|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(376)
وَأَسَدَ اللهِ الشهيدَ الحيّا
ثمَّ حمل فقاتل حتى قُتل رحمه الله.
ثمَّ خرج من بعده زهير بن القين رضي الله عنه ، وهو يرتجز ويقول :
يَا ليت نفسي قُسِمَتْ قِسْمَيْنِ
وقال محمد بن أبي طالب : فقاتل حتى قتل مائة وعشرين رجلا ، فشدَّ عليه كُثير بن عبدالله الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي فقتلاه ، فقال الحسين ( عليه السلام ) حين صُرع زهير : لا يبعدك الله يا زهير! ولعن قاتلك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير.
ثمَّ خرج سعيد بن عبدالله الحنفي وهو يرتجز :
في جَنَّةِ الفردوسِ يَعْلُو صُعُدَا
قال : فلم يزل يقاتل حتى قُتل.
ثمَّ برز حبيب بن مظاهر الأسدي وهو يقول :
حَقّاً وأنمى مِنْكُمُ وَأَعْذَرُ
(377)
وقاتل قتالا شديداً ، ثمَّ حمل عليه رجل من بني تميم فطعنه ، فذهب ليقوم فضربه الحصين بن نمير ـ لعنه الله ـ على رأسه بالسيف ، فوقع ، ونزل التميمي فاجتزَّ رأسه ، فهدَّ مقتله الحسين ( عليه السلام ) ، فقال : عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي. وقال محمد بن أبي طالب : فقتل اثنين وستين رجلا ، فقتله الحصين بن نمير وعلَّق رأسه في عنق فرسه.
قال الراوي : ثمَّ برز هلال بن نافع البجلي وهو يقول :
قال : ثمَّ خرج شابٌّ قُتل أبوه في المعركة ، وكانت أمُّه معه ، فقالت له أمُّه : اخرج ـ يا بنيَّ! ـ وقاتل بين يدي ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فخرج ، فقال الحسين : هذا شابٌّ قُتل أبوه ، ولعلَّ أمَّه تكره خروجه ، فقال الشابُّ : أمّي أمرتني بذلك ، فبرز وهو يقول :
(378)
أمُّه رأسه وقالت : أحسنت يا بنيّ! يا سرور قلبي! ويا قرَّة عيني! ثمَّ رمت برأس ابنها رجلا فقتلته ، وأخذت عمود خيمته وحملت عليهم وهي تقول :
قال محمد بن أبي طالب : وجاء عابس بن أبي شبيب الشاكري معه شوذب مولى شاكر ، وقال : يا شوذب! ما في نفسك أن تصنع ؟ قال : ما أصنع ؟ أُقاتل حتى أُقتل ، قال : ذاك الظنُّ بك ، فتقدَّم بين يدي أبي عبدالله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك ، فإن هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه ، فإنه لا عمل بعد اليوم وإنما هو الحساب. فتقدَّم فسلَّم على الحسين ( عليه السلام ) وقال : يا أبا عبدالله! أما والله ما أمسى على وجه الأرض قريب ولا بعيد أعزُّ عليَّ ولا أحبُّ إليَّ منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشيء ، أعزَّ عليَّ من نفسي ودمي لفعلت ، السلام عليك يا أبا عبدالله! أشهد أنّي على هُداك وهُدى أبيك ، ثمَّ مضى بالسيف نحوهم. قال ربيع بن تميم : فلمَّا رأيته مقبلا عرفته ، وقد كنت شاهدته في المغازي ، وكان أشجع الناس ، فقلت : أيُّها الناس! هذا أسد الأسود ، هذا ابن أبي شبيب ، لا يخرجنَّ إليه أحد منكم ، فأخذ ينادي : ألا رجل ؟ ألا رجل ؟ فقال عمر بن سعد : ارضخوه بالحجارة من كل جنب ، فلمَّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره ، ثم شدَّ على الناس ، فوالله لقد رأيته يطرد أكثر من مائتين من الناس ، ثمّ إنّهم تعطَّفوا عليه من كل جانب ، فقُتل ، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدّة ، هذا يقول : أنا قتلته ، والآخر يقول كذلك ، فقال عمر بن سعد : لا تختصموا ، هذا لم يقتله إنسان واحد ، حتى فرَّق بينهم بهذا القول. (379)
ثمَّ جاءه عبدالله وعبد الرحمن الغفّاريّان ، فقالا : يا أبا عبدالله! السلام عليك ، جئنا لنقُتل بين يديك ، وندفع عنك ، فقال : مرحباً بكما ، ادنوا منّي ، فدنوا منه وهما يبكيان ، فقال : يا ابني أخي! ما يبكيكما ؟ فوالله إنّي لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين ، فقالا : جعلنا الله فداك ، والله ما على أنفسنا نبكي ، ولكن نبكي عليك ، نراك قد أُحيط بك ولا نقدر على أن ننفعك ، فقال : جزاكما الله ـ يا ابني أخي ـ بوجدكما من ذلك ومواساتكما إيّاي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين ، ثم استقدما وقالا : السلام عليك يا ابن رسول الله ، فقال : وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته ، فقاتلا حتى قتلا.
