|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(196)
عبدالله ؟! فقال ( عليه السلام ) : ما له عندي جواب ، لأنه قد حقَّت عليه كلمة العذاب ، فرجع الرسول إليه فخبَّره بذلك ، فغضب عدوّ الله من ذلك أشدَّ الغضب ، والتفت إلى عمر ابن سعد وأمره بقتال الحسين ( عليه السلام ) ، وقد كان ولاَّه الريَّ قبل ذلك ، فاستعفى عمر من ذلك ، فقال ابن زياد : فاردد إلينا عهدنا ، فاستمهله ، ثم قبل بعد يوم خوفاً عن أن يُعزل عن ولاية الريّ.
وقال الشيخ المفيد عليه الرحمة : فلمّا كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد ابن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف فارس ، فنزل بنينوى ، فبعث إلى الحسين ( عليه السلام ) عروة بن قيس الأحمسي ، فقال له : ائته فسله ما الذي جاء بك ؟ وما تريد ؟ وكان عروة ممن كتب إلى الحسين ( عليه السلام ) ، فاستحيى منه أن يأتيه ، فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه ، وكلّهم أبى ذلك وكرهه. فقام إليه كثير بن عبدالله الشعبي ـ وكان فارساً شجاعاً لا يردّ وجهه شيء ـ فقال له : أنا أذهب إليه ، والله لئن شئت لأفتكنَّ به ، فقال له عمر بن سعد : ما أريد أن تفتك به ، ولكن ائته فسله ما الذي جاء به ؟ فأقبل كثير إليه ، فلمّا رآه أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين ( عليه السلام ) : أصلحك الله يا أبا عبدالله! قد جاءك شرّ أهل الأرض وأجرأه على دم وأفتكه ، وقام إليه فقال له : ضع سيفك ، قال : لا والله ولا كرامة ، إنما أنا رسول ، إن سمعتم كلامي بلَّغتكم ما أرسلت به إليكم ، وإن أبيتم انصرفت عنكم ، قال : فإني آخذ بقائم سيفك ثم تكلَّم بحاجتك ، قال : لا والله لا تمسّه ، فقال له : أخبرني بما جئت به وأنا أبلِّغه عنك ، ولا أدعك تدنو منه ، فإنك فاجر ، فاستبَّا وانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر. فدعا عمر بن سعد قرة بن قيس الحنظلي ، فقال له : ويحك ، الق حسيناً فسله ما جاء به ؟ وماذا يريد ؟ فأتاه قرّة فلمّا رآه الحسين ( عليه السلام ) مقبلا قال : أتعرفون هذا ؟ فقال حبيب بن مظاهر : هذا رجل من حنظلة تميم ، وهو ابن أختنا ، وقد كنت (197)
أعرفه بحسن الرأي ، وما كنت أراه يشهد هذا المشهد ، فجاء حتى سلَّم على الحسين ( عليه السلام ) وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : كتب إليَّ أهل مصركم هذا أن اقدم ، فأمَّا إذا كرهتموني فأنا أنصرف عنكم ، فقال حبيب بن مظاهر : ويحك يا قرة ، أين تذهب ؟ إلى القوم الظالمين ؟ انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيَّدك الله بالكرامة ، فقال له قرة : أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي ، فانصرف إلى عمر بن سعد وأخبره الخبر ، فقال عمر بن سعد : أرجو أن يعافيني الله من حربه وقتاله.
وكتب إلى عبيدالله بن زياد : بسم الله الرّحمن الرّحيم ، أمّا بعد ، فإني حيث نزلت بالحسين ( عليه السلام ) بعثت إليه رسولي فسألته عمَّا أقدمه وماذا يطلب ؟ فقال : كتب إليَّ أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم ، ويسألوني القدوم إليهم ففعلت ، فأمَّا إذا كرهوني ، وبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم ، فأنا منصرف عنهم. قال حسان بن قائد العبسي : وكنت عند عبيدالله بن زياد حين أتاه هذا الكتاب ، فلمَّا قرأه قال :
فلمَّا ورد الجواب على عمر بن سعد قال : خشيت أن لا يقبل ابن زياد العافية (1). وقال محمد بن أبي طالب : فلم يعرض ابن سعد على الحسين ( عليه السلام ) ما أرسل به ابن زياد ، لأنه علم أن الحسين ( عليه السلام ) لا يبايع يزيد أبداً ، قال : ثم جمع ابن زياد 1 ـ الإرشاد ، المفيد : 2/84 ـ 86 ، بحار الأنوار ، المجلسي 44/383 ـ 385. (198)
الناس في جامع الكوفة ، ثمَّ خرج فصعد المنبر ، ثم قال : أيها الناس ، إنكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبّون ، وهذا أمير المؤمنين يزيد ، قد عرفتموه حسن السيرة ، محمود الطريقة ، محسناً إلى الرعية ، يعطي العطاء في حقّه ، قد أمنت السبل على عهده ، وكذلك كان أبوه معاوية في عصره ، وهذا ابنه يزيد من بعده ، يكرم العباد ، ويغنيهم بالأموال ، ويكرمهم ، وقد زادكم في أرزاقكم مائة مائة ، وأمرني أن أوفرها عليكم ، وأخرجكم إلى حرب عدوّه الحسين ، فاسمعوا له وأطيعوا.
ثم نزل عن المنبر ، ووفَّر الناس العطاء ، وأمرهم أن يخرجوا إلى حرب الحسين ( عليه السلام ) ، ويكونوا عوناً لابن سعد على حربه ، فأول من خرج شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف ، فصار ابن سعد في تسعة آلاف ، ثم أتبعه بيزيد بن ركاب الكلبي في ألفين ، والحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف ، وفلاناً المازني في ثلاثة آلاف ، ونصر بن فلان في ألفين ، فذلك عشرون ألفاً. ثم أرسل إلى شبث بن ربعي أن أقبل إلينا ، وإنا نريد أن نوجِّه بك إلى حرب الحسين ( عليه السلام ) ، فتمارض شبث ، وأراد أن يعفيه ابن زياد ، فأرسل إليه : أمَّا بعد فإن رسولي أخبرني بتمارضك ، وأخاف أن تكون من الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم ، إنما نحن مستهزؤن ، إن كنت في طاعتنا فأقبل إلينا مسرعاً. فأقبل إليه شبث بعد العشاء لئلا ينظر إلى وجهه فلا يرى عليه أثر العلة ، فلما دخل رحَّب به وقرَّب مجلسه ، وقال : أحبّ أن تشخص إلى قتال هذا الرجل عوناً لابن سعد عليه ، فقال : أفعل أيها الأمير ، فما زال يرسل إليه بالعساكر حتى تكامل عنده ثلاثون ألفاً ما بين فارس وراجل ، ثمَّ كتب إليه ابن زياد : إني لم أجعل لك علة في كثرة الخيل والرجال ، فانظر لا أصبح ولا أمسي إلاّ وخبرك عندي غدوة وعشية ، وكان ابن ياد يستحثّ عمر بن سعد لستة أيام مضين من المحرم. (199)
وأقبل حبيب بن مظاهر إلى الحسين ( عليه السلام ) فقال : يا ابن رسول الله ، ههنا حي من بني أسد بالقرب منا ، أتأذن لي في المصير إليهم فأدعوهم إلى نصرتك ، فعسى الله أن يدفع بهم عنك ؟ قال : قد أذنت لك ، فخرج حبيب إليهم في جوف الليل متنكراً حتى أتى إليهم ، فعرفوه أنه من بني أسد ، فقالوا : ما حاجتك ؟ فقال : إني قد أتيتكم بخير ما أتى به وافد إلى قوم ، أتيتكم أدعوكم إلى نصر ابن بنت نبيكم ( صلى الله عليه وآله ) ، فإنه في عصابة من المؤمنين ، الرجل منهم خير من ألف رجل ، لن يخذلوه ولن يسلموه أبداً ، وهذا عمر بن سعد قد أحاط به ، وأنتم قومي وعشيرتي ، وقد أتيتكم بهذه النصيحة ، فأطيعوني اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدنيا والآخرة ، فإني أقسم بالله لا يُقتل أحد منكم في سبيل الله مع ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صابراً محتسباً إلاَّ كان رفيقاً لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) في عليين ، قال : فوثب إليه رجل من بني أسد ـ يقال له عبدالله بن بشر ـ فقال : أنا أول من يجيب إلى هذه الدعوة ، ثم جعل يرتجز ويقول :
(200)
لا طاقة لهم بالقوم ، فانهزموا راجعين إلى حيِّهم ، ثم إنهم ارتحلوا في جوف الليل خوفاً من ابن سعد أن يبيِّتهم ، ورجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين ( عليه السلام ) فخبَّره بذلك فقال ( عليه السلام ) : لا حول ولا قوة إلا بالله (1) ولله درّ الشيخ حسين بن محمد الدندن الأحسائي عليه الرحمة إذ يقول :
قال بعض الرواة : ثم توجَّه ( عليه السلام ) نحو القوم ، وجعل ينظر يميناً وشمالا ، فلم ير أحداً من أصحابه وأنصاره إلاَّ من صافح التراب جبينه ، ومن قطع الحمام أنينه ، فنادى ( عليه السلام ) : يا مسلم بن عقيل ، ويا هاني بن عروة ، ويا حبيب بن مظاهر ، ويا 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/386. 2 ـ مجلة تراثنا ، مؤسسة آل البيت : عدد 29/ ص 190. (201)
زهير بن القين ، ويا يزيد بن مظاهر ، ويا يحيى بن كثير ، ويا هلال بن نافع ، ويا إبراهيم بن الحصين ، ويا عمير بن المطاع ، ويا أسد الكلبي ، ويا عبدالله بن عقيل ، ويا مسلم بن عوسجة ، ويا داود بن الطرماح ، ويا حر الرياحي ، ويا علي بن الحسين ، ويا أبطال الصفا ، ويا فرسان الهيجاء ، مالي أناديكم فلا تجيبوني ، وأدعوكم فلا تسمعوني ؟! أنتم نيام أرجوكم تنتبهون ، أم حالت مودتكم عن إمامكم فلا تنصرونه ؟! فهذه نساء الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لفقدكم قد علاهنّ النحول ، فقوموا من نومتكم أيها الكرام ، وادفعوا عن حرم الرسول الطغاة اللئام ، ولكن صرعكم والله ريب المنون ، وغدر بكم الدهر الخؤون ، وإلاَّ لما كنتم عن دعوتي تقصرون ، ولا عن نصرتي تحتجبون ، فها نحن عليكم مفتجعون ، وبكم لاحقون ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
وروى أبو مخنف أنه ( عليه السلام ) أنشأ يقول :
1 ـ ناسخ التواريخ : 2/377 ، معالي السبطين : 2/19 ، مقتل الحسين ( عليه السلام ) أبو مخنف : 133. (202)
جاء في الزيارة الناحية الشريفة : السلام عليكم يا خير أنصار ، السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ، بوَّأكم الله مبوَّأ الأبرار ، أشهد لقد كشف الله لكم الغطاء ، ومهَّد لكم الوطاء ، وأجزل لكم العطاء ، وكنتم عن الحق غير بطاء ، وأنتم لنا فرطاء ، ونحن لكم خلطاء ، في دار البقاء ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (2). روي عن أنس بن الحارث رضى الله تعالى عنه قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إن ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يقتل بأرض من العراق ، فمن أدركه منكم فلينصره ، قال : فقتل أنس مع الحسين ( عليه السلام ) (3). وعن أشعث بن عثمان ، عن أبيه ، عن أنس بن أبي سحيم قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إن ابني هذا يقتل بأرض العراق ، فمن أدركه منكم فلينصره ، فحضر أنس مع الحسين كربلا وقتل معه (4). وعُنِّف ابن عباس على تركه الحسين ( عليه السلام ) فقال : إن أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلا ، ولم يزيدوا رجلا ، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم. وقال محمد بن الحنفية : وإن أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء 1 ـ رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 708 ـ 709. 2 ـ إقبال الأعمال ، السيد ابن طاووس الحسني : 3/80. 3 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 18/141. 4 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/247. (203)
آبائهم (1).
قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : فأمَّا أصحاب الحسين ( عليه السلام ) فإنهم مدفونون حوله ، ولسنا نحصِّل لهم أجداثاً ، والحائر محيط بهم (2). وروي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يوماً مع جماعة من أصحابه مارّاً في بعض الطريق ، وإذا هم بصبيان يلعبون في ذلك الطريق ، فجلس النبي ( صلى الله عليه وآله ) عند صبيّ منهم وجعل يقبِّل ما بين عينيه ويلاطفه ، ثم أقعده على حجره وكان يكثر تقبيله ، فسُئل عن علة ذلك فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إني رأيت هذا الصبيَّ يوماً يلعب مع الحسين ، ورأيته يرفع التراب من تحت قدميه ويمسح به وجهه وعينيه ، فأنا أحبُّه لحبِّه لولدي الحسين ، ولقد أخبرني جبرئيل أنه يكون من أنصاره في وقعة كربلاء (3). وروى الراوندي عليه الرحمة ، عن الثمالي قال : قال علي بن الحسين ( عليه السلام ) : كنت مع أبي في الليلة التي قتل في صبيحتها ، فقال لأصحابه : هذا الليل فاتّخذوه جُنَّة ، فإن القوم إنما يريدونني ، ولو قتلوني لم يلتفتوا إليكم ، وأنتم في حلٍّ وسعة ، فقالوا : والله لا يكون هذا أبداً ، فقال : إنكم تُقتلون غداً كلكم ، ولا يفلت منكم رجل ، قالوا : الحمد لله الذي شرَّفنا بالقتل معك. ثمَّ دعا فقال لهم : ارفعوا رؤوسكم وانظروا ، فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنة ، وهو يقول لهم : هذا منزلك يا فلان ، فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزلته من الجنة (4). وعن ابن عمارة ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قلت له : أخبرني عن أصحاب الحسين ( عليه السلام ) وإقدامهم على الموت ، فقال : إنهم كُشف لهم الغطاء حتى 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/185. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/199. 3 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/242 ح 36. 4 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/297 ـ 298. (204)
رأوا منازلهم من الجنة ، فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها ، وإلى مكانه من الجنة.
ولله درّ الشاعر الأديب الأكمل السيد محمد المعروف بأبي الفلفل الخطي عليه الرحمة إذ يقول ـ ولقد أجاد في ذلك ـ :
1 ـ نفثة المصدور ، الشيخ عباس القمي : 629 ، سعادة الدارين فيما يتعلق بالحسين ( عليه السلام ) الشيخ حسين القديحي : 296. 2 ـ الدمعة الساكبة ، البهبهاني : 4/278. (205)
والضرّاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة ، فأيُّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر ؟ وما هو لأعدائكم إلاَّ كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب.
إن أبي حدَّثني عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن الدنيا سجن المؤمن وجنَّة الكافر ، والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم ، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم ، ما كَذبت ولا كُذبت. ولله درّ السيد حيدر الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ مثير الأحزان ، الجواهري : 116. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/297 ـ 298. (206)
رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها ، فما كنا فاعلين ؟! (1).
وروى الراوندي عليه الرحمة ، عن جابر ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال الحسين بن علي ( عليهما السلام ) لأصحابه قبل أن يقتل : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : يا بنيَّ ، إنك ستساق إلى العراق ، وهي أرض قد التقى بها النبيون ، وأوصياء النبيين ، وهي أرض تُدعى عمورا ، وإنك تستشهد بها ، ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مسِّ الحديد ، وتلا : « قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ » تكون الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً ، فأبشروا ، فوالله لئن قتلونا فإنّا نرد على نبينا ( صلى الله عليه وآله ) (2). فلله درّهم ، إذ نصروا الحسين ( عليه السلام ) وقاتلوا بين يديه فرحين مستبشرين ، ولله درّ الشاعر إذ يقول :
وقال محمد بن أبي طالب : فسقط إلى الأرض وبه رمق ، فمشى إليه الحسين ( عليه السلام ) ومعه حبيب بن مظاهر ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : رحمك الله يا مسلم ، فـ « مِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا » ثمَّ دنا منه حبيب فقال : يعزّ عليَّ مصرُعك يا مسلم ، أبشر بالجنة ، فقال له قولا ضعيفاً : بشَّرك الله بخير ، فقال له حبيب : لولا أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إليَّ بكل ما أهمَّك ، فقال 1 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 3/263. 2 ـ الخرائج والجرائح ، الراوندي : 2/848 ح 63. (207)
مسلم : فإني أوصيك بهذا ـ وأشار إلى الحسين ( عليه السلام ) ـ فقاتل دونه حتى تموت ، فقال حبيب : لأنعمنّك عيناً ، ثم مات رضوان الله عليه
ومنهم ذلك الصبيّ الصغير الذي قتل أبوه في المعركة ، وكانت أمه معه ، فقالت له أمُّه : اخرج يا بني ، وقاتل بين يدي ابن رسول الله! فخرج فقال الحسين ( عليه السلام ) : هذا شابٌّ قُتل أبوه ، ولعلّ أمه تكره خروجه ، فقال الشاب : أمي أمرتني بذلك ، فبرز وهو يقول :
1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/19 ـ 20. (208)
وضربت رجلين فقتلتهما ، فأمر الحسين ( عليه السلام ) بصرفها ودعا لها (1).
عظم الله أجوركم أيها المؤمنون ، وأحسن الله لكم العزاء ، فما حال الحسين ( عليه السلام ) لما قُتل أصحابه ، وبقي بعدهم وحيداً ، بلا ناصر ولا معين ، وهو يراهم صرعى على بوغاء كربلاء مضرَّجين بدمائهم ، وهو يستغيث فلا يغاث ، ولله درّ السيد محمد حسين القزويني عليه الرحمة إذ يقول :
روي مما زار به جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله تعالى عنه الشهداء في 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/27 ـ 28. 2 ـ مثير الأحزان ، الجواهري : 111. (209)
يوم الأربعين قال : السلام عليكم أيّتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين ، وأناخت برحله ، وأشهد أنكم أقمتم الصلاة ، وآتيتم الزكاة ، وأمرتم بالمعروف ، ونهيتم عن المنكر ، وجاهدتم الملحدين ، وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين ، والذي بعث محمداً بالحقّ نبياً لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه قال عطية : فقلت له : يا جابر ، كيف ولم نهبط وادياً ولم نعلُ جبلا ولم نضرب بسيف ، والقوم قد فُرِّق بين رؤوسهم وأبدانهم ، وأوتمت أولادهم ، وأرملت أزواجهم ؟ فقال لي : يا عطية ، سمعت حبيبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : من أحبَّ قوماً حُشر معهم ، ومن أحبَّ عمل قوم أشرك في عملهم ، والذي بعث محمداً بالحق نبياً ، إن نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه (1).
1 ـ بشارة المصطفى ، محمد بن علي الطبري : 125 ـ 126. 2 ـ قال المجلسي عليه الرحمة في البحار : ( توضيح : قوله : اختلف أعناق فرسيهما ، أي كانت تجيء وتذهب ، وتتقدَّم وتتأخَّر ، كما هو شأن الفرس الذي يريد صاحبه أن يقف وهو يمتنع ، أو المعنى : حاذى عنقاهما على الخلاف ). (210)
رشيد : رحم الله ميثماً ، نسي : ويُزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم ، ثمَّ أدبر ، فقال القوم : هذا والله أكذبهم ، فقال القوم : والله ما ذهبت الأيام والليالي حتّى رأيناه مصلوباً على باب دار عمرو بن حريث ، وجيء برأس حبيب بن مظاهر وقد قتل مع الحسين ( عليه السلام ) ، ورأينا كل ما قالوا.
وكان حبيب ( عليه السلام ) من السبعين الرجال الذين نصروا الحسين ( عليه السلام ) ، ولقوا جبال الحديد ، واستقبلوا الرماح بصدورهم ، والسيوف بوجوههم ، وهم يُعرض عليهم الأمان والأموال فيأبون ، فيقولون : لا عذر لنا عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إن قتل الحسين ( عليه السلام ) ومنّا عينٌ تطرف ، حتى قُتلوا حوله. ولقد مزح حبيب بن مظاهر الأسدي ( عليه السلام ) ، فقال له يزيد بن حصين الهمداني ـ وكان يقال له سيِّد القرّاء ـ : يا أخي ، ليس هذه بساعة ضحك ، قال : فأيُّ موضع أحق من هذا بالسرور ؟ والله ما هو إلاَّ أن تميل علينا هذه الطغام بسيوفهم فنعانق الحور العين (1). جاء في كتاب إبصار العين أن حبيب بن مظاهر الأسدي ( عليه السلام ) كان صحابياً رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ونزل الكوفة ، وصحب علياً ( عليه السلام ) في حروبه كلّها ، وكان من خاصّته وحملة علومه ، ولما ورد مسلم بن عقيل إلى الكوفة ، ونزل دار المختار وأخذت الشيعة تختلف إليه جعل حبيب ومسلم بن عوسجة يأخذان البيعة للحسين ( عليه السلام ) في الكوفة ، حتى إذا دخل عبيدالله بن زياد الكوفة ، وخذَّل أهلها عن مسلم ( عليه السلام ) وفرَّ أنصاره حبسهما وأخفاهما عشائرهما ، فلمَّا ورد الحسين ( عليه السلام ) كربلاء خرج حبيب ومسلم إليه مختفيين ، يسيران الليل ويكمنان النهار حتى وصلا إليه (2). وروى الدربندي عليه الرحمة في كتابه أسرار الشهادة ، قال : روي أن 1 ـ اختيار معرفة الرجال الطوسي : 292 ـ 293 ح 133 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 45/92 ـ 93 ح 33. 2 ـ إبصار العين في أنصار الحسين ( عليه السلام ) ، السماوي : 100 ـ 102. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|