المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 256 ـ 270
(256)
غادروه بكربلاءَ صريعاً لاَسَقَى اللهُ جَانِبَيْ كربلاءِ (1)
    وروي أن الرباب بعد رجوعها إلى المدينة خطبها الأشراف من قريش فقالت : والله لا كان لي حمو بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعاشت بعد الحسين ( عليه السلام ) سنة  ، ثم ماتت كمداً على الحسين ( عليه السلام ) ولم تستظلَّ بعده بسقف (2).
    وقال القرماني : ولمَّا رجعت إلى المدينة أقامت فيها لا تهدأ ليلا ولا نهاراً من البكاء على الحسين ( عليه السلام )   ، ولم تستظلَّ تحت سقف حتى ماتت بعد قتله كمداً سنة اثنين وستين للهجرة (3).
    وبكى أهل المدينة على الإمام الحسين ( عليه السلام ) وندبوه ثلاث سنوات  ، روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق  ، عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : نيح الحسين بن علي ثلاث سنين  ، وفي اليوم الذي قتل فيه  ، فكان وائلة بن الأصمع ومروان بن الحكم ومسور بن مخرمة  ، وتلك المشيخة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يجيئون متقنّعين فيستمعون نوح الجن ويبكون (4).
    وقال ابن حمدون في التذكرة : لما قُتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) كان النوح عليه بالمدينة في كل بيت سنة كاملة ثم نيح عليه في السنة الثانية في كل جمعة  ، ثم نيح عليه في الثالثة في كل شهر  ، وكان مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة يدخلان إليهم مقنعين  ، فيبكيان أشدَّ بكاء حتى ينقضي النوح (5).
1 ـ الكامل في التاريخ  ، ابن الأثير : 4/45  ، وقيل رثته بهذه الأبيات زوجته عاتكة بنت عمرو بن عمر بن نفيل ( معجم البلدان  ، الحموي : 4/445 ).
2 ـ راجع : تذكرة الخواص  ، سبط ابن الجوزي : 238  ، الكامل في التاريخ  ، ابن الأثير : 4/36  ، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم  ، ابن الجوزي : 6/9  ، لواعج الأشجان  ، السيد محسن الأمين : 223.
3 ـ تاريخ القرماني : 4.
4 ـ نظم درر السمطين  ، الزرندي الحنفي : 224.
5 ـ التذكرة الحمدونية  ، ابن حمدون : 9/149 رقم : 359.


(257)
    وقال هشام بن الكلبي : حدَّثني بعض أصحابنا  ، عن عمرو بن أبي المقدام قال : حدَّثني عمرو بن عكرمة  ، قال : صبحنا صبيحة قتل الحسين ( عليه السلام ) بالمدينة فإذا مولاة لنا تحدِّثنا  ، قالت : سمعت البارحة منادياً ينادي وهو يقول :
أيُّها القاتلونَ ظلماً حسيناً كلُّ أهلِ السماءِ يدعو عليكم قد لُعِنْتُم على لسانِ ابنِ داو أبشروا بالعذابِ والتنكيلِ من نبيٍّ ومالك وقبيلِ دَ وموسى وحاملِ الإنجيلِ (1)
    ولمَّا أتى أهل المدينة مقتل الحسين ( عليه السلام ) خرجَّت ابنة عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها  ، وهي حاسرة تلوي بثوبها  ، وهي تقول :
مَاذَا تقولونَ إنْ قال النبيُّ لكم بعترتي وبأهلي بَعْدَ مفْتَقَدِي ماذا فَعَلْتُم وأنتم آخِرُ الأُمَمِ منهم أُسَارى ومنهم ضُرِّجُوا بِدَمِ (2)
    وأما بكاء أم البنين ( عليها السلام ) ونياحتها فقد بكت حتى رقَّ لها العدوُّ وبكى لبكائها  ، فأحسن الله لها العزاء بمصابها في أولادها الأربعة الذين فقدتهم في ساعة واحدة.
    ومن قول أم البنين ( عليها السلام ) في رثاء أبي الفضل العباس وسائر أبنائها ( عليهم السلام ) :
يَا مَنْ رأى العبَّاسَ كـ وَوَرَاهُ من أبناءِ حَيْـ أُنْبِئْتُ أنَّ ابني أُصيـ ويلي على شِبْلي أَمَا لو كان سيفُكَ في يديـ رّ على جَمَاهيرِ النَّقَدْ دَرَ كُلُّ ليث ذي لَبَدْ بَ برأسِهِ مقطوعَ يَدْ لَ برأسِهِ ضَرْبُ العَمَدْ ك لَمَا دنا منه أَحَدْ
    وتقول أيضاً :
1 ـ البداية والنهاية  ، ابن كثير : 8/215 ـ 216.
2 ـ تاريخ الطبري : 4/357.


(258)
لاَ تدعونّي ويكِ أمَّ البنينْ كانت بنونٌ لِيَ أُدْعَى بهم أربعةٌ مِثْلُ نُسُورِ الرُّبَى تَنَازَعَ الخِرْصَانُ أَشْلاَءَهم ياليتَ شعري أَكَمَا أخبروا تُذَكِّريني بِلُيُوثِ العرينْ واليومَ أصحبتُ ولا مِنْ بنينْ قد واصلوا الموتَ بِقَطْعِ الوتينْ فكلُّهم أمسى صريعاً طعينْ بأنَّ عباساً قطيعُ اليمينْ
    قال أبو الفرج الإصفهاني : وكانت أم البنين ـ أم هؤلاء الأربعة الإخوة القتلى ـ تخرج إلى البقيع  ، فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها  ، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها  ، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك  ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي. ذكر ذلك علي بن محمد بن حمزة  ، عن النوفلي  ، عن حماد بن عيسى الجهني  ، عن معاوية بن عمار  ، عن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) (1).
    وقال أبو الحسن الأخفش في شرح الكامل : وقد كانت تخرج إلى البقيع كل يوم ترثيه  ، وتحمل ولده عبدالله  ، فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة  ، وفيهم مروان ابن الحكم  ، فيبكون لشجيِّ الندبة (2).
    ومما جاء في مقام أبي الفضل العباس ( عليه السلام ) ومنزلته عند أهل البيت ( عليهم السلام ) هو ما ذكره العلامة الدربندي عليه الرحمة في أسرار الشهادة نقلاً عن بعض كتب المقاتل قال : إنه إذا كان يوم القيامة واشتد الأمر على الناس بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى فاطمة ( عليها السلام ) لتحضر مقام الشفاعة فيقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : يا فاطمة ما عندك من أسباب الشفاعة  ، وما ادخرت لأجل هذا اليوم الذي فيه الفزع الأكبر فتقول فاطمة ( عليها السلام ) : يا أمير المؤمنين كفانا لأجل هذا المقام اليدان المقطوعتان من ابني العباس (3).
1 ـ مقاتل الطالبيين  ، الإصفهاني : 56.
2 ـ عن إبصار العين  ، السماوي : 64.
3 ـ أسرار الشهادة  ، الدربندي : 2/412  ، معالي السبطين  ، الحائري : 445.


(259)
    وفي أسرار الشهادة أيضاً قال العلامة الدربندي عليه الرحمة : أخبرني جمع من الثقاة في هذا الزمان إن واحدا من مؤمني هذا العصر وهو الآن موجود كان يزور الحسين ( عليه السلام ) في كل يوم ثلاث مرات وما كان يزور العباس إلا في الأسبوع مرة وقد رأى في المنام الصديقة الطاهرة ( عليها السلام ) وسلم عليها فأعرضت عنه فقال : بأبي أنت وأمي لأي تقصير تعرضين عني قالت : لإعراضك من زيارتك ابني  ، قال : أنا أزور ابنك في كل يوم قالت : تزور ابني الحسين ( عليه السلام ) ولا تزور ابني العباس إلا قليلا (1).
    ولله در بعض الشعراء إذ يقول على لسان الحسين ( عليه السلام ) لما صرع العباس ( عليه السلام ) :
يا أبا الفضلِ قم ألستَ الذي قد كُسِرَ اليومَ بافتقادِكَ ظهري يا بني هاشم وآلَ نزار وانثنى للخبا مُحدودِبَ الظهرِ فدعا يا بناتّ أحمدَ صبراً إنَّ دهري عليَّ فوَّقَ سهماً أحِمى الضائعاتِ مَنْ لو دعاهُ أوحشَ الحربَ فقدُه في نهار كُنتَ لي مُسعِداً إذا الدّهرُ نابا وقناتي فُلَّتْ وظنِّيَ خابا بدرُكُم قد هوى فقومُوا غضابا تَردَّى من الأسى جِلبَابا عظَّمَ الله أجرَكُم والثَّوابا ورمى كفَّ عَزمتي فأصابا فوقَ هامِ السُّهى مَروُعٌ أهابا وبليل قد أوحشَ المحرابا (2)
    ويقول الحجة الشيخ حسن علي البدر القطيفي عليه الرحمة على لسان الحسين ( عليه السلام ) :
طويتُ على مثلِ وَخْزِ الرماح وَرُحْتُ كما بي تمنّى الحسودُ ضلوعيَ أو مثل حزِّ الصِّفاح وقد لانَ للدهر منّي الجَنَاح

1 ـ أسرار الشهادة  ، الدربندي : 2/412 و 419 ـ 420  ، معالي السبطين  ، الحائري : 446.
2 ـ مجمع المصائب  ، الهنداوي : 1/143.


(260)
وَبتُّ على مثل شوكِ القَتَادِ غداةَ تَغَيَّبُ عن ناظري تَغَيّبْتَ فأظلمَ وجه النهار فقدتُكَ درعاً به أتّقي بنفسيَ أفديك من نازح أبا الفضلِ رحتَ فَرُوحُ التقى اُردّدُ أنفاسَ دامي الجراح مُحَيَّاكَ يا خيرَ من جا وراح بعينيَ واسوّدَ وجهُ الصباح من الدهر طعنَ القنا والرماح رمى فقدُه الصبرَ بالانتزاح عقيبَك قد آذنتْ بالرواح (1)

    روي عن جعفر الأحمر  ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) قال : سمعت جابر بن عبدالله الأنصاري يقول : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنة مدبَّجة الجنبين  ، خطامها من لؤلؤ رطب  ، قوائمها من الزمرد الأخضر  ، ذنبها من المسك الأذفر  ، عيناها ياقوتتان حمراوان  ، عليها قبَّة من نور  ، يُرى ظاهرها من باطنها  ، وباطنها من ظاهرها  ، داخلها عفو الله  ، وخارجها رحمة الله  ، على رأسها تاج من نور  ، للتاج سبعون ركناً  ، كل ركن مرصَّع بالدرّ والياقوت  ، يضيء كما يضيء الكوكب الدريُّ في أفق السماء  ، وعن يمينها سبعون ألف ملك  ، وعن شمالها سبعون ألف ملك  ، وجبرئيل آخذ بخطام الناقة  ، ينادي بأعلى صوته : غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد  ، فلا يبقى يومئذ نبيٌّ ولا رسول ولا صدّيق ولا شهيد إلاَّ غضّوا بأبصارهم حتى تجوز فاطمة  ،
1 ـ سعادة الدارين فيما يتعلق بالإمام الحسين ( عليه السلام )   ، الشيخ حسين البلادي القديحي : 252.

(261)
فتسير حتى تحاذي عرش ربِّها جلَّ جلاله  ، فتنزخ بنفسها عن ناقتها  ، وتقول : إلهي وسيدي  ، احكم بيني وبين من ظلمني  ، اللهم احكم بيني وبين من قتل ولدي  ، فإذا النداء من قبل الله جلَّ جلاله : يا حبيبتي وابنة حبيبي  ، سليني تُعطي  ، واشفعي تُشفعي  ، فوعزّتي وجلالي  ، لا جازني ظلمُ ظالم  ، فتقول : إلهي وسيدي  ، ذرّيّتي وشيعتي وشيعة ذرّيتي  ، ومحبّيَّ ومحبّي ذرّيّتي.
    فإذا النداء من قبل الله جلّ جلاله : أين ذرّيّة فاطمة وشيعتها ومحبُّوها ومحبّو ذرّيّتها ؟ فيقبلون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة  ، فتقدمهم فاطمة ( عليها السلام ) حتى تُدخلهم الجنة (1).
    وعن أبي أحمد بن سليمان الطائي  ، عن علي بن موسى الرضا  ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : تُحشر ابنتي فاطمة ( عليها السلام ) يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدماء  ، تتعلَّق بقائمة من قوائم العرش  ، تقول : يا عدل  ، احكم بيني وبين قاتل ولدي  ، قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ويحكم الله لابنتي وربّ الكعبة.
    وروي عن الرضا  ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : تُحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدم  ، فتتعلَّق بقائمة من قوائم العرش فتقول : يا عدل  ، احكم بيني وبين قاتل ولدي  ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فيحكم لابنتي وربِّ الكعبة  ، وإن الله عزَّ وجلَّ يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها.
    وعن محمد بن سنان  ، عن بعض أصحابه  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا كان يوم القيامة نُصب لفاطمة ( عليها السلام ) قبّة من نور  ، وأقبل الحسين ( عليه السلام )   ، رأسه في يده  ، فإذا رأته شهقت شهقة لا يبقى في الجمع مَلَك مقرَّب  ، ولا نبيٌّ مرسل  ، ولا عبد مؤمن إلاّ بكى لها  ، فيمثِّل الله عزَّ وجلَّ رجلا لها في أحسن
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 43/219.

(262)
صورة  ، وهو يخاصم قتلته بلا رأس  ، فيجمع الله قتلته والمجهزين عليه ومن شرك في قتله فيقتلهم حتى أتى على آخرهم  ، ثمَّ يُنشرون فيقتلهم أمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، ثم ينشرون فيقتلهم الحسن ( عليه السلام )   ، ثم يُنشرون فيقتلهم الحسين ( عليه السلام )   ، ثم يُنشرون فلا يبقى من ذرّيّتنا أحد إلاَّ قتلهم قتلة  ، فعند ذلك يكشف الله الغيظ  ، ويُنسي الحزن.
    ثمّ قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : رحم الله شيعتنا  ، شيعتنا والله هم المؤمنون  ، فقد والله شركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة.
    وعن شريك يرفعه قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة ( عليها السلام ) في لمُة من نسائها  ، فيقال لها : ادخلي الجنة  ، فتقول : لا أدخل حتى أعلم ما صُنع بولدي من بعدي  ، فيقال لها : انظري في قلب القيامة  ، فتنظر إلى الحسين ( عليه السلام ) قائماً وليس عليه رأس  ، فتصرخ صرخة  ، وأصرخ لصراخها  ، وتصرخ الملائكة لصراخنا  ، فيغضب الله عزَّ وجلَّ لنا عند ذلك  ، فيأمر ناراً يقال لها : هبهب  ، قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودّت  ، لا يدخلها روح أبداً  ، ولا يخرج منها غمٌ أبداً  ، فيقال لها : التقطي قتلة الحسين ( عليه السلام ) وحملة القرآن  ، فتلتقطهم  ، فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها  ، وشهقت وشهقوا بها  ، وزفرت وزفروا بها  ، فينطقون بألسنة ذلقة طلقة : يا ربَّنا لِمَ أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان ؟ فيأتيهم الجواب عن الله عزّ وجلَّ : أن من علم ليس كمن لا يعلم (1).
    وعن أبي خير  ، عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يمثَّل لفاطمة ( عليها السلام ) رأس الحسين ( عليه السلام )   ، وينادي أهل القيامة : قتل الله قاتل ولدك يا فاطمة  ، قال : فيقول الله عزّ وجلّ : ذلك أفعل به وبشيعته وأحبائه وأتباعه  ، وإن فاطمة ( عليها السلام ) في ذلك اليوم على ناقة من نوق الجنة مدَّبجة الجنبين  ، واضحة الخدّين  ، شهلاء العينين  ، رأسها من الذهب المصفَّى  ، وأعناقها من المسك والعنبر  ، خطامها
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 43/220 ـ 221.

(263)
من الزبرجد الأخضر  ، رحائلها درّ مفضَّض بالجوهر  ، على الناقة هودج غشاؤها من نور الله  ، وحشوها من رحمة الله  ، خطامها فرسخ من فراسخ الدنيا  ، يحفّ بهودجها سبعون ألف ملك بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والثناء على ربّ العالمين  ، ثم ينادي مناد من بطنان العرش : يا أهل القيامة  ، غضّوا أبصاركم  ، فهذه فاطمة بنت محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تمرّ على الصراط  ، فتمرّ فاطمة ( عليها السلام ) وشيعتها على الصراط كالبرق الخاطف  ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ويلقي أعداءها وأعداء ذريتها في جهنم (1).
    وعن الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن أبان بن عثمان  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد  ، فينادي مناد : غضّوا أبصاركم  ، ونكّسوا رؤوسكم حتى تجوز فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ) الصراط  ، قال : فتغضّ الخلائق أبصارهم  ، فتأتي فاطمة ( عليها السلام ) على نجيب من نجب الجنة  ، يشيِّعها سبعون ألف ملك  ، فتقف موقفاً شريفاً من مواقف القيامة  ، ثم تنزل عن نجيبها فتأخذ قميص الحسين بن علي ( عليه السلام ) بيدها مضمَّخاً بدمه  ، وتقول : يا ربّ  ، هذا قميص ولدي  ، وقد علمت ما صُنع به  ، فيأتيها النداء من قبل الله عزَّ وجلَّ : يا فاطمة  ، لك عندي الرضا  ، فتقول : يا ربّ  ، انتصر لي من قاتله  ، فيأمر الله تعالى عنقاً من النار فتخرج من جهنم فتلتقط قتلة الحسين بن علي ( عليه السلام ) كما يلتقط الطير الحبَّ  ، ثم يعود العنق بهم إلى النار  ، فيُعذَّبون فيها بأنواع العذاب  ، ثمَّ تركب فاطمة ( عليها السلام ) نجيبها حتى تدخل الجنة ومعها الملائكة المشيِّعون لها  ، وذرّيّتها بين يديها  ، وأولياؤهم من الناس عن يمينها وشمالها (2).
    وعن ابن عباس قال : سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) يقول :
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 43/222.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 43/224.


(264)
دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم على فاطمة ( عليها السلام ) وهي حزينة  ، فقال لها : ما حزنك يا بنية ؟ قالت : يا أبه  ، ذكرت المحشر ووقوف الناس عراة يوم القيامة  ، قال : يا بنيَّة  ، إنه ليوم عظيم  ، ولكن قد أخبرني جبرئيل عن الله عزَّ وجلَّ أنه قال : أول من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة أنا  ، ثم أبي إبراهيم  ، ثم بعلك علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).
    ثم يبعث الله إليك جبرئيل في سبعين ألف ملك  ، فيضرب على قبرك سبع قباب من نور  ، ثم يأتيك إسرافيل بثلاث حلل من نور  ، فيقف عند رأسك فيناديك : يا فاطمة بنت محمد! قومي إلى محشرك  ، فتقومين آمنة روعتك  ، مستورة عورتك  ، فيناولك إسرافيل الحلل فتلبسينها  ، ويأتيك زوقائيل بنجيبة من نور  ، زمامها من لؤلؤ رطب  ، عليها محفة من ذهب  ، فتركبينها  ، ويقود زوقائيل بزمامها  ، وبين يديك سبعون ألف ملك  ، بأيديهم ألوية التسبيح  ، فإذا جدّ بك السير استقبلتك سبعون ألف حوراء  ، يستبشرون بالنظر إليك  ، بيد كل واحدة منهن مجمرة من نور  ، يسطع منها ريح العود من غير نار  ، وعليهن أكاليل الجوهر المرصَّع بالزبرجد الأخضر  ، فيسرن عن يمينك.
    فإذا سرت مثل الذي سرت من قبرك إلى أن لقينك استقبلتك مريم بنت عمران  ، في مثل من معك من الحور  ، فتسلِّم عليك وتسير هي ومن معها عن يسارك.
    ثم تستقبلك أمك خديجة بنت خويلد أول المؤمنات بالله ورسوله  ، ومعها سبعون ألف ملك  ، بأيديهم ألوية التكبير  ، فإذا قربت من الجمع استقبلتك حواء في سبعين ألف حوراء  ، ومعها آسية بنت مزاحم  ، فتسير هي ومن معها معك.
    فإذا توسَّطت الجمع  ، وذلك أن الله يجمع الخلائق في صعيد واحد  ، فيستوي بهم الأقدام  ، ثم ينادي مناد من تحت العرش يسمع الخلائق : غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة الصديقة بنت محمد ومن معها  ، فلا ينظر إليك يومئذ إلاّ إبراهيم خليل


(265)
الرحمن ( عليه السلام ) وعلي بن أبي طالب ( عليه السلام )   ، ويطلب آدم ( عليه السلام ) حوّاء فيراها مع أمك خديجة أمامك.
    ثم ينصب لك منبر من النور  ، فيه سبع مراقي  ، بين المرقاة إلى المرقاة صفوف الملائكة  ، بأيديهم ألوية النور  ، ويصطفّ الحور العين عن يمين المنبر وعن يساره  ، وأقرب النساء معك عن يسارك حواء وآسية  ، فإذا صرت في أعلى المنبر أتاك جبرئيل ( عليه السلام ) فيقول لك : يا فاطمة  ، سلي حاجتك  ، فتقولين : يا ربّ  ، أرني الحسن والحسين  ، فيأتيانك وأوداج الحسين تشخب دماً  ، وهو يقول : يا ربّ  ، خذ لي اليوم حقّي ممن ظلمني  ، فيغضب عند ذلك الجليل  ، ويغضب لغضبه جهنم والملائكة أجمعون  ، فتزفر جهنم عند ذلك زفرة  ، ثم يخرج فوج من النار ويلتقط قتلة الحسين وأبناءهم وأبناء أبنائهم  ، ويقولون : يا ربّ  ، إنا لم نحضر الحسين  ، فيقول الله لزبانية جهنم : خذوهم بسيماهم بزرقة الأعين وسواد الوجوه  ، خذوا بنواصيهم فألقوهم في الدرك الأسفل من النار  ، فإنهم كانوا أشدَّ على أولياء الحسين من آبائهم الذين حاربوا الحسين فقتلوه.
    ثم يقول جبرئيل ( عليه السلام ) : يا فاطمة  ، سلي حاجتك  ، فتقولين : يا ربّ شيعتي  ، فيقول الله عزَّ وجلَّ : قد غفرت لهم  ، فتقولين : يا ربّ شيعة ولدي  ، فيقول الله : قد غفرت لهم  ، فتقولين : يا رب شيعة شيعتي  ، فيقول الله : انطلقي فمن اعتصم بك فهو معك في الجنة  ، فعند ذلك يودّ الخلائق أنهم كانوا فاطميين  ، فتسيرين ومعك شيعتك  ، وشيعة ولدك  ، وشيعة أمير المؤمنين  ، آمنة روعاتهم  ، مستورة عوراتهم  ، قد ذهبت عنهم الشدائد  ، وسهلت لهم الموارد  ، يخاف الناس وهم لا يخافون  ، ويظمأ الناس وهم لا يظمأون (1).
    ولله درّ الحجّة الشيخ فرج العمران عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 43/225.

(266)
قالوا ادَّخَرْتَ لدارِك الأخرى زا قَالُوا فَهَلْ يَكْفِيكَ قلتُ بلى قالوا فَمَاذَا الزَّادُ قلتُ لهم داً فقلتُ دَخَرْتُ لي ذُخْراً واللهِ بَلْ يكفي الوَرَى طرّا إنّي اذَّخَرْتُ محبَّةَ الزهرا (1)

    جاء في الزيارة الناحية الشريفة مخاطبا لسيد الشهداء ( عليه السلام ) : ثمَّ اقتضاك العلمُ للإنكارِ  ، ولَزِمَك أن تجاهدَ الفجَّار  ، فَسِرتَ في أولادِك وأهاليك  ، وشيعتِك وَمَواليك  ، وصَدَعْتَ بالحقِّ والبيّنةِ  ، ودعوتَ إلى الله بِالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ  ، وأمرتَ بإقامةِ الحدودِ  ، والطاعةِ للمعبودِ  ، ونهيتَ عن الخبائثِ والطُّغيَانِ  ، وواجهوك بالظُّلْمِ والعُدوان  ، فجاهدتَهُم بَعدَ الإيعاظِ لهم  ، وتأكيدِ الحُجَّةِ عليهم  ، فنكثوا ذِمَامَك وبيعتَكَ  ، وأسخطوا ربَّك وجدَّك  ، وبدؤوك بالحرب  ، فثبتَّ للطَّعنِ والضربِ  ، وطحنتَ جُنُودَ الفُجَّارِ  ، واقتحمت قَسْطَلَ الغُبَارِ  ، مجالداً بذي الفَقَارِ  ، كأنَّك عليُّ المختار.
    فلما رأوك ثابتَ الجَأشِ  ، غيرَِ خائف ولا خَاش  ، نصبوا لك غَوائِلَ مَكْرِهم  ، وقاتلوك بكيدِهم وشرِّهم  ، وأمر اللعينُ جُنودَه  ، فمنعوك الماءَ وَورودَهُ  ، وناجزوك القِتالَ  ، وعاجلوك النِّزَالَ  ، ورشقوك بالسِّهامِ والنِّبالِ  ، وبسطوا إليك أَكُفَّ الاصطلام  ، ولم يرعوا لك ذِمَاماً  ، ولا راقبوا فيك آثاماً  ، في قَتلِهم أولياءَكَ  ، وَنَهبِهِم رحَالَكَ  ، أنت مُقدِمٌ في الهَبواتِ  ، ومُحتمِلٌ للأذيَّاتِ  ، وقد عَجِبَتْ من صَبرِك ملائكةُ السماواتِ  ، وأحدقوا بك من كلِّ الجهاتِ  ، وأثخنوك بالجراحِ  ، وحالوا بينك وبين
1 ـ الروض الأنيق  ، الشيخ فرج العمران : 35 ـ 36.

(267)
الرَّوَاحِ  ، ولم يبق لك ناصرٌ  ، وأنت محتسِبٌ صابرٌ  ، تذبُّ عن نِسْوتِكَ وأولادِكَ (1).
    روى أبو حمزة الثمالي  ، قال : سمعت علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) يقول : لما كان اليوم الذي استشهد فيه أبي ( عليه السلام ) جمع أهله وأصحابه في ليلة ذلك اليوم  ، فقال لهم : يا أهلي وشيعتي  ، اتخذوا هذا الليل جملا لكم  ، فانهجوا بأنفسكم  ، فليس المطلوب غيري  ، ولو قتلوني ما فكّروا فيكم  ، فانجوا رحمكم الله  ، فأنتم في حلّ وسعة من بيعتي وعهدي الذي عاهدتموني.
    فقال إخوته وأهله وأنصاره بلسان واحد : والله يا سيّدنا يا أبا عبدالله  ، لاخذلناك أبداً  ، والله لا قال الناس : تركوا إمامهم وكبيرهم وسيِّدهم وحده حتى قُتل  ، ونبلوا بيننا وبين الله عذراً  ، ولا نخلّيك أو نُقتل دونك  ، فقال لهم ( عليه السلام ) : يا قوم  ، إني في غد أُقتل وتُقتلون كلكم معي  ، ولا يبقى منكم واحد. فقالوا : الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك  ، وشرَّفنا بالقتل معك  ، أو لا نرضى أن نكون معك في درجتك يابن رسول الله ؟ فقال : جزاكم الله خيراً  ، ودعا لهم بخير  ، فأصبح وقُتل وقُتلوا معه أجمعون.
    فقال له القاسم بن الحسن ( عليه السلام ) : وأنا فيمن يقتل ؟ فأشفق عليه  ، فقال له : يا بنيّ  ، كيف الموت عندك ؟ قال : يا عمّ أحلى من العسل  ، فقال : إي والله فداك عمُّك  ، إنك لأحد من يُقتل من الرجال معي  ، بعد أن تبلو ببلاء عظيم  ، وابني عبدالله.
    فقال : يا عم  ، ويصلون إلى النساء حتى يُقتل عبدالله وهو رضيع ؟ فقال : فداك عمّك  ، يُقتل عبدالله إذا جفَّت روحي عطشاً  ، وصرت إلى خيمنا فطلبت ماء ولبناً فلا أجد قط  ، فأقول : ناولوني ابني لأشرب من فيه  ، فيأتوني به  ، فيضعونه على يدي  ، فأحمله لأدنيه من فيَّ  ، فيرميه فاسق ـ لعنه الله ـ بسهم فينحره  ، وهو يناغي  ، فيفيض دمه في كفي  ، فأرفعه إلى السماء  ، وأقول : اللهم صبراً واحتساباً
1 ـ المزار  ، المشهدي : 503 ـ 504.

(268)
فيك  ، فتعجلني الأسنة منهم  ، والنار تستعر في الخندق الذي فيه ظهر الخيم  ، فأكرُّ عليهم في أمرّ أوقات في الدنيا  ، فيكون ما يريد الله  ، فبكى وبكينا  ، وارتفع البكاء والصراخ من ذراري رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الخيم  ، ويسأل زهير بن القين  ، وحبيب بن مظاهر عنّي  ، فيقولون : يا سيّدنا  ، فسيِّدنا عليٌّ ( عليه السلام ) ـ فيشيرون إليَّ ـ ماذا يكون من حاله ؟ فأقول مستعبراً : ما كان الله ليقطع نسلي من الدنيا  ، فكيف يصلون إليه وهو أب ثمانية أئمة ( عليهم السلام ) (1).
    ويقول الحاج أحمد العوى رحمه الله تعالى في شبل الإمام الحسن ( عليه السلام ) :
يا للشبابِ ذَوَتْ منه نَضَارَتُهُ وَشُعْلَةٌ من لهيبِ الحقِّ قد طُفِئَتْ له من الحسن الزاكي شَمَائِلُهُ أصابه الغَادِرُ الأَزْدِي بِضَرْبَتِهِ للهِ قَلْبُ حُسَيْن حين عَايَنَهُ وغاض مَاءُ الصِّبَا من وَجْهِهِ النَّضِرِ بِعَرْصَةِ الطفِّ بين البيضِ والسُّمُرِ فإنَّه ابنُ عليٍّ خيرةِ الخِيَرِ فَخَرَّ منعفراً أَفديه من قَمَرِ يجودُ بالنفسِ في حَرِّ الثرى الوَعِرِ (2)
    روى الشيخ الطريحي عليه الرحمة في المنتخب  ، قال : روي أنه لما آل أمر الحسين ( عليه السلام ) إلى القتال بكربلاء  ، وقتل جميع أصحابه  ، ووقعت النوبة على أولاد أخيه الحسن ( عليه السلام )   ، جاء القاسم بن الحسن ( عليهما السلام ) وقال : يا عمّ  ، الإجازة لأمضي إلى هؤلاء الكفار  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : يابن أخي  ، أنت من أخي علامة  ، وأريد أن تبقى لي لأتسلَّى بك  ، ولم يعطه إجازة للبراز  ، فجلس مهموماً مغموماً  ، باكي العين  ، حزين القلب  ، وأجاز الحسين ( عليه السلام ) إخوته للبراز ولم يجزه  ، فجلس القاسم متألماً  ، ووضع رأسه على رجليه  ، وذكر أن أباه قد ربط له عوذة في كتفه الأيمن  ، وقال له : إذا أصابك ألم وهمّ فعليك بحلّ العوذة وقراءتها  ، فافهم معناها واعمل بكلِّ ما تراه
1 ـ مدينة المعاجز  ، السيد هاشم البحراني : 4/215 ـ 216 ح 295.
2 ـ محرِّك الأشجان  ، الحاج أحمد العوى : 55.


(269)
مكتوباً فيها  ، فقال القاسم لنفسه : مضى سنون عليَّ ولم يصبني مثل هذا الألم  ، فحلَّ العوذة وفضَّها ونظر إلى كتابتها  ، وإذا فيها : يا ولدي يا قاسم  ، أوصيك أنك إذا رأيت عمَّك الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء وقد أحاطت به الأعداء فلا تترك البراز والجهاد لأعداء الله وأعداء رسوله  ، ولا تبخل عليه بروحك  ، وكلَّما نهاك عن البراز عاوده ليأذن لك في البراز  ، لتحظى في السعادة الأبدية.
    فقام القاسم من ساعته وأتى إلى الحسين ( عليه السلام )   ، وعرض ما كتب أبوه الحسن ( عليه السلام ) على عمّه الحسين ( عليه السلام )   ، فلمَّا قرأ الحسين ( عليه السلام ) العوذة بكى بكاء شديداً وتنفَّس الصعداء  ، وقال : يا ابن الأخ  ، هذه الوصيّة لك من أبيك  ، وعندي وصيّة أخرى منه لك  ، ولابد من إنفاذها.
    فمسك الحسين ( عليه السلام ) على يد القاسم وأدخله الخيمة  ، وقال لأم القاسم ( عليه السلام ) : أليس للقاسم ثياب جدد ؟ قالت : لا  ، فقال لأخته زينب  ، ائتيني بالصندوق  ، فأتت به إليه  ، ووضع بين يديه  ، ففتحه وأخرج منه قباء الحسن ( عليه السلام ) وألبسه القاسم  ، ولفَّ على رأسه عمامة الحسن ( عليه السلام ).
    إلى أن قال : فلمّا رأى الحسين ( عليه السلام ) أن القاسم يريد البراز قال له : يا ولدي  ، أتمشي برجلك إلى الموت ؟ قال : وكيف يا عمّ وأنت بين الأعداء وحيد فريد لم تجد محامياً ولا صديقاً ؟ روحي لروحك الفداء  ، ونفسي لنفسك الوقاء.
    ثم إن الحسين ( عليه السلام ) شقَّ أزياق القاسم  ، وقطع عمامته نصفين  ، ثمَّ أدلاها على وجهه  ، ثمَّ ألبسه ثيابه بصورة الكفن  ، وشدَّ سيفه بوسط القاسم  ، وأرسله إلى المعركة (1) وفي ذلك يقول الحجّة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة :
أبُنَيَّ قَاسِمُ أنت صُبْحُ مَسَرَّتي قد كنتُ أرجو أن تكونَ عَلاَمةً ومزيلُ همّي إنْ عَرَاني فَادِحُ لي من أخي فَعَلاَمَ عنّي نَازَحُ

1 ـ المنتخب للطريحي : 365 ـ 366  ، مدينة المعاجز  ، السيد هاشم البحراني : 3/366 ح 93.

(270)
جَدَّدْتَ فَقْدَ أخي فَنَارُ فِرَاقِهِ قد كنتُ أرجو أَنْ تَزُفَّكَ هاشمٌ واليومَ بينَ الكاشحين مُزَمَّلا في القَلْبِ كامنةٌ وفَقْدُك قَادِحُ في مَوْكِب منه يُسَاءُ الكاشحُ بِدَم أَزُفُّكَ والنساءُ نَوَائِحُ (1)
    قال أبو الفرج ومحمد بن أبي طالب وغيرهما : ثم خرج القاسم بن الحسن ( عليه السلام )   ، وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم  ، فلمّا نظر الحسين ( عليه السلام ) إليه قد برز اعتنقه وجعلا يبكيان حتى غُشي عليهما  ، ثم استأذن الحسين ( عليه السلام ) في المبارزة فأبى الحسين أن يأذن له  ، فلم يزل الغلام يقبِّل يديه ورجليه حتى أذن له  ، فخرج ودموعه تسيل على خديه وهو يقول :
إِنْ تنكروني فأَنَا ابنُ الحَسَنْ هذا حسينٌ كالأسيرِ المُرْتَهَنْ سِبْطِ النبيِّ المصطفى والمُؤتَمَنْ بين أُنَاس لا سقوا صَوْبَ المُزُنْ
    وكان وجهه كفلقة القمر  ، فقاتل قتالا شديداً حتى قتل على صغره خمسة وثلاثين رجلا.
    قال حميد : كنت في عسكر ابن سعد  ، فكنت أنظر إلى هذا الغلام عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما  ، ما أنسى أنها كانت اليسرى  ، فقال عمرو بن سعد الأزدي : والله لأشدّن عليه  ، فقلت : سبحان الله! وما تريد بذلك ؟ والله لو ضربني ما بسطت إليه يدي  ، يكفيه هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه  ، قال : والله لأفعلنَّ  ، فشدَّ عليه فما ولَّى حتى ضرب رأسه بالسيف  ، ووقع الغلام لوجهه  ، ونادى : يا عماه.
    قال : فجاء الحسين ( عليه السلام ) كالصقر المنقضّ  ، فتخلَّل الصفوف  ، وشدَّ شدّة الليث الحرب  ، فضرب عمراً قاتله بالسيف  ، فاتّقاه بيده فأطنّها من المرفق  ، فصاح ثم تنحَّى عنه  ، وحملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمراً من الحسين ( عليه السلام )   ،
1 ـ الشواهد المنبرية  ، الشيخ علي الجشي : 59.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس