المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 316 ـ 330
(316)
    فالتفت يميناً وشمالا وإذا هو بحوض عظيم الطول والعرض  ، قال : قلت في نفسي : هذا هو الكوثر  ، فإذا فيه ماء أبرد من الثلج  ، وأحلى من العذب  ، وإذا عند الحوض رجلان وامرأة  ، أنوارهم تشرق على الخلائق  ، ومع ذلك لبسهم السواد  ، وهم باكون محزونون  ، فقلت : من هؤلاء ؟ فقيل لي : هذا محمد المصطفى  ، وهذا الإمام علي المرتضى  ، وهذه الطاهرة فاطمة الزهراء  ، فقلت : ما لي أراهم لابسين السواد وباكين ومحزونين ؟ فقيل لي : أليس هذا يوم عاشورا  ، يوم مقتل الحسين ( عليه السلام ) ؟ فهم محزونون لأجل ذلك.
    قال : فدنوت إلى سيِّدة النساء فاطمة ( عليها السلام )   ، وقلت لها : يا بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، إني عطشان  ، فنظرت إليَّ شزراً وقالت لي : أنت الذي تنكر فضل البكاء على مصاب ولدي الحسين  ، ومهجة قلبي  ، وقرَّة عيني  ، الشهيد المقتول ظلماً وعدواناً ؟ لعن الله قاتليه وظالميه ومانعيه من شرب الماء  ، قال الرجل : فانتبهت من نومي فزعاً مرعوباً  ، واستغفرت الله كثيراً  ، وندمت على ما كان منّي  ، وأتيت إلى أصحابي الذين كنت معهم  ، وخبَّرت برؤياي  ، وتبت إلى الله عزَّ وجلَّ (1).
    ولله درّ الشيخ عبد الحسين الأعسم عليه الرحمة إذ يقول :
تبكيك عيني لا لأَجْلِ مَثُوبة تبتلُّ منكم كربلا بِدَم ولا أنْسَتْ رزيَّتُكُمْ رزايانا التي وَفَجَائِعُ الأيَّامِ تبقى مدَّةً وتزو لهفي لِرَكْب صُرِّعوا في كربلا تعدو على الأعداءِ ظاميةَ الحَشَا نصروا ابنَ نبتِ نبيِّهم طُوْبى لهم لكنَّما عيني لأجلِكَ باكيه تبتلُّ منّي بالدُّمُوعِ الجاريه سَلَفَتْ وهوَّنَتْ الرزايا الآتيه لُ وهي إلى القيامةِ باقيه كانت بها آجالُهم متدانيه وسيوفُهُمْ لدمِ الأعادي ظاميه نالوا بِنُصْرَتِهِ مَرَاتِبَ ساميه

1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/219 ـ 293.

(317)
    جاء في كتاب المزار للمشهدي عليه الرحمة في بعض الزيارات الشريفة : وأشهد أنكم قد وفيتم بعهد الله وذمّته  ، وبكلِّ ما اشترطه عليكم في كتابه  ، ودعوتم إلى سبيله  ، وأنفدتم طاقتكم في مرضاته  ، وحملتم الخلائق على منهاج النبوة ومسالك الرسالة  ، وسرتم فيه بسيرة الأنبياء  ، ومذاهب الأوصياء  ، فلم يُطع لكم أمر  ، ولم تَصغِ إليكم أذنٌ  ، فصلوات الله على أرواحكم وأجسادكم (1).
    وفي ذلك يقول بعض الشعراء :
تَتَبَّعُوكم وَرَامُوا مَحْوَ فَضْلِكُمُ أنَّى وفي الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ ذِكْرُكُمُ وخيَّبَ اللهُ مَنْ في ذَلِكُم طَمِعَا لدى التشهُّدِ للتوحيدِ قَدْ شَفَعا
    روى أبو بصير  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام )   ، قال : سمعته يقول : بينا الحسين ( عليه السلام ) عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذ أتاه جبرئيل فقال : يا محمد  ، أتحبُّه ؟ قال : نعم  ، قال : أما إن أمتك ستقتله  ، فحزن رسول الله لذلك حزناً شديداً  ، فقال جبرئيل : أيسرُّك أن أريك التربة التي يُقتل فيها ؟ قال : نعم  ، قال : فخسف جبرئيل ما بين مجلس رسول الله إلى كربلا حتى التقت القطعتان هكذا ـ وجمع بين السبّابتين ـ فتناول بجناحيه من التربة  ، فناولها رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، ثم دُحيت الأرض أسرع من طرف العين  ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : طوبى لك من تربة  ، وطوبى لمن يُقتل فيك.
    وعن أنس بن مالك أن عظيماً من عظماء الملائكة استأذن ربَّه عزَّ وجلَّ في
1 ـ المزار  ، محمد بن المشهدي : 294.

(318)
زيارة النبي فأذن له  ، فبينما هو عنده إذ دخل عليه الحسين  ، فقبَّله النبي وأجلسه في حجره  ، فقال له المَلَك : أتحبُّه ؟ قال : أجل أشدَّ الحبِّ   ، إنه ابني  ، قال له : إن أمتك ستقتله  ، قال : أمتي تقتل ولدي ؟ قال : نعم  ، وإن شئت أريتك من التربة التي يقتل عليها  ، قال : نعم  ، فأراه تربة حمراء طيِّبة الريح  ، فقال : إذا صارت هذه التربة دماً عبيطاً فهو علامة قتل ابنك هذا. قال سالم بن أبي الجعد : أُخبرت أن المَلَك كان ميكائيل ( عليه السلام ).
    وعن عائشة أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أجلس حسيناً على فخذه وجعل يقبِّله  ، فقال جبرئيل : أتحبُّ ابنك هذا ؟ قال : نعم  ، قال : فإن أمتك ستقتله بعدك  ، فدمعت عينا رسول الله  ، فقال له : إن شئت أريتك من تربته التي يقتل عليها  ، قال : نعم  ، فأراه جبرئيل تراباً من تراب الأرض التي يقتل عليها  ، وقال : تدعى الطفَّ.
    وعن أنس أن ملك المطر استأذن أن يأتي رسول الله  ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأم سلمة : املكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد  ، فجاء الحسين ليدخل فمنعته  ، فوثب حتى دخل  ، فجعل يثب على منكبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويقعد عليهما  ، فقال له الملك : أتحبُّه ؟ قال : نعم  ، قال  ، فإن أمتك ستقتله  ، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه  ، فمدَّ يده فإذا طينة حمراء  ، فأخذتها أم سلمة فصيَّرتها إلى طرف خمارها  ، قال ثابت : فبلغنا أنه المكان الذي قتل به بكربلا.
    وعن محمد بن سنان  ، عن سعيد بن يسار أو غيره قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : لما أن هبط جبرئيل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقتل الحسين أخذ بيد علي فخلا به مليّاً من النهار  ، فغلبتهما عبرة  ، فلم يتفرَّقا حتى هبط عليهما جبرئيل أو قال : رسول الله ربّ العالمين  ، فقال لهما : ربُّكما يقرئكما السلام ويقول : قد عزمت عليكما لما صبرتما  ، قال : فصبرا (1)
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/228 ـ 230.

(319)
    وعن أبي بصير  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إن جبرئيل أتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والحسين يلعب بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فأخبره أن أمته ستقتله  ، قال : فجزع رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فقال : ألا أريك التربة التي يقتل فيها ؟ قال : فخسف ما بين مجلس رسول الله إلى المكان الذي قتل فيه حتى التقت القطعتان  ، فأخذ منها  ، ودحيت في أسرع من طرفة العين  ، فخرج وهو يقول : طوبى لك من تربة وطوبى لمن يقتل حولك.
    قال : وكذلك صنع صاحب سليمان  ، تكلَّم باسم الله الأعظم فخسف ما بين سرير سليمان وبين العرش من سهولة الأرض وحزونتها حتى التقت القطعتان فاجترَّ العرش  ، قال سليمان : يخيَّل إليَّ أنه خرج من تحت سريري  ، قال : ودحيت في أسرع من طرفة العين.
    وعن زيد الشحّام  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : نعى جبرئيل ( عليه السلام ) الحسين ( عليه السلام ) إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بيت أمِّ سلمة  ، فدخل عليه الحسين وجبرئيل عنده  ، فقال : إن هذا تقتله أمتك  ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أرني من التربة التي يسفك فيها دمه  ، فتناول جبرئيل قبضة من تلك التربة فإذا هي تربة حمراء  ، وفي رواية : فلم تزل عند أمّ سلمة حتى ماتت رحمها الله.
    وعن أبي خديجة  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : لما ولدت فاطمة الحسين جاء جبرئيل إلى رسول الله فقال له : إن أمتك تقتل الحسين من بعدك  ، ثم قال : ألا أريك من تربتها ؟ فضرب بجناحه فأخرج من تربة كربلاء  ، فأراها إياه  ، ثمَّ قال : هذه التربة التي يقتل عليها.
    وعن عبد الرحمان الغنوي  ، عن سليمان قال : وهل بقي في السماوات ملك لم ينزل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعزّيه في ولده الحسين ؟ ويخبره بثواب الله إياه  ، ولم يحمل إليه تربته مصروعاً عليها  ، مذبوحاً مقتولا  ، طريحاً مخذولا  ، فقال رسول الله : اللهم


(320)
اخذل من خذله  ، واقتل من قتله  ، واذبح من ذبحه  ، ولا تمتِّعه بما طلب.
    قال عبد الرحمان : فوالله لقد عوجل الملعون يزيد  ، ولم يتمتَّع بعد قتله  ، ولقد أُخذ مغافصة  ، بات سكراناً وأصبح ميِّتاً متغيِّراً  ، كأنه مطليٌّ بقار  ، أُخذ على أسف  ، وما بقي أحد ممن تابعه على قتله أو كان في محاربته إلاّ أصابه جنون أو جذام أو برص  ، وصار ذلك وراثة في نسلهم لعنهم الله (1).
    وعن ابن عباس قال : المَلك الذي جاء إلى محمد ( صلى الله عليه وآله ) يخبره بقتل الحسين كان جبرئيل  ، الروح الأمين  ، منشور الأجنحة  ، باكياً صارخاً  ، قد حمل من تربته  ، وهي تفوح كالمسك  ، فقال رسول الله : وتفلح أمة تقتل فرخي ؟ أو قال : فرخ ابنتي ؟ قال جبرئيل : يضربها الله بالاختلاف فتختلف قلوبهم (2).
    قال الراوي : وقال أصحاب الحديث : فلمَّا أتت على الحسين ( عليه السلام ) سنة كاملة هبط على النبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) اثنا عشر ملَكاً على صور مختلفة  ، أحدهم على صورة بني آدم  ، يعزّونه ويقولون : إنه سينزل بولدك الحسين ابن فاطمة ما نزل بهابيل من قابيل  ، وسيُعطى مثل أجر هابيل  ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل  ، ولم يبق ملك إلاَّ نزل إلى النبيِّ يعزّونه  ، والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول : اللهم اخذل خاذله  ، واقتل قاتله  ، ولا تمتِّعه بما طلبه.
    وعن عائشة قالت : دخل الحسين على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو غلام يدرج فقال : أي عائشة  ، ألا أعجبك ؟ لقد دخل عليَّ آنفاً ملك ما دخل عليَّ قط فقال : إن ابنك هذا مقتول  ، وإن شئت أريتك من تربته التي يقتل بها  ، فتناول تراباً أحمر  ، فأخذته أم سلمة فخزنته في قارورة  ، فأخرجته يوم قتل وهو دم (3).
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/235.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/237.
3 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/247.


(321)
    وعن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالت : يا رسول الله  ، رأيت الليلة حلماً منكراً  ، قال : وما هو ؟ قالت : إنه شديد  ، قال : وما هو ؟ قالت : رأيت كأن قطعة من جسدك قد قطعت ووضعت في حجري  ، فقال رسول الله : خيراً رأيت  ، تلد فاطمة غلاماً فيكون في حجرك. فولدت فاطمة ( عليها السلام ) الحسين ( عليه السلام )   ، قالت : وكان في حجري كما قال رسول الله  ، فدخلت به يوماً على النبيّ  ، فوضعته في حجر رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، ثمَّ حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله تهرقان بالدموع  ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله  ، مالك ؟ قال : أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي تقتل ابني هذا  ، وأتاني بتربة حمراء من تربته (1).
    وروي في مؤلَّفات بعض الأصحاب عن أم سلمة قالت : دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم ودخل في أثره الحسن والحسين ( عليهما السلام )   ، وجلسا إلى جانبيه  ، فأخذ الحسن على ركبته اليمنى  ، والحسين على ركبته اليسرى  ، وجعل يقبِّل هذا تارة وهذا أخرى  ، وإذا بجبرئيل قد نزل وقال : يا رسول الله  ، إنك لتحبُّ الحسن والحسين ؟ فقال : وكيف لا أحبُّهما وهما ريحانتاي من الدنيا وقرَّتا عيني ؟ فقال جبرئيل : يا نبيَّ الله  ، إن الله قد حكم عليهما بأمر فاصبر له  ، فقال : وما هو يا أخي ؟ فقال : قد حكم على هذا الحسن أن يموت مسموماً  ، وعلى هذا الحسين أن يموت مذبوحاً  ، وإن لكل نبيٍّ دعوة مستجابة  ، فإن شئت كانت دعوتك لولديك الحسن والحسين  ، فادع الله أن يسلِّمهما من السمِّ والقتل  ، وإن شئت كانت مصيبتهما ذخيرة في شفاعتك للعصاة من أمتك يوم القيامة  ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا جبرئيل  ، أنا راض بحكم ربّي  ، لا أريد إلاَّ ما يريده  ، وقد أحببت أن تكون دعوتي ذخيرة لشفاعتي في العصاة من أمتي  ، ويقضي الله في ولدي ما يشاء (2)
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/238.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/241.


(322)
    قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : وروي عن بعض الثقات الأخيار أن الحسن والحسين ( عليهما السلام ) دخلا يوم عيد إلى حجرة جدِّهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فقالا : يا جدّاه  ، اليوم يوم العيد  ، وقد تزيَّن أولاد العرب بألوان اللباس  ، ولبسوا جديد الثياب  ، وليس لنا ثوب جديد  ، وقد توجَّهنا لذلك إليك  ، فتأمَّل النبي حالهما وبكى  ، ولم يكن عنده في البيت ثياب يليق بهما  ، ولا رأى أن يمنعهما فيكسر خاطرهما  ، فدعا ربَّه وقال : إلهي  ، اجبر قلبهما وقلب أمهما  ، فنزل جبرئيل ومعه حلّتان بيضاوان من حلل الجنة  ، فسُرَّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال لهما : يا سيِّدي شباب أهل الجنة  ، خذا أثواباً خاطها خيَّاط القدرة على قدر طولكما  ، فلمَّا رأيا الخلع بيضاً قالا : يا جدَّاه  ، كيف هذا وجميع صبيان العرب لابسون ألوان الثياب ؟
    فأطرق النبي ( صلى الله عليه وآله ) ساعة متفكِّراً في أمرهما  ، فقال جبرئيل : يا محمّد  ، طب نفساً  ، وقر عيناً  ، إن صابغ صبغة الله عزَّ وجلَّ يقضي لهما هذا الأمر  ، ويفرح قلوبهما بأيِّ لون شاءا  ، فأمر ـ يا محمد ـ بإحضار الطست والإبريق  ، فأُحضرا  ، فقال جبرئيل : يا رسول الله  ، أنا أصبُّ الماء على هذه الخلع وأنت تفركهما بيدك فتصبغ لهما بأيِّ لون شاءا.
    فوضع النبي ( صلى الله عليه وآله ) حلّة الحسن في الطست  ، فأخذ جبرئيل يصبّ الماء  ، ثمَّ أقبل النبيُّ على الحسن وقال له : يا قرَّة عيني  ، بأيِّ لون تريد حلتك ؟ فقال : أريدها خضراء  ، ففركها النبيُّ بيده في ذلك الماء  ، فأخذت بقدرة الله لوناً أخضر فائقاً كالزبرجد الأخضر  ، فأخرجها النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) وأعطاها الحسن  ، فلبسها.
    ثمَّ وضع حلّة الحسين في الطست  ، وأخذ جبرئيل يصبُّ الماء  ، فالتفت النبي إلى نحو الحسين ـ وكان له من العمر خمس سنين ـ وقال له : يا قرَّة عيني  ، أيَّ لون تريد حلّتك ؟ فقال الحسين : يا جدّ! أريدها حمراء  ، ففركها النبيّ بيده في ذلك الماء  ، فصارت حمراء كالياقوت الأحمر  ، فلبسها الحسين  ، فسرَّ النبيّ بذلك  ، وتوجَّه


(323)
الحسن والحسين إلى أمهما فرحين مسرورين.
    فبكى جبرئيل ( عليه السلام ) لما شاهد تلك الحال  ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا أخي جبرئيل  ، في مثل هذا اليوم الذي فرح فيه ولداي تبكي وتحزن ؟ فبالله عليك إلاَّ ما أخبرتني  ، فقال جبرئيل : اعلم ـ يا رسول الله ـ أن اختيار ابنيك على اختلاف اللون  ، فلا بدّ للحسن أن يسقوه السمّ ويخضرّ لون جسده من عظم السّم  ، ولابدّ للحسين أن يقتلوه ويذبحوه ويخضب بدنه من دمه  ، فبكى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وزاد حزنه لذلك (1).
    ولله درّ السيد رضا الهندي عليه الرحمة إذ يقول :
يا ثاوياً في هجير الشمس كفّنَهُ على النبي عزيزٌ لو يراك وقد ولو ترى أعين الزهراء قرّتها له على السُّمر رأس تستضيءُ به إذاً لحنّت وأنَّت وانهمت مُقَلٌ سافي الرياح ووارته القنا القُصُدُ شفى بمصرعك الأعداءُ ما حقروا والنبل في جسمه كالهرب ينعقدُ سُمرُ القنا وعلى وجه الثرى جَسَدُ منها وجرت بنيران الأسى كبرُ (2)

    جاء في زيارة جابر بن عبدالله الأنصاري ( رضي الله عنه ) يوم زار الحسين ( عليه السلام ) : فأشهد أنك ابن خاتم النبيين  ، وابن سيِّد المؤمنين  ، وابن حليف التقوى  ، وسليل الهدى  ،
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/245.
2 ـ رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 133.


(324)
وخامس أصحاب الكساء  ، وابن سيِّد النقباء  ، وابن فاطمة سيِّدة النساء  ، ومالك لا تكون هكذا وقد غذتك كفّ سيّد المرسلين  ، وربيت في حجر المتقين  ، ورضعت من ثدي الإيمان  ، وفطمت بالإسلام  ، فطبت حياً وطبت ميتاً  ، غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة لفراقك  ، ولا شاكة في الخيرة لك  ، فعليك سلام الله ورضوانه  ، وأشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا (1).
    روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن الإمام الصادق جعفر بن محمد  ، عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : كان للحسين بن علي ( عليهما السلام ) خاتمان  ، نقش أحدهما : لا إله إلاّ الله عُدَّة للقاء الله  ، ونقش الآخر : إن الله بالغ أمره  ، وكان نقش خاتم علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : خزي وشقي قاتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) (2).
    وعن محمد بن مسلم قال : سألت الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) عن خاتم الحسين بن علي ( عليهما السلام ) إلى من صار ؟ وذكرت له أني سمعت أنه أُخذ من إصبعه فيما أُخذ  ، قال ( عليه السلام ) : ليس كما قالوا  ، إن الحسين ( عليه السلام ) أوصى إلى ابنه علي بن الحسين ( عليه السلام ) وجعل خاتمه في إصبعه  ، وفوَّض إليه أمره  ، كما فعله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، وفعله أمير المؤمنين بالحسن  ، وفعله الحسن بالحسين ( عليهم السلام ) ، ثمَّ صار ذلك الخاتم إلى أبي ( عليه السلام ) بعد أبيه  ، ومنه صار إليَّ  ، فهو عندي  ، وإني لألبسه كل جمعة وأصلّي فيه.
    قال محمد بن مسلم : فدخلت إليه يوم الجمعة وهو يصلّي  ، فلمَّا فرغ من الصلاة مدَّ إليَّ يده  ، فرأيت في إصبعه خاتماً نقشه : لا إله إلاَّ الله عدّة للقاء الله  ، فقال : هذا خاتم جدّي أبي عبدالله الحسين بن علي ( عليهما السلام ) (3).
1 ـ بشارة المصطفى  ، محمد بن علي الطبري : 125.
2 ـ الأمالي  ، الصدوق : 194 ح 7  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 43/247 ح 23.
3 ـ الأمالي  ، الصدوق : 207 ح 13  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 43/247 ح 22 و23.


(325)
    وروي عن حماد بن سلمة  ، قال : عن أبي قال : كنّا مع جنازة امرأة ومعنا أبو هريرة  ، فجيء بجنازة رجل  ، فجعله بينه وبين المرأة  ، فصلى عليهما  ، فلمَّا أقبلنا أعيى الحسين ( عليه السلام ) فقعد في الطريق  ، فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه  ، فقال الحسين : يا أبا هريرة  ، وأنت تفعل هذا ؟! قال أبو هريرة : دعني  ، فوالله لو يعلم الناس عنك ما أعلم لحملوك على رقابهم (1).
    وأما شجاعته ( عليه السلام ) فقد قال الإربلي عليه الرحمة في كشف الغمّة : شجاعة الحسين ( عليه السلام ) يُضرب بها المثل  ، وصبره في مأقط الحرب أعجز الأواخر والإُوَل  ، وثباته إذا دعيت نزال ثبات الجبل  ، وإقدامه إذا ضاق المجال إقدام الأجل  ، ومقامه في مقابلة هؤلاء الفجرة عادل مقام جدّه ( صلى الله عليه وآله ) ببدر فاعتدل  ، وصبره على كثرة أعدائه وقلّة أنصاره صبر أبيه ( عليه السلام ) في صفين والجمل  ، ومشرب العداوة واحد فبفعل الأول فعل الآخر ما فعل  ، فكم من فارس مدل ببأسه جدَّله ( عليه السلام ) فانجدل  ، وكم من بطل طَلَّ دمه فبطل  ، وكم حكم سيفه فحكم في الهوادي والقلل  ، فما لاقى شجاعاً إلاَّ وكان لأمِّه الهُبل  ، وحشرهم الله وجازى كلا بما قدَّم من العمل.
    وإذا علمت أن شعار الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه ( اعل يا حق ) وشعار أعدائه ( اعل هبل ) علمت أن هؤلاء في نعيم لا يزول وأولئك في شقاء لم يزل.. (2).
    قال السيد حيدر الحلي عليه الرحمة :
فأبى أَنْ يعيشَ إلاَّ عزيزاً رُمْحُهُ مِنْ بَنَانِهِ وَكَأَنْ مِنْ أو تجلَّى الكِفَاحُ وهو صريعُ عَزْمِهِ حَدُّ سَيْفِهِ مطبوعُ
    وقال في قصيدة أخرى :
عفيراً متى عَايَنَتْهُ الكُمَاةُ يختطفُ الرُّعْبُ أَلْوَانَها

1 ـ تاريخ دمشق  ، ابن عساكر : 14/179 ـ 180.
2 ـ كشف الغمة  ، الإربلي : 2/229.


(326)
فَمَا أَجْلَت الحَرْبُ عن مِثْلِهِ قتيلا يُجَبِّنُ شُجْعَانَها
    قال ابن شهر آشوب عليه الرحمة في المناقب : وقيل له ( عليه السلام ) يوم الطف : انزل على حكم بني عمك  ، قال : لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل  ، ولا أفرّ فرار العبيد  ، ثم نادى : يا عباد الله! إني عذت بربّي وربّكم من كلِّ متكبِّر لا يؤمن بيوم الحساب  ، وقال ( عليه السلام ) : موتٌ في عزّ خير من حياة في ذلّ  ، وأنشأ ( عليه السلام ) يوم قُتل :
الموتُ خيرٌ من رُكُوبِ الْعَارِ والْعَارُ أولى من دُخُولِ النَّارِ
واللهِ ما هذا وهذا جَارِي
    وقال ابن نباتة :
الحسينُ الذي رأى القَتْلَ في العزِّ حَيَاةً والعيشَ في الذُّلِّ قَتْلا
    وقال آخر :
لَلِسَانُهُ وَسِنَانُهُ خَلَطَ البراعةَ بالشُّجَا صِدْقَانِ من طَعْن وقيلِ عَةِ فالصليلُ عن الدليلِ
    وفي الحلية : روى محمد بن الحسن أنه لما نزل القوم بالحسين ( عليه السلام ) وأيقن أنهم قاتلوه قال لأصحابه : قد نزل ما ترون من الأمر  ، وإن الدنيا قد تغيَّرت وتنكَّرت  ، وأدبر معروفها  ، واستمرت حتى لم يبق منها إلاَّ كصبابة الإناء (1)   ، وإلاَّ خسيس عيش كالمرعى الوبيل  ، ألا ترون الحقَّ لا يُعمل به  ، والباطل لا يُتناهى عنه ؟ ليرغب المؤمن في لقاء الله  ، وإني لا أرى الموت إلاَّ سعادة  ، والحياة مع الظالمين إلاَّ برماً  ، وأنشأ متمثِّلا لما قصد الطفِّ :
سأمضي فما بالموتِ عارٌ على الفتى وواسى الرِّجَالَ الصاحلين بنفْسِهِ أُقدِّمُ نفسي لا أُريدُ بقاءَها إذا ما نوى خيراً وَجَاهَدَ مُسْلِما وفارق مذموماً وَخَالَفَ مجرما لنلقى خميساً في الهياجِ عَرَمْرَما

1 ـ الصبابة ـ بالضم ـ البقية من الماء في الإناء والوبيل : الوخيم أي غير الموافق الذي لا ينجع.

(327)
فإِنْ عشتُ لم أُذْمَمْ وإن متُّ لم أُلَمْ كفى بك ذلاّ أن تعيشَ فَتُرْغَمَا (1)
    وروى الترمذي : كان ابن زياد يدخل قضيباً في أنف الحسين ( عليه السلام ) ويقول : ما رأيت مثل هذا الرأس حُسناً  ، فقال أنس : إنه أشبههم برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (2)   ، وروي أن الحسين ( عليه السلام ) كان يقعد في المكان المظلم فيهتدى إليه ببياض جبينه ونحره (3).
    قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : روي في بعض الكتب المعتبرة عن الطبري  ، عن طاووس اليماني أن الحسين بن علي ( عليهما السلام ) كان إذا جلس في المكان المظلم يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره  ، فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان كثيراً ما يُقبّل جبينه ونحره  ، وإن جبرئيل ( عليه السلام ) نزل يوماً فوجد الزهراء ( عليها السلام ) نائمة  ، والحسين في مهده يبكي  ، فجعل يناغيه ويسلّيه حتى استيقظت  ، فسمعت صوت من يناغيه فالتفتت فلم تر أحداً  ، فأخبرها النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه كان جبرئيل ( عليه السلام ) (4).
    ولله درّ الشيخ محمد علي اليعقوبي عليه الرحمة إذ يقول :
وَإِنّ وليداً من عليٍّ وفاطم فتحتفلُ الدنيا احتفاءً بِذِكْرِهِ وليدٌ حَبَاه اللهُ كلَّ كرامة هو البدرُ يلقى الرُّشْدَ مَنْ فيه يهتدي فطيماً نشا في خيرِ حِجْر وأَنْجَبَتْ أبوه عليٌّ والبتولةُ أُمُّه رأى الشِّرْكَ يُبني من جديد أَسَاسَهُ ( لأكرمُ مَنْ نِيْطَتْ عليه تَمَائِمُهْ ) وفي الملأ الأعلى تُقَامُ مَوَاسِمُهْ فهيهاتَ تُحْصَى أَوْ تُعَدُّ مَكَارِمُهْ هو البحرُ لا يحوي سوى الدرِّ عَائِمُهْ به مِنْ ذُرَى خيرِ البُيُوتِ فَوَاطِمُهْ وَمُرْضِعُهُ الهادي وجبريلُ خَادِمُهْ فثار عليه وهو بالسيفِ هَادِمُهْ

1 ـ مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 3/224.
2 ـ سنن الترمذي : 3/325.
3 ـ مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 3/230.
4 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/187 ـ 188.


(328)
وَوَطَّدَ للإسلامِ عَرْشاً من العُلاَ وقد سنَّ للأحرارِ حيّاً وميّتاً تأسَّى أُبَاةُ الضيمِ فيه فَلَمْ تَرِدْ وَقَاوَمَ قوماً بالطفوفِ جُدُودُها رأى حقَّه بين الطَّغَامِ موزَّعاً فأعلنها حَرْباً عَوَاناً بصارم فضحَّى لوَجْهِ اللهِ نفساً كريمةً ولو عاد حيّاً للخصامِ مَعَ العِدَا أُقيمت بحدِّ المشرفيِّ دَعَائِمُهْ طريقَ إباء وَاضحات مَعَالِمُهْ إلى مَنْهَل بالذلِّ مَرَّتْ مَطَاعِمُهْ إلى جَدِّه جاءت ببدر تُقَاومه ودينَ أبيه تُسْتَحَلُ مَحَارِمُه به الغيُّ تنبو في القِرَاعِ صَوَارِمُهْ ومن بَعْدِهِ للأَسْرِ سيقت كَرَائِمُه رأى أَلْفَ عِلْج كابنِ هند يُخَاصِمُهْ (1)
    فلعنة الله على قاتله  ، وأخزاه الله  ، وعذَّبه أشدَّ العذاب  ، ولعن الله من ظلمه وضيَّق عليه  ، ومنعه من الماء المباح.
    روى ابن سيرين عن بعض أصحابه قال : قال علي ( عليه السلام ) لعمر بن سعد : كيف أنت إذا قمت مقاماً تخيَّر فيه بين الجنة والنار فتختار النار ؟
    وروي عن سفيان  ، عن سالم قال : قال عمر بن سعد للحسين ( عليه السلام ) : إن قوماً من السفهاء يزعمون أني أقتلك ؟ فقال حسين : ليسوا بسفهاء ولكنهم حلماء  ، ثم قال : والله إنه ليقرّ بعيني أنك لا تأكل برّ العراق بعدي إلاّ قليلا.
    وعن عبدالله بن شريك قال : أدركت أصحاب الأردية المعلَّمة وأصحاب البرانس من أصحاب السواري إذا مرَّ بهم عمر بن سعد قالوا : هذا قاتل الحسين ( عليه السلام )   ، وذلك قبل أن يقتله (2).
    وقال ابن أعثم الكوفي في الفتوح : أرسل الحسين ( عليه السلام ) إلى عمر بن سعد : إني أريد أن أكلِّمك فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك  ، قال : فخرج عمر بن سعد
1 ـ الشيخ اليعقوبي دراسة نقدية في شعره  ، الدكتور عبد الصاحب الموسوي : 326 ـ 327.
2 ـ تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 45/48 ـ 49  ، تهذيب الكمال  ، المزي : 21 ـ 358 ـ 359.


(329)
في عشرين فارساً  ، وأقبل الحسين ( عليه السلام ) في مثل ذلك  ، فلمّا التقيا أمر الحسين ( عليه السلام ) أصحابه فتنحّوا عنه  ، وبقي معه أخوه العباس وابنه علي الأكبر ( عليهما السلام )   ، وأمر عمر بن سعد أصحابه فتنحّوا عنه  ، وبقي معه ابنه وغلام له يقال له : لاحق  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : ويحك يابن سعد  ، أما تتقي الله الذي إليه معادك أن تقاتلني ؟ وأنا ابن من علمت ـ يا هذا ـ من رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فاترك هؤلاء وكن معي  ، فإني أُقرِّبك إلى الله عزَّ وجلَّ  ، فقال له عمر بن سعد : أبا عبدالله  ، أخاف أن تهدم داري  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : أنا أبنيها لك  ، فقال : أخاف أن تؤخذ ضيعتي  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : أنا أخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز  ، قال : فلم يجب عمر إلى شيء من ذلك.
    فانصرف عنه الحسين ( عليه السلام ) وهو يقول : مالك ؟ ذبحك الله من على فراشك سريعاً عاجلا  ، ولا غفر لك يوم حشرك ونشرك  ، فو الله إني لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلاّ يسيراً (1).
    وقال أيضاً في الفتوح : وأرسل الحسين ( عليه السلام ) بريراً إلى عمر بن سعد  ، فقال برير : يا عمر بن سعد  ، أتترك أهل بيت النبوة يموتون عطشاً  ، وحلت بينهم وبين الفرات أن يشربوه  ، وتزعم أنك تعرف الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ؟
    قال : فأطرق عمر بن سعد ساعة إلى الأرض  ، ثمَّ رفع رأسه وقال : إني والله أعلمه يقيناً أن كل من قاتلهم وغصبهم على حقوقهم في النار لا محالة  ، ولكن ويحك يا برير  ، أتشير عليَّ أن أترك ولاية الريّ فتصير لغيري ؟ ما أجد نفسي تجيبني إلى ذلك أبداً  ، ثم أنشأ يقول :
دَعَاني عبيدُ اللهِ من دُوْنِ قَوْمِهِ فَوَاللهِ لاَ أَدري وإنّي لواقفٌ أأَتْرُكُ مُلْكَ الريِّ والريُّ بُغْيَةٌ إلى خُطَّة فيها خَرَجْتُ لحيني أُفكر في أمري على خطرين أم ارْجِعُ مذموماً بقَتْلِ حُسَينِ

1 ـ كتاب الفتوح  ، ابن أعثم : 5/164 ـ 166.

(330)
وفي قَتْلِهِ النَّارُ التي ليس دونها حِجَابٌ ومُلْكُ الريِّ قُرَّةُ عَيْنِ
    قال : فرجع برير بن خضير إلى الحسين ( عليه السلام ) فقال : يا بن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، إن عمر بن سعد قد رضي أن يقتلك بملك الريّ (1).
    وقال ياقوت في معجم البلدان : وكان عبيدالله بن زياد قد جعل لعمر بن سعد بن أبي وقاص ولاية الريّ إن خرج على الجيش الذي توجَّه لقتال الحسين بن علي ( عليه السلام )   ، فأقبل يميل بين الخروج وولاية الريّ والقعود  ، فغلبه حبّ الدنيا والرياسة حتى خرج  ، فكان من قتل الحسين ( عليه السلام ) ما كان (2).
    ولله درّ السيد محمد حسين القزويني عليه الرحمة إذ يقول :
حتى إذا نَفَذَ القضاءُ وأقبلت نَشَرَتْ ذَوَائِبَ عِزَّها وَتَخَايَلَتْ وتعانقت هي والسيوفُ وَبَعْدَ ذا وتناهبت أَشْلاَءَهم قُصُدُ القَنَا وانصاع حَامِيَةُ الشريعةِ ظامئاً أَضْحَى وَقَدْ جَعَلَتْه آلُ أميَّة حتَّى قَضَى عطشاً بمُعْتَرَكِ الوَغَى وجرت خيولُ الشركِ فوقَ ضُلُوعِهِ زُمَرُ العِدَى تستنُّ في عَدَوَاتِها تَطْوي على حَرِّ الظَّمَا مُهَجَاتِها مَلَكَتْ عِنَاقَ الحُوْرِ في جَنَّاتِها ورُؤُوسُهُمْ رُفِعَتْ على أَسَلاَتِها ما بَلَّ غُلَّتَه بعَذْبِ فُرَاتِها شَبَحَ السِّهَامِ رَمِيَّةً لِرُمَاتِها والسُّمْرُ تَصْدُرُ منه في نَهَلاَتِها عَدْواً تَجُولُ عليه في حَلَبَاتِها (3)

1 ـ كتاب الفتوح  ، ابن أعثم : 5 ـ 171 ـ 173.
2 ـ معجم البلدان  ، الحموي : 3 ـ 118.
3 ـ مثير الأحزان  ، الجواهري : 113.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس