المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 361 ـ 375
(361)
الذي تقول ؟ أفهمنا حتى نفهم.
    فقال : أقول : اتقوا الله ربَّكم ولا تقتلوني  ، فإنه لا يحلُّ لكم قتلي  ، ولا انتهاك حرمتي  ، فإنّي ابن بنت نبيِّكم  ، وجدّتي خديجة زوجة نبيِّكم  ، ولعلّه قد بلغكم قول نبيِّكم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة..
    وقال الشيخ المفيد عليه الرحمة : ودعا الحسين ( عليه السلام ) براحلته فركبها  ، ونادى بأعلى صوته : يا أهل العراق ـ وجلُّهم يسمعون ـ فقال : أيُّها الناس! اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحقُّ لكم عليَّ  ، وحتى أعذر عليكم  ، فإن أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم  ، ثم لا يكن أمركم عليكم غمَّة  ، ثم اقضوا إليَّ ولا تنظرون  ، إن وليّي الله الذي نزَّل الكتاب وهو يتولَّى الصالحين.
    ثمَّ حمد الله وأثنى عليه  ، وذكر الله بما هو أهله  ، وصلَّى على النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلى ملائكته وعلى أنبيائه  ، فلم يسمع متكلِّم قط قبله ولا بعده أبلغ منه في منطق.
    ثمَّ قال : أمَّا بعد  ، فانسبوني فانظروا من أنا  ، ثم راجعوا أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي ؟ ألست ابن بنت نبيِّكم  ، وابن وصيِّه وابن عمِّه وأول مؤمن مصدِّق لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بما جاء به من عند ربِّه ؟ أو ليس حمزة سيِّد الشهداء عمّي ؟ أو ليس جعفر الطيار في الجنّة بجناحين عمّي ؟ أو لم يبلغكم ما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لي ولأخي : هذان سيِّدا شباب أهل الجنّة ؟ فإن صدَّقتموني بما أقول وهو الحق  ، والله ما تعمَّدت كذباً مذ علمت أن الله يمقت عليه أهله  ، وإن كذَّبتموني فإنّ فيكم مَنْ إنْ سألتموه عن ذلك أخبركم  ، اسألوا جابر بن عبدالله الأنصاري  ، وأبا سعيد الخدري  ، وسهل بن سعد الساعدي  ، وزيد بن أرقم  ، وأنس بن مالك يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لي ولأخي  ، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ؟


(362)
    فقال له شمر بن ذي الجوشن : هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول  ، فقال له حبيب بن مظاهر : والله إنّي لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً  ، وأنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول  ، قد طبع الله على قلبك.
    ثمَّ قال لهم الحسين ( عليه السلام ) : فإن كنتم في شك من هذا أفتشكُّون أني ابن بنت نبيِّكم ؟ فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيٍّ غيري فيكم ولا في غيركم  ، ويحكم  ، أتطلبوني بقتيل منكم قتلته ؟ أو مال لكم استهلكته ؟ أو بقصاص من جراحة ؟
    فأخذوا لا يكلِّمونه  ، فنادى : يا شبث بن ربعي! يا حجّار بن أبجر! يا قيس بن الأشعث! يا يزيد بن الحارث! ألم تكتبوا إليَّ أن قد أينعت الثمار  ، واخضرَّ الجناب  ، وإنّما تقدم على جند لك مجنَّد ؟ فقال له قيس بن الأشعث : ما ندري ما تقول  ، ولكن انزل على حكم بني عمِّك  ، فإنّهم لن يروك إلاَّ ما تحب  ، فقال لهم الحسين ( عليه السلام ) : لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل  ، ولا أقرُّ لكم إقرار العبيد.
    ثمَّ نادى : يا عباد الله! إنّي عذت بربّي وربِّكم أن تُرجمون  ، وأعوذ بربّي وربِّكم من كل متكبِّر لا يؤمن بيوم الحساب.
    ثم إنَّه أناخ راحلته  ، وأمر عقبة بن سمعان بعقلها  ، وأقبلوا يزحفون نحوه (1).
    وفي المناقب روى بإسناده عن عبدالله قال : لما عبَّأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربة الحسين بن علي ( عليهما السلام )   ، ورتَّبهم مراتبهم  ، وأقام الرايات في مواضعها  ، وعبَّأ أصحاب الميمنة والميسرة  ، فقال لأصحاب القلب : اثبتوا  ، وأحاطوا بالحسين من كل جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة  ، فخرج ( عليه السلام ) حتى أتى الناس  ، فاستنصتهم فأبوا أن ينصتوا  ، حتى قال لهم : ويلكم  ، ما عليكم أن تنصتوا إليَّ فتسمعوا قولي ؟ وإنّما أدعوكم إلى سبيل الرشاد  ، فمن أطاعني كان من المرشدين  ، ومن عصاني كان
1 ـ الإرشاد  ، المفيد : 2/97 ـ 99.

(363)
من المهلكين  ، وكلّكم عاص لأمري  ، غير مستمع قولي  ، فقد مُلئت بطونكم من الحرام  ، وطُبع على قلوبكم  ، ويلكم  ، ألا تنصتون ؟ ألا تسمعون ؟ فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم وقالوا : أنصتوا له.
    فقام الحسين ( عليه السلام ) ثمَّ قال : تبّاً لكم أيَّتُها الجماعة وترحاً  ، أفحين استصرختمونا ولهين متحيِّرين فأصرختكم مؤدين مستعدين  ، سللتم علينا سيفاً في رقابنا  ، وحششتم علينا نار الفتن خباها عدوُّكم وعدوُّنا  ، فأصبحتم إلباً على أوليائكم  ، ويداً عليهم لأعدائكم  ، بغير عدل أفشوه فيكم  ، ولا أمل أصبح لكم فيهم  ، إلاَّ الحرام من الدنيا أنالوكم  ، وخسيس عيش طمعتم فيه  ، من غير حدث كان منّا  ، ولا رأي تفيل لنا  ، فهلاّ ـ لكم الويلات ـ إذ كرهتمونا وتركتمونا تجهَّزتموها والسيف لم يشهر  ، والجاش طامن  ، والرأي لم يستحصف  ، ولكن أسرعتم علينا كطيرة الذباب  ، وتداعيتم كتداعي الفراش  ، فقبحاً لكم  ، فإنّما أنتم من طواغيت الأمّة  ، وشذّاذ الأحزاب  ، ونبذة الكتاب  ، ونفثة الشيطان  ، وعصبة الآثام  ، ومحرِّفي الكتاب  ، ومطفيء السنن  ، وقتلة أولاد الأنبياء  ، ومبيري عترة الأوصياء  ، وملحقي العهار بالنسب  ، ومؤذي المؤمنين  ، وصراخ أئمّة المستهزئين  ، الذين جعلوا القرآن عضين.
    وأنتم ابن حرب وأشياعه تعتمدون  ، وإيّانا تخاذلون  ، أجل والله  ، الخذل فيكم معروف  ، وشجت عليه عروقكم  ، وتوارثته أصولكم وفروعكم  ، وثبتت عليه قلوبكم  ، وغشيت صدوركم  ، فكنتم أخبث شيء سنخاً للناصب  ، وأكلة للغاصب  ، ألا لعنة الله على الناكثين الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها  ، وقد جعلتم الله عليكم كفيلا  ، فأنتم والله هُم.
    ألا إنّ الدعيَّ ابن الدعيِّ قد ركز بين اثنتين  ، بين القتلة والذلّة  ، وهيهات ما آخذ الدنيّة  ، أبى الله ذلك ورسوله  ، وجدود طابت  ، وحجور طهرت  ، وأنوف


(364)
حميّة  ، ونفوس أبيّة لا تؤثر مصارع اللئام على مصارع الكرام  ، ألا قد أعذرت وأنذرت  ، ألا إنّي زاحف بهذه الأسرة  ، على قلّة العتاد  ، وخذلة الأصحاب.
    ثم أنشأ يقول :
فَإِنْ نَهْزَمْ فهزَّامون قِدْماً وَمَا إِنْ طِبُّنا جُبُنٌ ولكنْ وَإِنْ نُهْزَمْ فغيرُ مُهَزَّمينا مَنَايَانا وَدَوْلَةُ آخرينا
    وزاد بعدهما في الملهوف :
إِذَا ما الموتُ رَفَّعَ عن أُناس فأفنى ذالكم سَرَوَاتِ قومي فلو خَلُدَ الملوكُ إذاً خَلُدْنا فَقُلْ للشامتين بِنَا أَفيقوا كَلاَكِلَهُ أَنَاخ بآخرينا كَمَا أفنى القُرُونَ الأوَّلينا ولو بقي الكِرَامُ إذاً بقينا سَيَلقى الشامتون كَمَا لَقِينا
    ألا! ثم لا تلبثون بعدها إلاَّ كريث ما يركب الفرس  ، حتى تدور بكم الرحى  ، عهد عهده إليَّ أبي عن جدّي  ، فأجمعوا أمركم وشركاءكم  ، ثم كيدوني جميعاً فلا تنظرون  ، إنّي توكلت على الله ربّي وربّكم  ، ما من دابّة إلاَّ هو آخذ بناصيتها  ، إن ربّي على صراط مستقيم  ، اللهم احبس عنهم قطر السماء  ، وابعث عليهم سنين كسنِّي يوسف  ، وسلَّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبرة  ، ولا يدع فيهم أحداً إلاَّ قتله قتلة بقتلة  ، وضربة بضربة  ، ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم  ، فإنّهم غرُّونا وكذَّبونا وخذلونا  ، وأنت ربُّنا  ، عليك توكَّلنا  ، وإليك أنبنا  ، وإليك المصير.
    ثمَّ قال : أين عمر بن سعد ؟ ادعوا لي عمر! فدعي له  ، وكان كارهاً لا يحبُّ أن يأتيه  ، فقال : يا عمر! أنت تقتلني ؟ تزعم أن يولِّيك الدعيُّ ابن الدعيِّ بلاد الريِّ وجرجان  ، والله لا تتهنَّأ بذلك أبداً  ، عهداً ومعهوداً  ، فاصنع ما أنت صانع  ، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة  ، ولكأنّي برأسك على قصبة قد نُصب بالكوفة  ، يتراماه


(365)
الصبيان ويتخذونه غرضاً بينهم.
    فاغتاظ عمر من كلامه  ، ثمَّ صرف بوجهه عنه  ، ونادى بأصحابه : ما تنتظرون به ؟ احملوا بأجمعكم  ، إنّما هي أكلة واحدة.
    ثم إن الحسين ( عليه السلام ) دعا بفرس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المرتجز فركبه  ، وعبَّأ أصحابه (1).
قَسَتِ القُلُوبُ فَلَمْ تَمِلْ لهداية مَا ذَاقَ طَعْمَ فُرَاتِهِمْ حَتَّى قَضَى تبّاً لهاتيك القُلُوبِ القاسيه عَطَشَاً وَغُسِّلَ بالدِّمَاءِ القَانِيه

    قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : فلمَّا رأى الحرُّ بن يزيد أن القوم قد صمَّموا على قتال الحسين ( عليه السلام ) قال لعمر بن سعد : أي عمر! أمقاتل أنت هذا الرجل ؟ قال : إي والله  ، قتالا شديداً أيسره أن تسقط الرؤوس  ، وتطيح الأيدي  ، قال : أفما لكم فيما عرضه علكيم رضى ؟
    قال عمر : أما لو كان الأمر إليَّ لفعلت  ، ولكنَّ أميرك قد أبى  ، فأقبل الحرُّ حتى وقف من الناس موقفاً  ، ومعه رجل من قومه يقال له قرّة بن قيس  ، فقال له : يا قرّة! هل سقيت فرسك اليوم ؟ قال : لا  ، قال : فما تريد أن تسقيه ؟ قال قرَّة : فظننت ـ والله ـ أنّه يريد أن يتنحَّى ولا يشهد القتال  ، فكره أن أراه حين يصنع ذلك  ، فقلت له : لم أسقه وأنا منطلق فأسقيه  ، فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه  ، فوالله لو أنه أطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين.
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/8 ـ 10

(366)
    فأخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا  ، فقال له مهاجر بن أوس : ما تريد يا ابن يزيد ؟ أتريد أن تحمل ؟ فلم يجبه  ، فأخذه مثل الأفكل وهي الرعدة  ، فقال له المهاجر : إن أمرك لمريب  ، والله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا  ، ولو قيل لي  ، من أشجع أهل الكوفة ؟ لما عدوتك  ، فما هذا الذي أرى منك ؟ فقال له الحر : إني والله اُخيِّر نفسي بين الجنّة والنار  ، فوالله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطِّعت وأُحرقت.
    ثمَّ ضرب فرسه فلحق الحسين ( عليه السلام ) فقال له : جعلت فداك يا ابن رسول الله  ، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع  ، وسايرتك في الطريق  ، وجعجعت بك في هذا المكان  ، وما ظننت أن القوم يردُّون عليك ما عرضته عليهم  ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة  ، والله لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت مثل الذي ركبت  ، وأنا تائب إلى الله مما صنعت  ، فترى لي من ذلك توبة ؟ فقال له الحسين ( عليه السلام ) : نعم  ، يتوب الله عليك فانزل  ، فقال : أنا لك فارساً خير منّي راجلا  ، أقاتلهم على فرسي ساعة  ، وإلى النزول ما يصير آخر أمري  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) فاصنع ـ يرحمك الله ـ ما بدا لك.
    فاستقدم أمام الحسين ( عليه السلام ) فقال : يا أهل الكوفة لامِّكم الهبل والعبر  ، أدعوتم هذا العبد الصالح حتى إذا أتاكم أسلمتموه ؟ وزعمتم أنكم قاتلو أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه ؟ أمسكتم بنفسه  ، وأخذتم بكلكله  ، وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجُّه إلى بلاد الله العريضة  ، فصار كالأسير في أيديكم  ، لا يملك لنفسه نفعاً  ، ولا يدفع عنها ضرّاً  ، وحلأتموه ونساءه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري  ، تشربه اليهود والنصارى والمجوس  ، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابهم  ، وهاهم قد صرعهم العطش  ، بئسما خلفتم محمداً في ذرّيّته  ، لاسقاكم الله يوم الظمأ.
    فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل  ، فأقبل حتى وقف أمام الحسين ( عليه السلام )


(367)
ونادى عمر بن سعد : يا دريد! أدنِ رايتك  ، فأدناها  ، ثم وضع سهماً في كبد قوسه ثم رمى وقال : اشهدوا أني أول من رمى  ، ثم رمى الناس (1).
    وقال محمد بن أبي طالب : فرمى أصحابه كلُّهم  ، فما بقي من أصحاب الحسين ( عليه السلام ) أحد إلاَّ أصابه من سهامهم.
    قيل : فلمَّا رموهم هذه الرمية قلَّ أصحاب الحسين ( عليه السلام ) وقُتل في هذه الحملة خمسون رجلا  ، وقال السيد ابن طاووس عليه الرحمة : فقال ( عليه السلام ) لأصحابه : قوموا ـ رحمكم الله ـ إلى الموت الذي لابدَّ منه  ، فإنّ هذه السهام رسل القوم إليكم  ، فاقتتلوا ساعة من النهار حملة وحملة  ، حتى قتل من أصحاب الحسين ( عليه السلام ) جماعة  ، قال : فعندها ضرب الحسين ( عليه السلام ) يده على لحيته  ، وجعل يقول : اشتدَّ غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولداً  ، واشتدَّ غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة  ، واشتدَّ غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه  ، واشتدَّ غضبه على قوم اتّفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيِّهم  ، أما والله لا أجيبهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى الله تعالى وأنا مخضَّب بدمي.
    وروي عن مولانا الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : سمعت أبي ( عليه السلام ) يقول : لمَّا التقى الحسين ( عليه السلام ) وعمر بن سعد لعنه الله وقامت الحرب  ، أُنزل النصر حتى رفرف على رأس الحسين ( عليه السلام )   ، ثم خُيِّر بين النصر على أعدائه وبين لقاء الله تعالى  ، فاختار لقاء الله تعالى  ، قال الراوي : ثمَّ صاح ( عليه السلام ) : أما من مغيث يغيثنا لوجه الله  ، أما من ذابٍّ يذبُّ عن حُرم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (2).
    قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : وحمل عمرو بن الحجاج على ميمنة أصحاب الحسين ( عليه السلام ) فيمن كان معه من أهل الكوفة  ، فلمَّا دنا من الحسين ( عليه السلام ) جثوا له على
1 ـ كتاب الإرشاد  ، المفيد : 2/99 ـ 101  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/10.
2 ـ الملهوف  ، ابن طاووس : 60 ـ 61.


(368)
الركب  ، وأشرعوا الرماح نحوهم  ، فلم تقدم خيلهم على الرماح  ، فذهبت الخيل لترجع  ، فرشقهم أصحاب الحسين ( عليه السلام ) بالنبل  ، فصرعوا منهم رجالا  ، وجرحوا منهم آخرين.
    وجاء رجل من بني تميم يقال له عبدالله بن حوزة  ، فأقدم على عسكر الحسين ( عليه السلام )   ، فناداه القوم : إلى أين ثكلتك أمُّك ؟ فقال : إنّي أقدم على ربٍّ رحيم وشفيع مطاع  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) لأصحابه : من هذا ؟ فقيل له : هذا ابن حوزة التميمي  ، فقال : اللهم حُزْه إلى النار  ، فاضطرب به فرسه في جدول فوقع  ، وتعلَّقت رجله اليسرى في الركاب  ، وارتفعت اليمنى  ، وشدَّ عليه مسلم بن عوسجة فضرب رجله اليمنى فأطارها وعدا به فرسه فضرب برأسه كل حجر وكل شجر حتى مات  ، وعجَّل الله بروحه إلى النار  ، ونشب القتال فقتل من الجميع جماعة (1).
    وقال محمد بن أبي طالب وصاحب المناقب وابن الأثير في الكامل ـ ورواياتهم متقاربة ـ إن الحرّ أتى الحسين ( عليه السلام ) فقال : يا ابن رسول الله! كنت أول خارج عليك فائذن لي لأكون أول قتيل بين يديك  ، وأول من يصافح جدَّك غداً  ، وإنّما قال الحر : لأكون أول قتيل بين يديك  ، والمعنى : يكون أول قتيل من المبارزين  ، وإلاَّ فإنَّ جماعة كانوا قد قتلوا في الحملة الأولى كما ذكر  ، فكان أول من تقدَّم إلى براز القوم  ، وجعل ينشد ويقول :
إنّي أنا الحرُّ ومأوى الضيفِ عن خيرِ مَنْ حلَّ بأرضِ الخَيْفِ أضربُ في أعناقِكم بالسيفِ أضربُكم ولا أرى من حَيْفِ
    وَروي أن الحرَّ قتل أربعين فارساً وراجلا  ، ثمَّ لم يزل يقاتل حتى قُتل رحمه الله  ، فاحتمله أصحاب الحسين ( عليه السلام ) حتى وضعوه بين يدي الحسين ( عليه السلام ) وبه رمق  ، فجعل الحسين يمسح وجهه  ، ويقول : أنت الحرُّ كما سمَّتك أمُّك  ، وأنت الحرُّ في
1 ـ كتاب الإرشاد  ، المفيد : 2/102.

(369)
الدنيا  ، وأنت الحرُّ في الآخرة  ، ورثاه رجل من أصحاب الحسين ( عليه السلام )   ، وقيل : بل رثاه علي بن الحسين ( عليهما السلام )
لَنِعْمَ الحرُّ حُرُّ بني رِياحِ وَنِعْمَ الحرُّ إِذْ نادى حسيناً فَيَا رَبِّي أَضِفْهُ في جِنَان صبورٌ عند مُخْتَلَفِ الرِّمَاحِ فجاد بنفسِهِ عند الصِّيَاحِ وَزَوِّجْهُ مع الحورِ المِلاَحِ
    وقال ابن شهر آشوب : قتل نيّفاً وأربعين رجلا منهم  ، وقال ابن نما : ورويت بإسنادي أنه قال للحسين ( عليه السلام ) : لمَّا وجَّهني عبيد الله إليك خرجت من القصر فنوديت من خلفي : أبشر ـ يا حرُّ! ـ بخير  ، فالتفتُّ فلم أر أحداً  ، فقلت : والله ما هذه بشارة وأنا أسير إلى الحسين  ، وما أحدِّث نفسي باتّباعك  ، فقال ( عليه السلام ) : لقد أصبت أجراً وخيراً (1).
    ثمَّ قالوا : وكان كل من أراد الخروج ودَّع الحسين ( عليه السلام ) وقال : السلام عليك يا ابن رسول الله! فيجيبه : وعليك السلام  ، ونحن خلفك  ، ويقرأ ( عليه السلام ) : « فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا ».
    ثم برز برير بن خضير الهمداني بعد الحُر  ، وكان من عباد الله الصالحين  ، فبرز وهو يقول :
أَنَا بُرَيرٌ وأبي خُضَيْر يَعْرِفُ فينا الخيرَ أهلُ الخيرِ ليثٌ يروعُ الأُسْدَ عند الزَّئْرِ أضربُكُمْ وَلاَ أَرى من ضَيْرِ
كذاك فِعْلُ الخيرِ من بُرَيْرِ
    وجعل يحمل على القوم وهو يقول : اقتربوا منّي يا قتلة المؤمنين! اقتربوا منّي يا قتلة أولاد البدريّين! اقتربوا منّي يا قتلة أولاد رسول ربِّ العالمين وذرّيّته الباقين! وكان برير أقرأ أهل زمانه  ، فلم يزل يقاتل حتى قتل ثلاثين رجلا.
1 ـ مثير الأحزان  ، ابن نما الحلي : 44.

(370)
    قال : فحمل رجل من أصحاب ابن زياد فقتل بريراً رحمه الله  ، وكان يقال لقاتله : بحير بن أوس الضّبي. قال : ثمَّ ذكر له بعد ذلك أن بريراً كان من عباد الله الصالحين  ، وجاءه ابن عمٍّ له وقال : ويحك يا بحير! قتلت برير بن خضير  ، فبأيِّ وجه تلقى ربَّك غداً ؟ قال : فندم الشقيُّ لعنه الله.
    ثمَّ برز من بعده وهب بن عبدالله بن حباب الكلبي  ، وقد كانت معه أمُّه يومئذ  ، فقالت : قم يا بنيَّ فانصر ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )  ، فقال : أفعل يا أمّاه ولا أقصِّر  ، فبرز وهو يقول :
إِنْ تُنْكِرُوني فأنا ابنُ الكلبي وَحَمْلَتي وَصَوْلَتي في الْحَرْبِ وَأَدْفَعُ الكَرْبَ أمام الْكَرْبِ سوف تَرَوْني وَتَرَونَ ضَرْبي أُدْرِكُ ثَأْري بَعْدَ ثَأْرِ صَحْبي ليس جِهَادِي في الوغى باللعبِ
    ثمَّ حمل فلم يزل يقاتل حتى قتل منهم جماعة  ، فرجع إلى أمِّه وامرأته  ، فوقف عليهما فقال : يا أمَّاه! أرضيت ؟ فقالت : ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين ( عليه السلام )   ، فقالت امرأته : بالله لا تفجعني في نفسك! فقالت أمُّه : يا بنيَّ! لا تقبل قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )  ، فيكون غداً في القيامة شفيعاً لك بين يدي الله  ، فرجع فلم يزل يقاتل حتى قتل تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلا  ، ثمَّ قُطعت يداه  ، فأخذت امرأته عموداً وأقبلت نحوه وهي تقول : فداك أبي وأمّي  ، قاتل دون الطيّبين حرم رسول الله  ، فأقبل كي يردَّها إلى النساء  ، فأخذت بجانب ثوبه وقالت : لن أعود أو أموت معك  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : وجعل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.
    قال : فذهبت امرأته تمسح الدم عن وجهه  ، فبصر بها شمر  ، فأمر غلاماً له فضربها بعمود كان معه فشدخها وقتلها  ، وهي أول امرأة قتلت في عسكر الحسين ( عليه السلام ).


(371)
    ورأيت حديثاً أن وهب هذا كان نصرانياً فأسلم هو وأمُّه على يدي الحسين ( عليه السلام )   ، فقتل في المبارزة أربعة وعشرين راجلا واثني عشر فارساً  ، ثم أُخذ أسيراً  ، فأُتي به عمر بن سعد فقال : ما أشدَّ صولتك! ثمَّ أمر فضُربت عنُقه  ، ورمي برأسه إلى عسكر الحسين ( عليه السلام )   ، فأخذت أمُّه الرأس فقبَّلته  ، ثم رمت بالرأس إلى عسكر ابن سعد فأصابت به رجلا فقتلته  ، ثم شدَّت بعمود الفسطاط  ، فقتلت رجلين  ، فقال لها الحسين ( عليه السلام ) : ارجعي يا أمَّ وهب  ، أنت وابنك مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فإن الجهاد مرفوع عن النساء  ، فرجعت وهي تقول : إلهي لا تقطع رجائي  ، فقال لها الحسين ( عليه السلام ) : لا يقطع الله رجاك يا أمَّ وهب.
    ثمَّ برز من بعده عمرو بن خالد الأزدي وقاتل حتى قُتل ـ رحمه الله ـ قال الراوي : وصاح عمرو بن الحجاج بالناس : يا حمقى! أتدرون من تقاتلون ؟ تقاتلون فرسان أهل المصر وأهل البصائر وقوماً مستميتين  ، لا يبرز منكم إليهم أحد إلاَّ قتلوه على قلّتهم  ، والله لو لم ترموهم إلاَّ بالحجارة لقتلتموهم  ، فقال له عمر بن سعد ـ لعنه الله ـ : الرأي ما رأيت  ، فأرسل في الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منهم  ، وقال : لو خرجتم إليهم وحداناً لأتوا عليكم مبارزة.
    ودنا عمرو بن الحجاج من أصحاب الحسين ( عليه السلام ) فقال : يا أهل الكوفة! الزموا طاعتكم وجماعتكم  ، ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الإمام  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : يا ابن الحجاج! أعليَّ تُحرِّض الناس ؟ أنحن مرقنا من الدين وأنتم ثبتّم عليه ؟ والله لتعلمنَّ أيّنا المارق من الدين  ، ومن هو أولى بصلي النار.
    ثمَّ حمل عمرو بن الحجاج لعنه الله في ميمنته من نحو الفرات  ، فاضطربوا ساعة  ، فصُرع مسلم بن عوسجة  ، وانصرف عمرو وأصحابه  ، وانقطعت الغبرة فإذا مسلم صريع  ، وقال محمد بن أبي طالب : فسقط إلى الأرض وبه رمق  ، فمشى إليه الحسين ومعه حبيب بن مظاهر  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : رحمك الله يا مسلم فـ


(372)
« مِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا » ثمَّ دنا منه حبيب فقال : يعزُّ عليَّ مصرعك يا مسلم  ، أبشر بالجنّة  ، فقال له قولا ضعيفاً : بشَّرك الله بخير  ، فقال له حبيب : لولا أعلم أنّي في الأثر لأحببت أن توصي إليَّ بكل ما أهمَّك  ، فقال مسلم : فإني أوصيك بهذا ـ وأشار إلى الحسين ( عليه السلام ) ـ فقاتل دونه حتى تموت  ، فقال حبيب : لأنعمنَّك عيناً  ، ثمَّ مات رضوان الله عليه.
    قال : وصاحت جارية له : يا سيّداه! يا ابن عوسجتاه! فنادى أصحاب ابن سعد مستبشرين : قتلنا مسلم بن عوسجة  ، فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله : ثكلتكم أمّهاتكم  ، أما إنّكم تقتلون أنفسكم بأيديكم  ، وتذلّون عزَّكم  ، أتفرحون بقتل مسلم بن عوسجة  ، أما والذي أسلمت له  ، لرُبَّ موقف له في المسلمين كريم  ، لقد رأيته يوم آذربيجان قتل ستة من المشركين قبل أن تلتام خيول المسلمين (1)   ، ولله درّ الشاعر إذ يقول :
رِجَالٌ تَوَاصَوا حيثُ طَابَتْ أُصُولُهُمْ حُمَاةٌ حَمَوا خِدْراً أَبَى اللهُ هَتْكَهُ فَأَصْبَحَ نَهْباً لِلْمَغَاوِيرِ بَعْدَهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ بالصَّبْرِ حَتَّى قَضَوا صَبْرا فَعَظَّمَهُ شَأْناً وَشَرَّفَهُ قَدْرَا وَمِنْهُ بَنَاتُ المصطفى أُبْرِزَتْ حَسْرَى
    وقال آخر :
السَّابقون إِلَى المكارِمِ وَالْعُلَى لولا صَوَارِمُهُمْ وَوَقْعُ نِبَالِهِمْ وَالحائِزُونَ غَداً حِيَاضَ الْكَوثَرِ لَمْ تَسْمَعِ الآذَانُ صَوْتَ مُكَبِّرِ (2)

1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/10 ـ 20.
2 ـ نفثة المصدور  ، الشيخ عباس القمي : 629.


(373)
    قال الراوي : ثمَّ حمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة  ، فثبتوا له  ، وقاتلهم أصحاب الحسين ( عليه السلام ) قتالا شديداً  ، وإنما هم اثنان وثلاثون فارساً  ، فلا يحملون على جانب من أهل الكوفة إلاَّ كشفوهم  ، فدعا عمر بن سعد بالحصين بن نمير في خمسمائة من الرماة  ، فأقبلوا حتى دنوا من الحسين ( عليهم السلام ) وأصحابه  ، فرشقوهم بالنبل  ، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم  ، وقاتلوهم حتى انتصف النهار  ، واشتدَّ القتال  ، ولم يقدروا أن يأتوهم إلاَّ من جانب واحد; لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض  ، فأرسل عمر بن سعد الرجال ليقوِّضوها عن أيمانهم وشمائلهم ليحيطوا بهم  ، وأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين يتخلَّلون فيشدُّون على الرجل يعرض وينهب  ، فيرمونه عن قريب فيصرعونه فيقتلونه.
    فقال ابن سعد : أحرقوها بالنار  ، فأضرموا فيها  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : دعوهم يحرقوها  ، فإنهم إذا فعلوا ذلك لم يجوزوا إليكم  ، فكان كما قال ( عليه السلام ).
    وقيل : أتاه شبث بن ربعي وقال : أفزعنا النساء ثكلتك أمُّك  ، فاستحيى وأخذوا لا يقاتلونهم إلاَّ من وجه واحد.
    وشدّ أصحاب زهير بن القين فقتلوا أبا عذرة الضبابي من أصحاب شمر.
    فلم يزل يُقتل من أصحاب الحسين ( عليه السلام ) الواحد والاثنان فيبين ذلك فيهم لقلَّتهم  ، ويُقتل من أصحاب عمر العشرة فلا يبين فيهم ذلك لكثرتهم.
    فلمَّا رأى ذلك أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين ( عليه السلام ) : يا أبا عبدالله! نفسي لنفسك الفداء  ، هؤلاء اقتربوا منك  ، ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك  ، وأحبُّ أن


(374)
ألقى الله ربّي وقد صلَّيت هذه الصلاة  ، فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال : ذكرت الصلاة  ، جعلك الله من المصلّين  ، نعم هذا أول وقتها  ، ثمَّ قال : سلوهم أن يكفُّوا عنّا حتى نصلي  ، فقال الحصين بن نمير : إنّها لا تقبل  ، فقال حبيب بن مظاهر : لا تقبل الصلاة ـ زعمت ـ من ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتقبل منك ياختار  ، فحمل عليه حصين بن نمير  ، وحمل عليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف  ، فشبَّ به الفرس ووقع عنه الحصين  ، فاحتوشته أصحابه فاستنقذوه  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) لزهير بن القين وسعيد بن عبدالله : تقدَّما أمامي حتى أصلّي الظهر  ، فتقدَّما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلَّى بهم صلاة الخوف.
    وروي أن سعيد بن عبدالله الحنفي تقدَّم أمام الحسين ( عليه السلام )   ، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل  ، كلّما أخذ الحسين ( عليه السلام ) يميناً وشمالا قام بين يديه  ، فما زال يُرمى به حتى سقط إلى الأرض وهو يقول : اللهم العنهم لعن عاد وثمود  ، اللهم أبلغ نبيَّك السلام عنّي  ، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح  ، فإنّي أردت بذلك نصرة ذرّيّة نبيِّك ( صلى الله عليه وآله وسلم )   ، ثمَّ مات رضوان الله عليه  ، فوجد به ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح.
    وقال ابن نما : وقيل : صلَّى الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه فرادى بالإيماء  ، ثم قالوا : ثمَّ خرج عبد الرحمان بن عبدالله اليزني وهو يقول :
أَنَا ابنُ عَبْدِ اللهِ مِنْ آلِ يَزَنْ أضربُكُمْ ضَرْبَ فَتَىً مِنَ الَْيمَنْ ديني على دينِ حسين وَحَسَنْ أَرْجُو بذاك الفوزَ عِنْدَ المُؤْتَمَنْ
    ثمَّ حمل فقاتل حتى قُتل.
    وقال السيِّد : فخرج عمرو بن قرظة الأنصاري فاستأذن الحسين ( عليه السلام ) فأذن له : فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء  ، وبالغ في خدمة سلطان السماء  ، حتى قتل جمعاً كثيراً من حزب ابن زياد  ، وجمع بين سداد وجهاد  ، وكان لا يأتي إلى الحسين سهم


(375)
إلاَّ اتّقاه بيده  ، ولا سيف إلاَّ تلقَّاه بمهجته  ، فلم يكن يصل إلى الحسين سوء حتى أُثخن بالجراح  ، فالتفت إلى الحسين وقال : يا ابن رسول الله! أوفيت ؟ قال : نعم  ، أنت أمامي في الجنّة  ، فاقرأ رسول الله منّي السلام  ، وأعلمه أنّي في الأثر  ، فقاتل حتى قُتل رضوان الله عليه.
    وفي المناقب أنه كان يقول :
قَدْ عَلِمَتْ كتيبةُ الأنصارِ ضَرْبَ غُلاَم غَيْرِ نَكْس شَارِي أَنْ سوف أَحْمِي حَوْزَةَ الذِّمَارِ دُوْنَ حُسَين مُهْجَتي وَدَاري
    وقال السيِّد : ثم تقدَّم جون مولى أبي ذر الغفاري  ، وكان عبداً أسود  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : أنت في إذن منّي  ، فإنّما تبعتنا طلباً للعافية  ، فلا تبتلِ بطريقنا  ، فقال : يا ابن رسول الله! أنا في الرخاء الحس قصاعكم  ، وفي الشدّة أخذلكم  ، والله إن ريحي لمنتن  ، وإن حسبي للئيم  ، ولوني لأسود  ، فتنفَّس عليَّ بالجنّة  ، فتطيب ريحي  ، ويَشرف حسبي  ، ويبيضّ وجهي  ، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم (1).
    ثمَّ قاتل حتى قُتل  ، فوقف عليه الحسين ( عليه السلام ) وقال : اللهم بيِّض وجهه  ، وطيِّب ريحه  ، واحشره مع الأبرار  ، وعرِّف بينه وبين محمد وآل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    وروي عن الباقر ( عليه السلام )   ، عن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) أن الناس كانوا يحضرون المعركة  ، ويدفنون القتلى  ، فوجدوا جوناً بعد عشرة أيام يفوح منه رائحة المسك رضوان الله عليه.
    قال الراوي : ثمَّ خرج الحجاج بن مسروق ـ وهو مؤذِّن الحسين ( عليه السلام ) ـ ويقول :
اقْدِمْ حسينُ هَادِياً مَهْدِيّا اليومَ تَلْقَى جَدَّكَ النبيّا

1 ـ اللهوف ابن طاووس : 64 ـ 65.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس