المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 241 ـ 255
(241)
المواقف  ، التي حضروا لنصرتكم  ، والله وليِّي يبلِّغكم منّي السلام (1).
    روي عن ثابت ابن أبي صفية قال : نظر علي بن الحسين سيِّد العابدين ( عليه السلام ) إلى عبيدالله بن العباس بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) فاستعبر  ، ثمَّ قال : ما من يوم أشدّ على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من يوم أحد  ، قُتل فيه عمّه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله  ، وبعده يوم مؤتة  ، قُتل فيه ابن عمِّه جعفر بن أبي طالب. ثمَّ قال ( عليه السلام ) : ولا يوم كيوم الحسين ( عليه السلام )   ، ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل  ، يزعمون أنهم من هذه الأمّة  ، كلٌّ يتقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ بدمه  ، وهو بالله يذكّرهم فلا يتعظون  ، حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً.
    ثمَّ قال ( عليه السلام ) : رحم الله العباس  ، فلقد آثر وأبلى  ، وفدى أخاه بنفسه حتى قُطعت يداه  ، فأبدل الله عزَّ وجلَّ بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة  ، كما جعل لجعفر بن أبي طالب ( عليه السلام ) وإن للعباس عند الله عزَّ وجل منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة (2).
    وقال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين : عن القاسم بن أصبغ بن نباتة قال : رأيت رجلا من بني أبان بن دارم أسود الوجه  ، وكنت أعرفه جميلا شديد البياض  ، فقلت له : ما كدت أعرفك  ، قال : إني قتلت شاباً أمرد مع الحسين ( عليه السلام )   ، بين عينيه أثر السجود  ، فما نمت ليلة منذ قتلته إلاَّ أتاني  ، فيأخذ بتلابيبي حتى يأتي جهنم فيدفعني فيها فأصيح  ، فما يبقى أحد في الحيّ إلاَّ سمع صياحي  ، قال : والمقتول العباس بن علي ( عليه السلام ) (3).
    ورواها الشيخ الصدوق عليه الرحمة أيضاً : عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة
1 ـ المزار  ، محمد بن المشهدي : 299.
2 ـ الأمالي  ، الصدوق : 547 ـ 548 ح 10.
3 ـ مقاتل الطالبيين  ، أبو الفرج الإصفهاني : 86  ، وقد ذكر القصة ابن شهر آشوب في المناقب : 4/58 بغير هذا اللفظ  ، وزاد : قال : فسمعت بذلك جارة له فقالت : ما يدعنا ننام الليل من صياحه.


(242)
قال : قدم علينا رجل من بني دارم ممن شهد قتل الحسين ( عليه السلام ) مسودّ الوجه  ، وكان رجلا جميلا شديد البياض  ، فقلت له : ما كدت أعرفك لتغيُّر لونك  ، فقال : قتلت رجلا من أصحاب الحسين ( عليه السلام )   ، يُبصر بين عينيه أثر السجود  ، وجئت برأسه  ، فقال القاسم : لقد رأيته على فرس له مَرِحاً  ، وقد علَّق الرأس بلبانها  ، وهو يصيب ركبتها.
    قال : فقلت لأبي : لو أنّه رفع الرأس قليلا  ، أما ترى ما تصنع به الفرس بيديها ؟ فقال لي : يا بنيّ  ، ما يصنع بي أشدّ  ، لقد حدَّثني  ، قال : ما نمت ليلة منذ قتلته إلاَّ أتاني في منامي حتى يأخذ بكتفي فيقودني  ، ويقول : انطلق  ، فينطلق بي إلى جهنم فيقذف بي فأصيح  ، قال : فسمعت بذلك جارة له فقالت : ما يدعنا ننام شيئاً من الليل من صياحه  ، قال : فقمت في شباب من الحيّ  ، فأتينا امرأته فسألناها  ، فقالت : قد أبدى على نفسه  ، قد صدقكم (1).
    قال الشيخ جعفر النقدي عليه الرحمة : وأمّا العباس بن علي ( عليه السلام ) وإخوته جعفر وعثمان وعبدالله أولاد أم البنين ابنة حزام بن خالد الكلابية : قال أحمد بن مهنا في كتابه عمدة الطالب : ويُكنّى أبا الفضل  ، ويلقَّب السقَّا; لأنه استسقى الماء لأخيه الحسين ( عليه السلام ) يوم الطف  ، وقُتل دون أن يبلِّغه إياه ـ أي في الدفعة الأخيرة ـ وإلاَّ فقد جاء بالماء مراراً كما هو مذكور (2).
    ولله درّ الشيخ محسن أبو الحب إذ يقول عليه الرحمة على لسان الحسين ( عليه السلام ) :
أبوكَ كان لجدّي مثلَ كَوْنِكَ لي أبوك ساقي الوَرَى في الحَشْرِ كَوْثَرَهُ بنفسِهِ نَفْسُ مَنْ آخَاه فَادِيها وأنتَ أطفالَنا في الطفِّ ساقيها
    وقال أبو الفرج الإصبهاني في مقاتل الطالبيين : كان العباس بن علي ( عليه السلام )
1 ـ ثواب الأعمال  ، الشيخ الصدوق : 218 ـ 219.
2 ـ الأنوار العلوية  ، الشيخ جعفر النقدي : 441.


(243)
    يُكنَّى أبا الفضل  ، وأمُّه أم البنين أيضاً  ، وهو أكبر ولدها  ، وهو آخر من قتل من إخوته لأبيه وأمه  ، وفي العباس بن علي ( عليه السلام ) يقول الشاعر :
أحقُّ الناسِ أن يُبْكَى عليه أخوه وابنُ وَالِدِه عليٍّ وَمَنْ واساه لا يَثْنيه شيءٌ فتىً أبكى الحسينَ بكربلاءِ أبو الفضل المضرَّجُ بالدماءِ وَجَادَ لَهُ عَلَى عَطَش بماءِ
    وفيه يقول الكميت بن زيد :
وأبو الفَضْلِ إنَّ ذِكْرَهُمُ الحُلْوُ قُتِلَ الأدعياءُ إذْ قتلوه شِفَاءُ النفوسِ مِنْ أَسْقَامِ أَكْرَمَ الشاربينَ صَوْبَ الغَمَامِ
    وكان العباس ( عليه السلام ) رجلا وسيماً جميلا  ، يركب الفرس المطهَّم ورجلاه يخطّان في الأرض  ، وكان يقال له : قمر بني هاشم  ، وكان لواء الحسين ( عليه السلام ) معه.
    قال : وعن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) قال : عبَّأ الحسين بن علي ( عليه السلام ) أصحابه  ، فأعطى رايته أخاه العباس  ، حدَّثني أحمد بن عيسى  ، عن حسين بن نصر  ، عن أبيه  ، عن عمرو بن شمر  ، عن جابر  ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أن زيد بن رقاد وحكيم بن الطفيل الطائي قتلا العباس بن علي ( عليه السلام )   ، وكانت أم البنين ـ أم هؤلاء الأربعة الإخوة القتلى ـ تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها  ، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها  ، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك  ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي. ذكر ذلك محمد بن علي بن حمزة  ، عن النوفلي  ، عن حماد بن عيسى الجهني  ، عن معاوية بن عمار  ، عن جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) (1).
    قالوا : وكان العباس ( عليه السلام ) السقّاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين ( عليه السلام ) وهو أكبر الإخوان  ، مضى يطلب الماء فحملوا عليه وحمل عليهم  ، وجعل يقول :
لا أرهبُ الموتَ إذا الموتُ زَقا حتى أُوارى في المصاليتِ لُقَى

1 ـ مقاتل الطالبيين  ، أبو الفرج الإصفهاني : 55 ـ 56.

(244)
نفسي لنفسِ المصطفى الطُّهرِ وِقَا إني أنا العبَّاسُ أغدو بالسِّقَا
ولا أخافُ الشرَّ يومَ الملتقى
    ففرَّقهم فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة  ، وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي  ، فضربه على يمينه  ، فأخذ السيف بشماله وحمل وهو يرتجز :
واللهِ إن قطعتُمُ يميني وعن إمام صادقِ اليقينِ إني أحامى أبداً عن ديني نَجْلِ النبيِّ الطاهرِ الأمينِ
    فقاتل حتى ضعف  ، فكمن له الحكيم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة  ، فضربه على شماله فقال :
يا نفسُ لا تخشي من الكُفَّارِ مع النبيِّ السيِّدِ المختارِ وأبشري برحمةِ الجبَّارِ قد قطعوا ببغيِهِمْ يَسَاري
فأَصْلِهِم يا ربِّ حَرَّ النارِ
    فضربه ملعون بعمود من حديد فقتله  ، فلمّا رآه الحسين ( عليه السلام ) صريعاً على شاطىء الفرات بكى وأنشأ يقول :
تعدَّيتُمُ يا شرَّ قوم ببغيِكُمْ أَمَا كان خيرُ الرسلِ أوصاكُمُ بنا أَمَا كانت الزهراءُ أُمّيَ دُوْنَكُمْ لُعِنْتُمْ وأُخزِيتم بما قد جَنَيْتُمُ وخالفتُمُ دينَ النبيِّ محمَّدِ أَمَا نحن من نَجْلِ النبيِّ المسدَّدِ أَمَا كان من خيرِ البريَّةِ أحمدِ فسوف تُلاَقوا حَرَّ نارِ تَوَقُّدِ
    قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : وفي بعض تأليفات أصحابنا أن العباس لما رأى وحدته ( عليه السلام ) أتى أخاه وقال : يا أخي  ، هل من رخصة ؟ فبكى الحسين ( عليه السلام ) بكاء شديداً  ، ثم قال : يا أخي  ، أنت صاحب لوائي  ، وإذا مضيت تفرَّق عسكري  ، فقال العباس : قد ضاق صدري وسئمت من الحياة  ، وأريد أن أطلب ثأري من هؤلاء المنافقين.


(245)
    فقال الحسين ( عليه السلام ) : فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء  ، فذهب العباس ووعظهم وحذَّرهم فلم ينفعهم  ، فرجع إلى أخيه فأخبره  ، فسمع الأطفال ينادون : العطش العطش  ، فركب فرسه وأخذ رمحه والقربة  ، وقصد نحو الفرات  ، فأحاط به أربعة آلاف ممن كانوا موكَّلين بالفرات  ، ورموه بالنبال  ، فكشفهم وقتل منهم ـ على ما روي ـ ثمانين رجلا حتى دخل الماء.
    فلمّا أراد أن يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين ( عليه السلام ) وأهل بيته  ، فرمى الماء وملأ القربة  ، وقال على ما روي :
يا نفسُ من بَعْدِ الحسينِ هوني هَذا الحسينُ واردُ المَنُونِ وبَعْدَه لا كنتِ أَنْ تكوني وتشربينَ بَارِدَ الْمَعِينِ
تاللهِ ما هذا فِعَالُ ديني
    وحملها على كتفه الأيمن  ، وتوجَّه نحو الخيمة  ، فقطعوا عليه الطريق  ، وأحاطوا به من كل جانب  ، فحاربهم حتى ضربه نوفل الأزرق على يده اليمنى فقطعها  ، فحمل القربة على كتفه الأيسر  ، فضربه نوفل فقطع يده اليسرى من الزند  ، فحمل القربة بأسنانه  ، فجاءه سهم فأصاب القربة وأريق ماؤها.
مَا سَاءَهُ قَطْعُ اليدينِ فعندَهُ بَلْ ساءه إهراقُ مَاءِ مَزَادة تاللهِ لو عادت يَدَاهُ لا ستقى لا شيءَ في جَنْبِ الإلهِ ثمينُ فبها لريِّ الطاهراتِ ضمينُ مَاءً وما هو باليدينِ ضنينُ (1)
    قال الراوي : ثم جاءه سهم آخر فأصاب صدره  ، فانقلب عن فرسه وصاح إلى أخيه الحسين : أدركني  ، فلمّا أتاه رآه صريعاً فبكى ( عليه السلام ).. ونادى : الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي (2)
1 ـ الشواهد المنبرية  ، الشيخ علي الجشي : 58.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/42.


(246)
وَهَوَى عليه مَاهُنَالِكَ قائلا اليومَ سَارَ عن الكتائبِ كَبْشُها اليومَ نامت أعينٌ بك لَمْ تَنَمْ اليومَ بَانَ عن اليمينِ حُسَامُها اليومَ غَابَ عن الهُدَاةِ إمامُها وتسهَّدَتْ أخرى فَعَزَّ مَنَامُها
    ولله درّ الشيخ محمد علي اليعقوبي عليه الرحمة إذ يقول :
ولمَّا رآه السبطُ شِلواً موزَّعاً ففي أيِّ كفٍّ بَعْدَك اليومَ أتّقي عليَّ عزيزٌ أن أراك مجدَّلا عليكَ انحنى ظهري وشَلَّت يَدُ الردى فهلاَّ شَجَتْكَ الفاطمياتُ إِذْ غَدَتْ وَضَجَّتْ بمَنْ فيها عليكَ خِيَامُها وكنتَ لها الساقي إذا كَضَّها الظَّمَا تَقَضَّتْ لياليهنَّ فيك زَوَاهِراً وكانت رُبُوعُ العِزِّ فيك حوالياً فَمَنْ ذَا الذي يحمي الضعينةَ إِنْ سَرَتْ فيا ابنَ التي تُنْمَى لأزكى قبيلة لجأتُ إلى مَثْوَاكَ ضيفاً ولم تكن هَوَى فوقَهُ مُحْدَوْدِبَ الظَّهْرِ حانيا غَوَاشي الأعادي أَمْ أَذُودُ الأعاديا تريبَ المحيَّا عافرَ الجسمِ داميا يمينى وَجَذَّتْ في ظُبَاها شِمَاليا ( بحال به يُشْجِيْنَ حتَّى الأعاديا ) فناعيةٌ فيها تُجَاوِبُ نَاعِيا وها هي تستسقي الدموعَ الجَوَارِيا وقد أصبحت أَيَّامُهُنَّ لَيَاليا وَبَعْدَكَ قد عادت يَبَاباً خَوَاليا إلى الشامِ فيها العيسُ تَطْوِي الفيافيا وقد أنجبت تلك البنينَ الزَّوَاكيا لِتَطْرُدَ ضيفاً مستجيراً ولاجيا (1)
    قال بعض الرواة : لما ضاق الأمر بالحسين ( عليه السلام ) وقد بقي وحيداً فريداً  ، التفت إلى خيم بني أبيه فرآها خالية منهم  ، ثمَّ التفت إلى خيم بني عقيل فوجدها خالية منهم  ، ثمَّ التفت إلى خيم أصحابه فلم ير أحداً منهم  ، فجعل يكثر من قول : لا حول ولا قوّة إلاَّ بالله العلي العظيم  ، ثمَّ ذهب إلى خيم النساء  ، فجاء إلى خيمة ولده زين العابدين ( عليه السلام ) فرآه ملقىً على نطع من الأديم  ، فدخل عليه وعنده زينب تمرِّضه  ، فلمَّا
1 ـ الشيخ اليعقوبي دراسة نقدية في شعره  ، الدكتور عبد الصاحب الموسوي : 348 ـ 349.

(247)
نظر إليه علي بن الحسين ( عليهما السلام ) أراد النهوض فلم يتمكَّن من شدّة المرض  ، فقال لعمَّته : سنديني إلى صدرك  ، فهذا ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد أقبل  ، فجلست زينب خلفه وأسندته إلى صدرها  ، فجعل الحسين ( عليه السلام ) يسأل ولده عن مرضه  ، وهو يحمد الله تعالى  ، ثم قال : يا أبتاه  ، ما صنعت اليوم مع هؤلاء المنافقين ؟ فقال له الحسين ( عليه السلام ) : يا ولدي  ، قد استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله  ، وقد شبَّ الحرب بيننا وبينهم ـ لعنهم الله ـ حتى فاضت الأرض بالدم منّا ومنهم.
    فقال علي ( عليه السلام ) : يا أبتاه  ، أين عمّي العباس ؟  ، فلمَّا سأل عن عمِّه اختنقت زينب بعبرتها  ، وجعلت تنظر إلى أخيها كيف يجيبه  ، لأنه لم يخبره بشهادة عمه العباس خوفاً من أن يشتدَّ مرضه  ، فقال ( عليه السلام ) : يا بنيَّ  ، إن عمَّك قد قُتل  ، وقطعوا يديه على شاطىء الفرات  ، فبكى علي بن الحسين ( عليه السلام ) بكاء شديداً حتى غشي عليه (1).
    ولله درّ الشيخ حسن الحلي عليه الرحمة إذ يقول على لسان الإمام الحسين ( عليه السلام ) يندب أخاه العباس :
وأحنى عليه قائلاً هتك العدى أخي بمن أسطو وإنك ساعدي أخي فمن يُعطي المكارم حقها أخي فمن للمحصنات إذا غدت أخي لمن اُعطي اللواء ومَنْ به فو الهفتا والدهر غدرٌ صروفهُ إلى الله أشكو لوعة لو أبثُها حجابَ المعالي واستُحل حرامُها وعضبي إذا ما ضاق يوماً مقامُها ومن فيه إعزازاً تطاول هامُها بملساء يُذكي الحائمات رغامُها يشق عباب الحرب إن جاش سامُها عليك وعفواً ناضلتني سهامها على شامخات الأرض ساخ شمامها (2)

1 ـ الدمعة الساكبة  ، البهبهاني : 4/351  ، معالي السبطين  ، الحائري : 2/22.
2 ـ العباس ( عليه السلام )   ، للمقرم : 367 ـ 368.


(248)
    يقول الحجّة المقدّس الشيخ عبدالله بن معتوق عليه الرحمة في شجاعة العباس بن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وتضحيته :
لم أنسَ إذْ صال في يومِ النزالِ على الـ هو الفتى شِبْلُ ذاك الليثِ حيدرة هو المفضَّلُ مَنْ للفضلِ كان أباً شَهْمٌ هِزَبْرٌ جَرِيٌّ في الوغى أَسَدٌ له مَقَاعِدُ صِدْق عندَ مالكِهِ تخاله إِنْ سَطَا الأبطالُ صاعقةً أبطالِ مَنْ هو للآجالِ مُخْتَرِمُ مَنْ لاَ فتىً غَيْرَهُ في الرَّوعِ يَقْتَحِمُ والمكرُمات إذا عُدَّتْ له شِيَمُ وفي الدُّجَا قَمَرٌ تُجْلَى به الظُّلَمُ وفي المواقِفِ مازلَّت له قَدَمُ مِنْ صَوْتِهِ حَلَّ في آذانِهِمْ صَمَمُ
    قال السيِّد محسن الأمين عليه الرحمة في المجالس السنية : ولد العباس بن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) سنة ست وعشرين من الهجرة  ، وعاش مع أبيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أربع عشرة سنة  ، وحضر بعض الحروب فلم يأذن له أبوه في النزال  ، وقُتل مع أخيه الحسين ( عليه السلام ) بكربلاء وعمره أربع وثلاثون سنة  ، ويكنَّى أبا الفضل ويلقَّب بالسقَّاء وقمر بني هاشم  ، وقُتل معه بكربلاء ثلاثة إخوة لأمه وأبيه  ، وكانت له يوم كربلاء مقامات مشهودة ومواقف عظيمة  ، وكانت له صفات عالية  ، وأعمال جليلة امتاز بها.
    منها أنه ( عليه السلام ) كان صاحب لواء الحسين ( عليه السلام )   ، واللواء هو العلم الأكبر  ، ولا يحمله إلاّ الشجاع الشريف في المعسكر.
    ومنها أنه كان قوياً شجاعاً  ، وفارساً وسيماً جسيماً  ، يركب الفرس المطهَّم


(249)
ورجلاه تخطّان في الأرض.
    ومنها أنه لما جمع الحسين ( عليه السلام ) أهل بيته وأصحابه ليلة العاشر من المحرم وخطبهم فقال في خطبته : أمَّا بعد فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي  ، ولا أهل بيت أبرَّ ولا أوصل من أهل بيتي  ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا  ، وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي  ، وتفرَّقوا في سواد هذا الليل  ، وذروني وهؤلاء القوم  ، فإنهم لا يريدون غيري  ، قام إليه العباس ( عليه السلام ) فقال : ولم نفعل ذلك ؟ لنبقى بعدك ؟ لا أرانا الله ذلك أبداً  ، ثم تكلَّم أهل بيته وأصحابه بمثل هذا ونحوه.
    ومنها أنه ـ لما ـ نادى شمر : أين بنو أختنا ؟ أين العباس وإخوته ؟ فلم يجبه أحد  ، فقال لهم الحسين ( عليه السلام ) : أجيبوه وإن كان فاسقاً  ، فإنه بعض أخوالكم  ، قال له العباس ( عليه السلام ) : ما تريد ؟ فقال : أنتم يا بني أختي آمنون  ، فقال له العباس ( عليه السلام ) : لعنك الله ولعن أمانك  ، أتؤمننا وابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لا أمان له ؟ وتكلَّم إخوته بنحو كلامه ثم رجعوا.
    ومنها أنه لما أخذ عبدالله بن حزام ابن خال العباس ( عليه السلام ) أماناً من ابن زياد للعباس وإخوته من أمه قالوا : لا حاجة لنا في الأمان  ، أمان الله خير من أمان ابن سمية.
    ومنها أنه لما اشتدَّ العطش بالحسين ( عليه السلام ) وأصحابه أمر أخاه العباس ( عليه السلام )   ، فسار في عشرين راجلا يحملون القرب وثلاثين فارساً  ، فجاؤوا ليلا حتى دنوا من الماء  ، وأمامهم نافع بن هلال الجملي يحمل اللواء  ، فقال عمرو بن الحجاج : من الرجل ؟ قال : نافع  ، قال : ما جاء بك ؟ قال : جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلاَّتمونا عنه  ، قال : فاشرب هنيئاً  ، قال : لا والله لا أشرب منه قطرة والحسين ( عليه السلام ) عطشان هو وأصحابه  ، فقالوا : لا سبيل إلى سقي هؤلاء  ، إنما وضعنا في هذا المكان


(250)
لنمنعهم الماء.
    فقال نافع لرجاله : املأوا قربكم فملأوها  ، وثار إليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه فحمل عليهم العباس ( عليه السلام ) ونافع بن هلال فكشفوهم وأقبلوا بالماء  ، ثمّ عاد عمرو بن الحجاج وأصحابه وأرادوا أن يقطعوا عليهم الطريق  ، فقاتلهم العباس ( عليه السلام ) وأصحابه حتى ردّوهم وجاؤوا بالماء إلى الحسين ( عليه السلام ).
    ومنها أنه لما نشبت الحرب تقدَّم أربعة من أصحاب الحسين ( عليه السلام )   ، وهم الذين جاؤوا من الكوفة ومعهم فرس نافع بن هلال  ، فشدّوا على الناس بأسيافهم  ، فلما أوغلوا فيها عطف عليهم الناس واقتطعوهم عن أصحابهم  ، فندب الحسين ( عليه السلام ) لهم أخاه العباس ( عليه السلام )   ، فحمل على القوم وحده  ، فضرب فيهم بسيفه حتى فرَّقهم عن أصحابه  ، ووصل إليهم فسلَّموا عليه وأتى بهم  ، ولكنهم كانوا جرحى فأبوا عليه أن يستنقذهم سالمين  ، فعادوا إلى القتال وهو يدفع عنهم حتى قُتلوا في مكان واحد  ، فعاد العباس ( عليه السلام ) إلى أخيه وأخبره بخبرهم.
    ومنها أنه شبه عمه جعفر الطيار ( عليه السلام ) الذي قطعت يمينه ويساره في حرب مؤتة مجاهداً في سبيل الله  ، وكذلك العباس ( عليه السلام ) قطعت يمينه ويساره مجاهداً في سبيل الله في نصرة أخيه الحسين ( عليه السلام ) يوم عاشوراء :
لا تنس للعباسِ حُسْنَ مَقَامِهِ واسى أخاه بها وَجَادَ بنفسِهِ رَدَّ الأُلُوفَ على الألوفِ مُعَارِضاً في الرَّوْعِ عندَ الغَارَةِ الشَّعْوَاءِ في سَقيْ أطفال له ونساءِ حَدَّ السُّيُوفِ بجبهة غَرَّاءِ (1)
    وقال الحجة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة :
بالسبطِ قد هَتَفَ العبَّاسُ حين هوى فيا لَهَا ساعةً وافى الحسينُ بها في حَوْمَةِ الْحَرْبِ للتوديعِ مُبْتَغِيا شقيقَه وعليه قام منحنيا

1 ـ المجالس السنية  ، السيد محسن الأمين : 1/110 ـ 112.

(251)
أَحْنَتْ أَضَالِعَهُ الأحزانُ حين رأى من هاشم قمراً بالخسفِ قد رُمِيَا (1)

    روي أن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) لما جاء من الأسر ودخل المدينة خطب في الناس وقال ( عليه السلام ) : أيها القوم  ، إن الله ـ وله الحمد ـ ابتلانا بمصيبة جليلة  ، وثلمة في الإسلام عظيمة  ، قُتل أبو عبدالله وعترته  ، وسبي نساؤه وصبيته  ، وداروا برأسه في البلدان  ، من فوق عالي السنان  ، أيها الناس  ، فأيُّ رجالات يسرّون منكم بعد قتله ؟ أم أيَّةُ عين تحبس دمعها وتضنّ عن انهمالها ؟ فلقد بكت السبع الشداد لقتله  ، وبكت البحار والسماوات والأرض والأشجار والحيتان  ، والملائكة المقرَّبون  ، وأهل السماوات أجمعون  ، أيها الناس  ، أيُّ قلب لا ينصدع لقتله ؟ أم أيُّ فؤاد لا يحنّ إليه ؟ أم أيُّ سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلم في الإسلام ؟ أيُّها الناس  ، أصبحنا مطرودين مشرَّدين مذودين شاسعين  ، كأنا أولاد ترك أو كابل  ، من غير جرم اجترمناه  ، ولا مكروه ارتكبناه  ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين  ، إن هذا إلاَّ اختلاق  ، والله لو أن النبيَّ ( صلى الله عليه وآله ) تقدَّم إليهم في قتالنا كما تقدَّم إليهم في الوصاة بنا لما زادوا على ما فعلوه  ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون (2).
أبادوهُمُ قتلا وسمّاً ومثلةً كأنَّ رَسُولَ اللهِ من حُكْمِ شَرْعِهِ كأنّ رسولَ اللهِ ليس لهم أَبُ على آلِهِ أَنْ يُقْتَلوا أو يُصَلَّبوا

1 ـ الشواهد المنبرية  ، الشيخ علي الجشي : 58.
2 ـ مثير الأحزان  ، ابن نما : 90 ـ 91.


(252)
قال عوانة بن الحكم : لما قتل الحسين بن علي ( عليه السلام ) دعا عبيد الله بن زياد عبدالملك ابن أبي الحرث السلمي  ، وبعثه إلى المدينة ليبشِّر عمرو بن سعيد  ، فدخل السلمي على عمرو فقال : ما وراءك ؟ فقال : ما سرَّ الأمير  ، قُتل الحسين بن علي ( عليه السلام )   ، فقال : نادِ بقتله  ، فناديت بقتله  ، فلم أسمع والله واعية قطّ مثل واعية نساء بني هاشم في دورهم على الحسين ( عليه السلام )   ، فقال عمرو وضحك :
عَجَّتْ نِسَاءُ بنى زياد عَجَّةً كعجيجِ نِسْوَتِنا غَدَاةَ الأَرنبِ
    ثم قال عمرو : هذه واعية بواعية عثمان بن عفان  ، ثم صعد المنبر فأعلم الناس قتله (1).
    وفي كتاب المثالب لأبي عبيدة  ، قال : ثم أومأ إلى القبر الشريف وقال : يا محمد! يوم بيوم بدر  ، فأنكر عليه قوم من الأنصار (2).
    ولله درّ السيد محمد حسين القزويني عليه الرحمة إذ يقول :
مُصَابٌ أصاب المصطفى منه فَادِحٌ غداةَ عَدَتْ أبناءُ حَرْب فَجَلْجَلَتْ وثارت بها أحقادُها فتطلَّبَتْ وجاءت على جَهْل تحاولُ إمرةً وسامته أَنْ ينقادَ للحُكْمِ ضارعاً فَقَالَ رِدِي يا نَفْسُ من سورةِ الردى بكت حَزَناً من رُزْئِهِ فَاطِمُ الطُّهْرُ لها زُمَرٌ لا يُستطاعُ لها حَصْرُ من المصطفى ثَارَاتِ ما فَعَلَتْ بَدْرُ على مَنْ له من دونِها النهيُ والأَمْرُ لديها ويأبى العزُّ أَنْ يَضْرَعَ الحُرُّ فعند وُرُودِ الضيمِ يُسْتَعْذَبُ المُرُّ (3)
    قال بعض الرواة : ولما بلغ أهل المدينة مقتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) بكى عليه نساء بني هاشم ونُحنَ عليه (4).
1 ـ تاريخ الطبري : 4/356 ـ 357  ، حوادث سنة 61  ، الكامل  ، ابن الأثير : 4/39.
2 ـ شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 4/72.
3 ـ مثير الأحزان  ، الجواهري : 114.
4 ـ البداية والنهاية  ، ابن كثير : 8/213.


(253)
    وروى البرقي عليه الرحمة  ، عن عمر بن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) قال : لما قتل الحسين بن علي ( عليه السلام ) لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح (1)   ، وكنَّ لا يشتكين من حرّ ولا برد  ، وكان علي بن الحسين ( عليه السلام ) يعمل لهن الطعام للمأتم (2).
    وروى الكليني عليه الرحمة  ، عن مصقلة الطحان قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : لما قتل الحسين ( عليه السلام ) أقامت امرأته الكلبية (3) عليه مأتماً  ، وبكت وبكين النساء والخدم حتى جفّت دموعهن وذهبت  ، فبينا هي كذلك إذ رأت جارية من جواريها تبكي ودموعها تسيل  ، فدعتها فقالت لها : مالك أنت من بيننا تسيل دموعكِ ؟ قالت : إني لما أصابني الجهد شربت شربة سويق  ، قال : فأمرت بالطعام والأسوقة فأكلت وشربت وأطعمت وسقت  ، وقالت : إنما نريد بذلك أن نتقوّى على البكاء على الحسين ( عليه السلام ).
    قال : وأهدي إلى الكلبية جؤناً (4) لتستعين بها على مأتم الحسين ( عليه السلام )   ، فلما رأت الجؤن قالت : ما هذه ؟ قالوا : هدية أهداها فلان لتستعيني على مأتم الحسين  ، فقالت : لسنا في عرس  ، فما نصنع بها ؟ ثم أمرت بهن فأخرجهن من الدار  ، فلما أخرجن من الدار لم يحسَّ لها حسٌّ كأنما طرن بين السماء والأرض  ، ولم ير لهن بها بعد خروجهن من الدار أثر (5).
    وروي عن الإمام جعفر بن محمد ( عليه السلام ) أنه قال : نيح على الحسين بن
1 ـ المسوح ـ بالضمّ ـ جمع المسح ـ بالكسر ـ وهو اللباس  ، وكن لا يشتكين أي لا يشكون ولا يبالين لشدّة المصيبة من إصابة الحرّ والبرد.
2 ـ المحاسن  ، البرقي : 2/420 ح 195  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/188 ح 33.
3 ـ هي بنت امرىء القيس الكلبي  ، أم سكينة بنت الحسين ( صلى الله عليه وآله وسلم )   ، وبنو كلب حي من قضاعة. شرح أصول الكافي  ، المازندراني : 7/235.
4 ـ جاء في هامش الثاقب في المناقب  ، ابن حمزة الطوسي : 334 : في بعض النسخ والكافي : جواري.
5 ـ الكافي  ، الكليني : 1/466 ح 9.


(254)
علي ( عليهما السلام ) سنة في كل يوم وليلة  ، وثلاث سنين من اليوم الذي أصيب فيه  ، وكان المسور بن مخرمة وجماعة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يأتون مستترين متقنّعين فيستمعون ويبكون (1).
    وقال اليعقوبي : وكان أول صارخة صرخت في المدينة أم سلمة زوج رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، كان دفع إليها قارورة فيها تربة  ، وقال لها : إن جبرئيل أعلمني أن أمتي تقتل الحسين  ، وأعطاني هذه التربة  ، وقال لي : إذا صارت دماً عبيطاً فاعلمي أن الحسين قد قتل  ، وكانت عندها  ، فلمّا حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كل ساعة  ، فلمّا رأتها قد صارت دماً صاحت : واحسيناه! وا بن رسول الله! وتصارخت النساء من كل ناحية  ، حتى ارتفعت المدينة بالرَّجة التي ما سمع بمثلها قط (2).
    وذكر ابن أبي الدنيا أنه لما بلغ أم سلمة قتل الحسين ( عليه السلام ) قالت : أوفعلوا ؟ ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً  ، ثم وقعت مغشياً عليها (3).
    ولله درّ الشيخ صالح الكواز عليه الرحمة إذ يقول :
يا راكباً شَدْقميّاً في قوائمِهِ عُجْ بالمدينةِ واصرخْ في شَوَارِعِها نادِ الذين إذا نادى الصريخُ بهم يكادُ ينفذُ قبل القَصْدِ فِعْلُهُمُ قل يا بني شيبةِ الحمدِ الذين بِهِمْ قوموا فَقَدْ عَصَفَتْ بالطفِّ عاصفةٌ يَطْوِي أديمَ الفيافي كلَّما ذرعا بصَرْخة تملأُ الدنيا بها جَزَعا لبوَّه قَبْلَ صدىً من صَوْتِهِ رَجَعا بِنَصْرِ مَنْ لَهُمُ مُستنجداً فَزِعا قامت دَعَائِمُ دينِ اللهِ وارتفعا مالت بأرجاءِ طَوْدِ العزِّ فانصدعا (4)

1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي 79/102 ح 1.
2 ـ تاريخ اليعقوبي : 2/245 ـ 246.
3 ـ الرد على المتعصب العنيد  ، ابن الجوزي : 51 ـ 52  ، تاريخ دمشق  ، ابن عساكر : 14/238.
4 ـ رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 150.


(255)
    قال بعض الرواة : وبكته الرباب بنت امرىء القيس الكلبية رضوان الله عليها زوجة الإمام الحسين ( عليه السلام )   ، وهي التي يقول فيها الحسين ( عليه السلام ) :
لَعمرُك إنني لأُحبُّ داراً أحبُّهما وأبذلُ بعد مالي ولستُ لهم وإنْ عَتَبوا مطيعاً تحلُّ بها سكينةُ والربابُ وليس للائمي فيها عِتَابُ حياتي أو يُغَيِّبني الترابُ
    وهي التى أقامت على قبر الحسين ( عليه السلام ) حولا ثم قالت :
إلى الحولِ ثمَّ اسمُ السلامِ عليكما وَمَنْ يَبْكِ حولا كاملا فقد اعتذر
    قال : وعاشت بعده سنة لم يظلَّها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً (1).
    وقد نعت الحسين ( عليه السلام ) ورثته بتفجُّع وألم شديد وحرقة لا تنطفي  ، قالت رضوان الله عليها :
إنَّ الذي كان نوراً يستضاءُ به سِبْطَ النبيِّ جَزَاك اللهُ صالحةً قد كنت لي جبلا صعباً ألوذُ به مَنْ لليتامى وَمَنْ للسائلين وَمَنْ واللهِ لا أبتغي صِهْراً بصِهْرِكُمُ بكربلاءَ قتيلا غيرُ مدفونِ عنّا وجُنِّبت خُسْرَانَ الموازينِ وكنت تَصْحَبُنا بالرحمِ والدينِ يقي ويأوي إليه كلَّ مسكينِ (2) حتى أُغيَّبَ بينَ الرملِ والطينِ (3)
    وروي أنها رضي الله عنها رثت الحسين ( عليه السلام ) في الشام بعد أن أخذت رأسه وقبَّلته ووضعته في حجرها  ، وهي تقول :
واحسيناً فلا نسيتُ حسيناً أقصدته أسنَّةُ الأعداءِ

1 ـ تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 69/119 ـ 120  ، الإصابة  ، ابن حجر : 1/355  ، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم  ، ابن الجوزي : 6/9.
2 ـ الحسن والحسين ( عليهما السلام )  ، محمد رضا : 154.
3 ـ الجوهرة في نسب الإمام علي وآله  ، البري : 46 ـ 47.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس