المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 511 ـ 525
(511)
تَعَزَّ فَكَمْ لك من سلوة بموتِ النبيِّ وَقَتْلِ الوصيِّ تُفرِّجُ عنك غليلَ الحَزَنْ وَقَتْلِ الحسينِ وَسَمِّ الحَسَنْ (1)
    وزاد بعضهم :
وَجَرِّ الوصيِّ وَغَصْبِ التُّرَاثِ وَهَدْمِ المَنَارِ وَبَيْتِ الإِلَهِ وَأَخْذِ الحُقُوقِ وَكَشْفِ الإِحَنْ وَحَرْقِ الكِتَابِ وَتَرْكِ السُّنَنْ
    وقال دعبل الخزاعي أيضاً :
مِحَنُ الزمانِ سَحَائبٌ مُتَرَاكِمَه فإذا الهُمُومُ تَراكَبَتْكَ فَسَلِّها هي بالفَوَادِحِ فَالفَوَاجِعِ سَاهِمَه بمُصَابِ أولادِ البتولةِ فَاطِمَه (2)
    وقال بعضهم :
إذا ذَكَرَ القَلْبُ رَهْطَ النبيِّ وَذَبْحَ الصبيِّ وَقَتْلَ الوصيِّ تَرَقْرَقَ في العينِ مَاءُ الفُؤَادِ فَيَا قَلْبُ صبراً على حُزْنِهِمْ وَسَبْيَ النِّسَاءِ وَهَتْكَ السُّتُرْ وَقَتْلَ الشبيرِ وَسَمَّ الشُّبَرْ وتجري على الخَدِّ منه الدُّرَرْ فَعِنْدَ البَلاَيا تكونُ العِبَرْ
    ويقول عبيدالله بن عبدالله بن طاهر :
إذَا مَا المَرْءُ لم يَعْطَ مُنَاهُ ففي آلِ الرَّسُولِ له عَزَاءٌ وَأَضْنَاهُ التفكُّرُ والنُّحُولُ وَمَا لاَقَتْهُ فاطمةُ البتولُ (3)
    وقال بعضهم :
أَنْسَتْ رَزِيَّتُكُمْ رَزَيَانَا التي وَفَجَائعُ الأَيَّامِ تبقى مُدَّةً سَلَفَتْ وهوَّنت الرزايا الآتيه وتزولُ وَهِيَ إلى القِيَامةِ باقيه

1 ـ الغدير  ، الأميني : 11/11  ، درر السمط في خبر السبط  ، ابن الأبار : 90  ، مروج الذهب  ، المسعودي : 3/6.
2 ـ روضة الواعظين  ، الفتال النيسابوري : 169.
3 ـ مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 2/52.


(512)
    وقال آخر :
كُلُّ الرزايا دُوْنَ وَقْعَةِ كربلا تُنْسَى وَإِنْ عَظُمَت تهونُ عِظَامُها
    ويقول الشيخ يوسف أبو ذيب الخطي عليه الرحمة :
وَإِذَا تَعَاوَرَكَ الزَّمَانُ فَاذْكُرْ مُصِيبَتَهُمْ بِعَرْ وَهَاجَ نَحْوَكَ بالنَّوَائِبْ صَةِ كَرْبَلا تَنْسَى الْمَصَائِبْ (1)

    فعلى الأطائب من أهل بيت محمّد وعلي صلَّى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون  ، وإيَّاهم فليندب النادبون  ، ولمثلهم فلتذرف الدموع  ، وليصرخ الصارخون  ، ويضجَّ الضاجون  ، ويعجَّ العاجون  ، أين الحسن وأين الحسين  ، أين أبناء الحسين  ، صالح بعد صالح  ، وصادق بعد صادق  ، أين السبيل بعد السبيل  ، أين الخيرة بعد الخيرة  ، أين الشموس الطالعة  ، أين الأقمار المنيرة  ، أين الأنجم الزاهرة  ، أين أعلام الدين وقواعد العلم (2).
    فلم ترعَ هذه الأمّة حقّاً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حفظ عترته وأهل بيته ( عليهم السلام ) ، وما فعلته هذه الأمّة في حقّ أبناء وذرّيّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم تفعله أيُّ أمّة من الأمم السالفة  ، فقد كان أولاد الأنبياء وذراريهم عند الأمم السالفة معزَّزين مكرَّمين  ، وأمَّا ذرّيّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فتركتهم هذه الأمّة بين قتيل ومسموم ومقهور قد شرِّد
1 ـ شعراء القطيف  ، الشيخ علي المرهون  ، القسم الأول : 39  ، وقد نسبها الحجّة الشيخ فرج العمران عليه الرحمة في الروضة الندية : 71 للشيخ عبد النبي بن مانع رحمه الله تعالى.
2 ـ المزار  ، محمد بن المشهدي : 578.


(513)
عن بلده.
    روى القندوزي الحنفي من مقتل أبي مخنف أن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) لمَّا وصل من الأسر إلى المدينة خطب في أهل المدينة  ، وقال ( عليه السلام ) في خطبته : أيُّها الناس  ، أصبحنا مشرَّدين مطرودين مذودين شاسعين عن الأوطان  ، من غير جرم اجتمرناه  ، ولا مكروه ارتكبناه  ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها  ، ولا فاحشة فعلناها  ، فوالله لو أن النبيَّ ( صلى الله عليه وآله ) أوصى إليهم في قتالنا لما زادوا على ما فعلوا بنا  ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون (1).
أَبَادُوهُمُ قَتْلا وسُمّاً وَمِثْلَةً كأنَّ رَسُولَ اللهِ ليس لهم أبُ
    ولله درّ من قال من الشعراء :
مَنْ مُبْلِغُ المصطفى سِبْطَاه قَدْ قَضَيَا أَوْصَى وأكَّدَ في الدنيا وَصِيَّتَهُ لو كان جَدُّهما أوصى بظُلْمِهِمَا بالسُّمِّ هذا وذا بالسيفِ منحورا فَأَوْسَعُوا عَهْدَه نَكْثاً وتغييرا لَمَا اسْتَطَاعُوا لِمَا جَاؤُوهُ تكثيرا (2)
    ويقول السيد الحميري عليه الرحمة :
أليس عجيباً أنَّ آلَ محمَّد تنامُ الحَمَامُ الورقُ عِنْدَ هُجُوعِها قتيلٌ وَبَاق هَائِمٌ وأسيرُ ونومُهُمُ عندَ الرُّقَادِ زفيرُ (3)
    وقد استنكر فعالَ هذه الأمّة  ، بعترة نبيِّهم ( صلى الله عليه وآله ) بعضُ أهل الكتاب من النصارى وغيرهم  ، وتعجَّبوا من سوء فعالهم وصنيعهم في ذرّيّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، قال الخوارزمي في مقتل الحسين ( عليه السلام ) : قال بعض العلماء : إن اليهود حرَّموا الشجرة التي كان منها عصا موسى أن يخبطوا بها  ، وأن يوقدوا منها النار  ، تعظيماً لعصا
1 ـ ينابيع المودة لذوي القربى  ، القندوزي : 3/93.
2 ـ المجالس السنية  ، السيد محسن الأمين : 19.
3 ـ ديوان السيد الحميري : 208.


(514)
موسى  ، وإن النصارى يسجدون للصليب لاعتقادهم فيه أنه من جنس العود الذي صلب عليه عيسى  ، وإن المجوس يعظِّمون النار لاعتقادهم فيها أنها صارت برداً وسلاماً على إبراهيم بنفسها  ، وهذه الأمّة قد قتلت أبناء نبيِّها  ، وقد أوصى الله تعالى بمودَّتهم وموالاتهم  ، فقال عزَّ من قائل : « قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى » (1) (2).
    وذكر ابن حبان في كتاب الثقات أنه لمَّا مروا بالأسارى من أهل البيت ( عليهم السلام ) على الديراني النصراني في طريقهم إلى الشام  ، ورأى رأس الحسين الشريف ( عليه السلام )   ، ورأى السبايا في الأسر  ، سألهم : رأس من هذا ؟ فقالوا : رأس الحسين بن علي ( عليه السلام )   ، فقال لهم : بئس القوم أنتم  ، لو كان لعيسى ولد لأدخلناه أحداقنا (3).
    وقال ابن حجر : ولمَّا فعل يزيد برأس الحسين ( عليه السلام ) ما مرَّ كان عنده رسول قيصر  ، فقال متعجِّباً : إن عندنا في بعض الجزائر في دير حافر حمار عيسى ( على نبيِّنا وآله وعليه الصلاة والسلام ) فنحن نحجُّ إليه كلَّ عام من الأقطار  ، وننذر النذور ونعظِّمه كما تعظِّمون كعبتكم  ، فأشهد أنكم على باطل (4).
    وقال الشفهيني عليه الرحمة في ذلك :
يَا أُمَّةً نَقَضَتْ عُهُودَ نبيِّها يا تَيْمُ لا تمَّت عليكِ سَعَادَةٌ يا أُمَّةً بَاءَتْ بِقَتْلِ هُدَاتِها أَمْ أَيُّ شيطان رَمَاكِ بِغَيِّهِ بئس الجَزَاءُ لأحمد في آلِهِ أَفَمَنْ إلى نَقْضِ الْعُهُودِ دَعَاكِ لكنْ دَعَاكِ إلى الشقاءِ شَقَاكِ أَفَمَنْ إلى قَتْلِ الْهُدَاةِ هَدَاكِ حَتَّى عَرَاكِ وَحَلَّ عَقْدَ عُرَاكِ وبنيه يومَ الطفِّ كان جَزَاكِ

1 ـ سورة الشورى  ، الآية : 23.
2 ـ مقتل الحسين ( عليه السلام )   ، الخوارزمي : 2/114 ـ 115 ح 46.
3 ـ كتاب الثقات  ، ابن حبان : 2/313 ـ 314  ، الصواعق المحرقة  ، ابن حجر : 302.
4 ـ الصواعق المحرقة  ، ابن حجر : 301 ـ 302.


(515)
لاَ تَفْرَحي فَبِكِثْرِ مَا اسْتَعْذَبْتِ في لهفي عَلَى الخَدِّ التريبِ تَخُدُّهُ لهفي لآلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ في أُوْلاَكِ قَدْ عُذِّبْتِ في أُخْرَاكِ سَفَهاً بأطرافِ القَنَا سُفَهَاكِ أَيْدي الطُّغَاةِ نَوَائِحاً وبواكي (1)
    وروى ابن أعثم الكوفي : قال : التفت حبر من أحبار اليهود ـ وكان حاضراً  ، يعني في مجلس يزيد  ، وقد رأى رأس الحسين ( عليه السلام ) بين يديه ـ فقال : من هذا الغلام يا أمير المؤمنين ؟ فقال : هذا  ، صاحب الرأس أبوه  ، قال  ، ومن هو صاحب الرأس يا أمير المؤمنين ؟ قال : الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام )   ، قال : فمن أمّه ؟ قال : فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله )   ، فقال الحبر : يا سبحان الله! هذا ابن بنت نبيِّكم قتلتموه في هذه السرعة ؟ بئس ما خلفتموه في ذرّيّته  ، والله لو خلَّف فينا موسى بن عمران سبطاً من صلبه لكنّا نعبده من دون الله  ، وأنتم إنما فارقكم نبيُّكم ( صلى الله عليه وآله ) بالأمس  ، فوثبتم على ابن نبيِّكم ( صلى الله عليه وآله ) فقتلتموه  ، سوأةً لكم من أمّة! قال : فأمر يزيد فَوجِىء في حلقه  ، فقام الحبر وهو يقول : إن شئتم فاضربوني أو فاقتلوني أو قرِّروني  ، فإني أجد في التوراة أنّه من قتل ذرّيّة نبيٍّ لا يزال مغلوباً أبداً ما بقي  ، فإذا مات يصليه الله نار جهنم (2).
    قال بعض الشعراء :
عَبْدُ شَمْس قَدْ أَضْرَمَتْ لبني ها فابنُ حَرْب للمصطفى وابنُ هِنْد شِمَ حرباً يشيبُ فيها الوليدُ لعليٍّ ولِلْحُسَينِ يزيدُ (3)
    عن ابن لهيعة : عن أبي الأسود قال : لقيت رأس الجالوت فقال : إن بيني وبين داود ( عليه السلام ) سبعين أباً  ، وإن اليهود إذا رأوني عظَّموني  ، وعرفوا حقّي  ، وأوجبوا
1 ـ راجع : الغدير  ، الشيخ الأميني : 6/380 ـ 381.
2 ـ كتاب الفتوح  ، ابن أعثم : 5/132.
3 ـ النزاع والتخاصم  ، المقريزي : 62.


(516)
حفظي  ، وإنه ليس بينكم وبين نبيِّكم ( صلى الله عليه وآله ) إلاَّ أب واحد  ، قتلتم ابنه (1).
    وقال ابن حجر : قال ذمّيٌّ : بيني وبين داود ( على نبيِّنا وآله وعليه الصلاة والسلام ) سبعون أباً  ، وإن اليهود تعظِّمني وتحترمني  ، وأنتم قتلتم ابن نبيِّكم ( صلى الله عليه وآله ) ؟ (2).
    ويقول دعبل الخزاعي رحمه الله تعالى في ظلامة أهل البيت ( عليهم السلام ) :
كَمْ مِنْ ذراع لهم بالطفِّ بَائِنة أنسى الحسينَ وَمَسْرَاهُمْ لِمقَتَلِهِ يا أُمَّةَ السَّوْءِ مَا جَازَيْتِ أحمدَ في خَلَفْتُموه على الأبناءِ حين مضى لم يبقَ حيٌّ من الأحياءِ نَعْلَمُهُ إلاَّ وَهُمْ شُرَكاءٌ في دِمَائِهِمُ قتلا وأسراً وتخويفاً ومَنْهَبَةً وَعَارِض بصعيدِ التُّرْبر مُنْعَفِرِ وهم يقولون : هذا سَيِّدُ البَشَرِ حُسْنِ البَلاَءِ على التنزيلِ والسُّوَرِ خِلاَفَةَ الذِّئْبِ في إنفاذِ ذي بَقَرِ من ذي يَمَان وَلاَ بَكْر وَلاَ مُضَرِ كَمَا تَشَارَكَ أيسارٌ على جُزُرِ فِعْلَ الغُزَاةِ بأَرْضِ الرومِ والخَزَرِ (3)
    روى النطنزي في الخصائص  ، قال : لمَّا جاؤوا برأس الحسين ( عليه السلام )   ، ونزلوا منزلا يقال له : قنسرين  ، اطلع راهب من صومعته إلى الرأس  ، فرأى نوراً ساطعاً يخرج من فيه إلى السماء  ، فأتاهم بعشرة آلاف درهم  ، وأخذ الرأس وأدخله صومعته  ، فسمع صوتاً ولم ير شخصاً قال : طوبى لك  ، وطوبى لمن عرف حرمته  ، فرفع الراهب رأسه وقال : يا ربّ  ، بحقّ عيسى تأمر هذا الرأس بالتكلُّم معي  ، فتكلَّم الرأس وقال : يا راهب  ، أيَّ شيء تريد ؟ قال : من أنت ؟ قال : أنا ابن محمد المصطفى  ، وأنا ابن علي المرتضى  ، وأنا ابن فاطمة الزهراء  ، أنا المقتول بكربلاء  ، أنا
1 ـ العقد الفريد  ، الأندلسي : 5/132  ، الطبقات الكبرى  ، ابن سعد : 8/68  ، عيون الأخبار  ، ابن قتيبة : 1/212.
2 ـ الصواعق المحرقة  ، ابن حجر : 302.
3 ـ الغدير  ، الشيخ الأميني : 2/375 ـ 376.


(517)
المظلوم  ، أنا العطشان  ، وسكت  ، فوضع الراهب وجهه على وجهه  ، فقال : لا أرفع وجهي عن وجهك حتى تقول : أنا شفيعك يوم القيامة  ، فتكلَّم الرأس وقال : ارجع إلى دين جدّي محمّد  ، فقال الراهب : أشهد أن لا إله إلاَّ الله  ، وأشهد أن محمداً رسول الله  ، فقبل له الشفاعة  ، فلمَّا أصبحوا أخذوا منه الرأس والدراهم  ، فلمَّا بلغوا الوادي نظروا الدراهم قد صارت حجارة (1) ولله درّ بعض الشعراء إذ يقول :
جاؤوا بِرَأْسِكَ يا ابنَ بنتِ محمد وكأنَّما بِكَ يا ابنَ بنتِ محمَّد قتلوك عَطْشَاناً ولم يترقَّبوا ويُكَبِّرون بأَنْ قُتِلْتَ وإنَّما مترمِّلا بدِمَائِهِ ترميلا قتلوا جِهَاراً عامدين رَسُولا في قَتْلِكَ التنزيلَ والتأويلا قَتَلُوا بك التَّكْبِيرَ والتَّهْلِيلا

    روى القدَّاح  ، عن جعفر بن محمد  ، عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : مرَّ عليٌّ بكربلاء في اثنين من أصحابه  ، قال : فلمَّا مرَّ بها ترقرقت عيناه للبكاء  ، ثمَّ قال : هذا مناخ ركابهم  ، وهذا ملقى رحالهم  ، وههنا تهراق دماؤهم  ، طوبى لك من تربة  ، عليك تهراق دماء الأحبّة (2).
    وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن ابن عباس قال : كنت مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في خرجته إلى صفّين  ، فلمَّا نزل بنينوى وهو بشط الفرات قال بأعلى
1 ـ بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 45/303.
2 ـ بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/258.


(518)
صوته : يا ابن عباس  ، أتعرف هذا الموضع ؟ قلت له : ما أعرفه يا أمير المؤمنين  ، فقال ( عليه السلام ) : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي. قال : فبكى طويلا حتى اخضلَّت لحيته  ، وسالت الدموع على صدره  ، وبكينا معاً  ، وهو يقول : أوه أوه  ، مالي ولآل أبي سفيان ؟ مالي ولآل حرب حزب الشيطان وأولياء الكفر ؟ صبراً يا أبا عبدالله  ، فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم (1).
    قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : وروي في بعض الكتب المعتبرة عن عبدالله بن قيس قال : كنت مع من غزا مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في صفّين  ، وقد أخذ أبو أيوب الأعور السلمي الماء وحرزه عن الناس  ، فشكا المسلمون العطش  ، فأرسل فوارس على كشفه فانحرفوا خائبين  ، فضاق صدره  ، فقاله له ولده الحسين ( عليه السلام ) : أمضي إليه يا أبتاه ؟ فقال : امض يا ولدي  ، فمضى مع فوارس فهزم أبا أيوب عن الماء  ، وبنى خيمته  ، وحطَّ فوارسه  ، وأتى إلى أبيه وأخبره  ، فبكى علي ( عليه السلام )   ، فقيل له : ما يبكيك يا أمير المؤمنين وهذا أول فتح ببركة الحسين ( عليه السلام ) ؟ فقال : ذكرت أنه سيقتل عطشاناً بطفِّ كربلا  ، حتى ينفر فرسه ويحمحم ويقول : الظليمة الظليمة لأمة قتلت ابن بنت نبيِّها (2) ولله درّ الشفهيني عليه الرحمة إذ يقول :
مَنَعُوهُمُ مَاءَ الفُرَاتِ وَدُوْنَه هَجَرَتْ رُؤُوسُهُمُ الْجُسُومَ فَوَاصَلَتْ يبكي أسيرُهُمُ لِفَقْدِ قتيلِهم هذا يميلُ على اليمينِ معفَّراً وَمِنَ العجائبِ أَنْ تُقَادَ أُسُودُها لهفي لزينِ العابدينَ يُقَادُ في بِسُيُوفِهِمْ دَمُهُم يُرَاقُ مَحَلَّلا زُرْقَ الأسنَّةِ والوشيجَ الذُّبَّلا أسفاً وكلٌّ في الحقيقةِ مبتلى بدَمِ الوريدِ وذا يُسَاقُ مُغَلَّلا أَسراً وتفترسَ الكلابُ الأشْبُلا ثِقْلِ الحديدِ مُقيَّداً ومكبَّلا

1 ـ الأمالي  ، الصدوق : 694 ح 5  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/252 ح 2.
2 ـ بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/266 ح 23.


(519)
مُتَقَلْقِلا في قَيْدِهِ مُتَثَقِّلا أَفدي الأسيرَ وليت خدّي مَوْطِناً أقسمتُ بالرحمنِ حِلْفَةَ صادق مَا بَاتَ قلبُ محمد في سبطِهِ خانوا مَوَاثِيقَ النبيِّ وأَجَّجُوا مُتَوَجِّعاً لِمُصَابِهِ مُتَوَجِّلا كانت له بينَ الَمحَامِلِ مِحْمَلاَ لولا الفَرَاعِنَةُ الطواغيتُ الأُولى قَلِقَاً ولا قَلْبُ الوصيِّ مُقَلْقَلاَ نيرانَ حَرْب حَرُّها لن يُصْطَلَى (1)
    قال الشيخ نصر الله بن مجلي مشارف الخزانة الصلاحية ـ : فكَّرت ليلة ـ وقد أويت إلى فراشي ـ فيما عامل به آل أبي سفيان لأهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفي قضية الحسين ( عليه السلام )   ، وقتله وقتل أهل بيته  ، وأسر بنات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وحملهم إيَّاهُنَّ على الأقتاب سبايا  ، ووقوفهم على درج دمشق سبايا عرايا!! فبكيت بكاءً شديداً  ، وأرقت  ، ثمَّ نمت فرأيت أمير المؤمنين علياً ( عليه السلام )   ، فحين رأيته بادرت إليه وقبَّلت يديه وبكيت  ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين  ، تفتحون مكة فتقولون : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن  ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن  ، ومن دخل المسجد فهو آمن  ، ثمَّ يُفعل بولدك الحسين وأهل بيتك بالطفِّ ما فُعل ؟ فتبسَّم أمير المؤمنين وقال : ألم تسمع أبيات ابن الصيفي ( سعد بن محمد ) ؟ قلت : لا  ، قال : اسمعها منه فهي الجواب.
    قال : فطالت ليلتي حتى برق الفجر  ، فجئت باب ابن الصيفي فطرقت بابه  ، فخرج إليَّ حاسراً حافي القدمين  ، وقال : ما الذي جاء بك هذه الساعة ؟ فقصصت عليه قصتي  ، فأجهش بالبكاء وقال : والله ما قلتها إلاَّ ليلتي هذه  ، ولم يسمعها بشر منّي  ، ثمَّ أنشدني :
مَلَكْنا فكانَ الْعَفْوُ مِنَّا سجيَّةً وَحللَّلتُمُ قَتْلَ الأُسَارى وطالما فلمَّا مَلَكْتُم سَالَ بالدَّمِ أَبْطَحُ غَدَوْنا عن الأسرى نَعُفُّ وَنَصْفَحُ

1 ـ الغدير  ، الشيخ الأميني : 6/388 ـ 389.

(520)
وَحَسْبُكُمُ هذا التفاوتُ بَيْنَنا وكلُّ إناء بالذي فيه يَنْضَحُ (1)
    ولله درّ الشفهيني عليه الرحمة إذ يقول :
يا تَيمُ لا تمَّت عليكِ سَعَادةٌ لولاكِ ما ظَفَرَتْ عُلُوجُ أُميَّة تاللهِ مَا نِلْتِ السعادةَ إنَّما أنَّى اسْتَقَلْتِ وقد عَقَدْتِ لآخر ولأنتِ أكبرُ يَا عديُّ عَدَاوةً لا كان يومٌ كنتِ فيه وساعةٌ وعليكِ خِزْيٌ يَا أُمَيَّةُ دَائِماً هَلاَّ صَفَحْتِ عن الحسينِ وَرَهْطِهِ وَعَفَفْتِ يومَ الطفِّ عِفَّةَ جَدَاهِ الـ أَفَهَلْ يدٌ سَلَبَتْ إِمَاءَكِ مثلما أم هل بَرَزْنَ بفتحِ مكَّةَ حُسَّراً يا أُمَّةً بَاءَتْ بِقَتْلِ هُدَاتِها أم أيُّ شيطان رَمَاكِ بِغَيِّه بئس الجَزَاءُ لأحمد في آلِهِ فَلَئِنْ سُرِرْتِ بخدعة أَسْرَرْتِ في مَا كَانَ في سَلْبِ ابنِ فاطمَ مُلْكَهُ لهفي الجَسَدِ المعرَّى بالعرا لهفي عَلَى الخدِّ الترتيبِ تَخُدُّه لكنْ دَعَاكِ إلى الشَّقَاءِ شَقَاكِ يوماً بِعِتْرَةِ أحمد لولاكِ أَهْوَاكِ في نَارِ الجحيمِ هَوَاكِ حُكْماً فكيف صَدَقْتِ في دَعْوَاكِ واللهِ مَا عَضَدَ النفاقَ سِوَاكِ فَضَّ النفيلُ بها خِتَامَ صَهَاكِ يبقى كما في النارِ دَامَ بَقَاكِ صَفْحَ الوصيِّ أَبيه عن آباكِ مبعوثِ يومَ الفَتْحِ عن طُلَقَاكِ سَلَبَتْ كريماتِ الحسينِ يَدَاكِ كَنِسَائِهِ يومَ الطفوفِ نِسَاكِ أَفَمَنْ إلى قَتْلِ الهُدَاةِ هَدَاكِ حتَّى عَرَاكِ وَحَلَّ عَقْدَ عُرَاكِ وبنيه يومَ الطفِّ كان جَزَاكِ قَتْلِ الحسينِ فَقَدْ دَهَاكِ دَهَاكِ مَا عَنْهُ يوماً لو كَفَاكِ كَفَاكِ شِلْواً تُقَبِّلُه حُدُودُ ظُبَاكِ سَفهاً بأطرافِ القَنَا سُفَهَاكِ (2)

1 ـ وفيات الأعيان  ، ابن خلكان : 11/206 في ترجمة أبي الفوارس ابن الصيفي التميمي المعروف بحيص بيص  ، بغية الطلب في تاريخ حلب  ، الحلبي ( في ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ) : ح 196.
2 ـ الغدير  ، الشيخ الأميني : 6/381.


(521)
    روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن أبي عمار المنشد  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قال لي : يا أبا عمارة  ، أنشدني في الحسين بن علي  ، قال : فأنشدته فبكى  ، ثمَّ أنشدته فبكى  ، قال : فو الله ما زلت أنشده ويبكي حتى سمعت البكاء من الدار.
    قال : فقال : يا أبا عمارة! من أنشد في الحسين بن علي شعراً فأبكى خمسين فله الجنّة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنّة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرين فله الجنّة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرة فله الجنة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى واحداً فله الجنّة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى فله الجنّة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنة (1).
    وروى الكشي عليه الرحمة  ، عن زيد الشحام قال : كنّا عند أبي عبدالله ( عليه السلام ) ونحن جماعة من الكوفيين  ، فدخل جعفر بن عفان على أبي عبدالله ( عليه السلام )   ، فقرَّبه وأدناه  ، ثمَّ قال : يا جعفر! قال : لبّيك جعلني الله فداك! قال : بلغني أنك تقول الشعر في الحسين وتجيد  ، فقال له : نعم جعلني الله فداك  ، قال : قل  ، فأنشده صلَّى الله عليه  ، فبكى ومن حوله  ، حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته  ، ثمَّ قال : يا جعفر  ، والله لقد شهدت ملائكة الله المقرَّبون ههنا يسمعون قولك في الحسين ( عليه السلام )   ، ولقد بكوا كما بيكنا وأكثر  ، ولقد أوجب الله تعالى لك ـ يا جعفر ـ في ساعتك الجنّة بأسرها  ،
1 ـ الأمالي  ، الصدوق : 205 ح 6  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/282 ح 15.

(522)
وغفر الله لك  ، فقال : يا جعفر  ، ألا أزيدك ؟ قال : نعم يا سيدي  ، قال : ما من أحد قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى به إلاَّ أوجب الله له الجنّة وغفر له (1).
    وروى ابن قولويه عليه الرحمة : عن عبدالله بن غالب قال : دخلت على أبي عبدالله ( عليه السلام ) فأنشدته مرثيَّة الحسين بن علي ( عليهما السلام )   ، فلمَّا انتهيت إلى هذا الموضع :
لبلية تسقو حسيناً بمسقاة الثرى غير التراب
    صاحت باكية من وراء الستر : يا أبتاه (2).
    وعن أبي هارون المكفوف قال : دخلت على أبي عبدالله ( عليه السلام ) فقال لي : أنشدني  ، فأنشدته  ، فقال : لا  ، كما تنشدون  ، وكما ترثيه عند قبره  ، فأنشدته :
امرُرْ عَلَى جَدَثِ الحسينِ فَقُلْ لأَعْظُمِهِ الزكيَّه
    قال : فلمَّا بكى أمسكت أنا  ، فقال : مرَّ  ، فمررت  ، قال : ثمَّ قال : زدني  ، زدني قال : فأنشدته :
يَا مَرْيَمُ قُومي وانْدُبي مَوْلاَكِ وَعَلَى الحُسَينِ فأَسْعِدِي ببُكَاكِ
    قال : فبكى وتهايج النساء  ، قال : فلمَّا أن سكتن قال لي : يا أبا هارون  ، من أنشد في الحسين فأبكى عشرة فله الجنَّة  ، ثمَّ جعل ينتقص واحداً واحداً حتى بلغ الواحد فقال : من أنشد في الحسين فأبكى واحداً فله الجنَّة  ، ثمَّ قال : من ذكره فبكى فله الجنَّة  ، وروي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : لكلِّ شيء ثواب إلاَّ الدمعة فينا (3).
    وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن أبي هارون المكفوف قال : قال لي أبو عبدالله ( عليه السلام ) : يا أبا هارون  ، أنشدني في الحسين ( عليه السلام )   ، قال : فأنشدته  ، قال : فقال
1 ـ رجال الكشي : 2/574 ح 508  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/282 ح 16.
2 ـ كامل الزيارات  ، ابن قولويه : 209 ـ 210 ح 3  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/286 ح 24.
3 ـ كامل الزيارات  ، ابن قولويه : 210 ـ 211 ح 5  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/286 ح 24.


(523)
لي : أنشدني كما تنشدون ـ يعني بالرقّة ـ قال : فأنشدته :
امرُرْ عَلَى جَدَثِ الحُسَينِ فَقُلْ لأَعْظُمِهِ الزكيَّه
    قال : فبكى  ، ثمَّ قال : زدني  ، فأنشدته القصيدة الأخرى  ، قال : فبكى وسمعت البكاء من خلف الستر  ، قال : فلمَّ فرغت قال : يا أبا هارون  ، من أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى عشرة كتبت لهم الجنة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى خمسة كتبت لهم الجنّة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً كتبت لهما الجنة  ، ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدمع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله عزَّ وجلَّ  ، ولم يرض له بدون الجنّة (1).
    ولله درّ دعبل الخزاعي عليه الرحمة إذ يقول :
سَأَبكيهِمُ مَا حَجَّ للهِ رَاكِبٌ فَيَا عَيْنُ بَكِّيهِمْ وَجُودي بِعَبْرَة بَنَاتُ زياد في القُصُورِ مَصُونةٌ دِيَارُ رَسُولِ اللهِ أصبحنَ بَلْقَعاً وآلُ رسولِ اللهِ نُحْفٌ جُسُومُهُمْ وآلُ رسولِ اللهِ تُدمى نحورُهُمْ وآلُ رسول اللهِ تُسبى حريمُهُمْ إذا وُتِرُوا مَدُّوا إلى وَاتِرِيهِمُ سأبكيهِمُ مَا ذَرَّ في الأرضِ شارقٌ وَمَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وحان غُرُوبُها وَمَا نَاحَ قَمْرِيٌّ على الشَجَرَاتِ فَقَدْ آنَ للتَّسْكَابِ والهَمَلاَتِ وآلُ رَسُولِ اللهِ في الفَلَوَاتِ وآلُ زياد تَسْكُنُ الْحُجُرَاتِ وآلُ زياد غُلَّظُ القصراتِ وآلُ زياد رَبَّةُ الحجلاتِ وآلُ زياد آمِنُو السَّرَبَاتِ أَكُفَّاً عن الأوتارِ مُنْقَبِضَاتِ ونادى مُنَادي الخيرِ للصَّلَوَاتِ وبالليلِ أبكيهمُ وَبِالْغَدَواتِ (2)

1 ـ ثواب الأعمال  ، الصدوق : 83 ـ 84  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/288 ح 28.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 54/257.


(524)
    يا سادتي يا آل رسول الله  ، إنّي بكم أتقرَّب إلى الله جلَّ وعلا  ، بالخلاف على الذين غدروا بكم  ، ونكثوا بيعتكم  ، وجحدوا ولايتكم  ، وأنكروا منزلتكم  ، وخلعوا ربقة طاعتكم  ، وهجروا أسباب مودّتكم  ، وتقرَّبوا إلى فراعنتهم بالبراءة منكم  ، والإعراض عنكم  ، ومنعوكم من إقامة الحدود  ، واستئصال الجحود  ، وشعب الصدع  ، ولمِّ الشعث  ، وسدّ الخلل  ، وتثقيف الأود  ، وإمضاء الأحكام  ، وتهذيب الإسلام  ، وقمع الآثام  ، وأرهجوا عليكم نقع الحروب والفتن  ، وأنحوا عليكم سيوف الأحقاد  ، هتكوا منكم الستور  ، وابتاعوا بخمسكم الخمور  ، وصرفوا صدقات المساكين إلى المضحكين والساخرين (1).
    ولله درّ السيِّد محمد حسين القزويني عليه الرحمة إذ يقول :
أين الحِفَاظُ وفي الطفوفِ دماؤُكم أين الحِفَاظُ وهذه أَشْلاَؤُكُمْ أين الحِفَاظُ وهذه أبناؤُكُمْ أين الحِفَاظُ وهذه أطفالُكُمْ أين الحِفَاظُ وهذه فَتَيَاتُكُمْ حُمِلَتْ بِرَغْمِ الدينِ وهي ثَوَاكِلٌ سُفِكَت بسيفِ أُميَّة وَقَنَاتِها بقيت ثلاثاً في هَجِيرِ فَلاَتِها قَتْلَى تناهبت السيوفُ طُلاَتِها ذُبِحَتْ عُطاشى في ثَرَى عَرَصَاتِها حُمِلَتْ على الأقتابِ بينَ عِدَاتِها عبرى تُرَدِّدُ بالشَّجَى زَفَرَاتِها

1 ـ المزار  ، محمد بن المشهدي : 295 ـ 296.

(525)
فَمَنِ المعزّي بَعْدَ أحمدَ فاطماً في قَتْلِ أبناها وسَبْيِ بَنَاتِها (1)
    روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن أبي الجارود  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) في بيت أم سلمة  ، فقال لها : لا يدخل عليَّ أحد  ، فجاء الحسين ( عليه السلام ) وهو طفل فما ملكت معه شيئاً حتى دخل على النبيّ ( صلى الله عليه وآله )   ، فدخلت أمّ سلمة على أثره  ، فإذا الحسين على صدره  ، وإذا النبيُّ يبكي  ، وإذا في يده شيء يقلِّبه.
    فقال النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) : يا أمَّ سلمة  ، إن هذا جبرئيل يخبرني أن هذا مقتول  ، وهذه التربة التي يقتل عليها  ، فضعيها عندك  ، فإذا صارت دماً فقد قتل حبيبي  ، فقالت أم سلمة : يا رسول الله  ، سل الله أن يدفع ذلك عنه  ، قال : قد فعلت  ، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليَّ أنَّ له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين  ، وأن له شيعة يشفعون فيشفَّعون  ، وأن المهديَّ من ولده فطوبى لمن كان من أولياء الحسين وشيعته  ، هم ـ والله ـ الفائزون يوم القيامة (2).
    وعن أنس أن ملك المطر استأذن أن يأتي رسول الله  ، فقال النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) لأمِّ سلمة : املكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد  ، فجاء الحسين ( عليه السلام ) ليدخل فمنعته  ، فوثب حتّى دخل  ، فجعل يثب على منكبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويقعد عليهما  ، فقال له المَلَك : أتحبُّه ؟ قال : نعم  ، قال : فإن أمَّتك ستقتله  ، وإن شئت أريتك المكان الذي يُقتل فيه  ، فمدَّ يده فإذا طينة حمراء. فأخذتها أمُّ سلمة فصيَّرتها إلى طرف خمارها  ، قال ثابت : فبلغنا أنه المكان الذي قتل به بكربلاء (3).
    وروي أن أمَّ سلمة قالت : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المنام وعلى رأسه
1 ـ مثير الأحزان  ، الجواهري : 113 ـ 114.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/225 ح 5 عن الأمالي للصدوق : 203 ح 3.
3 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/231 ح 14.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس