المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 526 ـ 540
(526)
التراب  ، فقلت : ما لك يا رسول الله ؟ فقال : شهدت قتل الحسين آنفاً.
    وعن شهر بن حوشب أنه دخل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) على النبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) وهو يوحى إليه  ، فنزل الوحي على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو منكبٌّ على ظهره  ، فقال جبرئيل : تحبُّه ؟ فقال : ألا أحبُّ ابني ؟ فقال : إن أمتك ستقتله من بعدك  ، فمدَّ جبرئيل يده فإذا بتربة بيضاء  ، فقال : في هذه التربة يقتل ابنك  ، هذه ـ يا محمد ـ اسمها الطف.
    وفي أخبار سالم بن الجعد أنه كان ذلك ميكائيل  ، وفي مسند أبي يعلى أن ذلك ملك القطر.
    وروي عن ابن عباس أنه قال : بينا أنا راقد في منزلي إذ سمعت صراخاً عظيماً عالياً من بيت أمِّ سلمة  ، وهي تقول : يا بنات عبد المطلب  ، أسعدنني وابكين معي  ، فقد قُتل سيِّدكنَّ  ، فقيل : ومن أين علمت ذلك ؟ قالت : رأيت رسول الله الساعة في المنام شعثاً مذعوراً  ، فسألته عن ذلك فقال : قتل ابني الحسين وأهل بيته فدفنتهم  ، قالت : فنظرت فإذا بتربة الحسين التي أتى بها جبرئيل من كربلاء  ، وقال : إذا صارت دماً فقد قتل ابنك  ، فأعطانيها النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) فقال : اجعليها في زجاجة فلتكن عندك  ، فإذا صارت دماً فقد قتل الحسين ( عليه السلام )   ، فرأيت القارورة الآن قد صارت دماً عبيطاً يفور (1).
    وروي عن الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : أصبحت يوماً أمّ سلمة رضي الله عنها تبكي  ، فقيل لها : مِمَ بُكاؤكِ ؟ فقالت : لقد قتل ابني الحسين الليلة  ، وذلك أنني ما رأيت رسول الله منذ مضى إلاَّ الليلة  ، فرأيته شاحباً كئيباً  ، فقالت : قلت : ما لي أراك يا رسول الله شاحباً كئيباً ؟ قال : ما زلت الليلة أحفر القبور للحسين
1 ـ مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 3/213.

(527)
وأصحابه عليه وعليهم السلام (1).
    وعن ابن عباس قال : بينا أنا راقد في منزلي إذ سمعت صراخاً عظيماً عالياً من بيت أمّ سلمة زوج النبي ( صلى الله عليه وآله )   ، فخرجت يتوجَّه بي قائدي إلى منزلها  ، وأقبل أهل المدينة إليها الرجال والنساء  ، فلمّا انتهيت إليها قلت : يا أم المؤمنين! ما لك تصرخين وتغوثين ؟ فلم تجبني  ، وأقبلت على النسوة الهاشميات وقالت : يا بنات عبدالمطلب  ، أسعدنني وابكين معي فقد قتل والله سيِّدكنَّ وسيِّد شباب أهل الجنة  ، قد والله قتل سبط رسول الله وريحانته الحسين  ، فقلت : يا أمَّ المؤمنين  ، ومن أين علمت ذلك ؟ قالت : رأيت رسول الله في المنام الساعة شعثاً مذعوراً  ، فسألته عن شأنه ذلك فقال : قتل ابني الحسين ( عليه السلام ) وأهل بيته اليوم فدفنتهم  ، والساعة فرغت من دفنهم.
    قالت : فقمت حتى دخلت البيت وأنا لا أكاد أن أعقل  ، فنظرت فإذا بتربة الحسين التي أتى بها جبرئيل من كربلا  ، فقال : إذا صارت هذه التربة دماً فقد قُتل ابنك  ، وأعطانيها النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) فقال : اجعلي هذه التربة في زجاجة ـ أو قال : في قارورة ـ ولتكن عندك  ، فإذا صارت دماً عبيطاً فقد قتل الحسين  ، فرأيت القارورة الآن وقد صارت دماً عبيطاً تفور.
    قال : فأخذت أمّ سلمة من ذلك الدم فلطَّخت به وجهها  ، وجعلت ذلك اليوم مأتماً ومناحةً على الحسين ( عليه السلام )   ، فجاءت الركبان بخبره وأنه قتل في ذلك اليوم.
    قال عمرو بن ثابت : قال أبي : فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي منزله  ، فسألته عن هذا الحديث  ، وذكرت له رواية سعيد بن جبير هذا الحديث عن عبدالله ابن عباس  ، فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : حدَّثنيه عمر بن أبي سلمة عن أمّه أمّ سلمة.
    قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير عنه قال : فلمَّا كانت الليلة القابلة
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/230 عن الأمالي  ، الطوسي : 90 ح 49.

(528)
رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في منامي أغبر أشعث  ، فذكرت له ذلك  ، وسألته عن شأنه  ، فقال لي : ألم تعلم أنّي فرغت من دفن الحسين وأصحابه ؟!
    قال عمرو بن أبي المقدام : فحدَّثني سدير  ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أن جبرئيل جاء إلى النبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) بالتربة التي يقتل عليها الحسين ( عليه السلام )   ، قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : فهي عندنا (1).
    وذكر العلامة المجلسي عليه الرحمة : عن بعض كتب المناقب  ، عن أحمد بن جعفر القطيفي  ، بالإسناد عن عمار أن ابن عباس رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في منامه يوماً بنصف النهار  ، وهو أشعث أغبر  ، في يده قارورة فيها دم  ، فقال : يا رسول الله! ما هذا الدم ؟ قال : دم الحسين ؟ لم أزل ألتقطه منذ اليوم  ، فأحصي ذلك اليوم  ، فوجد أنه قتل في ذلك اليوم (2).
    وروى زرّ بن حبيش  ، عن سلمى قالت : دخلت على أم سلمة وهي تبكي  ، فقلت لها : ما يبكيك ؟ قالت : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المنام  ، وعلى رأسه ولحيته أثر التراب  ، فقلت : ما لك ـ يا رسول الله ـ مغبراً ؟ قال : شهدت قتل الحسين آنفاً (3).
    وروي أن سلمى المدنيَّة قالت : دفع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى أمّ سلمة قارورة فيها رمل من الطفّ  ، وقال لها : إذا تحوَّل هذا دماً عبيطاً فعند ذلك يقتل الحسين  ، قالت سلمى : فارتفعت واعية من حجرة أم سلمة  ، فكنت أول من أتاها  ، فقلت : ما دهاك يا أمَّ المؤمنين ؟ قالت : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المنام والتراب على رأسه  ، فقلت : ما لك ؟ فقال : وثب الناس على ابني فقتلوه  ، وقد شهدته قتيلا الساعة  ،
1 ـ الأمالي  ، الطوسي : 315 ح 87  ، بحار الأنوار : 25/231.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/231 ح 3  ، المستدرك  ، الحاكم : 4/398  ، المعجم الكبير  ، الطبراني : 3/110.
3 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/232 ح 3  ، سنن الترمذي : 5/323  ، المستدرك  ، الحاكم : 4/19.


(529)
فاقشعرَّ جلدي  ، فوثبت إلى القارورة  ، فوجدتها تفور دماً  ، قالت سلمى : فرأيتها موضوعة بين يديها (1)
    وعن أمّ سلمة قالت : بينا رسول الله ذات يوم جالساً  ، والحسين جالس في حجره  ، إذا هملت عيناه بالدموع  ، فقلت له : يا رسول الله! ما لي أراك تبكي جعلت فداك ؟ قال : جاءني جبرئيل فعزَّاني بابني الحسين  ، وأخبرني أن طائفة من أمتي تقتله  ، لا أنالها الله شفاعتي.
    وروي بإسناد آخر عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من عندنا ذات ليلة فغاب عنا طويلا  ، ثمَّ جاءنا وهو أشعث أغبر  ، ويده مضمومة  ، فقلت له : يا رسول الله! ما لي أراك شعثاً مغبراً ؟ فقال : أسري بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يقال له : كربلاء  ، فأريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي  ، فلم أزل ألقط دماءهم  ، فها هو في يدي  ، وبسطها إليَّ فقال : خذيها فاحتفظي بها  ، فأخذتها فإذا هي شبه تراب أحمر  ، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها.
    فلمَّا خرج الحسين ( عليه السلام ) من مكة متوجِّهاً نحو العراق كنت أخرج تلك القارورة في كل يوم وليلة  ، وأشمُّها وأنظر إليها ثمَّ أبكي لمصابه  ، فلمَّا كان في اليوم العاشر من المحرَّم ـ وهو اليوم الذي قتل فيه ( عليه السلام ) ـ أخرجتها في أول النهار وهي بحالها  ، ثمَّ عدت إليها آخر النهار فإذا هي دم عبيط  ، فصحت في بيتي وبكيت وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة فيتسرَّعوا بالشماتة  ، فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي ينعاه فحقَّق ما رأيت (2).
    وروي في بعض كتب المناقب المعتبرة  ، عن أم سلمة قالت : جاء جبرئيل إلى
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/232.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/239 ح 31.


(530)
النبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) فقال : إن أمتك تقتله ـ يعني الحسين ـ بعدك  ، ثمَّ قال : ألا أريك من تربته ؟ قالت : فجاء بحصيات فجعلهن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في قارورة  ، فلمَّا كان ليلة قتل الحسين ( عليه السلام ) قالت أم سلمة : سمعت قائلا يقول :
أيُّها القاتلون جَهْلا حُسيناً قَدْ لُعِنْتُم عَلَى لِسَانِ ابنِ داو أَبشروا بالعذابِ والتنكيلِ دَ وموسى وَصَاحِبِ الإنجيلِ
    قالت : فبكيت  ، ففتحت القارورة فإذا قد حدث بها دم (1).
    ولله درّ الشيخ حسن التاروتي عليه الرحمة وطيب الله تربته إذ يقول :
فَلَمَّا تَضَايَقَ مَدُّ السيوفِ أُبيدوا فَغَصَّتْ بهم بُقْعَةٌ فُقُمْ فَانتظارُكَ ممدودةٌ أَثِرْ نَقْعهَا فحسينٌ قضى وَقَدْ وَتَرَتْهُ أكُفُّ التِّرَاتِ إذَا قَعَدَ الشِّمرُ في صَدْرِهِ إِلَى مَ وَأَهْلُكَ في مَهْلَك أقام القَطِيعُ عَلَى رَأْسِها بمُشْتَبَكِ الأضْبَعِ الأَضْبَعِ بِهَا غَصَّ منهم فَمُ الأَبْقَعِ لها رَغْبَةُ العينِ والمَسْمَعِ وَغُلَّةُ أَحْشَاهُ لَمْ تُنْقَعِ فَأَغْرَقَت الرَّمْيَ بالمَنْزَعِ فَمَا لِقُعُودِك من مَوْضِعِ وَشَمْلُ بَنَاتِك لم يُجْمَعِ مُقَامَ المُلاَءَةِ وَالمِلْفَعِ (2)

    قال الراوندي عليه الرحمة : روي أنّه لمَّا ولد الحسين ( عليه السلام ) أمر الله تعالى
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/241 ح 34.
2 ـ رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 97 ـ 98.


(531)
جبرئيل أن يهبط في ملأ من الملائكة فيهنىء محمّداً  ، فهبط فمرَّ بجزيرة فيها مَلَك يقال له : فطرس  ، بعثه الله في شيء فأبطأ فكسر جناحه فألقاه في تلك الجزيرة  ، فعبد الله سبعمائة عام  ، فقال فطرس لجبرئيل : إلى أين ؟ فقال : إلى محمد  ، قال : احملني معك إلى محمد لعلّه يدعو لي.
    فلمّا دخل جبرئيل وأخبر محمداً بحال فطرس قال له النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) : قل له : يتمسَّح بهذا المولود  ، فتمسَّح فطرس بمهد الحسين ( عليه السلام )   ، فأعاد الله عليه في الحال جناحه  ، ثمَّ ارتفع مع جبرئيل إلى السماء فسمِّي عتيق الحسين ( عليه السلام ) (1).
    ولله درّ الشيخ محمد علي اليعقوبي عليه الرحمة إذ يقول :
ففي مَهْدِهِ الأملاكُ لاذت وَقَبْرُهُ تُعَفِّرُ في أبْوَابِهِ جَبَهَاتِها مِنَ الْخَمْسَةِ اللاَّئي لِجَبْهَةِ آدم أبو التسعةِ الغُرِّ الذين وُجُودُهُمْ مُلُوكُ الورى تَعنو لديه وَصِيْدُها وَتَلْثمُهُ أفواهُها وخدودُها لأنوارِهَا الأملاكُ كان سجودُها أضاءت به الدنيا وقام وجودُها (2)
    وروي عن إبراهيم بن شعيب قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : إن الحسين بن علي لمَّا ولد أمر الله عزَّ وجلَّ جبرئيل أن يهبط في ألف من الملائكة  ، فيهنىء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من الله عزَّ وجلَّ ومن جبرئيل  ، قال : فهبط جبرئيل  ، فمرَّ على جزيرة في البحر فيها مَلَك يقال له : فطرس  ، كان من الحملة  ، بعثه الله عزَّ وجلَّ في شيء فأبطأ عليه فكسر جناحه وألقاه في تلك الجزيرة  ، فعبد الله تبارك وتعالى فيها سبعمائة عام حتى ولد الحسين بن علي ( عليهما السلام )   ، فقال الملك الجبرئيل : يا جبرئيل! أين تريد ؟ قال : إن الله عزَّ وجلَّ أنعم على محمد بنعمة  ، فبعثت أهنّئه من الله ومني  ، فقال : يا جبرئيل! احملني معك لعلّ محمّداً ( صلى الله عليه وآله ) يدعو لي  ، قال : فحمله.
1 ـ الخرائج والجرائح  ، الراوندي : 1/252 ـ 253  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/182 ح 7.
2 ـ الشيخ اليعقوبي دراسة نقدية في شعره  ، الدكتور عبد الصاحب الموسوي : 341.


(532)
    قال : فلمَّا دخل جبرئيل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) هنَّأه من الله عزَّ وجلَّ ومنه  ، وأخبره بحال فطرس  ، فقال النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) : قل له : تمسَّح بهذا المولود  ، وعد إلى مكانك  ، قال : فتمسَّح فطرس بالحسين بن علي ( عليهما السلام ) وارتفع  ، فقال يا رسول الله! أما إن أمَّتك ستقتله  ، وله عليَّ مكافاة ألا يزوره زائر إلاَّ أبلغته عنه  ، ولا يُسلِّم عليه مسلِّم إلاَّ أبلغته سلامه  ، ولا يصلّي عليه مصلٍّ إلاَّ أبلغته صلاته  ، ثمَّ ارتفع (1).
    ولله درّ الشيخ محمد رضا الغراوي عليه الرحمة إذ يقول :
يَا لمولود له الْفَضْلُ الْعَمِيمْ وَلَهُ جبريلُ في الْجَمْعِ العظيمْ وبه فطرسُ للربِّ الكريمْ فأزالَ اللهُ منه الْوَصَبَا قائلا أعتقني حِلْفُ الإِبَا حيثُ ميكالٌ أَتَى يَخْدمُهُ لَمْ يَزَلْ مِنْ شَرَف يلثمُهُ قَدْ دَعَا مُبْتَغِياً يَرْحَمُهُ واننثنى يَرْفُلُ في بُرْدِ الهَنَا وإليَّ السبطُ حقّاً أَحْسَنا (2)
    قال ابن عباس : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إن لله تبارك وتعالى مَلَكاً يقال له : دردائيل  ، كان له ستة عشر ألف جناح  ، ما بين الجناح إلى الجناح هواء  ، والهواء كما بين السماء والأرض  ، فجعل يوماً يقول في نفسه : أفوق ربِّنا جلَّ جلاله شيء ؟ فعلم الله تبارك وتعالى ما قال فزاده أجنحة مثلها  ، فصار له اثنان وثلاثون ألف جناح  ، ثمَّ أوحى الله عزَّ وجلَّ إليه أن : طر  ، فطار مقدار خمسمائة عام  ، فلم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش  ، فلمَّا علم الله عزَّ وجلَّ إتعابه أوحى إليه : أيُّها الملك! عد إلى مكانك  ، فأنا عظيم فوق كل عظيم  ، وليس فوق شيء  ، ولا أوصف بمكان  ، فسلبه الله أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة.
    فلمَّا ولد الحسين بن علي ( صلوات الله عليهما ) ـ وكان مولده عشية الخميس
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 43/243 ح 18.
2 ـ ظرافة الأحلام  ، السماوي : 61.


(533)
ليلة الجمعة ـ أوحى الله إلى مالك خازن النيران : أن أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمحمد ( صلى الله عليه وآله )   ، وأوحى إلى رضوان خازن الجنان : أن زخرف الجنان وطيِّبها لكرامة مولود ولد لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) في دار الدنيا  ، وأوحى إلى حور العين : أن تزيَّنَّ وتزاورن لكرامة مولود ولد لمحمَّد ( صلى الله عليه وآله ) في دار الدنيا.
    وأوحى الله إلى الملائكة : أن قوموا صفوفاً بالتسبيح والتحميد والتمجيد والتكبير  ، لكرامة مولود ولد لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) في دار الدنيا  ، وأوحى الله عزَّ وجلَّ إلى جبرئيل ( عليه السلام ) : أن اهبط إلى نبيّي محمّد في ألف قبيل  ، في القبيل ألف ألف ملك  ، على خيول بلق مسرجة ملجمة  ، عليها قباب الدرّ والياقوت  ، معهم ملائكة يقال لهم : الروحانيون  ، بأيديهم حراب من نور  ، أن هنِّئوا محمّداً بمولوده  ، وأخبره ـ يا جبرئيل ـ أني قد سمَّيته الحسين  ، وعزِّه وقل له : يا محمد! يقتله شرار أمتك على شرار الدوابّ  ، فويل للقاتل  ، وويل للسائق  ، وويل للقائد  ، قاتل الحسين أنا منه بريءٌ; وهو مني بريءٌ  ، لأنه لا يأتي أحد يوم القيامة إلاَّ وقاتل الحسين أعظم جرماً منه  ، قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون أن مع الله إلهاً آخر  ، والنار أشوق إلى قاتل الحسين ممّن أطاع الله إلى الجنَّة.
    قال : فبينا جبرئيل يهبط من السماء إلى الأرض إذ مرَّ بدردائيل  ، فقال له دردائيل : يا جبرائيل! ما هذه الليلة في السماء ؟ هل قامت القيامة على أهل الدنيا ؟ قال : لا  ، ولكن ولد لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) مولود في دار الدنيا  ، وقد بعثني الله عزَّ وجلَّ إليه لأهنِّئه بمولوده  ، فقال الملك له : يا جبرائيل! بالذي خلقك وخلقني إن هبطت إلى محمد فأقرئه منّي السلام  ، وقل له : بحق هذا المولود عليك إلاَّ ما سألت الله ربَّك أن يرضى عنّي  ، ويردَّ عليَّ أجنحتي ومقامي من صفوف الملائكة.
    فهبط جبرئيل على النبي ( صلى الله عليه وآله )   ، وهنَّأه كما أمره الله عزَّ وجلَّ وعزَّاه  ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : تقتله أمتي ؟ قال : نعم  ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما هؤلاء بأمتي  ، أنا بريء منهم


(534)
والله بريء منهم  ، قال جبرئيل : وأنا بريء منهم يا محمد.
    فدخل النبي ( صلى الله عليه وآله ) على فاطمة وهنَّأها وعزَّاها  ، فبكت فاطمة ( عليها السلام ) وقالت : يا ليتني لم ألده  ، قاتل الحسين في النار  ، وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أنا أشهد بذلك يا فاطمة  ، ولكنه لا يُقتل حتى يكون منه إمام تكون منه الأئمة الهادية بعده.
    ثمَّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : الأئمة بعدي : الهادي علي  ، المهتدي الحسن  ، الناصر الحسين  ، المنصور علي بن الحسين  ، الشافع محمد بن علي  ، النفّاع جعفر بن محمد  ، الأمين موسى بن جعفر  ، الرضا علي بن موسى  ، الفعَّال محمد بن علي  ، المؤتمن علي بن محمد  ، العلاّم الحسن بن علي  ، ومن يصلي خلفه عيسى بن مريم  ، فسكنت فاطمة من البكاء.
    ثمَّ أخبر جبرئيل النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) بقضيَّة المَلَك وما أصيب به  ، قال ابن عباس : فأخذ النبي ( صلى الله عليه وآله ) الحسين وهو ملفوف في خرق من صوف  ، فأشار به إلى السماء ثمَّ قال : اللَّهُمَّ بحقِّ هذا المولود عليك  ، لا بل بحقِّك عليه  ، وعلى جدِّه محمّد وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب  ، إن كان للحسين بن علي بن فاطمة عندك قدر فارض عن دردائيل  ، وردَّ عليه أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة  ، فاستجاب الله دعاءه  ، وغفر للمَلَك  ، والمَلَك لا يُعرف في الجنَّة إلاَّ بأن يقال : هذا مولى الحسين بن علي ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وابن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (1).
    وروي عن الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : كان ملك من المقرَّبين يقال له : صلصائيل  ، بعثه الله في بعث فأبطأ  ، فسلبه ريشه  ، ودقّ جناحيه  ، وأسكنه في جزيرة من جزائر البحر إلى ليلة ولد الحسين ( عليه السلام ) فنزلت الملائكة واستأذنت الله في تهنئة جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وتهنئة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وفاطمة ( عليها السلام )   ، فأذن الله لهم  ، فنزلوا أفواجاً من العرش  ، ومن سماء ( إلى ) سماء  ، فمرُّوا بصلصائيل وهو ملقى بالجزيرة.
1 ـ كمال الدين وتمام النعمة  ، الصدوق : 282 ـ 284 ح 35.

(535)
    فلمَّا نظروا إليه وقفوا  ، فقال لهم : يا ملائكة ربي! إلى أين تريدون ؟ وفيم هبطتم ؟ فقالت له الملائكة : يا صلصائيل! قد ولد في هذه الليلة أكرم مولود ولد في الدنيا بعد جدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأبيه علي وأمّه فاطمة وأخيه الحسن  ، وهو الحسين ( عليه السلام ) وقد استأذنّا الله في تهنئة حبيبه محمد ( صلى الله عليه وآله ) لولده فأذن لنا  ، فقال صلصائيل : يا ملائكة الله إني أسألكم بالله ربِّنا وربِّكم  ، وبحبيبه محمد ( صلى الله عليه وآله ) وبهذا المولود أن تحملوني معكم إلى حبيب الله  ، وتسألونه وأسأله أن يسأل الله بحقّ هذا المولود الذي وهبه الله أن يغفر لي خطيئتي  ، ويجبر كسر جناحي  ، ويردَّني إلى مقامي مع الملائكة المقرَّبين.
    فحملوه وجاؤوا به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فهنَّوه بابنه الحسين ( عليه السلام )   ، وقصّوا عليه قصّة المَلَك  ، وسألوه مسألة الله والإقسام عليه بحقّ الحسين ( عليه السلام ) أن يغفر له خطيئته  ، ويجبر كسر جناحه  ، ويردَّه إلى مقامه مع الملائكة المقرَّبين.
    فقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فدخل على فاطمة ( عليها السلام ) فقال لها : ناوليني ابني الحسين  ، فأخرجته إليه مقموطاً  ، يناغي جدَّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فخرج به إلى الملائكة  ، فحمله على بطن كفِّه  ، فهلَّلوا وكبَّروا  ، وحمدوا الله تعالى وأثنوا عليه  ، فتوجَّه به إلى القبلة نحو السماء فقال : اللَّهُمَّ إني أسألك بحقّ ابني الحسين أن تغفر لصلصائيل خطيئته  ، وتجبر كسر جناحه  ، وتردَّه إلى مقامه مع الملائكة المقرَّبين  ، فتقبَّل الله تعالى من النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ما أقسم به عليه  ، وغفر لصلصائيل خطيئته  ، وجبر كسر جناحه  ، وردَّه إلى مقامه مع الملائكة المقرَّبين (1).
    وروي أن جبرئيل ( عليه السلام ) نزل يوماً فوجد الزهراء ( عليها السلام ) نائمة  ، والحسين في مهده يبكي  ، فجعل يناغيه ويسلّيه حتى استيقظت  ، فسمعت صوت من يناغيه  ،
1 ـ بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 43/258 ح 47.

(536)
فالتفتت فلم تر أحداً  ، فأخبرها النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه كان جبرئيل ( عليه السلام ) (1).
    ولله درّ المرحوم الشيخ عبد المنعم الفرطوسي عليه الرحمة إذ يقول :
قُرْآنُ فَضْلِكَ فيه يَفْتَتِحُ الْفَمُ وبأُفْقِ مَهْدِكَ من جِهَادِكَ أَشْرَقَتْ أنت الحسينُ ودُوْنَ مَجْدِك في العُلاَ فَلَقَدْ وُلِدْتَ مطهَّراً في بُرْدَة وَلَقَدْ قُتِلْتَ بمَصْرَع يسمو به والحقُّ من عينيك يَنْبَعُ نورُهُ أضحى جبينُكَ وهو فُرْقَانُ الهُدَى وقرأتُ للفتحِ المباركِ سُورَةً فَخَضَبْتُ ناصيتي بِمَذْبَحِ جُثَّة وعلمتُ أنَّك هَدْيُ آلِ محمَّد حَمْداً وبالإِخلاصِ ذِكْرَكَ يَخْتِمُ لِلْفَتْحِ آيَاتٌ بِوَجْهِكَ تُرْسَمُ مَجْدُ المسيحِ ودونَ أُمِّك مريمُ مِنْ طُهْرِ فاطمة تُحَاكُ وَتُلْحَمُ مَجْدُ المَمَاتِ على الحَيَاةِ وَيَعْظُمُ والصدقُ في شفتيك جَمْرٌ مُضْرَمُ بِدَمِ الشهادةِ والسعادةِ يُوْسَمُ بالسَّهْم في صَفَحَاتِ قَلْبِكَ تُرْقَمُ في نَحْرِها الدامي يَحُزُّ الِمخْذَمُ وعريشُ مَهْدِكَ يومَ خَلْقِكَ مَأْتَمُ (2)

    روي عن أبان بن تغلب  ، عن أبي عبدالله  ، عن أبيه ( عليهما السلام ) أنه قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من أراد أن يحيى حياتي  ، ويموت ميتتي  ، ويدخل جنّة ربّي : جنة عدن غرسها بيده  ، فليتولَّ عليّاً  ، وليتولَّ وليَّه  ، وليعادِ عدوَّه  ، وليأتمَّ بالأوصياء من بعده  ، فإنهم أئمة الهدى من بعدي  ، أعطاهم الله فهمي وعلمي  ، وهم عترتي من
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/188.
2 ـ ديوان الفرطوسي : 2/17.


(537)
لحمي ودمي  ، إلى الله أشكو من أمتي  ، المنكرين لفضلهم  ، القاطعين فيهم صلتي  ، وأيم الله ليقتلنَّ ابني ـ يعني الحسين ـ لا أنالهم الله شفاعتي (1).
    وعن العوام مولى قريش قال : سمعت مولاي عمر بن هبيرة  ، قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والحسن والحسين في حجره  ، يقبِّل هذا مرّة  ، ويقبِّل هذا مرَّة  ، ويقول للحسين : الويل لمن يقتلك (2).
    وروي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : كان الحسين بن علي ذات يوم في حجر النبي ( صلى الله عليه وآله ) يلاعبه ويضاحكه  ، فقالت عائشة : يا رسول الله  ، ما أشد إعجابك بهذا الصبي!! فقال لها : ويلك  ، وكيف لا أحبُّه ولا أعجب به  ، وهو ثمرة فؤادي  ، وقرَّة عيني ؟ أما إنّ أمّتي ستقتله  ، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حَجَّة من حججي  ، قالت : يا رسول الله  ، حجَّة من حججك ؟ قال : نعم  ، وحجّتين من حججي  ، قالت : يا رسول الله  ، حجّتين من حججك ؟ قال : نعم  ، وأربعة  ، قال : فلم تزل تزاده ويزيد ويضعف حتّى بلغ تسعين حجَّة من حجج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأعمارها (3).
    وعن عبدالله بن محمد الصنعاني  ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا دخل الحسين ( عليه السلام ) اجتذبه إليه  ، ثمَّ يقول لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أمسكه  ، ثمَّ يقع عليه فيقبِّله ويبكي  ، فيقول : يا أبه! لم تبكي ؟ فيقول : يا بني! أقبِّل موضع السيوف منك وأبكي  ، قال : يا أبه! وأقتل ؟ قال : إي والله وأبوك وأخوك وأنت  ، قال : يا أبه! فمصارعنا شتَّى ؟ قال : نعم يا بنيَّ! قال : فمن يزورنا من أمتك ؟ قال : لا يزورني ولا يزور أباك وأخاك وأنت إلاّ الصدّيقون من أمتي (4).
    وروى ابن شهر آشوب عليه الرحمة في المناقب  ، عن ابن عباس قال : سألت
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/259.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/302 ح 11 عن كامل الزيارات.
3 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/260 عن كامل الزيارات.
4 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/261 ح 14 عن كامل الزيارات.


(538)
هند عائشة أن تسأل النبيَّ ( صلى الله عليه وآله ) تعبير رؤيا  ، فقال : قولي لها : فلتقصص رؤياها  ، فقالت : رأيت كأنّ الشمس قد طلعت من فوقي  ، والقمر قد خرج من مخرجي  ، وكأن كوكباً خرج من القمر أسود  ، فشدَّ على شمس خرجت من الشمس أصغر من الشمس فابتلعها  ، فاسودّ الأفق لابتلاعها  ، ثمَّ رأيت كواكب بدت من السماء وكواكب مسودّة في الأرض  ، إلاَّ أن المسودّة أحاطت بأفق الأرض من كل مكان.
    فاكتحلت عين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بدموعه  ، ثمَّ قال : هي هند  ، اخرجي يا عدوَّة الله ـ مرَّتين ـ فقد جدَّدت عليَّ أحزاني  ، ونعيت إليَّ أحبابي  ، فلمَّا خرجت قال : اللهم العنها والعن نسلها.
    فسئل عن تفسيرها فقال ( صلى الله عليه وآله )   ، : أمّا الشمس التي طلعت عليها فعلي بن أبي طالب ( عليه السلام )   ، والكوكب الذي خرج كالقمر أسود فهو معاوية  ، مفتون فاسق جاحد لله  ، وتلك الظلمة التي زعمت  ، ورأت كوكباً يخرج من القمر أسود  ، فشدَّ على شمس خرجت من الشمس أصغر من الشمس  ، فابتلعها فاسودَّت  ، فذلك ابني الحسين ( عليه السلام )   ، يقتله ابن معاوية فتسودُّ الشمس ويظلم الأفق  ، وأمّا الواكب السود في الأرض أحاطت بالأرض من كل مكان فتلك بنو أمية (1).
    وعن ابن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك المرض كان يقول : ادعوا لي حبيبي  ، فجعل يُدعى له رجل بعد رجل  ، فيعرض عنه  ، فقيل لفاطمة : امضي إلى عليّ  ، فما نرى رسول الله يريد غير علي  ، فبعثت فاطمة إلى علي ( عليه السلام )   ، فلمّا دخل فتح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عينيه وتهلَّل وجهه  ، ثمَّ قال : إليَّ يا علي  ، إليَّ يا علي  ، فما زال يدنيه حتى أخذه بيده وأجلسه عند رأسه  ، ثمَّ أغمي عليه  ، فجاء الحسن والحسين ( عليه السلام ) يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فأراد عليُّ ( عليه السلام ) أن ينحّيهما عنه  ، فأفاق رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، ثمَّ قال : يا علي! دعني أشمُّها ويشمَّاني  ، وأتزوَّد منهما  ،

1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/263 ح 21.

(539)
ويتزوَّدان منّي  ، أما إنهما سيُظلمان بعدي ويُقتلان ظلماً  ، فلعنة الله على من يظلمهما  ، يقول ذلك ثلاثاً  ، ثمَّ مدَّ يده إلى علي ( عليه السلام ) فجذبه إليه حتى أدخله تحت ثوبه الذي كان عليه  ، ووضع فاه على فيه  ، وجعل يناجيه مناجاة طويلة حتى خرجت روحه الطيِّبة  ، صلوات الله عليه وآله (1).
    وعن محمد بن جرير الطبري في كتاب دلائل الإمامة  ، بإسناده عن حذيفة قال : سمعت الحسين بن علي ( عليهما السلام ) يقول : والله ليجتمعن على قتلي طغاة بني أمية  ، ويقدمهم عمر بن سعد  ، وذلك في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله )   ، فقلت له : أنبأك بهذا رسول الله ؟ فقال : لا  ، فقال : فأتيت النبي فأخبرته فقال : علمي علمه  ، وعلمه علمي; لأنا نعلم بالكائن قبل كينونته (2).
    وعن عبدالله بن يحيى قال : دخلنا مع علي إلى صفّين  ، فلمَّا حاذى نينوى نادى : صبراً يا أبا عبدالله  ، فقال : دخلت على رسول الله وعيناه تفيضان  ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله  ، ما لعينيك تفيضان ؟ أغضبك أحد ؟ قال : لا  ، بل كان عندي جبرئيل فأخبرني أن الحسين يقتل بشاطىء الفرات  ، وقال : هل لك أن أشمَّك من تربته ؟ قلت : نعم  ، فمدَّ يده فأخذ قبضة من تراب فأعطانيها  ، فلم أملك عيني أن فاضتا  ، واسم الأرض كربلا.
    فلمَّا أتت عليه سنتان خرج النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) إلى سفر  ، فوقف في بعض الطريق واسترجع ودمعت عيناه  ، فسئل عن ذلك فقال : هذا جبرئيل يخبرني عن أرض بشطّ الفرات  ، يقال لها : كربلا  ، يقتل فيها ولدي الحسين  ، وكأني أنظر إليه وإلى مصرعه ومدفنه بها  ، وكأني أنظر إلى السبايا على أقتاب المطايا  ، وقد أُهدي رأس ولدي الحسين إلى يزيد لعنه الله  ، فوالله ما ينظر أحد إلى رأس الحسين ويفرح إلاَّ خالف الله بين قلبه ولسانه  ، وعذَّبه الله عذاباً أليماً.
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 22/510.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/186 ح 14.


(540)
    ثمَّ رجع النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) من سفره مغموماً مهموماً  ، كئيباً حزيناً  ، فصعد المنبر وأصعد معه الحسن والحسين  ، وخطب ووعظ الناس  ، فلمَّا فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن  ، ويده اليسرى على رأس الحسين  ، وقال : اللهم إن محمداً عبدك ورسولك  ، وهذان أطائب عترتي  ، وخيار أرومتي  ، وأفضل ذرّيّتي  ، ومن أخلِّفهما في أمتي  ، وقد أخبرني جبرئيل أن ولدي هذا مقتول بالسمّ  ، والآخر شهيد مضرَّج بالدم  ، اللهم فبارك له في قتله  ، واجعله من سادات الشهداء  ، اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله  ، وأَصْلِهِ حرَّ نارك  ، واحشره في أسفل درك الجحيم.
    قال : فضجَّ الناس بالبكاء والعويل  ، فقال لهم النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) : أيُّها الناس! أتبكونه ولا تنصرونه اللهم فكن أنت له ولياً وناصراً  ، ثمَّ قال : يا قوم! إني مخلِّف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي  ، وأرومتي  ، ومزاج مائي  ، وثمرة فؤادي  ، ومهجتي  ، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض  ، ألا وإني لا أسألكم في ذلك إلاَّ ما أمرني ربي أن أسألكم عنه  ، أسألكم عن المودّة في القربى  ، واحذروا أن تلقوني غداً على الحوض وقد آذيتم عترتي  ، وقتلتم أهل بيتي وظلمتموهم  ، ألا إنه سيرد عليَّ يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة : الأولى راية سوداء مظلمة  ، قد فزعت منها الملائكة  ، فتقف عليَّ فأقول لهم : من أنتم ؟ فينسون ذكري  ، ويقولون : نحن أهل التوحيد من العرب  ، فأقول لهم : أنا أحمد نبيُّ العرب والعجم  ، فيقولون : نحن من أمَّتك  ، فأقول : كيف خلَّفتموني من بعدي في أهل بيتي وعترتي وكتاب ربّي ؟ فيقولون : أمَّا الكتاب فضيَّعناه  ، وأمَّا العترة فحرصنا أن نبيدهم عن جديد الأرض  ، فلمَّا أسمع ذلك منهم أعرض عنهم وجهي  ، فيصدرون عُطاشى مسوّدةً وجوهُهُم.
    ثمَّ ترد عليَّ راية أُخرى أشدُّ سواداً من الأُولى  ، فأقول لهم : كيف خلَّفتموني من بعدي في الثقلين : كتاب الله وعترتي  ؟ فيقولون : أمَّا الأكبر فخالفناه  ، وأما الأصغر فمزَّقناهم كلَّ ممزَّق  ، فأقول : إليكم عني  ، فيصدرون عطاشى مسودّة وجوههم.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس