|
||||||||||||||||||||||||
(301)
طالب : إنه ابن ثماني عشرة سنة ، وقال الشيخ المفيد عليه الرحمة إن له يومئذ تسع عشرة سنة ، وقيل إنه ابن خمس وعشرين سنة فيكون هو الأكبر ، وروي أنه لما أُدخل علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) وعُرض على ابن زياد قال له : من أنت ؟ فقال له علي بن الحسين ، فقال : أليس قد قتل الله علي بن الحسين ؟ فقال له علي ( عليه السلام ) : قد كان لي أخ يسمَّى علياً قتله الناس (1) ، وفي رواية أنه ( عليه السلام ) قال لابن زياد : كان لي أخ يقال له : علي ، أكبر مني قتله الناس (2).
وجاء في معالي السبطين للحائري عليه الرحمة في ترجمة علي الأكبر ( عليه السلام ) ، قال : وأمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وكان عروة أحد السادة الأربعة في الإسلام ، وقد أخذ علي بن الحسين ( عليه السلام ) الشرافة والسيادة من الطرفين ، روي في نفس المهموم : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أربعة سادة في الإسلام : بشر بن هلال العبدي ، وعدي بن حاتم ، وسراقة بن مالك المدلجي ، وعروة بن مسعود الثقفي. وكان عروة أحد رجلين عظيمين في قوله تعالى حكاية عن كفار قريش : « وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُل مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم » (3). وهذا هو الذي أرسلته قريش للنبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) يوم الحديبية ، فعقد معه الصلح وهو كافر ، ثمَّ أسلم سنة تسع من الهجرة بعد رجوع المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) من الطائف ، واستأذن النبيَّ ( صلى الله عليه وآله ) في الرجوع لأهله ، فرجع ودعا قومه إلى الإسلام ، فرماه واحد منهم بسهم وهو يؤذّن للصلاة فمات ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما بلغه ذلك : مثل عروة مثل صاحب ياسين ، دعا قومه إلى الله فقتلوه ، قال : وقال ( صلى الله عليه وآله ) : ورأيت عيسى بن مريم فإذا أقرب من رأيت به شبهاً عروة بن مسعود. 1 ـ الإرشاد ، المفيد : 2/116 ، مثير الأحزان ، ابن نما الحلي : 71. 2 ـ الطبقات الكبرى ، ابن سعد : 5/212 ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 41/367 ، المنتخب من ذيل المذيل ، الطبري : 119. 3 ـ سورة الزخرف ، الآية : 31. (302)
وليلى أم علي الأكبر أمُّها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية ، المكنَّاة بأم شيبة ، وكان معاوية خال ليلى أم علي الأكبر ، ولهذا ناداه رجل من أهل الكوفة حين برز علي الأكبر للقتال : إن لك رحماً بأمير المؤمنين يزيد ، فإن شئت آمنّاك ، فقال له : ويلك ، لقرابة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أحقّ أن تُرعى ، وكان معاوية كثيراً يمدح علي بن الحسين ( عليه السلام ) حتى قال يوماً لأصحابه : من أحق الناس بالخلافة ؟ قالوا : أنت ، قال : لا ، بل أحق الناس بالخلافة علي بن الحسين بن علي ( عليهم السلام ) جدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وفيه شجاعة بني هاشم ، وسخاء بني أمية (1) ، وزهو ثقيف ، يعني المنظر الحسن.
روي عن أبي عبيدة ، وخلف الأحمر ، أن هذه الأبيات قيلت في علي بن الحسين الأكبر ، المقتول بكربلاء :
1 ـ دعوى معاوية أن بني أمية أسخياء دعوى غير صحيحة يكذُبها التأريخ ، وأما سخاء علي الأكبر فهو ثابت بالنصوص التأريخية. (303)
وانضاجها ، ويطعم البائس والمسكين والضيوف والواردين ، وهو عليهم في غاية الشفقة واللطف والرحمة ، وكان من عادة العرب الذين يحبّون الضيف ويبالغون في إكرامه أن يشعلوا ناراً فوق البيوت في الصيف والشتاء ، في الليالي المظلمة ، حتى إذا جاءهم ضيفٌ من بعيد في الليل المظلم فبتلك النار يهتدي الطريق إلى المضيف ، ولا يتعسَّف ، ولا يضلّ الطريق ، ويسمّونها نار القرى ، وكان علي الأكبر ( عليه السلام ) من غاية حبِّه للضيف وإكرامه له إذا أشعل النار فوق بيته أشعلها كثيراً ، وفي غاية الاشتعال لكي يراها البائس والمسكين والمرمل واليتيم ، وينزل في داره على طعامه ، كيف وهو ربُّ الجود والسخاء والفضل والندى ورضيع الحسب والنسب ، وكان ( عليه السلام ) في الدين واليقين بمكان مكين بحيث لا يؤثر دنياه على دينه ، ولا يبيع الحق بالباطل.
قال : ومن كانت هذه سجيّته في الكرم وإطعام الضيوف آل أمره إلى أن وقف على أبيه ( عليه السلام ) وقال : يا أبتاه ، العطش قد قتلني. وكان علي الأكبر ( عليه السلام ) شاباً حسن الصورة ، صبيح المنظر ، لا نظير له ، وفي الشجاعة مشهور ، وكذلك في صفات الكمال من الجلالة والعظمة والسخاء ، وحسن الأخلاق وغير ذلك (1). وكان علي الأكبر ( عليه السلام ) من أصبح الناس وجهاً ، وأحسنهم خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً ، وكان أشبه الناس برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وذلك بشهادة سيِّد شباب أهل الجنة ( عليه السلام ) ، فقد روي أنه لمَّا استأذن أباه في القتال نظر إليه نظرة آيس منه ، وأرخى عينيه فبكى ، ثمَّ رفع سبَّابتيه نحو السماء وقال : اللهم كن أنت الشهيد عليهم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيِّك نظرنا إليه (2) 1 ـ معالي السبطين ، الحائري : 1/406 ـ 408. 2 ـ لواعج الأشجان ، السيد محسن الأمين : 169. (304)
ويقول الحجّة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة على لسان الحسين ( عليه السلام ) :
فعل الأطائب من أهل بيت محمَّد وعلي صلَّى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم فلتذرف الدموع ، وليصرخ الصارخون ، ويضجَّ الضاجون ، ويعجَّ العاجون ، أين الحسن وأين الحسين ، أين أبناء الحسين ، صالح بعد صالح ، وصادق بعد صادق ، أين السبيل بعد السبيل ، أين الخيرة بعد الخيرة ، أين الشموس الطالعة ، أين الأقمار المنيرة ، أين الأنجم الزاهرة ، أين أعلام الدين وقواعد العلم (3). 1 ـ الشواهد المنبرية ، الشيخ علي الجشي : 58. 2 ـ رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 121. 3 ـ المزار ، محمد بن المشهدي : 578. (305)
جاء في مقاتل الطالبيين أن علي بن الحسين ( عليه السلام ) ولد في خلافة عثمان وقد روى عن جدّه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) (1).
وفي معالي السبطين قال : وكان أهل المدينة إذا اشتاقوا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) نظروا إلى علي الأكبر ( عليه السلام ) ، وكان الحسين ( عليه السلام ) يحبه حباً شديداً بحيث إذا رآه فرح به وسرَّ سروراً عظيماً ، وإذا سأله حاجة لا يردّه أبداً ولو على سبيل الإعجاز ، قال كثير ابن شاذان : شهدت الحسين بن علي ( عليهما السلام ) وقد اشتهى عليه ابنه علي الأكبر عنباً في غير أوانه ، فضرب بيده إلى سارية المسجد ، فأخرج له عنباً وموزاً فأطعمه ، وقال ( عليه السلام ) : ما عند الله لأوليائه أكثر (2). أقول : أفمن كان حبُّه لولده بهذه المثابة بحيث لا يردّه عن حاجة حتى يقضيها له ولو على سبيل الإعجاز فما حاله حين رجع هذا الولد من المعركة ، وطلب منه جرعة من الماء ، وهو لا يتمكَّن من أن يعطيه ويسقيه ؟ (3) وعُرف عن علي الأكبر ( عليه السلام ) صلابته في الدين ودفاعه عن الحق ، وأنه لا يهاب الموت في سبيل الله تعالى ، روى عقبة بن سمعان في مسير الحسين ( عليه السلام ) إلى كربلاء قال : فسرنا معه ساعة ، فخفق ( عليه السلام ) وهو على ظهر فرسه خفقة ، ثم انتبه وهو يقول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربِّ العالمين ، ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثاً ، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين ( عليه السلام ) فقال : مم حمدت الله واسترجعت ؟ قال : يا بنيَّ ، إني خفقت خفقة ، فعنَّ لي فارس على فرس وهو يقول : القوم يسيرون ، والمنايا تسير إليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا ، فقال له : يا أبت : لا أراك الله سوءاً ، ألسنا على الحق ؟ قال : بلى والله الذي مرجع العباد إليه ، فقال : فإنّنا إذاً ما 1 ـ مقاتل الطالبيين ، أبو الفرج الإصبهاني : 53. 2 ـ دلائل الإمامة ، الطبري : 183 ، نوادر المعجزات ، الطبري : 108 ح 3. 3 ـ معالي السبطين ، الحائري : 1/408. (306)
نبالي أن نموت محقّين.
فقال له الحسين ( عليه السلام ) : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده (1). وفي بحار الأنوار قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : قالوا : ثمَّ تقدَّم علي بن الحسين ( عليه السلام ) ، وقال محمد بن أبي طالب وأبو الفرج : وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وهو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة ، وقال ابن شهر آشوب : ويقال : ابن خمس وعشرين سنة ، قالوا : ورفع الحسين ( عليه السلام ) سبَّابته نحو السماء وقال : اللهم اشهد على هؤلاء القوم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيِّك نظرنا إلى وجهه ، اللهم امنعهم بركات الأرض ، وفرِّقهم تفريقاً ، ومزِّقهم تمزيقاً ، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترض الولاة عنهم أبداً ، فإنهم دعونا لينصرونا ، ثمَّ عدوا علينا يقاتلوننا. ثم صاح الحسين ( عليه السلام ) بعمر بن سعد : ما لك ؟ قطع الله رحمك! ولا بارك الله لك في أمرك ، وسلَّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك ، كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثمَّ رفع الحسين ( عليه السلام ) صوته وتلا : « إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْض وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ». ثمَّ حمل علي بن الحسين على القوم ، وهو يقول :
1 ـ الإرشاد ، المفيد : 2/82. (307)
أتقوَّى بها على الأعداء ؟ فبكى الحسين ( عليه السلام ) وقال : يا بنيَّ ، يعزُّ على محمد وعلى علي بن أبي طالب وعليَّ أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثوك ، يا بنيَّ ، هاتِ لسانك ، فأخذ بلسانه فمصَّه ، ودفع إليه خاتمه وقال : أمسكه في فيك ، وارجع إلى قتال عدوك ، فإني أرجو أنك لا تمسي حتى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً. فرجع إلى القتال وهو يقول :
فلما بلغت الروح التراقي قال رافعاً صوته : يا أبتاه ، هذا جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً ، وهو يقول : العجل العجل! فإن لك كأساً مذخورة حتى تشربها الساعة ، فصاح الحسين ( عليه السلام ) وقال : قتل الله قوماً قتلوك ، ما أجرأهم على الرحمان وعلى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، وعلى انتهاك حرمة الرسول ، وعلى الدنيا بعدك العفا. قال حميد بن مسلم : فكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة ، تنادي بالويل والثبور ، وتقول : يا حبيباه ، يا ثمرة فؤاداه ، يا نور عيناه! فسألت عنها فقيل : هي زينب بنت علي ( عليه السلام ) ، وجاءت وانكبَّت عليه ، فجاء الحسين فأخذ بيدها فردَّها إلى الفسطاط ، وأقبل ( عليه السلام ) بفتيانه وقال : احملوا أخاكم ، فحملوه من مصرعه فجاؤوا به حتى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه (1) 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/42. (308)
قال المرحوم الشيخ جعفر التستري عليه الرحمة : إن الحسين ( عليه السلام ) في مصيبة ولده قد احتضر وأشرف على الموت ثلاث مرَّات ، الأولى ، لمَّا برز علي الأكبر واستأذن أباه فأذن له ، وألبسه الدرع والسلاح ، وأركبه على العقاب ، قال رضي الله عنه : فلمَّا تجلَّى وجه طلعته من أفق العقاب ، واستولت يده وقدمه على العنان والركاب ، خرجن النساء وأحدقن به فأخذت عمَّاته وأخواته بعنانه وركابه ، ومنعنه من العزيمة ، فعند ذلك تغيَّر حال الحسين ( عليه السلام ) بحيث أشرف على الموت ، وصاح بنسائه وعياله ، دعنه فإنه ممسوس في الله ومقتول في سبيل الله ، ثم أخذ بيده وأخرجه من بينهن ، فنظر إليه نظر آيس منه ، والثانية : التي احتضر فيها الحسين ( عليه السلام ) وذلك حين رجع علي الأكبر ( عليه السلام ) من المعركة وقد أصابته جراحات كثيرة ، والدم يجري من حلق درعه ، وقد اشتدَّ به الحرُّ والعطش ، وقف وقال : يا أبه العطش ، فضمَّه الحسين ( عليه السلام ) إلى صدره ، وبكى وأشرف على الموت من شدّة الهمّ والحزن من حيث أنه لا يتمكَّن من سقيه ، والمرَّة الثالثة : حين رأى علياً سقط ونادى : يا أبه عليك منّي السلام ، قالت سكينة : لمَّا سمع أبي صوت ولده نظرت إليه فرأيته قد أشرف على الموت ، وعيناه تدوران كالمحتضر ، وجعل ينظر إلى أطراف الخيمة ، وكادت روحه أن تطلع من جسده ، وصاح من وسط الخيمة : ولدي ، قتل الله قوماً قتلوك (1).
1 ـ معالي السبطين ، الحائري : 1/416. (309)
وقال آخر :
المجلس الثالث ، من اليوم التاسع
جاء في بعض زيارات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) : فهل المحن يا ساداتي إلاَّ التي لزمتكم ، والمصائب إلاَّ التي عمَّتكم ، والفجائع إلاَّ التي خصَّتكم ، والقوارع إلاَّ التي طرقتكم ، صلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وأجسادكم ، ورحمة الله وبركاته ، بأبي وأمي يا آل المصطفى ، إنّا لا نملك إلاَّ أن نطوف حول مشاهدكم ، ونعزّي فيها أرواحكم ، على هذه المصائب العظيمة الحالّة بفنائكم ، والرزايا الجليلة النازلة بساحتكم ، التي أثبتت في قلوب شيعتكم القروح ، وأورثت أكبادهم الجروح ، وزرعت في صدورهم الغصص ، فنحن نشهد الله أنّا قد شاركنا أولياءكم وأنصاركم المتقدِّمين ، في إراقة دماء الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقتلة أبي عبدالله سيِّد شباب أهل الجنة يوم كربلاء ، بالنيَّات والقلوب ، والتأسُّف على فوت تلك المواقف ، التي حضروا لنصرتكم ، والله وليّي يبلِّغكم منّي السلام (1).
فضل البكاء على الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومصائب أهل البيت ( عليهم السلام ) ذكر الشيخ جعفر التستري عليه الرحمة في الخصاص الحسينية رواية عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : شيعتنا منا وقد خلقوا من فاضل طينتنا ، وعجنوا بنور ولايتنا ، رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة ، يصيبهم ما أصابنا وتبكيهم مصائبنا ، 1 ـ المزار ، محمد بن المشهدي : 299. (310)
ويحزنهم حزننا ، ويسرهم سرورنا ، ونحن أيضا نتألم بتألمهم ، ونطلع على أحوالهم فهم معنا لا يفارقونا ، ونحن لا نفارقهم ، ثم قال : اللهم : ان شيعتنا منا فمن ذكر مصابنا وبكى لأجلنا استحيى الله أن يعذبه بالنار (1).
روي عن علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه قال : قال الرضا ( عليه السلام ) : من تذكَّر مصابنا وبكى لما اُرتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن ذكر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون ، ومن جلس مجلساً يُحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب. وعن بكر بن محمد ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : من ذَكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر. وعن أبان بن تغلب ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمّه لنا عبادة ، وكتمان سرِّنا جهاد في سبيل الله. ثم قال أبو عبدالله : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب. وعن محمد بن أبي عمارة الكوفي قال : سمعت جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) يقول : من دمعت عينه فينا دمعة لدم سُفِك لنا أو حقٍّ لنا نقصناه ، أو عرض انتهك لنا ، أو لأحد من شيعتنا ، بوَّأه الله تعالى بها في الجنة حُقباً. وعن الربيع بن المنذر ، عن أبيه ، عن الحسين بن علي ( عليهما السلام ) قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعه إلاَّ بوَّأه الله بها في الجنة حقباً ، قال أحمد بن يحيى الأودي : فرأيت الحسين بن علي ( عليهما السلام ) في المنام فقلت : حدَّثني مخول بن إبراهيم ، عن الربع بن المنذر ، عن أبيه ، عنك أنك قلت : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلاَّ بوَّأه الله بها في الجنة حقباً ؟ قال : نعم ، قلت : 1 ـ الخصائص الحسينية ، التستري : 166. (311)
سقط الإسناد بيني وبينك (1).
وعن فضيل ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر. وعن فضيل بن فضالة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرَّم الله وجهه على النار (2). قال السيد ابن طاووس عليه الرحمة : روي عن آل الرسول ( عليهم السلام ) أنهم قالوا : من بكى وأبكى فينا مائة فله الجنة ، ومن بكى وأبكى خمسين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى عشرين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى عشرة فله الجنة ، ومن بكى وأبكى واحداً فله الجنة ، ومن تباكى فله الجنة. وعن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : إن الحسين بن علي ( عليهما السلام ) عند ربِّه عزَّ وجلَّ ، ينظر إلى معسكره ومن حلَّه من الشهداء معه ، وينظر إلى زوَّاره وهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم ، وبدرجاتهم ومنزلتهم عند الله عزَّ وجلَّ من أحدكم بولده ، وإنه ليرى من يبكيه فيستغفر له ، ويسأل آباءه ( عليهم السلام ) أن يستغفروا له ، ويقول : لو يعلم زائري ما أعدَّ الله له لكان فرحه أكثر من جزعه ، وإن زائره لينقلب وما عليه من ذنب. وعن محمد ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : كان علي بن الحسين ( عليهما السلام ) يقول : أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي دمعة حتى تسيل على خدِّه بوَّأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً ، وأيما مؤمن دمعت عيناه دمعاً حتى يسيل على خدّه لأذىً مسَّنا من عدوِّنا في الدنيا بوَّأه الله مبوَّأ صدق في الجنة ، وأيما مؤمن مسَّه أذىً 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/278 ـ 279. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/284 ـ 285. (312)
فينا فدمعت عيناه حتى يسيل دمعه على خدّيه من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار (1).
وعن صالح بن عقبة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : من أنشد في الحسين بيتاً من شعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنة ، ومن أنشد في الحسين بيتاً فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنة ، فلم يزل حتى قال : ومن أنشد في الحسين بيتاً فبكى ـ وأظنّه قال : أو تباكى ـ فله الجنة. وعن مسمع كردين قال : قال لي أبو عبدالله ( عليه السلام ) : يا مسمع ، أنت من أهل العراق ، أما تأتي قبر الحسين ؟ قلت : لا ، أنا رجل مشهور من أهل البصرة ، وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة ، وأعداؤنا كثيرة من أهل القبائل من النُصَّاب وغيرهم ، ولست آمنهم أن يرفعوا عليَّ عند ولد سليمان ، فيمثلون عليَّ ، قال لي : أفما تذكر ما صنع به ؟ قلت : بلى ، قال : فتجزع ؟ قلت : إي والله ، وأستعبر لذلك ، حتى يرى أهلي أثر ذلك عليَّ ، فأمتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي ، قال : رحم الله دمعتك ، أما إنك من الذين يُعدّون في أهل الجزع لنا والذين يفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويخافون لخوفنا ، ويأمنون إذا أمنّا ، أما إنك سترى عند موتك وحضور آبائي لك ووصيّتهم ملك الموت بك ، وما يلقونك به من البشارة : ما تقرُّ به عينك قبل الموت ، فملك الموت أرقُّ عليك ، وأشدُّ رحمة لك من الأم الشفيقة على ولدها. قال : ثمَّ استعبر واستعبرت معه ، فقال : الحمد لله الذي فضَّلنا على خلقه بالرحمة ، وخصَّنا أهل البيت بالرحمة ، يا مسمع ، إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا ، وما بكى لنا من الملائكة أكثر ، وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا ، وما بكى أحدٌ رحمة لنا ، ولما لقينا إلاَّ رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/281. (313)
عينه ، فإذا سال دموعه على خدِّه فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم لأطفأت حرَّها حتى لا يوجد لها حرّ ، وإن الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا الحوض ، وإن الكوثر ليفرح بمحبِّنا إذا ورد عليه ، حتى إنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.
يا مسمع ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً ، ولم يشقَ بعدها أبداً ، وهو في برد الكافور ، وريح المسك ، وطعم الزنجبيل ، أحلى من العسل ، وألين من الزبد ، وأصفى من الدمع ، وأَذكى من العنبر ، يخرج من تسنيم ، ويمرُّ بأنهار الجنان ، تجري على رضراض الدرّ والياقوت ، فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء ، يوجد ريحه من مسيرة ألف عام ، قدحانه من الذهب والفضة وألوان الجوهر ، يفوح في وجه الشارب منه كل فائحة ، يقول الشارب منه : ليتني تُرِكْتُ ههنا لا أبغي بهذا بدلا ، ولا عنه تحويلا. أما إنك يا كردين ممن تُروى منه ، وما من عين بكت لنا إلاَّ نعمت بالنظر إلى الكوثر ، وسقيت منه من أحبَّنا ، فإن الشارب منه ليعطى من اللذّة والطعم والشهوة له أكثر مما يعطاه من هو دونه في حبِّنا ، وإن على الكوثر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وفي يده عصا من عوسج ، يحطم بها أعداءنا ، فيقول الرجل منهم : إني أشهد الشهادتين! فيقول : انطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك ، فيقول : يتبَّرأ مني إمامي الذي تذكره ، فيقول : ارجع وراءك فقل للذي كنت تتولاَّه وتقدِّمه على الخلق ، فاسأله إذ كان عندك خير الخلق أن يشفع لك ، فإن خير الخلق حقيق أن لا يُرَدَّ إذا شُفِّع ، فيقول : إني أهلك عطشاً ، فيقول : زادك الله ظمأ ، وزادك الله عطشاً. قلت : جُعلت فداك ، وكيف يقدر على الدنو من الحوض ولم يقدر عليه غيره ؟ قال : وَرِعَ عن أشياء قبيحة ، وكفَّ عن شتمنا إذا ذُكرنا ، وترك أشياء اجترأ (314)
عليها غيره ، وليس ذلك لحبِّنا ، ولا لهوى منه ، ولكن ذلك لشدّة اجتهاده في عبادته وتديُّنه ، ولما قد شغل به نفسه عن ذكر الناس ، فأمَّا قلبه فمنافق ، ودينه النصب باتباع أهل النصب وولاية الماضين ، وتقدمة لهما على كل أحد (1).
ولله درّ السيد الحميري عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/289. 2 ـ أيلة ـ بالفتح ـ مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام ، قيل : هي آخر الحجاز وأول الشام. 3 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 47/331. (315)
ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله عزَّ وجلَّ ، ولم يرض له بدون الجنة.
وعن عبدالله بن بكير في حديث طويل قال : حججت مع أبي عبدالله ( عليه السلام ) فقلت : يا ابن رسول الله ، لو نبش قبر الحسين بن علي ( عليهما السلام ) هل كان يصاب في قبره شيء ؟ فقال : يا ابن بكير ، ما أعظم مسائلك! إن الحسين بن علي ( عليه السلام ) مع أبيه وأمه وأخيه في منزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعه ، يُرزقون ويُحبرون ، وإنه لعن يمين العرش متعلِّق به ، يقول : يا ربِّ أنجز لي ما وعدتني ، وإنه لينظر إلى زوَّاره ، فهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وما في رحالهم من أحدهم بولده ، وإنه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له ، ويسأل أباه الاستغفار له ، ويقول : أيُّها الباكي ، لو علمت ما أعدَّ الله لك لفرحت أكثر مما حزنت ، وإنه ليستغفر له من كل ذنب وخطيئة. قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : ورأيت في بعض مؤلَّفات أصحابنا أنه حكي عن السيِّد علي الحسيني قال : كنت مجاوراً في مشهد مولاي علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) مع جماعة من المؤمنين ، فلمَّا كان اليوم العاشر من شهر عاشور ابتدأ رجل من أصحابنا يقرأ مقتل الحسين ( عليه السلام ) ، فوردت رواية عن الباقر ( عليه السلام ) أنه قال : من ذرفت عيناه على مصاب الحسين ولو مثل جناح البعوضة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ، وكان في المجلس معنا جاهل مركَّب يدّعي العلم ولا يعرفه ، فقال : ليس هذا بصحيح ، والعقل لا يعتقده ، وكثر البحث بيننا وافترقنا عن ذلك المجلس ، وهو مصرٌّ على العناد في تكذيب الحديث ، فنام ذلك الرجل تلك الليلة ، فرأى في منامه كأن القيامة قد قامت ، وحشر الناس في صعيد صفصف ، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً ، وقد نُصبت الموازين ، وامتدَّ الصراط ، ووضع الحساب ، ونشرت الكتب ، وأسعرت النيران ، وزخرفت الجنان ، واشتدَّ الحر عليه ، وإذا هو قد عطش عطشاً شديداً ، وبقي يطلب الماء فلا يجده. |
||||||||||||||||||||||||
|