|
|||||||||||||||
(526)
التراب ، فقلت : ما لك يا رسول الله ؟ فقال : شهدت قتل الحسين آنفاً.
وعن شهر بن حوشب أنه دخل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) على النبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) وهو يوحى إليه ، فنزل الوحي على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو منكبٌّ على ظهره ، فقال جبرئيل : تحبُّه ؟ فقال : ألا أحبُّ ابني ؟ فقال : إن أمتك ستقتله من بعدك ، فمدَّ جبرئيل يده فإذا بتربة بيضاء ، فقال : في هذه التربة يقتل ابنك ، هذه ـ يا محمد ـ اسمها الطف. وفي أخبار سالم بن الجعد أنه كان ذلك ميكائيل ، وفي مسند أبي يعلى أن ذلك ملك القطر. وروي عن ابن عباس أنه قال : بينا أنا راقد في منزلي إذ سمعت صراخاً عظيماً عالياً من بيت أمِّ سلمة ، وهي تقول : يا بنات عبد المطلب ، أسعدنني وابكين معي ، فقد قُتل سيِّدكنَّ ، فقيل : ومن أين علمت ذلك ؟ قالت : رأيت رسول الله الساعة في المنام شعثاً مذعوراً ، فسألته عن ذلك فقال : قتل ابني الحسين وأهل بيته فدفنتهم ، قالت : فنظرت فإذا بتربة الحسين التي أتى بها جبرئيل من كربلاء ، وقال : إذا صارت دماً فقد قتل ابنك ، فأعطانيها النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) فقال : اجعليها في زجاجة فلتكن عندك ، فإذا صارت دماً فقد قتل الحسين ( عليه السلام ) ، فرأيت القارورة الآن قد صارت دماً عبيطاً يفور (1). وروي عن الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : أصبحت يوماً أمّ سلمة رضي الله عنها تبكي ، فقيل لها : مِمَ بُكاؤكِ ؟ فقالت : لقد قتل ابني الحسين الليلة ، وذلك أنني ما رأيت رسول الله منذ مضى إلاَّ الليلة ، فرأيته شاحباً كئيباً ، فقالت : قلت : ما لي أراك يا رسول الله شاحباً كئيباً ؟ قال : ما زلت الليلة أحفر القبور للحسين 1 ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/213. (527)
وأصحابه عليه وعليهم السلام (1).
وعن ابن عباس قال : بينا أنا راقد في منزلي إذ سمعت صراخاً عظيماً عالياً من بيت أمّ سلمة زوج النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فخرجت يتوجَّه بي قائدي إلى منزلها ، وأقبل أهل المدينة إليها الرجال والنساء ، فلمّا انتهيت إليها قلت : يا أم المؤمنين! ما لك تصرخين وتغوثين ؟ فلم تجبني ، وأقبلت على النسوة الهاشميات وقالت : يا بنات عبدالمطلب ، أسعدنني وابكين معي فقد قتل والله سيِّدكنَّ وسيِّد شباب أهل الجنة ، قد والله قتل سبط رسول الله وريحانته الحسين ، فقلت : يا أمَّ المؤمنين ، ومن أين علمت ذلك ؟ قالت : رأيت رسول الله في المنام الساعة شعثاً مذعوراً ، فسألته عن شأنه ذلك فقال : قتل ابني الحسين ( عليه السلام ) وأهل بيته اليوم فدفنتهم ، والساعة فرغت من دفنهم. قالت : فقمت حتى دخلت البيت وأنا لا أكاد أن أعقل ، فنظرت فإذا بتربة الحسين التي أتى بها جبرئيل من كربلا ، فقال : إذا صارت هذه التربة دماً فقد قُتل ابنك ، وأعطانيها النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) فقال : اجعلي هذه التربة في زجاجة ـ أو قال : في قارورة ـ ولتكن عندك ، فإذا صارت دماً عبيطاً فقد قتل الحسين ، فرأيت القارورة الآن وقد صارت دماً عبيطاً تفور. قال : فأخذت أمّ سلمة من ذلك الدم فلطَّخت به وجهها ، وجعلت ذلك اليوم مأتماً ومناحةً على الحسين ( عليه السلام ) ، فجاءت الركبان بخبره وأنه قتل في ذلك اليوم. قال عمرو بن ثابت : قال أبي : فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي منزله ، فسألته عن هذا الحديث ، وذكرت له رواية سعيد بن جبير هذا الحديث عن عبدالله ابن عباس ، فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : حدَّثنيه عمر بن أبي سلمة عن أمّه أمّ سلمة. قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير عنه قال : فلمَّا كانت الليلة القابلة 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/230 عن الأمالي ، الطوسي : 90 ح 49. (528)
رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في منامي أغبر أشعث ، فذكرت له ذلك ، وسألته عن شأنه ، فقال لي : ألم تعلم أنّي فرغت من دفن الحسين وأصحابه ؟!
قال عمرو بن أبي المقدام : فحدَّثني سدير ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أن جبرئيل جاء إلى النبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) بالتربة التي يقتل عليها الحسين ( عليه السلام ) ، قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : فهي عندنا (1). وذكر العلامة المجلسي عليه الرحمة : عن بعض كتب المناقب ، عن أحمد بن جعفر القطيفي ، بالإسناد عن عمار أن ابن عباس رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في منامه يوماً بنصف النهار ، وهو أشعث أغبر ، في يده قارورة فيها دم ، فقال : يا رسول الله! ما هذا الدم ؟ قال : دم الحسين ؟ لم أزل ألتقطه منذ اليوم ، فأحصي ذلك اليوم ، فوجد أنه قتل في ذلك اليوم (2). وروى زرّ بن حبيش ، عن سلمى قالت : دخلت على أم سلمة وهي تبكي ، فقلت لها : ما يبكيك ؟ قالت : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المنام ، وعلى رأسه ولحيته أثر التراب ، فقلت : ما لك ـ يا رسول الله ـ مغبراً ؟ قال : شهدت قتل الحسين آنفاً (3). وروي أن سلمى المدنيَّة قالت : دفع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى أمّ سلمة قارورة فيها رمل من الطفّ ، وقال لها : إذا تحوَّل هذا دماً عبيطاً فعند ذلك يقتل الحسين ، قالت سلمى : فارتفعت واعية من حجرة أم سلمة ، فكنت أول من أتاها ، فقلت : ما دهاك يا أمَّ المؤمنين ؟ قالت : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المنام والتراب على رأسه ، فقلت : ما لك ؟ فقال : وثب الناس على ابني فقتلوه ، وقد شهدته قتيلا الساعة ، 1 ـ الأمالي ، الطوسي : 315 ح 87 ، بحار الأنوار : 25/231. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/231 ح 3 ، المستدرك ، الحاكم : 4/398 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 3/110. 3 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/232 ح 3 ، سنن الترمذي : 5/323 ، المستدرك ، الحاكم : 4/19. (529)
فاقشعرَّ جلدي ، فوثبت إلى القارورة ، فوجدتها تفور دماً ، قالت سلمى : فرأيتها موضوعة بين يديها (1)
وعن أمّ سلمة قالت : بينا رسول الله ذات يوم جالساً ، والحسين جالس في حجره ، إذا هملت عيناه بالدموع ، فقلت له : يا رسول الله! ما لي أراك تبكي جعلت فداك ؟ قال : جاءني جبرئيل فعزَّاني بابني الحسين ، وأخبرني أن طائفة من أمتي تقتله ، لا أنالها الله شفاعتي. وروي بإسناد آخر عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من عندنا ذات ليلة فغاب عنا طويلا ، ثمَّ جاءنا وهو أشعث أغبر ، ويده مضمومة ، فقلت له : يا رسول الله! ما لي أراك شعثاً مغبراً ؟ فقال : أسري بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق يقال له : كربلاء ، فأريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي ، فلم أزل ألقط دماءهم ، فها هو في يدي ، وبسطها إليَّ فقال : خذيها فاحتفظي بها ، فأخذتها فإذا هي شبه تراب أحمر ، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها. فلمَّا خرج الحسين ( عليه السلام ) من مكة متوجِّهاً نحو العراق كنت أخرج تلك القارورة في كل يوم وليلة ، وأشمُّها وأنظر إليها ثمَّ أبكي لمصابه ، فلمَّا كان في اليوم العاشر من المحرَّم ـ وهو اليوم الذي قتل فيه ( عليه السلام ) ـ أخرجتها في أول النهار وهي بحالها ، ثمَّ عدت إليها آخر النهار فإذا هي دم عبيط ، فصحت في بيتي وبكيت وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة فيتسرَّعوا بالشماتة ، فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي ينعاه فحقَّق ما رأيت (2). وروي في بعض كتب المناقب المعتبرة ، عن أم سلمة قالت : جاء جبرئيل إلى 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/232. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/239 ح 31. (530)
النبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) فقال : إن أمتك تقتله ـ يعني الحسين ـ بعدك ، ثمَّ قال : ألا أريك من تربته ؟ قالت : فجاء بحصيات فجعلهن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في قارورة ، فلمَّا كان ليلة قتل الحسين ( عليه السلام ) قالت أم سلمة : سمعت قائلا يقول :
ولله درّ الشيخ حسن التاروتي عليه الرحمة وطيب الله تربته إذ يقول :
قال الراوندي عليه الرحمة : روي أنّه لمَّا ولد الحسين ( عليه السلام ) أمر الله تعالى 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/241 ح 34. 2 ـ رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 97 ـ 98. (531)
جبرئيل أن يهبط في ملأ من الملائكة فيهنىء محمّداً ، فهبط فمرَّ بجزيرة فيها مَلَك يقال له : فطرس ، بعثه الله في شيء فأبطأ فكسر جناحه فألقاه في تلك الجزيرة ، فعبد الله سبعمائة عام ، فقال فطرس لجبرئيل : إلى أين ؟ فقال : إلى محمد ، قال : احملني معك إلى محمد لعلّه يدعو لي.
فلمّا دخل جبرئيل وأخبر محمداً بحال فطرس قال له النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) : قل له : يتمسَّح بهذا المولود ، فتمسَّح فطرس بمهد الحسين ( عليه السلام ) ، فأعاد الله عليه في الحال جناحه ، ثمَّ ارتفع مع جبرئيل إلى السماء فسمِّي عتيق الحسين ( عليه السلام ) (1). ولله درّ الشيخ محمد علي اليعقوبي عليه الرحمة إذ يقول :
1 ـ الخرائج والجرائح ، الراوندي : 1/252 ـ 253 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44/182 ح 7. 2 ـ الشيخ اليعقوبي دراسة نقدية في شعره ، الدكتور عبد الصاحب الموسوي : 341. (532)
قال : فلمَّا دخل جبرئيل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) هنَّأه من الله عزَّ وجلَّ ومنه ، وأخبره بحال فطرس ، فقال النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) : قل له : تمسَّح بهذا المولود ، وعد إلى مكانك ، قال : فتمسَّح فطرس بالحسين بن علي ( عليهما السلام ) وارتفع ، فقال يا رسول الله! أما إن أمَّتك ستقتله ، وله عليَّ مكافاة ألا يزوره زائر إلاَّ أبلغته عنه ، ولا يُسلِّم عليه مسلِّم إلاَّ أبلغته سلامه ، ولا يصلّي عليه مصلٍّ إلاَّ أبلغته صلاته ، ثمَّ ارتفع (1).
ولله درّ الشيخ محمد رضا الغراوي عليه الرحمة إذ يقول :
فلمَّا ولد الحسين بن علي ( صلوات الله عليهما ) ـ وكان مولده عشية الخميس 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 43/243 ح 18. 2 ـ ظرافة الأحلام ، السماوي : 61. (533)
ليلة الجمعة ـ أوحى الله إلى مالك خازن النيران : أن أخمد النيران على أهلها لكرامة مولود ولد لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وأوحى إلى رضوان خازن الجنان : أن زخرف الجنان وطيِّبها لكرامة مولود ولد لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) في دار الدنيا ، وأوحى إلى حور العين : أن تزيَّنَّ وتزاورن لكرامة مولود ولد لمحمَّد ( صلى الله عليه وآله ) في دار الدنيا.
وأوحى الله إلى الملائكة : أن قوموا صفوفاً بالتسبيح والتحميد والتمجيد والتكبير ، لكرامة مولود ولد لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) في دار الدنيا ، وأوحى الله عزَّ وجلَّ إلى جبرئيل ( عليه السلام ) : أن اهبط إلى نبيّي محمّد في ألف قبيل ، في القبيل ألف ألف ملك ، على خيول بلق مسرجة ملجمة ، عليها قباب الدرّ والياقوت ، معهم ملائكة يقال لهم : الروحانيون ، بأيديهم حراب من نور ، أن هنِّئوا محمّداً بمولوده ، وأخبره ـ يا جبرئيل ـ أني قد سمَّيته الحسين ، وعزِّه وقل له : يا محمد! يقتله شرار أمتك على شرار الدوابّ ، فويل للقاتل ، وويل للسائق ، وويل للقائد ، قاتل الحسين أنا منه بريءٌ; وهو مني بريءٌ ، لأنه لا يأتي أحد يوم القيامة إلاَّ وقاتل الحسين أعظم جرماً منه ، قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون أن مع الله إلهاً آخر ، والنار أشوق إلى قاتل الحسين ممّن أطاع الله إلى الجنَّة. قال : فبينا جبرئيل يهبط من السماء إلى الأرض إذ مرَّ بدردائيل ، فقال له دردائيل : يا جبرائيل! ما هذه الليلة في السماء ؟ هل قامت القيامة على أهل الدنيا ؟ قال : لا ، ولكن ولد لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) مولود في دار الدنيا ، وقد بعثني الله عزَّ وجلَّ إليه لأهنِّئه بمولوده ، فقال الملك له : يا جبرائيل! بالذي خلقك وخلقني إن هبطت إلى محمد فأقرئه منّي السلام ، وقل له : بحق هذا المولود عليك إلاَّ ما سألت الله ربَّك أن يرضى عنّي ، ويردَّ عليَّ أجنحتي ومقامي من صفوف الملائكة. فهبط جبرئيل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وهنَّأه كما أمره الله عزَّ وجلَّ وعزَّاه ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : تقتله أمتي ؟ قال : نعم ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما هؤلاء بأمتي ، أنا بريء منهم (534)
والله بريء منهم ، قال جبرئيل : وأنا بريء منهم يا محمد.
فدخل النبي ( صلى الله عليه وآله ) على فاطمة وهنَّأها وعزَّاها ، فبكت فاطمة ( عليها السلام ) وقالت : يا ليتني لم ألده ، قاتل الحسين في النار ، وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أنا أشهد بذلك يا فاطمة ، ولكنه لا يُقتل حتى يكون منه إمام تكون منه الأئمة الهادية بعده. ثمَّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : الأئمة بعدي : الهادي علي ، المهتدي الحسن ، الناصر الحسين ، المنصور علي بن الحسين ، الشافع محمد بن علي ، النفّاع جعفر بن محمد ، الأمين موسى بن جعفر ، الرضا علي بن موسى ، الفعَّال محمد بن علي ، المؤتمن علي بن محمد ، العلاّم الحسن بن علي ، ومن يصلي خلفه عيسى بن مريم ، فسكنت فاطمة من البكاء. ثمَّ أخبر جبرئيل النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) بقضيَّة المَلَك وما أصيب به ، قال ابن عباس : فأخذ النبي ( صلى الله عليه وآله ) الحسين وهو ملفوف في خرق من صوف ، فأشار به إلى السماء ثمَّ قال : اللَّهُمَّ بحقِّ هذا المولود عليك ، لا بل بحقِّك عليه ، وعلى جدِّه محمّد وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ، إن كان للحسين بن علي بن فاطمة عندك قدر فارض عن دردائيل ، وردَّ عليه أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة ، فاستجاب الله دعاءه ، وغفر للمَلَك ، والمَلَك لا يُعرف في الجنَّة إلاَّ بأن يقال : هذا مولى الحسين بن علي ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وابن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (1). وروي عن الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : كان ملك من المقرَّبين يقال له : صلصائيل ، بعثه الله في بعث فأبطأ ، فسلبه ريشه ، ودقّ جناحيه ، وأسكنه في جزيرة من جزائر البحر إلى ليلة ولد الحسين ( عليه السلام ) فنزلت الملائكة واستأذنت الله في تهنئة جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وتهنئة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وفاطمة ( عليها السلام ) ، فأذن الله لهم ، فنزلوا أفواجاً من العرش ، ومن سماء ( إلى ) سماء ، فمرُّوا بصلصائيل وهو ملقى بالجزيرة. 1 ـ كمال الدين وتمام النعمة ، الصدوق : 282 ـ 284 ح 35. (535)
فلمَّا نظروا إليه وقفوا ، فقال لهم : يا ملائكة ربي! إلى أين تريدون ؟ وفيم هبطتم ؟ فقالت له الملائكة : يا صلصائيل! قد ولد في هذه الليلة أكرم مولود ولد في الدنيا بعد جدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأبيه علي وأمّه فاطمة وأخيه الحسن ، وهو الحسين ( عليه السلام ) وقد استأذنّا الله في تهنئة حبيبه محمد ( صلى الله عليه وآله ) لولده فأذن لنا ، فقال صلصائيل : يا ملائكة الله إني أسألكم بالله ربِّنا وربِّكم ، وبحبيبه محمد ( صلى الله عليه وآله ) وبهذا المولود أن تحملوني معكم إلى حبيب الله ، وتسألونه وأسأله أن يسأل الله بحقّ هذا المولود الذي وهبه الله أن يغفر لي خطيئتي ، ويجبر كسر جناحي ، ويردَّني إلى مقامي مع الملائكة المقرَّبين.
فحملوه وجاؤوا به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فهنَّوه بابنه الحسين ( عليه السلام ) ، وقصّوا عليه قصّة المَلَك ، وسألوه مسألة الله والإقسام عليه بحقّ الحسين ( عليه السلام ) أن يغفر له خطيئته ، ويجبر كسر جناحه ، ويردَّه إلى مقامه مع الملائكة المقرَّبين. فقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فدخل على فاطمة ( عليها السلام ) فقال لها : ناوليني ابني الحسين ، فأخرجته إليه مقموطاً ، يناغي جدَّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فخرج به إلى الملائكة ، فحمله على بطن كفِّه ، فهلَّلوا وكبَّروا ، وحمدوا الله تعالى وأثنوا عليه ، فتوجَّه به إلى القبلة نحو السماء فقال : اللَّهُمَّ إني أسألك بحقّ ابني الحسين أن تغفر لصلصائيل خطيئته ، وتجبر كسر جناحه ، وتردَّه إلى مقامه مع الملائكة المقرَّبين ، فتقبَّل الله تعالى من النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ما أقسم به عليه ، وغفر لصلصائيل خطيئته ، وجبر كسر جناحه ، وردَّه إلى مقامه مع الملائكة المقرَّبين (1). وروي أن جبرئيل ( عليه السلام ) نزل يوماً فوجد الزهراء ( عليها السلام ) نائمة ، والحسين في مهده يبكي ، فجعل يناغيه ويسلّيه حتى استيقظت ، فسمعت صوت من يناغيه ، 1 ـ بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : 43/258 ح 47. (536)
فالتفتت فلم تر أحداً ، فأخبرها النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه كان جبرئيل ( عليه السلام ) (1).
ولله درّ المرحوم الشيخ عبد المنعم الفرطوسي عليه الرحمة إذ يقول :
روي عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه ( عليهما السلام ) أنه قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من أراد أن يحيى حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل جنّة ربّي : جنة عدن غرسها بيده ، فليتولَّ عليّاً ، وليتولَّ وليَّه ، وليعادِ عدوَّه ، وليأتمَّ بالأوصياء من بعده ، فإنهم أئمة الهدى من بعدي ، أعطاهم الله فهمي وعلمي ، وهم عترتي من 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/188. 2 ـ ديوان الفرطوسي : 2/17. (537)
لحمي ودمي ، إلى الله أشكو من أمتي ، المنكرين لفضلهم ، القاطعين فيهم صلتي ، وأيم الله ليقتلنَّ ابني ـ يعني الحسين ـ لا أنالهم الله شفاعتي (1).
وعن العوام مولى قريش قال : سمعت مولاي عمر بن هبيرة ، قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والحسن والحسين في حجره ، يقبِّل هذا مرّة ، ويقبِّل هذا مرَّة ، ويقول للحسين : الويل لمن يقتلك (2). وروي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : كان الحسين بن علي ذات يوم في حجر النبي ( صلى الله عليه وآله ) يلاعبه ويضاحكه ، فقالت عائشة : يا رسول الله ، ما أشد إعجابك بهذا الصبي!! فقال لها : ويلك ، وكيف لا أحبُّه ولا أعجب به ، وهو ثمرة فؤادي ، وقرَّة عيني ؟ أما إنّ أمّتي ستقتله ، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حَجَّة من حججي ، قالت : يا رسول الله ، حجَّة من حججك ؟ قال : نعم ، وحجّتين من حججي ، قالت : يا رسول الله ، حجّتين من حججك ؟ قال : نعم ، وأربعة ، قال : فلم تزل تزاده ويزيد ويضعف حتّى بلغ تسعين حجَّة من حجج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأعمارها (3). وعن عبدالله بن محمد الصنعاني ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا دخل الحسين ( عليه السلام ) اجتذبه إليه ، ثمَّ يقول لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أمسكه ، ثمَّ يقع عليه فيقبِّله ويبكي ، فيقول : يا أبه! لم تبكي ؟ فيقول : يا بني! أقبِّل موضع السيوف منك وأبكي ، قال : يا أبه! وأقتل ؟ قال : إي والله وأبوك وأخوك وأنت ، قال : يا أبه! فمصارعنا شتَّى ؟ قال : نعم يا بنيَّ! قال : فمن يزورنا من أمتك ؟ قال : لا يزورني ولا يزور أباك وأخاك وأنت إلاّ الصدّيقون من أمتي (4). وروى ابن شهر آشوب عليه الرحمة في المناقب ، عن ابن عباس قال : سألت 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/259. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/302 ح 11 عن كامل الزيارات. 3 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/260 عن كامل الزيارات. 4 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/261 ح 14 عن كامل الزيارات. (538)
هند عائشة أن تسأل النبيَّ ( صلى الله عليه وآله ) تعبير رؤيا ، فقال : قولي لها : فلتقصص رؤياها ، فقالت : رأيت كأنّ الشمس قد طلعت من فوقي ، والقمر قد خرج من مخرجي ، وكأن كوكباً خرج من القمر أسود ، فشدَّ على شمس خرجت من الشمس أصغر من الشمس فابتلعها ، فاسودّ الأفق لابتلاعها ، ثمَّ رأيت كواكب بدت من السماء وكواكب مسودّة في الأرض ، إلاَّ أن المسودّة أحاطت بأفق الأرض من كل مكان.
فاكتحلت عين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بدموعه ، ثمَّ قال : هي هند ، اخرجي يا عدوَّة الله ـ مرَّتين ـ فقد جدَّدت عليَّ أحزاني ، ونعيت إليَّ أحبابي ، فلمَّا خرجت قال : اللهم العنها والعن نسلها. فسئل عن تفسيرها فقال ( صلى الله عليه وآله ) ، : أمّا الشمس التي طلعت عليها فعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، والكوكب الذي خرج كالقمر أسود فهو معاوية ، مفتون فاسق جاحد لله ، وتلك الظلمة التي زعمت ، ورأت كوكباً يخرج من القمر أسود ، فشدَّ على شمس خرجت من الشمس أصغر من الشمس ، فابتلعها فاسودَّت ، فذلك ابني الحسين ( عليه السلام ) ، يقتله ابن معاوية فتسودُّ الشمس ويظلم الأفق ، وأمّا الواكب السود في الأرض أحاطت بالأرض من كل مكان فتلك بنو أمية (1). وعن ابن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك المرض كان يقول : ادعوا لي حبيبي ، فجعل يُدعى له رجل بعد رجل ، فيعرض عنه ، فقيل لفاطمة : امضي إلى عليّ ، فما نرى رسول الله يريد غير علي ، فبعثت فاطمة إلى علي ( عليه السلام ) ، فلمّا دخل فتح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عينيه وتهلَّل وجهه ، ثمَّ قال : إليَّ يا علي ، إليَّ يا علي ، فما زال يدنيه حتى أخذه بيده وأجلسه عند رأسه ، ثمَّ أغمي عليه ، فجاء الحسن والحسين ( عليه السلام ) يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأراد عليُّ ( عليه السلام ) أن ينحّيهما عنه ، فأفاق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثمَّ قال : يا علي! دعني أشمُّها ويشمَّاني ، وأتزوَّد منهما ، 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/263 ح 21. (539)
ويتزوَّدان منّي ، أما إنهما سيُظلمان بعدي ويُقتلان ظلماً ، فلعنة الله على من يظلمهما ، يقول ذلك ثلاثاً ، ثمَّ مدَّ يده إلى علي ( عليه السلام ) فجذبه إليه حتى أدخله تحت ثوبه الذي كان عليه ، ووضع فاه على فيه ، وجعل يناجيه مناجاة طويلة حتى خرجت روحه الطيِّبة ، صلوات الله عليه وآله (1).
وعن محمد بن جرير الطبري في كتاب دلائل الإمامة ، بإسناده عن حذيفة قال : سمعت الحسين بن علي ( عليهما السلام ) يقول : والله ليجتمعن على قتلي طغاة بني أمية ، ويقدمهم عمر بن سعد ، وذلك في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقلت له : أنبأك بهذا رسول الله ؟ فقال : لا ، فقال : فأتيت النبي فأخبرته فقال : علمي علمه ، وعلمه علمي; لأنا نعلم بالكائن قبل كينونته (2). وعن عبدالله بن يحيى قال : دخلنا مع علي إلى صفّين ، فلمَّا حاذى نينوى نادى : صبراً يا أبا عبدالله ، فقال : دخلت على رسول الله وعيناه تفيضان ، فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ما لعينيك تفيضان ؟ أغضبك أحد ؟ قال : لا ، بل كان عندي جبرئيل فأخبرني أن الحسين يقتل بشاطىء الفرات ، وقال : هل لك أن أشمَّك من تربته ؟ قلت : نعم ، فمدَّ يده فأخذ قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا ، واسم الأرض كربلا. فلمَّا أتت عليه سنتان خرج النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) إلى سفر ، فوقف في بعض الطريق واسترجع ودمعت عيناه ، فسئل عن ذلك فقال : هذا جبرئيل يخبرني عن أرض بشطّ الفرات ، يقال لها : كربلا ، يقتل فيها ولدي الحسين ، وكأني أنظر إليه وإلى مصرعه ومدفنه بها ، وكأني أنظر إلى السبايا على أقتاب المطايا ، وقد أُهدي رأس ولدي الحسين إلى يزيد لعنه الله ، فوالله ما ينظر أحد إلى رأس الحسين ويفرح إلاَّ خالف الله بين قلبه ولسانه ، وعذَّبه الله عذاباً أليماً. 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 22/510. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/186 ح 14. (540)
ثمَّ رجع النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) من سفره مغموماً مهموماً ، كئيباً حزيناً ، فصعد المنبر وأصعد معه الحسن والحسين ، وخطب ووعظ الناس ، فلمَّا فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن ، ويده اليسرى على رأس الحسين ، وقال : اللهم إن محمداً عبدك ورسولك ، وهذان أطائب عترتي ، وخيار أرومتي ، وأفضل ذرّيّتي ، ومن أخلِّفهما في أمتي ، وقد أخبرني جبرئيل أن ولدي هذا مقتول بالسمّ ، والآخر شهيد مضرَّج بالدم ، اللهم فبارك له في قتله ، واجعله من سادات الشهداء ، اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله ، وأَصْلِهِ حرَّ نارك ، واحشره في أسفل درك الجحيم.
قال : فضجَّ الناس بالبكاء والعويل ، فقال لهم النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) : أيُّها الناس! أتبكونه ولا تنصرونه اللهم فكن أنت له ولياً وناصراً ، ثمَّ قال : يا قوم! إني مخلِّف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي ، وأرومتي ، ومزاج مائي ، وثمرة فؤادي ، ومهجتي ، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، ألا وإني لا أسألكم في ذلك إلاَّ ما أمرني ربي أن أسألكم عنه ، أسألكم عن المودّة في القربى ، واحذروا أن تلقوني غداً على الحوض وقد آذيتم عترتي ، وقتلتم أهل بيتي وظلمتموهم ، ألا إنه سيرد عليَّ يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة : الأولى راية سوداء مظلمة ، قد فزعت منها الملائكة ، فتقف عليَّ فأقول لهم : من أنتم ؟ فينسون ذكري ، ويقولون : نحن أهل التوحيد من العرب ، فأقول لهم : أنا أحمد نبيُّ العرب والعجم ، فيقولون : نحن من أمَّتك ، فأقول : كيف خلَّفتموني من بعدي في أهل بيتي وعترتي وكتاب ربّي ؟ فيقولون : أمَّا الكتاب فضيَّعناه ، وأمَّا العترة فحرصنا أن نبيدهم عن جديد الأرض ، فلمَّا أسمع ذلك منهم أعرض عنهم وجهي ، فيصدرون عُطاشى مسوّدةً وجوهُهُم. ثمَّ ترد عليَّ راية أُخرى أشدُّ سواداً من الأُولى ، فأقول لهم : كيف خلَّفتموني من بعدي في الثقلين : كتاب الله وعترتي ؟ فيقولون : أمَّا الأكبر فخالفناه ، وأما الأصغر فمزَّقناهم كلَّ ممزَّق ، فأقول : إليكم عني ، فيصدرون عطاشى مسودّة وجوههم. |
|||||||||||||||
|