قال : ثمَّ خرج غلام تركيٌّ كان للحسين ( عليه السلام ) ، وكان قارئاً للقرآن ، فجعل يقاتل ، فقتل جماعة ، ثمَّ سقط صريعاً ، فجاءه الحسين ( عليه السلام ) فبكى ، ووضع خدَّه على خدِّه ، ففتح عينه فرأى الحسين ( عليه السلام ) فتبسَّم ، ثمَّ صار إلى ربِّه رضي الله عنه. قال : ثم رماهم يزيد بن زياد بن الشعثاء بثمانية أسهم ، ما أخطأ منها بخمسة أسهم ، وكان كلَّما رمى قال الحسين ( عليه السلام ) : اللهم سدِّد رميته واجعل ثوابه الجنَّة ، فحملوا عليه فقتلوه. قال الراوي : وجاء رجل فقال : أين الحسين ؟ فقال : ها أنا ذا ، قال : أبشر بالنار تردها الساعة ، قال : بل أبشر بربٍّ رحيم ، وشفيع مطاع ، من أنت ؟ قال : أنا محمد بن الأشعث ، قال : اللهم إن كان عبدك كاذباً فخذه إلى النار ، واجعله اليوم آية لأصحابه ، فما هو إلاَّ أن ثنى عنان فرسه فرمى به ، وثبتت رجله في الركاب ، فضربه حتى قطعه ، ووقعت مذاكيره في الأرض ، فوالله لقد عجبت من سرعة دعائه. ثمَّ جاء آخر فقال : أين الحسين ؟ فقال : ها أنا ذا ، قال : أبشر بالنار ، قال : أبشر بربٍّ رحيم ، وشفيع مطاع ، من أنت ؟ قال : أنا شمر بن ذي الجوشن ، قال (380)
الحسين ( عليه السلام ) : الله أكبر! قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : رأيت كأنّ كلباً أبقع يلغ في دماء أهل بيتي ، وقال الحسين : رأيت كأنّ كلاباً تنهشني ، وكأنّ فيها كلباً أبقع كان أشدَّهم عليَّ ، وهو أنت ، وكان أبرص.
وعن الترمذي : قيل للصادق ( عليه السلام ) : كم تتأخَّر الرؤيا ؟ فذكر منام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فكان التأويل بعد ستين سنة. قال محمد بن أبي طالب وغيره : وكان يأتي الحسين ( عليه السلام ) الرجل بعد الرجل فيقول : السلام عليك يا ابن رسول الله ، فيجيبه الحسين ويقول : وعليك السلام ، ونحن خلفك ، ثم يقرأ فـ « مِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ » حتى قتلوا عن آخرهم رضوان الله عليهم ، ولم يبق مع الحسين ( عليه السلام ) إلاَّ أهل بيته (1). ولله در السيد رضا الهندي عليه الرحمة إذ يقول :
قال بعض الرواة كما في بحار الأنوار : ولمَّا قتل أصحاب الحسين ( عليه السلام ) ولم يبق إلاَّ أهل بيته ـ وهم ولد عليٍّ ، وولد جعفر ، وولد عقيل ، وولد الحسن ، وولده ( عليهم السلام ) ـ 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/20 ـ 32. 2 ـ رياض المدح والرثاء : 132. (381)
اجتمعوا يودِّع بعضهم بعضاً ، وعزموا على الحرب (1).
وروى أبو الفرج في المقاتل عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ( عليهما السلام ) أنّ أوَّل قتيل قتل من ولد أبي طالب مع الحسين ابنه علي ( عليهما السلام ) (2). قالوا : ثمَّ تقدَّم عليُّ بن الحسين ( عليه السلام ) ، ورفع الحسين ( عليه السلام ) شيبته نحو السماء وقال : اللهم اشهد على هؤلاء القوم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك ، كنّا إذا اشتقنا إلى نبيِّك نظرنا إلى وجهه ، اللهم امنعهم بركات الأرض ، وفرِّقهم تفريقاً ، ومزِّقهم تمزيقاً ، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا تُرضِ الولاة عنهم أبداً ، فإنّهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا يقاتلوننا. ثمَّ صاح الحسين ( عليه السلام ) بعمر بن سعد : ما لك ؟ قطع الله رحمك! ولا بارك الله لك في أمرك ، وسلَّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك ، كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثمَّ رفع الحسين ( عليه السلام ) صوته وتلا : « إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْض وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » (3) ثم حمل علي بن الحسين على القوم ، وهو يقول :
1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/32. 2 ـ مقاتل الطالبيين ، الإصفهاني : 85. 3 ـ سورة آل عمران ، الآية : 33 ـ 34. (382)
أتقوَّى بها على الأعداء ؟ فبكى الحسين ( عليه السلام ) وقال : يا بنيَّ! يعزُّ على محمد وعلى علي ابن أبي طالب وعليَّ أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثوك ، يا بنيَّ! هاتِ لسانك ، فأخذ بلسانه فمصَّه ، ودفع إليه خاتمه وقال : أمسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوِّك ، فإني أرجو أنك لا تُـمسي حتى يسقيك جدُّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً. فرجع إلى القتال وهو يقول :
فلمَّا بلغت الروح التراقي قال رافعاً صوته : يا أبتاه! هذا جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً ، وهو يقول : العجل العجل! فإنّ لك كأساً مذخورة حتى تشربها الساعة ، فصاح الحسين ( عليه السلام ) وقال : قتل الله قوماً قتلوك ، ما أجرأهم على الرحمان وعلى رسوله ، وعلى انتهاك حرمة الرسول ، وعلى الدنيا بعدك العفا. قال حميد بن مسلم : فكأنّي أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي بالويل والثبور ، وتقول : يا حبيباه! يا ثمرة فؤاداه! يا نور عيناه! فسألت عنها فقيل : هي زينب بنت علي ( عليه السلام ) ، وجاءت وانكبَّت عليه ، فجاء الحسين فأخذ بيدها فردَّها إلى الفسطاط ، وأقبل ( عليه السلام ) بفتيانه وقال : احملوا أخاكم ، فحملوه من مصرعه ، فجاؤوا به حتى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه. قال الراوي : وشدَّ عثمان بن خالد الهمداني على عبدالرحمان بن عقيل بن أبي (383)
طالب فقتله (1).
وبرز من أهل بيته عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب ، قال محمد بن أبي طالب : فقاتل حتى قتل ثمانية وتسعين رجلا في ثلاث حملات ، ثم قتله عمرو بن صبيح الصيداوي وأسد بن مالك. وقال أبو الفرج : عبدالله بن مسلم ، أمُّه رقيَّة بنت علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قتله عمرو بن صبيح فيما ذكرناه عن المدائني وعن حميد بن مسلم ، وذكر أن السهم أصابه وهو واضع يده على جبينه ، فأثبته في راحته وجبهته ، ومحمد بن مسلم بن عقيل ، أمُّه أمُّ ولد قتله ـ فيما رويناه عن أبي جعفر محمد بن علي ( عليهما السلام ) ـ أبوجرهم الأزدي ولقيط بن إياس الجهني (2). وقال محمد بن أبي طالب وغيره : ثمَّ خرج من بعده جعفر بن عقيل فقتل خمسة عشر فارساً ، وقال ابن شهر آشوب : وقيل : قتل رجلين ثمَّ قتله بشر بن سوط الهمداني. وقالوا : ثمَّ خرج من بعده أخوه عبدالرحمان بن عقيل فقتل سبعة عشرة فارساً ، ثمَّ قتله عثمان بن خالد الجهني. وقال أبو الفرج : وعبدالله بن عقيل بن أبي طالب ، أمُّه أمُّ ولد ، وقتله عثمان بن خالد بن أشيم الجهني وبشر بن حوط القابضي ، وعبدالله الأكبر ابن عقيل ، أمُّه أمُّ ولد ، قتله ـ فيما ذكر المدائني ـ عثمان بن خالد الجهني ورجل من همدان. ثمَّ قال : ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب الأحول ، وأمُّه أمُّ ولد ، قتله لقيط بن ياسر الجهني رماه بسهم ، وذكر محمد بن علي بن حمزة أنه قُتل معه جعفر بن محمد بن عقيل. 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/42 ـ 44. 2 ـ راجع : مقاتل الطالبيين ، الإصفهاني : 66 ـ 67. (384)
وذكر أيضاً محمد بن علي بن حمزة أن علي بن عقيل ـ وأمُّه أمُّ ولد ـ قُتل يومئذ (1).
ثمَّ قالوا : وخرج من بعده محمد بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب قاتل حتى قتل عشرة أنفس ، ثمَّ قتله عامر بن نهشل التميمي. ثمَّ خرج من بعده عون بن عبدالله بن جعفر وهو يقول :
قال أبو الفرج ـ بعد ذكر قتل محمد وعون ـ : وإن عوناً قتله عبدالله بن قطنة التيهاني ، وعبيدالله بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ، ذكر يحيى بن الحسن ـ فيما أخبرني به أحمد بن سعيد عنه ـ أنه قتل مع الحسين ( عليه السلام ) بالطف (2). قالوا : ثمَّ تقدَّمت إخوة الحسين ( عليه السلام ) عازمين على أن يموتوا دونه ، فأول من خرج منهم أبو بكر بن علي ( عليه السلام ) ، واسمه عبيدالله ، وأمُّه ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربعي التميمية ، فتقدَّم وهو يرتجز :
تَفْدِيه نفسي من أخ مُبَجَّلِ
فلم يزل يقاتل حتى قتله زحر بن بدر النخعي ، وقيل : عبدالله بن عقبة الغنوي ، وذكر أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) أن رجلا من همدان قتله. 1 ـ راجع : مقاتل الطالبيين ، الإصفهاني : 65 ـ 67. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/32 ـ 34. (385)
قالوا : ثمَّ برز من بعده أخوه عمر بن علي ( عليه السلام ) وحمل على زحر قاتل أخيه فقتله ، واستقبل القوم وجعل يضرب بسيفه ضرباً منكراً ، وهو يقول :
ثمَّ برز من بعده أخوه عثمان بن علي ( عليه السلام ) ، وأمُّه أمُّ البنين بنت حزام بن خالد من بني كلاب ، وهو يقول :
وروى أبو الفرج عن عبيدالله بن الحسن وعبدالله بن العباس ، قالا : قُتل عثمان بن علي ( عليه السلام ) وهو ابن إحدى وعشرين سنة ، وقال الضحاك بإسناده : إن خولي بن يزيد رمى عثمان بن علي ( عليه السلام ) بسهم فأسقطه ، وشدَّ عليه رجل من بني أبان دارم وأخذ رأسه ، وروي عن علي ( عليه السلام ) أنه قال : إنّما سمَّيته باسم أخي عثمان بن مظعون (1). قالوا : ثمَّ برز من بعده أخوه جعفر بن علي ( عليه السلام ) ، وأمُّه أمُّ البنين أيضاً ، وهو يقول :
1 ـ مقاتل الطالبيين ، أبو الفرج الإصفهاني : 58. (386)
ثمَّ برز أخوه عبدالله بن علي ( عليه السلام ) وهو يقول :
روى أبو الفرج عن عبيدالله بن الحسن وعبدالله بن العباس ، قالا : قُتل عبدالله بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وهو ابن خمس وعشرين سنة ، ولا عقب له ، وقُتل جعفر بن علي ( عليه السلام ) وهو ابن تسع عشرة سنة. وعن ضحاك المشرقي قال : قال العباس بن علي ( عليه السلام ) لأخيه من أبيه وأمِّه عبدالله بن علي ( عليه السلام ) : تقدَّم بين يديَّ حتى أراك وأحتسبك ، فإنه لا ولد لك ، فتقدَّم بين يديه ، وشدَّ عليه هانىء بن ثبيت الحضرمي فقتله. وروي أن العباس بن علي ( عليه السلام ) قدَّم أخاه جعفراً بين يديه ، فشدَّ عليه هانىء بن ثبيت الذي قتل أخاه فقتله. وروى نصر بن مزاحم عن أبي جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) أن خولي بن يزيد الأصبحي قتل جعفر بن علي ( عليه السلام ). ثمَّ قال : ومحمد الأصغر ابن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأمُّه أمُّ ولد ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أن رجلا من تميم من بني أبان بن دارم قتله (1). قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : وفي بعض تأليفات أصحابنا أن العباس لما رأى وحدته ( عليه السلام ) أتى أخاه وقال : يا أخي هل من رخصة ؟ فبكى الحسين ( عليه السلام ) بكاء شديدا ثم قال : يا أخي أنت صاحب لوائي وإذا مضيت تفرق عسكري ! فقال العباس : قد ضاق صدري وسئمت من الحياة وأريد أن أطلب ثأري من هؤلاء المنافقين. 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/36 ـ 42. (387)
فقال الحسين ( عليه السلام ) : فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء ، فذهب العباس ووعظهم وحذرهم فلم ينفعهم فرجع إلى أخيه فأخبره فسمع الأطفال ينادون : العطش العطش ! فركب فرسه وأخذ رمحه والقربة ، وقصد نحو الفرات فأحاط به أربعة آلاف ممن كانوا موكلين بالفرات ، ورموه بالنبال فكشفهم وقتل منهم على ما روي ثمانين رجلا حتى دخل الماء.
فلما أراد أن يشرب غرفة من الماء ، ذكر عطش الحسين وأهل بيته ، فرمى الماء وملأ القربة وحملها على كتفه الأيمن ، وتوجه نحو الخيمة ، فقطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كل جانب ، فحاربهم حتى ضربه نوفل الأزرق على يده اليمنى فقطعها ، فحمل القربة على كتفه الأيسر فضربه نوفل فقطع يده اليسرى من الزند ، فحمل القربة بأسنانه فجاءه سهم فأصاب القربة وأريق ماؤها ، ثم جاءه سهم آخر فأصاب صدره ، فانقلب عن فرسه وصاح إلى أخيه الحسين : أدركني ، فلما أتاه رآه صريعا فبكى وحمله إلى الخيمة. قالوا : ولما قتل العباس قال الحسين ( عليه السلام ) : الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي (1). قال أبو الفرج ومحمد بن أبي طالب وغيرهما : ثمَّ خرج القاسم بن الحسن ( عليه السلام ) ـ وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم ، فلمَّا نظر الحسين إليه قد برز اعتنقه ، وجعلا يبكيان حتى غشي عليهما ، ثمَّ استأذن الحسين ( عليه السلام ) في المبارزة فأبى الحسين أن يأذن له ، فلم يزل الغلام يُقبِّل يديه ورجليه حتى أذن له ، فخرج ودموعه تسيل على خدّيه وهو يقول :
1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/41 ـ 42. (388)
وكان وجهه كفلقة القمر ، فقاتل قتالا شديداً حتى قتل على صغره خمسة وثلاثين رجل.
قال حميد : كنت في عسكر ابن سعد ، فكنت أنظر إلى هذا الغلام عليه قميص وإزار ، ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ، ما أنسى أنه كان اليسرى ، فقال عمرو بن سعد الأزدي : والله لأشدّنَّ عليه ، فقلت : سبحان الله! وماتريد بذلك ؟ والله لو ضربني ما بسطت إليه يدي ، يكفيه هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه ، قال : والله لأفعلنَّ ، فشدَّ عليه فما ولَّى حتى ضرب رأسه بالسيف ، ووقع الغلام لوجهه ، ونادى : يا عمَّاه! قال : فجاء الحسين كالصقر المنقضِّ ، فتخلَّل الصفوف ، وشدَّ شدَّة الليث الحرب ، فضرب عمراً قاتلَه بالسيف ، فاتّقاه بيده ، فأطنَّها من المرفق فصاح ، ثمَّ تنحَّى عنه ، وحملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمراً من الحسين ، فاستقبلته بصدورها ، وجرحته بحوافرها ، ووطأته حتى مات ، فانجلت الغبرة فإذا بالحسين قائم على رأس الغلام ، وهو يفحص برجله ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : يعزُّ ـ والله ـ على عمِّك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا يعينك ، أو يعينك فلا يغني عنك ، بعداً لقوم قتلوك. ثمَّ احتمله ، فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام يخطّان في الأرض ، وقد وضع صدره على صدره ، فقلت في نفسي : ما يصنع ؟ فجاء حتى ألقاه بين القتلى من أهل بيته ، ثمَّ قال : اللهم أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تغادر منهم أحداً ، ولا تغفر لهم أبداً ، صبراً يا بني عمومتي ، صبراً يا أهل بيتي ، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً. قال : ثمَّ خرج عبدالله بن الحسن ( عليه السلام ) الذي ذكرناه أولا ـ وهو الأصح; أنه برز بعد القاسم ـ وهو يقول : (389)
عَلَى الأعادي مِثْلُ ريح صَرْصَرَ
فقتل أربعة عشر رجلا ، ثم قتله هانىء بن ثبيت الحضرمي فاسودَّ وجهه.
قال أبو الفرج : كان أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) يذكر أن حرملة بن كاهل الأسدي قتله. ثمَّ قال : وأبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأمُّه أمُّ ولد ، وفي حديث عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أن عقبة الغنوي قتله (1). قالوا : وخرج غلامٌ وبيده عمود من تلك الأبنية ، وفي أذنيه درّتان ، وهو مذعور ، فجعل يلتفت يميمناً وشمالا ، وقرطاه يتذبذبان ، فحمل عليه هانىء بن ثبيت فقتله ، فصارت شهربانو تنظر إليه ولا تتكلَّم كالمدهوشة. ثمَّ التفت الحسين ( عليه السلام ) عن يمينه فلم ير أحداً من الرجال ، والتفت عن يساره فلم ير أحداً ، فخرج علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) ، وكان مريضاً لا يقدر أن يقلَّ سيفه ، وأمُّ كلثوم تنادي خلفه : يا بنيَّ! ارجع ، فقال : يا عمَّتاه! ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله ، فقال الحسين : يا أمَّ كلثوم! خذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) (2). قال الراوي : ولمَّا فُجع الحسين ( عليه السلام ) بأهل بيته وولده ، ولم يبق غيره وغير 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/34 ـ 36. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/32 ـ 46. (390)
النساء والذراري نادى : هل من ذابٍّ يذبُّ عن حُرم رسول الله ؟ هل من موحِّد يخاف الله فينا ؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا ؟ وارتفعت أصوات النساء بالعويل ، فتقدَّم ( عليه السلام ) إلى باب الخيمة ، فقال : ناولوني عليّاً ابني الطفل حتى أودِّعه ، فناولوه الصبيَّ.
وقال الشيخ المفيد عليه الرحمة : دعا ابنه عبدالله ، قالوا : فجعل يقبِّله وهو يقول : ويل لهؤلاء القوم إذا كان جدُّك محمد المصطفى خصمهم ، والصبيُّ في حجره ، إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه في حجر الحسين ( عليه السلام ) ، فتلقَّى الحسين دمه حتى امتلأت كفُّه ، ثمَّ رمى به إلى السماء. وقال السيِّد عليه الرحمة : ثمَّ قال : هوَّن عليَّ ما نزل بي أنه بعين الله ، قال الباقر ( عليه السلام ) : فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض. قالوا : ثمَّ قال ( عليه السلام ) : لا يكون أهون عليك من فصيل ، اللهم إن كنت حبست عنّا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا. وقال أبو الفرج : عبدالله بن الحسين ( عليه السلام ) ، وأمُّه الرباب بنت امرىء القيس قال : وحدَّثني محمد بن الحسين الأشناني بإسناده عمَّن شهد الحسين ( عليه السلام ) ، قال : كان معه ابن له صغير ، فجاء سهم فوقع في نحره ، قال : فجعل الحسين يمسح الدم من نحر لبّته فيرمي به إلى السماء فما يرجع منه شيء ، ويقول : اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل ناقة صالح (1). وفي بعض الروايات الشريفة قال ( عليه السلام ) : اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وسمع ( عليه السلام ) قائلا يقول : دعه يا حسين فإن له مُرضِعاً في الجنة ، ثم نزل ( عليه السلام ) عن فرسه ، وحفر له بجفن سيفه ودفنه مرملا بدمه 1 ـ مقاتل الطالبيين ، الإصفهاني : 59 ـ 60. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|