|
||||||||||||||||||||||||||||||
(541)
ثمَّ ترد عليَّ راية تلمع وجوههم نوراً ، فأقول لهم : من أنتم ؟ فيقولون : نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى من أمَّة محمد المصطفى ، ونحن بقيَّة أهل الحقّ ، حملنا كتاب ربِّنا ، وحلَّلنا حلاله ، وحرَّمنا حرامه ، وأحببنا ذرّيّة نبيِّنا محمَّد ، ونصرناهم من كلِّ ما نصرنا به أنفسَنَا ، وقاتلنا معهم من ناواهم ، فأقول لهم : أبشروا فأنا نبيُّكم محمد ، ولقد كنتم في الدنيا كما قلتم ، ثمَّ أسقيهم من حوضي ، فيصدرون مروّيين مستبشرين ، ثمَّ يدخلون الجنَّة خالدين فيها أبد الآبدين (1).
ولله درّ السيد الحميري عليه الرحمة إذ يقول :
روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة ، عن الأصبغ بن نباتة قال : بينا أمير 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/247. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 47/331 ـ 332. (542)
المؤمنين ( عليه السلام ) يخطب الناس وهو يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله لا تسألوني عن شيء مضى ، ولا عن شيء يكون إلاَّ نبأتكم به فقام إليه سعد بن أبي وقاص فقال : يا أمير المؤمنين! أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة ؟ فقال له : أما والله لقد سألتني عن مسألة حدَّثني خليلي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنك ستسألني عنها ، وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلاَّ وفي أصلها شيطان جالس ، وإن في بيتك لسخلا يقتل الحسين ابني ، وعمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه (1).
وروى الشيخ المفيد عليه الرحمة قال : وجاء في الآثار أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان يخطب ، فقال في خطبته : سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله لا تسألوني عن فئة تضلّ مائة وتهدي مائة إلاَّ أنبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة ، فقام إليه رجل فقال : أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر ؟ فقال أمير المؤمنين : والله لقد حدَّثني خليلي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بما سألت عنه ، وإن على كل طاقة شعر في رأسك ملكاً يلعنك ، وعلى كل طاقة شعر في لحيتك شيطان يستفزّك ، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وآية ذلك مصداق ما خبَّرتك به ، ولولا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به ، ولكنَّ آية ذلك ما أنبأتك به من لعنتك وسخلك الملعون ، وكان ابنه في ذلك الوقت صبيّاً صغيراً يحبو. فلمَّا كان من أمر الحسين ما كان تولَّى قتله كما قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) (2). وعن سويد بن غفلة قال : كنت أنا عند أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إذ أتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين! جئتك من وادي القرى ، وقد مات خالد بن عرفطة ، فقال له أمير المؤمنين : إنه لم يمت ، فأعادها عليه ، فقال له علي ( عليه السلام ) : لم يمت ، والذي نفسي 1 ـ الأمالي الصدوق : 196 ح 1 ، بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : 44/256 ح 5 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 2/286. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/258 ح 7 عن الإرشاد : 1/330. (543)
بيده لا يموت ، فأعادها عليه الثالثة فقال : سبحان الله! أخبرك أنه مات وتقول لم يمت ؟ فقال له علي ( عليه السلام ) : لم يمت ، والذي نفسي بيده لا يموت حتى يقود جيش ضلالة يحمل رايته حبيب بن جمَّاز.
قال : فسمع بذلك حبيب ، فأتى أمير المؤمنين فقال له : أناشدك الله فيَّ فإني لك شيعة ، وقد ذكرتني بأمر لا والله ما أعرفه من نفسي ، فقال له علي ( عليه السلام ) : إن كنت حبيب بن جماز فلتحملنّها ، فولَّى عنه حبيب ، وأقبل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقول : إن كنت حبيب بن جماز لتحملنّها. قال أبو حمزة : فوالله ما مات ( أي خالد بن عرفطة ) حتى بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي ( عليه السلام ) ، وجعل خالد بن عرفطة على مقدّمته ، وحبيب صاحب رايته (1). وعن أبي عبدالله الجدلي قال : دخلت على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والحسين إلى جنبه ، فضرب بيده على كتف الحسين ، ثمَّ قال : إن هذا يقتل ولا ينصره أحد ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين! والله إن تلك الحياة سوء ، قال : إن ذلك لكائن (2). وعن هانىء بن هانىء عن علي ( عليه السلام ) قال : ليقتل الحسين قتلا ، وإني لأعرف تربة الأرض التي يقتل عليها قريباً من النهرين. وعن جابر ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قال علي للحسين : يا أبا عبدالله أسوة أنت قدماً ؟ فقال : جعلت فداك ما حالي ؟ قال : علمت ما جهلوا ، وسينتفع عالم بما علم ، يا بنيّ ، اسمع وأبصر من قبل أن يأتيك ، فو الذي نفسي بيده ليسفكن بنو أمية دمك ، ثمَّ لا يريدونك (3) عن دينك ، ولا ينسونك ذكر ربِّك ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/259 ح 11 عن بصائر الدرجات. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/261 ح 15 عن كامل الزيارات. 3 ـ قال العلامة المجلسي عليه الرحمة في البحار : قوله ( عليه السلام ) : « لا يريدونك » أي لا يريدون صرفك عن دينك ، والأصوب لا يردونك ، وفي كامل الزيارات : ثم لا يزيلونك. (544)
والذي نفسي بيده حسبي ، وأقررت بما أنزل الله ، وأصدِّق نبيَّ الله ، ولا أكذب قول أبي (1).
وعن إسماعيل بن زياد قال : إن علياً ( عليه السلام ) قال للبراء بن عازب ذات يوم : يا براء! يقتل ابني الحسين وأنت حيٌّ لا تنصره ، فلمَّا قتل الحسين ( عليه السلام ) كان البراء بن عازب يقول : صدق والله علي بن أبي طالب ، قتل الحسين ولم أنصره ، ثم يظهر على ذلك الحسرة والندم (2). وروى عبدالله بن شريك العامري ، قال : كنت أسمع أصحاب علي إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد يقولون : هذا قاتل الحسين ، وذلك قبل أن يقتل بزمان طويل (3). وروى سالم بن أبي حفصة ، قال : قال عمر بن سعد للحسين ( عليه السلام ) : يا أبا عبدالله! إن قَبِلَنا ناساً سفهاء يزعمون أني أقتلك ، فقال له الحسين : إنهم ليسوا سفهاء ولكنهم حلماء ، أما إنه يقرُّ عيني أن لا تأكل برَّ العراق بعدي إلاَّ قليلا (4). وعن الحسن بن الحكم النخعي ، عن رجل قال : سمعت أمير المؤمنين صلوات الله عليه وهو يقول في الرحبة ، وهو يتلو هذه الآية : « فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالاَْرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ » (5) وخرج عليه الحسين ( عليه السلام ) من بعض أبواب المسجد فقال : أما إن هذا سيُقتل وتبكي عليه السماء والأرض. وعن إبراهيم النخعي قال : خرج أمير المؤمنين صلوات الله عليه فجلس في المسجد ، واجتمع أصحابه حوله ، وجاء الحسين ( عليه السلام ) حتى قام بين يديه ، فوضع 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/262 ح 16 و17 عن كامل الزيارات. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/262 ح 18 عن بشارة المصطفى. 3 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/262 ح 19 عن الإرشاد للشيخ المفيد : 2/131. 4 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/263 ح 10. عن كشف الغمة : 2/218 ، والإرشاد للشيخ المفيد : 2/132. 5 ـ سورة الدخان ، الآية : 29. (545)
يده على رأسه فقال : يا بنيّ! إن الله عيَّر أقواماً في القرآن فقال : « فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالاَْرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ » وأيم الله ليقتلنك ، ثمَّ تبكيك السماء والأرض (1).
وقد أخبر ( عليه السلام ) بذلك أيضاً كما روي عنه أنه ( عليه السلام ) لمَّا حضرته الوفاة قال لحسنين ( عليهما السلام ) : يا أبا محمد! ويا أبا عبدالله! كأني بكما وقد خرجت عليكما من بعدي الفتن من ههنا ، فاصبرا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين. ثمَّ قال : يا أبا عبدالله! أنت شهيد هذه الأمة ، فعليك بتقوى الله والصبر على بلائه (2). قال ابن الأثير في ترجمة غرفة الأزدي قال : وكان من أصحاب النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، ومن أصحاب الصفة ، وهو الذي دعا له النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) أن يبارك له في صفقته ، قال غرفة الأزدي : دخلني شك من شأن عليّ ( عليه السلام ) ، فخرجت معه على شاطىء الفرات ، فعدل عن الطريق ، ووقف ووقفنا حوله ، فقال ( عليه السلام ) بيده : هذا موضع رواحلهم ، ومناخ ركابهم ، ومهراق دمائهم ، بأبي من لا ناصر له في الأرض ولا في السماء إلاَّ الله ، فلمَّا قتل الحسين ( عليه السلام ) خرجت حتى أتيت المكان الذي قُتلوا فيه ، فإذا هو كما قال ( عليه السلام ) ما أخطأ شيئاً ، قال : فاستغفرت الله مما كان مني من الشك ، وعلمت أن علياً ( عليه السلام ) لم يقدم إلاَّ بما عُهد إليه فيه (3). وعن سالم بن أبي جعدة قال : سمعت كعب الأحبار يقول : إن في كتابنا أن رجلا من ولد محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يُقتل ، ولا يجفُّ عرق دوابّ أصحابه حتى يدخلوا الجنة فيعانقوا الحور العين ، فمرَّ بنا الحسن ( عليه السلام ) فقلنا : هو هذا ؟ قال : لا ، فمرَّ بنا الحسين ( عليه السلام ) فقلنا : هو هذا ؟ قال : نعم. 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/209 ح 15 عن كامل الزيارات. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 42/292. 3 ـ أسد الغابة ، ابن الأثير : 4/169. (546)
وعن إمام لبني سليم ، عن أشياخ لهم قالوا : غزونا بلاد الروم ، فدخلنا كنيسة من كنائسهم ، فوجدنا فيها مكتوباً :
وقال الشيخ جعفر بن نما في مثير الأحزان : عن سليمان الأعمش قال : بينا أنا في الطواف أيام الموسم إذا رجل يقول : اللهم اغفر لي ، وأنا أعلم أنك لا تغفر ، فسألته عن السبب فقال : كنت أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسين إلى يزيد على طريق الشام ، فنزلنا أول مرحلة رحلنا من كربلا على دير للنصارى ، والرأس مركوز على رمح ، فوضعنا الطعام ونحن نأكل إذا بكفّ على حائط الدير يكتب عليه بقلم حديد سطراً بدم :
وحدَّث عبدالرحمان بن مسلم ، عن أبيه أنه قال : غزونا بلاد الروم ، فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من القسطنطينية ، وعليها شيء مكتوب ، فسألنا أُناساً من أهل الشام يقرؤون بالروميَّة ، فإذا هو مكتوب هذا البيت. وذكر أبو عمرو الزاهد في كتاب الياقوت ، قال : قال عبدالله بن الصفار صاحب أبي حمزة الصوفي : غزونا غزاة ، وسبينا سبياً ، وكان فيهم شيخ من عقلاء النصارى ، فأكرمناه وأحسنّا إليه ، فقال لنا : أخبرني أبي ، عن آبائه أنهم حفروا في بلاد الروم حفراً قبل أن يُبعث محمد العربيّ بثلاث مائة سنة ، فأصابوا حجراً عليه مكتوب بالمسند هذا البيت : (547)
وقال سعد بن أبي وقاص : إن قس بن ساعدة الأيادي قال قبل مبعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) :
1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 44/225. 2 ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/218 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44/240 ح 32. (548)
من معجزات وكرامات سيِّد الشهداء أبي عبدالله الحسين ( عليه السلام ) ما جاء في الكبريت الأحمر ، قال : خرج الحسين ( عليه السلام ) من المدينة قاصداً زيارة بيت الله الحرام ، ومعه جمع كثير وجمّ غفير ، فمرض من الركب رجل ، فقال للحسين : أشتهي رمّاناً ، فقال ( عليه السلام ) : هذا بستان فيه أنواع الفواكه ، فامض إليه وتناول ما شئت ، ولم يَعهد أحدٌ قبل ذلك هناك أشجاراً وأثماراً ومياهاً ، فلمَّا شاهد الركب البستان دخلوا وتناولوا كلَّ ما اشتهوا ، ولمَّا خرجوا غاب البستان عن نظرهم ، وإذا هم بظبية ، فأشار الحسين ( عليه السلام ) إليها فأقبلت ، ثمَّ أمرهم أن يذبحها أحد منهم ، ولا يكسر لها عظماً ، إلى أن أكلوا لحمها ، فدعا ( عليه السلام ) فعادت كما كانت ، فقال ( عليه السلام ) : أيُّكم يشتهي أن يشرب من حليبها فليحلبها ، إلى أن شرب كلُّهم من حليبها ، وكفى الركب كلَّهم ببركة الحسين ( عليه السلام ) ودعائه ، ثمَّ قال ( عليه السلام ) لها : لك خشفات تنتظرك فانصرفي وأرضعيهنَّ ، فانصرفت (2). وروى محمد الكناني ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، قال : خرج الحسين بن علي ( عليهما السلام ) (3) في بعض أسفاره ، ومعه رجل من ولد الزبير بن العوام يقول بإمامته ، 1 ـ رياح المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 163. 2 ـ معالي السبطين ، الحائري : 1/106. 3 ـ وفي الخرائج والجرائح للراوندي : 2/571 ح 1 ( الحسن بن علي ( عليهما السلام ). (549)
فنزلوا في طريقهم بمنزل تحت نخل يابس من العطش ، ففرش للحسين تحتها ، وبإزائه نخل ليس عليها رطب ، قال : فرفع يده ، ودعا بكلام لم أفهمه ، فاخضرَّت النخلة وعادت إلى حالها وحملت رطباً ، فقال الجمَّال الذي اكترى منه : هذا سحر والله ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : ويلك ، إنه ليس بسحر ، ولكنها دعوة ابن نبيٍّ مستجابة ، ثم صعدوا النخلة فجنوا منها ما كفاهم جميعاً (1).
وروى بعض الأصحاب في كتاب له اسمه التحفة في الكلام ، قال : روى عبدالله بن عباس ، قال : كنت جالساً عند الحسين ( عليه السلام ) ، فجاءه أعرابي وقال : ضلَّ بعيري وليس لي غيره ، وأنت ابن رسول الله ، أرشدني إليه ، فقال ( عليه السلام ) : اذهب إلى موضع كذا فإنه فيه ، وفي مقابله أسد ، فذهب إلى ذلك الموضع فوجده كما قال ( عليه السلام ). وروى السيد ولي بن نعمة الله الرضوي في كتاب ( مجمع البحرين في مناقب السبطين ( عليهما السلام ) ) نقلا من كتاب البهجة ، عن ابن عباس : أن أعرابياً قال للحسين ( عليه السلام ) يا ابن رسول الله! فقدت ناقتي ، ولم يكن عندي غيرها ، وكان أبوك يرشد الضالة ، ويبلغ المفقود إلى صاحبه ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : اذهب إلى الموضع الفلاني تجد ناقتك واقفة وفي مواجهها ذئب أسود ، قال : فتوجَّه الأعرابي إلى الموضع ، ثمَّ رجع فقال للحسين ( عليه السلام ) : يا ابن رسول الله ، وجدت ناقتي في الموضع الفلاني (2). وروى الحسن البصري وأم سلمة : أن الحسن والحسين ( عليهما السلام ) دخلا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وبين يديه جبرئيل ، فجعلا يدوران يشبِّهانه بدحية الكلبي ، فجعل جبرئيل يومىء بيده كالمتناول شيئاً ، فإذا في يده تفَّاحة وسفرجلة ورمَّانة ، فناولهما ، وتهلَّل وجههما وسعيا إلى جدِّهما ، فأخذ منهما فشمَّهما ، ثمَّ قال : صيرا إلى 1 ـ دلائل الإمامة ، الطبري : 186 ح 10. 2 ـ إثبات الهداة ، الحر العاملي : 5/211. (550)
أمِّكما بما معكما وابدءا بأبيكما ، فصارا كما أمرهما ، فلم يأكلوا حتَّى صار النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) إليهم ، فأكلوا جميعاً ، فلم يزل كلَّما أكل منه عاد إلى ما كان حتى قُبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ).
