المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 481 ـ 495
(481)
مشيك حافي القدم  ، وكبَّرت سبعين تكبيرة ونومك في لحدها  ، وقميصك عليها  ، وقولك لها : ابنك  ، ابنك  ، لا جعفر  ، ولا عقيل.
    فقال ( صلى الله عليه وآله ) : أمَّا التأني في وضع أقدامي ورفعها في حال التشييع للجنازة فلكثرة ازدحام الملائكة  ، وأما تكبيري سبعين تكبيرة فإنها صلَّى عليها سبعون صفَّاً من الملائكة  ، وأمَّا نومي في لحدها فإنّي ذكرت في حال حياتها ضغطة القبر فقالت : واضعفاه  ، فنمت في لحدها لأجل ذلك حتى كفيتها ذلك  ، وأمَّا تكفيني لها بقميصي فإني ذكرت لها في حياتها القيامة وحشر الناس عراة فقالت : واسوأتاه  ، فكفَّنتها به لتقوم يوم القيامة مستورة  ، وأمَّا قولي لها : ابنك  ، ابنك  ، لا جعفر  ، ولا عقيل فإنها لمَّا نزل عليها الملكان وسألاها عن ربِّها فقالت : الله ربي  ، وقالا : من نبيُّك ؟ قالت : محمّد نبيّي  ، فقالا : من وليُّك وإمامك ؟ فاستحيت أن تقول : ولدي  ، فقالت لها : قولي : ابنك علي ابن أبي طالب ( عليه السلام )   ، فأقرَّ الله بذلك عينها (1).
    واعلم أيُّها الموالي ـ ثبَّتنا الله وإياك على موالاتهم والبراءة من أعدائهم ـ أن بعض الأخبار الشريفة تنصُّ على أن أهل البيت ( عليهم السلام ) حضروا بعض جنائز شيعتهم الموالين المخلصين لهم  ، فمنهم شطيطة رضي الله تعالى عنها  ، فقد روي أنها كانت امرأة مؤمنة محبّة لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، وكانت في نيسابور  ، ولمَّا بعثت شيعة نيسابور الأموال إلى الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) بعثت هي درهماً  ، وشقّة خام من غزل يدها تساوي أربعة دراهم  ، فقبل الإمام ( عليه السلام ) ما بعثته دون بقيَّة الأموال  ، وقال للحامل : أبلغ شطيطة سلامي  ، وأعطها هذه الصرّة ـ وكانت أربعين درهماً ـ ثمَّ قال : وأهديت لها شقّة من أكفاني من قطن قريتنا صيدا قرية فاطمة ( عليها السلام )   ، وغزل أختي حليمة رضي الله تعالى عنها (2)
1 ـ بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 6/241.
2 ـ مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 3/411  ، الكنى والألقاب  ، القمي : 1/267 ـ 268.


(482)
    وفي رواية ابن حمزة الطوسي عليه الرحمة في الثاقب قال : وأقامت شطيطة تسعة عشر يوماً  ، وماتت رحمها الله  ، فتزاحمت الشيعة على الصلاة عليها  ، فرأيت أبا الحسن ( عليه السلام ) على نجيب  ، فنزل عنه وأخذ بخطامه  ، ووقف يصلي عليها مع القوم  ، وحضر نزولها إلى قبرها  ، ونثر في قبرها من تراب قبر أبي عبدالله الحسين ( عليه السلام )   ، فلمَّا فرغ من أمرها ركب البعير  ، وألوى برأسه نحو البريَّة  ، وقال : عرِّف أصحابك واقرأهم عنّي السلام  ، وقل لهم : إنني ومن جرى مجراي من أهل البيت لابدَّ لنا من حضور جنائزكم في أيِّ بلد كنتم  ، فاتقوا الله في أنفسكم  ، وأحسنوا الأعمال لتعينونا على خلاصكم  ، وفكِّ رقابكم من النار.
    قال أبو جعفر : فلمَّا ولَّى ( عليه السلام ) عرَّفت الجماعة  ، فرأوه وقد بَعُدَ والنجيب يجري به  ، فكادت أنفسهم تسيل حزناً; إذ لم يتمكَّنوا من النظر إليه (1).
    ومنهم سلمان الفارسي رضوان الله تعالى عنه  ، حضره أمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، وهو خبر مشهور  ، وروي أن الخليفة المستنصر العباسي خرج يوماً إلى زيارة قبر سلمان الفارسي سلام الله عليه  ، ومعه السيّد عز الدين ابن الأقساسي  ، فقال له الخليفة في الطريق : إن من الأكاذيب ما يرويه غلاة الشيعة من مجيء علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) من المدينة إلى المدائن لمّا توفِّي سلمان  ، وتغسيله إيّاه ومراجعته في ليلته إلى المدينة  ، فأجابه ابن الأقساسي بالبديهة بقوله :
أنكرتَ ليلةَ إِذْ صار الوصيُّ وَغَسَّلَ الطُّهْرَ سَلْماناً وَعَادَ إلى وقلتَ : ذلك من قولِ الغُلاَةِ وَمَا فَآصِفٌ قَبْلَ رَدِّ الطَّرْفِ من سَبَأ فأنت في آصف لَمْ تَغْلُ فيه بلى أرضِ المدائنِ لمَّا أَنْ لَهَا طَلَبَا عِرَاصِ يَثْرِبَ والإِصباحُ مَا وَجَبَا ذَنْبُ الغُلاَةِ إذَا لَمْ يُورِدوا كَذِبا ؟ بِعَرْشِ بلقيسَ وَافَى يَخْرُقُ الحُجُبا في ( حَيْدَر ) أَنَا غَال إِنَّ ذَا عجبا

