|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(271)
فاستقبلته بصدورها ، وجرحته بحوافرها ، ووطأته حتى مات.
فانجلت الغبرة فإذا بالحسين ( عليه السلام ) قائم على رأس الغلام ، وهو يفحص برجله ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : يعزّ والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا يعينك ، أو يعينك فلا يغني عنك ، بعداً لقوم قتلوك ، ثمَّ احتمله ، فكأني أنظر إلى رجلي الغلام يخطّان في الأرض ، وقد وضع صدره على صدره ، فقلت في نفسي : ما يصنع ؟ فجاء حتى ألقاه بين القتلى من أهل بيته. ثم قال : اللهم أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تغادر منهم أحداً ، ولا تغفر لهم أبداً ، صبراً يا بني عمومتي ، صبراً يا أهل بيتي ، ولا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً (1). وفي رواية عن حميد بن مسلم أيضاً قال : قال الحسين ( عليه السلام ) : بعداً لقوم قتلوك ، خصمهم فيك يوم القيامة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثمَّ قال : عزَّ على عمك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك ثم لا تنفعك إجابته ، يوم كثر واتره ، وقلَّ ناصره ، ثمَّ احتمله على صدره ، وكأني أنظر إلى رجلي الغلام تخطّان في الأرض حتى ألقاه مع ابنه علي ابن الحسين ( عليه السلام ) ، فسألت عن الغلام فقالوا : هو القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين (2). وروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : كان الحسين بن علي ( عليهما السلام ) يضع قتلاه بعضهم على بعض ، ثم يقول : قتلانا قتلى النبيين وآل النبيين (3). ولله درّ الشيخ عبد الكريم الفرج رحمه الله تعالى إذ يقول :
1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/34 ـ 36. 2 ـ مقاتل الطالبيين ، أبو الفرج الإصفهاني : 58. 3 ـ الغيبة ، النعماني : 211 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 80/45 ح 5. (272)
1 ـ شعراء القطيف ، الشيخ علي المرهون : 256 ـ 257. 2 ـ المجالس السنية ، السيد محسن الأمين : 1/110. (273)
قال الشيخ المفيد عليه الرحمة في الإرشاد في عدد أولاد الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) أنّهم : خمسة عشر ذكراً وأنثى : زيد بن الحسن ، وأختاه أم الحسن وأم الحسين ، أمهم أم بشير بنت أبي مسعود بن عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجيّة ، والحسن بن الحسن ، أمّه خولة بنت منظور الفزارية ، وعمرو بن الحسن وأخواه القاسم وعبدالله ابنا الحسن ، أمهم أم ولد ، وعبدالرحمن بن الحسن ، أمُّه أم ولد ، والحسين بن الحسن الملقَّب بالأثرم ، وأخوة طلحة بن الحسن ، وأختهما فاطمة بنت الحسن ، أمهم أم إسحاق بنت طلحة بن عبيدالله التيمي ، وأم عبدالله ، وفاطمة الصغرى ، وأم سلمة ، ورقية بنات الحسن ، لأمهات شتى (1).
فأما عبد الرحمن فإنه خرج مع عمّه الحسين ( عليه السلام ) إلى الحجّ ، وتوفيِّ بالأبواء وهو محرم ، وأما الحسين بن الحسن المعروف بالأثرم كان له فضل وعبادة ، ولا بقية له ، وطلحة بن الحسن كان جواداً كثير العطاء والصدقات ، وأما عمرو بن الحسن فكان مع الحسين بكربلاء واستشهد. وأمّا الحسن بن الحسن ( عليه السلام ) فإنه كان مع عمّه الحسين ( عليه السلام ) بكربلاء ، فجاهد معه جهاد الأسد الباسل ، وبالغ معه على احتمال الخطب النازل ، حتى أُثخن بالجراح ، وبقي ملقىً لم يكن به حراك ، إلى أن قُتل عمُّه الحسين ، وأتى أعداء الله للتجهيز على الجرحى ، فوجدوا الحسن بن الحسن ملقىً بين القتلى وبه نفس ، فأرادوا أن يجهزوا عليه ، فعرفه أسماء بن خارجة وكان بينه وبين خولة قرابة ، فمنعهم عنه ، وقال : والله لا أدعكم تُجهزون على ابن خولة أبداً. وكانت أم الحسن بن الحسن ( عليه السلام ) خولة الفزارية ، أمّها مليكة أخت أسماء بن خارجة ، فقال عمر بن سعد : اتركوه لأبي حسّان ابن أخته ، فترك ، فأخذه أسماء بن خارجة وحمله إلى منزله ، فبقي يعالج جراحاته حتى برىء ورجع إلى المدينة. 1 ـ الإرشاد ، المفيد : 2/20 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44/163. (274)
وكان الحسن بن الحسن ( عليه السلام ) جليلا ، فاضلا ، ورعاً ، عالماً ، وكان يلي صدقات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بإجازة علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) وله مع الحجّاج خبر رواه الزبير بن بكار ، قال : وكان الحسن بن الحسن والياً على صدقات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في عصره.
وروي أن الحسن بن الحسن خطب إلى عمّه الحسين ( عليه السلام ) إحدى ابنتيه ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : اختر أيهما شئت ، فاستحى الحسن ولم يردَّ جواباً ، فقال له الحسين : يا بنيّ ، إني اخترت لك ابنتي فاطمة ، فهي أكثر شبهاً بأمي فاطمة بنت محمد ، فزوَّجه بها ، وقبض الحسن بن الحسن وله خمس وثلاثون سنة ، ولما مات رحمه الله ضربت فاطمة بنت الحسين ( عليه السلام ) فسطاطاً تقرأ عنده القرآن ، وكانت تصوم النهار وتقوم الليل. وأما زيد بن الحسن ، فإنه كان مع عمه الحسين بكربلاء ، وكان صغيراً لم يراهق ولم يقاتل ، وأخذ أسيراً مع الأسارى ، وسير به مع علي بن الحسين ( عليهما السلام ) وباقي الحرم والأطفال إلى الشام ، وأدخلوا على يزيد في أسوأ حال ومقام. روي أنه كان ذات يوم جالساً بين يدي يزيد بن معاوية ، وكان ولده خالد جالساً معه ، فقال يزيد لزيد بن الحسن ( عليه السلام ) : أتصارع ابني خالداً ؟ فقال : لا ، ولكن أعطه سكيناً وأعطني سكيناً وأقاتله ، فقال يزيد بن معاوية : شنشنة أعرفها من أخزم ، هل تلد الحيّة إلاَّ حية ؟ يريد أن يقتل ابني بمحضري. ثم إن زيد رجع إلى المدينة مع علي بن الحسين وحرم الحسين وأقام بها ، وكان زيد جليل القدر ، كريم الطبع ، ظريف النفس ، كثير البرّ ، وكان يتولَّى صدقات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ومدحه الشعراء ، وقصده الناس من الآفاق لطلب فضله ، وأسنّ زيد حتى بلغ تسعين سنة (1) 1 ـ وفيات الأئمة ( عليهم السلام ) ، مجموعة من علماء البحرين والقطيف : 131 ـ 132. (275)
وعبدالله بن الحسن كان مع عمّه الحسين ( عليه السلام ) ، وكان صغيراً لم يراهق ، ابن إحدى عشرة سنة ، فلمَّا فني أنصار الحسين ( عليه السلام ) وعزم على لقاء الأعداء بنفسه أتى مودِّعاً لنسائه ، فسمع عبدالله وداع عمّه الحسين ( عليه السلام ) والوصيَّة به ، فلمَّا خرج الحسين من الخيمة لحقه عبدالله فصاح الحسين بالنساء ، أمسكنه ، فخرجن النساء ليرددنه.
فقال : اتركوني ، فوالله لا فارق عمّي أو أموت دونه ، فانفلت من أيدي النساء ولحق عمَّه ، فرأى عبدُ الله مرَّةَ بن فضيل الأزدي وهو هاو إلى الحسين ( عليه السلام ) بسيفه ، فنادى : يا ابن الزانية ، أتقتل عمّي ؟ فالتفت إليه مرة وضربه بسيفه ، فاتّقاها الغلام بيده فأطنَّها إلى الساعد ، فصاح عبدالله : يا عمَّاه أدركني ، فحلَّ عليه الحسين كما يحلّ الصقر على فريسته ، فأتاه وقتل مرة ، ثم وقف ( عليه السلام ) على الغلام وهو يفحص برجليه ، فقال : عزيز على عمك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك ، صوت كثر والله واتره وقلَّ ناصره ، ولكن هوَّن عليَّ ما نزل بي أنه بعين الله (1). وفي رواية الشيخ المفيد والسيد ابن طاووس عليهما الرحمة قالا : فخرج عبدالله بن الحسن بن علي ( عليهم السلام ) ـ وهو غلام لم يراهق ـ من عند النساء يشتدّ ، حتى وقف إلى جنب الحسين ( عليه السلام ) ، فلحقته زينب بنت علي ( عليه السلام ) لتحبسه ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : احبسيه يا أختي ، فأبى وامتنع امتناعاً شديداً ، وقال : لا والله لا أفارق عمي ، وأهوى أبجر بن كعب ـ وقيل : حرملة بن كاهل ـ إلى الحسين ( عليه السلام ) بالسيف ، فقال له الغلام : ويلك يا ابن الخبيثة ، أتقتل عمي ؟ فضربه بالسيف ، فاتّقاه الغلام بيده فأطنَّها إلى الجلد فإذا هي معلَّقة ، فنادى الغلام : يا أُمَّاه ، فأخذه الحسين ( عليه السلام ) فضمَّه إليه وقال : يابن أخي ، اصبر على ما نزل بك ، واحتسب في ذلك 1 ـ وفيات الأئمة ( عليهم السلام ) ، مجموعة من علماء البحرين والقطيف : 127. (276)
الخير ، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين ، قال السيد ابن طاووس عليه الرحمة : فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمه الحسين ( عليه السلام ) (1).
أقول : يعزّ على سيد شباب أهل الجنة ( عليه السلام ) أن يرى أهل بيته وهؤلاء الفتية من أولاد أخيه الإمام الحسن ( عليه السلام ) صرعى مخضَّبين بدمائهم ، وهم لم يبلغوا الحلم ولله درّ الشيخ صالح الكواز الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
جاء في كتاب شجرة طوبى : روي في بعض الكتب أنه لما اشتدَّ غضب الرشيد على العلويين جعل يقطع الأيدي من أولاد فاطمة ( عليها السلام ) ، ويسمل الأعين ، وبنى عليهم الاسطوانات حتى شرَّدهم في البلدان ، ومن جملتهم القاسم ابن الإمام موسى بن جعفر ، وقد أخذ جانب الشرق لعلمه أن هناك ـ قبر ـ جدّه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وجعل 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/53. 2 ـ رياض المدح والرثاء : 161 ـ 162. (277)
يتمشَّى على شاطىء الفرات وإذا هو ببنتين تلعبان في التراب ، إحداهما تقول للأخرى : لا وحقّ الأمير ، صاحب بيعة يوم الغدير ، ما كان الأمر كذا وكذا ، وتعتذر من الأخرى ، فلمَّا رأى عذوبة منطقها قال لها : من تعنين بهذا الكلام ؟ قالت : أعني الضارب بالسيفين ، والطاعن بالرمحين ، أبا الحسن والحسين ، علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قال لها : يا بنيَّة ، هل لك أن ترشديني إلى رئيس هذا الحيِّ ؟ قالت : نعم ، إن أبي كبيرهم ، فمشت ومشى القاسم خلفها حتى أتت إلى بيتهم ، فبقي القاسم ثلاثة أيام بعزّ واحترام ، فلمّا كان اليوم الرابع دنا القاسم من الشيخ وقال له : يا شيخ ، أنا سمعت ممن سمع من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن الضيف له ثلاثة وما زاد على ذلك فما يأكل به صدقة ، وإني أكره أن آكل الصدقة ، وإني أريد أن تختار لي عملا اشتغل به لئلا يكون ما آكله صدقة.
فقال الشيخ : اختر لك عملا ، فقال له القاسم : اجعلني أسقي الماء في مجلسك ، فبقي القاسم على هذا إلى أن كانت ذات ليلة وخرج الشيخ في نصف الليل في قضاء حاجة له ، فرأى القاسم صافّاً قدميه وهو قائم وقاعد وراكع وساجد ، فعظُم في نفسه ، وجعل الله محبَّة القاسم في قلب الشيخ ، فلمّا أصبح الصباح جمع عشيرته وقال لهم : أريد أن أزوِّج ابنتي من هذا العبد الصالح ، فما تقولون ؟ قالوا : نعم ما رأيت ، فزوَّجه من ابنته ، فبقي القاسم عندهم مدّة من الزمان حتى رزقه الله منها ابنة ، وصار لها من العمر ثلاث سنين ، ومرض القاسم مرضاً شديداً حتى دنا أجله ، وتصرَّمت أيامه ، فجلس الشيخ عند رأسه يسأله عن نسبه ، وقال : ولدي ، لعلّك هاشمي ؟ قال له : نعم ، أنا ابن الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) فجعل الشيخ يلطم على رأسه وهو يقول : واحيائي من أبيك موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ، قال له : لا بأس عليك يا عم ، إنك أكرمتني ، وإنك معنا في الجنة ، يا عم فإذا أنا متُّ فغسِّلني وحنِّطني وكفِّني وادفني ، وإذا صار وقت الموسم حُجَّ أنت وابنتك وابنتي هذه ، فإذا (278)
فرغت من مناسك الحج فاجعل طريقك على المدينة ، فإذا أتيت المدينة فأنزل ابنتي على بابها فستدرج وتمشي ، فامش أنت وزوجتي خلفها حتى تقف على باب دار عالية ، فتلك الدار دارنا ، فتدخل البيت وليس فيها إلاّ نساء وكلّهن أرامل.
ثمَّ قضى ( عليه السلام ) نحبه فغسَّله وحنَّطه وكفَّنه ودفنه ، ولله درّ الحجة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ ديوان العلامة الجشي : 368 ـ 369. (279)
جعلت تبكي وتنادي ، وا ولداه ، وا قاسماه ، والله هذه يتيمة ولدي القاسم ، فقلن لها : من أين تعرفينها أنها ابنة القاسم ؟ قالت : نظرت إلى شمائلها لأنها تشبه شمائل ولدي القاسم ، ثم أخبرتهم البنت بوقوف جدّها وأمّها على الباب ، وقيل : إنها مرضت لما علمت بموت ولدها ، فلم تمكث إلاَّ ثلاثة أيام حتى ماتت.
1 ـ ديوان العلامة الجشي : 369 ـ 370. 2 ـ شجرة طوبى ، الشيخ محمد مهدي الحائري : 1/171. (280)
المجلس الرابع ، من اليوم الثامن
جاء في بعض زيارات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) : يا مواليَّ ، فلو عاينكم المصطفى ، وسهام الأمة معرقة في أكبادكم ، ورماحهم مشرعة في نحوركم ، وسيوفها مولغة في دمائكم ، يشفي أبناء العواهر غليل الفسق من ورعكم ، وغيظ الكفر من إيمانكم ، وأنتم بين صريع في المحراب قد فلق السيف هامته ، وشهيد فوق الجنازة قد شُكَّت بالسهام أكفانه ، وقتيل بالعراء قد رُفع فوق القناة رأسُه ، ومكبَّل في السجن رُضَّت بالحديد أعضاؤه ، ومسموم قد قُطِّعت بجرع السمِّ أمعاؤه ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العلي العظيم.
ما جرى على ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من القتل والتشريد والاضطهاد من ولاة الجور فقد أوصى المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) هذه الأمة بحفظ عترتة وأهل بيته ( عليهم السلام ) ، ولكن 1 ـ رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 229. (281)
هذه الأمة لم ترع حقَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في عترته ، فانظر ماذا فعلوا بهم ، وما جرى عليهم من قتلهم ، وسفك دمائهم ، وتشريدهم عن أوطانهم ، وحبسهم في المطامير ، وغير ذلك مما جرى عليهم من ألوان العذاب ، من ولاة الجور والظلمة ، فتناسوا كل وصايا النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكأنهم لم يسمعوا شيئاً من ذلك في حقّ عترته وأبنائه الطاهرين ( عليهم السلام ) ولله درّ الشيخ عبدالحسين العاملي عليه الرحمة إذ يقول :
وجاء عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) ، في قوله تعالى : « وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً » (3) قال : 1 ـ رياض المدح والرثاء : 120. 2 ـ عيون أخبار الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، الصدوق : 1/297 ـ 298. 3 ـ سورة الكهف ، الآية : 82. (282)
حُفظا لصلاح أبيهما ، وما ذكر عنهما صلاحاً (1).
وروي عن ابن عباس وجابر وأبي عبدالله الصادق ( عليه السلام ) أن الله يصلح بصلاح الرجل ولده وولد ولده ، ويحفظه في ذريته ، وكان السابع من آبائهما (2). قال المقريزي : فإذا صحَّ أن الله سبحانه قد حفظ غلامين لصلاح أبيهما فيكون قد حفظ الأعقاب برعاية الأسلاف ، وإن طالت الأحقاب ، ومن ذلك ما جاء في الأثر أن حمام الحرم من حمامتين عشَّشتا على فم الغار الذي اختفى فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (3) فلذلك حرم حمام الحرم ، وإذا كان كذلك فمحمد ( صلى الله عليه وآله ) أحرى وأولى وأحقّ ، وأجدر أن يحفظ الله تعالى ذرّيّته ، فإنه إمام الصلحاء ، وما أصلح الله فساد خلقه إلاَّ به (4). وروي عن الإمام الحسن ( عليه السلام ) أنه قال لبعض الخوارج : بمَ حفظ الله مال الغلامين ؟ قال : بصلاح أبيهما ، قال : فأبي وجدي خير منه!! (5) وروي عن الإمام علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : ألا إن الله ذكر أقواماً بآبائهم فحفظ الأبناء للآباء ، قال تعالى : « وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً » ولقد حدَّثني أبي عن آبائه أنه التاسع من ولده ، ونحن عترة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) احفظوها لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (6). وروي عن الإمام الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : احفظوا فينا ما حفظ العبد الصالح في اليتيمين (7). قال الكاتب عبدالحليم الجندي : فليس في تاريخ البشرية كلِّها أسرة شُرِّدت 1 ـ المستدرك ، الحاكم : 2/369. 2 ـ راجع : الدرّ المنثور ، السيوطي : 4/235 ، فتح القدير ، الشوكاني : 3/306 ، وص 304. 3 ـ راجع : الصواعق المحرقة ، ابن حجر : 242 ط. مصر ، و 361 ط. بيروت ـ خاتمة في ذكر أمور مهمة. 4 ـ فضل آل البيت ( عليهم السلام ) ، المقريزي : 110. 5 ـ تفسير الرازي : 21/162 مورد الآية. 6 ـ رشفة الصادي : 91 باب 9. 7 ـ أخرجه ابن الأخضر في معالم العترة ، الصواعق المحرقة ، ابن حجر : 175 ط مصر ، 266 ط بيروت ، المقصد الثالث من الآية الرابعة ، رشفة الصادي : 91 باب 9 ، فضل آل البيت ( عليهم السلام ) ، المقريزي : 109. (283)
وجرِّدت ، وذاقت العذاب والاسترهاب ، مثل أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، بدأ بهم تاريخ الإسلام مجده ، واستمرَّ فيهم بعبرته وعظمته ، قدَّم أبوهم للبشرية أسباب خلاصها بكتاب الله وسنَّة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وقدَّم أهل بيته أرواحهم في سبيل القيم التي نزل بها القرآن ، وجاءت بها السنة ، كانت مصابيحهم تتحطَّم لكن شعلتهم لا تنطفىء ، لتُخلِّد الجهاد والاستشهاد والإرشاد ، بالمثل العالي الذي كانوه ، والضوء الذي لم تمنع الموانع من انتشاره ، وعلَّم فيه أبناء النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمته بعض علومه : أن الاستشهاد حياة للمستشهدين وللأحياء جميعا (1).
وناهيك أيها الموالي لو سمعت كلمات أهل البيت ( عليهم السلام ) فيما جرى عليهم من الجور والعدوان ، والظلم والإستبداد ، فإليك بعض الكلمات التي خرجت من صدور أهل بيت الوحي ( عليهم السلام ) ، من صدور مكلومة بالألم ، طفح بها الكيل مما عانته من ولاة الجور وملؤها حسرةً وألماً ، فأصبحوا في الأمة التي خلَّفهم فيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون. روى الكليني عليه الرحمة ، عن الحسين بن مصعب ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : كنت أبايع لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على العسر واليسر والبسط والكره إلى أن كثر الإسلام وكثف ، قال : وأخذ عليهم علي ( عليه السلام ) أن يمنعوا محمداً وذرّيّته مما يمنعون منه أنفسهم وذراريهم ، فأخذتها عليهم ، نجا من نجا ، وهلك من هلك (2). وعن زيد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جدّه ( عليهم السلام ) ، قال : قال علي ( عليه السلام ) : كنت مع الأنصار لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على السمع والطاعة له في المحبوب والمكروه ، فلمّا عزَّ الإسلام ، وكثر أهله قال ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي ، زد فيها : على أن تمنعوا 1 ـ الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، عبد الحليم الجندي : 111. 2 ـ الكافي ، الشيخ الكليني : 8/261 ح 374. (284)
رسول الله وأهل بيته مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم ، قال : فحملها على ظهور القوم ، فوفى بها من وفى ، وهلك من هلك (1).
وروي أنه قيل لعلي بن الحسين ( عليه السلام ) : كيف أصبحت ؟ فقال ( عليه السلام ) : أصبحنا خائفين برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأصبح جميع أهل الإسلام آمنين به (2). وروي عنه ( عليه السلام ) هذه الأبيات الشريفة :
وقال الناشىء الصغير من قصيدة له وهي بضعة عشر بيتاً ، ذكر منها الحموي قوله :
1 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 6/44 ـ 45. 2 ـ التذكرة الحمدونية ، ابن حمدون : 9/224 رقم : 443 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 75/159. 3 ـ شجرة طوبى ، الحائري : 1/6 ، وأوردها الذهبي في سير أعلام النبلاء : 15/167 ونسبها لغير الإمام ( عليه السلام ) ، ينابيع المودة لذوي القربى ، القندوزي : 3/93. 4 ـ ينابيع المودة ، القندوزي : 3/93. (285)
1 ـ معجم الأدباء ، الحموي : 13/292 ـ 293 ، لسان الميزان ، ابن حجر : 4/239 ـ 240. 2 ـ المتوفَّى سنة ( 1306 هـ ). 3 ـ الإمام محمد الجواد ( عليه السلام ) ، الحاج حسين الشاكري : 489. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|