|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(91)
المجلس الثاني ، من اليوم الثالث
جاء في الزيارة الناحية الشريفة : لقد قَتلوا بقَتلِكَ الإسلامَ ، وعطَّلوا الصلاةَ والصيامَ ، ونقضوا السُّنَنَ والأحكامَ ، وهَدَموا قواعِدَ الإيمانِ ، وَحرَّفوا آياتِ القرآنِ ، وهملجوا في البغيِ والعُدوانِ ، لقد أصبحَ رسولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) موتوراً ، وعاد كتابُ اللهِ عزَّ وجلَّ مهجوراً ، وغودر الحقُّ إذ قُهِرَت مقهوراً ، وَفُقِدَ بفَقْدِك التكبيرُ والتهليلُ ، والتحريمُ والتحليلُ ، والتنزيلُ والتأويلُ ، وظهَر بعدَك التغييرُ والتبديلُ ، والإلحادُ والتعطيلُ ، والأَهواءُ والأضَاليلُ ، والفتنُ والأباطيل.
رعاية النبي ( صلى الله عليه وآله ) للإمام الحسين ( عليه السلام ) ومحبته له فقامَ ناعيكَ عندَ قبرِ جَدِّك الرسولِ ( صلى الله عليه وآله ) ، فَنَعاكَ إليه بالدّمع الهطُول ، قائلاً : يا رسولَ اللهِ قُتل سبطُك وفتَاكَ ، واسْتُبيحَ أهلُك وَحِمَاك ، وسُبيت بَعدَك ذَراريكَ ، 1 ـ الشيخ اليعقوبي دراسة نقدية في شعره ، الدكتور عبدالصاحب الموسوي : 342. (92)
وَوَقعَ المحذورُ بعترتِكَ وذويكِ ، فانزعجَ الرسولُ وبكى قلبُه المهولُ ، وعزَّاه بك الملائكةُ والأنبياءُ ، وفُجِعَت بكَ أمُك الزهراءُ ، واختلفَتْ جنودُ الملائكةِ المقربين ، تُعزِّي أباكَ أميرَ المؤمنين ، وأُقيمَتْ لَكَ المآتمُ في أعلى عليّيين ، وَلطَمَتْ عليك الحُورُ العِينُ ، وَبكتِ السَّماءُ وسُكانُها ، والجِنانُ وخُزَّانُها ، والهِضابُ وأقطارُها ، والأرضُ وأقطارُها ، والبِحارُ وحِيتانُها ، ومكةُ وبُنيانُها ، والجِنانُ وولدانُها ، والبيتُ والمقامُ ، والمشعرُ الحرامُ ، والحلُّ والإحرام (1).
وروي عن سيّد العابدين علي بن الحسين ( عليهما السلام ) قال : ولا يوم كيوم الحسين ( عليه السلام ) ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل ، يزعمون أنهم من هذه الأمة ، كلٌّ يتقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ بدمه ، وهو بالله يذكِّرهم فلا يتّعظون ، حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً.. (2).
1 ـ المزار ، المشهدي : 505. 2 ـ الأمالي ، الشيخ الصدوق : 547 ح 10. 3 ـ مثير الأحزان ، الجواهري : 155 والأبيات للسيّد صالح القزويني عليه الرحمة. 4 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 37/87. (93)
وروي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، قال : لم يرضع الحسين ( عليه السلام ) من فاطمة ( عليها السلام ) ولا من أنثى ، كان يؤتى به النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيضع إبهامه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه اليومين والثلاث ، فنبت لحم الحسين ( عليه السلام ) من لحم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ودمه ، ولم يولد لستة أشهر إلاّ عيسى بن مريم ، والحسين بن علي ( عليه السلام ) (1).
وعن سلمان الفارسي قال : دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعنده الحسن والحسين يتغذيان ، والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يضع اللقمة تارة في فم الحسن وتارة في فم الحسين ( عليهما السلام ) فلمَّا فرغا من الطعام أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الحسن على عاتقه والحسين على فخذه ، ثم قال لي : يا سلمان أتحبّهم ؟ قلت : يا رسول الله ، كيف لا أحبهم ومكانهم منك مكانهم ؟ قال : يا سلمان ، من أحبَّهم فقد أحبَّني ومن أحبني فقد أحبَّ الله ، ثم وضع يده على كتف الحسين فقال : إنه الإمام ابن الإمام ، تسعة من صلبه أئمة أبرار أمناء معصومون ، والتاسع قائمهم (2). وجاء في بعض الروايات كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يأتيه في كل يوم ، فيضع لسانه في فم الحسين فيمصّه حتى يروى ، فأنبت الله عزَّ وجلَّ لحمه من لحم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (3). فلعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من ظلم أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفجعه في ولده وقرَّة عينه ، قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي : لما أُسر العباس يوم بدر سمع النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنينه فما نام تلك الليلة ، فكيف لو سمع أنين الحسين ( عليه السلام ) ؟ وقال : لمّا أسلم وحشي قاتل حمزة قال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : غيِّب وجهك عني فإني لا أحبُّ من قتل الأحبة ، قال : وهذا والإسلام يجبّ ما قبله ، فكيف يقدر 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/198 عن الكافي. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 36/304 ح 143. 3 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 43/245. (94)
الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أن يرى من ذبح الحسين ، أو أمر بقتله وحمل أهله على أقتاب الجمال ؟ (1)
فما تقول هذه الأمة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة وقد سفكت دم سبطه الحسين وعترته ؟ ولهذا أنكرت عليهم حتى النصارى وسائر الأديان الأخرى لما انتهكوه من حرمة الرسول ( صلى الله عليه وآله ).
1 ـ الصواعق المحرقة ، ابن حجر : 295. (95)
تراب أقدامي تبركاً بي ، وأنتم تفعلون بابن بنت نبيكم هذه الفعال وما بينه وبينه جد ؟ ! ، فأيُّ دين دينكم ؟ ثمَّ قال : يا يزيد هل سمعتم حديث كنيسة الحافر ؟ قال : لا فقال : اعلم أن بين كمان والصين بحر مسيرة سنة ، ليس فيه عمران إلاَّ بلدة واحدة في وسط الماء ثمانين فرسخاً في ثمانين ، ما على وجه الأرض أكبر منها ، ومنها يحمل الياقوت والكافور ، وأشجارها العود والعنبر ، وهي في أيدي النصارى ، وفي تلك البلدة كنائس كثيرة ، وأعظمها كنيسة الحافر ، محرابها حلقة ذهب معلّقة ، وفيها حافر مرصَّع بالدّر والياقوت ، ومن حوله الذهب والفضة ، وليس بائنا منه شيئا من كثرة الذهب والفضة والحلي إلى أسفله ، وتعظيم هذا الحافر يكون بسبب زعمهم أنه حافر حمار كان يركبه عيسى ( عليه السلام ) ، وكثير منهم يقصدون زيارته في كل عام ويطوفون حوله ويقبِّلونه ويرفعون حوائجهم إلى الله عنده ، فهذا شأنهم ودأبهم بحافر حمار يزعمون أن نبيِّهم كان يركبه.
وهذا نبيكم حقاً لا شك فيه ، وقد هداكم من الضلالة إلى الهدى ، ومن ظلمة الكفر إلى نور الإسلام ، وأبو المقتول هو الساقي على الحوض يوم القيامة ، فلا بارك الله فيك ولا في فعلك ، فغضب يزيد غضباً شديداً وقال : اقتلوه لئلا يفضحنا ، فلما سمع ذلك قال : أتريد قتلي ؟ قال : نعم ، فقال : اعلم أني رأيت نبيِّكم في المنام ، وقد ضمن لي الجنة ، فتعجَّب يزيد من كلامه ، ثم قال : تقتل ابن نبيكم وتزعم أنك على دين الإسلام ، فأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأن محمداً رسول الله ، ثمَّ تقدَّم إلى الرأس وضمَّه وقبَّله وبكى ، ثم قتل رحمه الله وهو يقول :
1 ـ نور العين في مشهد الحسين ( عليه السلام ) ، أبو إسحاق الإسفرايني : 80. (96)
المجلس الثالث ، من اليوم الثالث
جاء في بعض زيارات الأئمة ( عليهم السلام ) : يا مواليَّ ، فلو عاينكم المصطفى ، وسهام الأمة معرقة في أكبادكم ، ورماحهم مشرعة في نحوركم ، وسيوفها مولغة في دمائكم ، يشفي أبناء العواهر غليل الفسق من ورعكم ، وغيظ الكفر من إيمانكم ، وأنتم بين صريع في المحراب قد فلق السيفُ هامتَه ، وشهيد فوق الجنازة قد شُكَّت بالسهام أكفانُه ، وقتيل بالعراء قد رُفع فوق القناة رأسُه ، ومكبَّل في السجن رُضَّت بالحديد أعضاؤه ، ومسموم قد قُطِّعت بجرع السمِّ أمعاؤه (1) ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العلي العظيم ، ولله درّ الشيخ عبد الحسين الحياوي عليه الرحمة إذ يقول مستنهضاً الإمام الحجة عجَّل الله فرجه الشريف :
إخبار النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاطمة ( عليها السلام ) بمقتل الحسين ( عليه السلام )
1 ـ المزار ، المشهدي : 298. (97)
وروي عن ابن بكير ، عن بعض الأصحاب رضي الله عنهم ، عن أبي 1 ـ مثير الأحزان ، الجواهري : 146. 2 ـ كامل الزيارات ، ابن قولويه : 123 ـ 124 ح 6 ، بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : 44/232 ح 17. (98)
عبدالله ( عليه السلام ) قال : دخلت فاطمة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعيناه تدمع ، فسألته مالك ؟ فقال : إن جبرئيل أخبرني أن أمتي تقتل حسيناً ، فجزعت وشقَّ عليها ، فأخبرها بمن يملك من ولدها فطابت نفسها وسكنت (1).
وعن فرات الكوفي عليه الرحمة في التفسير قال : روي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : كان الحسين مع أمّه تحمله ، فأخذه النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) وقال : لعن الله قاتلك ، ولعن الله سالبك ، وأهلك الله المتوازرين عليك ، وحكم الله بيني وبين من أعان عليك ، فقالت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) : يا أبت ، أيِّ شيء تقول ؟ قال : يا بنتاه ، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي ، وهو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء ، ويتهادون إلى القتل ، وكأني أنظر إلى معسكرهم ، وإلى موضع رحالهم وتربتهم ، فقالت : يا أبه ، وأين هذا الموضع الذي تصف ؟ قال : موضع يقال له كربلاء ، وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمة ، يخرج عليهم شرار أمتي ، ولو أن أحدهم شفع له من في السماوات والأرضين ما شفِّعوا فيه ، وهم المخلَّدون في النار. قالت : يا أبه ، فيقتل ؟ قال : نعم يا بنتاه ، وما قُتل قَتلتَه أحدٌ كان قبله ، ويبكيه السماوات والأرضون ، والملائكة ، والوحش ، والنباتات ، والبحار ، والجبال ، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض متنفِّس ، ويأتيه قوم من محبينا ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقّنا منهم ، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم ، أولئك مصابيح في ظلمات الجور ، وهم الشفعاء ، وهم واردون حوضي غداً أعرفهم إذا وردوا عليَّ بسيماهم ، وكل أهل دين يطلبون أئمتهم ، وهم يطلبوننا لا يطلبون غيرنا ، وهم قوام الأرض ، وبهم ينزل الغيث. فقالت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) : يا أبه ، إنّا لله ، وبكت فقال لها : يا بنتاه! إن أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا ، بذلوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ، يقاتلون 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/233 ح 19 عن كامل الزيارات : 125 ح 8. (99)
في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً ، فما عند الله خير من الدنيا وما فيها ، قتلة أهون من ميتة ، ومن كتب عليه القتل خرج إلى مضجعه ، ومن لم يقتل فسوف يموت ، يا فاطمة بنت محمد ، أما تحبين أن تأمرين غداً بأمر فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب ؟
أما ترضين أن يكون ابنك من حملة العرش ؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة ؟ أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض فيسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه ؟ أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار : يأمر النار فتطيعه ، يُخرج منها من يشاء ويترك من يشاء ؟ أما ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وإلى ما تأمرين به ، وينظرون إلى بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله ؟ فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتليك وقاتل بعلك إذا أفلجت حجّته على الخلائق ، وأمرت النار أن تطيعه ؟ أما ترضين أن يكون الملائكة تبكي لابنك ، ويأسف عليه كل شيء ؟ أما ترضين أن يكون من أتاه زائراً في ضمان الله ويكون من أتاه بمنزلة حجّ إلى بيت الله واعتمر ، ولم يخل من الرحمة طرفة عين ، وإذا مات مات شهيداً ، وإن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي ، ولم يزل في حفظ الله وأمنه حتى يفارق الدنيا ؟ قالت : يا أبه ، سلَّمت ورضيت ، وتوكَّلت على الله ، فمسح على قلبها ومسح عينيها ، وقال : إني وبعلك وأنت وابنيك في مكان تقرّ عيناك ، ويفرح قلبك (1). فيعزّ على فاطمة الزهراء ـ أيها المؤمنون ـ ما جرى على قرَّة عينها الحسين سبط الرسول ( صلى الله عليه وآله ) الذي ذبح عطشاناً ومعه من أهل بيته سبعة عشر ليس على وجه الأرض لهم شبيه ، ويعزّ على فاطمة ( عليها السلام ) أيضاً ما جرى على بناتها الفاطميات بعد مقتل الحسين ( عليه السلام ) وذلك حينما هجم العدوّ عليهنَّ وهنَّ بلا محام ولا كفيل ، 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/264 ح 22 عن تفسير فرات الكوفي : 171 ـ 172 ح 18. (100)
فخرجن من الخيام مذعورات صارخات مسلوبات ، ولله درّ الشيخ جعفر الخطي عليه الرحمة إذ يقول :
المجلس الرابع ، من اليوم الثالث
أحسن الله لكم العزاء أيها الموالون للعترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين ، فأيُّ مصيبة أعظم من مصيبة سيّد الشهداء ( عليه السلام ) التي بكت وناحت لها الزهراء البتول ( عليها السلام ) وحقّ لها أن تبكي ليلا ونهاراً على الغريب العطشان ، ومن قتل من أهل بيته ( عليهم السلام ) فيا لها من وقعة قُتلت فيها الرجال ، وذُبحت فيها الأطفال ، وهُتكت فيها النساء ، وحُملت حريم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على الأقتاب بغير غطاء ولا
نياحة مولاتنا فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) على الإمام الحسين ( عليه السلام ) 1 ـ شعراء القطيف ، الشيخ علي المرهون : 1/14 ـ 15. (101)
وطاء ، يطاف بهم البلدان ، فأيّ عين لا ترقأ مدامعها عليهم ، وأيّ قلب لا يتصدع لمصيبتهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ ».
فقالت : إني كنت قد صلّيت وردي فنمت ، فرأيت الساعة في منامي كأني في درب من دروب الكرخ ، فإذا بحجرة نظيفة بيضاء ، مليحة الساج ، مفتوحة الباب ، ونساء وقوف عليها ، فقلت لهم : من مات ؟ وما الخبر ؟ فأومأوا إلى داخل الدار ، فدخلت فإذا بحجرة لطيفة ، في نهاية الحُسن ، وفي صحنها امرأة شابة لم أر قط أحسن منها ، ولا أبهى ولا أجمل ، وعليها ثياب حسنة بياض مروي لين ، وهي ملتحفة فوقها بإزار أبيض جداً ، وفي حجرها رأس رجل يشخب دماً ، فقلت : من أنت ؟ فقالت : لا عليك ، أنا فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهذا رأس ابني الحسين ( عليه السلام ) ، قولي لابن أصدق عنّي أن ينوح :
(102)
إقامة الضاد ، فسكّنت منها إلى أن نامت ، ثم قال لي : يا أبا القاسم مع معرفتك الرجل ، قد حمّلتك الأمانة ، ولزمتك ، على أن تبلِّغها له ، فقلت : سمعاً وطاعة لأمر سيّدة نساء العالمين ( عليها السلام ).
قال : وكان هذا في شعبان ، والناس إذا ذاك يلقون جهداً جهيداً من الحنابلة إذا أرادوا الخروج إلى الحائر ، فلم أزل أتلطَّف حتى خرجت ، فكنت في الحائر ليلة النصف من شعبان ، فسألت عن ابن أصدق حتى رأيته ، فقلت له : إن فاطمة ( عليها السلام ) تأمرك بأن تنوح بالقصيدة التي فيها :
قال أبي ، وابن عياش : كانت ببغداد ، نائحة مجيدة حاذقة ، تعرف بخلب ، تنوح بهذه القصيدة ، فسمعناها في دور بعض الرؤساء ، لأن الناس إذ ذاك كانوا لا يتمكّنون من النياحة إلاّ بعزّ سلطان ، أو سراً ، لأجل الحنابلة ، ولم يكن النوح إلاّ مراثي الحسين وأهل بيته ( عليهم السلام ) فقط.. قالا : فبلغنا أن البربهاري قال : بلغني أن نائحة يقال لها : خلب ، تنوح ، اطلبوها فاقتلوها (1). وذكر ياقوت الحموي ( المتوفّى سنة 655 ) في معجم الأدباء في ترجمة علي بن عبدالله بن وصيف الناشي الحلاء ( المتوفّى سنة 366 ) قال : قال ابن عبدالرحيم : حدَّثني الخالع ، قال : كنت مع والدي في سنة ست وأربعين وثلاثمائة وأنا صبيّ في 1 ـ نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة ، التنوخي : 2/230 ـ 233. (103)
مجلس الكبوذي في المسجد الذي بين الورَّاقين والصاغة ، وهو غاصّ بالناس ، وإذا رجل قد وافى وعليه مرقعة ، وفي يده سطيحة وركوة ، ومعه عكّاز ، وهو شعث ، فسلَّم على الجماعة بصوت يرفعه ، ثم قال : أنا رسول فاطمة الزهراء صلوات الله عليها ، فقالوا : مرحباً بك وأهلا ، ورفعوه ، فقال : أتعرفون لي أحمد المزوق النائح ؟ فقالوا : ها هو جالس.
فقال : رأيت مولاتنا ( عليها السلام ) في النوم فقالت لي : امض إلى بغداد واطلبه وقل له : نح على ابني بشعر الناشي الذي يقول فيه :
قال ياقوت : وهذه القصيدة بضعة عشر بيتاً ، وذكر منها قوله :
1 ـ معجم الأدباء ، الحموي : 13/292 ـ 293 ، لسان الميزان ، ابن حجر : 4/239 ـ 240. (104)
وقال الحموي : حدَّثني الخالع ، قال : اجتزت بالناشي يوماً وهو جالس في السراجين ، فقال لي : وقد عملت قصيدة قد طلبت ، وأريد أن تكتبها بخطّك حتى أخرجها ، فقلت : أمضي في حاجة وأعود ، وقصدت المكان الذي أردته وجلست فيه ، فحملتني عيني فرأيت في منامي أبا القاسم عبدالعزيز الشطرنجي النائح ، فقال لي : أحبّ أن تقوم فتكتب قصيدة الناشي البائية ، فإنا قد نحنا بها البارحة بالمشهد ، وكان هذا الرجل قد توفي وهو عائد من الزيارة ، فقمت ورجعت إليه وقلت : هات البائية حتى أكتبها. فقال : من أين علمت أنها بائية وما ذكرت بها أحداً ؟ فحدَّثته بالمنام فبكى ، وقال : لا شك أن الوقت قد دنا ، فكتبتها فكان أولها :
وذكر العلامة السماوي عليه الرحمة أن السيد حيدر الحلي عليه الرحمة الشاعر المعروف ، المتوفَّى سنة 1306 بالحلة ، المدفون في النجف الأشرف ، قال : رأيت في المنام ذات ليلة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها ، فأتيت إليها لأسلِّم عليها ، فلمّا دنوت منها قالت لي : 1 ـ ظرافة الأحلام ، السماوي : 46 ـ 47. 2 ـ معجم الأدباء ، الحموي : 13/293 ـ 294 ، لسان الميزان ، ابن حجر : 4/239 ـ 240. (105)
1 ـ ظرافة الأحلام ، السماوي : 58 ـ 68. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|