المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 106 ـ 120
(106)
بأبي المقتولَ غمّاً بالظما منعوا قُرَّةَ عيني وِرْدَه ماله ريٌّ سوى فيض الدِّما عجباً مَهْرِي عليه حُرِّما
    قال : فانتبهت وفي حفظي البيتان  ، فإذا هما يليقان بوزن الموشّحة التي نظمت بعضاً منها  ، فرثيت بأمرها ( عليها السلام ) الحسين ( عليه السلام )   ، وضمَّنت البيتين المذكورين  ، فكانت موشحة أولها يعد النسيب تهنئة وآخرها رثاء وندبة  ، وهي :
بَدْرُ سَعْد أشرق الكونُ له إذ له بُرْجاً غدا سَعْدُ السُّعُودْ (1)

    جاء في كتاب المزار للمشهدي عليه الرحمة في بعض الزيارات الشريفة : وأشهد أنكم قد وفيتم بعهد الله وذمته  ، وبكل ما اشترطه عليكم في كتابه  ، ودعوتم إلى سبيله  ، وأنفدتم طاقتكم في مرضاته  ، وحملتم الخلائق على منهاج النبوة ومسالك الرسالة  ، وسرتم فيه بسيرة الأنبياء  ، ومذاهب الأوصياء  ، فلم يطع لكم أمر  ، ولم تصغ إليكم أذن  ، فصلوات الله على أرواحكم وأجسادكم (2).
ليس هذا لرسولِ اللهِ يا أمَّةَ الطغيانِ والبغيِ جَزَا
    وقال أبو تمام الطائي :
فعلتم بأبناءِ النبيِّ ورهطِهِ ومِنْ قَبلهِ أخلفْتُم لوصيه أفاعيلَ أدناها الخيانةُ والغدرُ بداهية دهياء ليس لها قَدرُ

1 ـ ظرافة الأحلام  ، السماوي : 60 ـ 61.
2 ـ المزار  ، محمد بن المشهدي : 294.


(107)
    روى الحميري عليه الرحمة بإسناده إلى أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : خرج الحسين ابن علي ( عليه السلام ) (1) إلى مكة سنة ماشياً  ، فورمت قدماه  ، فقال له بعض مواليه : لو ركبت ليسكن عنك هذا الورم  ، فقال : كلا  ، إذا أتينا هذا المنزل فإنه يستقبلك أسود ومعه دهن فاشتره منه ولا تماكسه  ، فقال له مولاه : بأبي أنت وأمي  ، ما قدّامنا منزل فيه أحد يبيع هذا الدواء  ، فقال : بلى  ، أمامك دون المنزل.
    فسار ميلا فإذا هو بالأسود  ، فقال الحسين لمولاه : دونك الرجل فخذ منه الدهن  ، فأخذ منه الدهن وأعطاه الثمن  ، فقال له الغلام : لمن أردت هذا الدهن ؟
    فقال : للحسين بن علي ( عليهما السلام )   ، فقال : انطلق بنا إليه  ، فصار الأسود نحوه فقال : يا ابن رسول الله  ، إني مولاك  ، لا آخذ له ثمناً  ، ولكن ادع الله أن يرزقني ولداً ذكراً سوياً يحبكم أهل البيت  ، فإني خلَّفت امرأتي تمخض  ، فقال : انطلق إلى منزلك فإن الله قد وهب لك ولداً ذكراً سويّاً. فولدت غلاماً سوياً  ، ثم رجع الأسود إلى الحسين ودعا له بالخير لولادة الغلام له  ، ثم إن الحسين ( عليه السلام ) قد مسح رجليه فما قام من موضعه حتى زال ذلك الورم (2).
    وروى إبراهيم الرافعي  ، عن أبيه  ، عن جدّه  ، قال : رأيت الحسن والحسين ( عليهما السلام ) يمشيان إلى الحج  ، فلم يمرّا برجل راكب إلاّ نزل يمشي  ، فثقل ذلك على بعضهم  ، فقالوا لسعد بن أبي وقاص : قد ثقل علينا المشي  ، ولا نستحسن أن نركب وهذان السيدان يمشيان  ، فقال سعد للحسن : يا أبا محمد  ، إن المشي قد ثقل على جماعة ممن معك  ، والناس إذا رأوكما تمشيان لم تطب أنفسهم أن يركبوا فلو
1 ـ هذا في رواية البحار  ، والسيد ابن طاووس في كتاب فرج المهموم : 226  ، والبحراني عنه في كتاب العوالم : 56 ح 1  ، وفي سائر المصادر بدل الحسين ( عليه السلام ) ( الحسن ( عليه السلام ) وكلاهما نور واحد ( صلوات الله وسلامه عليهما ).
2 ـ دلائل الإمامة  ، الحميري : 172 ح 24  ، الكافي  ، الكليني : 1/463 ح 2  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/185 ح 13.


(108)
ركبتما  ، فقال الحسن ( عليه السلام ) : لا نركب  ، قد جعلنا على أنفسنا المشي إلى بيت الله الحرام على أقدامنا  ، ولكنّا نتنكّب عن الطريق  ، فأخذا جانباً من الناس (1).
    وقال عبدالله بن عبيد أبو عمير : لقد حجَّ الحسين بن علي ( عليهما السلام ) خمساً وعشرين حجّة ماشياً وإن النجائب لتقاد معه (2).
    وذكر ابن عبد ربه في كتاب العقد الفريد أنه قيل لعلي بن الحسين ( عليهما السلام ) : ما أقلَّ ولد أبيك! فقال : العجب كيف ولدت له كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة (3). وقيل للحسين ( عليه السلام ) : ما أعظم خوفك من ربك! قال : لا يأمن يوم القيامة إلاَّ من خاف الله في الدنيا (4).
    ومما روي في كرامات سيد الشهداء ( عليه السلام ) ما رواه ابن شهر آشوب عن زرارة بن أعين  ، قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يحدّث عن آبائه ( عليهم السلام ) أن مريضاً شديد الحمَّى عاده الحسين ( عليه السلام )   ، فلمَّا دخل من باب الدار طارت الحمَّى عن الرجل  ، فقال له : رضيت بما أوتيتم به حقاً حقاً والحمَّى تهرب عنكم  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : والله ما خلق الله شيئاً إلاَّ وقد أمره بالطاعة لنا  ، قال : فإذا نحن نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول : لبّيك  ، قال : أليس أمير المؤمنين أمرك أن لا تقربي إلاّ عدوّاً أو مذنباً لكي تكوني كفارة لذنوبه ؟ فما بال هذا ؟ فكان المريض عبدالله بن شداد بن الهاد الليثي (5).
    وعن صالح بن ميثم قال : دخلت أنا وعباية الأسدي على حبابة الوالبية فقال لها : هذا ابن أخيك ميثم  ، قالت : ابن أخي والله حقاً  ، ألا أحدِّثكم بحديث عن
1 ـ الإرشاد  ، المفيد : 2/128  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 43/276 ح 46.
2 ـ مناقب آل أبي طالب : 4/69  ، عنه بحار الأنوار : 44/192 ح 5.
3 ـ العقد الفريد : 3/126  ، تأريخ اليعقوبي : 2/247  ، بحار الأنوار : 44/196 ح 10.
4 ـ مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 3/224.
5 ـ بحار الأنوار : 44/183 ح 8  ، عن مناقب آل أبي طالب : 3/210  ، ورواه الكشي في رجاله : 1/299.


(109)
الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ؟ فقلت : بلى  ، قالت : دخلت عليه وسلَّمت فردَّ السلام ورحبَّ  ، ثم قال : ما بطَّأ بك عن زيارتنا والتسليم علينا يا حبابة ؟ قلت : ما بطَّأني عنك إلاَّ علة عرضت  ، قال : وما هي ؟ قالت : فكشفت خماري عن برص  ، قالت : فلم يزل يدعو حتى رفع يده وقد كشف الله ذلك البرص  ، ثم قال : يا حبابة  ، إنه ليس أحد على ملة إبراهيم في هذه الأمة غيرنا وغير شيعتنا  ، ومن سواهم منها براء (1).
    وفي عيون المعجزات للمرتضى رحمه الله : عن الصادق ( عليه السلام )   ، عن أبيه  ، عن جدّه ( عليهما السلام ) قال : جاء أهل الكوفة إلى علي ( عليه السلام ) فشكوا إليه إمساك المطر  ، وقالوا له : استسق لنا  ، فقال للحسين ( عليه السلام ) : قم واستسق  ، فقام وحمد الله وأثنى عليه  ، وصلَّى على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال : اللهم معطي الخيرات  ، ومنزل البركات  ، أرسل السماء علينا مدراراً  ، واسقنا غيثاً مغزاراً  ، واسعاً  ، غدقاً  ، مجللا سحّاً  ، سفوحاً  ، فجاجاً  ، تنفّس به الضعف من عبادك  ، وتحيي به الميت من بلادك  ، آمين رب العالمين.
    فما فرغ ( عليه السلام ) من دعائه حتى غاث الله تعالى غيثاً بغتة  ، وأقبل أعرابي من بعض نواحي الكوفة فقال : تركت الأودية والآكام يموج بعضها في بعض (2).
    وروي في بعض الكتب المعتبرة عن الطبري  ، عن طاووس اليماني أن الحسين ابن علي ( عليهما السلام ) كان إذا جلس في المكان المظلم يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره  ، فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان كثيراً ما يقبِّل جبينه ونحره  ، وإن جبرئيل ( عليه السلام ) نزل يوماً فوجد الزهراء ( عليها السلام ) نائمة  ، والحسين في مهده يبكي  ، فجعل يناغيه ويسلّيه حتى استيقظت  ، فسمعت صوت من يناغيه  ، فالتفتت فلم تر أحداً  ، فأخبرها النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه كان جبرئيل ( عليه السلام ) (3).
1 ـ بحار الأنوار : 44/186 ح 15.
2 ـ بحار الأنوار : 44/187 ح 16  ، عيون المعجزات  ، حسين بن عبد الوهاب : 56.
3 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/187 ـ 188.


(110)
    قال ابن الجوزي في كتاب المنتظم : وورد في هذه السنة من واسط خبر عجيب  ، جاء به كتاب ابن وهبان الواسطي  ، يذكر قصة عجيبة وهي : أن امرأة عندهم في نهر الفصيلي أصابها الجذام حتى أسقط أنفها وشفتيها وأصابع يديها ورجليها  ، وجافت ريحها  ، وتأذَّى أهلها بها  ، فأخرجها زوجها وولدها إلى ظاهر المحلة على شوط منها  ، وعملوا لها كوخا  ، فكانت فيه  ، ولا يمكن الاجتياز بها من نتن ريحها  ، وإنما كان ولدها يأتيها برغيفين يرميهما إليها  ، فجاء يوماً فقالت له : يا بنيَّ  ، بالله قف حتى أبصرك  ، وجئني بجرعة ماء أشربها  ، فلم يفعل وهرب.
    وكان قريباً من الموضع جوية ماء الكتان فحملها العطش على قصدها  ، فتحاملت فوقعت عندها فأغمي عليها  ، فذكرت بعد إفاقتها أنها رأت رجلين وامرأتين جلوساً عندها  ، فأخرجوا لها قرصين عليهما ورقة خضراء  ، وجاءوها بكراز فيه ماء  ، وقالوا لها : كلي من هذا الخبز واشربي من هذا الماء  ، قال : فكلَّما أكلت عاد القرص كما كان إلى أن شبعت  ، وشربت من الكراز ماء لم أشرب قط ألذ منه  ، فقلت : يا سادتي  ، من أنتم ؟ فقال أحدهم : أنا الحسن وهذا الحسين وهذه خديجة الكبرى وهذه فاطمة الزهراء  ، ثم أمرّ الحسن يده على صدري ووجهي والحسين يده على ظهري  ، فعادت شفتاي وأنفي ونبتت أصابعي  ، وأقاموني فسقط مني نحو ثلثين كهيئة صدف السمك  ، فأقبل الناس من البلاد لمشاهدتها والتبرك بها (1).
    ومن كرامات الحسين ( عليه السلام ) ما رواه ابن عساكر بإسناده عن عبدالله بن جعفر  ، عن أبي عون  ، قال : لما خرج الحسين بن علي ( عليهما السلام ) من المدينة يريد مكة مرَّ بابن مطيع وهو يحفر بئره  ، فقال له : أين فداك أبي وأمي ؟ قال : أردت مكة  ، قال :
1 ـ المنتظم في تاريخ الملوك والأمم  ، ابن الجوزي : 9/568 ـ 569.

(111)
وذكر له أنه كتب إليه شيعته بها  ، فقال له ابن مطيع : أين فداك أبي وأمي ؟ متّعنا بنفسك ولا تسر إليهم  ، فأبى حسين ( عليه السلام )   ، فقال له ابن مطيع : إن بئري هذه قد رشحتها  ، وهذا اليوم أو ان ما خرج إلينا في الدلو شيء من ماء  ، فلو دعوت الله لنا فيها بالبركة  ، قال : هات من مائها  ، فأتى من مائها في الدلو  ، فشرب منه ثم تمضمض ثم ردَّه في البئر  ، فأعذب وأمهى  ، ثم ودّعه وسار إلى مكة (1).
    نعم سار إلى مكّة ولكن بأية حال سار ( عليه السلام )   ، يُروى عن سكينة أنها قالت ـ كما روي عنها ـ : خرجنا من المدينة في ليلة مظلمة  ، ذات رعد وبرق  ، حتى خلنا أنَّ السماء اُطبقت على الأرض (2).
    نعم خرج الحسين ( عليه السلام ) من المدينة إلى مكة  ، ولكن ترك ا لدار موحشة بعدما كانت مزهرة بنور وجهه المضي  ، ولله درّ الحجة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة إذ يقول :
هذي ربوعُ محمَّد عَرَصَاتُها خرج الحسينُ خروجَ موسى خائفاً فتعاهدت في حِفْظِ ذِمَّةِ أحمد حتى إذا ضربوا القبابَ وطُرِّزت قامت تحوطُ المحصناتِ كأنَّها فأتت جُيُوشُ أميَّةِ ترجو بأَنْ فأبى أبيُّ الضيمِ إِلاَّ أَنْ تُرَى فهناك بان من الكِرَامِ حِفَاظُها قومٌ إذا عَبَسَ المنونُ تهلَّلَتْ قد أقفرت واستوحشت أعلامُها مترقِّباً ما أضمرته لِئَامُها ساداتُ أنصارِ الإلهِ كرامُها بالسُّمْرِ والبيضِ الرِّقَاقِ خيامُها أُسْدٌ وهاتيك القبابُ أُجَامُها يُعْطِي المذلَّةَ والقِيَادَ همامُها شَعْوَاءُ يَلْحَقُ بالنجومِ قَتَامُها وَلَظَى الحروبِ قد استطار ضَرَامُها تلك الْوُجُوهُ ولم تَطِشْ أحلامُها

1 ـ تاريخ دمشق  ، ابن عساكر : 14/182  ، الطبقات الكبرى  ، ابن سعد : 5/144 ـ 145.
2 ـ سعادة الدارين فيما يتعلَّق بالإمام الحسين ( عليه السلام )   ، الشيخ حسين البلادي القديحي : 93.


(112)
يتسابقون لِوِردِ مَشْرَعَةِ الرَّدَى فكأنَّما قَطَعَ الحياةَ مَرَامُها (1)

    جاء في الزيارة الناحية الشريفة : السلامُ عليكَ  ، سلامَ العارفِ بُحرْمَتِك  ، الُمخلِصِ في ولايتِكَ  ، المتقرِّبِ إلى الله بمحبَّتِكَ  ، البري من أعدائِكَ  ، سَلاَمَ مَنْ قَلبُه بمُصابِك مقروحٌ  ، ودمعُه عند ذِكرك مسفوحٌ  ، سلامَ المفجوعِ المحزونِ  ، الوالَهِ المستكينِ  ، سلامَ مَنْ لو كان معك بالطفوفِ لو قاك بنفسهِ حَدَّ السيوفِ  ، وَبذلَ حُشَاشَته دونَكَ للحُتوف  ، وجاهدَ بينَ يديك  ، ونَصرك على من بغى عليك  ، وفداك بروحهِ وجسدهِ  ، وماله وولدهِ  ، وروحُهُ لروحِك فداءٌ  ، وأهلُه لأهلكِ وقاء  ، فلئن أخَّرتني الدهورُ  ، وعاقني عن نَصرك المقدورُ  ، ولم أكن لمن حاربك محارباً  ، ولمن نَصب لك العداوةَ مُناصباً  ، فلأند بنَّكَ صباحاً ومساءً  ، ولأبكينَّ عليك بَدلَ الدموع دَماً  ، حسرةً عليك  ، وتأسُّفاً على مَا دَهاك وتلهُّفاً  ، حتى أموت بلوعةِ المُصابِ  ، وغُصَّةِ الاكتئاب (2).
    قال الراوي : وبلغ أهل الكوفة هلاك معاوية  ، فأرجفوا بيزيد  ، وعرفوا خبر الحسين ( عليه السلام ) وامتناعه من بيعته  ، وما كان من أمر ابن الزبير في ذلك  ، وخروجهما إلى مكة  ، فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي  ، فذكروا هلاك معاوية فحمدوا الله وأثنوا عليه  ، فقال سليمان : إن معاوية قد هلك  ، وإن
1 ـ ديوان العلامة الجشي : 132.
2 ـ المزار  ، المشهدي : 500 ـ 501.


(113)
حسيناً قد نقض على القوم بيعته  ، وقد خرج إلى مكة  ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه  ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عدوِّه فاكتبوا إليه  ، وإن خفتم الفشل والوهن فلا تغرّوا الرجل في نفسه  ، قالوا : لا  ، بل نقاتل عدوَّه  ، ونقتل أنفسنا دونه  ، فاكتبوا إليه.
    فكتبوا إليه : بسم الله الرّحمن الرّحيم  ، للحسين بن علي ( عليه السلام ) من سليمان بن صرد والمسيَّب بن نجبة ورفاعة بن شدّاد البجلي وحبيب بن مظاهر وشيعته المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة  ، سلام عليك  ، فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو  ، أمَّا بعد فالحمد لله الذي قصم عدوَّك الجبار العنيد  ، الذي انتزى على هذه الأمة فابتزَّها أمرها  ، وغصبها فيئها  ، وتأمَّر عليها بغير رضى منها  ، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها  ، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها  ، فبعداً له كما بعدت ثمود  ، إنّه ليس علينا إمام فأقبل لعلَّ الله أن يجمعنا بك على الحق  ، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة  ، لسنا نجتمع معه في جمعة  ، ولا نخرج معه إلى عيد  ، ولو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله.
    ثم سرَّحوا بالكتاب مع عبدالله بن مسمع الهمداني وعبدالله بن وال وأمروهما بالنَّجَا  ، فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين بمكة لعشر مضين من شهر رمضان.
    ثم لبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب  ، وأنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الرحمان بن عبدالله بن شداد الأرحبي وعمارة بن عبدالله السلولي إلى الحسين ( عليه السلام )   ، ومعهم نحو مائة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة.
    وقال السيّد عليه الرحمة : وهو مع ذلك يتأبَّى ولا يجيبهم  ، فورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب  ، وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده في نُوَب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب.


(114)
    وقال الشيخ المفيد عليه الرحمة : ثم لبثوا يومين آخرين وسرَّحوا إليه هانىء بن هانىء السبيعي وسعيد بن عبدالله الحنفي  ، وكتبوا إليه : بسم الله الرّحمن الرّحيم  ، إلى الحسين بن علي من شيعته من المؤمنين والمسلمين  ، أمّا بعد فحيَّ هلا  ، فإن الناس ينتظرونك  ، لا رأي لهم غيرك  ، فالعجل العجل  ، ثم العجل العجل  ، والسلام.
    ثم كتب شبث بن ربعي  ، وحجّار بن أبجر  ، ويزيد بن الحارث بن رويم  ، وعروة بن قيس  ، وعمرو بن حجاج الزبيدي  ، ومحمد بن عمرو التيمي : أما بعد فقد أخضرَّ الجناب  ، وأينعت الثمار  ، وأعشبت الأرض  ، وأورقت الأشجار  ، فإذا شئت فأقبل على جند لك مجندة  ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى أبيك من قبلك.
    وتلاقت الرسل كلها عنده ( عليه السلام )   ، فقرأ الكتب وسأل الرسل عن الناس  ، ثم كتب مع هانىء بن هانىء  ، وسعيد بن عبدالله  ، وكانا آخر الرسل :
    بسم الله الرّحمن الرّحيم  ، من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين  ، أما بعد فإن هانئاً وسعيداً قدما عليَّ بكتبكم  ، وكانا آخر من قدم عليَّ من رسلكم  ، وقد فهمت كل الذي أقصصتم وذكرتم  ، ومقالة جلِّكم أنه ليس علينا إمام  ، فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحق والهدى  ، وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل  ، فإن كتب إليَّ بأنه قد اجتمع رأي ملأكم  ، وذوي الحجى والفضل منكم  ، على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم  ، فإني أقدم إليكم وشيكاً إن شاء الله  ، فلعمري ما الإمام إلاّ الحاكم بالكتاب  ، القائم بالقسط  ، الدائن بدين الحق  ، الحابس نفسه على ذلك لله  ، والسلام.
    ودعا الحسين ( عليه السلام ) مسلم بن عقيل فسرَّحه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبدالله السلولي وعبدالرحمن بن عبدالله الأزدي  ، وأمره بالتقوى وكتمان أمره واللطف  ، فإن رأى الناس مجتمعين مستوثقين عجَّل إليه بذلك.


(115)
    فأقبل مسلم ( عليه السلام ) حتى أتى المدينة  ، فصلَّى في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وودَّع من أحبَّ من أهله  ، واستأجر دليلين من قيس  ، فأقبلا به يتنكّبان الطريق  ، فضلاّ عن الطريق  ، وأصابهما عطش شديد فعجزا عن السير  ، فأوماءا له إلى سنن الطريق بعد أن لاح لهم ذلك  ، فسلك مسلم ذلك السنن  ، ومات الدليلان عطشاً. وساق الحديث إلى أن قال الراوي :
    فأقبل ( عليه السلام ) حتى مرَّ بماء لطيء فنزل به ثم ارتحل عنه  ، فإذا رجل يرمي الصيد  ، فنظر إليه قد رمى ظبياً حين أشرف له فصرعه  ، فقال مسلم بن عقيل : نقتل عدوَّنا إن شاء الله.
    ثم أقبل ( عليه السلام ) حتى دخل الكوفة  ، فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة وهي التي تُدعى اليوم دار مسلم بن المسيب  ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه  ، فكلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين ( عليه السلام ) وهم يبكون  ، وبايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً ويأمره بالقدوم  ، وجعلت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) حتى علم بمكانه.
    فبلغ النعمان بن بشير ذلك ـ وكان والياً على الكوفة من قبل معاوية فأقرَّه يزيد عليها ـ فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه  ، ثم قال : أمّا بعد  ، فاتقوا الله عباد الله  ، ولا تُسارعوا إلى الفتنة والفرقة  ، فإن فيها تهلك الرجال  ، وتسفك الدماء  ، وتغصب الأموال  ، إني لا أُقاتل من لا يقاتلني  ، ولا آتي على من لم يأت عليَّ  ، ولا أنبِّه نائمكم ولا أتحرَّش بكم  ، ولا آخذ بالقرف  ، ولا الظنّة  ، ولا التهمة  ، ولكنكم إن أبديتم صفحتكم لي  ، ونكثتم بيعتكم  ، وخالفتم إمامكم  ، فوالله الذي لا إله غيره  ، لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي  ، ولو لم يكن لي منكم ناصر  ، أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل.
    فقام إليه عبدالله بن مسلم بن ربيعة الحضرمي حليف بني أمية فقال له : إنه


(116)
لا يصلح ما ترى إلاَّ الغشم  ، وهذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوِّك رأي المستضعفين  ، فقال له النعمان : أن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحبُّ إليَّ من أن أكون من الأعزّين في معصية الله  ، ثم نزل.
    وخرج عبدالله بن مسلم وكتب إلى يزيد بن معاوية كتاباً : أمَّا بعد فإن مسلم ابن عقيل قد قدم الكوفة وبايعه الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب  ، فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قوياً ينفّذ أمرك  ، ويعمل مثل عملك في عدوّك  ، فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعَّف  ، ثم كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه  ، ثم كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص مثل ذلك.
    فلمّا وصلت الكتب إلى يزيد  ، دعا سرجون مولى معاوية فقال : ما رأيك ؟ إن الحسين ( عليه السلام ) قد نفذ إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له  ، وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيء فمن ترى أن أستعمل على الكوفة ؟ وكان يزيد عاتباً على عبيدالله بن زياد  ، فقال له سرجون : أرأيت لو نُشر لك معاوية حياً ما كنت آخذاً برأيه ؟ قال : بلى  ، قال : فأخرج سرجون عهد عبيدالله على الكوفة  ، وقال : هذا رأي معاوية  ، مات وقد أمر بهذا الكتاب  ، فَضُمَّ المصرين إلى عبيدالله  ، فقال له يزيد : أفعل  ، ابعث بعهد عبيدالله بن زياد إليه.
    ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي وكتب إلى عبيدالله معه : أمّا بعد فإنه كتب إليَّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أن ابن عقيل فيها  ، يجمع الجموع ليشقّ عصا المسلمين  ، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة  ، فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه  ، والسلام.
    وسلَّم إليه عهده على الكوفة  ، فخرج مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيدالله البصرة  ، وأوصل إليه العهد والكتاب  ، فأمر عبيدالله بالجهاز من وقته والمسير


(117)
والتهيؤ إلى الكوفة من الغد  ، ثم خرج من البصرة فاستخلف أخاه عثمان (1).
    وقال ابن نما عليه الرحمة : رويت إلى حصين بن عبدالرحمن أن أهل الكوفة كتبوا إليه ـ يعني إلى الحسين ( عليه السلام ) ـ : إنا معك مائة ألف  ، وعن داود بن أبي هند  ، عن الشعبي  ، قال : بايع الحسين ( عليه السلام ) أربعون ألفاً من أهل الكوفة على أن يحاربوا من حارب  ، ويسالموا من سالم  ، فعند ذلك ردّ جواب كتبهم يمنّيهم بالقبول  ، ويعدهم بسرعة الوصول  ، وبعث مسلم بن عقيل (2).
    وقال السيّد رحمه الله بعد ذلك : وكان الحسين ( عليه السلام ) قد كتب إلى جماعة من أشراف البصرة كتاباً مع مولى له اسمه سليمان ويكنّى أبا رزين  ، يدعوهم إلى نصرته ولزوم طاعته  ، منهم يزيد بن مسعود النهشلي والمنذر بن الجارود العبدي  ، فجمع يزيد بن مسعود بني تميم وبني حنظلة وبني سعد  ، فلمّا حضروا قال : يا بني تميم  ، كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم ؟ فقالوا : بخ بخ  ، أنت والله فقرة الظهر  ، ورأس الفخر  ، حللت في الشرف وسطاً  ، وتقدَّمت فيه فرطاً  ، قال : فإني قد جمعتكم لأمر أريد أن أشاوركم فيه  ، وأستعين بكم عليه  ، فقالوا : إنّا والله نمنحك النصيحة  ، ونحمد لك الرأى فقل نسمع.
    فقال : إن معاوية مات فأهون به والله هالكاً ومفقوداً  ، ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم  ، وتضعضعت أركان الظلم  ، وقد كان أحدث بيعة عقد بها أمراً ظنَّ أن قد أحكمه  ، وهيهات والذي أراد  ، اجتهد والله ففشل  ، وشاور فخذل  ، وقد قام يزيد شارب الخمور  ، ورأس الفجور  ، يدّعي الخلافة على المسلمين  ، ويتأمَّر عليهم مع قصر حلم وقلّة علم  ، لا يعرف من الحق موطىء قدمه  ، فأقسم بالله قسماً مبروراً لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين  ، وهذا الحسين بن علي
1 ـ الإرشاد  ، المفيد : 2/38 ـ 43.
2 ـ مثير الأحزان  ، ابن نما الحلي : 17.


(118)
ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذو الشرف الأصيل  ، والرأي الأثيل  ، له فضل لا يوصف  ، وعلم لا يُنزف  ، وهو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنّه وقدمته وقرابته  ، يعطف على الصغير  ، ويحنو على الكبير  ، فأكرم به راعي رعية  ، وإمام قوم  ، وجبت لله به الحجّة  ، وبلغت به الموعظة  ، ولا تعشوا عن نور الحق  ، ولا تسكعوا في وهدة الباطل  ، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل  ، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله ونصرته  ، والله لا يقصر أحد عن نصرته إلاَّ أورثه الله الذل في ولده  ، والقلة في عشيرته  ، وها أنا قد لبست للحرب لامتها  ، وادّرعت لها بدرعها  ، من لم يقتل يمت  ، ومن يهرب لم يفت  ، فأحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب.
    فتكلَّمت بنو حنظلة فقالوا : أبا خالد! نحن نبل كنانتك  ، وفرسان عشيرتك  ، إن رميت بنا أصبت  ، وإن غزوت بنا فتحت  ، لا تخوض والله غمرة إلاَّ خضناه  ، ولا تلقى والله شدّة إلاّ لقيناها  ، ننصرك بأسيافنا  ، ونقيك بأبداننا  ، إذا شئت.
    وتكلمت بنو سعد بن زيد  ، فقالوا : أبا خالد! إن أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج من رأيك  ، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا أمرنا وبقي عزّنا فينا  ، فأمهلنا نراجع المشورة ويأتيك رأينا.
    وتكلَّمت بنو عامر بن تميم فقالوا : يا أبا خالد! نحن بنو أبيك وحلفاؤك  ، لا نرضى إن غضبت  ، ولا نقطن إن ظعنت  ، والأمر إليك فادعنا نجبك  ، ومرنا نطعك  ، والأمر لك إذا شئت.
    فقال : والله ـ يا بني سعد ـ لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبداً  ، ولا زال سيفكم فيكم.
    ثم كتب إلى الحسين صلوات الله عليه : بسم الله الرّحمن الرّحيم  ، أمّا بعد  ، فقد وصل إليَّ كتابك  ، وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له  ، من الأخذ بحظي من طاعتك  ، والفوز بنصيبي من نصرتك  ، وإن الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها


(119)
بخير  ، أو دليل على سبيل نجاة  ، وأنتم حجة الله على خلقه  ، ووديعته في أرضه  ، تفرَّعتم من زيتونة أحمديّة  ، هو أصلها وأنتم فرعها  ، فاقدم سعدت بأسعد طائر  ، فقد ذلَّلت لك أعناق بني تميم  ، وتركتهم أشدَّ تتابعاً في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها  ، وقد ذلَّلت لك رقاب بني سعد  ، وغسلت درن صدروها بماء سحابة مزن حين استهلَّ برقها فلمع.
    فلمَّا قرأ الحسين ( عليه السلام ) الكتاب قال : مالك آمنك الله يوم الخوف وأعزَّك وأرواك يوم العطش  ، فلمَّا تجهز المشار إليه للخروج إلى الحسين ( عليه السلام ) بلغه قتله قبل أن يسير  ، فجزع من انقطاعه عنه.
    وأمَّا المنذر بن جارود فإنه جاء بالكتاب والرسول إلى عبيدالله بن زياد  ، لأن المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيساً من عبيدالله  ، وكانت بحرية بنت المنذر بن جارود تحت عبيدالله بن زياد  ، فأخذ عبيدالله الرسول فصلبه  ، ثم صعد المنبر وتوعَّد أهل البصرة على الخلاف  ، وإثارة الإرجاف  ، ثم بات تلك الليلة فلما أصبح استناب عليهم أخاه عثمان بن زياد  ، وأسرع هو إلى قصد الكوفة (1).
    وقال ابن نما : كتب الحسين ( عليه السلام ) كتاباً إلى وجوه أهل البصرة  ، منهم الأحنف بن قيس  ، وقيس بن الهيثم  ، والمنذر بن الجارود  ، ويزيد بن مسعود النهشلي  ، وبعث الكتاب مع زراع السدوسي ـ وقيل : مع سليمان المكنَّى بأبي رزين ـ فيه : إني أدعوكم إلى الله وإلى نبيه  ، فإن السنة قد أميتت  ، فإن تجيبوا دعوتي  ، وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد  ، فكتب الأحنف إليه : أما بعد فاصبر إن وعد الله حق  ، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون (2).
    ولله درّ الشيخ يوسف أبو ذئب الخطي عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ اللهوف  ، السيد ابن طاووس : 26 ـ 29.
2 ـ مثير الأحزان  ، ابن نما الحلي : 17  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/332.


(120)
أتته لأرجاسِ العراقِ صحائفٌ ألا اقْدِمْ إلينا أنت مولىً وسيِّدٌ ألا اقدمْ علينا إنّنا لك شيعةٌ أغثنا رعاك اللهُ أنت غياثُنا فلبَّاهُمُ لمَّا دعوه ولم تَزَلْ وساق لهم غُلْباً كأنَّهُمُ على الـ مساعيرُ حرب من لويِّ بنِ غالب هُمُ الصِّيْدُ إلاَّ أنَّهم أَبْحُرُ النَّدَى لَهَا الوفقُ بدءٌ والنفاقُ خِتَامُ لك الدهرُ عبدٌ والزمانُ غُلاَمُ وأنت لنا دونَ الأنامِ إمامُ وأنت لنا في النائباتِ عِصَامُ تُلَبِّي دُعَاءَ الصارخين كِرَامُ عوادي بدورٌ في الكَمَالِ تَمَامُ عَزَائِمُهُمْ لم يَثْنِهِنَّ زمامُ سوى أنهم لِلْمُجْدِبينَ غَمَامُ (1)

إذا كنتِ لا تدرين ما الموتُ فانظري إلى رَجُل قد هشَّم السيفُ وَجْهَهُ إلى هانىء في السوقِ وابنِ عقيلِ وآخرَ يُلقى من طِمَارِ قتيلِ
    قال الراوي : فلمّا أشرف ( ابن زياد ) على الكوفة نزل حتى أمسى ليلا  ، فظنَّ أهلُها أنه الحسين ( عليه السلام ) ودخلها مما يلي النجف  ، فقالت امرأة : الله أكبر! ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وربّ الكعبة  ، فتصايح الناس قالوا : إنّا معك أكثر من أربعين ألفاً  ، وازدحموا عليه حتى أخذوا بذنب دابته  ، وظنُّهم أنه الحسين ( عليه السلام )   ، فحسر اللثام  ، وقال : أنا عبيدالله  ، فتساقط القوم  ، ووطأ بعضهم بعضاً  ، ودخل دار الإمارة  ، وعليه عمامة سوداء.
    فلمَّا أصبح قام خاطباً  ، وعليهم عاتباً  ، ولرؤسائهم مؤنّباً  ، ووعدهم
1 ـ رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 31.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس