المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 226 ـ 240
(226)
حدث مني ؟ فنزل إليه جبرئيل وقال : يا إبراهيم  ، ما حدث منك ذنب  ، ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء  ، وابن خاتم الأوصياء  ، فسال دمك موافقة لدمه. قال : يا جبرئيل  ، ومن يكون قاتله ؟ قال : لعين أهل السماوات والأرضين  ، والقلم جرى على اللوح بلعنه بغير إذن ربِّه  ، فأوحى الله تعالى إلى القلم : إنك استحققت الثناء بهذا اللعن.
    فرفع إبراهيم ( عليه السلام ) يديه ولعن يزيد لعناً كثيراً  ، وأمَّن فرسه بلسان فصيح  ، فقال إبراهيم لفرسه : أيَّ شيء عرفت حتى تؤمِّن على دعائي ؟ فقال : يا إبراهيم  ، أنا أفتخر بركوبك عليَّ  ، فلما عثرت وسقطت عن ظهري عظمت خجلتي  ، وكان سبب ذلك من يزيد لعنه الله تعالى.
    وروي أن إسماعيل كانت أغنامه ترعى بشط الفرات  ، فأخبره الراعي أنها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوماً  ، فسأل ربَّه عن سبب ذلك فنزل جبرئيل وقال : يا إسماعيل  ، سل غنمك فإنها تجيبك عن سبب ذلك  ، فقال لها : لم لا تشربين من هذا الماء ؟ فقالت بلسان فصيح : قد بلغنا أن ولدك الحسين ( عليه السلام ) سبط محمد يقتل هنا عطشاناً  ، فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حزناً عليه  ، فسألها عن قاتله فقالت : يقتله لعين أهل السماوات والأرضين والخلائق أجمعين  ، فقال إسماعيل : اللهم العن قاتل الحسين ( عليه السلام ).
فعزَّ أن تتلظَّى بينهم عَطَشاً والماءُ يَصْدُرُ عنه الوَحْشُ رَيَّانَا
    وقال آخر :
منعوه شُرْبَ الماءِ لاشَرِبُوا غداً من كفِّ والدِهِ البطينِ الأنزعِ
    ولله درّ ابن العرندس عليه الرحمة إذ يقول :
أيُقْتَلُ ظمآناً حسينٌ بكربلا وفي كلِّ عضو من أناملِهِ بَحْرُ


(227)
ووالدُهُ الساقي على الحوضِ في غَد وفاطمةٌ ماءُ الفُرَاتِ لها مَهْرُ (1)
    وروي أن موسى كان ذات يوم سائراً ومعه يوشع بن نون  ، فلمّا جاء إلى أرض كربلا انخرق نعله  ، وانقطع شراكه  ، ودخل الحسك في رجليه  ، وسال دمه  ، فقال : إلهي  ، أيَّ شيء حدث مني ؟ فأوحى إليه أن هنا يقتل الحسين ( عليه السلام ) وهنا يُسفك دمه  ، فسال دمك موافقة لدمه  ، فقال : ربِّ  ، ومن يكون الحسين ؟ فقيل له : هو سبط محمد المصطفى  ، وابن علي المرتضى  ، فقال : ومن يكون قاتله ؟ فقيل : هو لعين السمك في البحار  ، والوحوش في القفار  ، والطير في الهواء  ، فرفع موسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه  ، وأمَّن يوشع بن نون على دعائه  ، ومضى لشأنه (2).
    قال الراوي : وحكي أن موسى بن عمران رآه إسرائيلي مستعجلا  ، وقد كسته الصفرة  ، واعترى بدنه الضعف  ، وحكم بفرائصه الرجف  ، وقد اقشعرَّ جسمه  ، وغارت عيناه ونحف  ، لأنه كان إذا دعاه ربُّه للمناجاة يصير عليه ذلك من خيفة الله تعالى  ، فعرفه الإسرائيلي وهو ممن آمن به  ، فقال له : يا نبيَّ الله  ، أذنبتُ ذنباً عظيماً فاسأل ربَّك أن يعفو عني  ، فأنعم وسار  ، فلمَّا ناجى ربه قال له : يا ربَّ العالمين  ، أسألك وأنت العالم قبل نطقي به  ، فقال تعالى : يا موسى  ، ما تسألني أعطيك  ، وما تريد أبلّغك  ، قال : ربّ  ، إن فلاناً عبدك الإسرائيلي أذنب ذنباً ويسألك العفو  ، قال : يا موسى  ، أعفو عمَّن استغفرني إلاَّ قاتل الحسين  ، قال موسى : يا ربّ  ، ومن الحسين ؟ قال له : الذي مرَّ ذكره عليك بجانب الطور  ، قال : يا رب  ، ومن يقتله ؟ قال يقتله أمّة جدّه الباغية الطاغية في أرض كربلا  ، وتنفر فرسه وتحمحم وتصهل  ، وتقول في صهيلها : الظليمة الظليمة من أمّة قتلت ابن بنت نبيها  ، فيبقى ملقىً على الرمال من غير غسل ولا كفن  ، وينهب رحله  ، وتسبي نساؤه
1 ـ الغدير  ، الأميني : 7/15.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/242 ـ 244.


(228)
في البلدان  ، ويقتل ناصره  ، وتشهَّر رؤوسهم مع رأسه على أطراف الرماح  ، يا موسى! صغيرهم يميته العطش  ، وكبيرهم جلده منكمش  ، يستغيثون ولا ناصر  ، ويستجيرون ولا خافر.
    قال : فبكى موسى ( عليه السلام ) وقال : يا ربّ وما لقاتليه من العذاب ؟ قال : يا موسى  ، عذاب يستغيث منه أهل النار بالنار  ، لا تنالهم رحمتي  ، ولا شفاعة جدّه  ، ولو لم تكن كرامة له لخسفت بهم الأرض. قال موسى : برئت إليك اللهم منهم وممن رضي بفعالهم  ، فقال سبحانه : يا موسى  ، كتبت رحمة لتابعيه من عبادي  ، واعلم أنه من بكى عليه أو أبكى أو تباكى حرَّمت جسده على النار (1).
    وروي أن سليمان كان يجلس على بساطه ويسير في الهواء  ، فمرَّ ذات يوم وهو سائر في أرض كربلا  ، فأدارت الريح بساطه ثلاث دورات حتى خاف السقوط  ، فسكنت الريح  ، ونزل البساط في أرض كربلا. فقال سليمان للريح : لم سكنت ؟ فقالت : إن هنا يقتل الحسين ( عليه السلام )   ، فقال : ومن يكون الحسين ؟ فقالت : هو سبط محمد المختار ( صلى الله عليه وآله )   ، وابن علي الكرار  ، فقال : ومن قاتله ؟ قالت : لعين أهل السماوات والأرض يزيد  ، فرفع سليمان يديه ولعنه ودعا عليه  ، وأمَّن على دعائه الإنس والجن  ، فهبّت الريح وسار البساط (2).
    وروي أن عيسى كان سائحاً في البراري ومعه الحواريون  ، فمرّوا بكربلا فرأوا أسداً كاسراً قد أخذ الطريق  ، فتقدَّم عيسى إلى الأسد  ، فقال له : لم جلست في هذا الطريق ؟ وقال : لا تدعنا نمرّ فيه ؟ فقال الأسد بلسان فصيح : إني لم أدع لكم الطريق حتى تلعنوا يزيد قاتل الحسين ( عليه السلام )   ، فقال عيسى ( عليه السلام ) : ومن يكون الحسين ؟ قال : هو سبط محمد النبيّ الأمي ( صلى الله عليه وآله )   ، وابن علي الوليّ  ، قال : ومن قاتله ؟
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/308.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/308.


(229)
قال : قاتله لعين الوحوش والذئاب والسباع أجمع خصوصاً أيام عاشورا  ، فرفع عيسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه  ، وأمَّن الحواريون على دعائه  ، فتنحَّى الأسد عن طريقهم ومضوا لشأنهم (1).
    وروى صاحب الدرّ الثمين في تفسير قوله تعالى : « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَات » أنه رأى ساق العرش وأسماء النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السلام ) فلقّنه جبرئيل قل : يا حميد بحقّ محمّد  ، يا عالي بحقّ علي  ، يا فاطر بحقّ فاطمة  ، يا محسن بحق الحسن والحسين ومنك الإحسان.
    فلمّا ذكر الحسين ( عليه السلام ) سالت دموعه وانخشع قلبه  ، وقال : يا أخي جبرئيل  ، في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي  ، قال جبرئيل : ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب  ، فقال : يا أخي  ، وما هي ؟ قال : يقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصر ولا معين  ، ولو تراه يا آدم وهو يقول : واعطشاه  ، واقلّة ناصراه  ، حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان  ، فلم يجبه أحد إلاّ بالسيوف  ، وشرب الحتوف  ، فيذبح ذبح الشاة من قفاه  ، وينهب رحله أعداؤه  ، وتشهّر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان  ، ومعهم النسوان  ، كذلك سبق في علم الواحد المنّان  ، فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثكلى (2).
    وعن علي بن محمد رفعه  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في قول الله عز وجل : « فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ » قال : حسب فرأى ما يحلّ بالحسين ( عليه السلام ) فقال : إني سقيم لما يحلّ بالحسين ( عليه السلام ) (3).
    وعن سعد بن عبدالله قال : سألت القائم ( عليه السلام ) عن تأويل « كهيعص »
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/244.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/245.
3 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/220.


(230)
قال ( عليه السلام ) : هذه الحروف من أنباء الغيب  ، أطلع الله عليها عبده زكريا  ، ثمَّ قصَّها على محمد عليه وآله السلام  ، وذلك أن زكريا سأل الله ربَّه أن يعلِّمه أسماء الخمسة  ، فأهبط عليه جبرئيل ( عليه السلام ) فعلَّمه إياها  ، فكان زكريا إذا ذكر محمداً وعلياً وفاطمة والحسن ( عليهم السلام ) سرِّي عنه همُّه  ، وانجلى كربه  ، وإذا ذكر اسم الحسين خنقته العبرة  ، ووقعت عليه البهرة  ، فقال ( عليه السلام ) ذات يوم : إلهي  ، ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسلَّيت بأسمائهم من همومي  ، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي ؟ فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصّته فقال : كهيعص  ، فالكاف اسم كربلا  ، والهاء هلاك العترة الطاهرة  ، والياء يزيد وهو ظالم الحسين  ، والعين عطشه  ، والصاد صبره.
    فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام  ، ومنع فيهن الناس من الدخول عليه  ، وأقبل على البكاء والنحيب  ، وكان يرثيه : إلهي  ، أتفجع خير جميع خلقك بولده ؟ إلهي  ، أتنزل بلوى هذه الرزيّة بفنائه ؟ إلهي  ، أتلبس علياً وفاطمة ثياب هذه المصيبة ؟ إلهي  ، أتحلّ كربة هذه المصيبة بساحتهما  ، ثمّ كان يقول : إلهي  ، ارزقني ولداً تقرّ به عيني على الكبر  ، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبِّه  ، ثم أفجعني به كما تفجع محمداً حبيبك بولده  ، فرزقه الله يحيى وفجعه به  ، وكان حمل يحيى ستة أشهر  ، وحمل الحسين ( عليه السلام ) كذلك (1).
    وعن الفضل قال : سمعت الرضا ( عليه السلام ) يقول : لما أمر الله عزّ وجلّ إبراهيم ( عليه السلام ) أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه تمنَّى إبراهيم أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده  ، وأنه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه  ، ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعزّ ولده عليه بيده  ، فيستحقّ بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب  ، فأوحى الله عزّ وجلَّ إليه : يا إبراهيم من أحبُّ خلقي إليك ؟ فقال : يا ربّ  ، ما خلقت خلقاً هو أحبُّ إليَّ من حبيبك محمد  ، فأوحى الله إليه :
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/223.

(231)
أفهو أحبُّ إليك أم نفسك ؟ قال : بل هو أحبُّ إليَّ من نفسي  ، قال : فولده أحبُّ إليك أم ولدك ؟ قال : بل ولده  ، قال : فذبح ولده ظلماً على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي ؟ قال : يا ربّ  ، بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي.
    قال : يا إبراهيم  ، فإن طائفة تزعم أنها من أمّة محمد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يذبح الكبش  ، ويستوجبون بذلك سخطي  ، فجزع إبراهيم لذلك وتوجَّع قلبه وأقبل يبكي  ، فأوحى الله عزّ وجلَّ : يا إبراهيم  ، قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل ـ لو ذبحته بيدك ـ بجزعك على الحسين وقتله  ، وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب  ، وذلك قول الله عزّ وجلَّ : « وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْح عَظِيم » (1) ولله درّ الحجة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة إذ يقول :
بالكَبْشِ قد فُدِيَ الذبيحُ وقد فدى فكأنَّما كان الفِدَاءُ ليفتدي بسليلِهِ طه الحسينَ مُبَجَّلا دينَ الإِلهِ بذبحِهِ في كَرْبَلا
    وروي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه قال : إن إسماعيل الذي قال الله عزّ وجلَّ في كتابه : « وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيّاً » لم يكن إسماعيل بن إبراهيم  ، بل كان نبياً من الأنبياء  ، بعثه الله عزّ وجلّ إلى قومه  ، فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه  ، فأتاه ملك فقال : إن الله جلّ جلاله بعثني إليك فمرني بما شئت  ، فقال : لي أسوة بما يصنع بالحسين ( عليه السلام ) (2).
    ومن تاريخ محمد النجار شيخ المحدِّثين بالمدرسة المستنصرية بإسناد مرفوع إلى أنس بن مالك  ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : لما أراد الله أن يهلك قوم نوح أوحى إليه أن شُقَّ ألواح الساج  ، فلما شقَّها لم يدر ما يصنع بها  ، فهبط جبرئيل فأراه هيئة
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/225.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/227.


(232)
السفينة  ، ومعه تابوت بها مائة ألف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار  ، فسمَّر بالمسامير كلّها السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير  ، فضرب بيده إلى مسمار فأشرق بيده  ، وأضاء كما يضيء الكوكب الدريّ في أفق السماء  ، فتحيَّر نوح  ، فأنطق الله المسمار بلسان طلق ذلق : أنا على اسم خير الأنبياء محمد بن عبدالله ( صلى الله عليه وآله ).
    فهبط جبرئيل  ، فقال له : يا جبرئيل  ، ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله ؟ فقال : هذا باسم سيّد الأنبياء محمّد بن عبدالله  ، أسمره على أوّلها على جانب السفينة الأيمن  ، ثم ضرب بيده إلى مسمار ثان فأشرق وأنار  ، فقال نوح : وما هذا المسمار ؟ فقال : هذا مسمار أخيه وابن عمه سيّد الأوصياء علي بن أبي طالب  ، فأسمره على جانب السفينة الأيسر في أوّلها  ، ثمَّ ضرب بيده إلى مسمار ثالث فزهر وأشرق وأنار  ، فقال جبرئيل : هذا مسمار فاطمة  ، فأسمره إلى جانب مسمار أبيها  ، ثم ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر وأنار  ، فقال جبرئيل : هذا مسمار الحسن  ، فأسمره إلى جانب مسمار أبيه  ، ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس فزهر وأنار وأظهر النداوة  ، فقال جبرئيل : هذا مسمار الحسين  ، فأسمره إلى جانب مسمار أبيه  ، فقال نوح : يا جبرئيل ما هذه النداوة ؟ فقال : هذا الدم  ، فذكر قصّة الحسين ( عليه السلام ) وما تعمل الأمّة به  ، فلعن الله قاتله وظالمه وخاذله (1).
    وعن بريد العجلي قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : يا ابن رسول الله  ، أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول : « وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيّاً » أكان إسماعيل بن إبراهيم ( عليهما السلام ) ؟ فإن الناس يزعمون أنه إسماعيل بن إبراهيم  ، فقال ( عليه السلام ) : إن إسماعيل مات قبل إبراهيم  ، وإن إبراهيم كان حجّة لله  ، قائداً صاحب شريعة  ، فإلى من أرسل إسماعيل إذن ؟ قلت : فمن كان جعلت فداك ؟ قال : ذاك إسماعيل بن حزقيل النبيّ  ، بعثه الله إلى قومه
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/230.

(233)
فكذَّبوه وقتلوه وسلخوا وجهه  ، فغضب الله عليهم له  ، فوجَّه إليه اسطاطائيل ملك العذاب  ، فقال له : يا إسماعيل  ، أنا اسطاطائيل ملك العذاب  ، وجَّهني ربُّ العزة إليك لأعذِّب قومك بأنواع العذاب إن شئت  ، فقال له إسماعيل : لا حاجة لي في ذلك يا اسطاطائيل.
    فأوحى الله إليه : فما حاجتك يا إسماعيل ؟ فقال إسماعيل : يا رب  ، إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية  ، ولمحمَّد بالنبوة  ، ولأوصيائه بالولاية  ، وأخبرت خير خلقك بما تفعل أمته بالحسين بن علي ( عليهما السلام ) من بعد نبيِّها  ، وإنك وعدت الحسين أن تُكِرَّه إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به  ، فحاجتي إليك يا ربّ أن تكرَّني إلى الدنيا حتى أنتقم ممن فعل ذلك بي ما فعل كما تكرُّ الحسين  ، فوعد الله إسماعيل بن حزقيل ذلك  ، فهو يكرُّ مع الحسين بن علي ( عليهما السلام ) (1).
    وعن خالد الربعي قال : حدَّثني مع من سمع كعباً يقول : أول من لعن قاتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) إبراهيم خليل الرحمن  ، وأمر ولده بذلك  ، وأخذ عليهم العهد والميثاق  ، ثمَّ لعنه موسى بن عمران وأمر أمته بذلك  ، ثمّ لعنه داود وأمر بني إسرائيل بذلك  ، ثم لعنه عيسى وأكثر أن قال : يا بني إسرائيل  ، العنوا قاتله  ، وإن أدركتم أيامه فلا تجلسوا عنه  ، فإن الشهيد معه كالشهيد مع الأنبياء  ، مقبل غير مدبر  ، وكأني أنظر إلى بقعته  ، وما من نبيٍّ إلاَّ وقد زار كربلاء  ، ووقف عليها  ، وقال : إنك لبقعة كثيرة الخير  ، فيك يدفن القمر الأزهر (2).
    ولله درّ الشيخ صالح الكواز الحلّي عليه الرحمة إذ يقول :
بكت السماءُ دماً ولم تَبْرُدْ به نَدَبَتْ لها الرُّسْلُ الكِرَامُ وَنَدْبُها كَبِدٌ ولو أنَّ النُّجُومَ عُيُونُ عن ذي المَعَارِجِ فِيهِمُ مَسْنُونُ

1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/237.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/301.


(234)
فبعينِ نوح سَالَ ما أَرْبَى على وَبِقَلْبِ إبراهيمَ ما بَرَدَتْ له ولقد هَوَى صَعِقاً لِذِكْرِ حَدِيثِها واختار يحيى أَنْ يُطَافَ بِرَأْسِهِ مَاسَارَ فيه فُلْكُهُ المشحونُ مَا سَجَّرَ النمرودُ وهو كَمِينُ موسى وهوَّن ما لَقِي هَارونُ وله التأسّي بالحسينِ يكونُ (1)

    فعلى الأطائب من أهل بيت محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما  ، فليبك الباكون  ، وإياهم فليندب النادبون  ، ولمثلهم فلتذرف الدموع  ، وليصرخ الصارخون  ، ويضجَّ الضاجّون  ، ويعجَّ العاجّون  ، أين الحسن وأين الحسين  ، أين أبناء الحسين  ، صالح بعد صالح  ، وصادق بعد صادق  ، أين السبيل بعد السبيل  ، أين الخيرة بعد الخيرة  ، أين الشموس الطالعة  ، أين الأقمار المنيرة  ، أين الأنجم الزاهرة  ، أين أعلام الدين وقواعد العلم (2).
    قال الراوي في منع القوم الماء عن الحسين ( عليه السلام ) وأهل بيته وأصحابه : ورجعت خيل ابن سعد حتى نزلوا على شاطىء الفرات  ، فحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء  ، وأضرَّ العطش بالحسين وأصحابه  ، فأخذ الحسين ( عليه السلام ) فأساً (3) وجاء إلى وراء خيمة النساء  ، فخطا في الأرض تسع عشرة خطوة نحو القبلة  ، ثمَّ حفر هناك فنبعت له عين من الماء العذب  ، فشرب الحسين ( عليه السلام ) وشرب
1 ـ رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 152.
2 ـ المزار  ، محمد بن المشهدي : 578.
3 ـ الفأس : آلة ذات هراوة قصيرة  ، يقطع بها الخشب وغيره  ، وقد يترك همزها.


(235)
الناس بأجمعهم  ، وملأوا أسقيتهم  ، ثم غارت العين  ، فلم ير لها أثر.
    وبلغ ذلك ابن زياد فأرسل إلى عمر بن سعد : بلغني أن الحسين ( عليه السلام ) يحفر الآبار  ، ويصيب الماء  ، فيشرب هو وأصحابه  ، فانظر إذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت  ، وضيِّق عليهم  ، ولا تدعهم يذوقوا الماء  ، وافعل بهم كما فعلوا بالزكيِّ عثمان  ، فعندها ضيَّق عمر بن سعد عليهم غاية التضييق.
    فلمّا اشتدَّ العطش بالحسين ( عليه السلام ) دعا بأخيه العباس ( عليه السلام ) فضمَّ إليه ثلاثين فارساً وعشرين راكباً  ، وبعث معه عشرين قربة  ، فأقبلوا في جوف الليل حتى دنوا من الفرات  ، فقال عمرو بن الحجاج : من أنتم ؟ فقال رجل من أصحاب الحسين ( عليه السلام )   ، يقال له هلال بن نافع البجلي : ابن عم لك جئت أشرب من هذا الماء  ، فقال عمرو : اشرب هنيئاً  ، فقال هلال : ويحك  ، تأمرني أن أشرب والحسين بن علي ومن معه يموتون عطشاً ؟ فقال عمرو : صدقت  ، ولكن أُمرنا بأمر لابد أن ننتهي إليه  ، فصاح هلال بأصحابه فدخلوا الفرات  ، وصاح عمرو بالناس واقتتلوا قتالا شديداً  ، فكان قوم يقاتلون  ، وقوم يملأون حتى ملأوها  ، ولم يقتل من أصحاب الحسين أحد  ، ثمَّ رجع القوم إلى معسكرهم  ، فشرب الحسين ومن كان معه  ، ولذلك سمِّي العباس ( عليه السلام ) السقَّاء.
    ثمَّ أرسل الحسين ( عليه السلام ) إلى عمر بن سعد لعنه الله : أني أريد أن أكلِّمك فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك  ، فخرج إليه ابن سعد في عشرين  ، وخرج إليه الحسين في مثل ذلك  ، فلمَّا التقيا أمر الحسين ( عليه السلام ) أصحابه فتنحّوا عنه  ، وبقي معه أخوه العباس  ، وابنه علي الأكبر  ، وأمر عمر بن سعد أصحابه فتنحّوا عنه  ، وبقي معه ابنه حفص وغلام له.
    فقال له الحسين ( عليه السلام ) : ويلك يا ابن سعد  ، أما تتقي الله الذي إليه معادك ؟ أتقاتلني وأنا ابن من علمت ؟ ذر هؤلاء القوم وكن معي  ، فإنه أقرب لك إلى الله


(236)
تعالى  ، فقال عمر بن سعد : أخاف أن يُهدم داري  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : أنا أبنيها لك  ، فقال : أخاف أن تؤخذ ضيعتي  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : أنا أخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز  ، فقال : لي عيال وأخاف عليهم  ، ثم سكت ولم يجبه إلى شيء  ، فانصرف عنه الحسين ( عليه السلام ) وهو يقول : مالك ؟ ذبحك الله على فراشك عاجلا  ، ولا غفر لك يوم حشرك  ، فوالله إني لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلاّ يسيراً  ، فقال ابن سعد : في الشعير كفاية عن البرِّ  ، مستهزئاً بذلك القول.
    قال الشيخ المفيد عليه الرحمة  ، وورد كتاب ابن زياد في الأثر إلى عمر بن سعد أن : حُلْ بين الحسين وأصحابه وبين الماء  ، ولا يذوقوا منه قطرة كما صُنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان  ، فبعث عمر بن سعد في الوقت عمرو بن الحجاج في خمسمائة فارس  ، فنزلوا على الشريعة  ، وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء  ، ومنعوهم أن يُسقوا منه قطرة  ، وذلك قبل قتل الحسين ( عليه السلام ) بثلاثة أيام.
    ونادى عبدالله بن حصين الأزدي ـ وكان عداده في بجيلة ـ قال بأعلى صوته : يا حسين! ألا تنظرون إلى الماء كأنه كبد السماء  ، والله لا تذوقون منه قطرة واحدة  ، حتى تموتوا عطشاً  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : اللهم اقتله عطشا  ، ولا تغفر له أبداً  ، قال حميد بن مسلم : والله لعدته في مرضه بعد ذلك  ، فو الله الذي لا إله غيره  ، لقد رأيته يشرب الماء حتى يبغر (1) ثمَّ يقيئه ويصيح : العطش العطش  ، ثمَّ يعود ويشرب حتى يبغر  ، ثمَّ يقيئه ويتلظَّى عطشاً  ، فما زال ذلك دأبه حتى لفظ نفسه.
    ولما رأى الحسين ( عليه السلام ) نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى ومددهم لقتاله  ، أنفذ إلى عمر بن سعد : أنني أريد أن ألقاك  ، فاجتمعا ليلا  ، فتناجيا طويلا  ، ثمَّ رجع عمر إلى مكانه  ، وكتب إلى عبيدالله بن زياد : أمّا بعد  ، فإن الله قد أطفأ النائرة  ، وجمع الكلمة  ، وأصلح أمر الأمة  ، هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى
1 ـ يقال : بغر البعير وكذا الرجل ـ كقطع وعلم ـ بغراً : شرب فلم يرو  ، فهو بغير وبغر.

(237)
المكان الذي منه أتى  ، أو أن يسير إلى ثغر من الثغور  ، فيكون رجلا من المسلمين  ، له مالهم  ، وعليه ما عليهم (1).
    وروي أن عقبة بن السمعان قال : صحبت الحسين من المدينة إلى العراق  ، ولم أزل معه إلى أن قتل  ، والله ما سمعته قال ذلك (2).
    فلمّا قرأ عبيدالله الكتاب قال : هذا كتاب ناصح مشفق على قومه  ، فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال : أتقبل هذا منه  ، وقد نزل بأرضك وأتى جنبك ؟ والله لئن رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك  ، ليكوننَّ أولى بالقوَّة  ، ولتكوننَّ أولى بالضعف والعجز  ، فلا تعطه هذه المنزلة  ، فإنها من الوهن  ، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه  ، فإن عاقبت فأنت أولى بالعقوبة  ، وإن عفوت كان ذلك لك.
    فقال ابن زياد : نعم ما رأيت! الرأي رأيك  ، اخرج بهذا الكتاب إلى عمر ابن سعد فليعرض على الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه النزول على حكمي  ، فإن فعلوا فليبعث بهم إليَّ سلماً  ، وإن هم أبوا فليقاتلهم  ، فإن فعل فاسمع له وأطع  ، وإن أبى أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش  ، فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه.
    وكتب إلى عمر بن سعد : لم أبعثك إلى الحسين لتكفَّ عنه  ، ولا لتطاوله  ، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء  ، ولا لتعتذر عنه  ، ولا لتكون له عندي شفيعاً  ، انظر فإن نزل حسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم إليَّ سلماً  ، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثِّل بهم  ، فإنهم لذلك مستحقون  ، فإن قتلت حسيناً فأوطىء الخيل صدره وظهره  ، فإنه عات ظلوم  ، ولست أرى أن هذا يضرُّ بعد الموت شيئاً  ، ولكن عليَّ قول قد قلته لو قد قتلته لفعلت هذا به  ، فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع  ، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا  ، وخلَّ بين شمر بن
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/387 ـ 390.
2 ـ تذكرة الخواص  ، سبط ابن الجوزي : 224.


(238)
ذي الجوشن وبين العسكر  ، فإنّا قد أمرناه بأمرنا والسلام.
    فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيدالله بن زياد إلى عمر بن سعد  ، فلمَّا قدم عليه وقرأه قال له عمر : مالك ويلك ؟ لاقرَّب الله دارك  ، وقبَّح الله ما قدمت به عليَّ  ، والله إني لأظنك نهيته عما كتبت به إليه  ، وأفسدت علينا أمراً قد كنّا رجونا أن يصلح  ، لا يستسلم والله حسين  ، إن نفس أبيه لبين جنبيه  ، فقال له شمر : أخبرني ما أنت صانع  ، أتمضي لأمر أميرك وتقاتل عدوَّه ؟ وإلاّ فخلّ بيني وبين الجند والعسكر  ، قال : لا ولا كرامة لك  ، ولكن أنا أتولَّى ذلك  ، فدونك فكن أنت على الرجَّالة.
    ونهض عمر بن سعد إلى الحسين ( عليه السلام ) عشية الخميس لتسع مضين من المحرم  ، وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين ( عليه السلام ) وقال : أين بنو أختنا ؟ (1) فخرج إليه جعفر والعباس وعبدالله وعثمان بنو علي ( عليه السلام ) فقالوا : ما تريد ؟ فقال : أنتم يا بني أختي آمنون  ، فقال له الفئة : لعنك الله ولعن أمانك  ، أتؤمننا وابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لا أمان له (2).
    قال الشيخ جعفر النقدي عليه الرحمة : وقد صحَّ أن العباس ( عليه السلام ) فعل الأفاعيل العجيبة  ، وقتل الفرسان العظام  ، وأتى بالماء مراراً متعدّدة لأهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وفي كتاب أسرار الشهادة للفاضل الدربندي عليه الرحمة ـ عند ذكر شهادة العباس ( عليه السلام ) ـ : قيل : أتى زهير إلى عبدالله بن جعفر بن عقيل قبل أن يُقتل فقال : يا أخي  ، ناولني الراية  ، فقال له عبدالله : أو فيَّ قصور عن حملها ؟ قال : لا  ، ولكن لي بها حاجة  ، قال : فدفعها إليه  ، وأخذها زهير وأتى  ، فجاء إلى العباس
1 ـ وذلك لأن أم البنين بنت حزام ـ أم العباس وعثمان وجعفر وعبدالله ـ كانت كلابية  ، وشمر ابن ذي الجوشن كلابي  ، ولذا أخذ من ابن زياد أماناً لبنيها  ، وذكر ابن جرير أن جرير بن عبدالله بن مخلد الكلابي كانت أمُّ البنين عمّته  ، فأخذ لأبنائها أماناً هو وشمر بن ذي الجوشن.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/387 ـ 391.


(239)
بن علي ( عليه السلام ) وقال : يابن أمير المؤمنين  ، أريد أن أحدِّثك بحديث وعيته  ، فقال : حدِّث فقد حلا وقت الحديث :
حَدِّثْ ولا حَرَجٌ عليكَ فإنّما تَرْوي لَنَا مُتَوَاتِرَ الإسنادِ
    فقال : اعلم ـ يا أبا الفضل ـ أن أباك أمير المؤمنين لما أراد أن يتزوّج أم البنين بعث إلى أخيه عقيل ـ وكان عارفاً بأنساب العرب ـ فقال ( عليه السلام ) : يا أخي  ، أريد منك أن تخطب لي امرأة من ذوي البيوت والحسب والنسب والشجاعة لكي أصيب منها ولداً شجاعاً وعضداً ينصر ولدي هذا ـ وأشار إلى الحسين ( عليه السلام ) ـ ليواسيه في طفّ كربلا  ، وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم فلا تقصِّر عن حلائل أخيك  ، وعن أخواتك  ، قال : فارتعد العباس ( عليه السلام )   ، وتمطَّى في ركابه حتى قطعه  ، وقال : يا زهير تشجِّعني في مثل هذا اليوم ؟ والله لأرينّك شيئاً ما رأيته قط  ، قال : فهمز جواده نحو القوم حتى توسَّط الميدان.. (1) وحامى ودافع عن أخيه وعن حرم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى أبلى بلاء حسناً  ، فسقط على التراب مخضّباً بدمه  ، منادياً  ، أبا عبدالله  ، عليك مني السلام.
    ويعزّ على سيِّد الشهداء ( عليه السلام ) أن يرى أخاه العباس على بوغاء كربلاء  ، مفضوخ الهامة  ، مقطوع اليدين  ، والسهم في عينه  ، واللواء مطروح إلى جانبه.
    ولله درّ الشيخ محمد علي اليعقوبي عليه الرحمة إذ يقول :
أبَا الفَضْلِ يا مَنْ ليس تُحْصَى هِبَاتُهُ حَمَيْتَ الهدى لمَّا دَعَا بِكَ نادباً ولبَّيْتَ داعي الحقِّ بالطفِّ مُذْ دعا وجيشُ ابنِ حَرْب بالطفوفِ كأنَّما مَلَكْتَ الفُرَاتَ العَذْبَ والقلبُ لاَهِفٌ وَمَنْ ذا الذي يُحصي النجومَ الدَّرَارِيا فللهِ نَدْبٌ كان للدينِ حاميا وجاوبتَهُ لبَّيكَ للهِ داعيا أَعَدْتَ عليه حَرْبَ صفّينَ ثانيا وكان عليه الجيشُ كالسدِّ رَاسِيا

1 ـ الأنوار العلوية  ، الشيخ جعفر النقدي : 443 ـ 444  ، أسرار الشهادة  ، الدربندي : 2/497.

(240)
تذكَّرْتَ ماقاسى الحسينُ من الظما أبوكَ فَدَى نَفْسَ النبيِّ بنفسِهِ وإن يكُ قد واسى أبوك ابنَ عَمِّه فياقمراً قد غاله الخَسْفُ بَعْدَما تُحَجِّبُ منه البِيضُ والسُّمْرُ طَلْعَةً أأنساه مَقْطُوعَ اليدينِ ضريبةً وَعُدْتَ ولم تَرْوِ الحَشَا منه ظاميا وكنتَ لسبطِ المصطفى الطُّهْرِ فاديا فللسِّبْطِ يومَ الطفِّ كنتَ المواسيا بدا في سَمَاءِ الهاشميّين زَاهِيا بأنوارِهَا كانت تُضيءُ الدياجيا لِبِيْضِ العِدَا حَوْلَ الشريعةِ ثاويا (1)

    جاء في بعض زيارات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) فهل المحن يا ساداتي إلاَّ التي لزمتكم  ، والمصائب إلاَّ التي عمَّتكم  ، والفجائع إلاَّ التي خصَّتكم  ، والقوارع إلاَّ التي طرقتكم  ، صلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وأجسادكم  ، ورحمة الله وبركاته  ، بأبي أنتم وأمي يا آل المصطفى  ، إنّا لا نملك إلاَّ أن نطوف حول مشاهدكم  ، ونعزّي فيها أرواحكم  ، على هذه المصائب العظيمة الحالّة بفنائكم  ، والرزايا الجليلة النازلة بساحتكم  ، التي أثبتت في قلوب شيعتكم القروح  ، وأورثت أكبادهم الجروح  ، وزرعت في صدرهم الغصص  ، فنحن نشهد الله أنّا قد شاركنا أولياءكم وأنصاركم المتقدِّمين  ، في إراقة دماء الناكثين والقاسطين والمارقين  ، وقتلة أبي عبدالله سيّد شباب أهل الجنة يوم كربلاء  ، بالنيّات والقلوب  ، والتأسَّف على فوت تلك
1 ـ الشيخ اليعقوبي دراسة نقدية في شعره  ، الدكتور عبد الصاحب الموسوي : 348.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس