المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 346 ـ 360
(346)
    روى الشيخ المفيد عليه الرحمة عن عبدالله بن سنان  ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) أنه قال في مصرع سيد الشهداء ( عليه السلام ) وأهل بيته : يعزّ على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مصرعهم  ، ولو كان في الدنيا يومئذ حيّاً لكان ( صلى الله عليه وآله ) هو المعزَّى بهم (1).
    ورحم الله منصور النمري إذ يقول في حزن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على سبطه وريحانته الحسين ( عليه السلام ) :
وَيْلَكَ يَا قَاتِلَ الحسينِ لقد أيَّ حِباً حَبَوْتَ أحمدَ في تعالَ فَاطْلُبْ غداً شفاعَتَه بُؤْتَ بحَمْل يَنُوءُ بالحاملِ حُفْرَتِهِ من حرارةِ الثاكلِ وانهض فَرِدْ حَوْضَه مَعَ الناهلِ (2)
    وقال الشريف الرضي عليه الرحمة :
لو رسولُ اللهِ يحيى بَعْدَهُ يا رَسُولَ اللهِ لو عاينتَهُمْ لرأت عيناك منهم مَنْظَراً قَعَدَ اليومَ عليهِ لِلْعَزَا وهُمُ ما بينَ قَتْل وَسِبَا للحشى شَجْواً وللعينِ قَذَا
    وقال الشيخ كاظم الأزري عليه الرحمة :
مَنِ المعزّي رسولَ اللهِ في ملأ أنَّى تُصَابُ مرامي الجودِ بَعْدَهُمُ كانوا بمنزلةِ الأَرْوَاحِ للصُّوَرِ والقوسُ خاليةٌ من ذلك الوَتَرِ (3)

1 ـ المزار  ، محمد بن المشهدي : 473 ـ 434  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/63 ح 3.
2 ـ أسد الغابة  ، ابن الأثير : 2/21 ـ 22.
3 ـ رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 268.


(347)
    روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن ابن عباس  ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حديث له قال : وأمّا الحسين فإنّه منّي  ، وهو ابني وولدي  ، وخير الخلق بعد أخيه  ، وهو إمام المسلمين  ، ومولى المؤمنين  ، وخليفة رب العالمين  ، وغياث المستغيثين  ، وكهف المستجيرين  ، وحجّة الله على خلقه أجمعين  ، وهو سيّد شباب أهل الجنّة  ، وباب نجاة الأمة  ، أمره أمري  ، وطاعته طاعتي  ، من تبعه فإنه منّي  ، ومن عصاه فليس منّي  ، وإنّي لما رأيته تذكَّرت ما يُصنع به بعدي  ، كأني به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يُجار  ، فأضمّه في منامه إلى صدري  ، وآمره بالرحلة عن دار هجرتي  ، وأبشِّره بالشهادة  ، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله وموضع مصرعه  ، أرض كرب وبلاء وقتل وفناء  ، تنصره عصابة من المسلمين  ، أولئك من سادة شهداء أمتي يوم القيامة  ، كأني أنظر إليه وقد رُمي بسهم فخرَّ عن فرسه صريعاً  ، ثمَّ يُذبح كما يُذبح الكبش مظلوماً  ، ثم بكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبكى من حوله  ، وارتفعت أصواتهم بالضجيج  ، ثم قام ( صلى الله عليه وآله ) وهو يقول : اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي  ، ثم دخل منزله (1).
    وروي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : بيني وبين قاتل الحسين خصومة يوم القيامة  ، آخذ ساق العرش بيدي  ، ويأخذ عليٌّ بحجزتي  ، وتأخذ فاطمة بحجزة عليّ ومعها قميص  ، فأقول : يا ربّ أنصفني في قتلة الحسين (2).
    وروي أن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) قال ليزيد بن معاوية : ويلك يا يزيد  ، إنك لو تدري ماذا صنعت  ، وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي  ، إذاً لهربت في الجبال  ، وفرشت الرماد  ، ودعوت بالويل والثبور  ، أن يكون رأس أبي الحسين بن فاطمة وعلي ( عليهم السلام ) منصوباً على باب مدينتكم  ، وهو
1 ـ الأمالي  ، الشيخ الصدوق : 174 ـ 177 ح 2.
2 ـ مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 3/238.


(348)
وديعة رسول الله فيكم  ، فأبشر بالخزي والندامة غداً إذا جمع الناس ليوم لا ريب فيه (1).
    وروي أنه حينما أدخل الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) مع النساء والأطفال على يزيد  ، وهم مغلَّلون مربوطون بالحبال  ، قال ( عليه السلام ) : أما والله لو رآنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مغلولين لأحبَّ أن يخلّينا من الغلّ  ، قال : صدقت فخلّوهم من الغلّ (2).
    ومن كلام السيّدة زينب ( عليها السلام ) في خطبتها في مجلس يزيد بن معاوية  ، قالت مخاطبة يزيد لعنه الله : فو الله ما فريت إلاّ جلدك  ، ولا حززت إلاّ لحمك  ، ولتردن على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بما تحمَّلت من سفك دماء ذرّيّته  ، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته  ، حيث يجمع الله شملهم  ، ويلمُّ شعثهم  ، ويأخذ بحقهم  ، « وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ » وحسبك بالله حاكماً  ، وبمحمد ( صلى الله عليه وآله ) خصيماً  ، وبجبريل ظهيراً (3).
    وروي عن يزيد بن أبي زياد  ، قال : خرج النبي ( صلى الله عليه وآله ) من بيت عائشة فمرَّ على فاطمة ( عليها السلام ) فسمع حسيناً ( عليه السلام ) يبكي  ، فقال : ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني ؟ (4).
    أقول : فإذا كان بكاء الحسين ( عليه السلام ) وهو صغير يؤذيه فكيف به لو يسمع أنينه يوم كربلاء  ، ويراه وقد أثخنوه بالجراحات ؟ وهو عطشان فلا يُسقى  ، وجريح فلا يُداوى  ، قال ابن الجوزي : وأنين عباس وهو مأسور ببدر منع النبي ( صلى الله عليه وآله ) النوم فكيف بأنين الحسين ( عليه السلام ) ؟ ولمَّا أسلم وحشي قاتل حمزة قال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : غيِّب وجهك عنّي  ، فإني لا أحبُّ أن أرى قاتل الأحبة  ، قال : هذا والإسلام يجبّ ما قبله  ، فكيف بقلبه ( صلى الله عليه وآله ) أن يرى من ذبح الحسين ( عليه السلام )   ، وأمر بقتله  ، وحمل أهله على
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/136  ، كتاب الفتوح  ، ابن أعثم : 5/132.
2 ـ المعجم الكبير  ، الطبراني : 3/104 ح 2806  ، سير أعلام النبلاء  ، الذهبي : 3/319 ـ 320.
3 ـ اللهوف  ، ابن طاووس : 107.
4 ـ المعجم الكبير  ، الطبراني : 3/116 ح 2847  ، سير أعلام النبلاء  ، الذهبي : 3/284.


(349)
أقتاب الجمال ؟ (1).
    وقد روي عن عبدالله بن مسعود قال : ما رأينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) باكياً قط أشدّ من بكائه على حمزة بن عبد المطلب لما قتل (2) فكيف به إذن لو نظر إلى سبطه الحسين ( عليه السلام ) شلواً مبضّعاً  ، وقد وزّعته الأسنّة ؟ لو رآه لكان ( صلى الله عليه وآله ) بلا شك أشدّ عليه من يوم حمزة بن عبد المطلب ( عليه السلام )   ، وكما قال الشاعر :
لو أنّ رَسُولَ اللهِ يبعثُ حمزةَ نظرةً وَهَانَ عليه يومَ حمزةَ عمِّه ونال شَجَىً من زينب لَمْ يَنَلْهُ من فكم بَيْنَ مَنْ لِلْخِدْرِ عَادَتْ مَصُونَةً لَرُدَّت إلى إنسانِ عين مُؤَرَّقِ بيومِ حسين وهو أعظمُ ما لقي صفيَّةَ إذ جاءت بِدَمْع مُرَقْرَقِ وَمَنْ سيَّروها في السبايا بجلّقِ
    ويقول الشفهيني عليه الرحمة :
لهفي لآلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ في ما بينَ نادبة وبينَ مَرُوَعة تاللهِ لاَ أنساكِ زينبُ والعِدَا لم أنس لاَ واللهِ وَجْهَكِ إِذْ هَوَتْ حتى إذا هَمُّوا بسَلْبِكِ صِحْتِ بَاسْـ لهفي لِنَدْبِكِ بِاسْمِ نَدْبِكِ وهــ تستصرخيه أسىً وعزَّ عليه أَنْ واللهِ لو أنَّ النبيَّ وَصِنْوَهُ لم يُمْسِ منهتكاً حِمَاكِ ولم تُمِطْ أيدي الطُّغَاةِ نَوَائحاً وبواكي في أَسْرِ كُلِّ مُعَانِد أَفَّاكِ قسراً تُجَاذِبُ عَنْكِ فَضْلَ رِدَاكِ بالرُّدْنِ ساترةً له يُمْنَاكِ ـمِ أبيكِ واستصرختِ ثمَّ أَخَاكِ و مجروحُ الجَوَارِحِ بالسِّيَاقِ يَرَاكِ تستصرخيه ولا يُجيبُ نِدَاكِ يوماً بِعَرْصَةِ كربلا شُهَدَاكِ يوماً أميَّةُ عَنْكِ سُجْفَ خِبَاكِ (3)

1 ـ الصواعق المحرقة  ، ابن حجر : 295.
2 ـ ذخائر العقبى  ، أحمد بن عبدالله الطبري : 181.
3 ـ الغدير  ، الشيخ الأميني : 6/381 ـ 382.


(350)
    فعلى الأطائب من أهل بيت محمّد وعلي صلى الله عليهما وآلهما  ، فليبك الباكون  ، وإياهم فليندب النادبون  ، ولمثلهم فلتذرف الدموع  ، وليصرخ الصارخون  ، ويضجَّ الضاجون  ، ويعجَّ العاجون  ، أين الحسن وأين الحسين  ، أين أبناء الحسين  ، صالح بعد صالح  ، وصادق بعد صادق  ، أين السبيل بعد السبيل  ، أين الخيرة بعد الخيرة  ، أين الشموس الطالعة  ، أين الأقمار المنيرة  ، أين الأنجم الزاهرة  ، أين أعلام الدين وقواعد العلم (1).
    قال السيد ابن طاووس عليه الرحمة في يوم عاشوراء : وإذا عزمت على ما لابدّ منه من الطعام والشراب  ، بعد انقضاء وقت المصاب  ، فقل ما معناه : اللهم إنك قلت : « وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ » (2) فالحسين صلوات الله عليه وعلى أصحابه عندك الآن يأكلون ويشربون  ، فنحن في هذا الطعام والشراب بهم مقتدون (3).
    وقال السيّد عليه الرحمة في الإقبال : فإذا كان أواخر نهار يوم عاشورا  ، فقم قائماً وسلِّم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وعلى مولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، وعلى مولانا الحسن بن علي  ، وعلى سيّدتنا فاطمة الزهراء وعترتهم الطاهرين ( عليهم السلام ) ، وعزِّهم على هذه المصائب بقلب محزون  ، وعين باكية  ، ولسان ذليل بالنوائب  ، ثمَّ اعتذر إلى
1 ـ المزار  ، محمد بن المشهدي : 578.
2 ـ سورة آل عمران ، الآية : 169.
3 ـ إقبال الأعمال  ، ابن طاووس : 3/82.


(351)
الله جلَّ جلاله وإليهم من التقصير فيما يجب لهم عليك  ، وأن يعفو عمّا لم تعمله مما كنت تعلمه مع من يعزّ عليك  ، فإنه من المستبعد أن تقوم في هذا المصاب الهائل بقدر خطبه النازل  ، واجعل كلَّ ما يكون من الحركات والسكنات في الجزع عليه خدمة لله جلَّ جلاله  ، ومتقرِّباً بذلك إليه  ، واسأل من الله جلّ جلاله ومنهم ما يريدون أن يسئله منهم  ، وما أنت محتاج إليه  ، وإن لم تعرفه ولم تبلغ أملك إليه  ، فإنهم أحق أن يعطوك على قدر إمكانهم  ، ويعاملوك بما يقصر عنه سؤالك من إحسانهم.
    ولعلَّ قائلا يقول : هلاّ كان الحزن الذي يعملونه من أول عشر المحرم قبل وقع القتل يعملونه بعد يوم عاشوراء لأجل تجدّد القتل.
    فأقول : إن أول العشر كان الحزن خوفاً مما جرت الحال عليه  ، فلما قُتل صلوات الله عليه وآله دخل تحت قول الله تعالى : « وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ » (1) فلمّا صاروا فرحين بسعادة الشهادة وجب المشاركة لهم في السرور بعد القتل لنظفر معهم بالسعادة.
    فإن قيل : فعلام تجدّدون قراءة المقتل والحزن كل عام ؟ فأقول : لأن قراءته هو عرض قصة القتل على عدل الله جلّ جلاله ليأخذ بثاره كما وعد من العدل  ، وأما تجدّد الحزن كل عشر والشهداء صاروا مسرورين فلأنه مواساة لهم في أيام العشر  ، حيث كانوا فيها ممتحنين  ، ففي كل سنة ينبغي لأهل الوفاء أن يكونوا وقت الحزن محزونين  ، ووقت السرور مسرورين (2).
    روي عن عبدالله بن الفضل قال : قلت للصادق ( عليه السلام ) : يا ابن رسول الله  ، كيف
1 ـ سورة آل عمران ، الآية : 169 ـ 170.
2 ـ إقبال الأعمال  ، ابن طاووس : 3/90 ـ 91.


(352)
سمَّت العامة يوم عاشوراء يوم بركة ؟ فبكى ( عليه السلام ) ثمَّ قال : لما قُتل الحسين ( عليه السلام ) تقرَّب الناس بالشام إلى يزيد  ، فوضعوا له الأخبار وأخذوا عليها الجوائز من الأموال  ، فكان مما وضعوا له أمر هذا اليوم وأنه يوم بركة  ، ليعدل الناس فيه من الجزع والبكاء والمصيبة والحزن إلى الفرح والسرور والتبرّك والاستعداد فيه  ، حكم الله بيننا وبينهم.
    وروي عن علي بن الحسن بن فضال  ، عن أبيه  ، عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) قال : من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة  ، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة يوم فرحه وسروره  ، وقرَّت بنا في الجنان عينُه  ، ومن سمَّى يوم عاشوراء  ، يوم بركة وادّخر فيه لمنزله شيئاً لم يبارك له فيما ادّخر  ، وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيدالله بن زياد وعمر بن سعد ـ لعنهم الله ـ إلى أسفل درك من النار (1).
    وروى جابر الجعفي عليه الرحمة قال : دخلت على جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) في يوم عاشوراء فقال لي : هؤلاء زوَّار الله  ، وحقٌّ على المزور أن يكرم الزائر  ، من بات عند قبر الحسين ( عليه السلام ) ليلة عاشوراء لقي الله يوم القيامة ملطَّخاً بدمه كأنما قتل معه في عرصته  ، وقال : من زار قبر الحسين ( عليه السلام ) ليوم عاشوراء وبات عنده كان كمن اُستشهد بين يديه (2).
    وروي عن حريز  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : من زار الحسين ( عليه السلام ) يوم عاشوراء وجبت له الجنة. وعن زيد الشحام  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : من زار قبر الحسين بن علي ( عليهما السلام ) يوم عاشورا عارفاً بحقّه كان كمن زار الله في عرشه. وعن محمد بن جمهور العمي  ، عمن ذكره  ، عنهم ( عليهم السلام ) قال : من زار قبر الحسين ( عليه السلام )

1 ـ علل الشرائع  ، الصدوق : 1/226 ـ 227 ح 1 ـ 2.
2 ـ كامل الزيارات  ، ابن قولويه : 323 ح 1 ـ 2.


(353)
يوم عاشوراء كان كمن تشحَّط بدمه بين يديه. وروى محمد بن أبي سيار المدايني بإسناده قال : من سقى يوم عاشوراء عند قبر الحسين ( عليهم السلام ) كان كمن سقى عسكر الحسين ( عليه السلام ) وشهد معه.
    وروي عن زيد الشحام  ، عن جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : من زار الحسين ( عليه السلام ) ليلة النصف من شعبان غفر الله له ما تقدَّم من ذنوبه وما تأخَّر  ، ومن زاره يوم عرفة كتب الله له ثواب ألف حجّة متقبَّلة  ، وألف عمرة مبرورة  ، ومن زاره يوم عاشوراء فكأنّما زار الله فوق عرشه (1).
    وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن المفضل بن عمر  ، عن الصادق جعفر بن محمّد  ، عن أبيه  ، عن جده ( عليهم السلام ) : أن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) دخل يوما إلى الحسن ( عليه السلام )   ، فلما نظر إليه بكى  ، فقال له : ما يبكيك يا أبا عبدالله  ؟ قال : أبكى لما يصنع بك  ، فقال له الحسن ( عليه السلام ) : إن الذي يؤتى إليَّ سم يُدس إليَّ فأُقتل به  ، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبدالله  ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل  ، يدَّعون أنهم من أمة جدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم )  ، وينتحلون دين الإسلام  ، فيجتمعون على قتلك  ، وسفك دمك  ، وانتهاك حرمتك  ، وسبي ذراريك ونسائك  ، وانتهاب ثقلك  ، فعندها تحل ببني أمية اللعنة  ، وتمطر السماء رماداً ودماً  ، ويبكي عليك كلُ شيء حتّى الوحوش في الفلوات  ، والحيتان في البحار (2).
    وروي عن زين العابدين علي بن الحسين ( عليهما السلام ) قال : ولا يوم كيوم الحسين ( عليه السلام ) ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل  ، يزعمون أنهم من هذه الأمة كل يتقرب إلى الله عزّوجل بدمه  ، وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون  ، حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً.. (3).
    
1 ـ كامل الزيارات  ، ابن قولويه : 324 ـ 325.
2 ـ الأمالي  ، الشيخ الصدوق : 177 ـ 178 ح3  ، مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 2/238.
3 ـ الأمالي  ، الشيخ الصدوق : 547 ح10.


(354)
    وروى عبدالله بن سنان قال : دخلت على سيدي أبي عبدالله جعفر بن محمّد ( عليهما السلام ) في يوم عاشوراء فألفيته كاسف اللون ظاهر الحزن ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط. فقلت : يا ابن رسول الله !
    مِمَ بُكاؤك  ؟ لا أبكى الله عينيك  ، فقال لي : أو في غفلة أنت  ؟ أما علمت أن الحسين بن علي أُصيب في مثل هذا اليوم  ؟ (1).
    وروي أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال لعبد الله بن حماد البصري في مصيبة الحسين ( عليه السلام ) : فإنه غريب بأرض غربة  ، يبكيه من زاره  ، ويحزن له من لم يزره  ، ويحترق له من لم يشهده  ، ويرحمه من نظر إلى قبر ابنه عند رجله  ، في أرض فلاة لا حميم قربه ولا قريب  ، ثم منع الحق وتوازر عليه أهل الردة  ، حتى قتلوه وضيعوه وعرَّضوه للسباع  ، ومنعوه شرب ماء الفُرات الذي يشربه الكلاب  ، وضيعوا حق رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ووصيته به وبأهل بيته  ، فأمسى مجفواً في حفرته  ، صريعاً بين قرابته  ، وشيعته بين أطباق التراب  ، قد أوحش قربه في الوحدة والبعد عن جده  ، والمنزل الذي لا يأتيه إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان وعرفه حقنا  ، إلى أن قال ( عليه السلام ) : ولقد حدثني أبي إنه لم يخل مكانه منذ قُتل من مصلي يصلي عليه من الملائكة  ، أو من الجن أو من الإنس أو من الوحش  ، وما من شيء إلاّ وهو يغبط زائره ويتمسح به  ، ويرجو في النظر إليه الخير لنظره إلى قبره.
    ثم قال : بلغني أن قوماً يأتونه من نواحي الكوفة وناساً من غيرهم  ، ونساء يندبنه  ، وذلك في النصف من شعبان  ، فمن بين قارئ يقرأ  ، وقاص يقص  ، ونادب يندب  ، وقائل يقول المراثي  ، فقلت له : نعم جعلت فداك قد شهدت بعض ما تصف  ، فقال : الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد الينا ويمدحُنا ويرثي لنا  ، وجعل عدونا من يطعن عليهم من قرابتنا وغيرهم يهدرونهم ويقبّحون ما
1 ـ مصباح المتهجد  ، الطوسي : 782.

(355)
يصنعون (1).
    وعن الريان بن شبيب قال : دخلت على الرضا ( عليه السلام ) في أول يوم من المحرم وساق الحديث عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) إلى أن قال : يا ابن شبيب إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته  ، فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها  ، لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته  ، وسبوا نساءه  ، وانتهبوا ثقله  ، فلا غفر الله لهم ذلك أبداً  ، يا ابن شبيب إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام ) فإنه ذبح كما يُذبح الكبش  ، وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا  ، مالهم في الأرض شبيهون  ، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله  ، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره  ، فوجدوه قد قُتل  ، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم  ، فيكونون من أنصاره  ، وشعارهم يا لثارات الحسين.
    يا ابن شبيب لقد حدثني أبي  ، عن أبيه  ، عن جده أنه لما قُتل جدي الحسين أمطرت السماء دماً وتراباً أحمر إلى أن قال ( عليه السلام ) : يا ابن شبيب إن سرك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فالعن قتلة الحسين.
    يا ابن شبيب إن سرك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين فقل متى ما ذكرته : يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيماً  ، يا ابن شبيب إن سرك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان  ، فاحزن لحزننا  ، وافرح لفرحنا  ، وعليك بولايتنا  ، فلو أن رجلا تولى حجرا لحشره الله معه يوم القيامة (2).
    وفي زيارة الناحية يقول الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف : فلئن أخرتني الدهور  ، وعاقني عن نصرك المقدور  ، ولم أكن لمن حاربك محاربا  ، ولمن
1 ـ كامل الزيارات  ، ابن قولويه : 537 ـ 539 ح1.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/285 ح23 عن عيون أخبار الإمام الرضا ( عليه السلام ).


(356)
نصب لك العداوة مناصبا  ، فلأندبنك صباحا ومساء  ، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً  ، حسرة عليك  ، وتأسفا على ما دهاك  ، وتلهفا حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتئاب.. (1).
    وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن إبراهيم بن أبي محمود قال : قال الرضا ( عليه السلام ) : إن المحرَّم شهر كان أهل الجاهليّة يُحرِّمون فيه القتال  ، فاستُحلّت فيه دماؤنا  ، وهُتكت فيه حرمتنا  ، وسُبي فيه ذرارينا ونساؤنا  ، وأُضرمت النيران في مضاربنا  ، واُنتهب ما فيها من ثقلنا  ، ولم ترع لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حرمة في أمرنا  ، إن يوم الحسين أقرح جفوننا  ، وأسبل دموعنا  ، وأذلَّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء  ، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء  ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون  ، فإن البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام.
    ثمَّ قال ( عليه السلام ) : كان أبي إذا دخل شهر المحرَّم لا يُرى ضاحكاً  ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام  ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه  ، ويقول : هو اليوم الذي قُتل فيه الحسين صلَّى الله عليه (2).
    ومن كتاب النوادر لعلي بن أسباط عليه الرحمة  ، عن بعض أصحاب الأئمة ( عليهم السلام ) رواه  ، قال : إن أبا جعفر ( عليه السلام ) قال : كان أبي مبطوناً يوم قُتل أبوه ( عليه السلام )   ، وكان في الخيمة  ، وكنت أرى موالينا كيف يختلفون معه  ، يتبعونه بالماء  ، يشدّ على الميمنة مرَّة  ، وعلى الميسرة مرَّة  ، وعلى القلب مرّة  ، ولقد قتلوه قتلة نهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يُقتل بها الكلاب  ، ولقد قُتل بالسيف والسنان  ، وبالحجارة  ، وبالخشب  ، وبالعصا  ، ولقد أوطؤوه الخيل بعد ذلك (3).
1 ـ المزار  ، المشهدي : 501.
2 ـ الأمالي  ، الصدوق : 190 ـ 191 ح 2.
3 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/91 ح 30.


(357)
    وقال البيروني : لقد فعلوا بالحسين ( عليه السلام ) ما لم يُفعل في جميع الأمم بأشرار الخلق من القتل بالسيف والرمح والحجارة وإجراء الخيول (1).
    ولله درّ الشيخ عبد الحسين شكر عليه الرحمة إذ يقول :
مَنِ المعزّي نبيَّ الكائناتِ بمَنْ والأَنْجُمُ الزُّهْرِ أَبْنَاهُ الذينَ بِهِمْ لولا حُسَامٌ أحارَ المبصرينَ بِهِ وَاضيعةَ الدِّيْنِ وَالدُّنْيَا وأَهْلِهِمَا لَمْ أَنْسَ زينبَ تدعو وهي حاسرةٌ لاَ غَرْوَ أَنْ ناح جبريلٌ وَرَنَّ أسىً والرُّسْلُ أنْ أَعْوَلُوا حُزْناً لأنهُمُ أقام دَعْوَتَه بالبيضِ والسُّمُرِ قد أَشْرَقَ الكونُ لا بالأنجمِ الزُّهُرِ لم يَنْظُرِ الدِّينَ والتكوينَ ذو بَصَرِ حَلَّ الذبولُ بِعُود للنَّدَى نَضِرِ قَدْ غَابَ وَاسُوْءَ حالي في الثرى قَمَري على مُعَلِّمِهِ في غَابِرِ العُصُرِ لولاه لم ينظروا يوماً إلى الظَّفَرِ (2)

    جاء في بعض زيارات الإمام الحسين ( عليه السلام ) الشريفة : أشهد أن دمك سكن في الخلد  ، واقشعرّت له أظلّة العرش  ، وبكى له جميع الخلائق  ، وبكت له السماوات السبع  ، والأرضون السبع  ، وما فيهن وما بينهن  ، ومن يتقلَّب في الجنّة والنار من خلق ربِّنا  ، وما يُرى وما لا يُرى  ، أشهد أنّك حجَّة الله وابن حجّته  ، وأشهد أنك قتيل الله وابن قتيله  ، وأشهد أنك ثائر الله وابن ثائره  ، وأشهد أنك وتر الله الموتور في السماوات والأرض  ، وأشهد أنك قد بلَّغت ونصحت  ، ووفيت وأوفيت  ،
1 ـ مقتل الحسين  ، المقرم : 303.
2 ـ رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 316.


(358)
وجاهدت في سبيل الله  ، ومضيت للذي كنت عليه شهيداً ومستشهِداً  ، وشاهداً ومشهوداً.. (1).
    قال بعض الرواة : وأصبح الحسين ( عليه السلام ) فعبَّأ أصحابه بعد صلاة الغداة  ، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلا  ، وقال السيِّد ابن طاووس عليه الرحمة : روي عن الباقر ( عليه السلام ) أنهم كانوا خمسة وأربعين فرساً ومائة راجل  ، وكذا قال ابن نما.
    قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه  ، وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه  ، وأعطى رايته العباس أخاه  ، وجعلوا البيوت في ظهورهم  ، وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت أن يُترك في خندق كان قد حفر هناك  ، وأن يُحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم.
    وأصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم وهو يوم الجمعة  ، وقيل يوم السبت  ، فعبَّأ أصحابه  ، وخرج فيمن معه من الناس نحو الحسين ( عليه السلام )   ، وكان على ميمنته عمرو بن الحجاج  ، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن  ، وعلى الخيل عروة بن قيس  ، وعلى الرجّالة شبث بن ربعي  ، وأعطى الراية دريداً مولاه  ، وقال محمد بن أبي طالب : وكان نيفا على اثنين وعشرين ألفا  ، وفي رواية عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ثلاثين ألفاً.
    وفي ذلك يقول السيد رضا الهندي عليه الرحمة :
وعاد ريحانة المختار منفرداً يكر فيهم بماضيه فيهزمُهم لو شئت ياعلة التكوين محوَهُم بين العدى ما له حام ولا عضدُ وهم ثلاثون ألفاً وهو منفردُ ما كان يثبُتُ منهم في الوغى أحد
    وقال آخر :
1 ـ الكافي  ، الكليني : 4/576.

(359)
ملءُ القفار على ابن فاطمة جندٌ بجحافل بالطف أولُها وملءُ قلوبِهمُ ذُخلُ واخيرُها بالشام متصلُ
    قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : روي عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) أنه قال : لمَّا أصبحت الخيل تُقبل على الحسين ( عليه السلام ) رفع يديه وقال : اللهم أنت ثقتي في كل كرب  ، ورجائي في كل شدّة  ، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدّة  ، كم من كرب يَضعف عنه الفؤاد  ، وتقلُّ فيه الحيلة  ، ويخذل فيه الصديق  ، ويشمت فيه العدوُّ  ، أنزلته بك وشكوته إليك  ، رغبةً منّي إليك عمَّن سواك  ، ففرَّجته وكشفته  ، فأنت وليُّ كل نعمة  ، وصاحب كل حسنة  ، ومنتهى كل رغبة.
    قال : فأقبل القوم يجولون حول بيت الحسين ( عليه السلام )   ، فيرون الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان اُلقي فيه  ، فنادى شمر بن ذي الجوشن بأعلى صوته : يا حسين! أتعجَّلت بالنار قبل يوم القيامة ؟ فقال الحسين ( عليه السلام ) : من هذا ؟ كأنه شمر بن ذي الجوشن ؟ فقالوا : نعم  ، فقال له : يا بن راعية المعزى! أنت أولى بها صليّا.
    ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين ( عليه السلام ) من ذلك  ، فقال له : دعني حتى أرميه  ، فإن الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبّارين  ، وقد أمكن الله منه  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : لا ترمه; فإني أكره أن أبدأهم بقتال (1).
    وقال محمد بن أبي طالب : وركب أصحاب عمر بن سعد  ، فقرِّب إلى الحسين ( عليه السلام ) فرسه فاستوى عليه  ، وتقدَّم نحو القوم في نفر من أصحابه  ، وبين يديه برير بن خضير  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : كلِّم القوم  ، فتقدَّم برير فقال : يا قوم! اتقوا الله  ، فإن ثقل محمد قد أصبح بين أظهركم  ، هؤلاء ذرّيّته وعترته وبناته وحرمه  ، فهاتوا ما عندكم  ، وما الذي تريدون أن تصنعوه بهم ؟ فقالوا : نريد أن نمكِّن منهم
1 ـ الإرشاد  ، المفيد : 2/96  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/4 ـ 5.

(360)
الأمير ابن زياد فيرى رأيه فيهم  ، فقال لهم برير : أفلا تَقبلون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي جاؤوا منه ؟ ويلكم يا أهل الكوفة  ، أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها  ، يا ويلكم  ، أدعوتم أهل بيت نبيِّكم  ، وزعمتم أنكم تقتلون أنفسكم دونهم  ، حتى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد  ، وحلأتموهم عن ماء الفرات ؟! بئس ما خلفتم نبيَّكم في ذرّيّته  ، ما لكم ؟ لا سقاكم الله يوم القيامة  ، فبئس القوم أنتم.
    فقال له نفر منهم : يا هذا! ما ندري ما تقول  ، فقال برير : الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة  ، اللهم إنّي أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم  ، اللهم ألق بأسهم بينهم  ، حتى يلقوك وأنت عليهم غضبان  ، فجعل القوم يرمونه بالسهام فرجع برير إلى ورائه.
    وتقدَّم الحسين ( عليه السلام ) حتى وقف بإزاء القوم  ، فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنهم السيل  ، ونظر إلى ابن سعد واقفاً في صناديد الكوفة  ، فقال : الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال  ، متصرِّفة بأهلها حالا بعد حال  ، فالمغرور من غرَّته  ، والشقيُّ من فتنته  ، فلا تغرَّنَّكم هذه الدنيا  ، فإنها تقطع رجاء مَنْ ركن إليها  ، وتُخيِّب طمع مَنْ طمع فيها  ، وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم  ، وأعرض بوجهه الكريم عنكم  ، وأحلَّ بكم نقمته  ، وجنَّبكم رحمته  ، فنعم الربُّ ربُّنا  ، وبئس العبيد أنتم  ، أقررتم بالطاعة  ، وآمنتم بالرسول محمد ( صلى الله عليه وآله )   ، ثمَّ إنّكم زحفتم إلى ذرّيّته وعترته تريدون قتلهم  ، لقد استحوذ عليكم الشيطان  ، فأنساكم ذكر الله العظيم  ، فتّباً لكم ولما تريدون  ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون  ، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعداً للقوم الظالمين.
    فقال عمر : ويلكم  ، كلِّموه فإنّه ابن أبيه  ، والله لو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولما حَصُر  ، فكلِّموه  ، فتقدَّم شمر لعنه الله فقال : يا حسين! ما هذا
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس