المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 286 ـ 300
(286)
منّا  ، فأصبحوا يأخذون بحقّنا  ، ولا يعرفون لنا حقا  ، فهكذا أصبحنا إذ لم تعلم كيف أصبحنا  ، قال : فظننت أنه أراد أن يسمع من في البيت (1).
    وفي رواية السيّد ابن طاووس عليه الرحمة قال : خرج زين العابدين ( عليه السلام ) يوماً يمشي في أسواق دمشق فاستقبله المنهال بن عمرو  ، فقال له : كيف أمسيت يا ابن رسول الله ؟ قال : أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون  ، يذبِّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم  ، يا منهال  ، أمست العرب تفتخر على العجم بأن محمداً عربي  ، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأن محمداً منها  ، وأمسينا معشر أهل بيته ونحن مغصوبون مقتولون مشرَّدون  ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون مما أمسينا فيه يا منهال  ، ولله درّ مهيار الديلمي عليه الرحمة حيث يقول :
يُعَظِّمُونَ له أعوادَ مِنْبَرِهِ بأيِّ حكم بنوه يَتْبَعُونكُمُ وتحت أَرْجُلِهِم أولادَهُ وَضَعوا وَفَخْرُكم أنكم صَحْبٌ له تَبَعُ (2)
    وروي عن الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) أنه قال : لا رعى الله ( حقَّ ) هذه الأمة  ، فإنها لم ترع حقَّ نبيها ( صلى الله عليه وآله ) في أهله  ، أما والله لو تركوا الحقَّ لأهله لما اختلف في الله تعالى اثنان  ، وأنشد ( عليه السلام ) يقول :
إنَّ اليهودَ لِحُبِّهم لنبيِّهم وذوو الصليبِ بحبِّهم لصليبِهِمْ والمؤمنون بحبِّ آلِ محمَّد أَمِنُوا بَوَائِقَ حَادِثِ الأزمانِ يمشون زَهْواً في قُرَى نَجْرَانِ يُرْمَون في الآفاقِ بالنيرانِ (3)

1 ـ الطبقات الكبرى  ، ابن سعد : 5/219  ، تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 41/396.
2 ـ اللهوف في قتلى الطفوف  ، ابن طاووس : 112.
3 ـ كتاب الإمام  ، الإسكندراني : 5/301  ، ينابيع المودة  ، القندوزي : 3/42.
ورواها أيضاً ابن عقيل في العتب الجميل  ، وروى البيت الثاني هكذا :
وذووا الصليبِ بحبِّ عيسى أصبحوا يمشون زهواً في رُبَى نَجْرَانِ
العتب الجميل  ، ابن عقيل : 137  ، ينابيع المودة : 3/249.


(287)
    وروي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليهما السلام ) أنه قال : احفظوا فينا ما حفظ العبد الصالح في اليتيمين لأبيهما الصالح  ، وكان الجدَّ السابع  ، وقد ضيَّعت هذه الأمة حقَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقتل أولاده (1).
    ويروى أنه وقف الإمام الصادق ( عليه السلام ) مستتراً في خفية  ، يشاهد المحامل التي حمل عليها عبدالله بن الحسن وأهله في القيود والحديد من المدينة إلى العراق  ، فلمَّا مرّوا به بكى  ، وقال ( عليه السلام ) : ما وفت الأنصار ولا أبناء الأنصار لرسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، بايعهم على أن يمعنوا محمداً وأبناءه وأهله وذرّيّته مما يمنعون منه أنفسهم وأبناءهم وأهلهم وذراريهم فلم يفوا  ، اللهم اشدد وطأتك على الأنصار (2).
    وقال منصور النمري في ظلامة أهل البيت ( عليهم السلام ) :
آلُ النبيِّ وَمَنْ يُحِبُّهُمُ أَمِنَ النَّصَارى واليهودُ وَهُمْ يتطامنون مَخَافَةَ القَتْلِ من أُمَّةِ التوحيدِ في أَزْلِ (3)
    وقد أُنشد الرشيد هذين البيتين بعد موت منصور هذا  ، فقال الرشيد ـ بعد أن أرسل إليه من يقتله فوجده قد مات ـ : لقد هممت أن أنبش عظامه فأحرقها (4). وقال في طبقات الشعراء : إن الرشيد بعد سماعه لمدائح النمري في أهل البيت ( عليهم السلام ) أمر أبا عصمة الشيعي بأن يخرج من ساعته إلى الرقّة  ، ليسلَّ لسان منصور من قفاه  ، ويقطع يده ورجله  ، ثمَّ يضرب عنقه  ، ويحمل إليه رأسه  ، بعد أن يصلب بدنه  ، فخرج أبو عصمة لذلك  ، فلمَّا صار بباب الرقة استقبلته جنازة النمري  ، فرجع إلى الرشيد فأعلمه  ، فقال له الرشيد : ويلي عليك يا ابن الفاعلة  ، فألا إذا صادفته ميتاً
1 ـ مقتل الحسين ( عليه السلام )   ، الخوارزمي : 2/115 ح 47.
2 ـ شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 6/44 ـ 45  ، عن مقاتل الطالبيين  ، الإصبهاني : 149.
3 ـ زهر الآداب وثمر الألباب  ، القيرواني : 2/6.
4 ـ زهر الآداب هامش المستطرف : 1/2  ، الشعر والشعراء : 547  ، طبقات الشعراء : 246.


(288)
فأحرقته بالنار! (1).
    وروى ابن أبي الحديد المعتزلي أيضاً قال : لما ولي خالد بن عبدالله القسري مكة ـ وكان إذا خطب بها لعن علياً والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ـ فقال عبيدالله بن كثير السهمي وقد أخذ بأستار الكعبة :
لعن اللهُ من يسبُّ علياً أيُسَبُّ المطهَّرون جُدُوداً يَأمَنُ الطيرُ والحَمَامُ وَلاَ يأ طِبْتَ بيتاً وطاب أهلُكَ أهلا رحمةُ اللهِ والسلامُ عليهم وحسيناً من سوقة وإمامِ والكِرَامُ الآباءِ والأعمامِ مَنُ آلُ الرسولِ عندَ المَقَامِ أَهْلُ بيتِ النبيِّ والإسلام كلَّما قام قائمٌ بسلامِ (2)
    وقال حين عابوه على محبَّته لأهل البيت ( عليهم السلام ) :
إِنَّ امرءاً أَمْسَتْ مَعَايبُهُ وبني أبي حسن وَوالِدِهم أَيُعَدُّ ذنباً أنْ أحبَّهُمُ حبَّ النبيِّ لَغَيْرُ ذي ذَنْبِ مَنْ طَابَ في الأَرحامِ والصُّلْبِ بل حُبُّهم كَفَّارَةُ الذنبِ (3)
    وروى الآبي بإسناده عن عبدالرحمن بن المثنى  ، قال : خطب عبدالملك بن مروان  ، فلما بلغ إلى العِظة قام إليه رجل من آل صوحان فقال : مهلا مهلا  ، تأمرون فلا تأتمرون  ، وتنهون ولا تنتهون  ، وتعظون ولا تتعظون  ، أفنقتدي بسيرتكم في أنفسكم ؟ أم نطيع أمركم بألسنتكم ؟ فإن قلتم : اقتدوا بسيرتنا فأنَّى ؟ وكيف ؟ وما الحجّة ؟ وما النصير من الله باقتداء سيرة الظلمة الفسقة الجورة الخونة الذين اتخذوا مال الله دولا  ، وعبيده خولا ؟ وإن قلتم : اقبلوا نصيحتنا  ، وأطيعوا أمرنا  ، فكيف
1 ـ طبقات الشعراء : 244.
2 ـ شرح النهج  ، ابن أبي الحديد : 15/256  ، العتب الجميل  ، ابن عقيل : 147  ، كتاب الحيوان  ، الجاحظ : 3/194.
3 ـ البيان والتبيين  ، الجاحظ : 3/359.


(289)
ينصح لغيره من يغشّ نفسه ؟ أم كيف تجب الطاعة لمن لم تثبت له عند الله عدالته ؟ وإن قلتم : خذوا الحكمة من حيث وجدتموها  ، واقبلوا العظة ممن سمعتموها  ، فعلام ولَّيناكم أمرنا  ، وحكَّمناكم في دمائنا وأموالنا ؟
    أما علمتم أن فينا من هو أنطق منكم باللغات  ، وأفصح بالعظات  ، فتحلحلوا عنها أولا  ، فأطلقوا عقالها  ، وخلّوا سبيلها  ، يبتدر إليها (1) آل الرسول ( عليهم السلام ) ، الذين شرَّدتموهم في البلاد  ، وفرّقتموهم في كل واد  ، بل تثبت في أيديكم لانقضاء المدّة  ، وبلوغ المهلة  ، وعظم المحنة  ، إن لكل قائم قدراً لا يعدوه  ، ويوماً لا يخطوه  ، وكتاباً بعده يتلوه « لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا » (2) « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ » (3) قال : ثم أجلس الرجل فطلب فلم يوجد (4).
    وقال ابن الرومي عليه الرحمة في ظلامة أهل البيت ( عليهم السلام ) :
أَلاَ أيُّهذا الناسُ طال ضريرُكُمْ أكُلَّ أوان للنبيِّ محمَّد بآلِ رسولِ اللهِ فاخشوا أو ارتجوا قتيلٌ زكيٌّ بالدماءِ مضرَّجُ
    إلى أن قال :
بني المصطفى كم يأكُلُ الناسُ شِلْوَكم أما فيهِمُ راع لحقِّ نبيِّه وبلواكُمُ عمَّا قليل تفرَّجُ ولا خائفٌ من ربِّه يتحرَّجُ (5)
    وأنشد موسى بن داود السلمي لأبيه يرثي الحسين صاحب فخ ومن قتل

1 ـ في نهاية الإرب : ينتدب إليها.
2 ـ سورة الكهف  ، الآية : 49.
3 ـ سورة الشعراء  ، الآية : 227.
4 ـ نثر الدّر  ، الآبي : 5/203 ـ 204  ، نهاية الإرب النويري : 7/249  ، ورواها أيضاً الشيخ المفيد عليه الرحمة في كتابه الأمالي : 280.
5 ـ مقاتل الطالبيين  ، أبو الفرج الإصبهاني : 646.


(290)
معه :
يا عينُ إبكي بدمع منكِ مُنْهَمِر صَرْعَى بفخٍّ تجرُّ الريحُ فوقَهُمُ حتى عَفَت أَعْظُمٌ لو كان شَاهَدَها ماذا يقولون والماضون قَبْلَهُمُ ماذا يقولون إنْ قال النبيُّ لهم لا الناسُ من مُضَر حَامَوا ولا غَضِبوا يا ويحَهُمْ كيف لم يرعوا لهم حُرُماً فقد رأيتِ الذي لاقى بنو حَسَنِ أذيالَها وغوادي الدُّلَّجِ المُزُنِ محمَّدٌ ذبَّ عنها ثُمَّ لم تَهُنِ على العداوةِ والبغضاءِ والإِحَنِ ماذا صنعتم بنا في سَالِفِ الزمنِ ولا ربيعةُ والأحياءُ من يَمَنِ وقد رعى الفيلُ حَقَّ البيتِ ذي الرُّكُنِ (1)
    وكذلك أصبح محبُّ آل البيت ( عليهم السلام ) آنذاك لا يأمن على نفسه وولده من السلطان  ، ولا يسلم أيضاً من عذل أولئك الذين ساروا في ركاب الظلمة  ، فاضطرّ الكثير من محبّي أهل البيت ( عليهم السلام ) أن يخفي حبَّه وولاءه حتى لا يتعرَّض للأذى والجور  ، فمن عُرف يومئذ بولائه لأهل البيت ( عليهم السلام ) لا ينجيه إلاَّ التستُّر  ، أو التنكُّر  ، أو الهرب إلى حيث لا يتبعه الطلب  ، وإلاَّ سوف يتعرَّض للقتل أو الأذى  ، قال الكميت عليه الرحمة :
ألم تَرَني من حُبِّ آلِ محمَّد كأنيَ جَان مُحْدِثٌ وكأنني على أيِّ جرم أم بأيَّةِ سيرة أروحُ وأغدو خائفاً أَتَرَقَّبُ بهم أتّقي من خشيةِ العارِ أجربُ أُعَنَّفُ في تقريظِهِمْ وأُؤَنَّبُ (2)
    وقال أبو القاسم الرسي بن إبراهيم بن طباطبا  ، إسماعيل الديباج  ، عندما هرب من المنصور إلى السند :
لَمْ يُرْوِهِ مَا أَرَاقَ البغيُ من دَمِنَا في كلِّ أرض فَلَمْ يَقْصُرْ من الطلبِ

1 ـ مقاتل الطالبيين  ، أبو الفرج الإصبهاني : 306 ـ 307.
2 ـ أدب الشيعة  ، الدكتور عبد الحسيب حميدة : 259.


(291)
وليس يشفي غليلا في حَشَاه سوى أَنْ لاَ يُرَى فوقها ابنُ بنتِ نبي (1)
    ويقول الطغرائي في جملة أبيات له :
ومتى تولَّى آلَ أحمدَ مُسْلِمٌ قتلوه أو وَصَمُوه بالإلحادِ (2)

    قال ابن شهر آشوب عليه الرحمة في المناقب : اشتهر في الصحاح بالأسانيد المعتبرة أن أبا بكر وعمر خطبا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاطمة ( عليها السلام ) مرّة بعد أخرى فردَّهما  ، وقال : إنّها صغيرة  ، فأقبلا إلى علي ( عليه السلام ) وقالا : يا أبا الحسن  ، لو أتيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فذكرت له فاطمة ( عليها السلام ) فأقبل علي ( عليه السلام ) حتى دخل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فلما خطبها هشَّ وبشَّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) في وجهه  ، وقال : مرحباً وأهلا  ، فقيل لعلي ( عليه السلام ) : يكفيك من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إحداهما : أعطاك الأهل وأعطاك الرحب  ، ثمَّ قال : يا علي  ، ألك شيء أزوّجك منها ؟ فقال : لا يخفى عليك حالي  ، إن لي فرساً وبغلا وسيفاً ودرعاً  ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : بع الدرع  ، ثمَّ قال : أبشر يا علي  ، فإن الله قد زوَّجك بها في السماء قبل أن أزوِّجكها في الأرض  ، ولقد أتاني ملك وقال : أبشر يا محمد باجتماع الشمل وطهارة النسل  ، قلت : وما اسمك ؟ قال : نسطائيل  ، من موكّلي قوائم العرش  ، سألت الله هذه البشارة  ، وجبرئيل على أثري.
    وفي رواية أخرى قال ( صلى الله عليه وآله ) : بينما أنا جالس إذ هبط عليَّ ملك ـ إلى أن قال : فقال : أنا محمود بعثني الله أن أزوِّج النور من النور قلت : من بمن ؟ قال : فاطمة من
1 ـ النزاع والتخاصم  ، المقريزي : 144.
2 ـ أدب الشيعة ، الدكتور عبدالحسيب حميدة : 259.


(292)
علي  ، فلمّا ولى المَلَك إذا بين كتفيه ( محمَّد رسول الله  ، عليٌّ وصيّه ) فقلت : مُذ كم كُتب هذا بين كتفيك ؟ قال : من قبل أن يخلق الله آدم باثنين وعشرين ألف عام  ، يا علي فبينما أنا جالس إذ هبط الأمين جبرئيل ومعه من سنبل الجنة وقرنفلها فتناولتهما وأخذتهما وشممتهما فقلت : ما سبب هذا السنبل والقرنفل ؟ قال : إن الله أمر سكان الجنة من الملائكة ومن فيها أن يزيِّنوا الجنان كلَّها بمغارسها وأشجارها وثمارها وقصورها  ، وأمر ريحها فهبَّت بأنواع العطر والطيب  ، وأمر حور عينها بالقراءة فيها بسورة ( طه ويس وطواسين وحم وعسق ) ثم نادى مناد من تحت العرش : ألا إن اليوم يوم وليمة علي  ، ألا إني أشهدكم أني قد زوَّجت فاطمة من عليّ رضىً منّي بعضهما لبعض  ، فأشهد على تزويجها أربعين ألف ملك  ، وكان الولي الله  ، والخطيب جبرئيل  ، والمنادي ميكائيل  ، والداعي إسرافيل  ، والناثر عزرائيل  ، والشهود الملائكة.
    قال الحميدي :
نَصَبَ الجليلُ لجبرئيل منبراً شَهِدِ الملائكةُ الكِرَامُ وَرَبُّهم وَتَناثَرَتْ طوبى عليهم لؤلؤاً في ظلِّ طوبى من مُتُونِ زَبَرْجَدِ وَكَفَى بهم وبربِّهم من شُهَّدِ وَزُمُرُّداً متتابعاً لم يُعْقَدِ
    وفي رواية : كان الخطيب مَلكاً يقال له راحيل  ، وجاء في بعض الكتب أنه خطب في البيت المعمور في جَمع من أهل السماوات السبع فقال : الحمد لله الأول قبل أولية الأولين  ، الباقي بعد فناء العالمين  ، نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيين  ، وبربوبيّته مذعنين  ، وله على ما أنعم علينا شاكرين  ، حجبنا من الذنوب  ، وسترنا من العيوب  ، أسكننا في السماوات  ، وقرَّبنا إلى السرادقات  ، وحجب عنا النهم للشهوات  ، وجعل نهمتنا وشهوتنا في تقديسه وتسبيحه  ، الباسط رحمته  ، الواهب نعمته  ، جلَّ عن إلحاد أهل الأرض من المشركين  ، وتعالى بعظمته عن إفك


(293)
الملحدين  ، ثم قال بعد كلام : اختار الملك الجبار صفوة كرمه  ، وعبد عظمته  ، لأمته سيِّدة النساء  ، بنت خير النبيين  ، وسيِّد المرسلين  ، وإمام المتقين  ، فوصل حبله بحبل رجل من أهله  ، المصدِّق دعوته  ، المبادر إلى كلمته  ، علي الوصول  ، بفاطمة البتول  ، ابنة الرسول ( صلى الله عليه وآله )   ، ثم قال الله تبارك وتعالى : الحمد ردائي  ، والعظمة كبريائي  ، والخلق كلهم عبيدي وإمائي  ، زوَّجت فاطمة أمتي من علي صفوتي  ، اشهدوا ملائكتي.
    قال الحميدي :
واللهُ زوَّجه الزكيَّةَ فاطماً كان الملائكُ ثَمَّ في عَدَدِ الحصى يدعو له ولها وكان دعاؤه حتَّى إذا فَرِغَ الخطيبُ تَتَابَعَتْ وتُهيلُ ياقوتاً عليهم مرَّةً فترى نِسَاءَ الحُوْرِ يَنْتَهِبُونَهُ في ظِلِّ طوبى مشهداً محضورا جبريلُ يَخْطُبُهم بها مسرورا لهما بخير دائماً مذكورا طوبى تُسَاقِطُ لؤلؤاً منثورا وتُهِيلُ درّاً تارةً وشُذُورا حوراً بذلك يهتدين الحورا
    وأوحى الله تعالى إلى شجرة طوبى أن انثري عليهم الدرّ والياقوت فابتدرن إليه الحور العين يلتقطن في أطباق الدرّ والياقوت  ، وهنّ يتهادينه بينهن إلى يوم القيامة  ، وكانوا يتهادون ويقولون : هذه تحفة خير النساء  ، فمن أخذ منه يومئذ شيئاً أكثر من صاحبه أو أحسن افتخر به على صاحبه إلى يوم القيامة.
    ثمّ أمر الله تعالى رضوان خازن الجنان فهزَّ شجرة طوبى  ، فحملت رقاعاً ـ يعني صكاكاً ـ بعدد محبي أهل البيت  ، وأنشأ من تحتها ملائكة من نور  ، ودفع إلى كل ملك صكاً براءة من النار  ، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق : ألا فمن كان محباً لفاطمة ( عليها السلام ) فليبادر  ، وليأخذ من نثار زفاف فاطمة  ، فلا يبقى محبّ إلاَّ ودفع إليه المَلَك صكاً فيه فكاكه من النار  ، ثم أرسل سحابة بيضاء


(294)
فقطرت على أهل الجنان من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد والمرجان  ، فابتدرن الحور العين فالتقطن في أطباق الدرّ والياقوت  ، وهن يتهادين بينهن إلى يوم القيامة  ، ويتفاخرن ويقلن : هذا من نثار زفاف فاطمة سيّدة النساء ( عليها السلام ).
    قال بعض العلماء : ولقد وجد في زمان والد شيخنا البهائي درّة في ظهر الكوفة مكتوب عليها هذان البيتان :
أنا درٌّ من السَّمَا نثروني كنت أصفى من اللُّجَينِ بياضاً يومَ تزويج وَالِدِ السبطينِ صَبَغَتني دِمَاءُ نَحْرِ الحسينِ
    قال الراوي قال جبرئيل : يا محمد  ، زوِّج فاطمة من علي بن أبي طالب  ، فإن الله قد رضيها له ورضيه لها  ، قال علي ( عليه السلام ) : فزوِّجني منها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في محضر صحابته بعد ما أمرني بإنشاد الخطبة وقال : تكلَّم خطيباً لنفسك  ، فخطب علي ( عليه السلام ) بخطبة ثمَّ قال : هذا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) زوَّجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم  ، وقد رضيت فاسألوه واشهدوا.
    فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قد زوَّجتك ابنتي فاطمة على ما زوَّجك الرحمن  ، وقد رضيت بما رضي الله لها  ، فدونك أهلك  ، فإنك أحقّ بها مني  ، فنعم الأخ أنت  ، ونعم الختن أنت  ، ونعم الصاحب أنت  ، وكفاك برضى الله رضاً  ، فخرَّ علي ( عليه السلام ) ساجداً شكراً لله  ، وهو يقول : « رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ » الآية  ، قال ( عليه السلام ) : ثم أتاني وأخذ بيدي فقال : قم وقل : بسم الله وعلى بركة الله  ، وما شاء الله  ، ولا حول ولا قوّة إلاَّ بالله  ، توكَّلت على الله  ، ثمَّ جاء بي حتى أقعدني عندها  ، وقال : اللهم إنهما أحبُّ خلقك إليَّ  ، فأحبَّهما وبارك في ذريتهما  ، واجعل عليها منك حافظاً  ، وإني أعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم  ، ثمَّ أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بطبق بسر  ، وأمر بنهبه..
    قال علي ( عليه السلام ) : فأقمت بعد ذلك شهراً أصلّي مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وأرجع إلى


(295)
منزلي  ، ولا أذكر شيئاً من أمر فاطمة ( عليها السلام )   ، ثم قلن أزواج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ألا نطلب لك من رسول الله دخول فاطمة عليك  ، فقلت : افعلن  ، فدخلن عليه فقالت أم أيمن : يا رسول الله  ، لو أن خديجة باقية لقرَّت عينها بزفاف فاطمة  ، وإن علياً يريد أهله فقرَّ عين فاطمة ببعلها  ، واجمع شملها  ، وقرَّ عيوننا بذلك  ، فقال : فما بال علي لا يطلب مني زوجته ؟ فقد كنا نتوقَّع ذلك منه.
    قال علي ( عليه السلام ) : فقلت : الحياءُ يمنعني يا رسول الله  ، فالتفت ( صلى الله عليه وآله ) إلى النساء فقال : مَنْ ها هنا ؟ فقالت أم سلمة : أنا أم سلمة  ، وهذه زينب  ، وهذه فلانة  ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : هيِّئوا لابنتي وابن عمي في بيتي حجرة  ، فقالت أم سلمة : في أي حجرة يا رسول الله ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) : في حجرتك  ، فأمر النبي أن يهيِّئوا طعام العرس  ، وأمر بطحن البر وخبزه  ، وأمر علياً ( عليه السلام ) بذبح البقر والغنم  ، فكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يفصل ولم يُر على يده أثر دم  ، فلمّا فرغوا من الطبخ أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يُنادى على رأس داره : أجيبوا رسول الله  ، وذلك لقوله تعالى : « وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ » فأجابوا من النخلات والزروع  ، فبسط النطوع في المسجد  ، وصدر الناس وهم أكثر من أربعة آلاف رجل وسائر نساء المدينة  ، ورفعوا منها ما أرادوا  ، ولم ينقص من الطعام شيء  ، ثمَّ عادوا في اليوم الثاني فأكلوا  ، وفي اليوم الثالث فأكلوا  ، ثم دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالصحاف فملئت  ، ووجَّه إلى منازل أزواجه  ، ثم أخذ صحفة وقال : هذه لفاطمة وبعلها  ، وأمر نساءه أن يزينّها ويصلحن من شأنها.
    قالت أم سلمة : فسألت فاطمة : هل عندك طيب ادّخرتيه لنفسك ؟ قالت : نعم  ، فأتت بقارورة  ، فسألت عنها فقالت : كان دحية الكلبي يدخل على رسول الله فيقول لي : يا فاطمة  ، ها الوسادة فاطرحيها لعمِّك  ، فإذا نهض سقط من بين ثيابه شيء فيأمرني بجمعه فسئل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن ذلك فقال : هو عنبر يسقط من أجنحة جبرئيل  ، وأتت بماء ورد. قالت أم سلمة : فسألت عنه فقالت : هذا عرق


(296)
رسول الله  ، كنت آخذه عند قيلولة النبي ( صلى الله عليه وآله ) عندي.
    ثم إن جبرئيل أتى بحلّة قيمتها الدنيا  ، فلما لبستها تحيرت نسوة قريش منها  ، وقلن : من أين لك هذا ؟ قالت : من عند الله  ، فلمَّا كانت ليلة الزفاف أتى النبي ببغلته الشهباء  ، وثنى عليها قطيفة  ، وقال لفاطمة : اركبي  ، وأمر سلمان أن يقودها  ، والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يسوقها  ، فبينما هو في بعض الطريق إذ سمع النبي وجبة  ، فإذا هو جبرئيل في سبعين ألف ملك  ، وميكائيل في سبعين ألف ملك  ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما أهبطكم إلى الأرض ؟ قالوا : جئنا نزفّ فاطمة إلى علي بن أبي طالب  ، فكبَّر جبرئيل  ، وكبَّر ميكائيل  ، وكبَّرت الملائكة  ، وكبَّر النبي  ، فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة.
    وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمامها  ، وجبرئيل عن يمينها  ، وميكائيل عن يسارها  ، وسبعون ألف ملك من خلفها يسبِّحون الله ويقدّسونه حتى طلع الفجر  ، وحولها سبعون حوراء  ، وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت يمشون خلفها  ، وأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بنات عبدالمطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة  ، ويفرحن ويرجزن  ، ويكبِّرن ويحمدن  ، وأنشأت أم سلمة تقول :
سِرْنَ بعونِ اللهِ جاراتي واذكُرْنَ ما أنعم ربُّ العلى فَقَدْ هَدَانا بَعْدَ كُفْر وَقَدْ وَسِرْنَ مَعْ خَيْرِ نِسَاءِ الوَرَى يا بنتَ مَنْ فَضَّلَه ذو العلى واشْكُرْنَهُ في كُلِّ حالاتِ من كَشْفِ مكروه وآفاتِ أنعشنا ربُّ السماواتِ تُفْدَى بعمَّات وَخَالاَتِ بالوحيِ منه والرِّسَالاتِ
    ثم قالت عائشة :
يا نسوةُ استترن بالمعاجرِ واذكرن ربَّ الناس إذ خصَّنا واذكرْنَ مَا يَحْسُنُ في المحاضرِ بدينِهِ مَعْ كُلِّ عَبْد شَاكِرِ


(297)
والحمدُ للهِ على أفضالِهِ سِرْنَ بها فاللهُ أعلى ذِكْرَها والشكرُ للهِ العزيزِ القَادِرِ وخصَّها منه بِطُهْر طَاهِرِ
    وقالت حفصة :
فاطمةٌ خَيْرُ نِسَاءِ البَشَرْ فَضَّلَكِ اللهُ على كلِّ الورى زوَّجَكِ اللهُ فتىً فاضلا فَسِرن جَارَاتي بها فإنها وَمَنْ لها وَجْهٌ كَوَجْهِ القَمَرْ بِفَضْلِ مَنْ خُصَّ بآي الزَّمَرْ أعني علياً خيرَ مَنْ في الحَضَرْ كريمةٌ بنتُ عظيمِ الخَطَرْ
    ثم قالت معاذة أم سعد بن معاذ :
أقولُ قولا فيه ما فيهِ محمَّدٌ خيرُ بني آدم بفضلِهِ عرَّفنا رُشْدَنا ونحن مَعْ بنتِ نبيِّ الهدى في ذروة شامخة أصلُها وأذكُرُ الخيرَ وأُبديهِ مَافيه من كِبْر وَلاَتِيهِ فاللهُ بالخيرِ يجازيهِ ذي شَرَف قد مُكِّنَتْ فيه فما أرى شيئاً يُدَانِيهِ
    وكانت النسوة يرجعن أول بيت من كل رجز  ، ثمَّ يكبِّرن  ، ودخلن الدار  ، ثم أنفذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى علي ( عليه السلام )   ، ودعاه إلى المسجد  ، ثم دعا فاطمة  ، وأخذ علياً بيمينه  ، وأخذ فاطمة ( عليها السلام ) بشماله  ، وجمعهما إلى صدره  ، فقبَّل بين أعينهما  ، ودفع فاطمة إلى علي ( عليهما السلام )   ، وقال : يا عليّ  ، نعم الزوجة زوجتك  ، ثمَّ أقبل على فاطمة  ، وقال : يا فاطمة  ، نعم البعل بعلك  ، ثمَّ قام يمشي بينهما حتى أدخلهما بيتهما الذي هيِّىء لهما  ، ووضع يد فاطمة في يد علي  ، وقال : يا أبا الحسن  ، هذه وديعة الله ورسوله عندك  ، فاحفظ الله واحفظني فيها.
    أقول : ومن شأن الوديعة أن تُردَّ إلى أهلها سالمة وردَّت وديعة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وضلعها مكسور.


(298)
    قال الراوي : ثمَّ خرج من عندهما فأخذ بعضادتي الباب فقال : طهَّركما الله وطهَّر نسلكما  ، أنا سلم لمن سالمكما  ، وحرب لمن حاربكما  ، أستودعكما الله وأستخلفه عليكم  ، ولما كانت صبيحة العرس دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليهما بقدح من لبن  ، فقال لفاطمة ( عليها السلام ) : اشربي فداك أبوك  ، ثمَّ قال لعلي ( عليه السلام ) : اشرب فداك ابن عمك.
    وروي عن أسماء بنت عميس قالت : سمعت سيدتي فاطمة تقول : ليلة دخل بي علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أفزعني من فراشي  ، فقلت : أفزعت يا سيدة نساء العالمين ؟ قالت : نعم  ، سمعت الأرض تحدِّثه ويحدِّثها  ، فأصبحت وأنا فزعة  ، فأخبرت والدي ( صلى الله عليه وآله ) فسجد سجدة طويلة  ، ثمَّ رفع رأسه وقال : يا فاطمة  ، أبشري بطيب النسل  ، فإن الله فضَّل بعلك على سائر خلقه  ، وأمر الأرض أن تحدِّثه بأخبارها وما يجري على وجهها من شرق الأرض إلى غربها.
    أقول : ليت شعري هل أخبرته الأرض بأنهم سوف يحرقون باب داره  ، ويجعلون الحبل في عنقه  ، ويعصرون الزهراء البتول ( عليها السلام )   ، وهل أخبرته بقتل أبنائه سماً وقتلا  ، وتساق بناته من كربلاء إلى الكوفة  ، ومن الكوفة إلى الشام (1).
    ولله درّ الشيخ صالح الكواز الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
وأشدُّ ممَّا ناب كُلَّ مكوَّن فَحِرَاكُ تيم بالضلالةِ بَعْدَهُ عُقِدَت بيثربَ بيعةٌ قُضِيْت بها بِرُقيِّ منبرِهِ رُقِي في كربلا لولا سُقُوطُ جنينِ فاطمة لَمَا وَبِكَسْرِ ذاك الضِّلْعِ رُضَّت أضلعٌ مَنْ قال قَلْبُ محمَّد محزونُ لِلْحَشْرِ لا يأتي عليه سُكُونُ للشِّركِ منه بَعْدَ ذاك دُيُونُ صَدْرٌ وَضُرِّج بالدماءِ جبينُ أودي لها في كَرْبَلاَءَ جنينُ في طَيِّها سِرُّ الإلهِ مَصُونُ

1 ـ شجرة طوبى  ، الحائري : 2/249 ـ 255.

(299)
وكذا عليٌّ قَوْدُه بِنِجَادِهِ وكما لِفَاطِمَ رنَّةٌ من خَلْفِهِ وبزَجْرِها بسياطِ قُنْفُذَ وُشِّحَتْ وبقَطْعِهِمْ تلك الأَرَاكَةَ دُوْنَها لكنَّما حَمْلُ الرُؤُوسِ على القَنَا كلٌّ كتابُ اللهِ لكن صَامِتٌ فله عليٌّ بالوِثَاقِ قرينُ لَبَنَاتِها خَلْفَ العليلِ رنينُ بالطفِّ من زَجْر لَهُنَّ مُتُونُ قُطِعَت يدٌ في كربلا وَوَتِينُ أدهى وَإِنْ سَبَقَتْ به صفّينُ هذا وهذا نَاطِقٌ وَمُبينُ (1)

    جاء في بعض الزيارات الشريفة : يا سادتي  ، يا آل رسول الله  ، إني بكم أتقرَّب إلى الله جلَّ وعلا  ، بالخلاف على الذين غدروا بكم  ، ونكثوا بيعتكم  ، وجحدوا ولايتكم  ، وأنكروا منزلتكم  ، وخلعوا ربقة طاعتكم  ، وهجروا أسباب مودّتكم  ، وتقرَّبوا إلى فراعنتهم بالبراءة منكم  ، والإعراض عنكم  ، ومنعوكم من إقامة الحدود  ، واستئصال الجحود  ، وشعب الصدع  ، ولمِّ الشَعَث  ، وسدِّ الخلل  ، وتثقيف الأود  ، وإمضاء الأحكام  ، وتهذيب الإسلام  ، وقمع الآثام  ، وأرهجوا عليكم نقع الحروب والفتن  ، وأنحوا عليكم سيوف الأحقاد  ، وهتكوا منكم الستور  ، وابتاعوا بخمسكم الخمور  ، وصرفوا صدقات المساكين إلى المضحكين والساخرين (2).
    روي عن عبد الملك عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في حديث له قال : تاسوعا يومٌ حوصر فيه الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه رضي الله عنهم بكربلاء واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه  ، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها  ، واستضعفوا فيه الحسين صلوات الله عليه وأصحابه رضي الله عنهم  ، وأيقنوا أن لا يأتي الحسين ( عليه السلام ) ناصر ولا يمده أهل العراق ـ بأبي المستضعف الغريب ـ (3).
    ولله درّ السيد محمد حسين القزويني عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 152 ـ 153.
2 ـ المزار  ، محمد بن المشهدي : 295 ـ 296.
3 ـ الكافي  ، الكليني : 4/147 ح 7.


(300)
أبا حَسَن شكوى إليكَ وإنَّها أتدري بما لاَقَتْ من الكَرْبِ والبَلاَ أُعزّيك فيهم إنَّهم وَرَدُوا الردى وثاوين في حَرِّ الهجيرةِ بالعَرَى لَوَاعِج أشجان يجيشُ بها الصدرُ وما واجهت بالطفِّ أبناؤك الغُرُّ بأَفْئِدة مَابَلَّ غُلَّتَها قَطْرُ عليهم سوافي الريحِ بالتُّرْبِ تَنْجرُّ (1)
    جاء في الروايات الشريفة : كان علي الأكبر ( عليه السلام ) أول قتيل يوم كربلاء من آل أبي طالب ( عليه السلام )   ، وقد روى المؤرِّخون أن الحسين ( عليه السلام ) سمَّى ثلاثة من أولاده باسم أبيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ـ حبّاً في هذا الاسم الذي انتجبه الله تعالى على الخلق بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ـ وهم : علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) (2)   ، وعلي الأكبر ( عليه السلام )   ، وعبدالله الرضيع ( عليه السلام ) ويسمَّى بعلي الأصغر (3).
    وروى الشيخ الكليني عليه الرحمة  ، عن عبدالرحمن بن محمد العزرمي قال : استعمل معاوية مروان بن الحكم على المدينة  ، وأمره أن يفرض لشباب قريش  ، ففرض لهم  ، فقال علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : فأتيته فقال : ما اسمك ؟ فقلت : علي بن الحسين  ، فقال : ما اسم أخيك ؟ فقلت : علي  ، قال : علي وعلي ؟! ما يريد أبوك أن يدع أحداً من ولده إلاَّ سمَّاه علياً ؟ ثم فرض لي  ، فرجعت إلى أبي فأخبرته  ، فقال : ويلي على ابن الزرقاء دبَّاغة الأدم  ، لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أسمّي أحداً منهم إلاّ علياً (4).
    وقد اختلف الرواة في عمره الشريف  ، فقال ابن شهر آشوب ومحمد بن أبي
1 ـ مثير الأحزان  ، الجواهري : 116.
2 ـ قال الطبري : وأما علي بن الحسين الأكبر ( عليه السلام ) فقتل مع أبيه بنهر كربلاء  ، وشهد علي بن الحسين الأصغر مع أبيه كربلاء وهو ابن ثلاث وعشرين سنة  ، وكان مريضاً نائماً على فراش ( المنتخب من ذيل المذيل  ، الطبري : 119 ).
3 ـ معالي السبطين  ، الحائري : 1/422.
4 ـ الكافي  ، الكليني : 6/19 ح 7.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس