المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 541 ـ 555
(541)
    ثمَّ ترد عليَّ راية تلمع وجوههم نوراً  ، فأقول لهم : من أنتم ؟ فيقولون : نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى من أمَّة محمد المصطفى  ، ونحن بقيَّة أهل الحقّ  ، حملنا كتاب ربِّنا  ، وحلَّلنا حلاله  ، وحرَّمنا حرامه  ، وأحببنا ذرّيّة نبيِّنا محمَّد  ، ونصرناهم من كلِّ ما نصرنا به أنفسَنَا  ، وقاتلنا معهم من ناواهم  ، فأقول لهم : أبشروا فأنا نبيُّكم محمد  ، ولقد كنتم في الدنيا كما قلتم  ، ثمَّ أسقيهم من حوضي  ، فيصدرون مروّيين مستبشرين  ، ثمَّ يدخلون الجنَّة خالدين فيها أبد الآبدين (1).
    ولله درّ السيد الحميري عليه الرحمة إذ يقول :
والناسُ يومَ الحشرِ راياتُهُمْ أربعةٌ في سَقَر أُوْدِعُوا ورايةٌ يَقْدُمُها حيدرٌ غداً يُلاَقي المصطفى حيدرٌ مَوْلىً له الجنَّةُ مأمورةٌ إمامُ صِدْق وَلَهُ شِيعةٌ بذاك جاء الوحيُ من ربِّنا خَمْسٌ فمنها هَالِكٌ أربعُ ليس لها من قَعْرِها مَطْلَعُ ووجهُهُ كالشمسِ إذ تطلعُ ورايةُ الحَمْدِ له تُرْفَعُ والنّارُ من إِجْلاَلِهِ تَفْزَعُ يُرْوَوا من الحَوْضِ ولم يُمْنَعُوا يا شيعةَ الحقِّ فلا تجزعوا (2)

    روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن الأصبغ بن نباتة قال : بينا أمير
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/247.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 47/331 ـ 332.


(542)
المؤمنين ( عليه السلام ) يخطب الناس وهو يقول : سلوني قبل أن تفقدوني  ، فوالله لا تسألوني عن شيء مضى  ، ولا عن شيء يكون إلاَّ نبأتكم به فقام إليه سعد بن أبي وقاص فقال : يا أمير المؤمنين! أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة ؟ فقال له : أما والله لقد سألتني عن مسألة حدَّثني خليلي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنك ستسألني عنها  ، وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلاَّ وفي أصلها شيطان جالس  ، وإن في بيتك لسخلا يقتل الحسين ابني  ، وعمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه (1).
    وروى الشيخ المفيد عليه الرحمة قال : وجاء في الآثار أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان يخطب  ، فقال في خطبته : سلوني قبل أن تفقدوني  ، فوالله لا تسألوني عن فئة تضلّ مائة وتهدي مائة إلاَّ أنبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة  ، فقام إليه رجل فقال : أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر ؟ فقال أمير المؤمنين : والله لقد حدَّثني خليلي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بما سألت عنه  ، وإن على كل طاقة شعر في رأسك ملكاً يلعنك  ، وعلى كل طاقة شعر في لحيتك شيطان يستفزّك  ، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وآية ذلك مصداق ما خبَّرتك به  ، ولولا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به  ، ولكنَّ آية ذلك ما أنبأتك به من لعنتك وسخلك الملعون  ، وكان ابنه في ذلك الوقت صبيّاً صغيراً يحبو.
    فلمَّا كان من أمر الحسين ما كان تولَّى قتله كما قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) (2).
    وعن سويد بن غفلة قال : كنت أنا عند أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إذ أتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين! جئتك من وادي القرى  ، وقد مات خالد بن عرفطة  ، فقال له أمير المؤمنين : إنه لم يمت  ، فأعادها عليه  ، فقال له علي ( عليه السلام ) : لم يمت  ، والذي نفسي
1 ـ الأمالي الصدوق : 196 ح 1  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/256 ح 5  ، شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 2/286.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/258 ح 7 عن الإرشاد : 1/330.


(543)
بيده لا يموت  ، فأعادها عليه الثالثة فقال : سبحان الله! أخبرك أنه مات وتقول لم يمت ؟ فقال له علي ( عليه السلام ) : لم يمت  ، والذي نفسي بيده لا يموت حتى يقود جيش ضلالة يحمل رايته حبيب بن جمَّاز.
    قال : فسمع بذلك حبيب  ، فأتى أمير المؤمنين فقال له : أناشدك الله فيَّ فإني لك شيعة  ، وقد ذكرتني بأمر لا والله ما أعرفه من نفسي  ، فقال له علي ( عليه السلام ) : إن كنت حبيب بن جماز فلتحملنّها  ، فولَّى عنه حبيب  ، وأقبل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقول : إن كنت حبيب بن جماز لتحملنّها.
    قال أبو حمزة : فوالله ما مات ( أي خالد بن عرفطة ) حتى بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي ( عليه السلام )   ، وجعل خالد بن عرفطة على مقدّمته  ، وحبيب صاحب رايته (1).
    وعن أبي عبدالله الجدلي قال : دخلت على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والحسين إلى جنبه  ، فضرب بيده على كتف الحسين  ، ثمَّ قال : إن هذا يقتل ولا ينصره أحد  ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين! والله إن تلك الحياة سوء  ، قال : إن ذلك لكائن (2).
    وعن هانىء بن هانىء عن علي ( عليه السلام ) قال : ليقتل الحسين قتلا  ، وإني لأعرف تربة الأرض التي يقتل عليها قريباً من النهرين.
    وعن جابر  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قال علي للحسين : يا أبا عبدالله أسوة أنت قدماً ؟ فقال : جعلت فداك ما حالي ؟ قال : علمت ما جهلوا  ، وسينتفع عالم بما علم  ، يا بنيّ  ، اسمع وأبصر من قبل أن يأتيك  ، فو الذي نفسي بيده ليسفكن بنو أمية دمك  ، ثمَّ لا يريدونك (3) عن دينك  ، ولا ينسونك ذكر ربِّك  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) :
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/259 ح 11 عن بصائر الدرجات.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/261 ح 15 عن كامل الزيارات.
3 ـ قال العلامة المجلسي عليه الرحمة في البحار : قوله ( عليه السلام ) : « لا يريدونك » أي لا يريدون صرفك عن دينك  ، والأصوب لا يردونك  ، وفي كامل الزيارات : ثم لا يزيلونك.


(544)
والذي نفسي بيده حسبي  ، وأقررت بما أنزل الله  ، وأصدِّق نبيَّ الله  ، ولا أكذب قول أبي (1).
    وعن إسماعيل بن زياد قال : إن علياً ( عليه السلام ) قال للبراء بن عازب ذات يوم : يا براء! يقتل ابني الحسين وأنت حيٌّ لا تنصره  ، فلمَّا قتل الحسين ( عليه السلام ) كان البراء بن عازب يقول : صدق والله علي بن أبي طالب  ، قتل الحسين ولم أنصره  ، ثم يظهر على ذلك الحسرة والندم (2).
    وروى عبدالله بن شريك العامري  ، قال : كنت أسمع أصحاب علي إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد يقولون : هذا قاتل الحسين  ، وذلك قبل أن يقتل بزمان طويل (3).
    وروى سالم بن أبي حفصة  ، قال : قال عمر بن سعد للحسين ( عليه السلام ) : يا أبا عبدالله! إن قَبِلَنا ناساً سفهاء يزعمون أني أقتلك  ، فقال له الحسين : إنهم ليسوا سفهاء ولكنهم حلماء  ، أما إنه يقرُّ عيني أن لا تأكل برَّ العراق بعدي إلاَّ قليلا (4).
    وعن الحسن بن الحكم النخعي  ، عن رجل قال : سمعت أمير المؤمنين صلوات الله عليه وهو يقول في الرحبة  ، وهو يتلو هذه الآية : « فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالاَْرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ » (5) وخرج عليه الحسين ( عليه السلام ) من بعض أبواب المسجد فقال : أما إن هذا سيُقتل وتبكي عليه السماء والأرض.
    وعن إبراهيم النخعي قال : خرج أمير المؤمنين صلوات الله عليه فجلس في المسجد  ، واجتمع أصحابه حوله  ، وجاء الحسين ( عليه السلام ) حتى قام بين يديه  ، فوضع
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/262 ح 16 و17 عن كامل الزيارات.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/262 ح 18 عن بشارة المصطفى.
3 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/262 ح 19 عن الإرشاد للشيخ المفيد : 2/131.
4 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/263 ح 10. عن كشف الغمة : 2/218  ، والإرشاد للشيخ المفيد : 2/132.
5 ـ سورة الدخان  ، الآية : 29.


(545)
يده على رأسه فقال : يا بنيّ! إن الله عيَّر أقواماً في القرآن فقال : « فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالاَْرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ » وأيم الله ليقتلنك  ، ثمَّ تبكيك السماء والأرض (1).
    وقد أخبر ( عليه السلام ) بذلك أيضاً كما روي عنه أنه ( عليه السلام ) لمَّا حضرته الوفاة قال لحسنين ( عليهما السلام ) : يا أبا محمد! ويا أبا عبدالله! كأني بكما وقد خرجت عليكما من بعدي الفتن من ههنا  ، فاصبرا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين. ثمَّ قال : يا أبا عبدالله! أنت شهيد هذه الأمة  ، فعليك بتقوى الله والصبر على بلائه (2).
    قال ابن الأثير في ترجمة غرفة الأزدي قال : وكان من أصحاب النبيّ ( صلى الله عليه وآله )   ، ومن أصحاب الصفة  ، وهو الذي دعا له النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) أن يبارك له في صفقته  ، قال غرفة الأزدي : دخلني شك من شأن عليّ ( عليه السلام )   ، فخرجت معه على شاطىء الفرات  ، فعدل عن الطريق  ، ووقف ووقفنا حوله  ، فقال ( عليه السلام ) بيده : هذا موضع رواحلهم  ، ومناخ ركابهم  ، ومهراق دمائهم  ، بأبي من لا ناصر له في الأرض ولا في السماء إلاَّ الله  ، فلمَّا قتل الحسين ( عليه السلام ) خرجت حتى أتيت المكان الذي قُتلوا فيه  ، فإذا هو كما قال ( عليه السلام ) ما أخطأ شيئاً  ، قال : فاستغفرت الله مما كان مني من الشك  ، وعلمت أن علياً ( عليه السلام ) لم يقدم إلاَّ بما عُهد إليه فيه (3).
    وعن سالم بن أبي جعدة قال : سمعت كعب الأحبار يقول : إن في كتابنا أن رجلا من ولد محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يُقتل  ، ولا يجفُّ عرق دوابّ أصحابه حتى يدخلوا الجنة فيعانقوا الحور العين  ، فمرَّ بنا الحسن ( عليه السلام ) فقلنا : هو هذا ؟ قال : لا  ، فمرَّ بنا الحسين ( عليه السلام ) فقلنا : هو هذا ؟ قال : نعم.
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/209 ح 15 عن كامل الزيارات.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 42/292.
3 ـ أسد الغابة  ، ابن الأثير : 4/169.


(546)
    وعن إمام لبني سليم  ، عن أشياخ لهم قالوا : غزونا بلاد الروم  ، فدخلنا كنيسة من كنائسهم  ، فوجدنا فيها مكتوباً :
أيرجو مَعْشَرٌ قتلوا حسيناً شفاعةَ جدِّه يومَ الحسابِ
    قالوا : فسألنا منذ كم هذا في كنيستكم ؟ قالوا : قبل أن يبعث نبيّكم بثلاث مائة عام.
    وقال الشيخ جعفر بن نما في مثير الأحزان : عن سليمان الأعمش قال : بينا أنا في الطواف أيام الموسم إذا رجل يقول : اللهم اغفر لي  ، وأنا أعلم أنك لا تغفر  ، فسألته عن السبب فقال : كنت أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسين إلى يزيد على طريق الشام  ، فنزلنا أول مرحلة رحلنا من كربلا على دير للنصارى  ، والرأس مركوز على رمح  ، فوضعنا الطعام ونحن نأكل إذا بكفّ على حائط الدير يكتب عليه بقلم حديد سطراً بدم :
أترجو أُمَّةٌ قَتَلَتْ حسيناً شَفَاعَةَ جَدِّهِ يومَ الحِسَابِ
    فجزعنا جزعاً شديداً  ، وأهوى بعضنا إلى الكفّ ليأخذه فغابت  ، فعاد أصحابي.
    وحدَّث عبدالرحمان بن مسلم  ، عن أبيه أنه قال : غزونا بلاد الروم  ، فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من القسطنطينية  ، وعليها شيء مكتوب  ، فسألنا أُناساً من أهل الشام يقرؤون بالروميَّة  ، فإذا هو مكتوب هذا البيت.
    وذكر أبو عمرو الزاهد في كتاب الياقوت  ، قال : قال عبدالله بن الصفار صاحب أبي حمزة الصوفي : غزونا غزاة  ، وسبينا سبياً  ، وكان فيهم شيخ من عقلاء النصارى  ، فأكرمناه وأحسنّا إليه  ، فقال لنا : أخبرني أبي  ، عن آبائه أنهم حفروا في بلاد الروم حفراً قبل أن يُبعث محمد العربيّ بثلاث مائة سنة  ، فأصابوا حجراً عليه مكتوب بالمسند هذا البيت :


(547)
أترجو عُصْبَةٌ قَتَلَتْ حسيناً شفاعةَ جدِّه يومَ الحسابِ (1)
    قال ابن شهر آشوب عليه الرحمة : قال أنس بن مالك : احتفر رجل من أهل نجران حفيرة  ، فوجد فيها لوح من ذهب  ، فيه مكتوب هذا البيت  ، وبعده :
فقد قَدِمُوا عليه بِحُكْمِ جَوْر ستلقى يا يزيدُ غداً عَذَاباً فَخَالَفَ حُكْمُهم حُكْمَ الكتابِ من الرحمنِ يالكَ من عَذَابِ
    فسألناهم : منذ كم هذا في كنيستكم ؟ فقالوا : قبل أن يُبعث نبيِّكم بثلاثمائة عام.
    وقال سعد بن أبي وقاص : إن قس بن ساعدة الأيادي قال قبل مبعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) :
تَخَلَّفَ المقدارَ منهم عُصْبَةٌ والْتَزَمَ الثَّارُ الحسينَ بَعْدَهُ ثاروا بصفّينَ وفي يومِ الجَمَلْ واحتشدوا على ابنِهِ حتَّى قُتِلْ (2)
    ولله درّ العلامة الشيخ حسين البلادي القديحي عليه الرحمة إذ يقول :
أيُّ خَطْب عَرَى البتولَ وطه أيُّ خَطْب أبكى النبيين جَمْعاً أيُّ خَطْب أبكى الملائكَ طُرَّاً ذاك خَطْبُ الحسينِ أَعْظِمْ بخَطْب لستُ أنساه في ثرى الطفِّ أضحى نَزَلُوا منزلا على الماءِ لكنْ وَقَفُوا وَقْفَةً على الْحَرْبِ أَبْدَتْ وَقَفُوا وقفةً لو انَّ الرواسي وَنحى أَعْيُنَ الهُدَى فَعَمَاهَا وله الأوصياءُ عزَّ عَزَاهَا وَقُلُوبَ الإيمانِ شَبَّ لَظَاهَا صَيَّرَ الكائناتِ يجري دِماها في رجال إلهُها زكَّاها لم يَبُلُّوا عن الضَّرَامِ شِفَاها لِلْعُلَى شاهداً على عَلْيَاها وَقَفَتْها لزال منها ذُرَاهَا

1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/225.
2 ـ مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 3/218  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/240 ح 32.


(548)
قد أثاروا من القَتَامِ عَجَاجاً قد أثاروا إلى السَّمَاءِ رعيداً حَسِبَ الناسُ أنَّ ذاك سَمَاها نَفْخَةُ الصُّورِ كان دُونَ صَدَاها (1)

    من معجزات وكرامات سيِّد الشهداء أبي عبدالله الحسين ( عليه السلام ) ما جاء في الكبريت الأحمر  ، قال : خرج الحسين ( عليه السلام ) من المدينة قاصداً زيارة بيت الله الحرام  ، ومعه جمع كثير وجمّ غفير  ، فمرض من الركب رجل  ، فقال للحسين : أشتهي رمّاناً  ، فقال ( عليه السلام ) : هذا بستان فيه أنواع الفواكه  ، فامض إليه وتناول ما شئت  ، ولم يَعهد أحدٌ قبل ذلك هناك أشجاراً وأثماراً ومياهاً  ، فلمَّا شاهد الركب البستان دخلوا وتناولوا كلَّ ما اشتهوا  ، ولمَّا خرجوا غاب البستان عن نظرهم  ، وإذا هم بظبية  ، فأشار الحسين ( عليه السلام ) إليها فأقبلت  ، ثمَّ أمرهم أن يذبحها أحد منهم  ، ولا يكسر لها عظماً  ، إلى أن أكلوا لحمها  ، فدعا ( عليه السلام ) فعادت كما كانت  ، فقال ( عليه السلام ) : أيُّكم يشتهي أن يشرب من حليبها فليحلبها  ، إلى أن شرب كلُّهم من حليبها  ، وكفى الركب كلَّهم ببركة الحسين ( عليه السلام ) ودعائه  ، ثمَّ قال ( عليه السلام ) لها : لك خشفات تنتظرك فانصرفي وأرضعيهنَّ  ، فانصرفت (2).
    وروى محمد الكناني  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام )   ، قال : خرج الحسين بن علي ( عليهما السلام ) (3) في بعض أسفاره  ، ومعه رجل من ولد الزبير بن العوام يقول بإمامته  ،
1 ـ رياح المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 163.
2 ـ معالي السبطين  ، الحائري : 1/106.
3 ـ وفي الخرائج والجرائح للراوندي : 2/571 ح 1 ( الحسن بن علي ( عليهما السلام ).


(549)
فنزلوا في طريقهم بمنزل تحت نخل يابس من العطش  ، ففرش للحسين تحتها  ، وبإزائه نخل ليس عليها رطب  ، قال : فرفع يده  ، ودعا بكلام لم أفهمه  ، فاخضرَّت النخلة وعادت إلى حالها وحملت رطباً  ، فقال الجمَّال الذي اكترى منه : هذا سحر والله  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : ويلك  ، إنه ليس بسحر  ، ولكنها دعوة ابن نبيٍّ مستجابة  ، ثم صعدوا النخلة فجنوا منها ما كفاهم جميعاً (1).
    وروى بعض الأصحاب في كتاب له اسمه التحفة في الكلام  ، قال : روى عبدالله بن عباس  ، قال : كنت جالساً عند الحسين ( عليه السلام )   ، فجاءه أعرابي وقال : ضلَّ بعيري وليس لي غيره  ، وأنت ابن رسول الله  ، أرشدني إليه  ، فقال ( عليه السلام ) : اذهب إلى موضع كذا فإنه فيه  ، وفي مقابله أسد  ، فذهب إلى ذلك الموضع فوجده كما قال ( عليه السلام ).
    وروى السيد ولي بن نعمة الله الرضوي في كتاب ( مجمع البحرين في مناقب السبطين ( عليهما السلام ) ) نقلا من كتاب البهجة  ، عن ابن عباس : أن أعرابياً قال للحسين ( عليه السلام ) يا ابن رسول الله! فقدت ناقتي  ، ولم يكن عندي غيرها  ، وكان أبوك يرشد الضالة  ، ويبلغ المفقود إلى صاحبه  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : اذهب إلى الموضع الفلاني تجد ناقتك واقفة وفي مواجهها ذئب أسود  ، قال : فتوجَّه الأعرابي إلى الموضع  ، ثمَّ رجع فقال للحسين ( عليه السلام ) : يا ابن رسول الله  ، وجدت ناقتي في الموضع الفلاني (2).
    وروى الحسن البصري وأم سلمة : أن الحسن والحسين ( عليهما السلام ) دخلا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وبين يديه جبرئيل  ، فجعلا يدوران يشبِّهانه بدحية الكلبي  ، فجعل جبرئيل يومىء بيده كالمتناول شيئاً  ، فإذا في يده تفَّاحة وسفرجلة ورمَّانة  ، فناولهما  ، وتهلَّل وجههما وسعيا إلى جدِّهما  ، فأخذ منهما فشمَّهما  ، ثمَّ قال : صيرا إلى
1 ـ دلائل الإمامة  ، الطبري : 186 ح 10.
2 ـ إثبات الهداة  ، الحر العاملي : 5/211.


(550)
أمِّكما بما معكما وابدءا بأبيكما  ، فصارا كما أمرهما  ، فلم يأكلوا حتَّى صار النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) إليهم  ، فأكلوا جميعاً  ، فلم يزل كلَّما أكل منه عاد إلى ما كان حتى قُبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ).
    قال الحسين ( عليه السلام ) : فلم يلحقه التغيير والنقصان أيام فاطمة بنت رسول الله حتى توفِّيت  ، فلمَّا توفيت فقدنا الرمَّان وبقي التفَّاح والسفرجل أيام أبي  ، فلمَّا استشهد أمير المؤمنين فقد السفرجل وبقي التفَّاح على هيئته عند الحسن حتى مات في سمِّه  ، وبقيت التفاحة إلى الوقت الذي حوصرت عن الماء  ، فكنت أشمُّها إذا عطشت فيسكن لهب عطشي  ، فلمَّا اشتد عليَّ العطش عضضتها وأيقنت بالفناء.
    قال علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : سمعته يقول ذلك قبل مقتله بساعة  ، فلمَّا قضى نحبَه وجِدَ ريحُها في مصرعه  ، فالتمست فلم ير لها أثر  ، فبقي ريحُها يفوح من قبره  ، فمن أراد ذلك من شيعتنا الزائرين للقبر فليلتمس ذلك في أوقات السحر  ، فإنه يجده إذا كان مخلصاً (1).
    وقال الحجّة الشيخ فرج العمران عليه الرحمة في هذا المعنى :
هَلاَّ شَمَمْتَ رَوَائِحَ التفَّاحِ أَوَمَا انْتَشَقْتَ ثَرَى الضريحِ وَزُرْتَهُ وبكيتَ كالثكلى هناك ولم تكن وذكرتَ مَصْرَعَهُ الذي مِنْ قَبْلِ أَنْ تاللهِ لا أنسى ابنَ أحمدَ بالعَرَى والشمسُ تَصْهَرُ جِسْمَهُ لكنَّه من حَوْلِهِ أبناءُ فِهْر أصبحوا نَسَجَتْ لهم أيدي الرياحِ مَلاَبساً سَحَراً بمثوى خَامِسِ الأشباحِ بكآبة وَتَفَجُّع ونِيَاحِ تُصْغِي لِقَولِ عَوَاذِل وَلَوَاحِي يجري بكاه كُلُّ قَلْب صاحي مُلْقَىً وفي حَرِّ الهجيرةِ ضاحي مُتَظَلِّلٌ بأَسِنَّة وَرِمَاحِ صَرْعَى على وَجْهِ الثرى كأضاحي وَرُؤُوسُهم رُفِعَت على الأَرْمَاحِ

1 ـ مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 3/161.

(551)
مِنْ بَعْدِ أَنْ نَصَرُوه يَا طُوْبَى لهم واستقبلوا عنه الظبا بصُدُورِهِمْ عِنْدَ ازدحامِ الجَيْشِ يومَ صِيَاحِ وبأَوْجُه مِثْلِ البُدُورِ صِبَاحِ (1)

    جاء في الأمالي للشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمد ( عليهما السلام ) يقولان : إن الله تعالى عوَّض الحسين ( عليه السلام ) من قتله أن جعل الإمامة في ذرّيّته  ، والشفاء في تربته  ، وإجابة الدعاء عند قبره  ، ولا تُعدُّ أيام زائريه جائياً وراجعاً. قال محمد بن مسلم : فقلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : هذه الخلال تنال بالحسين ( عليه السلام ) فما له في نفسه ؟ قال : إن الله تعالى ألحقه بالنبيِّ ( صلى الله عليه وآله )   ، فكان معه في درجته ومنزلته  ، ثمَّ تلا أبو عبدالله ( عليه السلام ) : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَان أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ » الآية (2) (3).
    وروى ابن قولويه عليه الرحمة عن محمد بن مسلم  ، قال : خرجت إلى المدينة وأنا وجع  ، فقيل له : محمد بن مسلم وجع  ، فأرسل إليَّ أبو جعفر ( عليه السلام ) شراباً مع الغلام مغطَّى بمنديل  ، فناولنيه الغلام وقال لي : اشربه  ، فإنّه قد أمرني أن لا أبرح حتى تشربه  ، فتناولته فإذا رائحة المسك منه  ، وإذا شراب طيِّب الطعم بارد.
    فلمَّا شربته قال لي الغلام : يقول لك مولاي : إذا شربت فتعال  ، ففكَّرت فيما قال لي  ، وما أقدر على النهوض قبل ذلك على رجلي  ، فلمَّا استقرَّ الشراب في جوفي
1 ـ وسيلة المشتاق  ، الشيخ فرج العمران : 349.
2 ـ سورة الطور  ، الآية : 21.
3 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 89/69 ح 2.


(552)
فكأنما نشطت من عقال  ، فأتيت بابه فاستأذنت عليه  ، فصوَّت بي : صحَّ الجسم  ، ادخل  ، ادخل  ، فدخلت عليه وأنا باك  ، فسلَّمت عليه  ، وقبَّلت يده ورأسه.
    فقال ( عليه السلام ) لي : وما يبكيك يا محمّد ؟ فقلت : جعلت فداك  ، أبكي على اغترابي وبُعد الشقّة وقلّة القدرة على المقام عندك والنظر إليك  ، فقال لي : أمّا قلّة القدرة فكذلك جعل الله أولياءنا وأهل مودّتنا  ، وجعل البلاء إليهم سريعاً  ، وأمّا ما ذكرت من الغربة فإن المؤمن في هذه الدنيا غريب  ، وفي هذا الخلق المنكوس  ، حتى يخرج من هذه الدار إلى رحمة الله  ، وأمّا ما ذكرت من بُعد الشقّة فلك بأبي عبدالله ( عليه السلام ) أسوة  ، بأرض نائية عنّا بالفرات  ، وأمّا ما ذكرت من حبِّك قربنا والنظر إلينا  ، وأنك لا تقدر على ذلك  ، فالله يعلم ما في قلبك  ، وجزاؤك عليه.
    ثمَّ قال ( عليه السلام ) لي : هل تأتي قبر الحسين ؟ قلت : نعم  ، على خوف ووجل  ، فقال : ما كان في هذا أشدّ فالثواب فيه على قدر الخوف  ، فمن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم يقوم الناس لربِّ العالمين  ، وانصرف بالمغفرة  ، وسلَّمت عليه الملائكة  ، وزاره النبي ( صلى الله عليه وآله ) ودعا له  ، وانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء  ، واتبع رضوان الله.
    ثمَّ قال لي ( عليه السلام ) : كيف وجدت الشراب ؟ فقلت : أشهد أنكم أهل بيت الرحمة  ، وأنّك وصيُّ الأوصياء  ، لق أتاني الغلام بما بعثت وما أقدر على أن أستقلَّ على قدمي  ، ولقد كنت آيساً من نفسي  ، فناولني الشراب فشربته  ، فما وجدت مثل ريحه  ، ولا أطيب من ذوقه ولا طعمه  ، ولا أبرد منه  ، فلمَّا شربته قال لي الغلام : إنه أمرني أن أقول لك : إذا شربته فأقبل إليَّ  ، وقد علمت شدّ ما بي فقلت : لأذهبنَّ إليه ولو ذهبت نفسي  ، فأقبلت إليك وكأني نشطت من عقال  ، فالحمد لله الذي جعلكم رحمة لشيعتكم.
    فقال ( عليه السلام ) : يا محمد! إن الشراب الذي شربته فيه من طين قبور آبائي  ، وهو


(553)
أفضل ما استشفي به  ، فلا تعدلن به  ، فإنّا نسقيه صبياننا ونساءنا فنرى فيه كل خير  ، فقلت له : جعلت فداك  ، إنّا لنأخذ منه ونستشفي به ؟
    فقال : يأخذه الرجل  ، فيخرجه من الحير وقد أظهره  ، فلا يمرُّ بأحد من الجنّ به عاهة  ، ولا دابّة ولا شيء به آفة إلاَّ شمَّة  ، فتذهب بركته  ، فيصير بركته لغيره  ، وهذا الذي نتعالج به ليس هكذا  ، ولولا ما ذكرت لك ما تمسَّح به شيء ولا شرب منه شيء إلاَّ أفاق من ساعته  ، وما هو إلاَّ كالحجر الأسود  ، أتاه أصحاب العاهات والكفر والجاهلية  ، وكان لا يتمسَّح به أحد إلاَّ أفاق  ، قال : وكان كأبيض ياقوتة  ، فاسودَّ حتى صار إلى ما رأيت.
    فقلت : جعلت فداك  ، وكيف أصنع به ؟ فقال : أنت تصنع به مع إظهارك إيّاه ما يصنع غيرك  ، تستخفّ به فتطرحه في خرجك وفي أشياء دنسة  ، فيذهب ما فيه مما تريد به  ، فقلت : صدقت جعلت فداك.
    قال ( عليه السلام ) : ليس يأخذه أحد إلاَّ وهو جاهل بأخذه  ، ولا يكاد يسلم بالناس  ، فقلت : جعلت فداك  ، وكيف لي أن آخذه كما تأخذ ؟ فقال لي : أعطيك منه شيئاً ؟ فقلت : نعم  ، قال : فإذا أخذته فكيف تصنع به ؟ قلت : أذهب به معي  ، قال : في أيِّ شيء تجعله ؟ قلت : في ثيابي  ، قال : فقد رجعت إلى ما كنت تصنع  ، اشرب عندنا منه حاجتك ولا تحمله  ، فإنه لا يسلم لك  ، فسقاني منه مرّتين  ، فما أعلم أني وجدت شيئاً مما كنت أجد حتى انصرفت (1).
    وروي عن محمد بن عيسى  ، عن رجل قال : بعث إليَّ أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) من خراسان ثياب رزم  ، وكان بين ذلك طين  ، فقلت للرسول : ما هذا ؟ قال : هذا طين قبر الحسين ( عليه السلام )   ، ما كاد يوجِّه شيئاً من الثياب ولا غيره إلاَّ ويجعل فيه الطين  ، فكان يقول : هو أمان بإذن الله.
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 98/120 ـ 122 ح 9 عن كامل الزيارات  ، ابن قولويه : 463 ـ 465 ح 7.

(554)
    وروي عن الحسين بن أبي العلا قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : حنِّكوا أولادكم بتربة الحسين  ، فإنه أمان (1).
    وعن أبي عمرو شيخ من أهل الكوفة  ، عن الثمالي  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : كنت بمكة ـ وذكر في حديثه ـ قلت : جعلت فداك  ، إني رأيت أصحابنا يأخذون من طين قبر الحسين يستشفون به  ، هل في ذلك شيء مما يقولون من الشفاء ؟ قال : قال : يستشفي بما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال  ، وكذلك طين قبر جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وكذلك طين قبر الحسن وعلي ومحمد ( عليهم السلام ) ، فخذ منها فإنها شفاء من كل سقم  ، وجُنَّة مما تخاف  ، ولا يعدلها شيء من الأشياء التي يستشفي بها إلاَّ الدعاء  ، وإنما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها وقلَّة اليقين لمن يعالج بها  ، فأمَّا من أيقن أنها له شفاء إذ تعالج بها كفته بإذن الله من غيرها مما يتعالج به  ، ويفسدها الشياطين والجنّ من أهل الكفر منهم يتمسَّحون بها  ، وما تمرَّ بشيء إلاَّ شمها  ، وأمَّا الشياطين وكفَّار الجنّ فإنهم يحسدون ابن آدم عليها  ، فيتمسَّحون بها فيذهب عامة طيبها  ، ولا يخرج الطين من الحير إلاَّ وقد استعدَّ له ما لا يُحصى منهم  ، والله إنّها لفي يَدَيْ صاحبها وهم يتمسَّحون بها  ، ولا يقدرون مع الملائكة أن يدخلوا الحير  ، ولو كان من التربة شيء يسلم ما عولج به أحد إلاَّ برىء من ساعته.
    فإذا أخذتها فاكتمها  ، وأكثر عليها ذكر الله عزَّ وجلَّ  ، وقد بلغني أن بعض من يأخذ من التربة شيئاً يستخفّ به  ، حتى إن بعضهم ليطرحها في مخلاة الإبل والبغل والحمار  ، أو في وعاء الطعام وما يمسح به الأيدي من الطعام والخرج والجوالق  ، فكيف يستشفي به مَنْ هذا حاله عنده ؟ ولكنَّ القلب الذي ليس فيه اليقين من المستخفّ بما فيه صلاحه يفسد عليه عمله (2)
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 98/124 عن كامل الزيارات : 466 ح 1 و 2.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي 98/126 ح 32 عن كامل الزيارات : 470 ـ 471 ح 5.


(555)
    وروي عن أبي بكار  ، قال : أخذت من التربة التي عند رأس الحسين بن علي ( عليه السلام ) طيناً أحمر  ، فدخلت على الرضا ( عليه السلام ) فعرضتها عليه  ، فأخذها في كفّه  ، ثمَّ شمَّها  ، ثمَّ بكى حتى جرت دموعه  ، ثمَّ قال : هذه تربة جدّي.
    وروي عن جابر الجعفي  ، قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : طين قبر الحسين ( عليه السلام ) شفاء من كل داء  ، وأمان من كل خوف  ، وهو لما أخذ له (1).
    وروي عن بعض أصحاب أبي الحسن موسى ( عليه السلام )   ، قال : دخلت إليه فقال : لا تستغني شيعتنا عن أربع : خمرة يصلّي عليها  ، وخاتم يتختَّم به  ، وسواك يستاك به  ، وسبحة من طين قبر أبي عبدالله الحسين ( عليه السلام )   ، فيها ثلاث وثلاثون حبَّة  ، متى قلَّبها ذاكراً لله كتب له بكل حبة أربعون حسنة  ، وإذا قلَّبها ساهياً يعبث بها كتب الله له عشرون حسنة.
    وعن محمّد الحميري قال : كتبت إلى الفقيه أسأله : هل يجوز أن يُسبِّح الرجل بطين القبر ؟ وهل فيه فضل ؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : تسبِّح به  ، فما من شيء من التسبيح أفضل منه  ، ومن فضله أن المسبِّح ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له ذلك التسبيح.
    قال : وكتبت إليه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره  ، هل يجوز ذلك أم لا ؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : يوضع مع الميت في قبره  ، ويخلط بحنوطه إن شاء الله (2).
    وروى مؤلّف المزار الكبير باسناده  ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي  ، عن أبيه  ، عن الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : إن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كانت سبحتها من خيط صوف مفتَّل معقود عليه عدد التكبيرات  ، وكانت ( عليها السلام ) تديرها
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي 98/131.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي 98/132.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس