|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(181)
روي عن عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : خلق الله تبارك وتعالى أرض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام ، وقدَّسها وبارك عليها ، فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدَّسة مباركة ، ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة ، وأفضل منزل ومسكن يسكن الله فيه أولياءه في الجنة (1).
وعن أبي الجارود قال : قال علي بن الحسين ( عليه السلام ) : اتّخذ الله أرض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتّخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام ، وإنه إذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسيَّرها رفعت كما هي بتربتها نورانية صافية ، فجعلت في أفضل روضة من رياض الجنة ، وأفضل مسكن في الجنة ، لا يسكنها إلاّ النبيون والمرسلون ، أو قال : أولو العزم من الرسل ، فإنها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدريّ بين الكواكب لأهل الأرض ، يغشي نورها أبصار أهل الجنة جميعاً ، وهي تنادي : أنا أرض الله المقدَّسة الطيِّبة المباركة ، التي تضمَّنت سيِّد الشهداء وسيِّد شباب أهل الجنة (2). قال : وروي قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : الغاضرية هي البقعة التي كلَّم الله فيها موسى بن عمران ، وناجى نوحاً فيها ، وهي أكرم أرض الله عليه ، ولولا ذلك ما 1 ـ كامل الزيارات ، ابن قولويه : 450 ، وعنه بحار الأنوار ، المجلسي : 98/107 ح 5. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 98/108 ح 10 عن كامل الزيارات : 451 ح 5. (182)
استودع الله فيها أولياءه وأبناء نبيه ، فزوروا قبورنا بالغاضرية (1).
وعن حماد بن أيوب ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يقبر ابني في أرض يقال لها كربلاء ، هي البقعة التي كانت فيها قبة الإسلام ، التي نجَّى الله عليها المؤمنين الذين آمنوا مع نوح في الطوفان (2). وعن الفضل بن يحيى ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : زوروا كربلاء ، ولا تقطعوه ، فإن خير أولاد الأنبياء ضمنته ، ألا وإن الملائكة زارت كربلاء ألف عام من قبل أن يسكنه جدي الحسين ( عليه السلام ) ، وما من ليلة تمضي إلاّ وجبرئيل وميكائيل يزورانه ، فاجتهد ـ يا يحيى ـ أن لا تُفقد من ذلك الموطن. وعن إسحاق بن عمار قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : إن لموضع قبر الحسين بن علي ( عليهما السلام ) حرمة معلومة ، من عرفها واستجار بها أُجير ، قلت : فصف لي موضعها جعلت فداك ، قال : امسح من موضع قبره اليوم ، فامسح خمسة وعشرين ذراعاً من ناحيةِ رجليه ، وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه ، وخمسة وعشرين ذراعاً مما يلي وجهه ، وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رأسه ، وموضع قبره منذ يوم دفن روضة من رياض الجنة ، ومنه معراج يعرج فيه بأعمال زوّاره إلى السماء ، فليس ملك ولا نبيٌّ في السموات إلاَّ وهم يسألون الله أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين ( عليه السلام ) ففوج ينزل وفوج يعرج. وفي رواية قال ( عليه السلام ) : موضع قبر الحسين ترعة من ترع الجنة (3). وعن منصور بن العباس يرفعه إلى أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : حريم قبر 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 98/108 ـ 109 ح 13. 2 ـ كامل الزيارات ، ابن قولويه : 452 ح 7 و9 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 98/108. 3 ـ بحار الأنوار ، الملجسي : 98/108 ـ 111 عن كامل الزيارات. (183)
الحسين ( عليه السلام ) خمس فراسخ من أربعة جوانب القبر (1).
وعن أبي هاشم الجعفري قال : دخلت على أبي الحسن علي بن محمد ( عليه السلام ) وهو محموم عليل فقال لي : يا أبا هاشم ، ابعث رجلا من موالينا إلى الحير (2) يدعو الله لي ، فخرجت من عنده فاستقبلني علي بن بلال ، فأعلمته ما قال لي وسألته أن يكون الرجل الذي يخرج ، فقال : السمع والطاعة ، ولكنني أقول : إنه أفضل من الحير إذا كان بمنزلة من في الحير ، ودعاؤه لنفسه أفضل من دعائي له بالحير ، فأعلمته صلوات الله عليه ما قال ، فقال لي : قل له : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أفضل من البيت والحجر ، وكان يطوف بالبيت ويستلم الحجر ، وإن لله تبارك وتعالى بقاعاً يحبّ أن يدعى فيها فيستجيب لمن دعاه ، والحير منها (3). وفي رواية قال ( عليه السلام ) : ألا قلت له : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يطوف بالبيت ويقبّل الحجر ، وحرمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) والمؤمن أعظم من حرمة البيت ، وأمره الله أن يقف بعرفة ، إنما هي مواطن يحبّ الله أن يُذكر فيها ، فأنا أحبّ أن يُدعى لي حيث يُحبّ الله أن يُدعى فيها ، والحير من تلك المواضع (4). وفي لفظ ثالث عن أبي هاشم الجعفري قال : دخلت أنا ومحمد بن حمزة عليه نعوده وهو عليل ، فقال لنا : وجّهوا قوماً إلى الحير من مالي ، فلمّا خرجنا من عنده قال لي محمد بن حمزة : المشير يوجِّهنا إلى الحير وهو بمنزلة من في الحير ، قال : فعدت إليه فأخبرته ، فقال لي : ليس هو هكذا ، إن لله مواضع يحب أن يعبد فيها ، وحائر الحسين ( عليه السلام ) من تلك المواضع. وروي عن الإمام الرضا ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 98/111 ح 27 عن كامل الزيارات. 2 ـ يعني قبر الحسين ( عليه السلام ) وسمي بالحائر الحسيني لأن الماء حار حوله لما اُجرى بأمر المتوكل العباسي. 3 ـ بحار الأنوار ، المجلسي 98/113 ح 34. 4 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 98/112 ـ 113 ح 32 و 33 و 36. (184)
كأني بالقصور وقد شيدت حول قبر الحسين ( عليه السلام ) ، وكأني بالأسواق قد حفّت حول قبره ، فلا تذهب الأيام والليالي حتى يسار إليه من الآفاق ، وذلك عند انقطاع ملك بني مروان.
ولله درّ الحجّة الشيخ فرج العمران عليه الرحمة إذ يقول :
وعن قدامة بن زائدة ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) ، عن زينب بنت علي ( عليه السلام ) ، عن أم أيمن ، قالت في حديث طويل عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : أتى جبرئيل فأومى إلى الحسين ( عليه السلام ) وقال : إن سبطك هذا مقتول في عصابة من ذريتك وأهل بيتك وأخيار من أمتك ، بضفة الفرات ، بأرض تُدعى كربلاء ، من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذرّيّتك في اليوم الذي لا ينقضي كربه ولا تُفنى حسرته ، وهي أطهر بقاع الأرض وأعظمها حرمة ، وإنها لمن بطحاء الجنة. وروى محمد بن سنان ، عمّن حدثه ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : خرج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يسير بالناس ، حتى إذا كان من كربلاء على مسيرة ميل أو ميلين فتقدَّم بين أيديهم حتى إذا صار بمصارع الشهداء قال : قُبض فيها مائتا نبي ، ومائتا 1 ـ شعراء القطيف ، الشيخ علي المرهون : 2/29. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 98/114 ح 37 و 38. (185)
وصي ، ومائتا سبط ، شهداء بأتباعهم ، فطاف بها على بغلته خارجاً رجليه من الركاب ، وأنشأ يقول : مناخ ركاب ومصارع شهداء ، لا يسبقهم من كان قبلهم ، ولا يلحقهم من كان بعدهم (1).
وعن عبدالله بن سنان قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : قبر الحسين بن علي ( عليه السلام ) عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً مكسّراً ، روضة من رياض الجنة ، منه معراج إلى السماء ، فليس من ملك مقرَّب ولا نبيٍّ مرسل إلاَّ وهو يسأل الله أن يزوره ، وفوج يهبط وفوج يصعد (2). وعن أبي الجارود قال : قال لي أبو جعفر ( عليه السلام ) : كم بينك وبين قبر أبي عبدالله ( عليه السلام ) ؟ قال : قلت : يوم وشيء فقال له : لو كان منا على مثل الذي هو منكم لا تخذناه هجرة (3). ولله درّ الشاعر إذ يقول :
وروى ابن قولويه عليه الرحمة عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : يا حسين ، من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي ( عليه السلام ) إن كان ماشياً كتب له بكل خطوة حسنة ، ومحي عنه سيئة ، حتى إذا صار 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 98/116 ح 42 و 44. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 98/106 ح 1. 3 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 98/115 ح 39. 4 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 89/69 ح 1. (186)
في الحير كتبه الله من المفلحين المنجحين ، حتى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين ، حتى إذا أراد الانصراف أتاه ملك فقال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقرئك السلام ويقول لك : استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى.
وروي عن عبدالله بن الطمحان ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سمعته وهو يقول : ما من أحد يوم القيامة إلاَّ وهو يتمنَّى أنه من زوَّار الحسين بن علي ( عليه السلام ) لما يرى مما يُصنع بزوَّار الحسين من كرامتهم على الله (1). وعن عبدالله بن حماد البصري ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، قال : قال لي : إن عندكم ـ أو قال : في قربكم ـ لفضيلة ما أوتي أحد مثلها ، وما أحسبكم تعرفونها كنه معرفتها ، ولا تحافظون عليها ولا على القيام بها ، وإن لها لأهلا خاصة قد سمّوا لها ، وأعطوها بلا حول منهم ولا قوة ، إلاَّ ما كان من صنع الله لهم وسعادة حباهم الله بها ورحمة ورأفة وتقدم. قلت : جعلت فداك ، وما هذا الذي وصفت ولم تسمِّه ؟ قال : زيارة جدي الحسين بن علي ( عليه السلام ) فإنه غريب بأرض غربة ، يبكيه من زاره ، ويحزن له من لم يزره ، ويحترق له من لم يشهده ، ويرحمه من نظر إلى قبر ابنه عند رجله ، في أرض فلاة ، لا حميم قربه ولا قريب ، ثم منع الحق ، وتوازر عليه أهل الردّة ، حتى قتلوه وضيَّعوه وعرَّضوه للسباع ، ومنعوه شرب ماء الفرات الذي يشربه الكلاب ، وضيَّعوا حق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ووصيته به وبأهل بيته ، فأمسى مجفواً في حفرته ، صريعاً بين قرابته وشيعته ، بين أطباق التراب ، قد أوحش قربه في الوحدة والبعد عن جدّه ، والمنزل الذي لا يأتيه إلاَّ من امتحن الله قلبه للإيمان وعرَّفه حقَّنا ، فقلت له : جعلت فداك ، قد كنت آتيه حتى بليت بالسلطان وفي حفظ أموالهم ، وأنا عندهم مشهور ، فتركت للتقية إتياته ، وأنا أعرف ما في إتيانه من الخير ، فقال : هل 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 89/72. (187)
تدري ما فضل من أتاه وما له عندنا من جزيل الخير ؟ فقلت : لا ، فقال : أمّا الفضل فيباهيه ملائكة السماء ، وأمّا ما له عندنا فالترحُّم عليه كل صباح ومساء ، ولقد حدَّثني أبي أنه لم يخل مكانه منذ قتل من مصل يصلّي عليه من الملائكة ، أو من الجنّ ، أو من الإنس ، أو من الوحش ، وما من شيء إلاَّ وهو يغبط زائره ، ويتمسَّح به ، ويرجو في النظر إليه الخير لنظره إلى قبره.
ثمَّ قال : بلغني أن قوماً يأتونه من نواحي الكوفة وناساً من غيرهم ، ونساء يندبنه ، وذلك في النصف من شعبان ، فمن بين قارىء يقرأ ، وقاصّ يقصّ ، ونادب يندب ، وقائل يقول المراثي ، فقلت له : نعم جعلت فداك ، قد شهدت بعض ما تصف ، فقال : الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ، ويمدحنا ويرثي لنا ، وجعل عدوَّنا من يطعن عليهم من قرابتنا وغيرهم ، يهدرونهم ويقبِّحون ما يصنعون (1). وفي الأمالي عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمد ( عليهما السلام ) يقولان : إن الله تعالى عوَّض الحسين ( عليه السلام ) من قتله أن جعل الإمامة في ذرّيّته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تُعدّ أيام زائريه جائياً وراجعاً. قال محمد بن مسلم : فقلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : هذه الخلال تنال بالحسين ( عليه السلام ) فما له في نفسه ؟ قال : إن الله تعالى ألحقه بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) فكان معه في درجته ومنزلته ، ثم تلا أبو عبدالله ( عليه السلام ) : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَان أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ » الآية (2). ولله درّ ابن العرندس عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ كامل الزيارات ، ابن قولويه : 537 ـ 539 ح 1. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 89/69 ح 2. (188)
جاء في زيارة الناحية المرويَّة عن الحجّة عجَّل الله تعالى فرجه الشريف : فلئن أخَّرتني الدهور ، وعاقني عن نصرك المقدور ، ولم أكن لمن حاربك محارباً ، ولمن نصب لك العداوة مناصباً ، فلأندبنّك صباحاً ومساء ، ولأبكينَّ عليك بدل الدموع دماً ، حسرة عليك ، وتأسُّفاً على ما دهاك وتلهّفاً ، حتى أموت بلوعة 1 ـ الغدير ، الأميني : 7/15. (189)
المصاب وغصّة الاكتئاب.. (1) ولله درّ الشيخ محمد علي اليعقوبي عليه الرحمة إذ يقول في استنهاض الإمام الحجة ( عليه السلام ) :
1 ـ المزار ، المشهدي : 501. 2 ـ الشيخ اليعقوبي دراسة نقدية في شعره ، للدكتور عبد الصاحب الموسوي : 337. (190)
أقول : وما درى الأعرابي ما يحلّ بالحسين ( عليه السلام ) بعرصة كربلاء ، وكيف لو رآه وهو جثة بلا رأس ، مقطَّعاً بالسيوف ، تريب الخد ، مسلوب الثياب ؟ ولله درّ بعض الشعراء إذ يقول :
وقيل : إن عبدالرحمن السلمي علَّم ولد الحسين ( عليه السلام ) الحمد ، فلمَّا قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار ، وألف حلّة ، وحشا فاه درّاً ، فقيل له في ذلك فقال : وأين يقع هذا من عطائه يعني تعليمه ؟ وأنشد الحسين ( عليه السلام ) : 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/189. 2 ـ المنتخب ، الطريحي : 190. (191)
وروي عن الحسين بن علي ( عليهما السلام ) أنه قال : صحَّ عندي قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أفضل الأعمال بعد الصلاة إدخال السرور في قلب المؤمن بما لا إثم فيه ، فإني رأيت غلاماً يواكل كلباً فقلت له في ذلك ، فقال : يا ابن رسول الله ، إني مغموم ، أطلب سروراً بسروره ، لأن صاحبي يهودي أريد أفارقه ، فأتى الحسين إلى صاحبه بمائتي دينار ثمناً له ، فقال اليهودي : الغلام فداء لخطاك ، وهذا البستان له ، ورددت عليه المال ، فقال ( عليه السلام ) : وأنا قد وهبت لك المال ، قال : قبلت المال ووهبته للغلام ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : أعتقت الغلام ووهبته له جميعاً ، فقالت امرأته : قد أسلمت ووهبت زوجي مهري ، فقال اليهودي : وأنا أيضاً أسلمت وأعطيتها هذه الدار (2). وقال أنس : كنت عند الحسين ( عليه السلام ) فدخلت عليه جارية فحيَّته بطاقة ريحان ، فقال لها : أنت حرّة لوجه الله ، فقلت : تجيئك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها ؟ قال : كذا أدَّبنا الله ، قال الله : « وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّة فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا » (3) وكان أحسن منها عتقها (4). وعن عمرو بن دينار قال : دخل الحسين ( عليه السلام ) على أسامة بن زيد وهو مريض ، وهو يقول : واغمَّاه ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : وما غمك يا أخي ؟ قال : ديني ، 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/190 ـ 191 ح 3. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/194 ح 7. 3 ـ سورة النساء ، الآية : 86. 4 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/195 ح 8. (192)
وهو ستون ألف درهم ، فقال الحسين : هو عليَّ ، قال : إني أخشى أن أموت ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : لن تموت حتى أقضيها عنك ، قال : فقضاها قبل موته (1).
وجنى غلام له جناية توجب العقاب عليه فأمر به أن يضرب ، فقال : يا مولاي ( والكاظمين الغيظ ) قال : خلّوا عنه ، فقال : يا مولاي ( والعافين عن الناس ) قال : قد عفوت عنك ، قال : يا مولاي ( والله يحب المحسنين ) قال : أنت حرٌّ لوجه الله ، ولك ضعف ما كنت أعطيك (2). وفي أسانيد أخطب خوارزم أورده في كتاب له في مقتل آل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أن أعرابياً جاء إلى الحسين بن علي ( عليهما السلام ) فقال : يا ابن رسول الله ، قد ضمنت دية كاملة وعجزت عن أدائها ، فقلت في نفسي : أسأل أكرم الناس ، وما رأيت أكرم من أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : يا أخا العرب ، أسألك عن ثلاث مسائل ، فإن أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال ، وإن أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال ، وإن أجبت عن الكل أعطيتك الكل. فقال الأعرابي : يا ابن رسول الله ، أمثلك يسأل مثلي وأنت من أهل العلم والشرف ؟ فقال الحسين ( عليه السلام ) : بلى ، سمعت جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : المعروف بقدر المعرفة ، فقال الأعرابي : سل عما بدا لك ، فإن أجبت وإلاَّ تعلَّمت منك ، ولا قوة إلاَّ بالله. فقال الحسين ( عليه السلام ) : أيُّ الأعمال أفضل ؟ فقال الأعرابي : الإيمان بالله ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : فما النجاة من المهلكة ؟ فقال الأعرابي : الثقة بالله ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : فما يزين الرجل ؟ فقال الأعرابي : علم معه حلم ، فقال : فإن أخطأه ذلك ؟ فقال : مال معه مروءة ، فقال : فإن أخطأه ذلك ؟ فقال : فقر معه صبر ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : فإن أخطأه ذلك ؟ فقال الأعرابي : فصاعقة تنزل من السماء وتحرقه فإنه أهل لذلك. 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/189 ح 2. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/195. (193)
فضحك الحسين ( عليه السلام ) ورمى بصرّة إليه فيها ألف دينار ، وأعطاه خاتمه ، وفيه فص قيمته مائتا درهم ، وقال : يا أعرابي ، أعط الذهب إلى غرمائك ، واصرف الخاتم في نفقتك ، فأخذ الأعرابي : وقال « اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ » (1) الآية (2).
وممّا جاء في فضل زيارة الحسين ( عليه السلام ) ما رواه ابن قولويه عليه الرحمة ، عن معاوية بن وهب ، قال : استأذنت على أبي عبدالله ( عليه السلام ) فقيل لي : ادخل ، فدخلت ، فوجدته في مصلاّه في بيته ، فجلست حتى قضى صلاته ، فسمعته وهو يناجي ربَّه وهو يقول : اللهم يا من خصَّنا بالكرامة ، ووعدنا بالشفاعة ، وخصَّنا بالوصية ، وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي ، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا ، اغفر لي ولإخواني ، وزوَّار قبر أبي عبدالله الحسين ، الذين أنفقوا أموالهم ، وأشخصوا أبدانهم ، رغبة في برِّنا ، ورجاء لما عندك في صلتنا ، وسروراً أدخلوه على نبيك ، وإجابة منهم لأمرنا ، وغيظاً أدخلوه على عدوّنا ، أرادوا بذلك رضوانك ، فكافهم عنّا بالرضوان ، واكلأهم بالليل والنهار ، واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلّفوا بأحسن الخلف ، واصحبهم ، واكفهم شرَّ كل جبار عنيد ، وكل ضعيف من خلقك وشديد ، وشرَّ شياطين الإنس والجن ، وأعطهم أفضل ما أمّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم ، وما آثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم. اللهم إن أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم ، فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا خلافاً منهم على من خالفنا ، فارحم تلك الوجوه التي غيَّرتها الشمس ، وارحم تلك الخدود التي تتقلَّب على حفرة أبي عبدالله الحسين ( عليه السلام ) ، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا ، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا ، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا ، اللهم إني أستودعك تلك الأبدان وتلك 1 ـ سورة الأنعام ، الآية : 24. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/196 ح 11. (194)
الأنفس ، حتى توافيهم (1).
ولله درّ الشيخ محمد علي اليعقوبي عليه الرحمة إذ يقول :
جاء في كتاب المزار للمشهدي عليه الرحمة في بعض الزيارات : يا سادتي يا آل رسول الله ، إني بكم أتقرَّب إلى الله جلَّ وعلا ، بالخلاف على الذين غدروا بكم ، ونكثوا بيعتكم ، وجحدوا ولايتكم ، وأنكروا منزلتكم ، وخلعوا ربقة طاعتكم ، وهجروا أسباب مودّتكم ، وتقرَّبوا إلى فراعنتهم بالبراءة منكم ، والإعراض عنكم ، ومنعوكم من إقامة الحدود ، واستئصال الجحود ، وشعب الصدع ، ولمّ الشعث ، وسدّ الخلل ، وتثقيف الأود ، وإمضاء الأحكام ، وتهذيب الإسلام ، وقمع الآثام ، وأرهجوا عليكم نقع الحروب والفتن ، وأنحوا عليكم سيوف الأحقاد ، وهتكوا منكم الستور ، وابتاعوا بخمسكم الخمور ، وصرفوا صدقات المساكين إلى 1 ـ كامل الزيارات ، ابن قولويه : 228 ـ 229 ح 2. 2 ـ الشيخ اليعقوبي دراسة نقدية في شعره ، الدكتور عبد الصاحب الموسوي : 346. (195)
المضحكين والساخرين (1) ولله درّ السيد محمد حسين القزويني عليه الرحمة إذ يقول في استنهاض الإمام الحجة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف :
فلمَّا ورد كتابه على الحسين ( عليه السلام ) وقرأه رماه من يده ، ثم قال : لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فقال له الرسول : جواب الكتاب أبا 1 ـ المزار ، محمد بن المشهدي : 295 ـ 296. 2 ـ مثير الأحزان ، الجواهري : 116. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|