قال الحسين ( عليه السلام ) : فلم يلحقه التغيير والنقصان أيام فاطمة بنت رسول الله حتى توفِّيت ، فلمَّا توفيت فقدنا الرمَّان وبقي التفَّاح والسفرجل أيام أبي ، فلمَّا استشهد أمير المؤمنين فقد السفرجل وبقي التفَّاح على هيئته عند الحسن حتى مات في سمِّه ، وبقيت التفاحة إلى الوقت الذي حوصرت عن الماء ، فكنت أشمُّها إذا عطشت فيسكن لهب عطشي ، فلمَّا اشتد عليَّ العطش عضضتها وأيقنت بالفناء. قال علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : سمعته يقول ذلك قبل مقتله بساعة ، فلمَّا قضى نحبَه وجِدَ ريحُها في مصرعه ، فالتمست فلم ير لها أثر ، فبقي ريحُها يفوح من قبره ، فمن أراد ذلك من شيعتنا الزائرين للقبر فليلتمس ذلك في أوقات السحر ، فإنه يجده إذا كان مخلصاً (1). وقال الحجّة الشيخ فرج العمران عليه الرحمة في هذا المعنى :
1 ـ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/161. (551)
جاء في الأمالي للشيخ الصدوق عليه الرحمة ، عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمد ( عليهما السلام ) يقولان : إن الله تعالى عوَّض الحسين ( عليه السلام ) من قتله أن جعل الإمامة في ذرّيّته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تُعدُّ أيام زائريه جائياً وراجعاً. قال محمد بن مسلم : فقلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : هذه الخلال تنال بالحسين ( عليه السلام ) فما له في نفسه ؟ قال : إن الله تعالى ألحقه بالنبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) ، فكان معه في درجته ومنزلته ، ثمَّ تلا أبو عبدالله ( عليه السلام ) : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَان أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ » الآية (2) (3). وروى ابن قولويه عليه الرحمة عن محمد بن مسلم ، قال : خرجت إلى المدينة وأنا وجع ، فقيل له : محمد بن مسلم وجع ، فأرسل إليَّ أبو جعفر ( عليه السلام ) شراباً مع الغلام مغطَّى بمنديل ، فناولنيه الغلام وقال لي : اشربه ، فإنّه قد أمرني أن لا أبرح حتى تشربه ، فتناولته فإذا رائحة المسك منه ، وإذا شراب طيِّب الطعم بارد. فلمَّا شربته قال لي الغلام : يقول لك مولاي : إذا شربت فتعال ، ففكَّرت فيما قال لي ، وما أقدر على النهوض قبل ذلك على رجلي ، فلمَّا استقرَّ الشراب في جوفي 1 ـ وسيلة المشتاق ، الشيخ فرج العمران : 349. 2 ـ سورة الطور ، الآية : 21. 3 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 89/69 ح 2. (552)
فكأنما نشطت من عقال ، فأتيت بابه فاستأذنت عليه ، فصوَّت بي : صحَّ الجسم ، ادخل ، ادخل ، فدخلت عليه وأنا باك ، فسلَّمت عليه ، وقبَّلت يده ورأسه.
فقال ( عليه السلام ) لي : وما يبكيك يا محمّد ؟ فقلت : جعلت فداك ، أبكي على اغترابي وبُعد الشقّة وقلّة القدرة على المقام عندك والنظر إليك ، فقال لي : أمّا قلّة القدرة فكذلك جعل الله أولياءنا وأهل مودّتنا ، وجعل البلاء إليهم سريعاً ، وأمّا ما ذكرت من الغربة فإن المؤمن في هذه الدنيا غريب ، وفي هذا الخلق المنكوس ، حتى يخرج من هذه الدار إلى رحمة الله ، وأمّا ما ذكرت من بُعد الشقّة فلك بأبي عبدالله ( عليه السلام ) أسوة ، بأرض نائية عنّا بالفرات ، وأمّا ما ذكرت من حبِّك قربنا والنظر إلينا ، وأنك لا تقدر على ذلك ، فالله يعلم ما في قلبك ، وجزاؤك عليه. ثمَّ قال ( عليه السلام ) لي : هل تأتي قبر الحسين ؟ قلت : نعم ، على خوف ووجل ، فقال : ما كان في هذا أشدّ فالثواب فيه على قدر الخوف ، فمن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم يقوم الناس لربِّ العالمين ، وانصرف بالمغفرة ، وسلَّمت عليه الملائكة ، وزاره النبي ( صلى الله عليه وآله ) ودعا له ، وانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ، واتبع رضوان الله. ثمَّ قال لي ( عليه السلام ) : كيف وجدت الشراب ؟ فقلت : أشهد أنكم أهل بيت الرحمة ، وأنّك وصيُّ الأوصياء ، لق أتاني الغلام بما بعثت وما أقدر على أن أستقلَّ على قدمي ، ولقد كنت آيساً من نفسي ، فناولني الشراب فشربته ، فما وجدت مثل ريحه ، ولا أطيب من ذوقه ولا طعمه ، ولا أبرد منه ، فلمَّا شربته قال لي الغلام : إنه أمرني أن أقول لك : إذا شربته فأقبل إليَّ ، وقد علمت شدّ ما بي فقلت : لأذهبنَّ إليه ولو ذهبت نفسي ، فأقبلت إليك وكأني نشطت من عقال ، فالحمد لله الذي جعلكم رحمة لشيعتكم. فقال ( عليه السلام ) : يا محمد! إن الشراب الذي شربته فيه من طين قبور آبائي ، وهو (553)
أفضل ما استشفي به ، فلا تعدلن به ، فإنّا نسقيه صبياننا ونساءنا فنرى فيه كل خير ، فقلت له : جعلت فداك ، إنّا لنأخذ منه ونستشفي به ؟
فقال : يأخذه الرجل ، فيخرجه من الحير وقد أظهره ، فلا يمرُّ بأحد من الجنّ به عاهة ، ولا دابّة ولا شيء به آفة إلاَّ شمَّة ، فتذهب بركته ، فيصير بركته لغيره ، وهذا الذي نتعالج به ليس هكذا ، ولولا ما ذكرت لك ما تمسَّح به شيء ولا شرب منه شيء إلاَّ أفاق من ساعته ، وما هو إلاَّ كالحجر الأسود ، أتاه أصحاب العاهات والكفر والجاهلية ، وكان لا يتمسَّح به أحد إلاَّ أفاق ، قال : وكان كأبيض ياقوتة ، فاسودَّ حتى صار إلى ما رأيت. فقلت : جعلت فداك ، وكيف أصنع به ؟ فقال : أنت تصنع به مع إظهارك إيّاه ما يصنع غيرك ، تستخفّ به فتطرحه في خرجك وفي أشياء دنسة ، فيذهب ما فيه مما تريد به ، فقلت : صدقت جعلت فداك. قال ( عليه السلام ) : ليس يأخذه أحد إلاَّ وهو جاهل بأخذه ، ولا يكاد يسلم بالناس ، فقلت : جعلت فداك ، وكيف لي أن آخذه كما تأخذ ؟ فقال لي : أعطيك منه شيئاً ؟ فقلت : نعم ، قال : فإذا أخذته فكيف تصنع به ؟ قلت : أذهب به معي ، قال : في أيِّ شيء تجعله ؟ قلت : في ثيابي ، قال : فقد رجعت إلى ما كنت تصنع ، اشرب عندنا منه حاجتك ولا تحمله ، فإنه لا يسلم لك ، فسقاني منه مرّتين ، فما أعلم أني وجدت شيئاً مما كنت أجد حتى انصرفت (1). وروي عن محمد بن عيسى ، عن رجل قال : بعث إليَّ أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) من خراسان ثياب رزم ، وكان بين ذلك طين ، فقلت للرسول : ما هذا ؟ قال : هذا طين قبر الحسين ( عليه السلام ) ، ما كاد يوجِّه شيئاً من الثياب ولا غيره إلاَّ ويجعل فيه الطين ، فكان يقول : هو أمان بإذن الله. 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 98/120 ـ 122 ح 9 عن كامل الزيارات ، ابن قولويه : 463 ـ 465 ح 7. (554)
وروي عن الحسين بن أبي العلا قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : حنِّكوا أولادكم بتربة الحسين ، فإنه أمان (1).
وعن أبي عمرو شيخ من أهل الكوفة ، عن الثمالي ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : كنت بمكة ـ وذكر في حديثه ـ قلت : جعلت فداك ، إني رأيت أصحابنا يأخذون من طين قبر الحسين يستشفون به ، هل في ذلك شيء مما يقولون من الشفاء ؟ قال : قال : يستشفي بما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال ، وكذلك طين قبر جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكذلك طين قبر الحسن وعلي ومحمد ( عليهم السلام ) ، فخذ منها فإنها شفاء من كل سقم ، وجُنَّة مما تخاف ، ولا يعدلها شيء من الأشياء التي يستشفي بها إلاَّ الدعاء ، وإنما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها وقلَّة اليقين لمن يعالج بها ، فأمَّا من أيقن أنها له شفاء إذ تعالج بها كفته بإذن الله من غيرها مما يتعالج به ، ويفسدها الشياطين والجنّ من أهل الكفر منهم يتمسَّحون بها ، وما تمرَّ بشيء إلاَّ شمها ، وأمَّا الشياطين وكفَّار الجنّ فإنهم يحسدون ابن آدم عليها ، فيتمسَّحون بها فيذهب عامة طيبها ، ولا يخرج الطين من الحير إلاَّ وقد استعدَّ له ما لا يُحصى منهم ، والله إنّها لفي يَدَيْ صاحبها وهم يتمسَّحون بها ، ولا يقدرون مع الملائكة أن يدخلوا الحير ، ولو كان من التربة شيء يسلم ما عولج به أحد إلاَّ برىء من ساعته. فإذا أخذتها فاكتمها ، وأكثر عليها ذكر الله عزَّ وجلَّ ، وقد بلغني أن بعض من يأخذ من التربة شيئاً يستخفّ به ، حتى إن بعضهم ليطرحها في مخلاة الإبل والبغل والحمار ، أو في وعاء الطعام وما يمسح به الأيدي من الطعام والخرج والجوالق ، فكيف يستشفي به مَنْ هذا حاله عنده ؟ ولكنَّ القلب الذي ليس فيه اليقين من المستخفّ بما فيه صلاحه يفسد عليه عمله (2) 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 98/124 عن كامل الزيارات : 466 ح 1 و 2. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي 98/126 ح 32 عن كامل الزيارات : 470 ـ 471 ح 5. (555)
وروي عن أبي بكار ، قال : أخذت من التربة التي عند رأس الحسين بن علي ( عليه السلام ) طيناً أحمر ، فدخلت على الرضا ( عليه السلام ) فعرضتها عليه ، فأخذها في كفّه ، ثمَّ شمَّها ، ثمَّ بكى حتى جرت دموعه ، ثمَّ قال : هذه تربة جدّي.
وروي عن جابر الجعفي ، قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : طين قبر الحسين ( عليه السلام ) شفاء من كل داء ، وأمان من كل خوف ، وهو لما أخذ له (1). وروي عن بعض أصحاب أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) ، قال : دخلت إليه فقال : لا تستغني شيعتنا عن أربع : خمرة يصلّي عليها ، وخاتم يتختَّم به ، وسواك يستاك به ، وسبحة من طين قبر أبي عبدالله الحسين ( عليه السلام ) ، فيها ثلاث وثلاثون حبَّة ، متى قلَّبها ذاكراً لله كتب له بكل حبة أربعون حسنة ، وإذا قلَّبها ساهياً يعبث بها كتب الله له عشرون حسنة. وعن محمّد الحميري قال : كتبت إلى الفقيه أسأله : هل يجوز أن يُسبِّح الرجل بطين القبر ؟ وهل فيه فضل ؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : تسبِّح به ، فما من شيء من التسبيح أفضل منه ، ومن فضله أن المسبِّح ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له ذلك التسبيح. قال : وكتبت إليه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره ، هل يجوز ذلك أم لا ؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : يوضع مع الميت في قبره ، ويخلط بحنوطه إن شاء الله (2). وروى مؤلّف المزار الكبير باسناده ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن أبيه ، عن الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : إن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كانت سبحتها من خيط صوف مفتَّل معقود عليه عدد التكبيرات ، وكانت ( عليها السلام ) تديرها 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي 98/131. 2 ـ بحار الأنوار ، المجلسي 98/132. |
||||||||||||||||||||||||||||||
|