|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(256)
وقال القرماني : ولمَّا رجعت إلى المدينة أقامت فيها لا تهدأ ليلا ولا نهاراً من البكاء على الحسين ( عليه السلام ) ، ولم تستظلَّ تحت سقف حتى ماتت بعد قتله كمداً سنة اثنين وستين للهجرة (3). وبكى أهل المدينة على الإمام الحسين ( عليه السلام ) وندبوه ثلاث سنوات ، روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ، عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : نيح الحسين بن علي ثلاث سنين ، وفي اليوم الذي قتل فيه ، فكان وائلة بن الأصمع ومروان بن الحكم ومسور بن مخرمة ، وتلك المشيخة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يجيئون متقنّعين فيستمعون نوح الجن ويبكون (4). وقال ابن حمدون في التذكرة : لما قُتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) كان النوح عليه بالمدينة في كل بيت سنة كاملة ثم نيح عليه في السنة الثانية في كل جمعة ، ثم نيح عليه في الثالثة في كل شهر ، وكان مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة يدخلان إليهم مقنعين ، فيبكيان أشدَّ بكاء حتى ينقضي النوح (5). 1 ـ الكامل في التاريخ ، ابن الأثير : 4/45 ، وقيل رثته بهذه الأبيات زوجته عاتكة بنت عمرو بن عمر بن نفيل ( معجم البلدان ، الحموي : 4/445 ). 2 ـ راجع : تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي : 238 ، الكامل في التاريخ ، ابن الأثير : 4/36 ، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ، ابن الجوزي : 6/9 ، لواعج الأشجان ، السيد محسن الأمين : 223. 3 ـ تاريخ القرماني : 4. 4 ـ نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : 224. 5 ـ التذكرة الحمدونية ، ابن حمدون : 9/149 رقم : 359. (257)
وقال هشام بن الكلبي : حدَّثني بعض أصحابنا ، عن عمرو بن أبي المقدام قال : حدَّثني عمرو بن عكرمة ، قال : صبحنا صبيحة قتل الحسين ( عليه السلام ) بالمدينة فإذا مولاة لنا تحدِّثنا ، قالت : سمعت البارحة منادياً ينادي وهو يقول :
ومن قول أم البنين ( عليها السلام ) في رثاء أبي الفضل العباس وسائر أبنائها ( عليهم السلام ) :
1 ـ البداية والنهاية ، ابن كثير : 8/215 ـ 216. 2 ـ تاريخ الطبري : 4/357. (258)
وقال أبو الحسن الأخفش في شرح الكامل : وقد كانت تخرج إلى البقيع كل يوم ترثيه ، وتحمل ولده عبدالله ، فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة ، وفيهم مروان ابن الحكم ، فيبكون لشجيِّ الندبة (2). ومما جاء في مقام أبي الفضل العباس ( عليه السلام ) ومنزلته عند أهل البيت ( عليهم السلام ) هو ما ذكره العلامة الدربندي عليه الرحمة في أسرار الشهادة نقلاً عن بعض كتب المقاتل قال : إنه إذا كان يوم القيامة واشتد الأمر على الناس بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى فاطمة ( عليها السلام ) لتحضر مقام الشفاعة فيقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : يا فاطمة ما عندك من أسباب الشفاعة ، وما ادخرت لأجل هذا اليوم الذي فيه الفزع الأكبر فتقول فاطمة ( عليها السلام ) : يا أمير المؤمنين كفانا لأجل هذا المقام اليدان المقطوعتان من ابني العباس (3). 1 ـ مقاتل الطالبيين ، الإصفهاني : 56. 2 ـ عن إبصار العين ، السماوي : 64. 3 ـ أسرار الشهادة ، الدربندي : 2/412 ، معالي السبطين ، الحائري : 445. (259)
وفي أسرار الشهادة أيضاً قال العلامة الدربندي عليه الرحمة : أخبرني جمع من الثقاة في هذا الزمان إن واحدا من مؤمني هذا العصر وهو الآن موجود كان يزور الحسين ( عليه السلام ) في كل يوم ثلاث مرات وما كان يزور العباس إلا في الأسبوع مرة وقد رأى في المنام الصديقة الطاهرة ( عليها السلام ) وسلم عليها فأعرضت عنه فقال : بأبي أنت وأمي لأي تقصير تعرضين عني قالت : لإعراضك من زيارتك ابني ، قال : أنا أزور ابنك في كل يوم قالت : تزور ابني الحسين ( عليه السلام ) ولا تزور ابني العباس إلا قليلا (1).
ولله در بعض الشعراء إذ يقول على لسان الحسين ( عليه السلام ) لما صرع العباس ( عليه السلام ) :
1 ـ أسرار الشهادة ، الدربندي : 2/412 و 419 ـ 420 ، معالي السبطين ، الحائري : 446. 2 ـ مجمع المصائب ، الهنداوي : 1/143. (260)
روي عن جعفر الأحمر ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) قال : سمعت جابر بن عبدالله الأنصاري يقول : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنة مدبَّجة الجنبين ، خطامها من لؤلؤ رطب ، قوائمها من الزمرد الأخضر ، ذنبها من المسك الأذفر ، عيناها ياقوتتان حمراوان ، عليها قبَّة من نور ، يُرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، داخلها عفو الله ، وخارجها رحمة الله ، على رأسها تاج من نور ، للتاج سبعون ركناً ، كل ركن مرصَّع بالدرّ والياقوت ، يضيء كما يضيء الكوكب الدريُّ في أفق السماء ، وعن يمينها سبعون ألف ملك ، وعن شمالها سبعون ألف ملك ، وجبرئيل آخذ بخطام الناقة ، ينادي بأعلى صوته : غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد ، فلا يبقى يومئذ نبيٌّ ولا رسول ولا صدّيق ولا شهيد إلاَّ غضّوا بأبصارهم حتى تجوز فاطمة ، 1 ـ سعادة الدارين فيما يتعلق بالإمام الحسين ( عليه السلام ) ، الشيخ حسين البلادي القديحي : 252. (261)
فتسير حتى تحاذي عرش ربِّها جلَّ جلاله ، فتنزخ بنفسها عن ناقتها ، وتقول : إلهي وسيدي ، احكم بيني وبين من ظلمني ، اللهم احكم بيني وبين من قتل ولدي ، فإذا النداء من قبل الله جلَّ جلاله : يا حبيبتي وابنة حبيبي ، سليني تُعطي ، واشفعي تُشفعي ، فوعزّتي وجلالي ، لا جازني ظلمُ ظالم ، فتقول : إلهي وسيدي ، ذرّيّتي وشيعتي وشيعة ذرّيتي ، ومحبّيَّ ومحبّي ذرّيّتي.
فإذا النداء من قبل الله جلّ جلاله : أين ذرّيّة فاطمة وشيعتها ومحبُّوها ومحبّو ذرّيّتها ؟ فيقبلون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة ، فتقدمهم فاطمة ( عليها السلام ) حتى تُدخلهم الجنة (1). وعن أبي أحمد بن سليمان الطائي ، عن علي بن موسى الرضا ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : تُحشر ابنتي فاطمة ( عليها السلام ) يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدماء ، تتعلَّق بقائمة من قوائم العرش ، تقول : يا عدل ، احكم بيني وبين قاتل ولدي ، قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ويحكم الله لابنتي وربّ الكعبة. وروي عن الرضا ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : تُحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدم ، فتتعلَّق بقائمة من قوائم العرش فتقول : يا عدل ، احكم بيني وبين قاتل ولدي ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فيحكم لابنتي وربِّ الكعبة ، وإن الله عزَّ وجلَّ يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها. وعن محمد بن سنان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا كان يوم القيامة نُصب لفاطمة ( عليها السلام ) قبّة من نور ، وأقبل الحسين ( عليه السلام ) ، رأسه في يده ، فإذا رأته شهقت شهقة لا يبقى في الجمع مَلَك مقرَّب ، ولا نبيٌّ مرسل ، ولا عبد مؤمن إلاّ بكى لها ، فيمثِّل الله عزَّ وجلَّ رجلا لها في أحسن 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 43/219. (262)
صورة ، وهو يخاصم قتلته بلا رأس ، فيجمع الله قتلته والمجهزين عليه ومن شرك في قتله فيقتلهم حتى أتى على آخرهم ، ثمَّ يُنشرون فيقتلهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ثم ينشرون فيقتلهم الحسن ( عليه السلام ) ، ثم يُنشرون فيقتلهم الحسين ( عليه السلام ) ، ثم يُنشرون فلا يبقى من ذرّيّتنا أحد إلاَّ قتلهم قتلة ، فعند ذلك يكشف الله الغيظ ، ويُنسي الحزن.
ثمّ قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : رحم الله شيعتنا ، شيعتنا والله هم المؤمنون ، فقد والله شركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة. وعن شريك يرفعه قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة ( عليها السلام ) في لمُة من نسائها ، فيقال لها : ادخلي الجنة ، فتقول : لا أدخل حتى أعلم ما صُنع بولدي من بعدي ، فيقال لها : انظري في قلب القيامة ، فتنظر إلى الحسين ( عليه السلام ) قائماً وليس عليه رأس ، فتصرخ صرخة ، وأصرخ لصراخها ، وتصرخ الملائكة لصراخنا ، فيغضب الله عزَّ وجلَّ لنا عند ذلك ، فيأمر ناراً يقال لها : هبهب ، قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودّت ، لا يدخلها روح أبداً ، ولا يخرج منها غمٌ أبداً ، فيقال لها : التقطي قتلة الحسين ( عليه السلام ) وحملة القرآن ، فتلتقطهم ، فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها ، وشهقت وشهقوا بها ، وزفرت وزفروا بها ، فينطقون بألسنة ذلقة طلقة : يا ربَّنا لِمَ أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان ؟ فيأتيهم الجواب عن الله عزّ وجلَّ : أن من علم ليس كمن لا يعلم (1). وعن أبي خير ، عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يمثَّل لفاطمة ( عليها السلام ) رأس الحسين ( عليه السلام ) ، وينادي أهل القيامة : قتل الله قاتل ولدك يا فاطمة ، قال : فيقول الله عزّ وجلّ : ذلك أفعل به وبشيعته وأحبائه وأتباعه ، وإن فاطمة ( عليها السلام ) في ذلك اليوم على ناقة من نوق الجنة مدَّبجة الجنبين ، واضحة الخدّين ، شهلاء العينين ، رأسها من الذهب المصفَّى ، وأعناقها من المسك والعنبر ، خطامها 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 43/220 ـ 221. (263)
من الزبرجد الأخضر ، رحائلها درّ مفضَّض بالجوهر ، على الناقة هودج غشاؤها من نور الله ، وحشوها من رحمة الله ، خطامها فرسخ من فراسخ الدنيا ، يحفّ بهودجها سبعون ألف ملك بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والثناء على ربّ العالمين ، ثم ينادي مناد من بطنان العرش : يا أهل القيامة ، غضّوا أبصاركم ، فهذه فاطمة بنت محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تمرّ على الصراط ، فتمرّ فاطمة ( عليها السلام ) وشيعتها على الصراط كالبرق الخاطف ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ويلقي أعداءها وأعداء ذريتها في جهنم (1).
وعن الشيخ الصدوق عليه الرحمة ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ، فينادي مناد : غضّوا أبصاركم ، ونكّسوا رؤوسكم حتى تجوز فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ) الصراط ، قال : فتغضّ الخلائق أبصارهم ، فتأتي فاطمة ( عليها السلام ) على نجيب من نجب الجنة ، يشيِّعها سبعون ألف ملك ، فتقف موقفاً شريفاً من مواقف القيامة ، ثم تنزل عن نجيبها فتأخذ قميص الحسين بن علي ( عليه السلام ) بيدها مضمَّخاً بدمه ، وتقول : يا ربّ ، هذا قميص ولدي ، وقد علمت ما صُنع به ، فيأتيها النداء من قبل الله عزَّ وجلَّ : يا فاطمة ، لك عندي الرضا ، فتقول : يا ربّ ، انتصر لي من قاتله ، فيأمر الله تعالى عنقاً من النار فتخرج من جهنم فتلتقط قتلة الحسين بن علي ( عليه السلام ) كما يلتقط الطير الحبَّ ، ثم يعود العنق بهم إلى النار ، فيُعذَّبون فيها بأنواع العذاب ، ثمَّ تركب فاطمة ( عليها السلام ) نجيبها حتى تدخل الجنة ومعها الملائكة المشيِّعون لها ، وذرّيّتها بين يديها ، وأولياؤهم من الناس عن يمينها وشمالها (2). وعن ابن عباس قال : سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) يقول : 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 43/222. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 43/224. (264)
دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم على فاطمة ( عليها السلام ) وهي حزينة ، فقال لها : ما حزنك يا بنية ؟ قالت : يا أبه ، ذكرت المحشر ووقوف الناس عراة يوم القيامة ، قال : يا بنيَّة ، إنه ليوم عظيم ، ولكن قد أخبرني جبرئيل عن الله عزَّ وجلَّ أنه قال : أول من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة أنا ، ثم أبي إبراهيم ، ثم بعلك علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).
ثم يبعث الله إليك جبرئيل في سبعين ألف ملك ، فيضرب على قبرك سبع قباب من نور ، ثم يأتيك إسرافيل بثلاث حلل من نور ، فيقف عند رأسك فيناديك : يا فاطمة بنت محمد! قومي إلى محشرك ، فتقومين آمنة روعتك ، مستورة عورتك ، فيناولك إسرافيل الحلل فتلبسينها ، ويأتيك زوقائيل بنجيبة من نور ، زمامها من لؤلؤ رطب ، عليها محفة من ذهب ، فتركبينها ، ويقود زوقائيل بزمامها ، وبين يديك سبعون ألف ملك ، بأيديهم ألوية التسبيح ، فإذا جدّ بك السير استقبلتك سبعون ألف حوراء ، يستبشرون بالنظر إليك ، بيد كل واحدة منهن مجمرة من نور ، يسطع منها ريح العود من غير نار ، وعليهن أكاليل الجوهر المرصَّع بالزبرجد الأخضر ، فيسرن عن يمينك. فإذا سرت مثل الذي سرت من قبرك إلى أن لقينك استقبلتك مريم بنت عمران ، في مثل من معك من الحور ، فتسلِّم عليك وتسير هي ومن معها عن يسارك. ثم تستقبلك أمك خديجة بنت خويلد أول المؤمنات بالله ورسوله ، ومعها سبعون ألف ملك ، بأيديهم ألوية التكبير ، فإذا قربت من الجمع استقبلتك حواء في سبعين ألف حوراء ، ومعها آسية بنت مزاحم ، فتسير هي ومن معها معك. فإذا توسَّطت الجمع ، وذلك أن الله يجمع الخلائق في صعيد واحد ، فيستوي بهم الأقدام ، ثم ينادي مناد من تحت العرش يسمع الخلائق : غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة الصديقة بنت محمد ومن معها ، فلا ينظر إليك يومئذ إلاّ إبراهيم خليل (265)
الرحمن ( عليه السلام ) وعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ويطلب آدم ( عليه السلام ) حوّاء فيراها مع أمك خديجة أمامك.
ثم ينصب لك منبر من النور ، فيه سبع مراقي ، بين المرقاة إلى المرقاة صفوف الملائكة ، بأيديهم ألوية النور ، ويصطفّ الحور العين عن يمين المنبر وعن يساره ، وأقرب النساء معك عن يسارك حواء وآسية ، فإذا صرت في أعلى المنبر أتاك جبرئيل ( عليه السلام ) فيقول لك : يا فاطمة ، سلي حاجتك ، فتقولين : يا ربّ ، أرني الحسن والحسين ، فيأتيانك وأوداج الحسين تشخب دماً ، وهو يقول : يا ربّ ، خذ لي اليوم حقّي ممن ظلمني ، فيغضب عند ذلك الجليل ، ويغضب لغضبه جهنم والملائكة أجمعون ، فتزفر جهنم عند ذلك زفرة ، ثم يخرج فوج من النار ويلتقط قتلة الحسين وأبناءهم وأبناء أبنائهم ، ويقولون : يا ربّ ، إنا لم نحضر الحسين ، فيقول الله لزبانية جهنم : خذوهم بسيماهم بزرقة الأعين وسواد الوجوه ، خذوا بنواصيهم فألقوهم في الدرك الأسفل من النار ، فإنهم كانوا أشدَّ على أولياء الحسين من آبائهم الذين حاربوا الحسين فقتلوه. ثم يقول جبرئيل ( عليه السلام ) : يا فاطمة ، سلي حاجتك ، فتقولين : يا ربّ شيعتي ، فيقول الله عزَّ وجلَّ : قد غفرت لهم ، فتقولين : يا ربّ شيعة ولدي ، فيقول الله : قد غفرت لهم ، فتقولين : يا رب شيعة شيعتي ، فيقول الله : انطلقي فمن اعتصم بك فهو معك في الجنة ، فعند ذلك يودّ الخلائق أنهم كانوا فاطميين ، فتسيرين ومعك شيعتك ، وشيعة ولدك ، وشيعة أمير المؤمنين ، آمنة روعاتهم ، مستورة عوراتهم ، قد ذهبت عنهم الشدائد ، وسهلت لهم الموارد ، يخاف الناس وهم لا يخافون ، ويظمأ الناس وهم لا يظمأون (1). ولله درّ الحجّة الشيخ فرج العمران عليه الرحمة إذ يقول : 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 43/225. (266)
جاء في الزيارة الناحية الشريفة مخاطبا لسيد الشهداء ( عليه السلام ) : ثمَّ اقتضاك العلمُ للإنكارِ ، ولَزِمَك أن تجاهدَ الفجَّار ، فَسِرتَ في أولادِك وأهاليك ، وشيعتِك وَمَواليك ، وصَدَعْتَ بالحقِّ والبيّنةِ ، ودعوتَ إلى الله بِالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ ، وأمرتَ بإقامةِ الحدودِ ، والطاعةِ للمعبودِ ، ونهيتَ عن الخبائثِ والطُّغيَانِ ، وواجهوك بالظُّلْمِ والعُدوان ، فجاهدتَهُم بَعدَ الإيعاظِ لهم ، وتأكيدِ الحُجَّةِ عليهم ، فنكثوا ذِمَامَك وبيعتَكَ ، وأسخطوا ربَّك وجدَّك ، وبدؤوك بالحرب ، فثبتَّ للطَّعنِ والضربِ ، وطحنتَ جُنُودَ الفُجَّارِ ، واقتحمت قَسْطَلَ الغُبَارِ ، مجالداً بذي الفَقَارِ ، كأنَّك عليُّ المختار. فلما رأوك ثابتَ الجَأشِ ، غيرَِ خائف ولا خَاش ، نصبوا لك غَوائِلَ مَكْرِهم ، وقاتلوك بكيدِهم وشرِّهم ، وأمر اللعينُ جُنودَه ، فمنعوك الماءَ وَورودَهُ ، وناجزوك القِتالَ ، وعاجلوك النِّزَالَ ، ورشقوك بالسِّهامِ والنِّبالِ ، وبسطوا إليك أَكُفَّ الاصطلام ، ولم يرعوا لك ذِمَاماً ، ولا راقبوا فيك آثاماً ، في قَتلِهم أولياءَكَ ، وَنَهبِهِم رحَالَكَ ، أنت مُقدِمٌ في الهَبواتِ ، ومُحتمِلٌ للأذيَّاتِ ، وقد عَجِبَتْ من صَبرِك ملائكةُ السماواتِ ، وأحدقوا بك من كلِّ الجهاتِ ، وأثخنوك بالجراحِ ، وحالوا بينك وبين 1 ـ الروض الأنيق ، الشيخ فرج العمران : 35 ـ 36. (267)
الرَّوَاحِ ، ولم يبق لك ناصرٌ ، وأنت محتسِبٌ صابرٌ ، تذبُّ عن نِسْوتِكَ وأولادِكَ (1).
روى أبو حمزة الثمالي ، قال : سمعت علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) يقول : لما كان اليوم الذي استشهد فيه أبي ( عليه السلام ) جمع أهله وأصحابه في ليلة ذلك اليوم ، فقال لهم : يا أهلي وشيعتي ، اتخذوا هذا الليل جملا لكم ، فانهجوا بأنفسكم ، فليس المطلوب غيري ، ولو قتلوني ما فكّروا فيكم ، فانجوا رحمكم الله ، فأنتم في حلّ وسعة من بيعتي وعهدي الذي عاهدتموني. فقال إخوته وأهله وأنصاره بلسان واحد : والله يا سيّدنا يا أبا عبدالله ، لاخذلناك أبداً ، والله لا قال الناس : تركوا إمامهم وكبيرهم وسيِّدهم وحده حتى قُتل ، ونبلوا بيننا وبين الله عذراً ، ولا نخلّيك أو نُقتل دونك ، فقال لهم ( عليه السلام ) : يا قوم ، إني في غد أُقتل وتُقتلون كلكم معي ، ولا يبقى منكم واحد. فقالوا : الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك ، وشرَّفنا بالقتل معك ، أو لا نرضى أن نكون معك في درجتك يابن رسول الله ؟ فقال : جزاكم الله خيراً ، ودعا لهم بخير ، فأصبح وقُتل وقُتلوا معه أجمعون. فقال له القاسم بن الحسن ( عليه السلام ) : وأنا فيمن يقتل ؟ فأشفق عليه ، فقال له : يا بنيّ ، كيف الموت عندك ؟ قال : يا عمّ أحلى من العسل ، فقال : إي والله فداك عمُّك ، إنك لأحد من يُقتل من الرجال معي ، بعد أن تبلو ببلاء عظيم ، وابني عبدالله. فقال : يا عم ، ويصلون إلى النساء حتى يُقتل عبدالله وهو رضيع ؟ فقال : فداك عمّك ، يُقتل عبدالله إذا جفَّت روحي عطشاً ، وصرت إلى خيمنا فطلبت ماء ولبناً فلا أجد قط ، فأقول : ناولوني ابني لأشرب من فيه ، فيأتوني به ، فيضعونه على يدي ، فأحمله لأدنيه من فيَّ ، فيرميه فاسق ـ لعنه الله ـ بسهم فينحره ، وهو يناغي ، فيفيض دمه في كفي ، فأرفعه إلى السماء ، وأقول : اللهم صبراً واحتساباً 1 ـ المزار ، المشهدي : 503 ـ 504. (268)
فيك ، فتعجلني الأسنة منهم ، والنار تستعر في الخندق الذي فيه ظهر الخيم ، فأكرُّ عليهم في أمرّ أوقات في الدنيا ، فيكون ما يريد الله ، فبكى وبكينا ، وارتفع البكاء والصراخ من ذراري رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الخيم ، ويسأل زهير بن القين ، وحبيب بن مظاهر عنّي ، فيقولون : يا سيّدنا ، فسيِّدنا عليٌّ ( عليه السلام ) ـ فيشيرون إليَّ ـ ماذا يكون من حاله ؟ فأقول مستعبراً : ما كان الله ليقطع نسلي من الدنيا ، فكيف يصلون إليه وهو أب ثمانية أئمة ( عليهم السلام ) (1).
ويقول الحاج أحمد العوى رحمه الله تعالى في شبل الإمام الحسن ( عليه السلام ) :
1 ـ مدينة المعاجز ، السيد هاشم البحراني : 4/215 ـ 216 ح 295. 2 ـ محرِّك الأشجان ، الحاج أحمد العوى : 55. (269)
مكتوباً فيها ، فقال القاسم لنفسه : مضى سنون عليَّ ولم يصبني مثل هذا الألم ، فحلَّ العوذة وفضَّها ونظر إلى كتابتها ، وإذا فيها : يا ولدي يا قاسم ، أوصيك أنك إذا رأيت عمَّك الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء وقد أحاطت به الأعداء فلا تترك البراز والجهاد لأعداء الله وأعداء رسوله ، ولا تبخل عليه بروحك ، وكلَّما نهاك عن البراز عاوده ليأذن لك في البراز ، لتحظى في السعادة الأبدية.
فقام القاسم من ساعته وأتى إلى الحسين ( عليه السلام ) ، وعرض ما كتب أبوه الحسن ( عليه السلام ) على عمّه الحسين ( عليه السلام ) ، فلمَّا قرأ الحسين ( عليه السلام ) العوذة بكى بكاء شديداً وتنفَّس الصعداء ، وقال : يا ابن الأخ ، هذه الوصيّة لك من أبيك ، وعندي وصيّة أخرى منه لك ، ولابد من إنفاذها. فمسك الحسين ( عليه السلام ) على يد القاسم وأدخله الخيمة ، وقال لأم القاسم ( عليه السلام ) : أليس للقاسم ثياب جدد ؟ قالت : لا ، فقال لأخته زينب ، ائتيني بالصندوق ، فأتت به إليه ، ووضع بين يديه ، ففتحه وأخرج منه قباء الحسن ( عليه السلام ) وألبسه القاسم ، ولفَّ على رأسه عمامة الحسن ( عليه السلام ). إلى أن قال : فلمّا رأى الحسين ( عليه السلام ) أن القاسم يريد البراز قال له : يا ولدي ، أتمشي برجلك إلى الموت ؟ قال : وكيف يا عمّ وأنت بين الأعداء وحيد فريد لم تجد محامياً ولا صديقاً ؟ روحي لروحك الفداء ، ونفسي لنفسك الوقاء. ثم إن الحسين ( عليه السلام ) شقَّ أزياق القاسم ، وقطع عمامته نصفين ، ثمَّ أدلاها على وجهه ، ثمَّ ألبسه ثيابه بصورة الكفن ، وشدَّ سيفه بوسط القاسم ، وأرسله إلى المعركة (1) وفي ذلك يقول الحجّة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة :
1 ـ المنتخب للطريحي : 365 ـ 366 ، مدينة المعاجز ، السيد هاشم البحراني : 3/366 ح 93. (270)
قال حميد : كنت في عسكر ابن سعد ، فكنت أنظر إلى هذا الغلام عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ، ما أنسى أنها كانت اليسرى ، فقال عمرو بن سعد الأزدي : والله لأشدّن عليه ، فقلت : سبحان الله! وما تريد بذلك ؟ والله لو ضربني ما بسطت إليه يدي ، يكفيه هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه ، قال : والله لأفعلنَّ ، فشدَّ عليه فما ولَّى حتى ضرب رأسه بالسيف ، ووقع الغلام لوجهه ، ونادى : يا عماه. قال : فجاء الحسين ( عليه السلام ) كالصقر المنقضّ ، فتخلَّل الصفوف ، وشدَّ شدّة الليث الحرب ، فضرب عمراً قاتله بالسيف ، فاتّقاه بيده فأطنّها من المرفق ، فصاح ثم تنحَّى عنه ، وحملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمراً من الحسين ( عليه السلام ) ، 1 ـ الشواهد المنبرية ، الشيخ علي الجشي : 59. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|