلك إذ أقبلت خمسة هوادج من نور  ، في كل هودج امرأة  ، فقلت : من هذه النسوة المقبلات ؟ قال : الأولى حواء أم البشر  ، والثانية آسية بنت مزاحم  ، والثالثة مريم ابنة عمران  ، والرابعة خديجة بنت خويلد  ، فقلت : من الخامسة الواضعة يدها على رأسها تسقط مرة وتقوم أخرى ؟ فقال : جدّتك فاطمة بنت محمد أم أبيك  ، فقلت : والله لأخبرنّها ما صنع بنا  ، فلحقتها ووقفت بين يديها أبكي وأقول : يا أُمتاه جحدوا والله حقَّنا  ، يا أمتاه بدَّدوا والله شملنا  ، يا أُمتاه  ، استباحوا والله حريمنا  ، يا أُمتاه  ، قتلوا
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/224 ح 17 عن كامل الزيارات.

(71)
والله الحسين أبانا  ، فقالت : كفّي صوتك يا سكينة فقد أحرقت كبدي  ، وقطَّعت نياط قلبي  ، هذا قميص أبيك الحسين معي لا يفارقني حتى ألقى الله به  ، ثم انتبهت وأردت كتمان ذلك المنام  ، وحدَّثت به أهلي فشاع بين الناس.
    وفي رواية أُخرى قال السيِّد عليه الرحمة : وقالت سكينة : فلمّا كان اليوم الرابع من مقامنا رأيت في المنام وذكرت مناماً طويلا تقول في آخره : ورأيت امرأة راكبة في هودج ويدها موضوعة على رأسها  ، فسألت عنها فقيل لي : هذه فاطمة بنت محمد أم أبيك  ، فقلت : والله لأنطلقنّ إليها ولأخبرنّها بما صنع بنا  ، فسعيت مبادرة نحوها حتى لحقت بها  ، فوقفت بين يديها أبكي وأقول : يا أمتاه  ، جحدوا والله حقَّنا  ، يا أمتاه  ، بدَّدوا والله شملنا  ، يا أمتاه  ، استباحوا والله حريمنا  ، يا أمتاه  ، قتلوا والله الحسين أبانا  ، فقالت لي : كفّي صوتك يا سكينة  ، فقد قطَّعت نياط قلبي  ، هذا قميص أبيك الحسين ( عليه السلام ) لا يفارقني حتى ألقى الله به (1).
    ولله درّ الشريف الرضي عليه الرحمة إذ يقول :
وَمَسُوق عاثر يسعى به جَزَروا جَزْرَ الأضاحي نَسْلَهُ قتلوه بعد علم مِنْهُمُ ميِّتٌ تبكي له فاطمةٌ خَلْفَ محمول على غيرِ وِطَا ثُمَّ ساقوا أهلَهُ سَوْقَ الإِمَا أنَّه خَامِسُ أصحابِ الكِسَا وأبوها وعليٌّ ذو العلى
    وقال عليه الرحمة أيضاً :
شَغَلَ الدموعَ عن الديارِ بكاؤُنا لم يَخْلُفُوها في الشهيدِ وقد رأت أترى دَرَتْ أَن الحسينَ طريدةٌ كانت مَآتِمُ بالعراقِ تعدُّها لبكاءِ فاطمة على أولادِها دَفْعَ الفراتِ يُذَادُ عن وُرَّادِها لقَنَا بني الطُّرَداءِ عند وِلاَدِها أُمويَّةٌ بالشام مِن أعيادِها

1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/140.

(72)
ما راقبت غَضَبَ النبيِّ وقد غَدَا جَعَلَتْ رسولَ اللهِ من خُصَمَائِها نسلُ النبيِّ على صِعَابِ مَطِيِّها والهفتاه لعصبة علويَّة جعلت عِرَانَ الذُّلِّ في آنافِها واستأثرت بالأمرِ عن غُيَّابِها طلبت تِرَاتِ الجاهليَّةِ عندَها يا يومَ عاشوراءَ كم لك لوعةٌ زَرْعُ النبيِّ مَظَنَّةً لحصادِها فلبئس ما ذَخَرَتْ ليومِ مَعَادِها ودمُ الحسينِ على رؤوسِ صِعَادِها تبعت أميَّةَ بعد ذُلِّ قيادِها وَعِلاَطَ وَسْمِ الضيمِ في أجيادِها وقضت بما شاءت على أشهادِها وشفت قديمَ الغِلِّ من أحقادِها تترقَّصُ الأحشاءُ من إيقادِها (1)

    جاء في بعض زيارات الإمام الحسين ( عليه السلام ) الشريفة : أشهد أن دمك سكن في الخلد  ، واقشعرَّت له أظلّة العرش  ، وبكى له جميع الخلائق  ، وبكت له السماوات السبع  ، والأرضون السبع  ، وما فيهن وما بينهن  ، ومن يتقلَّب في الجنة والنار من خلق ربِّنا وما يرى وما لا يرى.. (2).
    ورحم الله بعض الشعراء إذ يقول :
تبكيك عيني لا لأجلِ مثوبة لكنَّما عيني لأجلِكَ باكيه
    روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن المفضل بن عمر  ، عن الصادق جعفر بن محمد  ، عن أبيه  ، عن جدّه ( عليهم السلام ) : أن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) دخل
1 ـ مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 3/267 ـ 268.
2 ـ الكافي  ، الكليني : 4/576.


(73)
يوماً إلى الحسن ( عليه السلام )   ، فلمَّا نظر إليه بكى  ، فقال له : ما يبكيك يا أبا عبدالله ؟ قال : أبكي لما يصنع بك  ، فقال له الحسن ( عليه السلام ) : إن الذي يؤتى إليَّ سم يُدس إليَّ فأُقتل به  ، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبدالله  ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل  ، يدّعون أنهم من أمة جدِّنا محمد ( صلى الله عليه وآله )   ، وينتحلون دين الإسلام  ، فيجتمعون على قتلك  ، وسفك دمك  ، وانتهاك حرمتك  ، وسبي ذراريك ونسائك  ، وانتهاب ثقلك  ، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة  ، وتمطر السماء رماداً ودماً  ، ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش في الفلوات  ، والحيتان في البحار (1).
    وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن ثابت بن أبي صفية  ، قال : نظر سيد العابدين علي بن الحسين ( عليهما السلام ) إلى عبيدالله بن العباس بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فاستعبر  ، ثم قال : ما من يوم أشدّ على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من يوم أحد  ، قتل فيه عمّه حمزة بن عبدالمطلب أسد الله وأسد رسوله  ، وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمِّه جعفر بن أبي طالب. ثم قال ( عليه السلام ) : ولا يوم كيوم الحسين ( عليه السلام )   ، ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل  ، يزعمون أنهم من هذه الأمة  ، كل يتقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ بدمه  ، وهو بالله يذكِّرهم فلا يتعظون  ، حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً.. (2).
    وروي عن زرارة  ، قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : يا زرارة  ، إن السماء بكت على الحسين ( عليه السلام ) أربعين صباحاً بالدم  ، وإن الأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد  ، وإن الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة  ، وإن الجبال تقطَّعت وانتثرت  ، وإن البحار تفجَّرت  ، وإن الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين  ، وما اختضبت منا امرأة ولا ادّهنت ولا اكتحلت ولا رجَّلت حتى أتانا رأس عبيدالله بن زياد لعنه الله  ، وما زلنا في عبرة بعده  ، وكان جدّي إذا ذكره بكى حتى
1 ـ الأمالي  ، الشيخ الصدوق : 177 ـ 178 ح 3  ، مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 3/238.
2 ـ الأمالي  ، الشيخ الصدوق : 547 ح 10.


(74)
تملأ عيناه لحيته  ، وحتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه  ، وإن الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كل من في الهواء والسماء من الملائكة (1).
    وعن ابن خارجة  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : كنا عنده فذكرنا الحسين بن علي ( عليه السلام ) وعلى قاتله لعنة الله  ، فبكى أبو عبدالله ( عليه السلام ) وبكينا  ، قال : ثم رفع رأسه فقال : قال الحسين بن علي ( عليه السلام ) : أنا قتيل العبرة  ، لا يذكرني مؤمن إلاَّ بكى  ، وذكر الحديث (2).
    وعن أبي عمارة المنشد قال : ما ذكر الحسين بن علي ( عليه السلام ) عند أبي عبدالله ( عليه السلام ) في يوم قط فرئي أبو عبدالله ( عليه السلام ) متبسِّماً في ذلك اليوم إلى الليل  ، وكان أبو عبدالله ( عليه السلام ) يقول : الحسين عبرة كل مؤمن (3).
    وروى داود الرقي  ، قال : كنت عند أبي عبدالله ( عليه السلام ) إذا استسقى الماء  ، فلمَّا شربه رأيته قد استعبر  ، واغرورقت عيناه بدموعه  ، ثمَّ قال لي : يا داود  ، لعن الله قاتل الحسين ( عليه السلام )   ، فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين ولعن قاتله إلاَّ كتب الله له مائة ألف حسنة  ، وحطَّ عنه مائة ألف سيئة  ، ورفع له مائة ألف درجة  ، وكأنما أعتق مائة ألف نسمة  ، وحشره الله يوم القيامة ثلج الفؤاد (4).
    وروي أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال لعبدالله بن حمّاد البصري في مصيبة الحسين ( عليه السلام ) : فإنه غريب بأرض غربة  ، يبكيه من زراره  ، ويحزن له من لم يزره  ، ويحترق له من لم يشهده  ، ويرحمه من نظر إلى قبر ابنه عند رجله  ، في أرض فلاة  ، لا حميم قربه ولا قريب  ، ثمَّ مُنع الحق  ، وتوازر عليه أهل الردّة  ، حتى قتلوه وضيَّعوه وعرَّضوه للسباع  ، ومنعوه شرب ماء الفرات الذي يشربه الكلاب  ، وضيَّعوا حقَّ
1 ـ كامل الزيارات  ، ابن قولويه : 167 ـ 168 ح 58 بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 45/206 ح 13.
2 ـ بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/279 ح 5.
3 ـ بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/280 ح 11.
4 ـ كامل الزيارات  ، ابن قولويه : 212 ح 1.


(75)
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ووصيّته به وبأهل بيته  ، فأمسى مجفَّواً في حفرته  ، صريعاً بين قرابته وشيعته  ، بين أطباق التراب  ، قد أوحش قربه في الوحدة والبعد عن جدّه  ، والمنزل الذي لا يأتيه إلاَّ من امتحن الله قلبه للإيمان وعرَّفه حقَّنا  ، إلى أن قال ( عليه السلام ) : ولقد حدَّثني أبي أنه لم يخلُ مكانه منذ قُتل من مصلٍّ يصلّي عليه من الملائكة  ، أو من الجن  ، أو من الإنس  ، أو من الوحش  ، وما من شيء إلاَّ وهو يغبط زائره ويتمسَّح به  ، ويرجو في النظر إليه الخير لنظره إلى قبره.
    ثمَّ قال : بلغني أن قوماً يأتونه من نواحي الكوفة وناساً من غيرهم  ، ونساء يندبنه  ، وذلك في النصف من شعبان  ، فمن بين قارىء يقرأ  ، وقاص يقصّ  ، ونادب يندب  ، وقائل يقول المراثي  ، فقلت له : نعم جعلت فداك  ، قد شهدت بعض ما تصف  ، فقال : الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا  ، وجعل عدوَّنا من يطعن عليهم من قرابتنا وغيرهم  ، يهدرونهم ويقبِّحون ما يصنعون (1).
    وعن إبراهيم بن أبي محمود قال : قال الرضا ( عليه السلام ) : إن المحرَّم شهر كان أهل الجاهلية يحرِّمون فيه القتال  ، فاستحلّت فيه دماؤنا  ، وهتكت فيه حرمتنا  ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا  ، وأضرمت النيران في مضاربنا  ، وانتهب ما فيها من ثقلنا  ، ولم ترع لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حرمة في أمرنا  ، إن يوم الحسين أقرح جفوننا  ، وأسبل دموعنا  ، وأذلَّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء  ، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء  ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون  ، فإن البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام  ، ثم قال ( عليه السلام ) : كان أبي إذا دخل شهر المحرَّم لا يرى ضاحكاً  ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام  ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته
1 ـ كامل الزيارات  ، ابن قولويه : 537 ـ 539 ح 1.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس