|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(316)
فالتفت يميناً وشمالا وإذا هو بحوض عظيم الطول والعرض ، قال : قلت في نفسي : هذا هو الكوثر ، فإذا فيه ماء أبرد من الثلج ، وأحلى من العذب ، وإذا عند الحوض رجلان وامرأة ، أنوارهم تشرق على الخلائق ، ومع ذلك لبسهم السواد ، وهم باكون محزونون ، فقلت : من هؤلاء ؟ فقيل لي : هذا محمد المصطفى ، وهذا الإمام علي المرتضى ، وهذه الطاهرة فاطمة الزهراء ، فقلت : ما لي أراهم لابسين السواد وباكين ومحزونين ؟ فقيل لي : أليس هذا يوم عاشورا ، يوم مقتل الحسين ( عليه السلام ) ؟ فهم محزونون لأجل ذلك.
قال : فدنوت إلى سيِّدة النساء فاطمة ( عليها السلام ) ، وقلت لها : يا بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، إني عطشان ، فنظرت إليَّ شزراً وقالت لي : أنت الذي تنكر فضل البكاء على مصاب ولدي الحسين ، ومهجة قلبي ، وقرَّة عيني ، الشهيد المقتول ظلماً وعدواناً ؟ لعن الله قاتليه وظالميه ومانعيه من شرب الماء ، قال الرجل : فانتبهت من نومي فزعاً مرعوباً ، واستغفرت الله كثيراً ، وندمت على ما كان منّي ، وأتيت إلى أصحابي الذين كنت معهم ، وخبَّرت برؤياي ، وتبت إلى الله عزَّ وجلَّ (1). ولله درّ الشيخ عبد الحسين الأعسم عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/219 ـ 293. (317)
المجلس الرابع ، من اليوم التاسع
جاء في كتاب المزار للمشهدي عليه الرحمة في بعض الزيارات الشريفة : وأشهد أنكم قد وفيتم بعهد الله وذمّته ، وبكلِّ ما اشترطه عليكم في كتابه ، ودعوتم إلى سبيله ، وأنفدتم طاقتكم في مرضاته ، وحملتم الخلائق على منهاج النبوة ومسالك الرسالة ، وسرتم فيه بسيرة الأنبياء ، ومذاهب الأوصياء ، فلم يُطع لكم أمر ، ولم تَصغِ إليكم أذنٌ ، فصلوات الله على أرواحكم وأجسادكم (1).
إخبار جبرئيل والملائكة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بمقتل الحسين ( عليه السلام ) وفي ذلك يقول بعض الشعراء :
وعن أنس بن مالك أن عظيماً من عظماء الملائكة استأذن ربَّه عزَّ وجلَّ في 1 ـ المزار ، محمد بن المشهدي : 294. (318)
زيارة النبي فأذن له ، فبينما هو عنده إذ دخل عليه الحسين ، فقبَّله النبي وأجلسه في حجره ، فقال له المَلَك : أتحبُّه ؟ قال : أجل أشدَّ الحبِّ ، إنه ابني ، قال له : إن أمتك ستقتله ، قال : أمتي تقتل ولدي ؟ قال : نعم ، وإن شئت أريتك من التربة التي يقتل عليها ، قال : نعم ، فأراه تربة حمراء طيِّبة الريح ، فقال : إذا صارت هذه التربة دماً عبيطاً فهو علامة قتل ابنك هذا. قال سالم بن أبي الجعد : أُخبرت أن المَلَك كان ميكائيل ( عليه السلام ).
وعن عائشة أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أجلس حسيناً على فخذه وجعل يقبِّله ، فقال جبرئيل : أتحبُّ ابنك هذا ؟ قال : نعم ، قال : فإن أمتك ستقتله بعدك ، فدمعت عينا رسول الله ، فقال له : إن شئت أريتك من تربته التي يقتل عليها ، قال : نعم ، فأراه جبرئيل تراباً من تراب الأرض التي يقتل عليها ، وقال : تدعى الطفَّ. وعن أنس أن ملك المطر استأذن أن يأتي رسول الله ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأم سلمة : املكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد ، فجاء الحسين ليدخل فمنعته ، فوثب حتى دخل ، فجعل يثب على منكبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويقعد عليهما ، فقال له الملك : أتحبُّه ؟ قال : نعم ، قال ، فإن أمتك ستقتله ، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه ، فمدَّ يده فإذا طينة حمراء ، فأخذتها أم سلمة فصيَّرتها إلى طرف خمارها ، قال ثابت : فبلغنا أنه المكان الذي قتل به بكربلا. وعن محمد بن سنان ، عن سعيد بن يسار أو غيره قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : لما أن هبط جبرئيل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقتل الحسين أخذ بيد علي فخلا به مليّاً من النهار ، فغلبتهما عبرة ، فلم يتفرَّقا حتى هبط عليهما جبرئيل أو قال : رسول الله ربّ العالمين ، فقال لهما : ربُّكما يقرئكما السلام ويقول : قد عزمت عليكما لما صبرتما ، قال : فصبرا (1) 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/228 ـ 230. (319)
وعن أبي بصير ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إن جبرئيل أتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والحسين يلعب بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأخبره أن أمته ستقتله ، قال : فجزع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : ألا أريك التربة التي يقتل فيها ؟ قال : فخسف ما بين مجلس رسول الله إلى المكان الذي قتل فيه حتى التقت القطعتان ، فأخذ منها ، ودحيت في أسرع من طرفة العين ، فخرج وهو يقول : طوبى لك من تربة وطوبى لمن يقتل حولك.
قال : وكذلك صنع صاحب سليمان ، تكلَّم باسم الله الأعظم فخسف ما بين سرير سليمان وبين العرش من سهولة الأرض وحزونتها حتى التقت القطعتان فاجترَّ العرش ، قال سليمان : يخيَّل إليَّ أنه خرج من تحت سريري ، قال : ودحيت في أسرع من طرفة العين. وعن زيد الشحّام ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : نعى جبرئيل ( عليه السلام ) الحسين ( عليه السلام ) إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بيت أمِّ سلمة ، فدخل عليه الحسين وجبرئيل عنده ، فقال : إن هذا تقتله أمتك ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أرني من التربة التي يسفك فيها دمه ، فتناول جبرئيل قبضة من تلك التربة فإذا هي تربة حمراء ، وفي رواية : فلم تزل عند أمّ سلمة حتى ماتت رحمها الله. وعن أبي خديجة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : لما ولدت فاطمة الحسين جاء جبرئيل إلى رسول الله فقال له : إن أمتك تقتل الحسين من بعدك ، ثم قال : ألا أريك من تربتها ؟ فضرب بجناحه فأخرج من تربة كربلاء ، فأراها إياه ، ثمَّ قال : هذه التربة التي يقتل عليها. وعن عبد الرحمان الغنوي ، عن سليمان قال : وهل بقي في السماوات ملك لم ينزل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعزّيه في ولده الحسين ؟ ويخبره بثواب الله إياه ، ولم يحمل إليه تربته مصروعاً عليها ، مذبوحاً مقتولا ، طريحاً مخذولا ، فقال رسول الله : اللهم (320)
اخذل من خذله ، واقتل من قتله ، واذبح من ذبحه ، ولا تمتِّعه بما طلب.
قال عبد الرحمان : فوالله لقد عوجل الملعون يزيد ، ولم يتمتَّع بعد قتله ، ولقد أُخذ مغافصة ، بات سكراناً وأصبح ميِّتاً متغيِّراً ، كأنه مطليٌّ بقار ، أُخذ على أسف ، وما بقي أحد ممن تابعه على قتله أو كان في محاربته إلاّ أصابه جنون أو جذام أو برص ، وصار ذلك وراثة في نسلهم لعنهم الله (1). وعن ابن عباس قال : المَلك الذي جاء إلى محمد ( صلى الله عليه وآله ) يخبره بقتل الحسين كان جبرئيل ، الروح الأمين ، منشور الأجنحة ، باكياً صارخاً ، قد حمل من تربته ، وهي تفوح كالمسك ، فقال رسول الله : وتفلح أمة تقتل فرخي ؟ أو قال : فرخ ابنتي ؟ قال جبرئيل : يضربها الله بالاختلاف فتختلف قلوبهم (2). قال الراوي : وقال أصحاب الحديث : فلمَّا أتت على الحسين ( عليه السلام ) سنة كاملة هبط على النبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) اثنا عشر ملَكاً على صور مختلفة ، أحدهم على صورة بني آدم ، يعزّونه ويقولون : إنه سينزل بولدك الحسين ابن فاطمة ما نزل بهابيل من قابيل ، وسيُعطى مثل أجر هابيل ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل ، ولم يبق ملك إلاَّ نزل إلى النبيِّ يعزّونه ، والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول : اللهم اخذل خاذله ، واقتل قاتله ، ولا تمتِّعه بما طلبه. وعن عائشة قالت : دخل الحسين على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو غلام يدرج فقال : أي عائشة ، ألا أعجبك ؟ لقد دخل عليَّ آنفاً ملك ما دخل عليَّ قط فقال : إن ابنك هذا مقتول ، وإن شئت أريتك من تربته التي يقتل بها ، فتناول تراباً أحمر ، فأخذته أم سلمة فخزنته في قارورة ، فأخرجته يوم قتل وهو دم (3). 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/235. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/237. 3 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/247. (321)
وعن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالت : يا رسول الله ، رأيت الليلة حلماً منكراً ، قال : وما هو ؟ قالت : إنه شديد ، قال : وما هو ؟ قالت : رأيت كأن قطعة من جسدك قد قطعت ووضعت في حجري ، فقال رسول الله : خيراً رأيت ، تلد فاطمة غلاماً فيكون في حجرك. فولدت فاطمة ( عليها السلام ) الحسين ( عليه السلام ) ، قالت : وكان في حجري كما قال رسول الله ، فدخلت به يوماً على النبيّ ، فوضعته في حجر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثمَّ حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله تهرقان بالدموع ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، مالك ؟ قال : أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي تقتل ابني هذا ، وأتاني بتربة حمراء من تربته (1).
وروي في مؤلَّفات بعض الأصحاب عن أم سلمة قالت : دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم ودخل في أثره الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، وجلسا إلى جانبيه ، فأخذ الحسن على ركبته اليمنى ، والحسين على ركبته اليسرى ، وجعل يقبِّل هذا تارة وهذا أخرى ، وإذا بجبرئيل قد نزل وقال : يا رسول الله ، إنك لتحبُّ الحسن والحسين ؟ فقال : وكيف لا أحبُّهما وهما ريحانتاي من الدنيا وقرَّتا عيني ؟ فقال جبرئيل : يا نبيَّ الله ، إن الله قد حكم عليهما بأمر فاصبر له ، فقال : وما هو يا أخي ؟ فقال : قد حكم على هذا الحسن أن يموت مسموماً ، وعلى هذا الحسين أن يموت مذبوحاً ، وإن لكل نبيٍّ دعوة مستجابة ، فإن شئت كانت دعوتك لولديك الحسن والحسين ، فادع الله أن يسلِّمهما من السمِّ والقتل ، وإن شئت كانت مصيبتهما ذخيرة في شفاعتك للعصاة من أمتك يوم القيامة ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا جبرئيل ، أنا راض بحكم ربّي ، لا أريد إلاَّ ما يريده ، وقد أحببت أن تكون دعوتي ذخيرة لشفاعتي في العصاة من أمتي ، ويقضي الله في ولدي ما يشاء (2) 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/238. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/241. (322)
قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : وروي عن بعض الثقات الأخيار أن الحسن والحسين ( عليهما السلام ) دخلا يوم عيد إلى حجرة جدِّهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقالا : يا جدّاه ، اليوم يوم العيد ، وقد تزيَّن أولاد العرب بألوان اللباس ، ولبسوا جديد الثياب ، وليس لنا ثوب جديد ، وقد توجَّهنا لذلك إليك ، فتأمَّل النبي حالهما وبكى ، ولم يكن عنده في البيت ثياب يليق بهما ، ولا رأى أن يمنعهما فيكسر خاطرهما ، فدعا ربَّه وقال : إلهي ، اجبر قلبهما وقلب أمهما ، فنزل جبرئيل ومعه حلّتان بيضاوان من حلل الجنة ، فسُرَّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال لهما : يا سيِّدي شباب أهل الجنة ، خذا أثواباً خاطها خيَّاط القدرة على قدر طولكما ، فلمَّا رأيا الخلع بيضاً قالا : يا جدَّاه ، كيف هذا وجميع صبيان العرب لابسون ألوان الثياب ؟
فأطرق النبي ( صلى الله عليه وآله ) ساعة متفكِّراً في أمرهما ، فقال جبرئيل : يا محمّد ، طب نفساً ، وقر عيناً ، إن صابغ صبغة الله عزَّ وجلَّ يقضي لهما هذا الأمر ، ويفرح قلوبهما بأيِّ لون شاءا ، فأمر ـ يا محمد ـ بإحضار الطست والإبريق ، فأُحضرا ، فقال جبرئيل : يا رسول الله ، أنا أصبُّ الماء على هذه الخلع وأنت تفركهما بيدك فتصبغ لهما بأيِّ لون شاءا. فوضع النبي ( صلى الله عليه وآله ) حلّة الحسن في الطست ، فأخذ جبرئيل يصبّ الماء ، ثمَّ أقبل النبيُّ على الحسن وقال له : يا قرَّة عيني ، بأيِّ لون تريد حلتك ؟ فقال : أريدها خضراء ، ففركها النبيُّ بيده في ذلك الماء ، فأخذت بقدرة الله لوناً أخضر فائقاً كالزبرجد الأخضر ، فأخرجها النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) وأعطاها الحسن ، فلبسها. ثمَّ وضع حلّة الحسين في الطست ، وأخذ جبرئيل يصبُّ الماء ، فالتفت النبي إلى نحو الحسين ـ وكان له من العمر خمس سنين ـ وقال له : يا قرَّة عيني ، أيَّ لون تريد حلّتك ؟ فقال الحسين : يا جدّ! أريدها حمراء ، ففركها النبيّ بيده في ذلك الماء ، فصارت حمراء كالياقوت الأحمر ، فلبسها الحسين ، فسرَّ النبيّ بذلك ، وتوجَّه (323)
الحسن والحسين إلى أمهما فرحين مسرورين.
فبكى جبرئيل ( عليه السلام ) لما شاهد تلك الحال ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا أخي جبرئيل ، في مثل هذا اليوم الذي فرح فيه ولداي تبكي وتحزن ؟ فبالله عليك إلاَّ ما أخبرتني ، فقال جبرئيل : اعلم ـ يا رسول الله ـ أن اختيار ابنيك على اختلاف اللون ، فلا بدّ للحسن أن يسقوه السمّ ويخضرّ لون جسده من عظم السّم ، ولابدّ للحسين أن يقتلوه ويذبحوه ويخضب بدنه من دمه ، فبكى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وزاد حزنه لذلك (1). ولله درّ السيد رضا الهندي عليه الرحمة إذ يقول :
جاء في زيارة جابر بن عبدالله الأنصاري ( رضي الله عنه ) يوم زار الحسين ( عليه السلام ) : فأشهد أنك ابن خاتم النبيين ، وابن سيِّد المؤمنين ، وابن حليف التقوى ، وسليل الهدى ، 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/245. 2 ـ رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 133. (324)
وخامس أصحاب الكساء ، وابن سيِّد النقباء ، وابن فاطمة سيِّدة النساء ، ومالك لا تكون هكذا وقد غذتك كفّ سيّد المرسلين ، وربيت في حجر المتقين ، ورضعت من ثدي الإيمان ، وفطمت بالإسلام ، فطبت حياً وطبت ميتاً ، غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة لفراقك ، ولا شاكة في الخيرة لك ، فعليك سلام الله ورضوانه ، وأشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا (1).
روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن الإمام الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : كان للحسين بن علي ( عليهما السلام ) خاتمان ، نقش أحدهما : لا إله إلاّ الله عُدَّة للقاء الله ، ونقش الآخر : إن الله بالغ أمره ، وكان نقش خاتم علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : خزي وشقي قاتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) (2). وعن محمد بن مسلم قال : سألت الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) عن خاتم الحسين بن علي ( عليهما السلام ) إلى من صار ؟ وذكرت له أني سمعت أنه أُخذ من إصبعه فيما أُخذ ، قال ( عليه السلام ) : ليس كما قالوا ، إن الحسين ( عليه السلام ) أوصى إلى ابنه علي بن الحسين ( عليه السلام ) وجعل خاتمه في إصبعه ، وفوَّض إليه أمره ، كما فعله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وفعله أمير المؤمنين بالحسن ، وفعله الحسن بالحسين ( عليهم السلام ) ، ثمَّ صار ذلك الخاتم إلى أبي ( عليه السلام ) بعد أبيه ، ومنه صار إليَّ ، فهو عندي ، وإني لألبسه كل جمعة وأصلّي فيه. قال محمد بن مسلم : فدخلت إليه يوم الجمعة وهو يصلّي ، فلمَّا فرغ من الصلاة مدَّ إليَّ يده ، فرأيت في إصبعه خاتماً نقشه : لا إله إلاَّ الله عدّة للقاء الله ، فقال : هذا خاتم جدّي أبي عبدالله الحسين بن علي ( عليهما السلام ) (3). 1 ـ بشارة المصطفى ، محمد بن علي الطبري : 125. 2 ـ الأمالي ، الصدوق : 194 ح 7 ، بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : 43/247 ح 23. 3 ـ الأمالي ، الصدوق : 207 ح 13 ، بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : 43/247 ح 22 و23. (325)
وروي عن حماد بن سلمة ، قال : عن أبي قال : كنّا مع جنازة امرأة ومعنا أبو هريرة ، فجيء بجنازة رجل ، فجعله بينه وبين المرأة ، فصلى عليهما ، فلمَّا أقبلنا أعيى الحسين ( عليه السلام ) فقعد في الطريق ، فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه ، فقال الحسين : يا أبا هريرة ، وأنت تفعل هذا ؟! قال أبو هريرة : دعني ، فوالله لو يعلم الناس عنك ما أعلم لحملوك على رقابهم (1).
وأما شجاعته ( عليه السلام ) فقد قال الإربلي عليه الرحمة في كشف الغمّة : شجاعة الحسين ( عليه السلام ) يُضرب بها المثل ، وصبره في مأقط الحرب أعجز الأواخر والإُوَل ، وثباته إذا دعيت نزال ثبات الجبل ، وإقدامه إذا ضاق المجال إقدام الأجل ، ومقامه في مقابلة هؤلاء الفجرة عادل مقام جدّه ( صلى الله عليه وآله ) ببدر فاعتدل ، وصبره على كثرة أعدائه وقلّة أنصاره صبر أبيه ( عليه السلام ) في صفين والجمل ، ومشرب العداوة واحد فبفعل الأول فعل الآخر ما فعل ، فكم من فارس مدل ببأسه جدَّله ( عليه السلام ) فانجدل ، وكم من بطل طَلَّ دمه فبطل ، وكم حكم سيفه فحكم في الهوادي والقلل ، فما لاقى شجاعاً إلاَّ وكان لأمِّه الهُبل ، وحشرهم الله وجازى كلا بما قدَّم من العمل. وإذا علمت أن شعار الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه ( اعل يا حق ) وشعار أعدائه ( اعل هبل ) علمت أن هؤلاء في نعيم لا يزول وأولئك في شقاء لم يزل.. (2). قال السيد حيدر الحلي عليه الرحمة :
1 ـ تاريخ دمشق ، ابن عساكر : 14/179 ـ 180. 2 ـ كشف الغمة ، الإربلي : 2/229. (326)
واللهِ ما هذا وهذا جَارِي
وقال ابن نباتة :
1 ـ الصبابة ـ بالضم ـ البقية من الماء في الإناء والوبيل : الوخيم أي غير الموافق الذي لا ينجع. (327)
قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : روي في بعض الكتب المعتبرة عن الطبري ، عن طاووس اليماني أن الحسين بن علي ( عليهما السلام ) كان إذا جلس في المكان المظلم يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره ، فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان كثيراً ما يُقبّل جبينه ونحره ، وإن جبرئيل ( عليه السلام ) نزل يوماً فوجد الزهراء ( عليها السلام ) نائمة ، والحسين في مهده يبكي ، فجعل يناغيه ويسلّيه حتى استيقظت ، فسمعت صوت من يناغيه فالتفتت فلم تر أحداً ، فأخبرها النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه كان جبرئيل ( عليه السلام ) (4). ولله درّ الشيخ محمد علي اليعقوبي عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/224. 2 ـ سنن الترمذي : 3/325. 3 ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/230. 4 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/187 ـ 188. (328)
روى ابن سيرين عن بعض أصحابه قال : قال علي ( عليه السلام ) لعمر بن سعد : كيف أنت إذا قمت مقاماً تخيَّر فيه بين الجنة والنار فتختار النار ؟ وروي عن سفيان ، عن سالم قال : قال عمر بن سعد للحسين ( عليه السلام ) : إن قوماً من السفهاء يزعمون أني أقتلك ؟ فقال حسين : ليسوا بسفهاء ولكنهم حلماء ، ثم قال : والله إنه ليقرّ بعيني أنك لا تأكل برّ العراق بعدي إلاّ قليلا. وعن عبدالله بن شريك قال : أدركت أصحاب الأردية المعلَّمة وأصحاب البرانس من أصحاب السواري إذا مرَّ بهم عمر بن سعد قالوا : هذا قاتل الحسين ( عليه السلام ) ، وذلك قبل أن يقتله (2). وقال ابن أعثم الكوفي في الفتوح : أرسل الحسين ( عليه السلام ) إلى عمر بن سعد : إني أريد أن أكلِّمك فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك ، قال : فخرج عمر بن سعد 1 ـ الشيخ اليعقوبي دراسة نقدية في شعره ، الدكتور عبد الصاحب الموسوي : 326 ـ 327. 2 ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 45/48 ـ 49 ، تهذيب الكمال ، المزي : 21 ـ 358 ـ 359. (329)
في عشرين فارساً ، وأقبل الحسين ( عليه السلام ) في مثل ذلك ، فلمّا التقيا أمر الحسين ( عليه السلام ) أصحابه فتنحّوا عنه ، وبقي معه أخوه العباس وابنه علي الأكبر ( عليهما السلام ) ، وأمر عمر بن سعد أصحابه فتنحّوا عنه ، وبقي معه ابنه وغلام له يقال له : لاحق ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : ويحك يابن سعد ، أما تتقي الله الذي إليه معادك أن تقاتلني ؟ وأنا ابن من علمت ـ يا هذا ـ من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فاترك هؤلاء وكن معي ، فإني أُقرِّبك إلى الله عزَّ وجلَّ ، فقال له عمر بن سعد : أبا عبدالله ، أخاف أن تهدم داري ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : أنا أبنيها لك ، فقال : أخاف أن تؤخذ ضيعتي ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : أنا أخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز ، قال : فلم يجب عمر إلى شيء من ذلك.
فانصرف عنه الحسين ( عليه السلام ) وهو يقول : مالك ؟ ذبحك الله من على فراشك سريعاً عاجلا ، ولا غفر لك يوم حشرك ونشرك ، فو الله إني لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلاّ يسيراً (1). وقال أيضاً في الفتوح : وأرسل الحسين ( عليه السلام ) بريراً إلى عمر بن سعد ، فقال برير : يا عمر بن سعد ، أتترك أهل بيت النبوة يموتون عطشاً ، وحلت بينهم وبين الفرات أن يشربوه ، وتزعم أنك تعرف الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : فأطرق عمر بن سعد ساعة إلى الأرض ، ثمَّ رفع رأسه وقال : إني والله أعلمه يقيناً أن كل من قاتلهم وغصبهم على حقوقهم في النار لا محالة ، ولكن ويحك يا برير ، أتشير عليَّ أن أترك ولاية الريّ فتصير لغيري ؟ ما أجد نفسي تجيبني إلى ذلك أبداً ، ثم أنشأ يقول :
1 ـ كتاب الفتوح ، ابن أعثم : 5/164 ـ 166. (330)
وقال ياقوت في معجم البلدان : وكان عبيدالله بن زياد قد جعل لعمر بن سعد بن أبي وقاص ولاية الريّ إن خرج على الجيش الذي توجَّه لقتال الحسين بن علي ( عليه السلام ) ، فأقبل يميل بين الخروج وولاية الريّ والقعود ، فغلبه حبّ الدنيا والرياسة حتى خرج ، فكان من قتل الحسين ( عليه السلام ) ما كان (2). ولله درّ السيد محمد حسين القزويني عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ كتاب الفتوح ، ابن أعثم : 5 ـ 171 ـ 173. 2 ـ معجم البلدان ، الحموي : 3 ـ 118. 3 ـ مثير الأحزان ، الجواهري : 113. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|