|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(76)
وحزنه وبكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلَّى الله عليه (1).
وفي زيارة الناحية يقول الحجّة عجَّل الله تعالى فرجه الشريف : فلئن أخَّرتني الدهور ، وعاقني عن نصرك المقدور ، ولم أكن لمن حاربك محارباً ، ولمن نصب لك العداوة مناصباً ، فلأندبنّك صباحاً ومساء ، ولأبكينَّ عليك بدل الدموع دماً ، حسرةً عليك ، وتأسُّفاً على ما دهاك وتلهفاً ، حتى أموت بلوعة المصاب وغصّة الاكتئاب.. (2). ولله درّ السيد حيدر الحلي عليه الرحمة إذ يقول في استنهاض الإمام الحجّة عجَّل الله تعالى فرجه الشريف :
1 ـ الأمالي ، الصدوق : 190 ـ 191 ح 2 ، بحار الأنوار ، المجلسي 44/283. 2 ـ المزار ، المشهدي : 501. (77)
(78)
المجلس الخامس ، من اليوم الثاني
روي عن أبي حمزة محمد بن يعقوب ، عن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) ، قال : سئل علي بن الحسين ( عليه السلام ) عن كثرة بكائه فقال : لا تلوموني ، فإن يعقوب ( عليه السلام ) فقد سبطاً من ولده فبكى حتى ابيضَّت عيناه من الحزن ولم يعلم أنه مات ، وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلا من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة ، فترون حزنهم يذهب من قلبي أبداً (1) ؟.
دخول الشعراء على الأئمة ( عليهم السلام ) وبكاؤهم على الإمام الحسين ( عليه السلام ) وتشييدهم المأتم وقد عرف عنه ( عليه السلام ) أنه ما فتر عن البكاء على قتلى الطف ، وقد أخذ البكاء منه مأخذه ، فما كان يتهنَّى بطعام أو شراب لتذكّره عطش الإمام الحسين ( عليه السلام ) وغربته. وقال اليعقوبي في تاريخه : وروى بعضهم أن علي بن الحسين ( عليه السلام ) لم ير ضاحكاً قط منذ قتل أبوه ( عليه السلام ) ، إلاَّ في ذلك اليوم ـ أي اليوم الذي جيء فيه برأس الشقيّ عبيدالله بن زياد لعنه الله ـ وأنه كان له إبل تحمل الفاكهة من الشام ، فلمَّا أتي برأس عبيدالله بن زياد أمر بتلك الفاكهة ففرِّقت بين أهل المدينة ، وامتشطت نساء آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) واختضبن ، وما امتشطت امرأة ولا اختضبت منذ قتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) (2). قال المسعودي : قدم الكميت رحمه الله تعالى المدينة فأتى أبا جعفر محمد بن 1 ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 41/386 ، تهذيب الكمال ، المزي : 13/247. 2 ـ تاريخ اليعقوبي : 2/259. (79)
علي بن الحسين بن علي ( عليهم السلام ) فأذن له ليلا وأنشده ، فلمَّا بلغ الميمية قوله :
وروى أبو الفرج ، عن علي بن إسماعيل التميمي ، عن أبيه ، قال : كنت عند أبي عبدالله جعفر بن محمد ( عليه السلام ) إذ استأذن آذنه للسيّد فأمره بإيصاله ، وأقعد حرمه خلف ستر ، ودخل فسلَّم وجلس ، فاستنشده فأنشد قوله :
وروي عن فضيل الرسَّان قال : دخلت على جعفر بن محمد ( عليه السلام ) أُعزّيه عن عمِّه زيد ، ثمَّ قلت : ألا أنشدك شعر السيِّد ؟ فقال : أنشد ، فأنشدته قصيدة يقول فيها :
1 ـ مروج الذهب ، المسعودي : 3/229. 2 ـ الأغاني ، الأصفهاني : 7/240 ، الجوهرة في نسب الإمام علي وآله ( عليهم السلام ) ، البري : 48. (80)
وروى الحافظ المرزباني في ( أخبار السيِّد الحميري ) عن فضيل قال : دخلت على أبي عبدالله ( عليه السلام ) بعد قتل زيد ، فجعل يبكي ويقول : رحم الله زيداً ، إنه للعالم الصدوق ، ولو ملك أمراً لعرف أين يضعه ، فقلت : أنشدك شعر السيد ؟ فقال : أمهل قليلا ، وأمر بستور فسدُلت ، وفتحت أبواب غير الأولى ، ثم قال : هات ما عندك ، فأنشدته : لأم عمرو باللوى مربع ، وذكر ثلاثة عشر بيتاً ، قال : فسمعت نحيباً من وراء الستور ونساء تبكين ، فجعل يقول : شكراً لك يا إسماعيل قولك (2). وروى أبو الفرج ، عن زيد بن موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) أنه قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في النوم ، وقدَّامه رجل جالس ، عليه ثياب بيض ، فنظرت إليه فلم أعرفه ، إذ التفت إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا سيد ، أنشدني قولك : لأم عمرو باللوى مربع... فأنشده إياها كلها ما غادر منها بيتاً واحداً ، فحفظتها عنه كلها في النوم. قال أبو إسماعيل : وكان زيد بن موسى لحَّانة رديء الإنشاد ، فكان إذا أنشد هذه القصيدة لم يتتعتع فيها ولم يُلحن ، وهذا الحديث رواه الحافظ المرزباني في أخبار السيد (3). وروى أبو الفرج الإصفهاني ، عن أبي داود المسترق ، عن السيد أنه رأى 1 ـ الأغاني ، الإصفهاني : 7/241 و 272. 2 ـ أخبار السيِّد الحميري ، المرزباني : 159. 3 ـ الأغاني ، الإصفهاني : 7/251. (81)
النبي ( صلى الله عليه وآله ) في النوم فاستنشده فأنشد قوله :
وروى أبو الفرج عن محمد بن سهل صاحب الكميت قال : دخلت مع الكميت على أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمد ( عليه السلام ) ، فقال له : جعلت فداك ، ألا أنشدك ؟ قال : إنها أيام عظام قال : إنها فيكم ، قال : هات ، وبعث أبو عبدالله ( عليه السلام ) إلى بعض أهله فقرب ، فأنشده فكثر البكاء حتى أتى على هذا البيت :
ورواه البغدادي أيضاً ، قال : وحدَّث محمد بن سهل قال : دخلت مع الكميت على أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) في أيام التشريق ، فقال : جعلت فداك ، ألا أنشدك ؟ قال : إنها أيام عظام ، قال : إنها فيكم ، قال ( عليه السلام ) : هات ، فأنشده قصيدته التي أولها :
1 ـ الأغاني ، الإصفهاني : 7/279. 2 ـ الأغاني ، الإصفهاني : 17/26 و33 ، معاهد التنصيص العباسي : 3/96 ، رقم 148. (82)
وروي أن فضيلا أقام مأتماً للحسين ( عليه السلام ) ولم يخبر به إمامنا الصادق ( عليه السلام ) فلما كان اليوم الثاني أقبل إلى الإمام روحي فداه ، فقال له : يا فضيل ، أين كنت البارحة ؟ قال : سيدي شغل عاقني ، فقال : يا فضيل ، لا تُخفي عليَّ ، أما صنعت مأتماً ، وأقمت بدارك عزاء في مصاب جدي الحسين ( عليه السلام ) ؟ فقال : بلى سيدي ، فقال ( عليه السلام ) : وأنا كنت حاضراً ، قال : سيدي ، ما رأيتك ، أين كنت جالساً ؟ فقال ( عليه السلام ) : لما أردت الخروج من البيت أما عثرت بثوب أبيض ؟ قال : بلى سيدي ، قال ( عليه السلام ) : أنا كنت جالساً هناك ، فقال له : سيدي ، لم جلست بباب البيت ولم لا تصدَّرت في المجلس ؟ فقال الصادق ( عليه السلام ) : كانت جدتي فاطمة ( عليها السلام ) بصدر المجلس 1 ـ خزانة الأدب ، البغدادي : 1/145. (83)
جالسة ، لذا ما تصدَّرت إجلالا لها (1) ، ولله درّ الحجة الشيخ فرج العمران عليه الرحمة إذ يقول :
فعلى الأطائب من أهل بيت محمَّد وعلي صلى الله عليهما وآلهما ، فليبك الباكون ، وإيَّاهم فليندب النادبون ، ولمثلهم فلتذرف الدموع ، وليصرخ الصارخون ، ويضجَّ الضجون ، ويعجَّ العاجون ، أين الحسن وأين الحسين ، أين 1 ـ ثمرات الأعواد ، السيد علي الهاشمي : 31 ـ 32. 2 ـ شعراء القطيف ، الشيخ علي المرهون : 2/31. (84)
أبناء الحسين ، صالح بعد صالح ، وصادق بعد صادق ، أين السبيل بعد السبيل ، أين الخيرة بعد الخيرة ، أين الشموس الطالعة ، أين الأقمار المنيرة ، أين الأنجم الزاهرة ، أين أعلام الدين وقواعد العلم (1).
روى ابن شهر آشوب عليه الرحمة في كتاب المناقب عن كتاب الإبانة ، قال بشر بن عاصم : سمعت ابن الزبير يقول : قلت للحسين بن علي ( عليهما السلام ) : إنك تذهب إلى قوم قتلوا أباك وخذلوا أخاك ، فقال : لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحبُّ إلي من أن يستحلَّ بي مكة ، عرَّض به ( عليه السلام ). وعن كتاب التخريج ، عن العامري ، بالإسناد عن هبيرة بن مريم ، عن ابن عباس قال : رأيت الحسين ( عليه السلام ) قبل أن يتوجَّه إلى العراق على باب الكعبة وكفّ جبرئيل في كفّه ، وجبرئيل ينادي : هلمّوا إلى بيعة الله عزّ وجلَّ. وعُنِّف ابن عباس على تركه الحسين ( عليه السلام ) فقال : إن أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلا ولم يزيدوا رجلا ، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم. وقال محمد بن الحنفية : وإن أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم (2). قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : فسار الحسين ( عليه السلام ) إلى مكة وهو يقرأ : « فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » (3) ولزم الطريق الأعظم ، فقال له أهل بيته ( عليهم السلام ) : لو تنكَّبت عن الطريق كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب ، فقال : لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض ، ولمَّا دخل الحسين ( عليه السلام ) مكة ، كان دخوله إياها يوم الجمعة ، لثلاث مضين من شعبان دخلها 1 ـ المزار ، محمد بن المشهدي : 578. 2 ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/211 ، بحار الأنوار : 44/185 ح 12. 3 ـ سورة القصص ، الآية : 18. (85)
وهو يقرأ : « وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ » (1).
ثمَّ نزلها وأقبل أهلها يختلفون إليه ، ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق ، وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة وهو قائم يصلّي عندها ويطوف ، ويأتي الحسين ( عليه السلام ) فيمن يأتيه ، فيأتيه اليومين المتواليين ، ويأتيه بين كل يومين مرة وهو ( عليه السلام ) أثقل خلق الله على ابن الزبير ، لأنه قد عرف أن أهل الحجاز لا يبايعونه مادام الحسين ( عليه السلام ) في البلد ، وأن الحسين أطوع في الناس منه وأجلّ (2). قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : وكان خروج مسلم بن عقيل ـ رحمه الله ـ بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين ، وقتْلَه ـ رحمه الله ـ يوم الأربعاء لتسع خلون منه يوم عرفة ، وكان توجُّه الحسين ( عليه السلام ) من مكة إلى العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة وهو يوم التروية ، بعد مقامه بمكة بقية شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة وثمان ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين ، وكان قد اجتمع إلى الحسين ( عليه السلام ) مدّة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز ، ونفر من أهل البصرة انضافوا إلى أهل بيته ومواليه. ولما أراد الحسين ( عليه السلام ) التوجُّه إلى العراق طاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة وأحلَّ من إحرامه وجعلها عمرة ، لأنه لم يتمكَّن من تمام الحج مخافة أن يُقبض عليه بمكة فَيُنفذ إلى يزيد بن معاوية ، فخرج ( عليه السلام ) مبادراً بأهله وولده ومن انضمَّ إليه من شيعته ، ولم يكن خبر مسلم بلغه بخروجه يوم خروجه على ما ذكرناه (3). وقال السيّد ابن طاووس عليه الرحمة : روى أبو جعفر الطبري ، عن 1 ـ سورة القصص ، الآية : 22. 2 ـ الإرشاد ، المفيد : 2/35 ـ 36 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44/332. 3 ـ الإرشاد ، المفيد : 2/66 ـ 67 بحار الأنوار ، المجلسي : 44/363. (86)
الواقدي وزرارة بن صالح ، قالا : لقينا الحسين بن علي ( عليهما السلام ) قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيام فأخبرناه بهوى الناس بالكوفة ، وأن قلوبهم معه ، وسيوفهم عليه ، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء ، ونزلت الملائكة عدداً لا يحصيهم إلاّ الله تعالى ، فقال ( عليه السلام ) : لولا تقارب الأشياء ، وحبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء ، ولكن أعلم يقيناً أن هناك مصرعي ومصرع أصحابي ، ولا ينجو منهم إلاّ ولدي علي ( عليه السلام ) (1).
وعن أحمد بن داود القمي ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : جاء محمد بن الحنفية إلى الحسين ( عليه السلام ) في الليلة التي أراد الحسين الخروج في صبيحتها عن مكة فقال له : يا أخي ، إن أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك ، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى ، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعزّ من بالحرم وأمنعه ، فقال : يا أخي ، قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم ، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت ، فقال له ابن الحنفية : فإن خفت ذلك فصر إلى اليمن ، أو بعض نواحي البر ، فإنك أمنع الناس به ، ولا يقدر عليك أحد ، فقال : أنظر فيما قلت. فلمّا كان السحر ارتحل الحسين ( عليه السلام ) ، فبلغ ذلك ابن الحنفية فأتاه فأخذ بزمام ناقته ـ وقد ركبها ـ فقال : يا أخي ، ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟ قال : بلى ، قال : فما حداك على الخروج عاجلا ؟ قال : أتاني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعد ما فارقتك فقال : يا حسين ، اخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلا ، فقال محمد بن الحنفية : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال ؟ قال : فقال لي ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله قد شاء أن يراهن سبايا ، فسلَّم عليه ومضى (2). فما حال بنات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم سبين وصرن في أيدي الأعداء ، وكيف 1 ـ اللهوف في قتلى الطفوف ، ابن طاووس : 38 ـ 39 ، عن دلائل الإمامة ، الطبري : 182 ح 3. 2 ـ اللهوف ، ابن طاووس : 39 ـ 40 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44/364. (87)
صار حالهن بعد ذلك العزّ في ظلال أبي عبدالله وأبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين ( عليهما السلام ) فأصبحن في يدي زجر وشمر.
ولله درّ الحاج الفاضل عبدالله الذهبة البحراني الخطي عليه الرحمة إذ يقول :
ولله درّ الحجة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 564. (88)
وروي أنه صلوات الله عليه لما عزم على الخروج إلى العراق قام خطيباً فقال : الحمد لله ، وما شاء الله ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله وصلّى الله على رسوله ( وآله ) وسلَّم ، خطَّ الموت على ولد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأني بأوصالي يتقطَّعها عسلان الفلوات ، بين النواويس وكربلاء ، فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً ، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم ، رضى الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ، ويوفّينا أجور الصابرين ، لن تشذَّ عن رسول الله لحمته ، وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقرُّ بهم عينه ، وتنجز لهم وعده ، من كان فينا باذلا مهجته ، 1 ـ الشواهد المنبرية ، الشيخ علي الجشي : 42 ـ 43. 2 ـ اللهوف ، ابن طاووس : 21 ـ 22 ، بحار الأنوار ، المجلسي 44/364. (89)
موطِّنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحاً إن شاء الله (1).
وقال الشيخ المفيد عليه الرحمة : وروي عن الفرزدق أنه قال : حججت بأمي في سنة ستين ، فبينما أنا أسوق بعيرها حتى دخلت الحرم إذ لقيت الحسين ( عليه السلام ) خارجاً من مكة ، معه أسيافه وتراسه ، فقلت : لمن هذا القطار ؟ فقيل : للحسين بن علي ( عليهما السلام ) ، فأتيته وسلَّمت عليه وقلت له : أعطاك الله سؤلك وأمَلَك فيما تحبّ ، بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ، ما أعجلك عن الحج ؟ قال ( عليه السلام ) : لو لم أعجل لأخذت ، ثمّ قال لي : من أنت ؟ قلت : رجل من العرب ، ولا والله ما فتّشني عن أكثر من ذلك. ثم قال لي : أخبرني عن الناس خلفك ، فقلت : الخبيرَ سألت ، قلوب الناس معك وأسيافهم عليك ، والقضاء ينزل من السماء ، والله يفعل ما يشاء ، قال : صدقت ، لله الأمر من قبل ومن بعد ، وكل يوم ربنا هو في شأن ، إن نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحقُّ نيَّته ، والتقوى سيرته ، فقلت له : أجل ، بلَّغك الله ما تحبّ وكفاك ما تحذر ، وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها ، وحرَّك راحلته وقال : السلام عليك ، ثم افترقنا (2). قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : وكان الحسين بن علي ( عليه السلام ) لمّا خرج من مكة اعترضه يحيى بن سعيد بن العاص ، ومعه جماعة أرسلهم إليه عمرو بن سعيد ، فقالوا له : انصرف ، أين تذهب ؟ فأبى عليهم ومضى ، وتدافع الفريقان واضطربوا بالسياط ، فامتنع الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه منهم امتناعاً قوياً ، وسار حتى أتى التنعيم ، فلقي عيراً قد أقبلت من اليمن فاستأجر من أهلها جمالا لرحله وأصحابه ، 1 ـ اللهوف ، السيد ابن طاووس : 37 ـ 38 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44/366 ـ 367. 2 ـ الإرشاد ، المفيد : 2/67 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44/365. (90)
وقال لأصحابها : من أحبَّ أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراه وأحسنّا صحبته ، ومن أحبَّ أن يفارقنا في بعض الطريق أعطيناه كراه على قدر ما قطع من الطريق ، فمضى معه قوم وامتنع آخرون.
وألحقه عبدالله بن جعفر بابنيه عون ومحمد ، وكتب على أيديهما كتاباً يقول فيه : أما بعد فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي هذا ، فإني مشفق عليك من هذا التوجُّه الذي توجَّهت له ، أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، إن هلكت اليوم طفىء نور الأرض ، فإنك علم المهتدين ، ورجاء المؤمنين ، ولا تعجل بالسير فإني في أثر كتابي والسلام. وصار عبدالله إلى عمرو بن سعيد وسأله أن يكتب إلى الحسين ( عليه السلام ) أماناً ويمنّيه ليرجع عن وجهه ، وكتب إليه عمرو بن سعيد كتاباً يمنّيه فيه الصلة ، ويؤمنه على نفسه ، وأنفذه مع يحيى بن سعيد ، فلحقه يحيى وعبدالله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه ، ودفعا إليه الكتاب وجهدا به في الرجوع ، فقال : إني رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المنام وأمرني بما أنا ماض له ، فقالوا له : ما تلك الرؤيا ؟ فقال : ما حدّثت أحداً بها ، ولا أنا محدِّثٌ بها أحداً حتى ألقى ربي عزَّ وجلَّ ، فلما يئس منه عبدالله بن جعفر أمر ابنيه عوناً ومحمداً بلزومه ، والمسير معه ، والجهاد دونه ، ورجع مع يحيى ابن سعيد إلى مكة. وتوجَّه الحسين ( عليه السلام ) إلى العراق مغذّاً لا يلوي إلى شيء حتى نزل ذات عرق. وقال السيّد ابن طاووس ـ رحمه الله ـ : توجَّه الحسين ( عليه السلام ) من مكة لثلاث مضين من ذي الحجة سنة ستين قبل أن يعلم بقتل مسلم ، لأنه ( عليه السلام ) خرج من مكة في اليوم الذي قتل فيه مسلم رضوان الله عليه (1). ولله درّ الشيخ محمد علي اليعقوبي عليه الرحمة إذ يقول : 1 ـ الإرشاد ، المفيد : 2/68 ـ 69 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44/365 ـ 366. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|