|
|||||||||||||||||||||||||||
(496)
وروى الخوارزمي بإسناده عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لو أن الرياض أقلام ، والبحر مداد ، والجنّ حُسَّاب ، والإنس كُتَّاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب (3). وفي الأمالي للشيخ الصدوق عليه الرحمة : روي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جاءه رجل فقال : يا رسول الله ، أما رأيت فلاناً ركب البحر ببضاعة يسيرة ، وخرج إلى 1 ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 14/260. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 38/196. 3 ـ المناقب ، الخوارزمي : 32 ح 1. (497)
الصين فأسرع الكرَّة ، وأعظم الغنيمة حتى قد حسده أهل ودّه ، وأوسع قراباته وجيرانه ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن مال الدنيا كلّما ازداد كثرة وعظماً ازداد صاحبه بلاء ، فلا تغتبطوا أصحاب الأموال إلاَّ بمن جاد بماله في سبيل الله ، ولكن ألا أخبركم بمن هو أقلّ من صاحبكم بضاعة ، وأسرع منه كرّة ، وأعظم منه غنيمة ، وما أعدَّ له من الخيرات محفوظ له في خزائن عرش الرحمان ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : انظروا إلى هذا المقبل إليكم ، فنظرنا فإذا رجل من الأنصار رثّ الهيئة ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن هذا لقد صعد له في هذا اليوم إلى العلوّ من الخيرات والطاعات ما لو قسم على جميع أهل السماوات والأرض لكان نصيب أقلّهم منهم غفران ذنوبه ووجوب الجنة له ، قالوا : بماذا يا رسول الله ؟ فقال : سلوه يخبركم عمَّا صنع في هذا اليوم.
فأقبل عليه أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقالوا له : هنيئاً لك ما بشَّرك به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فماذا صنعت في يومك هذا حتى كُتب لك ما كُتب ؟ فقال الرجل : ما أعلم أني صنعت شيئاً غير أني خرجت من بيتي ، وأردت حاجة كنت أبطأت عنها ، فخشيت أن تكون فاتتني ، فقلت في نفسي : لأعتاضنَّ منها بالنظر إلى وجه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فقد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : النظر إلى وجه عليٍّ عبادة ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إي والله ، عبادة وأيُّ عبادة ، إنك ـ يا عبدالله ـ ذهبت تبتغي أن تكتسب ديناراً لقوت عيالك ففاتك ذلك ، فاعتضت منه بالنظر إلى وجه عليٍّ ، وأنت له محبّ ، ولفضله معتقد ، وذلك خير لك من أن لو كانت الدنيا كلّها لك ذهبة حمراء فأنفقتها في سبيل الله ، ولتشفعن بعدد كل نفس تنفَّسته في مصيرك إليه في ألف رقبة ، يعتقهم الله من النار بشفاعتك (1). وعن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) 1 ـ الأمالي ، الصدوق : 444 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 38/199. (498)
يقول : ما قوم اجتمعوا يذكرون فضل علي بن أبي طالب إلاَّ هبطت عليهم ملائكة السماء حتى تحفَّ بهم ، فإذا تفرَّقوا عرجت الملائكة إلى السماء ، فيقول لهم الملائكة : إنا نشمُّ من رائحتكم ما لا نشمُّه من الملائكة ، فلم نر رائحة أطيب منها ، فيقولون : كنّا عند قوم يذكرون محمداً وأهل بيته ، فعلق فينا من ريحهم فتعطَّرنا ، فيقولون : اهبطوا بنا إليهم ، فيقولون : تفرَّقوا ومضى كل واحد منهم إلى منزله ، فيقولون : اهبطوا بنا حتى نتعطَّر بذلك المكان.
وعن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : زيِّنوا مجالسكم بذكر علي ابن أبي طالب ، ومن مناقب ابن المغازلي عن عائشة قالت : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ذكر عليٍّ عبادة (1). وروي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال : إن الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا ، واختار لنا شيعة ينصروننا ، ويفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ، أولئك منّا وإلينا (2). وفي الكافي عن عبّاد بن كثير ، قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : إني مررت بقاصّ يقصُّ وهو يقول : هذا المجلس الذي لا يشقى به جليس ، قال : فقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : هيهات هيهات ، أخطأت أستاههم الحفرة ، إن لله ملائكة سيَّاحين سوى الكرام الكاتبين ، فإذا مرّوا بقوم يذكرون محمداً وآل محمد ( عليهم السلام ) فقالوا : قفوا فقد أصبتم حاجتكم ، فيجلسون فيتفقَّهون معهم ، فإذا قاموا عادوا مرضاهم ، وشهدوا جنائزهم ، وتعاهدوا غائبهم ، فذلك المجلس الذي لا يشقى به جليس. وعن علي بن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : شيعتنا الرحماء بينهم ، الذين إذا خلوا ذكروا الله ، إنّا إذا ذُكرنا ذُكر الله ، وإذا ذُكر عدوُّنا ذُكر 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 38/199. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/287 ح 26 عن الخصال. (499)
الشيطان.
وعن يزيد بن عبد الملك ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : تزاوروا فإن في زيارتكم إحياءً لقلوبكم ، وذكراً لأحاديثنا ، وأحاديثنا تعطِّف بعضكم على بعض ، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم ، وإن تركتموها ضللتم وهلكتم ، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم. وعن المستورد النخعي ، عمّن رواه ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إن من الملائكة الذين في السماء ليطّلعون إلى الواحد والاثنين والثلاثة وهم يذكرون فضل آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، قال : فتقول : أما ترون إلى هؤلاء في قلّتهم وكثرة عدوِّهم يصفون فضل آل محمد ؟ قال : فتقول الطائفة الأخرى من الملائكة : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم. وعن ميسر ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال لي : أتخلون وتتحدَّثون وتقولون ما شئتم ؟ فقلت : إي والله ، إنّا لنخلو ونتحدَّث ونقول ما شئنا ، فقال : أما والله لوددت أنّي معكم في بعض تلك المواطن ، أما والله إني لأحبُّ ريحكم وأرواحكم ، وإنكم على دين الله ودين ملائكته ، فأعينوا بورع واجتهاد. وعن أبي المغرا قال : سمعت أبا الحسن ( عليه السلام ) يقول : ليس شيء أنكى لإبليس وجنوده من زيارة الإخوان في الله بعضهم لبعض ، وقال : وإن المؤمنيَنِ يلتقيان فيذكران الله ، ثمَّ يذكران فضلنا أهل البيت ، فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحم إلاّ تخدَّد ، حتى إن روحه لتستغيث من شدّة ما تجد من الألم ، فتحسّ ملائكة السماء وخزّان الجنان فيلعنونه ، حتى لا يبقى ملك مقرَّب إلاَّ لعنه ، فيقع خاسئاً حسيراً مدحوراً (1). وعن علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه قال : قال الرضا ( عليه السلام ) : من تذكَّر 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 71/258 ـ 263. (500)
مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون ، ومن جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.
وعن بكر بن محمد ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : سمعته يقول لخيثمة : يا خيثمة ، أقرأ موالينا السلام ، وأوصهم بتقوى الله العظيم عزَّ وجلَّ ، وأن يشهد أحياؤهم جنائز موتاهم ، وأن يتلاقوا في بيوتهم ، فإن لقياهم حياة أمرنا ، قال : ثمَّ رفع يده ( عليه السلام ) فقال : رحم الله امرءاً أحيى أمرنا. وعن المفيد ، عن جميل بن درّاج ، عن معتب مولى أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سمعته يقول لداود بن سرحان : يا داود ، أبلغ مواليَّ عنّي السلام ، وأني أقول : رحم الله عبداً اجتمع مع آخر فتذاكر أمرنا ، فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما ، وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلاَّ باهى الله تعالى بهما الملائكة ، فإذا اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر ، فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءنا ، وخير الناس مِنْ بعدنا مَنْ ذَاكرَ بأمرنا ودعا إلى ذكرنا. وروي عن الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : تلاقوا وتحادثوا العلم ، فإن بالحديث تجلى القلوب الرائنة ، وبالحديث إحياءُ أمرنا ، فرحم الله من أحيى أمرنا (1). وعن الهروي قال : سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) يقول : رحم الله عبداً أحيى أمرنا ، فقلت له : وكيف يحيي أمركم ؟ قال : يتعلَّم علومنا ويعلِّمها الناس ، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا ، قال : قلت : يا ابن رسول الله ، فقد روي لنا عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنه قال : من تعلَّم علماً ليماري به السفهاء ، أو يباهي به العلماء ، أو ليقبل بوجوه الناس إليه فهو في النار. فقال ( عليه السلام ) : صدق جدّي ( عليه السلام ) ، أفتدري من السفهاء ؟ فقلت : لا يا ابن رسول الله ، قال : هم قصّاص مخالفينا ، وتدري من العلماء ؟ فقلت : لا يا ابن رسول الله ، 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 1/200 ـ 202. (501)
فقال : هم علماء آل محمد ( عليهم السلام ) ، الذين فرض الله طاعتهم وأوجب مودّتهم ، ثمَّ قال : وتدري ما معنى قوله : أو ليقبل بوجوه الناس إليه ؟ قلت : لا ، قال : يعني والله بذلك ادّعاء الإمامة بغير حقّها ، ومن فعل ذلك فهو في النار (1).
وعن خيثمة الجعفي قال : دخلت على الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) وأنا أريد الشخوص فقال : أبلغ موالينا السلام ، وأوصهم بتقوى الله ، وأن يعود غنيُّهم فقيرَهم ، وقويُّهم ضعيفَهم ، وأن يعود صحيحُهم مريضَهم ، وأن يشهد حيُّهم جنازةَ ميِّتهم ، وأن يتلاقوا في بيوتهم ، وإن لقاء بعضِهم بعضاً حياة لأمرنا ، رحم الله عبداً أحيى أمرنا ، يا خيثمة! إنّا لا نُغني عنكم من الله شيئاً إلاَّ بالعمل ، إن ولايتنا لا تنال إلاَّ بالورع ، وإن أشدَّ الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثمَّ خالفه إلى غيره (2). وعن الأزدي ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قال لفضيل : تجلسون وتحدَّثون ؟ قال : نعم جعلت فداك ، قال : إن تلك المجالس أحبُّها فأحيوا أمرنا يا فضيل! فرحم الله من أحيى أمرنا ، يا فضيل! من ذكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر (3). ولله درّ من قال :
1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 2/30. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 68/187 عن بشارة المصطفى ( صلى الله عليه وآله ). 3 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/282 ح 14. (502)
وما يجري عليه من المحن بكت فاطمة بكاء شديداً ، وقالت : يا أبتِ! متى يكون ذلك ؟ قال : في زمان خال منّي ومنك ومن علي ، فاشتدَّ بكاؤها وقالت : يا أبت! فمن يبكي عليه ؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له ؟ فقال النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) : يا فاطمة! إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي ، ويجدِّدون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة ، فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء وأنا أشفع للرجال ، وكل من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنّة ، يا فاطمة! كل عين باكية يوم القيامة إلاَّ عين بكت على مصاب الحسين ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة (1).
ولله درّ السيد جعفر الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/292 ح 37. 2 ـ رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 232. 3 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/280 ح 9 عن أمالي المفيد عليه الرحمة. (503)
أخرى قال ( عليه السلام ) : إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ، ما خلا البكاء على الحسين بن علي ( عليهما السلام ) فإنه فيه مأجور (1).
وعن إبراهيم بن أبي محمود قال : قال الرضا ( عليه السلام ) : إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلَّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء ، أورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإن البكاء عليه يحطُّ الذنوب العظام (2). وعن الريّان بن شبيب قال : دخلت على الرضا ( عليه السلام ) في أوّل يوم من المحرَّم ، فقال لي : يا ابن شبيب! أصائم أنت ؟ فقلت : لا ، فقال : إن هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا ربَّه عزَّ وجلَّ فقال : « رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ » فاستجاب الله له ، وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلّي في المحراب أن الله يبشِّرك بيحيى ، فمن صام هذا اليوم ثمَّ دعا الله عزَّ وجلَّ استجاب الله له كما استجاب لزكريا ( عليه السلام ). ثمَّ قال : يا ابن شبيب! إن المحرَّم هو الشهر الذي كان أهل الجاهليّة فيما مضى يحرِّمون فيه الظلم والقتال لحرمته ، فما عرفت هذه الأمّة حرمة شهرها ، ولا حرمة نبيِّها ، لقد قتلوا في هذا الشهر ذرّيّته ، وسبوا نساءه ، وانتهبوا ثقله ، فلا غفر الله لهم ذلك أبداً ، يا ابن شبيب! إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام ) فإنه ذبح كما يذبح الكبش ، وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ، ما لهم في الأرض شبيهون ، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله ، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره ، فوجدوه قد قُتل ، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم ، فيكونون من أنصاره ، وشعارهم : يا لثارات 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/291 ح 32 عن كامل الزيارات. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/283 ح 17. (504)
الحسين.
يا ابن شبيب! لقد حدَّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه أنه لما قُتل جدّي الحسين أمطرت السماء دماً وتراباً أحمر ، يا ابن شبيب! إن بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خدّيك غفر الله لك كلَّ ذنب أذنبته صغيراً كان أو كبيراً ، قليلا كان أو كثيراً. يا ابن شبيب! إن سرَّك أن تلقى الله عزَّ وجلَّ ولا ذنب عليك فزر الحسين ( عليه السلام ) ، يا ابن شبيب ، إن سرَّك أن تسكن الغرف المبنيَّة في الجنّة مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) فالعن قتلة الحسين! يا ابن شبيب إن سرَّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين فقل متى ما ذكرته : يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً ، يا ابن شبيب! إن سرَّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا ، وافرح لفرحنا ، وعليك بولايتنا ، فلو أنّ رجلا تولَّى حجراً لحشره الله معه يوم القيامة (1). ولله درّ الحجة المقدس العابد الزاهد الشيخ عبدالله بن معتوق التاروتي عليه الرحمة إذ يقول في وحدة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وغربته :
1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/285 ح 23 عن عيون أخبار الإمام الرضا ( عليه السلام ) : 2/268 ح 58. (505)
جاء في بعض زيارات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) : فهل المحن يا ساداتي إلاَّ التي لزمتكم ، والمصائب إلاَّ التي عمَّتكم ، والفجائع إلاَّ التي خصَّتكم ، والقوارع إلاَّ التي طرقتكم ، صلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وأجسامكم ورحمة الله وبركاته ، بأبي وأمي يا آل المصطفى ، إنّا لا نملك إلاَّ أن نطوفَ حولَ مشاهِدكم ، ونُعزّي فيها أرواحَكم ، على هذه المصائب العظيمة الحالّة بفنائكم ، والرزايا الجليلة النازلة بساحتكم ، التي أثبتت في قلوب شيعتِكم القروح ، وأورثت أكبادَهم الجروح ، وزرعت في صدورِهم الغُصص ، فنحن نُشهِدُ الله أنّا قد شاركنا أولياءَكم وأنصارَكم المتقدِّمين ، في إراقة دماء الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقتلة أبي عبدالله سيِّد شباب أهل الجنة يوم كربلاء ، بالنيَّات والقلوب ، والتأسُّف على فوت تلك المواقف ، التي حضروا لنصرتكم ، والله وليّي يُبلِّغكم منّي السلام (2).
1 ـ رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 510. 2 ـ المزار ، محمد بن المشهدي : 299. (506)
المطلب أسد الله وأسد رسوله ، وبعده يوم مؤتة ، قُتل فيه ابن عمِّه جعفر بن أبي طالب ، ثمَّ قال ( عليه السلام ) : ولا يوم كيوم الحسين صلى الله عليه ، ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمّة ، كلٌّ يتقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ بدمه ، وهو بالله يذكِّرهم فلا يتعظون ، حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً (1).
وعن عبدالله بن الفضل قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : يا ابن رسول الله! كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغمّ وجزع وبكاء دون اليوم الذي قبض فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ واليوم الذي ماتت فيه فاطمة ( عليها السلام ) ؟ واليوم الذي قتل فيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ؟ واليوم الذي قتل فيه الحسن ( عليه السلام ) بالسمّ ؟ فقال : إن يوم قتل الحسين ( عليه السلام ) أعظم مصيبة من جميع سائر الأيام ، وذلك أن أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على الله كانوا خمسة ، فلما مضى عنهم النبيُّ بقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، فكان فيهم للناس عزاء وسلوة ، فلمَّا مضت فاطمة ( عليها السلام ) كان في أمير المؤمنين والحسن والحسين ( عليهم السلام ) للناس عزاء وسلوة ، فلمَّا مضى عنهم أمير المؤمنين كان للناس في الحسن والحسين ( عليهما السلام ) عزاء وسلوة ، فلمَّا مضى الحسن ( عليه السلام ) كان للناس في الحسين عزاء وسلوة. فلمَّا قتل الحسين صلى الله عليه لم يكن بقي من أصحاب الكساء أحد الناس فيه بعده عزاء وسلوة ، فكان ذهابه كذهاب جميعهم ، كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم ، فلذلك صار يومه أعظم الأيام مصيبة. قال عبدالله بن الفضل الهاشمي : فقلت له : يا ابن رسول الله! فلِمَ لمْ يكن للناس في علي بن الحسين ( عليهما السلام ) عزاءٌ وسلوة ، مثلَ ما كان لهم في آبائه ( عليهم السلام ) ؟ فقال : بلى ، إن علي بن الحسين كان سيِّد العابدين ، وإماماً وحجَّة على الخلق بعد آبائه الماضين ، ولكنّه لم يلقَ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولم يسمع منه ، وكان علمه وراثة عن أبيه 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 22/274. (507)
عن جدّه عن النبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) ، وكان أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) قد شاهدهم الناس مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أحوال تتوالى ، فكانوا متى نظروا إلى أحد منهم تذكَّروا حاله من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) له وفيه : فلمَّا مضوا فَقدَ الناس مشاهدةَ الأكرمين على الله عزَّ وجلَّ ، ولم يكن في أحد منهم فَقدَ جَميعهِم إلاَّ في فَقدِ الحسين ( عليه السلام ) لأنّه مضى في آخرهم ، فلذلك صار يومه أعظمَ الأيامِ مصيبةً.
قال عبدالله بن الفضل الهاشمي : فقلت له : يا ابن رسول الله! فكيف سمَّت العامة يوم عاشوراء يوم بركة ؟ فبكى ( عليه السلام ) ثمَّ قال : لما قُتل الحسين ( عليه السلام ) تقرَّب الناس بالشام إلى يزيد ، فوضعوا له الأخبار ، وأخذوا عليها الجوائز من الأموال ، فكان مما وضعوا له أمر هذا اليوم ، وأنّه يوم بركة ، ليعدل الناس فيه من الجزع والبكاء والمصيبة والحزن ، إلى الفرح والسرور والتبرُّك والاستعداد فيه ، حكم الله بيننا وبينهم (1). ولله درّ السيد محمد حسين القزويني عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/269. 2 ـ مثير الأحزان ، الجواهري : 114. (508)
حين قتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) وادّعي زياد ، وقُتلَ حجرُ بن عدي (1).
وعن أبي بصير ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : ما من شهيد إلاَّ وهو يحبُّ لو أن الحسين بن علي ( عليهما السلام ) حيٌّ حتى يدخلون الجنة معه (2). روى البلاذري قال : لمّا قتل الحسين ( عليه السلام ) كتب عبدالله بن عمر إلى يزيد بن معاوية : أمَّا بعد ، فقد عظمت الرزيَّة ، وجلَّت المصيبة ، وحدث في الإسلام حدث عظيم ، ولا يوم كيوم الحسين ، فكتب إليه يزيد : أمَّا بعد يا أحمق ، فإننا جئنا إلى بيوت منجَّدة ، وفرش ممهَّدة ، ووسائد منضَّدة ، فقاتلنا عنها ، فإن يكن الحقّ لنا فعن حقَّنا قاتلنا ، وإن كان الحقّ لغيرنا فأبوك أولُ من سنَّ هذا ، وابتزَّ واستأثر بالحق على أهله (3). وهو ( عليه السلام ) قتيل العبرة ، فهو عبرة كلّ مؤمن ومؤمنة ، روي عن ابن خارجة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قال الحسين بن علي : أنا قتيل العبرة ، قتلت مكروباً ، وحقيق على الله أن لا يأتيني مكروب قط إلاَّ ردَّه الله أو أقلبه إلى أهله مسروراً (4). وعن أبي يحيى الحذَّاء ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : نظر أمير المؤمنين إلى الحسين ( عليهما السلام ) فقال : يا عبرة كل مؤمن ، فقال : أنا يا أبتاه ؟ فقال : نعم يا بنيَّ (5) ، وعن أبي بصير ، عن الصادق ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال أبو عبدالله الحسين بن علي ( عليهما السلام ) : أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلاَّ استعبر (6). وعن الحسن بن أبي فاختة قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : إني أذكر الحسين 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/271. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/298. 3 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/328. 4 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/279. 5 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/280 6 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/284. (509)
ابن علي ( عليهما السلام ) فأيَّ شيء أقول إذا ذكرته ؟ فقال : قل : صلَّى الله عليك يا أبا عبدالله ، تكرِّرها ثلاثاً.. (1).
وعن داود الرِّقّي قال : كنت عند أبي عبدالله ( عليه السلام ) إذا استسقى الماء ، فلمَّا شربه رأيته قد استعبر ، واغرورقت عيناه بدموعه ، ثمَّ قال لي : يا داود! لعن الله قاتل الحسين ( عليه السلام ) ، فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين ولعن قاتله إلاَّ كتب الله له مائة ألف حسنة ، وحطَّ عنه مائة ألف سيئة ، ورفع له مائة ألف درجة ، وكأنما أعتق مائة ألف نسمة ، وحشره الله يوم القيامة ثلج الفؤاد (2). عظَّم الله أجوركم أيُّها المؤمنون ، وأحسن الله لكم العزاء في مصيبة إمامنا الحسين ( عليه السلام ) التي تتفطَّر لها القلوب ، وتتصدع لها النفوس ، قال ابن الدمشقي ـ في فظاعة مقتل الحسين ( عليه السلام ) ومصيبته ـ : وبالجملة والتفصيل فما وقع في الإسلام قضيةٌ أفظعَ منها ، وهي ما ينبو الأسماع عنها ، وتتفطَّرُ القلوبُ عند ذكرِها حُزناً وأسىً وتأسُّفاً ، وتنهلُّ لها المدامع ، كالسحب الهوامع ، هذا والعهد بالنبيِّ قريب ، وروض الإيمان خصيب ، وغصن دوحته غضّ جديد ، وظلُّه وافرٌ مديد ، ولكنَّ الله يفعل ما يريد. وما أظن أن من استحلَّ ذلك ، وسلك مع أهل النبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) هذه المسالك ، شمَّ ريحة الإسلام ، ولا آمن بمحمَّد عليه وآله الصلاة والسلام ، ولا خالطَ الإيمانُ بشاشةَ قلبه ، ولا آمن طرفَة عين بربِّه ، والقيامة تجمعهم ، وإلى ربِّهم مرجعهُم.
1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/301. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/304. 3 ـ سورة سباء ، الآية : 20. (510)
فبكى وقال : سبحان الله! غاية ما كان طَمَعُه فيما قال : « فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الاَْنْعَامِ » (1) جاوزوا والله الحدَّ الذي طمع فيه!!
وأين هذا من مطمع الشيطان ، وغاية أمله بتبكيت آذان الأنعام ؟ هذا مع قرب العهد ، وسماع كلام ربّ الأرباب : « قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى » (2) ستروا والله عقائدهم في عصره مخافة السيف ، فلمَّا صار الأمر إليهم كشفوا عن قناع البغي والحيف « سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ » (3) (4). وقال القلقشندي في صبح الأعشى : ويعدُّون ـ أي الشيعة ـ من العظائم فعل شمر بن ذي الجوشن ، وهو الذي احتزَّ رأس الحسين ( عليه السلام ) ، وأنّ من ساعده على ذلك مرتكب أعظمَ محظورات بأشدّ بلية ، وحقيقٌ ذلك أن يستعظموه ، فأيُّ جريمة أعظم من قتل سبط رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (5). قال دعبل بن علي الخزاعي ـ يحثُ صاحب المصيبة على التسلّي بمصائب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) وما جرى عليهم : 1 ـ سورة النساء ، الآية : 119. 2 ـ سورة الشورى ، الآية : 23. 3 ـ سورة الأنعام ، الآية : 139. 4 ـ جواهر المطالب ، ابن الدمشقي : 2/311 ـ 313. 5 ـ صبح الأعشى : 13/234. |
|||||||||||||||||||||||||||
|