1 ـ الثاقب في المناقب  ، ابن حمزة الطوسي : 445 ـ 446.

(483)
إن كان أَحْمَدُ خَيْرَ المرسلينَ فَذَا خَيْرُ الوصيِّين أَوْ كُلُّ الحديثِ هبا (1)
    وقال الأُزري عليه الرحمة :
مَنْ تَوَلَّى تغسيلَ سَلْمَانَ إِلاَّ ليلةٌ قَدْ طَوَى بها الأَرْضَ طيّاً ذَاتُ قُدْس تَقَدَّسَتْ أسماها إِذْ نَأَتْ دَارُهُ وَشَطَّ مَدَاها (2)
    روى ابن شهر آشوب عليه الرحمة  ، عن جابر الأنصاري قال : صلَّى بنا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) صلاة الصبح  ، ثمَّ أقبل علينا فقال : معاشر الناس  ، أعظم الله أجركم في أخيكم سلمان  ، فقالوا في ذلك  ، فلبس عمامة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ودرَّاعته  ، وأخذ قضيبه وسيفه  ، وركب على العضباء  ، وقال لقنبر : عدّ عشراً  ، قال : ففعلت فإذا نحن على باب سلمان  ، قال زاذان : فلمَّا أدركت سلمان الوفاة قلت له : من المغسِّل لك ؟ قال : من غسَّل رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فقلت : إنك بالمدائن وهو بالمدينة  ، فقال : يا زاذان  ، إذا شددت لحييَّ تسمع الوجبة  ، فلمّا شددت لحييه سمعت الوجبة  ، وأدركت الباب فإذا أنا بأمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، فقال : يا زاذان  ، قضى أبو عبدالله سلمان ؟ قلت : نعم يا سيدي  ، فدخل وكشف الرداء عن وجهه  ، فتبسَّم سلمان إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال له : مرحباً يا أبا عبدالله  ، إذا لقيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقل له ما مرَّ على أخيك من قومك  ، ثمَّ أخذ في تجهيزه  ، فلمَّا صلَّى عليه كنّا نسمع من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) تكبيراً شديداً  ، وكنت رأيت معه رجلين  ، فقال : أحدهما جعفر أخي  ، والآخر الخضر ( عليهما السلام )   ، ومع كل واحد منهما سبعون صفّاً من الملائكة  ، في كلّ صف ألف ألف ملك (3).
    وجاء في رواية شاذان بن جبرئيل القمي عليه الرحمة في موت سلمان ( رضي الله عنه )
1 ـ الغدير  ، الشيخ الأميني : 5/14 ـ 15  ، مجالس المؤمنين : 212.
2 ـ الأزرية  ، الشيخ الأزري : 79 ـ 80.
3 ـ مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب 2/131  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 22/372 ح 10.


(484)
قال : قال الأصبغ بن نباتة : فبينا نحن كذلك إذ أتى رجل على بغلة شهباء متلثِّماً  ، فسلَّم علينا فرددنا السلام عليه  ، فقال : يا أصبغ  ، جدّوا في أمر سلمان  ، فأخذنا في أمره  ، فأخذ معه حنوطاً وكفناً فقال : هلمّوا  ، فإن عندي ما ينوب عنه  ، فأتيناه بماء ومغسل  ، فلم يزل يغسِّله بيده حتى فرغ  ، وكفَّنه وصلّينا عليه ودفنّاه ولحدّه بيده  ، فلمَّا فرغ من دفنه وهمَّ بالانصراف تعلَّقنا به وقلنا له : من أنت ؟ فكشف لنا عن وجهه ( عليه السلام ) فسطع النور من ثناياه كالبرق الخاطف  ، فإذا هو أمير المؤمنين  ، فقلت له : يا أمير المؤمنين  ، كيف كان مجيئك ؟ ومن أعلمك بموت سلمان ؟
    قال : فالتفت ( عليه السلام ) إليَّ وقال : آخذ عليك يا أصبغ عهد الله وميثاقه أنك لا تحدِّث بها أحداً ما دمت في دار الدنيا  ، فقلت : يا أمير المؤمنين  ، أموت قبلك ؟ فقال ( عليه السلام ) : لا يا أصبغ  ، بل يطول عمرك  ، قلت له : يا أمير المؤمنين  ، خذ عليَّ عهداً وميثاقاً ـ فإني لك سامع مطيع ـ أني لا أحدِّث به أحداً حتى يقضي الله من أمرك ما يقضي  ، وهو على كل شيء قدير.
    فقال : يا أصبغ  ، بذا عَهِد إليَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، إني قد صلّيت هذه الساعة بالكوفة  ، وقد خرجت أريد منزلي  ، فلمَّا وصلت إلى منزلي اضطجعت  ، فأتاني آت في منامي وقال : يا عليّ  ، إن سلمان قد قضى  ، فركبت بغلتي وأخذت معي ما يصلح للموتى  ، فجعلت أسير  ، فقرَّب الله لي البعيد  ، فجئت كما تراني  ، وبهذا أخبرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، ثمَّ إنه دفنه وواراه فلم أدر أصعد إلى السماء أم في الأض نزل  ، فأتى المدينة والمنادي ينادي لصلاة المغرب  ، فحضر عليٌّ عندهم في المسجد (1).
    يا أمير المؤمنين! يعزّ علينا ـ معشر المحبين ـ أن توافي سلمان من المدينة إلى المدائن  ، وتغسِّله بيدك وتحنِّطه وتكفِّنه وتدفنه  ، ويبقى ولدك الحسين طريحاً جريحاً  ، ملقىً على الرمضاء بلا غسل ولا كفن ثلاثة أيام. ولقائل أن يقول : إن لم
1 ـ الفضائل  ، شاذان بن جبرئيل القمي : 91 ـ 92.

(485)
يحضره أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقد حضره ولده السجّاد زين العابدين ( عليه السلام )   ، لكن ما غسَّله  ، ولا كفَّنه  ، ولا حنَّطه  ، بل اكتفى بدلا عن ذلك ببارية حمل عليها جسد أبيه الحسين ( عليه السلام ) (1) ولله درّ الشفهيني عليه الرحمة إذ يقول :
يَا مَنْ إِذَا عُدَّت مَنَاقِبُ غيرِهِ إنّي لأَعْذُرُ حاسديك عَلَى الذي إنْ يَحْسُدُوك على عُلاَك فإنَّما إحياؤُك الموتى وَنُطْقُكَ مُخْبِراً وَبَرَدِّكَ الشَّمْسَ المنيرةَ بَعْدَ مَا وَنُفُوذُ أَمْرِكَ في الفُرَاتِ وَقَدْ طَمَا وبليلة نَحْوَ المدائنِ قاصداً وَقَضيَّةُ الثُّعْبَانِ حين أتاكَ في فَحَلَلْتَ مُشْكِلَها فَآبَ لِعِلْمِهِ والليثُ يومَ أتاكَ حينَ دَعَوْتَ في وعلوتَ من فَوْقِ البِسَاطِ مُخَاطِباً أمُخَاطِبَ الأذْيَابِ في فَلَوَاتِها يا ليتَ في الأحياءِ شَخْصَكَ حَاضِرٌ عُرْيَانُ يكسوه الصعيدُ مَلاَبِساً مُتَوسِّداً حَرَّ الصُّخُورِ مُعَفَّراً ظَمْآنَ مَجْرُوحَ الجَوَارِحِ لم يَجِدْ وَلِصَدْرِهِ تَطَأُ الخُيُولُ وَطَالَما رجحت مَنَاقِبُه وكان الأفضلا أَوْلاَكَ ربُّك ذو الجَلاَلِ وفضَّلا مُتَسَافِلُ الدَّرَجَاتِ يَحْسُدُ مَنْ عَلا بِالغائباتِ عَذَرْتُ فيك لمن غَلاَ أَفَلَتْ وقد شَهِدَتْ بِرَجْعَتِها المَلاَ مَدّاً فأَصبحَ مَاؤُه مُسْتَسْفِلا فيها لسلمان بُعِثْتَ مُغَسِّلا إيضاحِ كَشْفِ قضيَّة لن تُعْقَلا فَرِحاً وقد فَصَّلْتَ فيها الُمجْمَلا عُسْرِ الَمخَاضِ لِعُرْسِه فَتَسَهَّلا أَهْلَ الرقيمِ فخاطبوكَ معجَّلا وَمُكلِّمَ الأمواتِ في رَمْسِ البِلَى وحسينُ مطروحٌ بعَرْصَةِ كربلا أفديه مَسْلُوبَ اللِّبَاسِ مُسَرْبَلا بِدِمَائِهِ تَرِبَ الجبينِ مُرَمَّلا مما سِوى دَمِه المبدَّدِ مَنْهَلا بسريرِهِ جبريلُ كان موكَّلا (2)

1 ـ شجرة طوبى  ، الحائري : 74.
2 ـ الغدير  ، الشيخ الأميني : 6/388 ـ 389.


(486)
    قال الشيخ بن أبي الحسن الديلمي في كتاب إرشاد القلوب : روي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه قال : الغريّ قطعة من الجبل الذي كلَّم الله عليه موسى تكليماً  ، وقدَّس عليه عيسى تقديساً  ، واتّخذ عليه إبراهيم خليلا  ، ومحمداً ( صلى الله عليه وآله ) حبيباً  ، وجعله للنبيين مسكناً.
    وروي أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) نظر إلى ظهر الكوفة فقال : ما أحسن منظرك! وأطيب قعرك! اللهم اجعل قبري بها (1).
    وروي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه قال : بين قبره والكوفة دار السلام  ، محشر أرواح المؤمنين  ، وكأني بأناس منهم على منابر من نور يتنعَّمون إلى يوم القيامة (2).
    وروى إبراهيم بن محمد الثقفي  ، عن عبدالله بن حازم قال : خرجنا يوماً مع الرشيد من الكوفة وهو يتصيَّد  ، فصرنا إلى ناحية الغريّين والثوية  ، فرأينا ظباءاً  ، فأرسلنا عليها الصقور والكلاب  ، فحاولتها ساعة ثم لجأت الظباء إلى أكمة فوقفت عليها  ، فرجعت الصقور ناحية من الأكمة  ، ورجعت الكلاب  ، فتعجَّب الرشيد.
    ثم إن الظباء هبطت من الأكمة  ، فسقطت الصقور والكلاب  ، فرجعت الظباء إلى الأكمة  ، فتراجعت عنها الكلاب والصقور  ، ففعلت ذلك ثلاثاً  ، فقال هارون : اركضوا  ، فمن لقيتموه فأتوني به  ، فأتيناه بشيخ من بني أسد  ، فقال له الرشيد : ما
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 97/232.
2 ـ وفيات الأئمة ( عليهم السلام )  ، مجموعة من علماء البحرين والقطيف : 75.


(487)
هذه الأكمة ؟ قال : إن جعلت لي الأمان أخبرتك  ، فأعطاه الأمان  ، قال : حدَّثني أبي عن آبائه أن هذه الأكمة قبر علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) جعله الله حرماً  ، لا يأوي إليه شيء إلاّ أمن (1).
    وفي ذلك يقول بعض الشعراء :
يا برقُ إن جئت الغري فقل له فيك ابنُ عمران الكليم وبعده بل فيك نورُ الله جلَّ جلاله فيك الإمام المرتضى فيك الوصي هذا ضميرُ العالمِ الموجودِ من هذي الإمامة لا يقومُ بحملِها تأبى الجبال الشم عن تقليدها هذا هو النورُ الذي عذباتهُ ما العالَمُ العلوي إلاّ تربةُ أتراك تعلم من بأرضِك مودعَ عيسى يقفيه وأحمد يتبعُ لذوي البصائر يستشفُ ويلمعُ المجتبى فيك البطينُ الأنزعُ عدم وسرُ وجودهِ المستودَعُ خلقاء هابطة وأطلس أرفعُ وتضجُ تيهاء وتشفق برقعُ كانت بغرةِ آدم تتطلعُ كانت لجثتهِ الشريفةِ موضعُ (2)
    قال الديلمي عليه الرحمة : ومن خواصّ تربته ( عليه السلام ) إسقاط عذاب القبر  ، وترك محاسبة منكر ونكير للمدفون هناك  ، كما وردت به الأخبار الصحيحة عن أهل البيت ( عليهم السلام ) (3).
    قال الشيخ محمد حسن الجواهري عليه الرحمة بعدما نقل الخبر المذكور آنفاً : وفي بالي أني سمعت من بعض مشايخي ناقلا له عن المقداد أنه قال : قد تواترت الأخبار أن الدفن في سائر مشاهد الأئمة ( عليهم السلام ) مسقط لسؤال منكر
1 ـ الغارات  ، إبراهيم بن محمد الثقفي : 2/862.
2 ـ الهاشميات والعلويات  ، قصائد الكميت وابن أبي الحديد : 136 ـ 139  ، وفيات الأئمة ( عليهم السلام ) من علماء البحرين والقطيف : 78.
3 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 97/232  ، مدينة المعاجز  ، السيد هاشم البحراني : 3/133 ح 792.


(488)
ونكير (1).
    وروى الشيخ الكليني عليه الرحمة عن حبَّة العرني قال : خرجت مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى الظهر ـ أي ظهر الكوفة ـ فوقف بوادي السلام كأنه مخاطب لأقوام  ، فقمت بقيامه حتى أعييت  ، ثمَّ جلست حتى مللت  ، ثمَّ قمت حتى نالني مثل ما نالني أولا  ، ثمَّ جلست حتى مللت  ، ثمَّ قمت وجمعت ردائي  ، فقلت : يا أمير المؤمنين  ، إني أشفقت عليك من طول القيام فراحة ساعة.
    ثمَّ طرحت الرداء ليجلس عليه  ، فقال لي : يا حبّة  ، إن هو إلاّ محادثة مؤمن أو مؤانسته  ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين  ، وإنهم لكذلك ؟ قال : نعم  ، ولو كشف لك لرأيتهم حلقاً حلقاً محتبين يتحادثون  ، فقلت : أجسام أم أرواح ؟ فقال : أرواح  ، وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلاَّ قيل لروحه : الحقي بوادي السلام  ، وإنها لبقعة من جنة عدن.
    وعن أحمد بن عمر رفعه  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قلت له : إن أخي ببغداد  ، وأخاف أن يموت بها  ، فقال : ما تبالي حيثما مات  ، أما إنّه لا يبقى مؤمن شرق الأرض وغربها إلاّ حشر الله روحه إلى وادي السلام  ، قلت له : وأين وادي السلام ؟ قال : ظهر الكوفة  ، أما إنّي كأني بهم حلق حلق قعود يتحدَّثون (2).
    قال البرسي عليه الرحمة : روى الأصبغ بن نباتة أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان يجلس للناس في نجف الكوفة  ، فقال يوماً لمن حوله : من يرى ما أرى ؟ فقالوا : وما ترى يا عين الله الناظرة في عباده ؟ فقال : أرى بعيراً يحمل جنازة  ، ورجلا يسوقه  ، ورجلا يقوده  ، وسيأتيكم بعد ثلاث  ، فلمّا كان اليوم الثالث قدم البعير والجنازة مشدودة عليه والرجلان معه  ، فسلَّم على الجماعة  ، فقال لهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعد
1 ـ جواهر الكلام  ، الجواهري : 4/346.
2 ـ الكافي  ، الكليني : 3/243 ح 1 و2.


(489)
أن حيَّاهم : من أنتم  ؟ من أنتم ؟ ومن أين أقبلتم ؟ ومن هذه الجنازة ؟ ولماذا قدمتم ؟ فقالوا : نحن من اليمن  ، وأمَّا الميِّت فأبونا  ، وإنه عند الموت أوصى إلينا فقال : إذا غسَّلتموني وكفَّنتموني وصلَّيتم عليَّ فاحملوني على بعيري هذا إلى العراق  ، وادفنوني هناك بنجف أهل الكوفة.
    فقال لهما أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : هل سألتماه لماذا ؟ فقالا : أجل قد سألناه  ، فقال : يُدفن هناك رجل لو شفع في يوم العرض في أهل الموقف لشفِّع فقام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال : صدق  ، أنا والله ذلك الرجل  ، أنا والله ذلك الرجل (1).
    وروي عن القاضي بن بدر الهمداني الكوفي ـ وكان رجلا صالحاً ـ قال : كنت في جامع الكوفة ذات ليلة  ، وكانت ليلة مطيرة  ، فدقَّ باب مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) جماعة ففتح لهم  ، وذكر بعضهم أن معهم جنازة  ، فأدخلوها وجعلوها على الصفة التي تجاه مسلم بن عقيل ( عليه السلام )   ، ثمَّ إن أحدهم نعس فرأى في منامه قائلا يقول لآخر : ما تبصره حتى نبصر هل لنا معه حساب ؟ وينبغي أن نأخذه منه عجلا قبل أن يتعدَّى الرصافة فما يبقى لنا معه طريق  ، فانتبه وحكى لهم المنام  ، فقال : خذوه عجلا  ، فأخذوه ومضوا به في الحال إلى المشهد الشريف.
    وروى جماعةٌ من صلحاء المشهد الشريف الغروي أنه رأى كل واحد من القبور التي في المشهد الشريف وظاهره قد خرج منه حبل ممتدّ متّصل بالقبّة الشريفة صلوات الله على مشرِّفها (2) ولله درّ من قال من الشعراء :
إذا مِتُّ فادفنّي مُجَاوِرَ حَيْدَر فَتَىً لاَ يَخَافُ النَّارَ مَنْ كان جَارَهُ جِوَارَ عليًّ فادفنوني فإنَّه أبي شُبَّر أَكْرِمْ به وشبيرِ وَلاَ يختشي من مُنْكَر ونكيرِ أميري وَمِنْ حَرِّ الجحيم مُجيري

1 ـ مدينة المعاجز  ، السيّد هاشم البحراني : 3/134 ـ 135 ح 793  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 97/68 ح 5.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 87/232 ـ 233.


(490)
أَأَظْمَأُ وهو العَذْبُ في كُلِّ مَوْرِد فَعَارٌ على حامي الحِمَى وهو في الحمى وَأُظْلَمُ بينَ الناسِ وهو خَفِيري إذَا ضَلَّ في البيدا عِقَالُ بَعِيرِ (1)

1 ـ وفيات الأئمة ( عليهم السلام ) : 75.

(491)
    القسم الثاني :
    جاء في زيارة الناحية المروية عن الإمام الحجة ( عليه السلام ) قال : لقد قتلوا بقتلك الإسلام  ، وعطلوا الصلاة والصيام  ، ونقضوا السنن والأحكام  ، وهدموا قواعد الإيمان  ، وحرفوا آيات القرآن  ، وهملجوا في البغي والعدوان.
    لقد أصبح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) موتورا  ، وعاد كتاب الله عزّ وجلَّ مهجورا  ، وغودر الحق إذ قُهرت مقهورا  ، وفُقد بفقدك التكبير والتهليل  ، .. إلى أن قال : وفُجعت بك أمك الزهراء  ، واختلفت جنود الملائكة المقربين  ، تعزي أباك أمير المؤمنين  ، وأُقيمت لك المآتم في أعلا عليين  ، ولطمت عليك الحور العين  ، وبكت السماء وسُكانها  ، والجنان وخزانها  ، والهضاب وأقطارها  ، والأرض وأقطارها  ،


(492)
والبحار وحيتانها  ، ومكة وبنيانها  ، والجنان وولدانها  ، والبيت والمقام  ، والمشعر الحرام  ، والحل والإحرام (1).
    روى محمد بن جرير الطبري بالإسناد عن موسى بن جعفر  ، عن أبيه  ، عن جده ( عليهم السلام ) ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري  ، وساق الحديث في خبر تزويج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وليلة الزفاف إلى أن قال : قال علي ( عليه السلام ) : فبت بليلة لم يبت أحد من العرب بمثلها  ، فلما أن كان في آخر السَحَر أحسست برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) معنا فذهبت لأنهض  ، فقال لي : مكانك يا علي أتيتك في فراشك رحمك الله. فأدخل النبي ( صلى الله عليه وآله ) رجليه معنا في الدثار  ، ثم أخذ مدرعة كانت تحت رأس فاطمة ( عليها السلام )   ، فاستيقظت فاطمة  ، فبكى وبكت  ، وبكيت لبكائهما  ، فقال لي : ما يبكيك يا علي. فقلت : فداك أبي وأمي  ، بكيت وبكت فاطمة  ، فبكيت لبكائكما ؟
    قال : نعم أتاني جبرئيل ( عليه السلام )   ، فبشرني بفرخين كريمين يكونان لك  ، ثم عزيت بأحدهما وعرفت أنه يقتل غريباً عطشانا  ، فبكت فاطمة حتى علا بكاؤها. ثم قالت : يا أبت لِمَ يقتلوه وأنت جده  ، وعلي أبوه  ، وأنا أمه ؟! قال : يا بنية  ، طلب المُلك  ، أما إنه ليعلن عليهم سيف لا يُغمد إلا على يدي المهدي من ولدك  ، يا علي  ، من أحبك وأحب ذريتك فقد أحبني  ، ومن أحبني فقد أحبه الله  ، ومن أبغضك وأبغض ذريتك لقد أبغضني  ، ومن أبغضني فقد أبغضه الله وأدخله النار (2).
    وروى الصدوق عليه الرحمة بالإسناد عن ابن عباس ـ وساق الحديث في ولادة الحسين ( عليه السلام ) إلى أن قال : فهبط جبرئيل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهنأه كما أمره الله عز وجل وعزاه  ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : تقتله أمتي ؟ قال : نعم  ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما هؤلاء بأمتي  ، أنا بريء منهم  ، والله بريء منهم قال جبرئيل : وأنا بريء منهم يا محمد.
1 ـ المزار  ، المشهدي : 505 ـ 506.
2 ـ نوادر المعجزات  ، محمد بن جرير الطبري : 95 ـ 96 ح 14  ، دلائل الإمامة  ، محمد بن جرير : 102.


(493)
    فدخل النبي ( صلى الله عليه وآله ) على فاطمة وهنأها وعزاها  ، فبكت فاطمة ( عليها السلام ) وقالت : يا ليتني لم ألده قاتل الحسين في النار  ، وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أنا أشهد بذلك يا فاطمة  ، ولكنه لا يُقتل حتى يكون منه إمام تكون منه الأئمة الهادية بعده.. قال : فسكنت فاطمة من البكاء (1).
    وروى أبو العرب محمّد بن أحمد التميمي : بإسناده عن الهيثم البكاء قال : نزل جبرئيل على النبيّ ( صلى الله عليه وآله )   ، وفاطمة في الحجرة  ، أو قال : خرجت فاطمة إلى الحجرة ومعها حسين يومئذ إلى النبيّ ( صلى الله عليه وآله )   ، وكان يشق عليه بكاؤه  ، فسرحته فحبا  ، أو مشى  ، حتى بلغ باب البيت  ، فخشيت أن يدخل عليهما فاستدنت فأخذته فسكت  ، فرجعت به إلى مكانها  ، فبكى فسرحته  ، فسكت حتى بلغ الباب فاستدنت حتى أخذته  ، فسكت فرجعت به إلى مكانها  ، فبكى فسرحته حتى بلغ الباب فاستدنت فأخذته  ، ففعلت ذلك مراراً  ، فدخل فأخذه النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) فجعله في حجره فقال له جبرئيل : أتحب ابنك يا محمّد ؟ قال : نعم  ، أما إن اُمَّتك ستقتله  ، ثم مال بجناحيه إلى أرض كربلاء  ، فقال : بأرض هذه تربتها.
    ثم صعد جبرئيل وخرج النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) من البيت وهو حامل حُسيناً على عنقه  ، وبيده القبضة وهو يبكي  ، فقالت فاطمة : ما يبكيك يا رسول الله ؟ قال : ابني تقتله اُمتي بأرض هذه تربتها  ، أخبرني به جبرئيل (2).
    وروى محمد بن سليمان الكوفي : بالإسناد عن أنس بن مالك في حديث له في خبر رؤيا فاطمة ( عليها السلام ) في المنام أن الحسن والحسين ماتا فأخبرت بذلك فاطمة أباها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : التفت النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى فاطمة ( عليها السلام ) فقال : أجزعت إذ رأيت موتهما ؟ فكيف لو رأيت الأكبر مسقيا بالسم  ، والأصغر ملطخا بدمه في قاع
1 ـ كمال الدين وإتمام النعمة  ، الصدوق : 1/283 ـ 284 ح 36  ، بحار الأنوار : 43/249 ـ 250  ، ح 24.
2 ـ كتاب المحن  ، التميمي : 152.


(494)
من الأرض يتناوبه السباع ؟!
    قال : فبكت فاطمة وبكى علي وبكى الحسن والحسين فقالت فاطمة صلوات الله عليها : يا أبتا أكفار يفعلون ذلك أم منافقون ؟ قال : بل منافقوا هذه الأمة  ، ويزعمون أنهم مؤمنون!!! قالت : يا أبتا فلا ندعو الله عليهم ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : بلى.
    فقام في القبلة وقام علي والحسن والحسين وقامت فاطمة خلفهم ثم قنت بهم وقال في دعائه : اللهم اخذل الفراعنة والقاسطين والمارقين والناكثين  ، ثم اجمعهم جميعا في عذابك الأليم  ، ثم أنزل الله : « وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى » (1) (2).
    وفي جاء الخبر الذي رواه سعد بن عبدالله عن القائم ( عليه السلام ) أن زكريا قال : وإذا ذكرت الحسين ( عليه السلام ) تدمع عيني وتثور زفرتي  ، فأخبره الله تعالى بقصة الحسين ( عليه السلام ) ومصيبته فلما علم بذلك ( لم يفارق مسجده ثلاثة أيام  ، ومنع فيهن الناس من الدخول عليه  ، وأقبل على البكاء والنحيب وكان يرثيه : إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده ؟ إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ؟ إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة ؟ إلهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما ) (3).
    ويقول الشيخ عبد الحسين الأعسم رحمه الله تعالى في مصيبة الحسين ( عليه السلام ) :
مصابٌ له السبعُ السماواتِ أسبلتْ وهل كيفَ لا يشجي السماواتِ قَتْلُ مَن وقطَّعَ أحشائي انقطاعُ كرائم دموعَ دم والجنُّ بالنّوحِ تهتفُ بخدمتهِ أملاكُها تتشرَّفُ لأحمدَ يستعطِفْنَ مَن ليسَ يعطِفُ

1 ـ سورة الضحى  ، الآية : 5.
2 ـ مناقب أمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، الكوفي : 2/278 ـ 280 ح 746.
3 ـ الإحتجاج  ، الطبرسي : 2/272 ـ 273  ، كمال الدين وتمام النعمة  ، الصدوق : 461.


(495)
وجفَّتْ منَ العينِ الدموعُ وإن بكتْ برغم العلى تُسبى بنات مُحمّد بنفسي من استجلى لهُ الرمحُ طلعةً أحاملَ ذاكَ الرأسِ قُل لي برأسِ مَن فما هي إلاَّ من دَمِ القَلْبِ تَرْعُفُ على هُزّل يحدو بها البيدَ مُعنِفُ كبدرِ الدجى بل تلكَ أبهى وأشرفُ تَمَايلَ هذا السَمْهَريّ المُثقَّفُ (1)

    جاء وجاء في بعض زيارات الأئمة ( عليهم السلام ) : يا مواليَّ  ، فلو عاينكم المصطفى  ، وسهام الأمة معرقة في أكبادكم  ، ورماحهم مشرعة في نحوركم  ، وسيوفها مولغة في دمائكم  ، يشفي أبناء العواهر غليلَ الفُسقِ من ورعكم  ، وغيظ الكفر من إيمانكم  ، وأنتم بين صريع في المحراب قد فلق السيف هامته  ، وشهيد فوق الجنازة قد شكَّت بالسهام أكفانه  ، وقتيل بالعراء قد رُفع فوق القناة رأسه  ، ومكبَّل في السجن رُضَّت بالحديد أعضاؤه  ، ومسموم قد قُطِّعت بجرع السمّ أمعاؤه  ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون  ، ولا حول ولا قوّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم.
    وقال بعض الشعراء يرثي الحسين ( عليه السلام ) :
لَقَدْ هَدَّ جِسْمي رُزْءُ آلِ محمَّد وأبكت جُفُوني بالفُرَاتِ مَصَارِعٌ عِظَامٌ بأَكْنَافِ الفُرَاتِ زكيَّةٌ فكم حُرَّة مسبيَّة فاطميَّة وتلك الرزايا والخُطُوبُ عِظَامُ لآلِ النبيِّ المصطفى وَعِظَامُ لَهُنَّ علينا حُرْمَةٌ وَذِمَامُ وكم من كريم قد عَلاَه حُسَامُ

1 ـ رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 352.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس