المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 301 ـ 315
(301)
طالب : إنه ابن ثماني عشرة سنة  ، وقال الشيخ المفيد عليه الرحمة إن له يومئذ تسع عشرة سنة  ، وقيل إنه ابن خمس وعشرين سنة فيكون هو الأكبر  ، وروي أنه لما أُدخل علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) وعُرض على ابن زياد قال له : من أنت ؟ فقال له علي بن الحسين  ، فقال : أليس قد قتل الله علي بن الحسين ؟ فقال له علي ( عليه السلام ) : قد كان لي أخ يسمَّى علياً قتله الناس (1)   ، وفي رواية أنه ( عليه السلام ) قال لابن زياد : كان لي أخ يقال له : علي  ، أكبر مني قتله الناس (2).
    وجاء في معالي السبطين للحائري عليه الرحمة في ترجمة علي الأكبر ( عليه السلام )   ، قال : وأمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي  ، وكان عروة أحد السادة الأربعة في الإسلام  ، وقد أخذ علي بن الحسين ( عليه السلام ) الشرافة والسيادة من الطرفين  ، روي في نفس المهموم : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أربعة سادة في الإسلام : بشر بن هلال العبدي  ، وعدي بن حاتم  ، وسراقة بن مالك المدلجي  ، وعروة بن مسعود الثقفي. وكان عروة أحد رجلين عظيمين في قوله تعالى حكاية عن كفار قريش : « وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُل مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم » (3).
    وهذا هو الذي أرسلته قريش للنبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) يوم الحديبية  ، فعقد معه الصلح وهو كافر  ، ثمَّ أسلم سنة تسع من الهجرة بعد رجوع المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) من الطائف  ، واستأذن النبيَّ ( صلى الله عليه وآله ) في الرجوع لأهله  ، فرجع ودعا قومه إلى الإسلام  ، فرماه واحد منهم بسهم وهو يؤذّن للصلاة فمات  ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما بلغه ذلك : مثل عروة مثل صاحب ياسين  ، دعا قومه إلى الله فقتلوه  ، قال : وقال ( صلى الله عليه وآله ) : ورأيت عيسى بن مريم فإذا أقرب من رأيت به شبهاً عروة بن مسعود.
1 ـ الإرشاد  ، المفيد : 2/116  ، مثير الأحزان  ، ابن نما الحلي : 71.
2 ـ الطبقات الكبرى  ، ابن سعد : 5/212  ، تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 41/367  ، المنتخب من ذيل المذيل  ، الطبري : 119.
3 ـ سورة الزخرف  ، الآية : 31.


(302)
    وليلى أم علي الأكبر أمُّها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية  ، المكنَّاة بأم شيبة  ، وكان معاوية خال ليلى أم علي الأكبر  ، ولهذا ناداه رجل من أهل الكوفة حين برز علي الأكبر للقتال : إن لك رحماً بأمير المؤمنين يزيد  ، فإن شئت آمنّاك  ، فقال له : ويلك  ، لقرابة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أحقّ أن تُرعى  ، وكان معاوية كثيراً يمدح علي بن الحسين ( عليه السلام ) حتى قال يوماً لأصحابه : من أحق الناس بالخلافة ؟ قالوا : أنت  ، قال : لا  ، بل أحق الناس بالخلافة علي بن الحسين بن علي ( عليهم السلام ) جدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وفيه شجاعة بني هاشم  ، وسخاء بني أمية (1)   ، وزهو ثقيف  ، يعني المنظر الحسن.
    روي عن أبي عبيدة  ، وخلف الأحمر  ، أن هذه الأبيات قيلت في علي بن الحسين الأكبر  ، المقتول بكربلاء :
لم تَرَ عينٌ نَظَرَتْ مِثْلَهُ يَغْلِي نَهِيءَ اللَّحْمِ حَتَّى إذا كان إذا شَبَّت له نَارُهُ كيما يَرَاها بَائِسٌ مُرْمِلٌ أعني ابنَ ليلى ذا السَّدَى والنَّدى لا يُؤْثِرُ الدنيا على دِيْنِهِ من مُحْتَف يمشي وَلاَ نَاعِلِ أُنْضِجَ لَمْ يَغْلُ على الآكِلِ يُوقِدُها بالشَّرَفِ الْقَابِلِ أَو فَرْدُ حيٍّ ليس بالآهِلِ أعني ابنَ بنتِ الحَسَبِ الفاضلِ ولا يبيعُ الحقَّ بالباطلِ
    هذا الشاعر يمدح علي بن الحسين ( عليه السلام ) في الجود والسخاء  ، ويقول : لم ير أحد في العالم بعد الحسين ( عليه السلام ) في الجود والكرم  ، وإطعام المسكين  ، وإكرام الضيف  ، وإعطاء السائلين  ، مثل علي الأكبر ( عليه السلام )   ، وكان مولعاً وحريصاً في ذلك بحيث يشتري الأطعمة والأغذية اللذيذة  ، واللحوم الطيِّبة بالقيمة الغالية  ، ويأمر بطبخها
1 ـ دعوى معاوية أن بني أمية أسخياء دعوى غير صحيحة يكذُبها التأريخ  ، وأما سخاء علي الأكبر فهو ثابت بالنصوص التأريخية.

(303)
وانضاجها  ، ويطعم البائس والمسكين والضيوف والواردين  ، وهو عليهم في غاية الشفقة واللطف والرحمة  ، وكان من عادة العرب الذين يحبّون الضيف ويبالغون في إكرامه أن يشعلوا ناراً فوق البيوت في الصيف والشتاء  ، في الليالي المظلمة  ، حتى إذا جاءهم ضيفٌ من بعيد في الليل المظلم فبتلك النار يهتدي الطريق إلى المضيف  ، ولا يتعسَّف  ، ولا يضلّ الطريق  ، ويسمّونها نار القرى  ، وكان علي الأكبر ( عليه السلام ) من غاية حبِّه للضيف وإكرامه له إذا أشعل النار فوق بيته أشعلها كثيراً  ، وفي غاية الاشتعال لكي يراها البائس والمسكين والمرمل واليتيم  ، وينزل في داره على طعامه  ، كيف وهو ربُّ الجود والسخاء والفضل والندى ورضيع الحسب والنسب  ، وكان ( عليه السلام ) في الدين واليقين بمكان مكين بحيث لا يؤثر دنياه على دينه  ، ولا يبيع الحق بالباطل.
    قال : ومن كانت هذه سجيّته في الكرم وإطعام الضيوف آل أمره إلى أن وقف على أبيه ( عليه السلام ) وقال : يا أبتاه  ، العطش قد قتلني.
    وكان علي الأكبر ( عليه السلام ) شاباً حسن الصورة  ، صبيح المنظر  ، لا نظير له  ، وفي الشجاعة مشهور  ، وكذلك في صفات الكمال من الجلالة والعظمة والسخاء  ، وحسن الأخلاق وغير ذلك (1).
    وكان علي الأكبر ( عليه السلام ) من أصبح الناس وجهاً  ، وأحسنهم خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً  ، وكان أشبه الناس برسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وذلك بشهادة سيِّد شباب أهل الجنة ( عليه السلام )   ، فقد روي أنه لمَّا استأذن أباه في القتال نظر إليه نظرة آيس منه  ، وأرخى عينيه فبكى  ، ثمَّ رفع سبَّابتيه نحو السماء وقال : اللهم كن أنت الشهيد عليهم  ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك  ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيِّك نظرنا إليه (2)
1 ـ معالي السبطين  ، الحائري : 1/406 ـ 408.
2 ـ لواعج الأشجان  ، السيد محسن الأمين : 169.


(304)
    ويقول الحجّة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة على لسان الحسين ( عليه السلام ) :
أَشبيهَ جدّي منطقاً وخلائقاً أبُنيَّ إنَّ الدهرَ فَوَّقَ سَهْمَهُ أبُنيَّ فَقْدُكَ لم يَدَعْ مِنْ مُسْلِم إِذْ أنت سِلْوَتُهُم إذا اشتاقوا إلى كَرُمَتْ وفي خَلْق حَلاَ وَمَعَاني وَرَمَاك لكنْ في الفؤادِ رماني إلاَّ بكاك شجاً بدَمْع قاني رُؤْيَا النبيِّ وسيِّدِ الأكوانِ (1)
    ولله درّ الشيخ عبد الحسين العاملي عليه الرحمة إذ يقول فيه أيضاً :
جَمَعَ الصفاتِ الغُرَّ وهي تُرَاثُهُ في بَأْسِ حَمْزَةَ في شُجَاعَةِ حيدر وتراه في خَلْق وَطِيْبِ خَلاَئق يرمي الكَتَائِبَ والفلا غَصَّت بها من كُلِّ غِطْريف وشَهْم أصيدِ وإبا الحُسَينِ وفي مَهَابَةِ أحمدِ وبليغِ نُطْق كالنبيِّ محمَّدِ في مِثْلِها من بَأْسِهِ المتوقِّدِ (2)

    فعل الأطائب من أهل بيت محمَّد وعلي صلَّى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون  ، وإياهم فليندب النادبون  ، ولمثلهم فلتذرف الدموع  ، وليصرخ الصارخون  ، ويضجَّ الضاجون  ، ويعجَّ العاجون  ، أين الحسن وأين الحسين  ، أين أبناء الحسين  ، صالح بعد صالح  ، وصادق بعد صادق  ، أين السبيل بعد السبيل  ، أين الخيرة بعد الخيرة  ، أين الشموس الطالعة  ، أين الأقمار المنيرة  ، أين الأنجم الزاهرة  ، أين أعلام الدين وقواعد العلم (3).
1 ـ الشواهد المنبرية  ، الشيخ علي الجشي : 58.
2 ـ رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 121.
3 ـ المزار  ، محمد بن المشهدي : 578.


(305)
    جاء في مقاتل الطالبيين أن علي بن الحسين ( عليه السلام ) ولد في خلافة عثمان وقد روى عن جدّه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) (1).
    وفي معالي السبطين قال : وكان أهل المدينة إذا اشتاقوا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) نظروا إلى علي الأكبر ( عليه السلام )   ، وكان الحسين ( عليه السلام ) يحبه حباً شديداً بحيث إذا رآه فرح به وسرَّ سروراً عظيماً  ، وإذا سأله حاجة لا يردّه أبداً ولو على سبيل الإعجاز  ، قال كثير ابن شاذان : شهدت الحسين بن علي ( عليهما السلام ) وقد اشتهى عليه ابنه علي الأكبر عنباً في غير أوانه  ، فضرب بيده إلى سارية المسجد  ، فأخرج له عنباً وموزاً فأطعمه  ، وقال ( عليه السلام ) : ما عند الله لأوليائه أكثر (2).
    أقول : أفمن كان حبُّه لولده بهذه المثابة بحيث لا يردّه عن حاجة حتى يقضيها له ولو على سبيل الإعجاز فما حاله حين رجع هذا الولد من المعركة  ، وطلب منه جرعة من الماء  ، وهو لا يتمكَّن من أن يعطيه ويسقيه ؟ (3)
    وعُرف عن علي الأكبر ( عليه السلام ) صلابته في الدين ودفاعه عن الحق  ، وأنه لا يهاب الموت في سبيل الله تعالى  ، روى عقبة بن سمعان في مسير الحسين ( عليه السلام ) إلى كربلاء قال : فسرنا معه ساعة  ، فخفق ( عليه السلام ) وهو على ظهر فرسه خفقة  ، ثم انتبه وهو يقول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون  ، والحمد لله ربِّ العالمين  ، ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثاً  ، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين ( عليه السلام ) فقال : مم حمدت الله واسترجعت ؟ قال : يا بنيَّ  ، إني خفقت خفقة  ، فعنَّ لي فارس على فرس وهو يقول : القوم يسيرون  ، والمنايا تسير إليهم  ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا  ، فقال له : يا أبت : لا أراك الله سوءاً  ، ألسنا على الحق ؟ قال : بلى والله الذي مرجع العباد إليه  ، فقال : فإنّنا إذاً ما
1 ـ مقاتل الطالبيين  ، أبو الفرج الإصبهاني : 53.
2 ـ دلائل الإمامة  ، الطبري : 183  ، نوادر المعجزات  ، الطبري : 108 ح 3.
3 ـ معالي السبطين  ، الحائري : 1/408.


(306)
نبالي أن نموت محقّين.
    فقال له الحسين ( عليه السلام ) : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده (1).
    وفي بحار الأنوار قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : قالوا : ثمَّ تقدَّم علي بن الحسين ( عليه السلام )   ، وقال محمد بن أبي طالب وأبو الفرج : وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي  ، وهو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة  ، وقال ابن شهر آشوب : ويقال : ابن خمس وعشرين سنة  ، قالوا : ورفع الحسين ( عليه السلام ) سبَّابته نحو السماء وقال : اللهم اشهد على هؤلاء القوم  ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك  ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيِّك نظرنا إلى وجهه  ، اللهم امنعهم بركات الأرض  ، وفرِّقهم تفريقاً  ، ومزِّقهم تمزيقاً  ، واجعلهم طرائق قدداً  ، ولا ترض الولاة عنهم أبداً  ، فإنهم دعونا لينصرونا  ، ثمَّ عدوا علينا يقاتلوننا.
    ثم صاح الحسين ( عليه السلام ) بعمر بن سعد : ما لك ؟ قطع الله رحمك! ولا بارك الله لك في أمرك  ، وسلَّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك  ، كما قطعت رحمي  ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، ثمَّ رفع الحسين ( عليه السلام ) صوته وتلا : « إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْض وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ». ثمَّ حمل علي بن الحسين على القوم  ، وهو يقول :
أنا عليُّ بنُ الحسينِ بنِ علي واللهِ لا يحكُمُ فينا ابنُ الدَّعِي أَضْرِبُكُم بالسيفِ أَحْمِي عن أبي من عُصْبَة جَدُّ أبيهِمُ النبي أَطْعَنُكُمْ بالرُّمْحِ حتَّى ينثني ضَرْبَ غُلاَم هاشميٍّ علوي
    فلم يزل يقاتل حتى ضجَّ الناس من كثرة من قتل منهم  ، وروي أنه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلا  ، ثمَّ رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة فقال : يا أبه! العطش قد قتلني  ، وثقل الحديد أجهدني  ، فهل إلى شربة من ماء سبيل
1 ـ الإرشاد  ، المفيد : 2/82.

(307)
أتقوَّى بها على الأعداء ؟ فبكى الحسين ( عليه السلام ) وقال : يا بنيَّ  ، يعزُّ على محمد وعلى علي بن أبي طالب وعليَّ أن تدعوهم فلا يجيبوك  ، وتستغيث بهم فلا يغيثوك  ، يا بنيَّ  ، هاتِ لسانك  ، فأخذ بلسانه فمصَّه  ، ودفع إليه خاتمه وقال : أمسكه في فيك  ، وارجع إلى قتال عدوك  ، فإني أرجو أنك لا تمسي حتى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً. فرجع إلى القتال وهو يقول :
الحَرْبُ قد بانت لها الحَقَائِقُ واللهِ ربِّ العَرْشِ لاَ نُفَارِقُ وَظَهَرَتْ من بَعْدِها مَصَادِقُ جُمُوعَكُمْ أو تُغْمَدَ البَوَارِقُ
    فلم يزل يقاتل حتى قتل تمام المائتين  ، ثمَّ ضربه منقذ بن مرّة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعته  ، وضربه الناس بأسيافهم  ، ثمَّ اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء  ، فقطَّعوه بسيوفهم إرباً إرباً.
    فلما بلغت الروح التراقي قال رافعاً صوته : يا أبتاه  ، هذا جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً  ، وهو يقول : العجل العجل! فإن لك كأساً مذخورة حتى تشربها الساعة  ، فصاح الحسين ( عليه السلام ) وقال : قتل الله قوماً قتلوك  ، ما أجرأهم على الرحمان وعلى رسوله ( صلى الله عليه وآله )   ، وعلى انتهاك حرمة الرسول  ، وعلى الدنيا بعدك العفا.
    قال حميد بن مسلم : فكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة  ، تنادي بالويل والثبور  ، وتقول : يا حبيباه  ، يا ثمرة فؤاداه  ، يا نور عيناه! فسألت عنها فقيل : هي زينب بنت علي ( عليه السلام )   ، وجاءت وانكبَّت عليه  ، فجاء الحسين فأخذ بيدها فردَّها إلى الفسطاط  ، وأقبل ( عليه السلام ) بفتيانه وقال : احملوا أخاكم  ، فحملوه من مصرعه فجاؤوا به حتى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه (1)
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/42.

(308)
    قال المرحوم الشيخ جعفر التستري عليه الرحمة : إن الحسين ( عليه السلام ) في مصيبة ولده قد احتضر وأشرف على الموت ثلاث مرَّات  ، الأولى  ، لمَّا برز علي الأكبر واستأذن أباه فأذن له  ، وألبسه الدرع والسلاح  ، وأركبه على العقاب  ، قال رضي الله عنه : فلمَّا تجلَّى وجه طلعته من أفق العقاب  ، واستولت يده وقدمه على العنان والركاب  ، خرجن النساء وأحدقن به فأخذت عمَّاته وأخواته بعنانه وركابه  ، ومنعنه من العزيمة  ، فعند ذلك تغيَّر حال الحسين ( عليه السلام ) بحيث أشرف على الموت  ، وصاح بنسائه وعياله  ، دعنه فإنه ممسوس في الله ومقتول في سبيل الله  ، ثم أخذ بيده وأخرجه من بينهن  ، فنظر إليه نظر آيس منه  ، والثانية : التي احتضر فيها الحسين ( عليه السلام ) وذلك حين رجع علي الأكبر ( عليه السلام ) من المعركة وقد أصابته جراحات كثيرة  ، والدم يجري من حلق درعه  ، وقد اشتدَّ به الحرُّ والعطش  ، وقف وقال : يا أبه العطش  ، فضمَّه الحسين ( عليه السلام ) إلى صدره  ، وبكى وأشرف على الموت من شدّة الهمّ والحزن من حيث أنه لا يتمكَّن من سقيه  ، والمرَّة الثالثة : حين رأى علياً سقط ونادى : يا أبه عليك منّي السلام  ، قالت سكينة : لمَّا سمع أبي صوت ولده نظرت إليه فرأيته قد أشرف على الموت  ، وعيناه تدوران كالمحتضر  ، وجعل ينظر إلى أطراف الخيمة  ، وكادت روحه أن تطلع من جسده  ، وصاح من وسط الخيمة : ولدي  ، قتل الله قوماً قتلوك (1).
يا كوكباً ما كان أَقْصَرَ عُمْرَهُ وهلالَ أيَّام مضى لم يَسْتَدِرْ عَجِلَ الخُسُوفُ عليه قَبْلَ أَوَانِهِ أبكيهِ ثمَّ أقولُ معتذراً له جَاوَرْتُ أعدائي وَجَاوَرَ ربَّه وكذاك عُمْرُ كَوَاكِبِ الأسحارِ بدراً ولم يُمْهَلْ لِوَقْتِ سَرَارِ فَمَحَاه قَبْلَ مَظَنَّةِ الإبدارِ وُفِّقْتَ حين تَرَكْتَ أَلأَمَ دَارِ شَتَّانَ بين جِوَارِهِ وَجِوَاري

1 ـ معالي السبطين  ، الحائري : 1/416.

(309)
    وقال آخر :
كُنْتَ السوادَ لِمُقْلَتي مَنْ شَاءَ بَعْدَكَ فَلْيَمُتْ يبكي عليك النَّاظِرُ فعليكَ كنتُ أُحَاذِرُ
    جاء في بعض زيارات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) : فهل المحن يا ساداتي إلاَّ التي لزمتكم  ، والمصائب إلاَّ التي عمَّتكم  ، والفجائع إلاَّ التي خصَّتكم  ، والقوارع إلاَّ التي طرقتكم  ، صلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وأجسادكم  ، ورحمة الله وبركاته  ، بأبي وأمي يا آل المصطفى  ، إنّا لا نملك إلاَّ أن نطوف حول مشاهدكم  ، ونعزّي فيها أرواحكم  ، على هذه المصائب العظيمة الحالّة بفنائكم  ، والرزايا الجليلة النازلة بساحتكم  ، التي أثبتت في قلوب شيعتكم القروح  ، وأورثت أكبادهم الجروح  ، وزرعت في صدورهم الغصص  ، فنحن نشهد الله أنّا قد شاركنا أولياءكم وأنصاركم المتقدِّمين  ، في إراقة دماء الناكثين والقاسطين والمارقين  ، وقتلة أبي عبدالله سيِّد شباب أهل الجنة يوم كربلاء  ، بالنيَّات والقلوب  ، والتأسُّف على فوت تلك المواقف  ، التي حضروا لنصرتكم  ، والله وليّي يبلِّغكم منّي السلام (1).
    ذكر الشيخ جعفر التستري عليه الرحمة في الخصاص الحسينية رواية عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : شيعتنا منا وقد خلقوا من فاضل طينتنا  ، وعجنوا بنور ولايتنا  ، رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة  ، يصيبهم ما أصابنا وتبكيهم مصائبنا  ،
1 ـ المزار  ، محمد بن المشهدي : 299.

(310)
ويحزنهم حزننا  ، ويسرهم سرورنا  ، ونحن أيضا نتألم بتألمهم  ، ونطلع على أحوالهم فهم معنا لا يفارقونا  ، ونحن لا نفارقهم  ، ثم قال : اللهم : ان شيعتنا منا فمن ذكر مصابنا وبكى لأجلنا استحيى الله أن يعذبه بالنار (1).
    روي عن علي بن الحسن بن فضال  ، عن أبيه قال : قال الرضا ( عليه السلام ) : من تذكَّر مصابنا وبكى لما اُرتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة  ، ومن ذكر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون  ، ومن جلس مجلساً يُحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.
    وعن بكر بن محمد  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : من ذَكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.
    وعن أبان بن تغلب  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح  ، وهمّه لنا عبادة  ، وكتمان سرِّنا جهاد في سبيل الله. ثم قال أبو عبدالله : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب.
    وعن محمد بن أبي عمارة الكوفي قال : سمعت جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) يقول : من دمعت عينه فينا دمعة لدم سُفِك لنا أو حقٍّ لنا نقصناه  ، أو عرض انتهك لنا  ، أو لأحد من شيعتنا  ، بوَّأه الله تعالى بها في الجنة حُقباً.
    وعن الربيع بن المنذر  ، عن أبيه  ، عن الحسين بن علي ( عليهما السلام ) قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعه إلاَّ بوَّأه الله بها في الجنة حقباً  ، قال أحمد بن يحيى الأودي : فرأيت الحسين بن علي ( عليهما السلام ) في المنام فقلت : حدَّثني مخول بن إبراهيم  ، عن الربع بن المنذر  ، عن أبيه  ، عنك أنك قلت : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلاَّ بوَّأه الله بها في الجنة حقباً ؟ قال : نعم  ، قلت :
1 ـ الخصائص الحسينية  ، التستري : 166.

(311)
سقط الإسناد بيني وبينك (1).
    وعن فضيل  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.
    وعن فضيل بن فضالة  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرَّم الله وجهه على النار (2).
    قال السيد ابن طاووس عليه الرحمة : روي عن آل الرسول ( عليهم السلام ) أنهم قالوا : من بكى وأبكى فينا مائة فله الجنة  ، ومن بكى وأبكى خمسين فله الجنة  ، ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنة  ، ومن بكى وأبكى عشرين فله الجنة  ، ومن بكى وأبكى عشرة فله الجنة  ، ومن بكى وأبكى واحداً فله الجنة  ، ومن تباكى فله الجنة.
    وعن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : إن الحسين بن علي ( عليهما السلام ) عند ربِّه عزَّ وجلَّ  ، ينظر إلى معسكره ومن حلَّه من الشهداء معه  ، وينظر إلى زوَّاره وهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم  ، وبدرجاتهم ومنزلتهم عند الله عزَّ وجلَّ من أحدكم بولده  ، وإنه ليرى من يبكيه فيستغفر له  ، ويسأل آباءه ( عليهم السلام ) أن يستغفروا له  ، ويقول : لو يعلم زائري ما أعدَّ الله له لكان فرحه أكثر من جزعه  ، وإن زائره لينقلب وما عليه من ذنب.
    وعن محمد  ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : كان علي بن الحسين ( عليهما السلام ) يقول : أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي دمعة حتى تسيل على خدِّه بوَّأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً  ، وأيما مؤمن دمعت عيناه دمعاً حتى يسيل على خدّه لأذىً مسَّنا من عدوِّنا في الدنيا بوَّأه الله مبوَّأ صدق في الجنة  ، وأيما مؤمن مسَّه أذىً
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/278 ـ 279.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/284 ـ 285.


(312)
فينا فدمعت عيناه حتى يسيل دمعه على خدّيه من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى  ، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار (1).
    وعن صالح بن عقبة  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : من أنشد في الحسين بيتاً من شعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنة  ، ومن أنشد في الحسين بيتاً فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنة  ، فلم يزل حتى قال : ومن أنشد في الحسين بيتاً فبكى ـ وأظنّه قال : أو تباكى ـ فله الجنة.
    وعن مسمع كردين قال : قال لي أبو عبدالله ( عليه السلام ) : يا مسمع  ، أنت من أهل العراق  ، أما تأتي قبر الحسين ؟ قلت : لا  ، أنا رجل مشهور من أهل البصرة  ، وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة  ، وأعداؤنا كثيرة من أهل القبائل من النُصَّاب وغيرهم  ، ولست آمنهم أن يرفعوا عليَّ عند ولد سليمان  ، فيمثلون عليَّ  ، قال لي : أفما تذكر ما صنع به ؟ قلت : بلى  ، قال : فتجزع ؟ قلت : إي والله  ، وأستعبر لذلك  ، حتى يرى أهلي أثر ذلك عليَّ  ، فأمتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي  ، قال : رحم الله دمعتك  ، أما إنك من الذين يُعدّون في أهل الجزع لنا والذين يفرحون لفرحنا  ، ويحزنون لحزننا  ، ويخافون لخوفنا  ، ويأمنون إذا أمنّا  ، أما إنك سترى عند موتك وحضور آبائي لك ووصيّتهم ملك الموت بك  ، وما يلقونك به من البشارة : ما تقرُّ به عينك قبل الموت  ، فملك الموت أرقُّ عليك  ، وأشدُّ رحمة لك من الأم الشفيقة على ولدها.
    قال : ثمَّ استعبر واستعبرت معه  ، فقال : الحمد لله الذي فضَّلنا على خلقه بالرحمة  ، وخصَّنا أهل البيت بالرحمة  ، يا مسمع  ، إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا  ، وما بكى لنا من الملائكة أكثر  ، وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا  ، وما بكى أحدٌ رحمة لنا  ، ولما لقينا إلاَّ رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/281.

(313)
عينه  ، فإذا سال دموعه على خدِّه فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم لأطفأت حرَّها حتى لا يوجد لها حرّ  ، وإن الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا الحوض  ، وإن الكوثر ليفرح بمحبِّنا إذا ورد عليه  ، حتى إنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.
    يا مسمع  ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً  ، ولم يشقَ بعدها أبداً  ، وهو في برد الكافور  ، وريح المسك  ، وطعم الزنجبيل  ، أحلى من العسل  ، وألين من الزبد  ، وأصفى من الدمع  ، وأَذكى من العنبر  ، يخرج من تسنيم  ، ويمرُّ بأنهار الجنان  ، تجري على رضراض الدرّ والياقوت  ، فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء  ، يوجد ريحه من مسيرة ألف عام  ، قدحانه من الذهب والفضة وألوان الجوهر  ، يفوح في وجه الشارب منه كل فائحة  ، يقول الشارب منه : ليتني تُرِكْتُ ههنا لا أبغي بهذا بدلا  ، ولا عنه تحويلا.
    أما إنك يا كردين ممن تُروى منه  ، وما من عين بكت لنا إلاَّ نعمت بالنظر إلى الكوثر  ، وسقيت منه من أحبَّنا  ، فإن الشارب منه ليعطى من اللذّة والطعم والشهوة له أكثر مما يعطاه من هو دونه في حبِّنا  ، وإن على الكوثر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وفي يده عصا من عوسج  ، يحطم بها أعداءنا  ، فيقول الرجل منهم : إني أشهد الشهادتين! فيقول : انطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك  ، فيقول : يتبَّرأ مني إمامي الذي تذكره  ، فيقول : ارجع وراءك فقل للذي كنت تتولاَّه وتقدِّمه على الخلق  ، فاسأله إذ كان عندك خير الخلق أن يشفع لك  ، فإن خير الخلق حقيق أن لا يُرَدَّ إذا شُفِّع  ، فيقول : إني أهلك عطشاً  ، فيقول : زادك الله ظمأ  ، وزادك الله عطشاً.
    قلت : جُعلت فداك  ، وكيف يقدر على الدنو من الحوض ولم يقدر عليه غيره ؟ قال : وَرِعَ عن أشياء قبيحة  ، وكفَّ عن شتمنا إذا ذُكرنا  ، وترك أشياء اجترأ


(314)
عليها غيره  ، وليس ذلك لحبِّنا  ، ولا لهوى منه  ، ولكن ذلك لشدّة اجتهاده في عبادته وتديُّنه  ، ولما قد شغل به نفسه عن ذكر الناس  ، فأمَّا قلبه فمنافق  ، ودينه النصب باتباع أهل النصب وولاية الماضين  ، وتقدمة لهما على كل أحد (1).
    ولله درّ السيد الحميري عليه الرحمة إذ يقول :
حَوْضٌ له ما بَيْنَ صنعاءَ إلى يُنْصَبُ فيه عَلَمٌ للهدى يفيضُ من رَحْمَتِهِ كَوْثَرٌ حَصَاهُ ياقوتٌ وَمُرْجَانَةٌ بَطْحَاؤُه مِسْكٌ وَحَافَاتُهُ أَخْضَرُ ما دون الوَرَى نَاضِرٌ فيه أباريقُ وَقِدْ حَانُهُ يَذُبُّ عنها ابنُ أبي طالب والعِطْرُ والريحانُ أنواعُهُ ريحٌ من الجنَّةِ مأمورةٌ إذا دنوا منه لكي يشربوا دُونَكُمُ فالتمسوا مَنْهلا هَذا لِمَنْ والى بني أحمد فالفوزُ للشاربِ من حَوْضِهِ أَيلةَ (2) والعُرْضُ به أَوْسَعُ والحَوْضُ من مَاء له مُتْرَعُ أبيضُ كالفضَّةِ أو أنصعُ ولؤلؤٌ لم تَجْنِهِ إِصْبَعُ يهتزُّ منها مُوْنِقٌ مُرْبِعُ وَفَاقِعٌ أَصْفَرُ أو أَنْصَعُ يَذُبُّ عنها الرَّجُلُ الأَصْلَعُ ذَبَّاً كَجَرْبَا إِبل شرَّعُ زَاك وقد هبَّتْ به زَعْزَعُ ذاهبةٌ ليس لها مَرْجِعُ قيل لهم : تبّاً لكم فَارْجِعوا يُرْويكُمُ أو مَطْعَماً يُشْبِعُ ولم يَكُنْ غيرَهُمُ يَتْبَعُ والويلُ والذُّلُّ لمن يُمْنَعُ (3)
    وعن أبي هارون المكفوف قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) في حديث طويل :

1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/289.
2 ـ أيلة ـ بالفتح ـ مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام  ، قيل : هي آخر الحجاز وأول الشام.
3 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 47/331.


(315)
ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله عزَّ وجلَّ  ، ولم يرض له بدون الجنة.
    وعن عبدالله بن بكير في حديث طويل قال : حججت مع أبي عبدالله ( عليه السلام ) فقلت : يا ابن رسول الله  ، لو نبش قبر الحسين بن علي ( عليهما السلام ) هل كان يصاب في قبره شيء ؟ فقال : يا ابن بكير  ، ما أعظم مسائلك! إن الحسين بن علي ( عليه السلام ) مع أبيه وأمه وأخيه في منزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعه  ، يُرزقون ويُحبرون  ، وإنه لعن يمين العرش متعلِّق به  ، يقول : يا ربِّ أنجز لي ما وعدتني  ، وإنه لينظر إلى زوَّاره  ، فهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وما في رحالهم من أحدهم بولده  ، وإنه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له  ، ويسأل أباه الاستغفار له  ، ويقول : أيُّها الباكي  ، لو علمت ما أعدَّ الله لك لفرحت أكثر مما حزنت  ، وإنه ليستغفر له من كل ذنب وخطيئة.
    قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : ورأيت في بعض مؤلَّفات أصحابنا أنه حكي عن السيِّد علي الحسيني قال : كنت مجاوراً في مشهد مولاي علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) مع جماعة من المؤمنين  ، فلمَّا كان اليوم العاشر من شهر عاشور ابتدأ رجل من أصحابنا يقرأ مقتل الحسين ( عليه السلام )   ، فوردت رواية عن الباقر ( عليه السلام ) أنه قال : من ذرفت عيناه على مصاب الحسين ولو مثل جناح البعوضة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر  ، وكان في المجلس معنا جاهل مركَّب يدّعي العلم ولا يعرفه  ، فقال : ليس هذا بصحيح  ، والعقل لا يعتقده  ، وكثر البحث بيننا وافترقنا عن ذلك المجلس  ، وهو مصرٌّ على العناد في تكذيب الحديث  ، فنام ذلك الرجل تلك الليلة  ، فرأى في منامه كأن القيامة قد قامت  ، وحشر الناس في صعيد صفصف  ، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً  ، وقد نُصبت الموازين  ، وامتدَّ الصراط  ، ووضع الحساب  ، ونشرت الكتب  ، وأسعرت النيران  ، وزخرفت الجنان  ، واشتدَّ الحر عليه  ، وإذا هو قد عطش عطشاً شديداً  ، وبقي يطلب الماء فلا يجده.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس