المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 196 ـ 210
(196)
عبدالله ؟! فقال ( عليه السلام ) : ما له عندي جواب  ، لأنه قد حقَّت عليه كلمة العذاب  ، فرجع الرسول إليه فخبَّره بذلك  ، فغضب عدوّ الله من ذلك أشدَّ الغضب  ، والتفت إلى عمر ابن سعد وأمره بقتال الحسين ( عليه السلام )   ، وقد كان ولاَّه الريَّ قبل ذلك  ، فاستعفى عمر من ذلك  ، فقال ابن زياد : فاردد إلينا عهدنا  ، فاستمهله  ، ثم قبل بعد يوم خوفاً عن أن يُعزل عن ولاية الريّ.
    وقال الشيخ المفيد عليه الرحمة : فلمّا كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد ابن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف فارس  ، فنزل بنينوى  ، فبعث إلى الحسين ( عليه السلام ) عروة بن قيس الأحمسي  ، فقال له : ائته فسله ما الذي جاء بك ؟ وما تريد ؟ وكان عروة ممن كتب إلى الحسين ( عليه السلام )   ، فاستحيى منه أن يأتيه  ، فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه  ، وكلّهم أبى ذلك وكرهه.
    فقام إليه كثير بن عبدالله الشعبي ـ وكان فارساً شجاعاً لا يردّ وجهه شيء ـ فقال له : أنا أذهب إليه  ، والله لئن شئت لأفتكنَّ به  ، فقال له عمر بن سعد : ما أريد أن تفتك به  ، ولكن ائته فسله ما الذي جاء به ؟ فأقبل كثير إليه  ، فلمّا رآه أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين ( عليه السلام ) : أصلحك الله يا أبا عبدالله! قد جاءك شرّ أهل الأرض وأجرأه على دم وأفتكه  ، وقام إليه فقال له : ضع سيفك  ، قال : لا والله ولا كرامة  ، إنما أنا رسول  ، إن سمعتم كلامي بلَّغتكم ما أرسلت به إليكم  ، وإن أبيتم انصرفت عنكم  ، قال : فإني آخذ بقائم سيفك ثم تكلَّم بحاجتك  ، قال : لا والله لا تمسّه  ، فقال له : أخبرني بما جئت به وأنا أبلِّغه عنك  ، ولا أدعك تدنو منه  ، فإنك فاجر  ، فاستبَّا وانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر.
    فدعا عمر بن سعد قرة بن قيس الحنظلي  ، فقال له : ويحك  ، الق حسيناً فسله ما جاء به ؟ وماذا يريد ؟ فأتاه قرّة فلمّا رآه الحسين ( عليه السلام ) مقبلا قال : أتعرفون هذا ؟ فقال حبيب بن مظاهر : هذا رجل من حنظلة تميم  ، وهو ابن أختنا  ، وقد كنت


(197)
أعرفه بحسن الرأي  ، وما كنت أراه يشهد هذا المشهد  ، فجاء حتى سلَّم على الحسين ( عليه السلام ) وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : كتب إليَّ أهل مصركم هذا أن اقدم   ، فأمَّا إذا كرهتموني فأنا أنصرف عنكم  ، فقال حبيب بن مظاهر : ويحك يا قرة  ، أين تذهب ؟ إلى القوم الظالمين ؟ انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيَّدك الله بالكرامة  ، فقال له قرة : أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي  ، فانصرف إلى عمر بن سعد وأخبره الخبر  ، فقال عمر بن سعد : أرجو أن يعافيني الله من حربه وقتاله.
    وكتب إلى عبيدالله بن زياد : بسم الله الرّحمن الرّحيم  ، أمّا بعد  ، فإني حيث نزلت بالحسين ( عليه السلام ) بعثت إليه رسولي فسألته عمَّا أقدمه وماذا يطلب ؟ فقال : كتب إليَّ أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم  ، ويسألوني القدوم إليهم ففعلت  ، فأمَّا إذا كرهوني  ، وبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم  ، فأنا منصرف عنهم.
    قال حسان بن قائد العبسي : وكنت عند عبيدالله بن زياد حين أتاه هذا الكتاب  ، فلمَّا قرأه قال :
الآن إِذْ عَلِقَتْ مَخَالِبُنَا به يرجو النَّجَاةَ وَلاَتَ حينَ مَنَاصِ
    وكتب إلى عمر بن سعد : أمَّا بعد  ، فقد بلغني كتابك  ، وفهمت ما ذكرت  ، فاعرض على الحسين ( عليه السلام ) أن يبايع ليزيد هو وجميع أصحابه  ، فإذا فعل ذلك رأينا رأينا  ، والسلام.
    فلمَّا ورد الجواب على عمر بن سعد قال : خشيت أن لا يقبل ابن زياد العافية (1).
    وقال محمد بن أبي طالب : فلم يعرض ابن سعد على الحسين ( عليه السلام ) ما أرسل به ابن زياد  ، لأنه علم أن الحسين ( عليه السلام ) لا يبايع يزيد أبداً  ، قال : ثم جمع ابن زياد
1 ـ الإرشاد  ، المفيد : 2/84 ـ 86  ، بحار الأنوار  ، المجلسي 44/383 ـ 385.

(198)
الناس في جامع الكوفة  ، ثمَّ خرج فصعد المنبر  ، ثم قال : أيها الناس  ، إنكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبّون  ، وهذا أمير المؤمنين يزيد  ، قد عرفتموه حسن السيرة  ، محمود الطريقة  ، محسناً إلى الرعية  ، يعطي العطاء في حقّه  ، قد أمنت السبل على عهده  ، وكذلك كان أبوه معاوية في عصره  ، وهذا ابنه يزيد من بعده  ، يكرم العباد  ، ويغنيهم بالأموال  ، ويكرمهم  ، وقد زادكم في أرزاقكم مائة مائة  ، وأمرني أن أوفرها عليكم  ، وأخرجكم إلى حرب عدوّه الحسين  ، فاسمعوا له وأطيعوا.
    ثم نزل عن المنبر  ، ووفَّر الناس العطاء  ، وأمرهم أن يخرجوا إلى حرب الحسين ( عليه السلام )   ، ويكونوا عوناً لابن سعد على حربه  ، فأول من خرج شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف  ، فصار ابن سعد في تسعة آلاف  ، ثم أتبعه بيزيد بن ركاب الكلبي في ألفين  ، والحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف  ، وفلاناً المازني في ثلاثة آلاف  ، ونصر بن فلان في ألفين  ، فذلك عشرون ألفاً.
    ثم أرسل إلى شبث بن ربعي أن أقبل إلينا  ، وإنا نريد أن نوجِّه بك إلى حرب الحسين ( عليه السلام )   ، فتمارض شبث  ، وأراد أن يعفيه ابن زياد  ، فأرسل إليه : أمَّا بعد فإن رسولي أخبرني بتمارضك  ، وأخاف أن تكون من الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا  ، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم  ، إنما نحن مستهزؤن  ، إن كنت في طاعتنا فأقبل إلينا مسرعاً.
    فأقبل إليه شبث بعد العشاء لئلا ينظر إلى وجهه فلا يرى عليه أثر العلة  ، فلما دخل رحَّب به وقرَّب مجلسه  ، وقال : أحبّ أن تشخص إلى قتال هذا الرجل عوناً لابن سعد عليه  ، فقال : أفعل أيها الأمير  ، فما زال يرسل إليه بالعساكر حتى تكامل عنده ثلاثون ألفاً ما بين فارس وراجل  ، ثمَّ كتب إليه ابن زياد : إني لم أجعل لك علة في كثرة الخيل والرجال  ، فانظر لا أصبح ولا أمسي إلاّ وخبرك عندي غدوة وعشية  ، وكان ابن ياد يستحثّ عمر بن سعد لستة أيام مضين من المحرم.


(199)
    وأقبل حبيب بن مظاهر إلى الحسين ( عليه السلام ) فقال : يا ابن رسول الله  ، ههنا حي من بني أسد بالقرب منا  ، أتأذن لي في المصير إليهم فأدعوهم إلى نصرتك  ، فعسى الله أن يدفع بهم عنك ؟ قال : قد أذنت لك  ، فخرج حبيب إليهم في جوف الليل متنكراً حتى أتى إليهم  ، فعرفوه أنه من بني أسد  ، فقالوا : ما حاجتك ؟ فقال : إني قد أتيتكم بخير ما أتى به وافد إلى قوم  ، أتيتكم أدعوكم إلى نصر ابن بنت نبيكم ( صلى الله عليه وآله )   ، فإنه في عصابة من المؤمنين  ، الرجل منهم خير من ألف رجل  ، لن يخذلوه ولن يسلموه أبداً  ، وهذا عمر بن سعد قد أحاط به  ، وأنتم قومي وعشيرتي  ، وقد أتيتكم بهذه النصيحة  ، فأطيعوني اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدنيا والآخرة  ، فإني أقسم بالله لا يُقتل أحد منكم في سبيل الله مع ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صابراً محتسباً إلاَّ كان رفيقاً لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) في عليين  ، قال : فوثب إليه رجل من بني أسد ـ يقال له عبدالله بن بشر ـ فقال : أنا أول من يجيب إلى هذه الدعوة  ، ثم جعل يرتجز ويقول :
قد علم القومُ إذا تواكلوا أني شجاعٌ بطلٌ مُقَاتِلُ وأحجم الفرسانُ إذ تناقلوا كأنني ليثُ عرين بَاسِلُ
    ثم تبادر رجال الحي حتى التأم منهم تسعون رجلا  ، فأقبلوا يريدون الحسين ( عليه السلام )   ، وخرج رجل في ذلك الوقت من الحيّ حتى صار إلى عمر بن سعد فأخبره بالحال  ، فدعا ابن سعد برجل من أصحابه يقال له الأزرق فضمَّ إليه أربعمائة فارس  ، ووجَّه نحو حي بني أسد  ، فبينما أولئك القوم قد أقبلوا يريدون عسكر الحسين ( عليه السلام ) في جوف الليل إذا استقبلهم خيل ابن سعد على شاطىء الفرات  ، وبينهم وبين عسكر الحسين ( عليه السلام ) اليسير  ، فناوش القوم بعضهم بعضاً  ، واقتتلوا قتالا شديداً  ، وصاح حبيب بن مظاهر بالأزرق : ويلك  ، مالك ومالنا ؟ انصرف عنا  ، ودعنا يشقى بنا غيرك  ، فأبى الأزرق أن يرجع  ، وعلمت بنو أسد أنه


(200)
لا طاقة لهم بالقوم  ، فانهزموا راجعين إلى حيِّهم  ، ثم إنهم ارتحلوا في جوف الليل خوفاً من ابن سعد أن يبيِّتهم  ، ورجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين ( عليه السلام ) فخبَّره بذلك فقال ( عليه السلام ) : لا حول ولا قوة إلا بالله (1) ولله درّ الشيخ حسين بن محمد الدندن الأحسائي عليه الرحمة إذ يقول :
فأتى إلى وادي الطفوفِ بفتية مُضَريَّة غُلْب نَمَاها هاشمٌ وتنادبت للذَّبِّ عنه عُصبَةٌ من كلِّ أشوسَ يرتوي فَيْضَ الدِّمَا حتَّى قضوا عطشاً بماضيهِ الظُّبا فَدَعَاهُمُ يَا أُسْدَ غَابَاتِ الوَغَى وَغَدَا وحيداً لم يَجِدْ من ناصر تَرِدُ الرَّدَى بنفوسِهَا تَفْدِيهِ كبني أبيه وعمِّه وأخيهِ لبَّت نُفُوسُهُمُ نِدَا دَاعِيهِ وَشَبَا الحُسَامِ من الطُّلاَ يُرْوِيهِ أَرْوَاهُمُ من نَحْرِهِمْ هَامِيهِ لِمَنِ اللِّوى مِنْ بَعْدِكُمْ أُعْطِيهِ غيرَ السِّنَانِ وصارم يَحْمِيهِ (2)
    عظَّم الله لكم الأجر أيها المؤمنون  ، وأحسن الله لكم العزاء في مصاب الحسين ( عليه السلام )   ، وهكذا ضيَّق عليه أهل النفاق والشقاق  ، ومنعوا أن يصل إليه أحد لنصرته  ، وبقي مع هؤلاء الثلّة من أصحابه  ، وكانوا نيِّفاً وسبعين رجلا  ، وأهل بيته ( عليهم السلام ) وكانوا سبعة عشر رجلا  ، فلهفي على الحسين ( عليه السلام ) لما صُرِّع أصحابه يوم العاشر من المحرَّم  ، وبقي بعدهم ( عليه السلام ) وحيداً فريداً  ، لا ناصر له ولا معين  ، يستغيث فلا يغاث  ، ويرى أصحابه صرعى على بوغاء كربلاء.
    قال بعض الرواة : ثم توجَّه ( عليه السلام ) نحو القوم  ، وجعل ينظر يميناً وشمالا  ، فلم ير أحداً من أصحابه وأنصاره إلاَّ من صافح التراب جبينه  ، ومن قطع الحمام أنينه  ، فنادى ( عليه السلام ) : يا مسلم بن عقيل  ، ويا هاني بن عروة  ، ويا حبيب بن مظاهر  ، ويا
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/386.
2 ـ مجلة تراثنا  ، مؤسسة آل البيت : عدد 29/ ص 190.


(201)
زهير بن القين  ، ويا يزيد بن مظاهر  ، ويا يحيى بن كثير  ، ويا هلال بن نافع  ، ويا إبراهيم بن الحصين  ، ويا عمير بن المطاع  ، ويا أسد الكلبي  ، ويا عبدالله بن عقيل  ، ويا مسلم بن عوسجة  ، ويا داود بن الطرماح  ، ويا حر الرياحي  ، ويا علي بن الحسين  ، ويا أبطال الصفا  ، ويا فرسان الهيجاء  ، مالي أناديكم فلا تجيبوني  ، وأدعوكم فلا تسمعوني ؟! أنتم نيام أرجوكم تنتبهون  ، أم حالت مودتكم عن إمامكم فلا تنصرونه ؟! فهذه نساء الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لفقدكم قد علاهنّ النحول  ، فقوموا من نومتكم أيها الكرام  ، وادفعوا عن حرم الرسول الطغاة اللئام  ، ولكن صرعكم والله ريب المنون  ، وغدر بكم الدهر الخؤون  ، وإلاَّ لما كنتم عن دعوتي تقصرون  ، ولا عن نصرتي تحتجبون  ، فها نحن عليكم مفتجعون  ، وبكم لاحقون  ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
    وروى أبو مخنف أنه ( عليه السلام ) أنشأ يقول :
قومٌ إذا نُودُوا لِدَفْع مُلِمَّة لَبسوا القُلُوبَ على الدروعِ وأقبلوا نصروا الحسينَ فيالها من فتية والخيلُ بين مُدَعَّس وَمُكَرْدَسِ يَتَهَافتون على ذَهَابِ الأَنْفُسِ عَافُوا الحياةَ وأُلبسوا من سُنْدُسِ (1)
    ولله درّ الحاج طه العرادي رحمه الله تعالى إذ يقول في هؤلاء الفتية الأمجاد :
وَسَلْ حِمَى كربلا عن حَالِ مَنْ قُتِلُوا لهفي على فئة عن عُقْرِها نَزَحَتْ لهفي لها في مَحَاني الطفِّ لِنَاكِلِها قَدْ أصبحت بَعْدَها قفرى الرُّسُومُ وقد للهِ أقمارُ تَمٍّ يُستضاءُ بها وَاضَيْعَةَ الجودِ والمعروفِ بَعْدَهُمُ فيها فكم قد حَوَتْ منهم مَحَانيها أضحت مَعَالِمُها تبكي مَعَاليها وَيْلٌ لِخَاذِلها بُعْداً لشانيها كانت بها سحراً تزهو مَغَانيها في المُبْهَمَاتِ تَهَاوَت في مَهَاويها واخَيْبَةَ الْوَفْدِ بل وَاذُلَّ عَانِيها

1 ـ ناسخ التواريخ : 2/377  ، معالي السبطين : 2/19  ، مقتل الحسين ( عليه السلام ) أبو مخنف : 133.

(202)
وَاوَحْشَةَ الحَرْبِ والمحرابِ إذ عَدِما مَنْ مُبْلِغُ الزُّهْدِ والتقوى بأَنْ هُدِمَتْ مِنْ بَعْدِهِم باكياً أو باسماً فيها تلك القَوَاعِدُ وانهارت مَبَانيها (1)

    جاء في الزيارة الناحية الشريفة : السلام عليكم يا خير أنصار  ، السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار  ، بوَّأكم الله مبوَّأ الأبرار  ، أشهد لقد كشف الله لكم الغطاء  ، ومهَّد لكم الوطاء  ، وأجزل لكم العطاء  ، وكنتم عن الحق غير بطاء  ، وأنتم لنا فرطاء  ، ونحن لكم خلطاء  ، في دار البقاء  ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (2).
    روي عن أنس بن الحارث رضى الله تعالى عنه قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إن ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يقتل بأرض من العراق  ، فمن أدركه منكم فلينصره  ، قال : فقتل أنس مع الحسين ( عليه السلام ) (3).
    وعن أشعث بن عثمان  ، عن أبيه  ، عن أنس بن أبي سحيم قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إن ابني هذا يقتل بأرض العراق  ، فمن أدركه منكم فلينصره  ، فحضر أنس مع الحسين كربلا وقتل معه (4).
    وعُنِّف ابن عباس على تركه الحسين ( عليه السلام ) فقال : إن أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلا  ، ولم يزيدوا رجلا  ، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم.
    وقال محمد بن الحنفية : وإن أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء
1 ـ رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 708 ـ 709.
2 ـ إقبال الأعمال  ، السيد ابن طاووس الحسني : 3/80.
3 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 18/141.
4 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/247.


(203)
آبائهم (1).
    قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : فأمَّا أصحاب الحسين ( عليه السلام ) فإنهم مدفونون حوله  ، ولسنا نحصِّل لهم أجداثاً  ، والحائر محيط بهم (2).
    وروي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يوماً مع جماعة من أصحابه مارّاً في بعض الطريق  ، وإذا هم بصبيان يلعبون في ذلك الطريق  ، فجلس النبي ( صلى الله عليه وآله ) عند صبيّ منهم وجعل يقبِّل ما بين عينيه ويلاطفه  ، ثم أقعده على حجره وكان يكثر تقبيله  ، فسُئل عن علة ذلك فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إني رأيت هذا الصبيَّ يوماً يلعب مع الحسين  ، ورأيته يرفع التراب من تحت قدميه ويمسح به وجهه وعينيه  ، فأنا أحبُّه لحبِّه لولدي الحسين  ، ولقد أخبرني جبرئيل أنه يكون من أنصاره في وقعة كربلاء (3).
    وروى الراوندي عليه الرحمة  ، عن الثمالي قال : قال علي بن الحسين ( عليه السلام ) : كنت مع أبي في الليلة التي قتل في صبيحتها  ، فقال لأصحابه : هذا الليل فاتّخذوه جُنَّة  ، فإن القوم إنما يريدونني  ، ولو قتلوني لم يلتفتوا إليكم  ، وأنتم في حلٍّ وسعة  ، فقالوا : والله لا يكون هذا أبداً  ، فقال : إنكم تُقتلون غداً كلكم  ، ولا يفلت منكم رجل  ، قالوا : الحمد لله الذي شرَّفنا بالقتل معك.
    ثمَّ دعا فقال لهم : ارفعوا رؤوسكم وانظروا  ، فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنة  ، وهو يقول لهم : هذا منزلك يا فلان  ، فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزلته من الجنة (4).
    وعن ابن عمارة  ، عن أبيه  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قلت له : أخبرني عن أصحاب الحسين ( عليه السلام ) وإقدامهم على الموت  ، فقال : إنهم كُشف لهم الغطاء حتى
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/185.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/199.
3 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/242 ح 36.
4 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/297 ـ 298.


(204)
رأوا منازلهم من الجنة  ، فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها  ، وإلى مكانه من الجنة.
    ولله درّ الشاعر الأديب الأكمل السيد محمد المعروف بأبي الفلفل الخطي عليه الرحمة إذ يقول ـ ولقد أجاد في ذلك ـ :
وذوو المروَّةِ والوَفَا أنصارُهُ طَهُرَتْ نفوسُهُمُ لطيبِ أُصُولِها فتمثَّلَتْ لَهُمُ القُصُورُ وَمَا بِهِمْ مَا شَاقَهُمْ للموتِ إلاَّ دَعْوَةُ الـ لَهُمُ على جيشِ اللئامِ زئيرُ فَعَنَاصِرٌ طَابت لهم وحُجُورُ لولا تمثَّلتِ القُصُورُ قُصُورُ رحمنِ لاَ وِلْدَانُها والحُورُ (1)
    وقال آخر :
وبيَّتوه وقد ضاق الفسيحُ بِهِ حتَّى إذا الحربُ فيهم من غَد كَشَفَتْ تبادرت فتيةٌ من دونِهِ غُرَرٌ كأنَّما يُجتنى حُلْوَاً لأنفسِهِمْ تراءت الحُورُ في أعلى القُصُورِ لهم منهم على مَوْعِد من دونِهِ العَطَلُ عن سَاقِها وَذَكَا من وَقْدِهَا شعلُ شُمُّ العرانينِ مَا مَالُوا ولا نَكَلُوا دُوْنَ المنونِ من الْعَسَّالَةِ العَسَلُ كشفاً فهان عليهم فيه ما بذلوا (2)
    وروي عن أبي جعفر الثاني  ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال علي بن الحسين ( عليه السلام ) : لما اشتدَّ الأمر بالحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم  ، لأنهم كلمّا اشتدَّ الأمر تغيَّرت ألوانهم  ، وارتعدت فرائصهم ووجلت قلوبهم  ، وكان الحسين ( عليه السلام ) وبعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم  ، وتهدأ جوارحهم  ، وتسكن نفوسهم. فقال بعضهم لبعض : انظروا لا يبالي بالموت  ، فقال لهم الحسين ( عليه السلام ) : صبراً بني الكرام  ، فما الموت إلاَّ قنطرة تعبر بكم عن البؤس
1 ـ نفثة المصدور  ، الشيخ عباس القمي : 629  ، سعادة الدارين فيما يتعلق بالحسين ( عليه السلام ) الشيخ حسين القديحي : 296.
2 ـ الدمعة الساكبة  ، البهبهاني : 4/278.


(205)
والضرّاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة  ، فأيُّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر ؟ وما هو لأعدائكم إلاَّ كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب.
    إن أبي حدَّثني عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن الدنيا سجن المؤمن وجنَّة الكافر  ، والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم  ، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم  ، ما كَذبت ولا كُذبت.
    ولله درّ السيد حيدر الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
عفيراً متى عاينتُه الكُماة فما أجلت الحربُ عن مِثلِه يَختطفُ الرعبُ ألوانَها صريعاً يُجبنُ شجعانَها
    ولله درّ السيد محمد حسين القزويني عليه الرحمة إذ يقول أيضاً :
وآثَرَ أَنْ يسعى إلى الموتِ صابراً فأمضى على الرمضاءِ شِلْواً تناهبت قضى بين أطرافِ الأسنَّةِ ظامئاً فلهفي عليه فوقَ ساليةِ الثَّرَى ونفسُ أبيِّ الضيمِ شيمتُها الصبرُ حَشَاه العَوَالي والمهنَّدةُ البُتْرُ بحرِّ حشاً من دون غلَّتِها الجمرُ على جِسْمِهِ تجري المسوَّمَةُ الضُّمْرُ (1)
    وروى أبو بصير  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : ما من شهيد إلاَّ وهو يحبُّ لو أن الحسين بن علي ( عليهما السلام ) حيٌّ حتى يدخلون الجنة معه (2) وقال بعض الرواة : قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد : ويحك! أقتلتم ذرّيّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فقال : عضضت بالجندل  ، إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا  ، ثارت علينا عصابة  ، أيديها في مقابض سيوفها  ، كالأسود الضارية  ، تحطِّم الفرسان يميناً وشمالا  ، وتلقي أنفسها على الموت  ، لا تقبل الأمان  ، ولا ترغب في المال  ، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية  ، أو الاستيلاء على الملك  ، فلو كففنا عنها
1 ـ مثير الأحزان  ، الجواهري : 116.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/297 ـ 298.


(206)
رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها  ، فما كنا فاعلين ؟! (1).
    وروى الراوندي عليه الرحمة  ، عن جابر  ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال الحسين بن علي ( عليهما السلام ) لأصحابه قبل أن يقتل : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : يا بنيَّ  ، إنك ستساق إلى العراق  ، وهي أرض قد التقى بها النبيون  ، وأوصياء النبيين  ، وهي أرض تُدعى عمورا  ، وإنك تستشهد بها  ، ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مسِّ الحديد  ، وتلا : « قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ » تكون الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً  ، فأبشروا  ، فوالله لئن قتلونا فإنّا نرد على نبينا ( صلى الله عليه وآله ) (2).
    فلله درّهم  ، إذ نصروا الحسين ( عليه السلام ) وقاتلوا بين يديه فرحين مستبشرين  ، ولله درّ الشاعر إذ يقول :
نصروا ابنَ بنتِ نبيِّهم طُوبى لهم نالوا بنُصْرَتِهِ مَرَاتِبَ ساميه
    ومن هؤلاء الأنصار مسلم بن عوسجة رضوان الله عليه  ، الذي أوصى بالحسين ( عليه السلام ) حياً وميتاً  ، قال الراوي : ثم حمل عمرو بن الحجاج لعنه الله في ميمنته من نحو الفرات  ، فاضطربوا ساعة  ، فصُرع مسلم بن عوسجة  ، وانصرف عمرو وأصحابه  ، وانقطعت الغبرة فإذا مسلم صريع!
    وقال محمد بن أبي طالب : فسقط إلى الأرض وبه رمق  ، فمشى إليه الحسين ( عليه السلام ) ومعه حبيب بن مظاهر  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : رحمك الله يا مسلم  ، فـ « مِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا » ثمَّ دنا منه حبيب فقال : يعزّ عليَّ مصرُعك يا مسلم  ، أبشر بالجنة  ، فقال له قولا ضعيفاً : بشَّرك الله بخير  ، فقال له حبيب : لولا أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إليَّ بكل ما أهمَّك  ، فقال
1 ـ شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 3/263.
2 ـ الخرائج والجرائح  ، الراوندي : 2/848 ح 63.


(207)
مسلم : فإني أوصيك بهذا ـ وأشار إلى الحسين ( عليه السلام ) ـ فقاتل دونه حتى تموت  ، فقال حبيب : لأنعمنّك عيناً  ، ثم مات رضوان الله عليه
أَوْصَى ابنُ عوسجة حبيباً قال قا نصروه أحياءاً وعند مَمَاتِهِمْ تِلْ دُوْنَهَ حتى الحِمَامَ تَذُوقا يُوْصِي بنُصْرَتِهِ الشفيقُ شفيقا
    قال : وصاحت جارية له : يا سيّداه  ، يا ابن عوسجتاه  ، فنادى أصحاب ابن سعد مستبشرين  ، قتلنا مسلم بن عوسجة  ، فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله : ثكلتكم أمهاتكم  ، أما إنكم تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذلّون عزّكم  ، أتفرحون بقتل مسلم بن عوسجة ؟ أما والذي أسلمت له لرُبَّ موقف له في المسلمين كريم  ، لقد رأيته يوم آذربيجان قتل ستة من المشركين قبل أن تلتام خيول المسلمين (1).
    ومنهم ذلك الصبيّ الصغير الذي قتل أبوه في المعركة  ، وكانت أمه معه  ، فقالت له أمُّه : اخرج يا بني  ، وقاتل بين يدي ابن رسول الله! فخرج فقال الحسين ( عليه السلام ) : هذا شابٌّ قُتل أبوه  ، ولعلّ أمه تكره خروجه  ، فقال الشاب : أمي أمرتني بذلك  ، فبرز وهو يقول :
أميري حسينٌ ونِعْمَ الأميرْ عليٌّ وفاطمةٌ وَالِدَاه له طَلْعَةٌ مِثْلُ شَمْسِ الضُّحَى سُرُورُ فُؤَادِ البشيرِ النذيرْ فَهَلْ تعلمون له من نظير له غُرَّةٌ مِثْلُ بَدْر مُنيرْ
    وقاتل حتى قُتل وجُزَّ رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين ( عليه السلام )   ، فحملت أمه رأسه وقالت : أحسنت يا بنيَّ  ، يا سرور قلبي ويا قرّة عيني  ، ثمَّ رمت برأس ابنها رجلا فقتلته  ، وأخذت عمود خيمته  ، وحملت عليهم وهي تقول :
أنا عَجُوزٌ سيِّدي ضعيفه أضربُكُمْ بضربة عنيفه خاويةٌ باليةٌ نحيفه دون بني فاطمةَ الشريفه

1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/19 ـ 20.

(208)
    وضربت رجلين فقتلتهما  ، فأمر الحسين ( عليه السلام ) بصرفها ودعا لها (1).
    عظم الله أجوركم أيها المؤمنون  ، وأحسن الله لكم العزاء  ، فما حال الحسين ( عليه السلام ) لما قُتل أصحابه  ، وبقي بعدهم وحيداً  ، بلا ناصر ولا معين  ، وهو يراهم صرعى على بوغاء كربلاء مضرَّجين بدمائهم  ، وهو يستغيث فلا يغاث  ، ولله درّ السيد محمد حسين القزويني عليه الرحمة إذ يقول :
وأضحى يُديرُ السبطُ عينيه لا يرى أحاطت به سبعون ألفاً فردَّها وقام عَدِيمُ النصرِ بين جُمُوعِهِم إلى أن هوى لِلأرْضِ شِلْواً مبضَّعاً هوى فهوى التوحيدُ وانطمس الهدى له اللهُ مفطورَ الفؤادِ من الظَّمَا ثوى في هجيرِ الشمسِ وهو معفَّرٌ وأضحت عوادي الخيلِ من فَوْقِ صَدْرِهِ وهاتفة من جَانِبِ الخِدْرِ ثاكل سوى جُثَث منهم على التُّرْبِ رُكَّدِ شَوَارِدَ أَمْثَالَ النّعامِ المشرَّد وحيداً يحامي عن شريعةِ أحمدِ ولم يُرْوَ من حَرِّ الظما قَلْبُهُ الصَّدِي وحُلَّت عُرَى الدينِ الحنيفِ المشيَّدِ صريعاً على وَجْهِ الثرى المتوقِّدِ تظلِّلُه سُمْرُ القنا المتقصِّدِ تروحُ إلى كَرِّ الطِّرَادِ وتغتدي بَدَتْ وهي حسرى تَلْطُمُ الخدَّ باليدِ (2)

    روي مما زار به جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله تعالى عنه الشهداء في
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/27 ـ 28.
2 ـ مثير الأحزان  ، الجواهري : 111.


(209)
يوم الأربعين قال : السلام عليكم أيّتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين  ، وأناخت برحله  ، وأشهد أنكم أقمتم الصلاة  ، وآتيتم الزكاة  ، وأمرتم بالمعروف  ، ونهيتم عن المنكر  ، وجاهدتم الملحدين  ، وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين  ، والذي بعث محمداً بالحقّ نبياً لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه قال عطية : فقلت له : يا جابر  ، كيف ولم نهبط وادياً ولم نعلُ جبلا ولم نضرب بسيف  ، والقوم قد فُرِّق بين رؤوسهم وأبدانهم  ، وأوتمت أولادهم  ، وأرملت أزواجهم ؟ فقال لي : يا عطية  ، سمعت حبيبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : من أحبَّ قوماً حُشر معهم  ، ومن أحبَّ عمل قوم أشرك في عملهم  ، والذي بعث محمداً بالحق نبياً  ، إن نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه (1).
صالوا وجالوا وأدَّوا حَقَّ سيِّدِهِم وَشَاقَهُم ثَمَرُ العُقْبَى فأصبح في في مَوْقِف عقَّ فيه الوَالِدَ الوَلَدُ صُدُورِهم شَجَرُ الخطيِّ يَخْتَضِدُ
    روى الكشي عليه الرحمة  ، عن فضيل بن الزبير قال : مرَّ ميثم التمار على فرس له  ، فاستقبل حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد  ، فتحدَّثا حتى اختلف أعناق فرسيهما (2)   ، ثم قال حبيب : لكأني بشيخ أصلع ضخم البطن  ، يبيع البطيخ عند دار الرزق  ، قد صُلب في حبِّ أهل بيت نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ويُبقر بطنه على الخشبة  ، فقال ميثم : وإني لأعرف رجلا أحمر  ، له ضفيرتان  ، يخرج لنصرة ابن بنت نبيه ( صلى الله عليه وآله )   ، ويُقتل ويُجال برأسه بالكوفة  ، ثم افترقا  ، فقال أهل المجلس : ما رأينا أحداً أكذب من هذين  ، قال : فلم يفترق أهل المجلس حتّى أقبل رشيد الهجري يطلبهما  ، فسأل أهل المجلس عنهما فقالوا : افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا  ، فقال
1 ـ بشارة المصطفى  ، محمد بن علي الطبري : 125 ـ 126.
2 ـ قال المجلسي عليه الرحمة في البحار : ( توضيح : قوله : اختلف أعناق فرسيهما  ، أي كانت تجيء وتذهب  ، وتتقدَّم وتتأخَّر  ، كما هو شأن الفرس الذي يريد صاحبه أن يقف وهو يمتنع  ، أو المعنى : حاذى عنقاهما على الخلاف ).


(210)
رشيد : رحم الله ميثماً  ، نسي : ويُزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم  ، ثمَّ أدبر  ، فقال القوم : هذا والله أكذبهم  ، فقال القوم : والله ما ذهبت الأيام والليالي حتّى رأيناه مصلوباً على باب دار عمرو بن حريث  ، وجيء برأس حبيب بن مظاهر وقد قتل مع الحسين ( عليه السلام )   ، ورأينا كل ما قالوا.
    وكان حبيب ( عليه السلام ) من السبعين الرجال الذين نصروا الحسين ( عليه السلام )   ، ولقوا جبال الحديد  ، واستقبلوا الرماح بصدورهم  ، والسيوف بوجوههم  ، وهم يُعرض عليهم الأمان والأموال فيأبون  ، فيقولون : لا عذر لنا عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إن قتل الحسين ( عليه السلام ) ومنّا عينٌ تطرف  ، حتى قُتلوا حوله.
    ولقد مزح حبيب بن مظاهر الأسدي ( عليه السلام )   ، فقال له يزيد بن حصين الهمداني ـ وكان يقال له سيِّد القرّاء ـ : يا أخي  ، ليس هذه بساعة ضحك  ، قال : فأيُّ موضع أحق من هذا بالسرور ؟ والله ما هو إلاَّ أن تميل علينا هذه الطغام بسيوفهم فنعانق الحور العين (1).
    جاء في كتاب إبصار العين أن حبيب بن مظاهر الأسدي ( عليه السلام ) كان صحابياً رأى النبي ( صلى الله عليه وآله )   ، ونزل الكوفة  ، وصحب علياً ( عليه السلام ) في حروبه كلّها  ، وكان من خاصّته وحملة علومه  ، ولما ورد مسلم بن عقيل إلى الكوفة  ، ونزل دار المختار وأخذت الشيعة تختلف إليه جعل حبيب ومسلم بن عوسجة يأخذان البيعة للحسين ( عليه السلام ) في الكوفة  ، حتى إذا دخل عبيدالله بن زياد الكوفة  ، وخذَّل أهلها عن مسلم ( عليه السلام ) وفرَّ أنصاره حبسهما وأخفاهما عشائرهما  ، فلمَّا ورد الحسين ( عليه السلام ) كربلاء خرج حبيب ومسلم إليه مختفيين  ، يسيران الليل ويكمنان النهار حتى وصلا إليه (2).
    وروى الدربندي عليه الرحمة في كتابه أسرار الشهادة  ، قال : روي أن
1 ـ اختيار معرفة الرجال الطوسي : 292 ـ 293 ح 133  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/92 ـ 93 ح 33.
2 ـ إبصار العين في أنصار الحسين ( عليه السلام )   ، السماوي : 100 ـ 102.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس